تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 616



Haneen
2014-03-18, 11:58 AM
اقلام عربي 616
8/2/2014


جمائل أميركا وأخواتها في البئر الإسرائيلية
بقلم: فؤاد مطر عن الشرق الأوسط
ها هم الإسرائيليون وبالذات بعض أهل الحكم ورجال الدين المؤثرين والأحزاب التي تحترف التعصب والعنف، يعضون الأيادي الأوروبية تواصلا مع جولات من العض للأيادي الأميركية.
ومثلما قال العضاضون عن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي يحاول ومن دون أن يخفف من مستوى التعاطف مع إسرائيل في موضوع المسعى الذي يقوم به لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، أقسى أنواع الكلام، فإنهم ألحقوا التهجم على رئيس الدبلوماسية الأميركية بالتهجم على الحكومات الأوروبية.
عن كيري، الذي قام حتى التهجم عليه بعشرين جولة، قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعالون «إن وزير الخارجية جون كيري يتصرف انطلاقا من هوس في غير محله، وحماسة تبشيرية، ولا يستطيع أن يعلمني أي شيء عن النزاع مع الفلسطينيين، وإن الأمر الوحيد القادر على حل الوضع مع الفلسطينيين هو في حال منح جون كيري جائزة نوبل ليتركنا بسلام..».
مباشرة بعد هذا التهجم بساعات استدعى وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان سفراء كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وقال لهم إن موقف بلادهم ليس مقبولا ويثير شعورا بأنهم فقط يبحثون عن ذرائع لتوجيه الاتهامات إلى إسرائيل. وكان رئيس الوزراء نتنياهو نفسه وصف الانتقادات الأوروبية للتوسع الاستيطاني بأنها «تتسم بالنفاق».
هذا التصرف يثير الاستغراب من عدة نواح؛ فهو يوضح أن الحكومة الإسرائيلية بذئابها الثلاثة، نتنياهو وليبرمان ويعالون، ومعهم وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، تلتقي عند نقطة واحدة هي رفض أي مسعى للتسوية حتى إذا جاء من الحاضنين التاريخيين (الإدارة الأميركية والحكومات الأوروبية). كما يوضح أمرا أساسيا وهو أن وزير الدفاع يعالون، الذي ليس مألوفا منه إقحام نفسه بتصريحات حول أمور ذات طابع دبلوماسي ما دام هنالك وزير خارجية، يخطط لترؤس الحكومة على نحو ما حدث مع الجنرالات السابقين إسحق رابين وآرييل شارون وإيهود باراك، وأنه عندما يتهجم على رئيس الدبلوماسية الأميركية فإنه يبدو في ذلك كمن يجرب كفاءته أو يعرض بضاعته السياسية. بل لعله ما دام التهجم تزامن مع انطفاء عميد مرتكبي المجازر آرييل شارون يبعث من خلال مفردات التهجم برسالة مفادها أنه جاهز ليكون شارون الثاني، أي بما معناه لا مجال أمام أي تسوية، وأن على الوزير جون كيري أن يطوي السعي الذي يقوم به ويصطف إلى جانب المبعوث الأميركي الخاص جورج ميتشل الذي حاول في عام 2009 اقتباس الحل الذي أسهم في إنجازه في آيرلندا الشمالية وتطبيقه بالنسبة إلى موضوع المستوطنات، ثم أشبعه الإسرائيليون استهانات إلى حد أنه آثر طي هذا المسعى الذي هو كما المسعى المتجدد مع وزير الخارجية جون كيري وأيضا الموقف المتعقل من جانب الاتحاد الأوروبي، إنما هي محاولات من أطراف حاضنة وداعمة لإسرائيل ماضيا وحاضرا ودائما، لكن الإسرائيليين لا يتحملون أي مسعى يضع بعض الحق في نصابه.
ونقول ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن الإطار الذي يطرحه جون كيري ومع ذلك تتهجم عليه إسرائيل (في أشخاص أصحاب المناصب السيادية، نتنياهو ووزراء الدفاع والخارجية والاقتصاد) ينص على إقامة دولة فلسطينية «بلا معابر أو حدود أو عاصمة مع بقاء الكتل الاستيطانية والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية»، على نحو ما يقوله أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه. وإذا كان هذا ما يقترحه الوزير كيري ومع ذلك تنهمر التهجمات عليه، فكيف هو حاله لو أنه يريد الوصول بسعيه إلى وضْع المبادرة العربية للسلام موضع التنفيذ؟ وهي المبادرة التي صاغها الملك عبد الله بن عبد العزيز، وحظيت بالإجماع في القمة العربية الدورية في بيروت.
نخلص إلى القول إن إسرائيل تريد من كيري 2014 أن يكون مثل كيري 2004 الذي كان مرشحا لرئاسة الجمهورية ضد جورج بوش الابن وغازل زمنذاك الناخبين اليهود أملا في الفوز الذي لم يتحقق، قائلا «إنني خلال عشرين سنة في مجلس الشيوخ كنت فخورا بالتزامي غير المتزعزع بدولة يهودية آمنة، وانعكس ذلك في كل قرار تم التصويت عليه وفي كل رسالة تم توقيعها، وإنني أضمن لكم أن هذا الدعم وهذه الجهود لصالح حليفتنا الديمقراطية والحيوية سوف يستمر».
بين الأقوال المأثورة والأمثلة الشعبية في تراثنا وتراث أمم أخرى ما يلخّص حالة جون كيري والحكومات الأوروبية مع إسرائيل، ومنها المثل القائل «يشرب من البئر ويرمي فيها حجرا».
وبالنسبة إلى إسرائيل فإنها على مدى أكثر من ستة عقود تعبُّ من البئر الأميركية - الأوروبية عبا مواقف سياسية وأموالا وأسلحة و«فيتوات» واحدا بعد الآخر، وعند أول لفْت انتباه لها ترمي في البئر حجارة هي عبارة عن قاذورات كلامية. ومع الأسف يلقى ذلك دائما التفهم عملا بالمثل القائل «ضرْب الحبيب زبيب».. أي أن مفردات الشتيمة الإسرائيلية في حق أصحاب الجمائل الأميركيين والأوروبيين سهلة البلع لدى هؤلاء، كما لو أنها بحلاوة العسل، فيما الحكمة والحنكة والمطالب المحقة العربية دائما غصة في الحلق.

سيادة الرئيس… ونهاية النفق
بقلم: صلاح الدين ابو حمدية (طالب علوم سياسية في جامعة بيرزيت) عن القدس العربي
مسرحية جديدة تتمثل علينا بمشروع قوات الناتو على الحدود المجهــــولة المعالم والخارطة، في ظل تصريحات اسرائيلية متزايدة حول يهودية الدولة وعدم اعطاء الفلسطينيين أي حق وكل الأخبار التي تتعلــــق بفلسطين والفلسطينيين يتم التعامل فيها وكأننا لسنا على أي خارطة طبيعية أو سياسية. وليس هذا اسوأ ما في الأمر بقدر الشرعية التي تعطيـــــها المنظــــمة والسلطة لاسرائيل من خلال عملية المفاوضات.
يتضح تماماً في كل مشروع أو خطة أو تصرف يقوم به سيادة الرئيس ومن حوله أن ذخيرتهم نفدت ووصلوا إلى طريق مسدود، طرح فعلي لفشل متكرر، من إنهاء المقاومة حتى الدولة والامم المتحدة وأنت من قال يا سيادة الرئيس ان القضية ضاعت في اروقة الامم المتحدة – وخطة كيري وقبلها من المشاريع الكثيرة نذكر منها بيلين-عباس، وربما منها ‘بيع′ الاسمنت لبناء جدار الفصل العنصري – ربما حتى لا يكون في الأمر ايد خارجية! -، لم يعد لسيادة الرئيس محمود عباس خيارات إيجابية تخرجه من مأزقه، فهو كلما حاول أن يخرج من هذه الورطة ‘السلطوية’ بمشروع أو خطة أو اتفاقية سلام واستمرار المفاوضات، ازدادت الأمور تعقيداً فلا نيوليبرالية فياض أتت أُكلها ولا أي نوع سلام حقق أي نصر، هو تماماً يريد أن يخرج من هذه المعضلة لن اقول دون فشل، لكن بالصيت الطيب والذكرى الحسنة – آخرها التهديد الاسرائيلي وعودة دحلان والذي يبدو أنه الطرح لفصل قادم ، فهو يحاول إرضاء جميع الأطراف لكن هذا من سابع المستحيلات! أن ترضي شعبك، والإحتلال بنفس الوقت لأن ما يريده الإحتلال لن يُرضي شعبك وما يريده شعبك لن ينظر له الإحتلال بعين الإعتبار واستبعد تماماً أن يقلب محمود عباس نهجه رأساً على عقب! مخالفاً كل ما عمل لاجله طوال هذه السنين.
سيادة الرئيس محمود عباس… طريقك مسدود ولم يعد في أي من الخيارات ما يضمن مصلحة الشعب الفلسطيني فلا دولة ولا دويلة ولا مقاومة بل مفاوضات تعطي السلطة الفلسطينية والاحتلال شرعية للاشرعي، وليس هذا رأيا شخصيا أو هجوما لشخصك بقدر ما هو قراءة لأرض الواقع تحاول اقناعنا فيها أن المركبة التي تسير إلى الحلم الفلسطيني لا تنزلق في انحدار شديد، وأن كل شيء على ما يرام ونحن نستمر في نهج المفاوضات والحلول الدبلوماسية، وأنت من قال في كتابه القضية آفاق جديدة ‘ان الحديث مع الاسرائيليين يجب ان يكون فقط في ما يتضمن مصلحة الشعب الفلسطيني ومع من يؤمن بقضيتنا في الاطار الذي نحن نحدده من اجل غاية لنا’ فما هو الذي حققناه الا مزيداً من الخسائر للدولة العتيدة، وهل وصلنا الى أي غاية، الوقائع تتحدث بالنفي التام يا سيادة الرئيس.
سيادة الرئيـــــس: حتى الشيوعية كتطبيق ثَبُت فشلها في الاتحاد السوفييتي بقوته وعظمته، وارض الواقع تــــروي لنا فشل اطروحتك في حل القضية الفلسطينية.
وفي فلسطين من افراد قادرة على استثمار نقاط القوة لدينا كشعب يملك حقه في هذه الأرض لتلتقي مع نقطة ضعف الاحتلال. وفي هذه الحالة إن لم ننتصر الآن… لكن لن نخسر. وباسوأ الحالات… يكفي شرعنة اللاشرعي. وهنا نهاية النفق، نفق آخر.

افتتاحية الخليج: ليبرمان واستيراد المزيد من اليهود
بقلم: أسرة التحرير عن الخليج الاماراتية
اليهودي الصهيوني المتطرف المدعو أفيغدور ليبرمان الذي هاجر إلى الكيان الصهيوني من مولدافيا خلال الحقبة السوفييتية العام ،1978 خرج علينا بالأمس بدعوة عنصرية جديدة تستهدف زيادة أعداد اليهود في الكيان، الأمر الذي يستدعي تحقيق الهدف الصهيوني الاستراتيجي وهو أن تكون "إسرائيل" دولة اليهود، بما يعنيه ذلك من تصفية للوجود الفلسطيني والحقوق الفلسطينية .
ليبرمان الذي كان يعمل في شبابه "بلطجياً" في أحد مقاهي مسقط رأسه في مولدافيا، وصار وزيراً لخارجية الكيان، دعا إلى استيراد ثلاثة ملايين ونصف المليون يهودي، كي يصبح عدد سكان "إسرائيل" عشرة ملايين، إنما يطبق مفاهيمه الصهيونية العنصرية من أجل قيام "إسرائيل" اليهودية الصافية والنقية، والخالية من أهلها، لأن أفكاره التي تستند كما كل الصهاينة إلى خرافات وأساطير توراتية ترى في "إسرائيل" وطناً لكل اليهود، وما عداهم أغراب "غوييم" يستحقون الطرد .
وإذا ما تحققت دعوة ليبرمان، فإن مسألة استيعاب المستوردين الجدد تستدعي إيجاد أرض لهم وإقامة مستوطنات يهودية عليها . وهذا يقتضي تحقيق أحد أهداف الصهيونية، وهو طرد فلسطينيي ،1948 ووضع اليد على المزيد من الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، باعتبار أنها تشكل جزءاً من "أرض إسرائيل" التي يطلقون عليها مسمى "يهودا والسامرة"، وفق الأساطير التوراتية التي يحاولون تثبيتها كأمر واقع .
هذه الدعوة تحمل نذر كارثة جديدة إذا ما تحققت، ستكون ذروة تحقيق الحلم اليهودي، بأن تكون "إسرائيل" أرض كل اليهود، مع ما تحمله من مخاطر على الحقوق الفلسطينية من جهة، وعلى الوضع الديموغرافي، وعلى ميزان القوى في المستقبل .
ويصير كل كلام عن "دولة فلسطينية" مجرد حلم ليلة صيف، لأنه لن يكون هناك من مكان لهذه الدولة .

نحن و«مهمة كيري»
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
خلال الأيام القليلة الفائتة، استجاب مسؤولون حكوميون كبار، لدعوات النخب السياسية الأردنية المطالبة بـ «كشف المستور» في مهمة كيري، وتباين مواقف الأطراف من أهم بنودها، فضلاً بالطبع، عن الحاجة لتعريف مصالح الدولة الأردنية وتبيان مواقفها من «اتفاق الإطار» الذي يعمل عليه الوزير الأمريكي ويسعى في ترويجه بشتى السبل والأدوات الممكنة.
لكن بعد كل التوضيحات و»الشروحات» التي قدمت للبرلمان أو عبر وسائط الإعلام، ما زلنا في الحقيقة نجهل بالضبط ما الذي جاء به كيري، وما الذي عرضه علينا، والحجة دائماً أن الرجل لم يقدم أفكاراً مكتوبة بعد، لكنه بلا شك، قدم أفكاراً شفهية، وهذه وحدها تكفي لتعريف الرأي العام الأردني بما يدور حوله، ويمس حقوقه ومستقبله من دون شك.
لكننا الآن، بتنا نعرف أمرين هامين: الأول، مصالح الدولة ومواقفها كما ارتسمت على ألسنة رئيس الحكومة ووزير الخارجية والناطق الرسمي باسم الحكومة، والثاني: أن السلطة الفلسطينية، ممثلة برئيسها وكبير مفاوضيها، تضع الأردن أولاً بأول في صورة التطورات الخاصة بمهمة كيري والمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، وأن كل ما كان يقال عن غياب الأردن أو تغييبه، لا أساس له من الصحة.
في تعريف مصالح الدولة الأردنية وتحديد مواقفها، يمكننا أن نوجز ما ورد على ألسنة أركان الحكومة على النحو التالي: الأردن يدعم قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة كاملة على أرضها وحدودها ومياهها وفضائها وعاصمتها ... الأردن لن يتخلى بحال عن حقوق مواطنيه اللاجئين، من ذوي الأصول الفلسطينية، في العودة و/ أو التعويض ... الأردن يرى أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية العتيدة ... والأردن متمسك بدوره في رعاية الأقصى والمقدسات ... الأردن، بخلاف ما تزعم إسرائيل، ليست لديه مشكلة في وجود الفلسطينيين على حدوده الغربية، وهو يرفض المبالغة في الترتيبات الأمنية الإسرائيلية المقترحة، والتي قد تمس أمنه وتؤثر عليه.
عند إمعان النظر في هذه المصالح/ المواقف، ومقارنتها بما تم تسريبه من مصادر متطابقة عديدة، عن جوهر مهمة جون كيري وأفكاره، لن يجد المراقب صعوبة أبداً في الوصول إلى خلاصة مفادها أن ما يحمله الوزير الأمريكي في جعبته، يتعارض مع مصالح الدولة الأردنية ومواقف حكومتها، أو على أقل تقدير، وبلغة أكثر دبلوماسية، لا يستجيب للحد الأدنى من هذه المصالح، مع أن الأردن ما انفك يعلن تأييده ودعمه لمهمة كيري وجهوده لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مفاوضات و»عملية سلام».
بالطبع، ليس مطلوباً من الدبلوماسية الأردنية أن تقف بالمرصاد لمهمة كيري، ولا أن تناصب زعيم الدبلوماسية الأمريكية العداء، ، وأن ترفض مفاوضات قبلها الفلسطينيون أنفسهم، وأن تمتنع عن التعامل مع وزير أمريكي، يجهد الجانب الفلسطيني في تفادي غضبه وتحاشي ردات فعله على أية عرقلة أو إعاقة لمهمة الرجل المدعوم دولياً، وليس أمريكياً فحسب.
لكن الصراحة والمكاشفة، تقتضيان وضع الأمور في نصابها، حتى لا نؤخذ على حين غرة، ولا نترك انطباعات غير حقيقة في أوساط شعبنا والرأي العام ... فمشروع كيري لا يمكن أن ينتج دولة فلسطينية مستقلة وكاملة السيادة على أرضها وفضائها وحدودها، بل دولة من نمط «الجبنة السويسرية» المحاطة بأطواق إسرائيلية أمنية واستيطانية، تجعل السيادة أكذوبة، والاستقلال بدعة ... ومشروع كيري لا يخرج عن ورقة كلينتون الشهيرة بخصوص اللاجئين، والتي تلحظ عودة رمزية منهم إلى ديارهم الأصلية، ومن باب «جمع شمل العائلات، وللجيلين الأول والثاني فقط من اللاجئين»، فكيف يمكن التوفيق بين دعم مبادرة كيري وحفظ حقوق اللاجئين في العودة، استطيع أن أفهم حفظ حقوق اللاجئين في التعويض أو العودة للدولة الفلسطينية أو الهجرة مجدداً إلى بلد ثالث أو البقاء حيث هم، فهذه هي خيارات كلينتون/ كيري، وهذه هي الترجمة الأمينة لمبادرة السلام العربية من باب الإنصاف، حتى لا نعطي تلك المبادرة أكثر مما تستحق.
أما في خصوص القدس الشرقية، فهي ما زالت من وجهة النظر الإسرائيلية جزءاً من «العاصمة الأبدية الموحدة»، أما من وجهة نظر جون كيري، فللفلسطينيين الحق في التطلع لعاصمة «في القدس»، وليس لجعل القدس الشرقية عاصمة لدولتهم، وشتان بين التعبيرين، أما الرعاية فلا مانع لدى كيري أو الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من استمرار الرعاية الهاشمية للمقدسات، لكن هناك محاولة لاستدعاء أطراف عربية وإسلامية أخرى إلى ممارسة دور الرعاية، ولا أرى خارج «التطبيع» أي مغزى لهذه المحاولة، فالقدس الشرقية سياسياً، يجب أن تخضع للولاية الفلسطينية، ودينياً للرعاية الأردنية، ولا حاجة لنا باستدعاء أي جهات إلى هذا المضمار.
الأردن، دعم الموقف الفلسطيني الرافض لـ «يهودية الدولة»، ومشروع جون كيري يقوم ابتداء على «دولة الوطني القومي للشعب اليهودي»، مقابل دولة الوطن القومي للشعب الفلسطيني ... هنا أيضاً تتسع الفجوة بين أفكار كيري من جهة ومصالح الدولة الأردنية ومواقفها من جهة ثانية.
خلاصة القول، أنه لا يمكن لأحد ادعاء أن أفكار كيري ومشروعه، تستجيب لمصالح الدولة الأردنية وتلتقي مع مواقفها، وسيكون من الصعب التجسير ما بين حد أدنى يمكن للأردن أن يقبل به، وحد أقصى يمكن لكيري أن ينتزعه من براثن الإسرائيليين وأنيابهم، وقريباً سنكون أمام لحظة الاختيار والاختبار: فإما القبول بمشروع كيري والتخلي عن جزء من مصالحنا والتراجع عن بعض مواقفنا، ودائماً تحت شعار ليس بالإمكان أبدع مما كان، وما يدرك كله لا يترك جُلّه، وإما رفضه مع كل ما قد يترتب عليه من ضغوطات وتحديات، أو قبوله على نحو مشروط، وبسلسلة من التحفظات، وسنرى خلال أسابيع معدودات، كيف سيكون سلوك الحكومة في ملف بدأ يشغل الرأي العام ويتصدر جدول أعماله، ويثير الكثير من إمارات القلق والتحسب.



«اتفاق إطار» يقوم على «انقسام مضمون»!
بقلم: صبحي غندور عن الراي الكويتية
تساؤلات عديدة تدور الآن حول الحراك الديبلوماسي الذي قام ويقوم به وزير الخارجية الأميركي جون كيري بشأن «الملف الفلسطيني»، وعلى ما يمكن أن يتوصّل إليه من إعلان «اتفاق إطار» جديد بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
فمنذ تولّيه مهام وزارة الخارجية قبل نحو عام، يكرّر الوزير الأميركي زياراته للمنطقة، وقد استطاع دفع السلطة الفلسطينية لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل دون شرط تجميد بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلّة. ويعمل الوزير كيري الآن على إيصال هذه المفاوضات إلى نتيجة قبل انتهاء السقف الزمني المحدّد لها بعد شهرين تقريباً.
طبعاً حركة الوزير كيري وتصريحاته حول مسار هذه المفاوضات حصدت الكثير من النقد والتشكّك في الوسطين الفلسطيني والإسرائيلي، كان من ضمنهما ما قاله يوفال شتاينتز، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، حيث شبّه الوزير كيري «بمن يُصوّب بندقية إلى رأس إسرائيل»، وقبل ذلك كانت انتقادات موشي يعالون، وزير الدفاع في حكومة نتنياهو، وهي بمجملها تحذّر من «مخاطر» قيام دولة فلسطينية وأثر ذلك على المستوطنين، كما تنتقد هذه التصريحات الإسرائيلية إشارات وزير الخارجية الأميركي إلى وجود حملة دولية متصاعدة لمقاطعة إسرائيل في حال عدم التوصّل إلى اتفاقات مع الفلسطينيين.
تُرى، ما هو سبب هذه المواقف الإسرائيلية الناقدة لواشنطن بينما ما يتمّ تسريبه من معلومات عن مضمون «اتفاق الإطار» لا يحقّق حتّى الحدّ الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة؟! يبدو أنّ مراهنات حكومة نتنياهو ومن فيها من ممثلين عن جماعات صهيونية متطرّفة لا تريد حتّى مبدأ وجود دولة فلسطينية بغضّ النظر عن التفاصيل، وهي راهنت ولا تزال على عناصر الضعف والانقسام في الجسمين الفلسطيني والعربي، وتريد توظيف ما يحدث الآن من صراعات عربية داخلية لصالح مزيد من التهويد والاستيطان بحيث لا يكون هناك مستقبل ما يمكن التفاوض عليه مع الفلسطينيين. يكفي الإشارة إلى ما أعلنته إسرائيل منذ نهاية يوليو الماضي عن العمل لبناء ثلاثين ألف وحدة استيطانية في الأراضي المحتلة.
لكن هل هذه الخلافات الأميركية/الإسرائيلية بشأن مشروع الدولة الفلسطينية تعني أنّ ما تقدمه واشنطن من عروض للفلسطينيين هي عروض جيدة ومقبولة من ملايين الفلسطينيين الذين شرّدتهم إسرائيل واحتلّت أرضهم منذ أكثر من ستّة عقود؟! ما جرى تسريبه حتّى الآن من نصوص، يناقش الأميركيون مضمونها مع مفاوضين فلسطينيين وإسرائيليين، لا يشجّع الفلسطينيين على الحماس لها أو بل حتّى على قبولها. فما نُشر من بنود لهذا « الاتفاق-الإطار» يتضمّن انسحاباً إسرائيلياً من الضفة الغربية على مراحل زمنية لسنوات، وعلى أساس حدود العام 1967، لكن مع «تبادل للأراضي» بحيث تبقى في الضفة المستوطنات اليهودية الكبرى خاضعةً للسلطات الإسرائيلية مقابل أراضٍ تُمنح للدولة الفلسطينية من داخل إسرائيل. وتشمل بنود الاتفاق جعل القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية لكن ضمن المناطق التي فيها كثافة سكان فلسطينية فقط.
أي عملياً، لن تكون هناك استعادة كاملة للأراضي الفلسطينية التي احتلّت عام 1967، وكذلك بالنسبة للقدس الشرقية، لكن يحصل الفلسطينيون على «دولة فلسطينية عاصمتها القدس»، وستكون هذه الدولة «منزوعة السلاح»، وفيها تواجد عسكري أميركي وشبكة إنذار مبكّر أميركية على طول الحدود بين الدولتين، إضافةً إلى وضع ترتيبات أمنية في منطقة غور الأردن، ذلك كله لتأمين «ضمانات أمنية» لإسرائيل بمشاركة أمنية أميركية واسعة في الدولة الفلسطينية المزمع إعلانها.
وعلى الفلسطينيين في المقابل الاعتراف بإسرائيل كـ «دولة قومية للشعب اليهودي» وحل قضية اللاجئين من دون المسّ بالطابع اليهودي لإسرائيل، وذلك من خلال عودة نسبة محدودة منهم، توافق عليهم إسرائيل، وبما لا يصل ربّما إلى عشرات الآلاف من الفلسطينيين، على أن يتمّ «توطين» الأعداد الكبرى من اللاجئين في بلدانهم الحالية أو تسهيل هجرة البعض لكندا أو إلى مناطق «الدولة الفلسطينية» بعد إعلانها، مع دفع تعويضات لهم تمكّنهم من العيش كمواطنين في تلك البلدان.
وسيسري «مبدأ التعويض» أيضاً على اليهود العرب الذين هاجروا إلى إسرائيل. أي سيتمّ وضع اللاجئ الفلسطيني الذي طُرد من أرضه ووطنه في مستوى واحد مع اليهودي العربي الذي هاجر إلى إسرائيل ليأخذ منزل الفلسطيني المهجَّر وليقيم «دولة إسرائيل» على أرض فلسطين!
طبعاً حل قضية اللاجئين الفلسطينيين ووضع ترتيبات أمنية أميركية للضفة الغربية ووجود «دولة فلسطينية» يقتضي درجات عالية من التنسيق الأميركي مع الأردن، ولذلك يستضيف الرئيس الأميركي أوباما العاهل الأردني الملك عبد الله في ولاية كاليفورنيا بمنتصف الشهر الجاري، بعد أن التقاه أيضاً في عمّان خلال زيارة أوباما للمنطقة في ربيع العام الماضي.
الأخطر في ما نراه يحدث حالياً هو هذه المراهنات على سوء الأوضاع العربية والفلسطينية من قبل الطرفين الإسرائيلي والأميركي. فحكومة نتنياهو ترفض منذ وجودها في مطلع عام 2009 الدخول في تسويات نهائية بشأن القضية الفلسطينية، وهي عملت جاهدة على إفشال الحراك الأميركي الذي قام به جورج ميتشل، وسعت وما زالت لجعل الصراع مع إيران هو أولاً، ولتوريط الولايات المتحدة في حرب عسكرية ضدّها، بحيث تتوالد مناخات لصراعاتٍ طائفية دامية في العالمين العربي والإسلامي، تُهمّش نهائياً القضية الفلسطينية، وتُبرّر وجود دويلات طائفية ومذهبية في المنطقة.
كما استفادت إسرائيل وتستفيد كثيراً من التداعيات السلبية التي رافقت الانتفاضات الشعبية العربية، ومن ظواهر العنف الطائفي الدموي الذي يحصل الآن في عدّة بلدانٍ عربية من جماعاتٍ ترفع شعارات دينية إسلامية وتخدم في أعمالها الإرهابية السياسة الراهنة لحكومة نتنياهو.
على الطرف الأميركي، نجد إدارة أوباما التي تزامن وجودها مع وجود حكومة نتنياهو، تسعى أيضاً لتوظيف واقع الحال العربي والفلسطيني لكن من أجل تحقيق أجندة تسويات شاملة لكلّ أزمات منطقة الشرق الأوسط وفقاً للرؤى والمصالح الأميركية، والتي تراعي حتماً أمن دولة إسرائيل بغضّ النظر عن الحاكم فيها، وفي صلب هذه الأجندة فرض صيغة تسوية نهائية للصراع العربي/الإسرائيلي، وفي مقدّمته القضية الفلسطينية. لكن كانت مسألة مصير الملايين من اللاجئين الفلسطينيين، ولا تزال، هي العقبة الأكبر أمام أي مشروع تسوية لهذا الصراع.
لذلك، ربّما تجد الإدارة الأميركية فرصة مناسبة جداً الآن لحلّ قضية اللاجئين الفلسطينيين بتوطين معظمهم في دول المشرق العربي من خلال استغلال الانقسامات الطائفية والمذهبية الحاصلة حالياً في هذه البلدان. فظهور جماعات تتحدّث الآن عن اضطهاد «حقوق المسلمين السنّة» وعن مخاطر الغالبية العددية من «المسلمين الشيعة» ربّما يدفع إلى القبول بزيادة عدد السكّان «المسلمين السنّة» من أتباع الأصول الفلسطينية لتحقيق «توازنات عددية» في هذه البلدان! أمّا عن الفلسطينيين المسيحيين فهناك «تشجيع غربي» لهم ولآخرين من المسيحيين العرب للهجرة إلى أوروبا وكندا بأشكال مختلفة، وأيضاً كجزء من توظيف لما يحدث من أعمال اجرامية ترتكب بحقّ مسيحيين عرب وممتلكاتهم لدفعهم إلى هجرة أوطانهم.
في الحالتين، الإسرائيلية والأميركية، لا اعتبار قائماً لموقف فلسطيني موحّد ولا طبعاً لموقف عربي موحّد أو لضغوطات عربية فاعلة تُحسّن الشروط الفلسطينية في المفاوضات. فالضغوط تحصل فقط من الجانب الإسرائيلي على إدارة أوباما التي تمارس بدورها ضغوطاً على الجانب الفلسطيني الفاقد لأيِّ دعمٍ عربيٍّ فاعل، أو لإجماع فلسطيني حوله، والأعزل من سلاح المقاومة، والمحتاج للدعم المالي الأميركي لاستمرار السلطة التي كانت صنيعة توافق «أوسلو»، هذا الذي جرى إعداده بالخفاء ولم يحقّق للفلسطينيين شيئاً مهماً بعد أكثر من عشرين سنة على توقيعه. فهل يكرّر التاريخ نفسه الآن مع «اتفاق إطار» سيقوم على «انقسام مضمون»؟!

إضاءة.. البروباجندا الإسرائيلية في طريقها للزوال
بقلم: ريم الحرمى عن الراية القطرية
تحاول اسرائيل جاهدة إصلاح ما أفسدته سياستها الاستيطانية لفلسطين ومعاملتها القمعية للشعب الفلسطيني، وتفريقها العنصري القائم على العرق الذي لم يسلم منه يهود الفلاشا او اليهود الذين ينحدرون من أصول إفريقية من إثيوبيا وغيرها، الذين ترفض معاملتهم بأسلوب إنساني مساوة باليهود البيض الآخرين الذين يعيشون في اسرائيل. فالسياسة الاسرائيلية القائمة على الفصل العنصري وتهويد كل ما هو على الأراضي الفلسطينية، باتت تأخذ منحى مختلفا فهنالك احتلال من نوع آخر ألا وهو الاحتلال والغزو الثقافي الذي تحاول اسرائيل بشتى الطرق أن تنشره بأسلوب "السياسة الناعمة" البعيدة عن الأسلحة والبعيدة عن العنف، لكن يبدو أن محاولتها في السنوات الاخيرة باءت بالفشل.
فمؤخرا سمعنا عن المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل لأمريكا، وبالرغم من رمزية هذه المقاطعة إلا أنها خطت خطوة أولى ومهمة في كشف الزيف الإسرائيلي وسياساتها الاستيطانية، كذلك فتمت مقاطعة عدد من المصارف الاسرائيلية من قبل أكبر مصرفين في الدنمارك والسويد بسبب تمويل تلك المصارف لإقامة مستوطنات في الأراضي الفلسطينية.
حتى مؤخرا تصاعدت لهجة وزير الخارجية الامريكي جون كيري ضد اسرائيل (بغض النظرعن صدقه) لكن حملها المسؤولية في حالة فشل مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، الأمر الذي أغضب رئيس الوزراء الاسرائيلي وأغضب أكثر اليمين المتطرف في الحكومة الاسرائيلية، بالإضافة الى أن الاتحاد الأوروبي حذر اسرائيل من مغبة تصرفاتها في محادثات السلام تلك وأن عزلتها سوف تزيد من المجتمع الدولي، إذن فالكل متفق بمن فيهم بعض التيارات في اسرائيل أنها ليست في منأى عن عزل نفسها أكثر في المجتمع الدولي.
وفي خضم هذا كله حصل مالم تحسب له حسابا الشركة الاسرائيلية صودا ستريم SodaStream المختصة بصناعة المشروبات الغازية، حيث إنها استخدمت الممثلة الامريكية سكارليت جوهانسون للترويج لمنتجها في بطولة كرة القدم الامريكية وكانت الضربة لهذه الشركة لسببين، السبب الأول أن الإعلان لم تبثه بعض القنوات الامريكية من جهة بسبب تضمن الإعلان اسم شركتين ترعيان البطولة وهما بيبسي وكوكاكولا، أما السبب الثاني وهو الأهم والذي أثار ضجة في الولايات المتحدة وغيرها هو أن الممثلة نفسها سفيرة لمنظمة أوكسفام الخيرية Oxfam غير أن المقاطعة الواسعة والانتقادات التي ألمت بالممثلة دعتها الى الاستقالة من الشركة الخيرية، ووقوفها بجانب الشركة الاسرائيلية. وينبغي القول إنه بسبب التأثير الذي صنعه الإعلام والناشطون للسلام ولفلسطين كان سببا مهما في كشف زيف اسرائيل وتلك الشركة التي تدعي أنها تساعد الفلسطينيين بتشغيلهم لديها، بالإضافة الى أن الشركة تشغل مصانعها في الضفة الغربية لكنها تكتب على منتجاتها صنع في اسرائيل، بالإضافة الى أنه بسبب السياسة الاستيطانية هؤلاء الفلسطينيون العاملون لدى الشركة ليست لديهم بدائل أخرى، لذا فما تدعيه الشركة بأن المقاطعة ستضر بالفلسطينيين هو هراء لا يمت للواقع بصلة.
الاسرائيليون أنفسهم باتوا يخشون المقاطعة الاقتصادية تلك وهذا ما بينته صحيفة هآرتس الاسرائيلية بأنه في الوقت الحالي وبسبب الضغوط الأوروبية ودعاية شركة صودا ستريم التي لم تلق رواجا،ضعفت قيمة الشيكل الاسرائيلي مقابل الدولار، ومن المتوقع أن يتضرر الاقتصاد الاسرائيلي مستقبلا اذا ما استمرت المقاطعة الاقتصادية التي باتت تؤتي أكلها كما يتبين من التقارير الاقتصادية الاسرائيلية، وبالتالي فيتبين يوما بعد يوم أن السلاح الأفضل لجعل الاقتصاد الاسرائيلي أكثر وهنًا هو مقاطعتها وإن كانت تلك المقاطعة تتضمن الشركات الصغيرة إلا أنها مجدية في توجيه صفعة لحكومة الاستيطان التي لا تستطيع إنكار سياستها القمعية ضد الفلسطينيين في ظل تنامي الإعلام غير الحكومي وتصاعد أصوات نشطاء السلام في القضية الفلسطينية.

خريطة الأحزان للمثلث: لبنان وسورية وفلسطين!
بقلم: عادل مالك (إعلامي لبناني) عن الحياة اللندنية
قديماً قيل: كل الطرق تؤدي إلى روما، أيام الإمبراطورية الرومانية، أو إلى الآستانة زمن الإمبراطورية العثمانية، أما اليوم فيقال: كل الطرق تؤدي إلى جنيف. وهناك أكثر من جنيف: هناك «جنيف السورية»، وهناك «جنيف الإيرانية» و «جنيف الشرق والغرب»، والتركيز هنا على مؤتمر جنيف السوري الذي عُقد في جولته الثانية فأُطلق عليه «جنيف - 2»، وسيعُقد مجدداً في 10 شباط (فبراير) الحالي.
وحول ذلك معلومات يجب أن تقال. فقد رافق المؤتمر كثير من الخيبات وقليل من الإنجازات، وعلى رغم ذلك اختلفت الآراء قدر اختلاف انتماء من يتحدث عن النتائج. البعض رأى أن مجرد اللقاء بين وفدي النظام و «بعض المعارضة» في غرفة واحدة مؤشر جيد بحد ذاته. فيما البعض الآخر لاحظ وجود تباعد كبير بينهما.
وإذا كان وليد المعلم ترأس فريق النظام فـ «فريق أحمد الجربا» لم يمثل كل أطياف المعارضة. لقد تم التفاهم على عقد جولة جديدة، واستناداً الى مجريات الأمور سنشهد أكثر من «جنيف 1 و2»، بل هناك «جنيف 3 و4» وربما أكثر. ويعمل الأخضر الإبراهيمي على استخدام كل ما في زاده الديبلوماسي ليبقي الطرفين يلتقيان ويواصلان الكلام. أما بالنسبة للدول المشاركة، فيبدو أن غياب إيران كان له رد فعل سلبي نظراً إلى ما لها من دور تلعبه على الساحة السورية. لذلك، سارع وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى توسيع لائحة المدعوين وأضاف إليها المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا، وهذا سيعطي زخماً أقوى للاجتماعات.
لكن الكلام الواضح الذي يجب قوله يبدأ بالآتي: لا وفد النظام سيقدم رأس الأسد على طبق من فضة، ولن يتخلى طوعاً عن الحكم، ولا وفد المعارضة (أو أحد وفودها) بقادر على المشاركة في السلطة، حتى لو كانت الظروف مهيأة، وهي ليست كذلك إطلاقاً.
فما يعرف باسم «الائتلاف السوري» لا يمثل مختلف فصائل المعارضة، ولذلك يقول بعض الأوساط إن الوفد المشارك سيكون قاصراً عن فرض ما سيتم التفاهم عليه على طاولة المحادثات. وخلال جلسات الحوار السابقة، سأل بشار الجعفري مندوب سورية في الأمم المتحدة المعارضة: إذا ما اتفقنا على قرارات معينة، فهل بإمانكم فرضها على كامل التراب السوري؟ ولم يتلق وفد النظام إجابة واضحة.
كذلك، تجب الإشارة إلى «السجال الخاطف» بين الوزير وليد المعلم والوزير جون كيري، إذ عندما كان المعلم يقرأ خطابه الذي أثار حفيظة بان كي مون نظراً إلى طوله، وعندما وصل إلى الحديث عن الرئيس الأسد، قال إن مصيره يقرره السوريون «يا سيد كيري»، وذلك رداً على كلام كيري من أن الأسد ليس له مكان في مستقبل سورية. وتكمن النقطه الخلافية الكبرى في تفسير عبارة «الهيئة الوزارية المشتركة» لتداول السلطة وتبادلها حيث يبدو التباعد كبيراً، إذ يصر وفد المعارضة على البدء بدراسة فكرة التداول، فيما وفد السلطة يريد الانتقال بنداً بنداً وصولاً إلى هذه النقطة التي تحمل الرقم 8. وهناك ناحية مهمة تجدر الإشارة إليها وهي غياب إيران عن الاجتماعات أو «تغييبـ» ها. فهذا الغياب ينعكس سلباً على حل الأزمة السورية، نظراً إلى ما لإيران من دور ونفوذ فيها. ومن غير المستبعد أن نشهد تصعيداً كبيراً على الصعيد اللوجيستي والميداني في سورية، للتشديد على أن لإيران ذلك الدور الذي يمكن أن تلعبه في تهدئة التوترات. وهنا يتداخل الدور الإيراني ككل سواء باتجاه سورية أو باتجاه «الملف النووي» الذي على ما يبدو بدأ التعاون حوله بين الجانبين في شكل جيد من حيث خضوع المنشآت الإيرانية للرقابة الدولية.
كذلك، ما لفت في خطاب كيري إشارته إلى «أن دولاً كثيرة مستعده لإرسال قوات حفظ سلام إلى سورية». وكأنه بهذا يمهد لـ «تدويل الأزمة السورية» في شكل ما. لكن، على رغم مطالبة واشنطن بضروة رحيل الأسد، لم تعد تصر على «رحيله الفوري» بعد تنامي الهيئات الإسلامية المتطرفة كـ «داعش» و «النصرة» وغيرهما الكثير مما ولد مع الأزمة. وهناك عملية ربط بين الساحتين السورية والفلسطينية. فمع أهمية ما يجري في سورية من ارتكابات وفظاعات، لا يمكن تجاهل ما يجري على المسار الفلسطيني – الإسرائيلي حيث يبذل كيري الكثير من الجهود لتنشيط المفاوضات، وذلك بإصرار من الرئيس أوباما. وتسعى واشنطن بكل الوسائل لبلوغ هذه المفاوضات مرحلة من النجاح، لكن علينا ملاحظة الأمور الآتية:
يطرح الجانب الفلسطيني ضرورة قيام الدولة المستقلة، مقابل دولة إسرائيل، فترد إسرائيل بــ «ضرورة قيام الدولة اليهودية» مقابل الفلسطينية، وهذا يعني أن إسرائيل تصبح دولة للإسرائيليين ولليهود فحسب، ويمنع على الفلسطينيين حتى أصحاب الأراضي في مناطق الــ «48» الإقامة حتى في حدود هذه الدولة. ونقطة أخرى: يطالب الجانب الفلسطيني بالحفاظ على حق العودة، فيرد الجانب الإسرائيلي بتخصيص تعويضات «للجاليات اليهودية التي اضطرت لمغادرة بعض البلاد العربية»!
وحتى الآن ما زال الجانب الفلسطيني يعارض الطروحات الإسرائيلية المدعومة أميركيا، لكن السؤال: إلى متى يمكن أن يبقى الوفد الفلسطيني معارضاً لهذا الضغط الإسرائيلي المدعوم أميركياً بقوة؟ المعلومات الواردة تؤكد أن أوباما مصر إلى أبعد الحدود على تحقيق «اختراق ما» على جبهة المسار الفلسطيني – الإسرائيلي. لذا، يلاحظ أن كيري يقضى في المنطقة وقتاً طويلاً متنقلاً بين عواصمها، عينه على تطور «العلاقات الجديدة» مع إيران، والعين الأخرى على التنسيق الكامل مع إسرائيل لضمان أمنها، وفي المقابل إبداء بعض المرونة لتحقيق «إنجاز ما» في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية خلال الشهور الثلاثة المقبلة.
ونأتي إلى وطن المواجع والآهات. فلماذا هذا الربط بين وضع لبنان ووضع سورية وفلسطين والمنطقة إجمالاً؟ هذا الربط طبيعي نظراً إلى تداخل الأحداث بعضها ببعض، وهذا قدر لبنان البائس حيث يتعايش مع التفجيرات الانتحارية وتسود مختلف الأوساط أجواء خوف وقلق، وسط عجز السلطة واضح عن منع حدوث التفجيرات، على رغم الجهود الكبيرة التي تبذلها الأجهزة المختصة
وإضافة إلى الهم اليومي الضاغط، يزداد الرعب مع التفجيرات، خصوصاً أن موجة التفجيرات «العمياء» لا توفر أحداً، وليست محصورة بجغرافية معينة من الوطن. فاللبناني يخرج من بيته صباحاً ولا يدري ما إذا كان سيعود سالماً. لقد أصبحت «ثقافة الإرهاب» مواكبة لحياة اللبنانيين وتأكيداً لهذا المنحى أصدر فرع الدفاع المدني بلاغاً موجهاً إلى كل الذين يتعرضون لمثل هذه التفجيرات، وما الذي يجب عليهم فعله.
ومع التقدير المطلق لما تبذله قوى الأمن (وفرع الدفاع المدني بالتحديد) من تضحيات، فالبلاغ الصادر يثير بعض الاستغراب، ومن ذلك دعوة المواطنين إلى عدم الخوف و «عدم الارتباك» وألا نستخدم الهاتف الخليوي ومصعد البناية، إلى باقي التعليمات التي لا يمكن التقيد بها، إذ هل يعقل لمن يصادفه تفجير وهو في منزله، أو في الشارع، ألا يساوره الخوف، و «الارتباك»! فوق هذا وذاك تلقي بثقلها أزمة الفشل في تأليف حكومة جديدة، على رغم انقضاء عشرة أشهر ويزيد. وهناك الكلام الكثير عن انحدار الوطن إلى الوادي السحيق، خصوصاً أن لبنان على مقربة من استحقاق دستوري مهم هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية وسط انقسام حاد وتشرذم خطر.
وما هو طاف على سطح الأحداث مؤشر واضح وخطير، ألا وهو أن الأزمة الحقيقية أزمة إعادة تأليف وطن أكثر مما أزمة تأليف حكومة. وبقطع النظر عما ستؤول إليه الأوضاع من تأليف حكومة متوازنة، أو إرغام الظروف رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تمام سلام على إصدار حكومة «الأمر الواقع»، فإننا نتساءل من أين نأتي بوزراء «خارقين للعادة»؟ وهل هناك كوكب آخر يمكن أن نستورد منه وزراء الحكومة العتيدة؟! هل هناك حياديون بالفعل في لبنان؟
وإلى ذلك، هناك التصحر السائد الذي حال دون تساقط الأمطار في موسمها وما للأزمة من تداعيات خطيرة على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والمالي، بحيث يتكامل التصحر المناخي والتصحر السياسي، بل الوطني السائد في طول البلاد وعرضها. وقد ذهب البعض إلى حد المطالبة باستحداث حقيبة وزارية جديدة هي «وزارة المفجّرين» على غرار وزارة المهجرين، طالما أن لجنة الإغاثة تزايد دورها وعملها كثيراً في الآونة الأخيرة، حيث يلاحظ توجه فريق منها لمباشرة كشف الأضرار ودفع المستحقات على أصحابها. إذاً، بين لبنان وسورية وسائر المنطقة علاقة ارتباط عضوي، إذ لا مجال لفض الاشتباك بين ما فرضه التاريخ وما حتمته الجغرافيا، ومعلوم القول: تستطيع أن تغير في التاريخ لكنك لا تستطيع أن تغير في الجغرافيا.
وبعد...
أولاً: عدنا إلى واحدة من المقولات الثابتة والمتحركة وهي: إذا أردت أن تعلم ما الذي يجري في لبنان، فعليك أن تعرف ما الذي يجري في سورية والعراق وفلسطين، وإسرائيل. ودول ما وراء البحار.
ثانياً، لبنانياً: الوضع العام مقبل على مزيد من التصعيد السياسي، وهو على علاقة واضحة بالرئيس الجديد للجمهورية، هذا إذا ما حدثت الانتخابات. فانتخاب الرئيس العتيد عملية معقدة، يصح معها الزعم بأن الأوضاع العامة على مختلف الصعد المحلية والدولية لن تسمح بإتمامها بصورة طبيعية، والحل عندها يكون: دعوا القديم على قدمه، فيصبح التجديد أو التمديد خدمة وطنية.
ثالثاً: سورية بدورها إلى مضاعفات أخطر مما هي فيه وعليه الآن، وسط معادلة تقول: النظام لم يتمكن من حسم الموقف لمصلحته، فيما تفشل المعارضة أو المعارضات في السيطرة على الوضع. لذا، سيراوح الوضع مكانه إلى أن يقضي الله أمراً.
رابعاً: سيتابع الإرهاب من كل نوع، جهاده ونضاله حاصداً المزيد من الأرواح البريئة والتي لا علاقة لها بأي صراع. ومع الأسف الشديد فشلت كل المساعي للحد من أخطار هذا الإرهاب القاتل. حتى ربط أحزمة المقاعد لم يعد صالحاً للأمان.
رأي الوطن: مآسٍ فلسطينية بفعل عنصرية صهيونية
بقلم: أسرة التحرير عن الوطن العمانية
كلما طال الضغط على الفلسطينيين وتجاهُلُ حقوقهم المشروعة، ازداد المتطرفون تطرفًا وعنفًا وطوروا تطرفهم إلى العنصرية والتمزيق ونوع من الإرهاب المنظم على غرار ما نشاهده اليوم من استيطان ينتشر كالسرطان وحصار ظالم ومذابح وتهجير وجدران عنصرية وفرض شروط تعجيزية في مواجهة متطلبات عملية السلام والهروب إلى الأمام لعدم الرغبة في الوفاء بها.
هذه الحقائق تطرح نفسها كل يوم ليس أمام المعنيين بقضايا الشرق الأوسط وبخاصة الصراع العربي ـ الصهيوني وحدهم، وإنما أمام الفلسطينيين أنفسهم بمختلف مكوناتهم وفصائلهم واتجاهاتهم.
ولأن ذاكرة العالم ضعيفة وتضعف أكثر كلما اقترب بذاكرته من حلبة الصراع في الشرق الأوسط فإننا نذكر بالمواقف التي تبسطت فيها عواصم داعمة لكيان الاحتلال الصهيوني على رأسها الولايات المتحدة في مواجهة التطرف الصهيوني وبخاصة منذ قررت الإدارة الأميركية في مطلع التسعينيات تغيير الموقف وإعادة ترتيب الأوضاع في الأولويات الخارجية بادئة بعلاقاتها مع حليفها الاستراتيجي كيان الاحتلال الصهيوني فالتقى بوش الأب بإسحاق شامير طالبًا بوضع حد للتوسع الاستعماري، لكن الصهاينة كانوا يتعاملون مع مثل هذه المطالب ـ بغض النظر عن جديتها ـ بأُذن من طين وأخرى من عجين، فاستمرأوا اغتصاب الحقوق الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني وعزله في كانتونات.
وما هو مؤكد الآن أن كيان الاحتلال الصهيوني ليس فقط يبني مغتصبات جديدة بعد أن (خدر) العالم بزعم وجوب مواكبة النمو السكاني لقطعان المستوطنين، بل بادر ويبادر إلى الترتيب للاستمرار في التهام الضفة الغربية بالكامل وتهويد مدينة القدس بالكامل أيضًا بوسائل تحايلية، كما هو حال التحرك العدواني المثير للاستفزاز بإقامة جدار الفصل العنصري تحت كذبة حماية “إسرائيل” من هجمات “الإرهابيين” الفلسطينيين ومنع تسللهم والذي يدور حوله حاليًّا جدل كبير داخل كيان الاحتلال بسبب إتيانه على قرية بتير ذات الآثار الرومانية والتي من المحتمل إدراجها على لائحة التراث الإنساني العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو).
فالهدف من تغول هذا الجدار العنصري هو جغرافي بسرقة الأرض الفلسطينية وما تختزنه من ماء وفير وقطع الطريق على أي احتمالات بإقامة دولة فلسطينية مستقلة متصلة جغرافيًّا، وكذلك هدف اجتماعي حيث يسعى كيان الاحتلال الصهيوني إلى تمزيق الأسر الفلسطينية ومنع تقاربها وتواصلها في إطار سياسة التطهير العرقي والتهجير التي يمارسها بحق الشعب الفلسطيني، فكم هو مؤلم أن يتردد على مسامع هذا العالم الذي يدَّعي الحرية والديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان أصوات الأطفال الفلسطينيين المحرومين من لقاء أمهاتهم وآبائهم وذويهم، وكم هو متبلد ضمير هذا العالم المدَّعي للحرية عن الاستجابة للنداءات البريئة للطفولة الفلسطينية المعذبة “بدي بابا يرجع على البيت” التي خرجت من بين ثنايا نورا أبو القرايا ذات الأحد عشر عامًا، والتي أطلقت نداء استغاثتها علها تجد صدى لها يساعد والدها الذي منعته سلطات الاحتلال الصهيوني من الوصول إلى عائلته المكونة من خمسة أفراد في مخيم الفارعة بقضاء نابلس بالضفة الغربية، والذي يحرمه أعداء الإنسانية من فلذة كبده لا لجرم أو عملية نفذها ضد الاحتلال وإنما ذنبه الوحيد أنه قرر زيارة أهله في قطاع غزة في مايو الماضي عبر معبر بيت حانون “إيريز”، لتمنعه سلطات الاحتلال الصهيوني بعد ذلك من العودة لمنزله بالضفة الغربية.
إن هذه المآسي يتحمل جزءًا من مسؤوليتها حتمًا الإدارات الأميركية التي لم تكن يومًا حازمة في موقفها على امتداد تاريخ الصراع، وكذلك المجتمع الدولي، ولكن الجزء الأكبر يتحمله الفلسطينيون أنفسهم الذين أتاحوا بانقسامهم الفرصة تلو الفرصة لعدوهم لينهب حقوقهم ويمزق شملهم، الأمر الذي يرتب عليهم دورًا مهمًّا يتركز حول حتمية تعزيز الوحدة الوطنية والالتفاف حول القيادة الموحدة الممثلة في السلطة الوطنية المنتخبة، وتعلية المصالح العليا للشعب الفلسطيني على النظرة الذاتية أو (التنظيمية)، ونبذ الانقسام وتحقيق المصالحة.

من يملأ الفراغ السياسى؟
بقلم: عبد الله السناوى عن الشروق المصرية
سألت الصحفية المخضرمة «باربرا اليجييرو» قبل سنوات: «من الذى انتخبه إذن؟»
كانت تستشعر خجلا، شأن صحفيين إيطاليين آخرين عملوا بالقاهرة أو مروا عليها، من أن يكون رجلا بمواصفات «سيلفيو بيرلسكونى» هو رئيس حكومة بلادها.
أجابت كأنها تقرأ خريطة التحولات الإيطالية وأسرارها: «أمى».
كانت والدتها ممثلة مسرح انتسبت فى شبابها للحزب الشيوعى، أكبر الأحزاب الإيطالية فى عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية وأكثر الأحزاب الشيوعية الأوروبية تجديدا واستقلالية عن الاتحاد السوفييتى السابق قبل أن ينهار مع حائط برلين عام (١٩٨٩).
بانهياره فقدت إيطاليا نصف ثقافتها السياسية وبعد خمس سنوات فقدت نصفها الآخر بتفكيك الحزب الديمقراطى المسيحى على خلفية تورط رؤساء حكومات وقيادات نافذة فى قضايا فساد وصلات بالمافيا.
لم تكن صدفة أن يبرز قرب منتصف التسعينيات رجل الأعمال «بيرلسكونى» وأن يجد فيه المحبطون واليائسون حلا وأملا.. وتمددت فترات حكمه لثلاث مرات مجموعها تسعة أعوام ما بين (١٩٩٤) و(٢٠١١).
التاريخ لا يعترف بالفراغ وهناك دائما من يتقدم لملئه.
وفى سياق مصرى مختلف فإن شيئا من التجربة الإيطالية يلوح فى ضباب الفراغ السياسى.
لا أحزاب قوية لها حضورها فى الشارع أو لديها أفكار وتصورات تطرحها على جمهورها والحياة السياسية هشة فأحزابها القديمة تعانى من تصلب فى شرايينها والجديدة مازالت تبحث عن موضع قدم.
الشارع المصرى فى حالة تسييس غير مسبوقة فى تاريخه لكنه تعبير عن قلق وخوف على المستقبل لا عن رؤى وبرامج. القلق المسيس لا يملأ فراغا ترتب على تصدع متزامن بطريقتين متناقضتين للتيارين الإسلامى والمدنى، الأول بصدام مع مجتمعه حملت بعض أطرافه السلاح والثانى بعجز فادح عن قراءة الخرائط السياسية المتحولة.
يصعب تصور «بيرلسكونى مصرى» يملأ الفراغ السياسى ويحوز الأكثرية البرلمانية ويفرض كلمته على تشكيل الحكومة المقبلة.. غير أنه يمكن أن يحضر فى زواج سياسى ما بين البرلمان والإعلام والبيزنس يحاصر الرئاسة الجديدة ويدفعها لذات السياسات التى أطاحها المصريون مرتين.
هناك سيناريو لا يمكن استبعاده يعيد إنتاج آليات الحكم القديمة بغض النظر عن النصوص الدستورية ونوايا الرجال، فالنصوص لن يجر احترام قواعدها ما لم تستند إلى توازن حقيقى فى بنية النظام السياسى والنوايا عندما تصطدم بالحقائق فإنه لا يعول عليها.
قد تفضى الانتخابات النيابية المقبلة إلى تراجع المكون الحزبى فى بنية البرلمان لصالح أغلبية من المستقلين يعتمدون فى صعودهم على دعم المجتمع التقليدى باعتباراته القبلية والعائلية. لا ينتمون إلى حزب أو تيار سياسى ومستعدون بطلب أو دون طلب أن يقفوا فى الخندق الذى يشير إليه رئيس الجمهورية.
فى هذا السيناريو تتقوض الفكرة الدستورية فى التوازن بين السلطات وتضعف رقابة البرلمان على أعمال الحكومة وتتلاشى قدرته على سؤال الرئاسة.
هو يؤكد أنه لن ينشئ حزبا ولن ينضم إلى حزب، لكنه قد يضطر بحسابات السلطة التى لا تعرف فراغا سياسيا للاعتماد على «حزب سلطة جديد» يحوز أكثرية البرلمان ويوفر السند اللازم لأية رئاسة فى ممارسة صلاحياتها.
الرئيس القادم سوف يتصرف وفق الحقائق على الأرض، فالديمقراطية بنت التوازن والالتزام بالنصوص الدستورية يستلزم من يتبناها بحيوية ويدافع عنها بصلابة.
بغض النظر عن النصوص والنوايا فإننا قد نجد أنفسنا أمام إعادة إنتاج لـ«دولة الرجل الواحد».. أو نجد أنفسنا فى سيناريو آخر أمام «مشروع اضطراب جديد»، فمما يصعب تصوره عودة الآليات القديمة دون ثمن سياسى فادح.
إنه باليقين الخيار الأسوأ ويتحمل مسئوليته قبل الرئاسة وبعدها الذين بوسعهم أن يتقدموا لملء الفراغ السياسى وتتقاعس همتهم عن مهمتهم.
هناك رهان معلق على دور لـ«جبهة الإنقاذ» فى ملء الفراغ السياسى أو أن تتقدم أحزابها موحدة إلى الانتخابات النيابية المقبلة وتحوز أكثرية مقاعدها وتكون قاعدة تشكيل الحكومة الدستورية الجديدة. هناك فى الحكومة الحالية نزعة قوية لحوار مفتوح مع قيادات الجبهة تأكيدا على ضرورات عدم التفريط بوحدتها قبل الاستحقاقين الرئاسى والبرلمانى والأطراف المتحاورة تنتسب إلى العباءة السياسية ذاتها.
بصورة عملية فإن سؤال الفراغ السياسى يصوغه الدكتور «محمد أبوالغار» أحد قادة الإنقاذ على النحو التالى: «هل السلطة الحالية تريد تقوية الحياة الحزبية أم تطلب تقويضها فى قانون الانتخابات النيابية؟».. وفى إجابته تتحدد المسارات الرئيسية لخريطة البرلمان الجديد.
إضعاف الأحزاب بأكثر مما هى عليه الآن يعنى بالضبط إزاحة السياسة خارج البرلمان وطلب التغيير من الشارع وخفض الثقة العامة فى النظام السياسى الجديد واتساع فجواتها مع الأجيال الجديدة بمعناها الاجتماعى قبل التنظيمى.
حيوية المؤسسات السياسية تشجع على الدخول إلى حلبة منافستها بينما تفضى البرلمانات المعقمة إلى صدام مؤجل يسحب من المستقبل فرص انقاذه.
أمام جبهة الإنقاذ فرصة أخيرة تستدعى أن تفكر بطريقة مختلفة وأن تنظر إلى أدوارها المستقبلية بتنبه.. أن تبحث فى الرؤى والتصورات التى تجمع أحزابها مع إقرار التنوع فى المرجعيات الفكرية والسياسية وأن تبحث فى الوقت نفسه عن فرص شراكة سياسية مع الرئاسة القادمة تضمن أوسع توافق على مشروع إنقاذ وطنى تحتاجه مصر بفداحة للخروج من محنتها.
غير أن هذه الفرص قد تهدر فلا يبدو أن قياداتها تدرك بما يكفى ضرورات اللحظة الاستثنائية فى نزول الشرعية الدستورية على أرض سياسية صلبة فى البرلمان والشارع على السواء وفى ضمان عودة الدولة لوظائفها دون تغول على حقوق مواطنيها.
نشأت الانقاذ بلا حوار أو إعداد مسبق بين أحزابها يؤسس لفكرتها ومستقبلها.. بدت إجراءا ضروريا لحشد الرأى العام تحت راية معارضة واحدة فى مواجهة الإعلان الدستورى الذى فوض به الرئيس السابق «محمد مرسى» نفسه صلاحيات تصادر دولة القانون من جذورها وتخوله الانقضاض على الحريات العامة.
تماشت مواقفها مع موجات الغضب المتصاعدة ولم تكن قيادتها باستثناء مرة واحدة حاسمة عند خوض معركة الاستفتاء على دستور (٢٠١٢) بالتصويت بـ«لا».
لم يكن مستوى الأداء العام للجبهة مقنعا لقواعد أحزابها أو مستساغا من أجيالها الجديدة وتبدت احتجاجات بعضها معلن وبعضها مكتوم على طبيعة اتخاذ القرارات وسادت نزعات دعت للانسحاب منها غير أن الضرورات فرضت الإبقاء عليها، وقد كان ذلك قرارا سديدا اقتضته حرب مفتوحة على المستقبل حسمت معركتها الأولى فى (٣٠) يونيو.
ترسخت لدى أحزاب الجبهة بدرجات مختلفة أن وظائفها وأدوارها توقفت فى اللحظة التى سقطت فيها جماعة الإخوان المسلمين ورجلها فى القصر الرئاسى.
بدأ التحلل يأخذ مداه، فلم يكن لها دور فى توافقات «لجنة الخمسين» رغم أن أغلبية عضويتها من الأحزاب المنضوية فيها، ولم يكن لها دور فى توجهات الحكومة رغم أن رئيس الحكومة واثنين من نوابه ووزراء آخرين ينتمون إليها، ولم يكن لها دور فى الشارع الذى أخلى سياسيا لتظاهرات الجماعة ونزوعها للعنف، ولم يكن لها دور فى الحوار مع الأجيال الجديدة ومخاوفها من عودة النظام القديم أو إعادة إنتاج الاستبداد بعد ثورتين.
عودة جبهة الإنقاذ للحديث عن بقائها إيجابى بقدر ما تملأ الفراغ السياسى وتصوغ شراكة أفكار ورؤى مع الرئيس القادم، فإن لم تملأه فإن آخرين لن يترددوا فى قنص الفرصة المعلقة فى الهواء.

من جنيف2 إلى جنيف3
بقلم: صادق كاظم عن الصباح العراقية
انتهت جولة الحوار الاولى في مونتيرو السويسرية بمبارزات كلامية واتهامات متبادلة بين الطرفين السوريين، الحكومة والمعارضة . الواضح ان الاطراف المشاركة في جولة المفاوضات جاءت الى المؤتمر بضغوط خارجية ورغبة القوى والاطراف الداعمة لكلا الطرفين بالتوصل الى حل يعمل على محاصرة الحريق السوري قبل امتداده الى باقي دول المنطقة .
الوفد الحكومي السوري جاء الى المفاوضات مدعوما بنقاط قوة كثيرة على الارض من ابرزها مظلة التأييد الواسعة التي يحظى بها من جانب الروس والايرانيين والتقدم الذي تحرزه قوات الحكومة السورية على ارض الميدان ونجاحها في استعادة عدد لا باس به من المواقع الستراتيجية ومحاصرته الشديدة لمجاميع المسلحين واطباقه للحصار عليهم في عدة مناطق سورية ساخنة ،فضلا عن تمكن الجيش السوري من ابعاد مجموعات المعارضة المسلحة عن تخوم العاصمة دمشق الى مسافات آمنة وقيامه باقتحام معاقلها في مناطق الغوطة وريف دمشق على العكس من وفد المعارضة الذي جاء الى جنيف مشتتا ومنقسما ويتبادل اعضاؤه البارزون الاتهامات بقبول الجلوس امام وفد الحكومة كنوع من الاعتراف به .
الجانب السوري الحكومي حصل بمشاركته في جنيف على اعتراف دولي بأنه طرف محاور ورئيسي لا يمكن تجاوزه او الغاؤه وان جميع القرارات التي صدرت بضغط اميركي على الامم المتحدة والجامعة العربية لم تعد ذات قيمة والتي حاولت واشنطن بواسطتها سحب الشرعية الدولية ونزع صفة الاعتراف الدولي والعربي منه ومنحها للائتلاف الوطني المعارض ،اضافة الى ان النظام استخدم ورقة وجود الجماعات الاصولية المتطرفة لاقناع الاطراف الدولية الداعمة للمعارضة بان سقوطه سيعني تحويل سوريا الى امارة اخرى من طالبان والتي سيخرج منها آلاف المسلحين لاكتساح دول المنطقة المجاورة لسوريا وهوما سيفرض على واشنطن وحلفائها نقل قوات عسكرية الى سوريا ومحاربة تلك التنظيمات على ارضها وكما حصل بالضبط في افغانستان والعراق واعتبار بقاء نظام الاسد الضمانة الوحيدة للحيلولة دون تكرار هذا السيناريو المثير للكوابيس بالنسبة لواشنطن .
النظام السوري قرأ بامعان الاخطاء القاتلة التي وقعت فيها واشنطن من قبل في العراق والفوضى التي نشرتها تجربة الربيع العربي التي دعمتها واشنطن وسمحت بالتخلي عن انظمة تعد حليفة لها والصعود السريع للقوى والتيارات السلفية المتشددة ومحاولتها تعميم تجربتها على شعوبها وبلدانها والتي خلفت احباطا لدى الشارع العربي بضرورة التصدي لهذه لتيارات ومقاومة زحفها وهو ما تتضح ابعاده الآن في مصر وتونس ،فضلا عن الدعم الروسي الكبير لحكومة دمشق والذي جنبها الكثير من الخسائر فيما لوتركت بمفردها في مواجهة القوة الاميركية على اثر شعور روسي بالغضب من الخديعة التي تعرضت لها موسكو حين صوتت بالموافقة على قرار اممي بحظر الطيران فوق المدن الليبية اثناء اندلاع الثورة لغايات انسانية وهو القرار الذي تحول لاحقا لترخيص يسمح لطائرات الناتو بمهاجمة معاقل ومقرات قوات القذافي وتدميرها وفتح الطريق امام ميليشيات المعارضة الليبية للزحف صوب العاصمة طرابلس واسقاط نظام حكم القذافي الذي استمر اكثر من 41 عاما والذي تحولت بموجبه ليبيا حاليا الى دولة شبه فاشلة وعاجزة لا وجود للسلطة والحكومة فيها.
سقوط ليبيا حرم موسكو من حليف رئيسي في البحر المتوسط ومن زبون مهم للسلاح الروسي وهو ما جعل موسكو تقاتل في اروقة الامم المتحدة من اجل منع صدور اي قرار اممي مماثل وهوما نجحت فيه بالتنسيق مع بكين ،حيث ان خسارة سوريا ستمثل كارثة لموسكو التي ستنكفئ الى حدودها الداخلية وستصبح مطوقة من جانب الاصوليين الاسلاميين في جمهورياتها الاسلامية، فضلا عن الدرع الصاروخي الذي سيسعى حلف الناتو الى نشره بدءا من تركيا وسوريا وصولا الى بولندا واوكرانيا وهو الوضع الستراتيجي الذي خططت موسكو جيدا لعدم حصوله ،حيث زادت من دعمها العسكري والاستخباري لدمشق وضغطت على واشنطن من اجل تخفيف دعمها للمجاميع المسلحة.
كان ظهور تنظيم "داعش" الذي خرج من عباءة تنظيمات القاعدة الام المتواجدة في سوريا والعراق كنوع من التنافس الفكري والعقائدي بين هذه التنظيمات الدموية وشكل حافزا لجهاز الاستخبارات السوري الذي يملك خبرة كبيرة في التعامل مع هذه التنظيمات المتطرفة و اختراقه لها وهو الذي كان يملك منذ ايام الحرب في العراق عملاء يخترقون تلك التنظيمات الاصولية التي كانت تنشط على الاراضي السورية وتقاتل منها القوات الاميركية في العراق فكان ظهور التنظيم كضد نوعي يقاتل جماعات القاعدة الاخرى التي تكاثرت خلال سنوات الحرب في سوريا ضربة موجعة للخطط السعودية والاميركية والاقليمية الاخرى التي كانت توظف تلك التنظيمات مستغلة حماسها الديني ومهارتها القتالية في مشروعها لاسقاط نظام الاسد والسيطرة على سوريا ،حيث شن هذا التنظيم الارهابي حربا ناجحة على تنظيمات القاعدة الارهابية الاخرى مكبدا اياها خسائر جسيمة تاركا قوات الجيش السوري تلتقط انفاسها وتستغل هذا التحول الستراتيجي لتبادر بشن هجمات منظمة لاستعادة المواقع التي خسرتها من قبل بسبب اتساع مساحة العمليات وصغر حجم الجيش السوري الذي يحتاج الى مقاتلين بضعف عدد قواته الحالي من اجل نشر قواته على مختلف مناطق الحدود الواسعة التي تشهد عمليات تدفق واسعة للمقاتلين الاجانب وخصوصا من مناطق الحدود الاردنية واللبنانية والتركية.
انتهاء جولة مفاوضات جنيف 2 بالاعداد لجولة مقبلة تبدأ يوم العاشر من شهر شباط الحالي سيعني ان الوضع على الميدان سيزداد سخونة من اجل استغلال ورقة المكاسب على الارض للضغط على الطرف الآخر وهو ما يفسر اتساع حدة المعارك وتوسع رقعتها عل اكثر من جهة ،اضافة الى تمسك الطرفين بالحل العسكري اكثر من غيره. الاطراف اللاعبة في سوريا كايران والسعودية وواشنطن وموسكو ستحاول التمسك بمواقفها بينما يبدو الجانب السعودي الاكثر ضررا وتراجعا امام صمود نظام الاسد الذي دفع بالرياض الى حد التنسيق مع تل ابيب واستغلال عدائها لدمشق لشن عمليات داخل سوريا تسهم في اضعاف قدرات النظام العسكرية الى حد كبير وهو المطلب الذي لم تتجاوب معه تل ابيب خوفا من انزلاقها في الحرب وعدم ثقتها بالمعارضة السورية المسلحة وخصوصا الاصولية منها ،فضلا عن ان تدخل من هذا النوع سيشعل حربا في المنطقة قد تجر الايرانيين والغرب اليها وستتخطى نتائجها التوقعات التي يرجوها السعوديون .
جنيف 3 سيكون نسخة مكررة من جنيف 2،اذ انه لن يتضمن نقاشات بشأن اي تنازل حكومي عن السلطة وتسليمها لهيئة انتقالية محايدة كما يطالب بذلك وفد المعارضة فالنظام السوري صامد على الارض ويستمد من دعم حلفائه العون لاسترداد ما خسره من اراض ومدن في السابق اما المعارضة فلا تزال على انقساماتها واختلاف تفسيراتها للمشاركة وسقوف مطالبها غير الواقعية على الارض بينما من المحتمل ان تتضمن الجولة المقبلة امورا انسانية كالسماح بخروج المدنيين المحاصرين في مناطق الاشتباكات وتبادل السجناء والاسرى من الطرفين وربما ابرام اتفاق مؤقت لوقف اطلاق النار في بعض المناطق وهو اقصى ما يمكن ان يسمح به الموقف الدولي لقراءة الوضع في سوريا التي تعيش هذه الايام فصلا داميا يعتبر الاشد في تاريخها الذي لم يسبق له ان واجه ظرفا مماثلا ويشير الى ان دول المنطقة العربية واقعة في مسار لعبة امم ترسم مصائرها وفق مصالحها ومخططاتها من دون اي اعتبار لخطورة هذه المخططات والمصالح على مصائر شعوبها وهوياتها ومستقبل وجودها.

قطـر والسعودية تعودان إلى الطرق القديمة
بقلم: سلام عيد عن تشرين السورية
كنّا نتوقّع جميعاً عشية مؤتمر جنيف حول سورية, أن تعود مختبرات أفلام قناة «الجزيرة» -أي قطر- إلى طرقها القديمة، وهي تفعل ذلك بالتواطؤ مع السعودية.
وبدعم الوسائل التي يتحكّم بها عن بُعد اللوبي «الأنغلو-يهودي- الأميركي» مثل صحيفة «الغارديان» وقناة التلفزيون الأميركية «CNN» التي أدرجت في الجيش الأميركي وتحدّثت عن الهجمات على العراق قبل وقوعها). وذلك في تناغم تام مع نشر تقارير «لهيومان رايتس ووتش» ومنظّمة «آفاز AVAAZ». كلّها معاً.
فالحرب هي أكبر أعمال إمبراطورية الولايات المتحدة المُحتَضرة.
فإن حدث ذلك سابقاً, حين اضطرت الولايات المتحدة للتراجع بعد فشل الصاروخين اللذين أطلقا على سورية من قاعدة روتا البحرية إذ تم اعتراضهما، وأظهرت الصور التي جرى التلويح بها بشأن ادعاءات الهجوم بغاز السارين, أطفالاً أحياء يبدون قتلى صُوّروا في أوضاع مختلفة كما كشفت الأخت أغنيس مريم الصليب (التي كانت تعرف بعض أولئك الأطفال), فإنّهم يُخرجون اليوم من أكمامهم صوراً, سوف نحقّق في أصولها, لما يسمونها «انتهاكات جديدة للحكومة السورية» تغطّي الصفحات الأولى لبعض وسائل الدعاية -لا الإعلام- الموجّهة عن بُعد.
إنّها الوسائل نفسها التي «أخبرتنا» يوماً عن أسلحة الدمار الشامل لدى صدّام حسين؛ أو عن قصف حكومة لشعبها, وهي الحكومة الليبية التي كانت قد أمّنت لشعبها أعلى متوسّط أعمار في إفريقيا كلها؛ إنّها الوسائل ذاتها التي أظهرت لنا «مقبرة جماعية للقذّافي» ملأى بعظام... الإبل؛ وهي نفسها التي تحاول اليوم أن تبيعنا «مجازر الحكومة السورية التي يقودها رئيس يحكم بلاده في تحالف بين عدّة أحزاب, ويدعمه شعب بطل يمثّل أنموذجاً للتعايش بين مختلف الديانات والثقافات ومازال صامداً منذ ثلاث سنوات تقريباً أمام ويلات الهجمات وقتل مواطنيه على أيدي مرتزقة أدخلتهم القوى الاستعمارية بما فيها «إسرائيل».
كنّا نتوقّع ذلك.
لكن ماذا وراء كلّ هذه الحملات لزعزعة استقرار سورية؟
هناك الكثير من المصالح. وقد أشرت إليها في مقال نشرته في العديد من وسائل الإعلام في تاريخ 23 أيار 2013, عنوانه «سورية ليست مسألة ديمقراطية» أعيد ذكر بعض مقاطع منه:
«أما زلت تظنّ أنّ لخطة الهجوم على سورية أيّ علاقة بالديمقراطية؟ وأنّ الإطاحة بحكومتي العراق وليبيا كانت لهذا السبب؟
فكّر. لدى هذين البلدين موارد نفطية كبيرة. فهل أقيمت الديمقراطية بعد تخريبهما وتدمير بناهما التحتية, وقتل زعيميهما بوحشية؟ على العكس تماماً, فقد حلّت محلّ دول علمانية دول أخرى تستند إلى حكم الدين تُطبّق فيها الشريعة ونظام إرهاب.
من يأخذ النفط؟ نفط العراق تأخذه الشركات الأميركية: «إكسون موبيل وشفرون تكساكو», والإنكليزية الهولندية «شل وبريتيش بتروليوم», رمز المملكة المتحدة. وتأخذ نفط ليبيا على نحو أساس الشركات المذكورة أعلاه إضافة إلى الفرنسية «توتال» لأن فرنسا شاركت في الهجمات, وتُعطى حصص أصغر لشركات أخرى منها الإيطالية «ENI» حتّى الصهيوني برنارد هنري ليفي المحرّض على الحرب, له حصة من النفط الليبي. وليس النفط فقط.
ما مشكلة سورية؟ مشكلتها في أنّها بوابة الدخول إلى ثلاث قارات؛ وأنّها تختزن في باطنها ثاني احتياطات النفط العالمية وربّما احتياطات الغاز الأولى أو الثانية؛ وأنّ لديها مناطق تطمع «إسرائيل» فيها لتوسيع كيانها الصهيوني، وأنّ القوى الاستعمارية تريد الأراضي السورية لمدّ خطوط أنابيب نقل الغاز والنفط لتُخرج من خلالها نحو البحر المتوسط الوقودَ الذي تنوي سرقته من بلدان أخرى؛ وأنّها المنصّة التي يمكن الانقضاض منها على إيران, في خريطة الطريق أيضاً. لذلك يريدون مهاجمة سورية.
كيف يمكننا التأكّد من ذلك؟ ليس ذلك جليّاً فحسب, بل إنّ الجنرال الأميركي السابق والقائد الأعلى السابق لحلف شمال الأطلسي, ويسلي كلارك, قد تحدث عنه في شريط فيديو يمكن لأيّ كان أن يجده على الانترنت. ويروي تحديداً كيف أنّ قيادات الدفاع دعته, بعد بضعة أيام على أحداث 11 أيلول, لتبيّن له «ضرورة مهاجمة العراق». فسأل متفاجئاً: «لماذا؟» لعلمه بأنّ ذلك البلد غير متهم بشيء. وكان الجواب بأن ليس العراق هو المقصود وحده, فستتبعه ليبيا وسورية ولبنان والصومال والسودان وإيران. والآن ينفّذ جدول الأعمال المشؤوم هذا، وإن كانوا قد قفزوا من ليبيا إلى بلدان إفريقية أخرى (وفي هذه الحالة تتكفّل فرنسا بالخطة).
كيف ينفّذون تلك الحروب؟
يسهل عليهم ذلك، فهم, وإضافة إلى الأسلحة, يعتمدون على أوراق رابحة مهمة أخرى: «وسائل الإعلام» التي تحوّلت اليوم إلى وسائل دعاية أو وسائل إعلام كاذب, وهي خطرة خطر الصواريخ؛ يسار مُخترَق يُمهّد الطريق للإمبراطورية وقد حشدَ جزءاً من التقدّميين في خدمة الحروب؛ سلسلة من المنظّمات غير الحكومية المزعومة مثل «هيومان رايتس ووتش» ومنظمة العفو الدولية و«آفاز» وسواها, هي أدوات في خدمة الحروب؛ وآلاف المرتزقة بقيادة حلف شمال الأطلسي (الذي يسير جنباً إلى جنب مع «تنظيم القاعدة الإرهابي», تدفع لهم السعودية وقطر بسخاء, ويعملون على التخريب وارتكاب الجرائم لبثّ الرعب. فلننظر إلى السيناريو.
يتعرّض رئيس البلد المعني (العراق, ليبيا, سورية...) عن طريق صندوق رنين وسائل الدعاية, لحملة تشهير يُتهم فيها بجميع أنواع الاعتداءات, بما في ذلك الجرائم التي يرتكبها المرتزقة, وتُستخدم لهذا الغرض حتّى مسرحيات بممثلين.
ويروح اليسار المُختَرق يسّوغ التدخّل عبر مقالات وجدالات مدبّرة وبيانات وبلاغات تبدأ دوماً بمهاجمة «أنموذج اقتصادي يستغلّ الشعوب» لتنتهي حتماً مطالبةً بالتدخّل بالبلد موضوع البحث, لأسباب «إنسانية». وتدعم حججَه المنظماتُ «غير الحكومية» الكاذبة المذكورة.
وأخيراً تأتي الجيوش (في حالة ليبيا سيئة الحظ, كانوا 48 بلداً مع الناتو), قصفوا كلّ شيء: المدارس والأسواق والوزارات والجسور والمستشفيات والقرى والجامعات والأحياء والموانئ... فثمّة صفقات تجارية كبيرة أخرى في عقود إعادة الإعمار.
ثمّ تأتي المهازل الانتخابية التي «تُنتخب» فيها أذناب القوى الاستعمارية كالإخوان المسلمين, الفرع السياسي لتنظيم القاعدة الذي «يطبّق الشريعة»... والفوضى, بينما يتقاسم المهاجمون النفط. فليتوقّفوا عن خداعنا: إنّها عصابة إرهابية خطرة تعمل في خدمة الجريمة والنهب احتلّت الأممَ المتحدة وتقوم بمهاجمة البلدان واقتسامها كغنائم... لا أكثر.