Haneen
2014-03-18, 12:44 PM
اقلام عربي 620
12/2/2014
في هذا الملف:
عندما يصير كيري عبئا على إسرائيل!
بقلم: سميح صعب (كاتب وصحفي لبناني) عن الصباح العراقية
تعميم فلسطين
بقلم: نسيم الخوري عن الخليج الاماراتية
عن حقوق اللاجئين اليهود في بلادنا!
بقلم: هشام منور عن القدس العربي
جيش إسرائيل يفقد قدرته
بقلم: صالح عوض عن الشروق الجزائرية
الأسد.. ومزيد من المراوغة
بقلم: طارق الحميد عن الشرق الأوسط
الشرق الأوسط مختبراً لمشاريع فاشلة
بقلم: هوشنك أوسي ( كاتب كردي) عن الحياة اللندنية
الثورة العربية "سوسيولوجياً"
بقلم: فؤاد خليل عن السفير البيروتية
أهلاً بكم في «دُوَل» الأقاليم العربية.. «المفككة»!
بقلم: محمد خروب عن الرأي الأردنية
تحولاتُ رأسمالياتِ الدول الشرقية
بقلم: عبدالله خليفة عن أخبار الخليج البحرينية
«الربيع العربي» والفشل الاقتصادي للمشروع الإخواني
بقلم: صياح عزام عن الوطن السورية
ثلاثية «إخوانية»
بقلم: أحمد الصراف عن القبس الكويتية
عندما يصير كيري عبئا على إسرائيل!
بقلم: سميح صعب (كاتب وصحفي لبناني) عن الصباح العراقية
لم يكد وزير الخارجية الاميركي جون كيري يلمح في مؤتمر ميونيخ للامن قبل ايام الى احتمال تعرض اسرائيل لمقاطعة اقتصادية من بعض الدول في العالم اذا ما فشلت جولة المفاوضات الحالية مع الفلسطينيين، حتى جن جنون المسؤولين في اسرائيل بدءا برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الى معظم الوزراء المتشددين في ائتلافه الحكومي فشنوا عليه حملة شعواء ارغموه فيها على اصدار اكثر من ايضاح واكثر من تذكير بمواقفه التي يؤكد فيها الحرص على أمن اسرائيل وانه لم يكن يتوخى من كلامه في ميونيخ سوى التنبيه الى المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها الدولة العبرية في حال فشل المفاوضات الجارية برعاية اميركية بغرض التوصل، على الاقل، الى اتفاق اطار حول قضايا الوضع النهائي بحلول نيسان المقبل.
وتثبت الحملة الاسرائيلية على كيري، مجددا ان اسرائيل غير جادة في المفاوضات مع الفلسطينيين، وانها تراهن على يأس ادارة الرئيس باراك اوباما من عملية السلام، وتالياً الانسحاب مجددا من هذه العملية على غرار ما فعل اوباما في ولايته الاولى وعلى غرار ما فعل سلفه جورج بوش خلال وجود ارييل شارون في رئاسة الوزراء وما تلا ذلك من اعادة احتلال لمناطق في الضفة الغربية كان الجيش الاسرائيلي اعاد الانتشار فيها بموجب اتفاقات اوسلو ، وحتى الانسحاب من قطاع غزة جرى بشكل احادي وانتهى بفرض حصار اقتصادي خانق على القطاع.
ويعتقد نتنياهو انه في حال رفعت اميركا يدها عن المفاوضات، فإن اسرائيل في ظل موازين القوى الحالية قادرة على فرض تسويتها الخاصة على الفلسطينيين، كأن تنسحب من اجزاء من الضفة الغربية لا تصل في احسن الحالات الى 60 بالمئة وان تجعل من جدار الفصل حدودها وان تقوم بضم 40 بالمئة من الضفة بما عليها من مستوطنات باعتبار ان قرار ضم القدس الشرقية جرى بعد ايام من احتلالها في حرب 5 حزيران 1967 .
ويتبين من الشروط التعجيزية التي يتمسك بها نتنياهو انه لا يريد التوصل الى تسوية تلبي الحد الادنى من المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني وهي اقامة دولة مستقلة قابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية. وإلا ما معنى ان يصر نتنياهو على طرح مطالب تعجيزية يعلم مسبقا انه ليس في امكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ان يقبل بها، مثل الاعتراف بيهودية اسرائيل والقبول ببقاء الجيش الاسرائيلي في غور الاردن وعدم التطرق الى مسألتي القدس واللاجئين والقبول بضم الكتل الاستيطانية الكبرى وحتى بعض المستوطنات المعزولة وان يجري تبادل للاراضي بنسبة 10 بالمئة بعدما كان الحديث في السابق يدور حول نسبة لا تتجاوز 3 بالمئة. والى ذلك يطالب وزراء اسرائيليون بأن يتضمن اتفاق السلام مع الفلسطينيين اعترافا منهم بضم الجولان السورية المحتلة من دون ان تتضح حتى الآن الصلة بين الجولان السوري والمسألة الفلسطينية!
وفي ظل هكذا شروط لا يمكن للقيادة الفلسطينية مهما بلغت بها الواقعية السياسية ومهما كان استعدادها لابداء المرونة، ان تقبل بمثل هذه الشروط. واكثر من مرة تساءل الرئيس عباس عن سبب اصرار الحكومة الاسرائيلية على تضمين اتفاق السلام مع الفلسطينيين فقرة تنص على الاعتراف بـ"يهودية" اسرائيل، وهذا شرط لم تطالب به اسرائيل عندما وقعت معاهدتي كمب ديفيد مع مصر في العام 1979 ووادي عربة مع الاردن في العام 1994 . ويخشى الفلسطينيون وهم على حق في خشيتهم، من ان يكون تمسك الحكومة الاسرائيلية بهذا الشرط مصدره البحث عن مبرر "شرعي" لترحيل فلسطينيي 1948 الذين يزيد عددهم الآن عن المليون ونصف المليون نسمة ، فضلا عن انتفاء بعد ذلك أية حجة قانونية او سياسية للبحث في مسألة عودة اللاجئين الفلسطينيين الى اراضي 1948 .
اما الاصرار على البقاء في غور الاردن فيمكن رده الى قرار اسرائيلي بجعل أية دولة فلسطينية مستقبلية منقوصة السيادة وذلك بالاستناد الى مقولة اسرائيلية لدى المتشددين ترفض مبدأ قيام دولة غير اسرائيل بين البحر المتوسط ونهر الاردن. وعلى الرغم من قبول السلطة الفلسطينية بمبدأ نشر قوات تابعة لحلف شمال الاطلسي وقوات اميركية في غور الاردن وعلى الرغم من اقتراح عباس ان يكون الانسحاب الاسرائيلي تدريجيا وعلى مدى خمسة اعوام كما جاء في المقابلة التي اجرتها معه صحيفة "النيويورك تايمس" الاميركية في وقت سابق من الشهر الجاري، فإن اسرائيل ترفض مثل هذه الاقتراحات التي تميل اليها الولايات المتحدة.
ومع اقفال اسرائيل ابواب التسوية السلمية للمشكلة الفلسطينية، لا يعود امام الفلسطينيين الا سلوك خيارين احدهما العودة الى المقاومة المسلحة وهذا خيار لا يحبذه عباس او سلوك الخيار الاممي عن طريق التوجه مجددا الى الامم المتحدة.
وتحاول واشنطن ان تجنب اسرائيل هذين الخيارين عن طريق حثها على ابداء مرونة اكبر في المفاوضات وعدم التسبب بإفشالها.
كما ان اميركا الحريصة على امن اسرائيل اكثر من حرصها على أية قضية اخرى في الشرق الاوسط لا تريد ان تتعرض اسرائيل لعزلة دولية بدأت اولى مظاهرها في مقاطعة اوروبية لمنتجات المستوطنات في الضفة الغربية.
كما تتزايد في اوساط المجتمع المدني الاوروبي الدعوات الى الضغط على اسرائيل بسبب ممارساتها بحق الفلسطينيين وعدم تجاوبها مع جهود السلام.
تعميم فلسطين
بقلم: نسيم الخوري عن الخليج الاماراتية
نعم تعميم فلسطين نحو طعم العلقم يتناوله العرب تباعاً وعلى المستويات كلّها أقلّها التوطين، ونحو نعيم "إسرائيلي" سيبقى قائماً بين قوسين، ولو حاولت الدول الكبرى في أسرارها الملغزة سحب الحلول من تحت القبّعات الكثيرة والأكمام الطويلة في مناخ الدم والتهديم، لكنها جهود تدفن في السير الذاتية للموفدين الدوليين كي يقرأها الأحفاد . فلنعترف بشدّ الحبر من أذنيه عند الكتابة في ما آلت إليه فلسطين . تتحوّل الأصابع فوق المفاتيح والرأس يعلو ويهبط نحو الشاشة مثل لعبة القرود يخطفون موزة . أين تقع فلسطين التي تدور المفاوضات حول بقاياها وكأنها سرقة ملتبسة؟ وماذا يضيف جون كيري إلى التاريخ البائس المتقطّع في المفاوضات الفلسطينية - "الإسرائيلية" التي ضجرت الألسن والأقلام من علك أدبياتها المشحونة دوماً باليباس؟ من يتذكّر آخرهم ميتشل أو من يسمّي لنا السفراء والمبعوثين الذين توافدوا إلى فلسطين بحثاً في السلام؟
يترقّب الكثيرون جديداً ما يفعله كيري منذ 30 يونيو/ تموز الماضي بعد توقف ما سمّي بالمفاوضات سنوات ثلاث . ما هو الجديد؟ الانقسام العربي وتقاتل المسلمين في فصائل إرهابية متعددة المنابع والفوضى العارمة والركام الذي تتأهّب له الشركات العابرة للقارات لإعادة بناء المدن والقرى التي سينتظر أهلوها في المنافي والخيام أجيالاً قبل المباشرة بها أو إنجازها . لا، هناك جديد من وجهة النظر الأمريكية وبعض الفلسطينية و"الإسرائيلية"، ترى أنّنا في المرحلة الفضلى للوصول إلى نص اتفاق ما مع الفلسطينيين . لكنّ المفارقة تكمن في بقايا "الربيع العربي" الذاوي التي تدير ظهرها للعروبة فينبري الإخوان المسلمون، الجاهزون قبل زمن طويل من تلك الثورات، في إشاعة الفوضى والتفجير والتطاول على عواصم وكأنهم باتوا جميعاً أسرى تعميم المشهد الفلسطيني إذ سقطنا جميعاً بين مشهدين:
يظهر المشهد الأوّل بتوصيف بانورامي للأزمنة المربكة التي تشظّي العرب وتذيق شعوبهم معنى فلسطين الحقيقي . ينام العراق بعدما كان يعرف ب"عراق صدّام" في المفخّخات التي تجعل أكبر نظام عالمي ينهار والتي تتطلّب زمناً طويلاً قبل تذوّق طعم الاستقرار حتّى ولو كان على نهج ما قبل ال،2003 ويبدو الأردن بلداً لا ينام مشغولاً بتشظّي هويته تسهيلاً للمشاريع السلمية الملغومة، وهو يفتقد الدفء المتراجع لحمايته الدولية التي يرشح منها دفعه المقصود نحو تحمّل العبء الفلسطيني المتعاظم وأعباء النازحين السوريين . أمّا سوريا التي كانت وما زالت تعرف ب"سوريا الأسد"، فتنكفئ عن فلسطين نحو همومها ويتساوى نازحوها بالفلسطينيين في المخيّمات وما دون، ودمشق لن تهضم طعنات "حماس" في وجهها نتيجة انقلابهم المفاجئ إلى جانب المعارضات السورية ورهانهم على حكم "الإخوان" في الكثير من أرجاء الوطن العربي . من يتابع أخبار مخيّم اليرموك مثلاُ ويمرّ كلّ يوم أمام تجمّعات السوريين العشوائية وخيمهم في زوايا لبنان كلّه أو أمام مخيّمات الفلسطينيين يدرك بلحظة واحدة معنى القول ب"تعميم فلسطين"، مع أنّ سوريا كانت من دول النبرة العالية في فلسطين، وكانت تفخر بأنّها الوحيدة التي عاملت الفلسطينين كمواطنين سوريين في الحقوق والواجبات . هذا المشهد السوري المتعاظم يقوى خطره بتداخله مع لبنان نزوحاً وإرهاباً، على إيقاعات التفجير اليومية، وقد فرز انكفاء حزب الله عن فلسطين نحو الداخلين اللبناني والسوري بما يريح "إسرائيل" في الجنوب . ويبدو لبنان وكأنّه يسير قدماً نحو تذوّق "مرارة" فلسطين مجدداً مع أنّه تجرّعها في الاجتياح "الإسرائيلي" 1982 عندما وصل العدو الصهيوني إلى القصر الجمهوري فيه، وأخرج أبو عمّار والفلسطينيين نحو تونس ثمّ تجرّعها عند تهديم ضاحيته وجنوبه في ال2006 .
صحيح أن إشاعة السر الدولي للنأي بلبنان عمّا حوله وهم يضخّمه الإعلام ويلمسه اللبنانيون على أبواب السفارات في انتقائية غريبة في ما بين طوائفهم، إذ نشهد تسهيلاً لأبناء المسلمين وتشدّداً لغيرهم في تأشيرات المغادرة، لكنّ الأصح أنّ تعثّر الحل السلمي في سوريا يدفع دفعاً نحو التشبع بطعم فلسطين . مصر بدورها لا تنام فهي مشغولة بحالها ودستورها وانتخاباتها وتفجيراتها المتعاظمة،، وتعاني مثل الكثير من الدول في التوفيق الصعب بين ازدواجيات التحالف العالمي والعربي مع الإخوان المسلمين . قد نشهد تداعيات إعلامية وسياسية وحتّى عسكرية في البلدان البعيدة عن دول الطوق لما كانت تقع عليه فلسطين .
أمّا طهران التي كانت منهمكة في رمي الصخور فوق درب أيّ اختلاس دولي للمفاوضات الفلسطينية "الإسرائيلية"، فنراها مشغولةً أكثر بمفاوضاتها النووية وفتح أبوابها على الغرب وسوريا ولبنان تحديداً، كما هي مشغولة بالضيق الاقتصادي الذي أورثته الضغوطات الدولية عليها وفتحت في جدارها بسمةً تتوسّع . أمّا المشهد الثاني فيظهر أوّلاً في خطى "الربيع" المنحدرة نحو الخلف في تحولات أصلب من زهور الياسمين، نشهدها من تونس نقطة البداية "الثورية" ونقطة التراجع للفكر والسلوك التغييري الذي يعكّره التشدّد الديني . ويظهر ثانياً في "جنيف 2" على الرغم من استغراقه في الشكل المفرغ من المضامين النهائية . ويظهر ثالثاً في النبرات البريطانية والفرنسية والأمريكية التي توصد الأبواب في وجه أيّ جهادي راجع من القتل .
بين هذين المشهدين الحافلين بالتشظيات بين الفلسطينيين وحولها، يتجدد النفس الأمريكي في اقتناص فرص الفوضى مجدّداً مبادرة قد يؤمن بنجاحها بعدما أصاب العقل الفلسطيني الإعياء ومقت السلاح والانصياع للضغوطات والمؤتمرات الفارغة والمبادرات المتكررة الممجوجة التي تنعكس في التنازلات الهائلة في ملفّ اللاجئين والمستعمرات وغياب القدس أو تأجيلها أو حذفها من أدبيات التفاوض وصولاً إلى قصاصةٍ دولة مستقلة معترف بها دولياً قبل حلول نيسان المقبل . وهنا أسئلة قبل الأوّل من نيسان:
من يحدّد أرض الضفّة الغربية التي ستنسحب منها "إسرائيل"؟ ما مصير المستوطنات فيها؟ ومن يضع عدد اللاجئين والمعايير لفتح أبواب العودة لهم؟ ومن هو اللسان الفلسطيني الذي سيعتلي المنابر معترفاً بدولة "إسرائيل" اليهودية؟ ومن من العرب المشاركين في المفاوضات خلف الأبواب المغلقة سيصفّق مشجّعاً الخطيب؟
الجواب: على الرغم من التنازلات الفلسطينية والعربية في مسائل مقيمة في الحناجر مثل الكلام عن تبادل الأراضي وفتح أو توستراد بين الضفة وغزّة، وعلى رغم متغيّرات العرب والفلسطينيين والعالم كله، وعلى المستويات كلّها، فإنّ اليهود وحدهم لم ولن . . يتغيروا .
عن حقوق اللاجئين اليهود في بلادنا!
بقلم: هشام منور عن القدس العربي
تحتدم المفاوضات والمبادرات التي يحملها المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط ووزير الخارجية الامريكي جون كيري، في ظل ما بات يعرف من جولات مكوكية لضمان الإجهاز على قضيتي القدس واللاجئين عبر إغراء الدول والسلطة الفلسطينية بقبول إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في دول لها سمعتها العالمية ككندا واستراليا، او التسهيل لقبولهم في أي بلد يرغبونه كما في الدول الاسكندنافية وتحديدا السويد.
وبعد أسابيع عدة من تعذر عقد لقاءات تفاوضية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بسبب الإختلاف الكبير في الرؤى حول ملفات الخلاف، وفي أعقاب سلسلة من التكهنات والتسريبات عن خطة الإدارة الأمريكية للوصول إلى ‘اتفاق إطار’ يمنع العملية السلمية من الانهيار، كشفت واشنطن عبر موفدها للشرق الأوسط مارتن إنديك، للمرة الأولى تفاصيل خطة السلام المتوقع طرحها رسميا خلال أسابيع، وتشمل بقاء 80% من مستوطنات الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية، وتشمل اعترافا فلسطينيا بـ’يهودية إسرائيل’.
وبعد أسابيع من العمل بجهود كبيرة من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لأخذ موافقة من طرفي المعادلة (الفلسطينيين والإسرائيليين) على خطة ‘اتفاق الإطار’ التي يريد من ورائها إطالة عمر المفاوضات لعام آخر، على أن يكون الاتفاق هو مرجعية التفاوض على ملفات الحل النهائي، كشف المبعوث الأمريكي مارتن إنديك عن الخطوط العريضة لهذه الخطة، المنوي طرحها رسميا في غضون أسابيع قليلة، بعد تسريبات وتوقعات، في مجملها كانت لا تحظى بالقبول الفلسطيني.
رؤساء الجالية اليهودية الأمريكية نقلوا عن إنديك الذي روى لهم في اتصال هاتفي أن هذه الخطة التي يشرف عليها وزير الخارجية كيري تنص على إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود عام 67 مع تبادل للأراضي وإبقاء ما بين 75 80% من المستوطنين تحت السيادة الإسرائيلية، دون أن تحدد نسبة التبادل.
كذلك تنص على أن يقوم الجانب الفلسطيني بموجب الوثيقة بالاعتراف بـ ‘يهودية دولة إسرائيل’، كما ستعترف إسرائيل بالدولة الفلسطينية، وأن يقوم الجانبان بالإعلان عن إنهاء الصراع بينهما.
وستتطرق الوثيقة حسب ما نقلت الإذاعة الإسرائيلية عن فحوى اتصال إندك بزعماء الجالية اليهودية إلى حق المواطنين اليهود الذين فروا من الدول العربية في الحصول على تعويضات، كما ستتناول حملة التحريض التي تشنها السلطة الفلسطينية ضد ‘إسرائيل’.
ومن المرتقب أن تشير خطة كيري الى طرح تعويض للاجئين اليهود الذين غادروا منازلهم في الدول العربية بعد قيام دولة ‘اسرائيل’ وهاجروا إليها، مثلما سيجري طرح قضية اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم.
الخارجية الإسرائيلية بقيادة ليبرمان كانت قد عقدت العام الماضي وقبله لقاءات مع اللوبي البرلماني الإسرائيلي من أجل إعادة حقوق وممتلكات اليهود المنحدرين من الدول العربية، وذلك بحضور رؤساء منظمات يهودية منحدرين من مصر والمغرب والعراق واليمن ودول عربية أخرى. كذلك لم تشر إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها، واستبدال ذلك بتعويضهم ماديا. ولم تشر الوثيقة حسب ما روي عن إنديك الإشارة إلى ملف مدينة القدس بالتفصيل، وإنما الاكتفاء بذكر مبادئ عامة وطموحات الطرفين بشأنها.
ونقل عن المسؤول الأمريكي أنه أبقى موضوع القدس عائما وشبه مغيب، دون التطرق لما سيرد في هذه الإتفاقية بشكل واضح بخصوص المدينة، إدارة الأملاك بوزارة الخارجية الإسرائيلية قامت بإعداد مشروع قانون وطرحته على الكنيست الإسرائيلي في آذار/ مارس عام 2012 يطالب مصر وموريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا والسودان وسوريا والعراق ولبنان والأردن والبحرين بتعويضات عن أملاك 850 ألف يهودي قيمتها 300 مليار دولار أمريكي مقسمة فيما بينهم طبقا للتعداد السكاني الأخير لليهود عام 1948.
هي مساومات ومفاوضات على الحقوق، التفكير بتعويض من أقاموا الدولة الغاصبة على ممتلكات من شردوهم بحجة انه تم استيعاب آلاف اليهود ضمن الكيان الاسرائيلي عام ثمانية واربعين، فيما تم طرد مئات الوف الفلسطينيين الى البلدان العربية ودول الشتات لمجرد كونهم يحوزون أرضهم التي ما عادت السلطة الممثلة لهم في جلسات التفاوض يعنيها امرهم بعد ان تقطعت بهم السبل في اصقاع الارض!
جيش إسرائيل يفقد قدرته
بقلم: صالح عوض عن الشروق الجزائرية
تشير الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية مؤخرا، أن هناك معضلات عميقة في بنية الجيش الاسرائيلي، وأن فرص تجاوزها غير متوفرة في المنظور، ورغم كل ما يتم بذله من جهود وأموال وإجراءات تفضيلية الآن، أن مستقبلا مظلما ينتظر جيش الحرب الصهيوني، والمسألة تكمن في تبدل طبيعة الحروب التي يخوضها الجيش الذي لم يخلع عتاد الحرب عن ظهره من سنوات طويلة.
وفي التفاصيل تظهر لنا أزمة مالية وبنيوية للجيش الصهيوني فتحت عنوان "جيش الشعب يتفكك"، كتبت "يديعوت أحرونوت"، مؤكدة أن غياب المعيارية في الجيش الصهيوني، واستغوال أبناء المدارس الدينية على موازنة الجيش يقود إلى فلتان اجتماعي وضغوط جوهرية على المؤسسة العسكرية. والأمر نفسه بما يتعلق بمدة الخدمة وخدمة النساء، وحجم التعويضات المالية التي تدفع من موزانة الجيش، حيث أن 57 % فقط من النساء يجنّدن للجيش في الفترة الأخيرة، وبالتالي فإن زيادة مدة الخدمة العسكرية من شأنه أن يزيد من العبء على المجنّدات، كما أن اقتراح "لجنة بيري" من العام الماضي، خفض مدة خدمة الذكور، دفع جهاز الأمن إلى الإعلان بأن ذلك يسبب نقصا بـ9300 جندي.
وجدير بالتنويه ما تناولته مراكز الدرسات الاستراتجية التابعة لوزارة الحرب الصهيونية، والتي تدق أجراس الخطر أمام الجيش الصهيوني، حيث ستتبدل مهماته العسكرية ولن يعود يواجه جيوشا رسمية عربية، بعد أن غرقت تلك الجيوش في مستننقعات الحروب الأهلية، الخطورة اليوم تكمن في تمكن المجموعات العسكرية المقاومة من حيازة أسلحة نوعية وحرية حركة تفقد العدو القدرة على الإحاطة بها، وكما أن لديها القدرة والاستطاعة أن توجه ضربات عنيفة للجبهة الداخلية في الكيان الصهيوني، وأن الجيش بما لديه من قوة لن يستطيع أن يؤمّن المستوطنين في المدن والمستوطنات، ثم إن حرب الجيش تفقد قدرتها عندما تواجه بعصابات مسلحة بأسلحة مقتدرة، وفي واقعات مفاجئة وصاعقة الأمر الذي أفقد قادة الجيش صوابهم في المعركة، وأعاد النظر لديهم في العقيدة العسكرية الإسرائيلية.
لقد حقق الجيش الإسرائيلي انتصارات متكررة على الجيوش العربية، الأردني والسوري والمصري وألحق بها خسائر فادحة، وتمكن من فرض حالة استعراض بالسلاح والسمعة لجيش لا يقهر عشرات السنين، وظل "بعبع" الجيش الإسرائيلي حاجزا منيعا أمام صانع القرار العربي دون اتخاذ موقف مشرّف تجاه شعب فلسطين والمقدسات في فلسطين.
وانفرد القادة الاستراتيجيون في إسرائيل ينظرون للعقيدة العسكرية الإسرائيلية وهي تتكون من 1- المعركة على أرض العدو 2- الحرب الخاطفة 3- الحرب الصادمة وتحقيق إيقاع أكبر الخسائر بقوة العدو 4- الأرض المحروقة والتقدم السريع الخاطف، واستمرت هذه العقيدة في المداولة وأراد حكّام إسرائيل جعلها مادة ترهيب وإرعاب للعرب متواصلة النفاذية، لتوقع فيهم أن لا إمكانية لمواجهة إسرائيل، إلا أن تطور نوعية المواجهة تم فيه استبدال العقيدة العسكرية تماما، فالآن ليس الجيش الإسرائيلي هو من يفرض ساحة الحرب، ولا يملك هو تحديد زمن الحرب، ولا يملك هو تحديد نتائجها وبهذا سقطت العقيدة العسكرية الإسرائيلية بعد أن اصبحت المقاومة الفلسطينية واللبنانية هي من يحدد المكان والزمن والنتائج إلى حد كبير، هذا ويتولانا الله برحمته.
الأسد.. ومزيد من المراوغة
بقلم: طارق الحميد عن الشرق الأوسط
أقل ما يمكن قوله عن جولة المحادثات الثانية في جنيف بين المعارضة السورية والنظام، إنها جولة جديدة من مراوغات الأسد الذي لم يلتزم بشيء، ومنذ اندلاع الثورة، وحتى الآن، فكل ما يفعله النظام الأسدي هو شراء المزيد من الوقت، وتعقيد الأمور أكثر.
إلى اللحظة، ورغم كل التصريحات الدبلوماسية، فإن آلة القتل الأسدية مستمرة، وكذلك معاناة السوريين؛ فلا البراميل الحارقة توقفت، ولا الحصار والتجويع توقفا، كما لم يسلم الأسد ترسانته الكيماوية.. كل ما يفعله الأسد هو المراوغة ومن ملف إلى آخر. والحق أن المجتمع الدولي، وقبلهم الروس، يشاركون الأسد في هذه المراوغة، والواضح، وكما قيل مرات عدة من قبل، أن الجميع، وليس الأسد وحده، يحاولون شراء الوقت من أجل الوصول إلى موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية في سوريا ليبدأ التفاوض الجدي على رحيل الأسد، وليس سقوط النظام، ويبدو أنه حتى الوفد الممثل للأسد يسعون في قرارة أنفسهم لذلك، خصوصا أنهم لا يحملون صلاحيات تذكر، ولكنهم قد يفكرون في ذلك، أي شراء الوقت حتى موعد الانتخابات، لضمان سلامتهم وسلامة عوائلهم، لكن هل انتظار موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا عملية مضمونة العواقب؟
الإجابة: بالطبع لا، فمثلما أن الأسد لم يلتزم بتسليم ترسانته الكيماوية بعذر «الأوضاع الأمنية»، فمن المتوقع أن يعلن الأسد في حال جرى الضغط عليه لعدم الترشح في الانتخابات المقبلة، عن تأجيل الانتخابات الرئاسية وبسبب «الأوضاع الأمنية»، وهذا أمر وارد تماما، بل مرجح، وهنا لا يمكن القول بأن الأسد حينها سيكون قد خاطر بإضعاف موقفه أمام حلفائه، فمن يقتل ما يزيد على 130 ألفا من السوريين، لا يكترث بأي حال من الأحوال بالشرعية، أو القوانين، ولا يشعر بالطبع بحرج داخلي أو خارجي، فآخر ما يفكر فيه القاتل هو القانون، وهذا حال الأسد اليوم. ولذا، فإن كل ما يفعله الأسد هو عملية شراء مزيد من الوقت على أمل الانتصار عسكريا، أو التسبب في انهيار الائتلاف السوري على أثر فشل المفاوضات الجارية في جنيف.
ومن هنا، فإن كل ما يحدث في مفاوضات جنيف ما هو إلا مراوغة أسدية، ومفاوضات محكوم عليها بالفشل، مما يقول لنا إن الانتظار الدولي، وحالة اللامبالاة هذه من شأنها أن تقود الأزمة السورية إلى تعقيدات أكثر، فالانتظار إلى الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة أمر لا يخطط له النظام الأسدي وحده، بل والروس، وإيران، وحزب الله، ولكل طرف منهم دوافع مختلفة، وأدوات مختلفة كذلك، وقد رأينا، مثلا، كيف أن إيران لم تتوان عن استخدام «القاعدة» في سوريا، مما يعني أن القادم أسوأ بكثير في حال قرر المجتمع الدولي الانتظار حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة، والسكوت عن مراوغات الأسد هذه، فحينها، وكما ذكرنا، هناك إيران، وحزب الله، و«القاعدة»، والأسلحة الكيماوية التي بحوزة الأسد، فهل هناك خطر أكبر من هذا؟!
الشرق الأوسط مختبراً لمشاريع فاشلة
بقلم: هوشنك أوسي ( كاتب كردي) عن الحياة اللندنية
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق والمنظومة الشرقيّة - الاشتراكيّة الملحقة به، جرى حديث سياسي، ثقافي، إعلامي، طويل عريض، في منطقة الشرق الأوسط، عن إفلاس وفشل المشروع الآيديولوجي اليساري، باعتباره سقط في «جنّته» المركزيّة المفترضة (موسكو المطرقة والمنجل)، فكيف لهذا المشروع، أن تقوم له قائمة في الأطراف، بخاصّة منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من مشاكل وأزمات ذات خلفيّات قوميّة، دينيّة، طائفيّة وجهويّة مزمنة؟! أكثر المتحمّسين في تلك السجالات - المراجعات، كانوا القوميين، بشقّيهم الإسلامي والعلماني. ذلك أنهم سعوا حثيثاً لطرح - فرض المشروع القومي والديني الخاصّ بهم، بحيث استمرَّ الإسلاميون في طرح «الإسلام هو الحل»، بدليل انهيار الشيوعيّة (الكافرة، الملحدة، الفاجرة)، بينما استمرّ القوميون العرب في حديثهم عن الأصالة والأمجاد التاريخيّة العظيمة للأمّة العربيّة، وخلود رسالتها الحضاريّة.
ولكن، مع غزو صدّام حسين الكويت سنة 1991، وازدياد منسوب الفساد والاستبداد في الأنظمة القوميّة العروبيّة في سورية ومصر والجزائر والعراق، تحوّل النقاش - السجال السالف نحو نعي المشروع القومي العربي أيضاً، باعتباره فشل بشكل ذريع، في تحقيق أهدافه في «الوحدة والحريّة والاشتراكيّة»، وأنتج أنظمة أمنيّة، دكتاتوريّة، مستبدّة وفاسدة. وهنا، تنفّس التيّار الإسلامي الصعداء، بعد إعلان نعي المشروع اليساري، ومن بعده فوراً، المشروع القومي، بشقّيه البعثي والناصري. وتقدّم ذلك النقاش - السجال الليبراليون الآتون من الخنادق اليساريّة والقوميّة، مضافاً إليهم الإسلاميون. وبدا لأصحاب مشروع «الإسلام هو الحلّ» أن الفرصة سانحة للانقضاض الدموي على السلطة سنة 1992 في الجزائر، ومصر. فأدخلوا البلاد في حمامات دم، وفشلوا. ومع استلام طالبان الحكم في أفغانستان سنة 1997 - 1998، وبخاصّة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، عاد الانتعاش لطموحات الإسلاميين في الشرق الأوسط، للوصول إلى السلطة. وبعد التدخّل الأميركي في العراق، ازدهرت «القاعدة» ومشتقّاتها في العراق وشمال إفريقيا. واللافت هنا أن النظامين في سورية وإيران، كانا من الداعمين لـ «القاعدة» و «الجهاديين» ضدّ القوات الأميركيّة في العراق، على رغم الإعلان عن التباين الآيديولوجي لهذين النظامين مع «القاعدة».
مع ثورات «الربيع العربي»، على أنظمة «المشروع القومي» في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، بلغت الطموحات والآمال الإخوانيّة - السلفيّة - الجهاديّة أوجها، باستلام الإخوان والسلفيين السلطة في مصر وتونس. ولئن لم تصل تيّارات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط والعالم العربي، للسلطة منذ تأسيس جماعة الاخوان المسلمين سنة 1928 (باستثناء الثورة الخمينيّة في إيران، واستلام التيارات الإسلاميّة - الشيعيّة للسلطة في العراق، والسودان)، فقد تشكلت لدى هذه التيّارات عقدة الوصول الى السلطة بأيّة طريقة، إلى جانب ازدياد نزعة الجشع المرعب في ابتلاعها بما ينسجم ومشروعها في اعلان «دولة الخلافة». كل ذلك ومعه انعدام خبرة إدارة الدولة لدى التيّارات الإسلاميّة، جعلاها تسقط بسرعة في فخّ السلطة، ويزول عنها «سحر» شعارات سنوات المعارضة، وحديثها المديد والغزير عن الديموقراطيّة والدولة المدنيّة. فانكشف وجهها القبيح الذي لا يقلّ قبحاً وبشاعة عن وجوه الأنظمة الديكتاتوريّة السابقة في مصر وتونس وليييا، وفي سورية أيضاً على رغم أن الإسلاميين فيها لم يصلوا للسلطة بعد.
ومنذ مطلع الخمسينات، وحتّى قبل ذلك، كان يساريون يتبنّون شعار: توحيد الشعوب العربيّة في مجتمع لا قومي ولا طبقي. وتبنى القوميون شعار توحيد الشعوب العربيّة في وطن افتراضي، اطلقوا عليه تسمية «الوطن العربي». بينما تبنّى الإسلاميون شعار توحيد شعوب المنطقة في «دولة الخلاقة»، وأن «الإسلام هو الحل»!. وقد أنتج المشروعان القومي واليساري طغماً استبداديّة فاسدة، نهبت الدولة، ودمّرت المجتمع، ودافعت عن نفسها بوسائل فاشيّة. في حين أن البديل لهذين المشروعين الفاشلين، وأقصد المشروع الإسلامي، فشل أيضاً في مصر (مهد الإسلام السياسي - الاخواني) بعدما أدخل البلاد في دوّامة دموّية أنتجت انقلاباً عسكريّاً بلبوس الثورة، لتعود مصر إلى المربّع الأوّل، وكأنَّ شيئاً لم يكن، ولتبدأ مرحلة تأسيس لمبارك جديد، ما يوحي كأنّ هناك تحالفاً - تواطؤاً مشتركاً بين العسكر والإسلاميين على الدولة والمجتمع؟!
في مطلق الأحوال، لا يمكن اعتبار نظام الأسد الأب والابن، يساريّاً، (رغم تبنّيه شعارات اليسار)، ولا نظاماً قوميّاً، ولا علمانيّاً، بسبب البنية والتركيبة الطائفيّة المناطقيّة الفاقعة للسلطة الأمنيّة التي هي روج كل السلطات في سورية. زد على ذلك أن هذا النظام لم يفصل الدين عن الدولة، بل سعى لاستثمار الدين، (أشخاص، مؤسسات، تنظيمات إرهابيّة) لحـــماية نفســـه. كما لا يمكن اعتبار نظام مبارك أيضاً علمانيّاً، بسبب اعتماده على المؤسسة الدينــيّة في الأزهر والكنيسة القبطيّة، ولو بنسب متفاوتة، فضلاً عن اعتماد الدولة البوليسيّة - الأمنيّة، والسعي نحو التوريث.
ويبدو أن الطغم العسكريّة الأمنيّة وتجاربها جعلت المنطقة وشعوبها حقل تجارب لمشاريعها الدمويّة الفاشلة. وإذا كان هنالك ثمّة إيجابيّة للسلطة، بوصفها مفسدة في الشرق الأوسط، فإنّها عرّت أصحاب المشروع اليساري والقومي والإسلامي، وجرّدتهم من «بريق» و «سحر» الشعارات الأيديولوجيّة التي سمموا بها حيوات مجتمعاتهم طيلة عقود. فإذا اضفنا تصريحات هاشمي رفسنجاني من أن «ثورة إيران على مسافة بعيدة من أهدافها»، تأكد فشل الإسلام السياسي - الشيعي أيضاً في إدارة البلاد.
وينسحب الأمر على النظام العراقي، وعلى ما يسمّى «المقاومة والممانعة» في لبنان كواحدة من تفريخات الإسلام السياسي - الشيعي، فيما تكشف الثورة السوريّة مدى زيف ونفاق «مشروع» حزب الله اللبناني، وتلطيخه طائفته بدماء السوريين.
وهذا عموماً ما يجيز لنا القول إن نضوج التجربة الديموقراطيّة ورسوخها في الشرق الأوسط سيأخذان وقتاً طويلاً، بحيث يبرأ المجتمع والدولة والقانون ونظم التربية والتعليم والإعلام...، من كل هذا التراكم المرعب زيفاً وتسلطاً.
الثورة العربية "سوسيولوجياً"
بقلم: فؤاد خليل عن السفير البيروتية
من أكد على أولوية العامل الخارجي في اندلاع الثورات العربية، انساق إلى نعت الحراك بالمؤامرة الغربية المدبرة لتفتيت العرب وشرذمتهم.
مثل هذا التفكير يسيء إلى الشعوب العربية. إذ لا تعدو أن تكون دمى ورسوماً كرتونية تحركها أيادٍ غربية من خلف المسرح
إن الحراك الذي اندلع في 17 كانون الأول العام 2010، ولما يزل على جريانه، هو دالٌّ تاريخي ومجتمعي على سيرورة تغيير ديموقراطي في المدار العربي كله. وقد تتخذ شكل ثورة أو شكل انتفاضة او شكل تمرد او احتجاج...الخ. وقد تُؤتي أكلُها كلياً أو جزئياً، أو تتعرض للاحتواء او الاستيعاب وللحرف او الرِدّة؛ او في لغة غرامشي، قد تتعرض الى ثورة سلبية او ثورة الردة. كما أنها قد تشهد مرحلة انتقالية مديدة بين قديم يعاند اضمحلاله ويتثبت بنبض الحياة، وجديد لمّا يزل يغالب مخاض ولادته العسيرة. وفي اثناء المخاض تكثر المصاعب والآلام والأوجاع (ماركس) التي تتبدى في أشكال ومظاهر لا حصر لها. لكن في مطلق الأحوال يبقى ان السيرورة هذه ادخلت المجتمعات العربية في «براكسيس» تاريخي ينقض دهر الاستبداد العربي في شكليه الرئيسيين، الجمهوري والملكي في آن. وهذا «براكسيس» يعبر عن تحول تاريخي كيفي لم يشهده المسار العربي المعاصر، اقله منذ العقود الأربعة الماضية... هنا يغدو الضبط العرفي للحراك ليس شكلياً على الإطلاق، بل هي على العكس، مسألة تطال أو تمس معناه الجوهري. ذلك ان ضبطه معرفياً يحدّد طبيعته الحقة وحدوده وأشكال تمرحله ومن ثم مآله التاريخي. وكل نظر اليه بجانب مفْهمته، يذهب الى تحديده من باب الارتجال والانتقائية والنقل والترجمة. وهذه طرائق اقل ما يقال فيها، إنها غير علمية. فهي قد تتأتى إما من الصدمة المعرفية التي احدثتها وتيرة الحراك المتسارعة، بحيث افقدت البعض ادوات التحليل العلمي وجعلته يرتجل في مقاربة مفهوم الحراك، او يقع في فوضى مصطلحية في تحديده: (ثورة - انتفاضة - صحوة - غليان تمرد - نهضة في الوقت نفسه). بذريعة اغترَّ بها كثيرون، وهي تتمثل في ان الأخير يحمل برأيهم طبيعة عفوية، وأن مجراه لم يكتمل بعد كي تتم مفهمته او تأطيره النظري. إن الحراك في أبسط تعريفاته هو فعل مجتمعي موصوف. وكلّ فعل مجتمعي هو ذو دلالة ومعنى (ماكس فيبر). وحينما يكون كذلك، يغدو الفعل قصدياً غير عفوي، أي انه يرتكز على ارادة وقصد جماعيين: والتأطير النظري لا يتوقف على انتهاء الحراك لأن معادلة: ألاحظ ثم أفكر، قد طوتها العلوم الاجتماعية منذ قرن ونصف قرن تقريباً، وأحلت مكانها معادلة: أفكر ثم ألاحظ (كلود برنار). أو بمعنى آخر، إن العلاقة بين الفكرة والملاحظة، أو بين الفكر والواقع تندرج في وحدة جدلية يكون فيها الفكر فكراً في ملموسه، والملوس ملموساً في المُفكر به. ما يعني تالياً ان الناظر في الحراك أياً يكن موقعه، يفكر بداية في ملموس الحراك، ثم يعاين الملموس المفكر به، وتلك عملية ذهاب وإياب تتجدد الى ما لا نهاية بين الفكرة والملاحظة او بين الفكر والواقع. وهي التي تتيح التطور الدائم للمعرفة والعلم . لأن ثمة استحالة معرفية ان يطابق (يماهي) الفكر الواقع، او الواقع الفكر؛ إذ أن تصور مطابقة من هذا النوع تعني ان العلم يقدّم معرفة لمرة واحدة ونهائية في كل موضوع بحثي او في كل ظاهرة طبيعية او مجتمعية. وهذا ما يخالف المنطق والواقع والتاريخ.
قد تتأتى الطرائق المذكورة من أحكام ذاتية مسبقة، او من زيف ايديولوجي، أو من تبعية فكرية لدى البعض الآخر. ومما ينجم عنها انتقائية او انحيازاً في توصيف مفهوم الحراك، كأن يعتبر هذا البعض، أن ثمة ثورة في هذا البلد العربي، وأن يسمي حالة الحراك نفسها، انتفاضة في بلد عربي آخر. أو أن يدعم الانتفاضة الشعبية هنا، وأن يصمت عن انتفاضة اكثر شعبية هناك، أو أن يفضح أو يعرّي نظام الاستبداد الجمهوري، ويبتلع لسانه عن نظام أميري أو ملكي اكثر استبداداً، وقد يمتدح او يمجّد حكمته الملكية. وهي على ما تبدو جلياً حكمة تستقي "عقلانيتها النقدية من كارل بوبر المعروف جيداً من قبل الأمراء والملوك العرب!"؛ وتقوم على المناصحة الشرعية بين اصحاب الرأي والمشورة بين أولي الأمر، بما هي الترجمة المذهبية والسياسية لعدم الخروج عن طاعة الأخيرين.
والحال، ان البعض المشار اليه هنا، يكون قد بعثر المنطق من حيث كونه اتساق الفكر مع نفسه، في تضاعيف اهوائه ورغباته الذاتية؛ وحوّل العقل من أداة تتصف بالكشف والوضوح (ديكارت)، الى آلة للتعمية على الحقيقة تحت غطاء ايديولوجي من الزيف والمكر والخداع . كما يكون قد حجز المعنى التاريخي للحراك في نطاق أحكام جزئية ومتشظية الى تناقضات عارية في معنى الحراك وطبيعته (حراك شعبي في بلد، وحراك طائفي في آخر).
على هذا كله، يغدو متاحًا لنا أن نؤكد على مصداق الدال التاريخي والمجتمعي للحراك، وان نعّين في ضوئه، ان مصطلح الثورة حين نستخدمه في هذا النص، نعني به ثورة ديموقراطية حيثما تكون حواملها المجتمعة مدنية. والمعنى هذا يتساوق مع مدلول بدايات الحراك الديموقراطي العربي، ويرتكز على وعي نزوعه التاريخي الكلي نحو التحديث والتقدم، على الرغم من كل المآسي الهائلة والكارثية التي تشهدها اللحظة الحراكية الراهنة. وكل استخدام لمصطلح الثورة بغير المعنى اعلاه، يفتئت على الديموقراطية ويختزلها في فعل التصويت، ولا يملك معرفياً ان يقارب جدلية العلاقة في نزوع التاريخي الكلي او اتجاهه العام، بين الجزء والكل، والظرف والبنية والحدث والسّياق.
لقد توزعت مقاربات الحراك في الساحة الفكرية والسياسية والإعلامية على رؤيتين رئيسيتين:
أ- الاولى، الخوْرجة: وهي رؤية تقدّم العامل الخارجي على سواه من العوامل الاخرى في المقاربة والتحليل، او انها تعتبره المبدأ التفسيري للحراك في انطلاقته وفي مجراه. وممّا ابتدعته في هذا الصدد ان الخارج اي الغرب، يقف وراء حركة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في البلدان العربية، لا سيما انه اول من وصفها بالربيع العربي، وذلك من اجل تأمين مصالحه الاستراتيجية في المنطقة، او صوغ خارطة سياسية جديدة لها وفاق خطته او مشروعه حول الشرق الاوسط الكبير. وقد قادت الخوْرجة البعض الى حد نعت الحراك "بالمؤامرة" الغربية المدبرة لتفتيت العرب وشرذمتهم. وثمة بعض آخر، حاول ان يخفف من منسوب الخوْرجة التحليلي، فأفرد هامشاً ضيقاً للعامل الداخلي، وأبقى تأثيره في الحراك ثانوياً او عرَضياً، لأن التأثير الرئيس يقع بين أيادي الخارج وأصابعه الاستخبارية في الأقبية والكواليس.
وأيًا يكن الأمر، فإن فكر الخوْرجة يتبدى في المنطق والواقع قصيًا في تهافته. فحينما يرى ان الحراك ينتج من الفعل الخارجي، يكون قد اعتبر عن قصد او عن غير قصد، ان كتل الحراك الشعبية لا تعدو عن كونها دُمى او رسومًا كرتونية تتحرك لا إراديًا من خلف المسرح. اذاك يهين تلك الكتل، ويفتئت على كرامتها بعدما صورها متلقية لا تتوافر على فعل وارادة ذاتيتين. الأمر الذي يحوله الى فكر غير اخلاقي لانه يخفي عدوانية السلب لأخلاق الناس ولقيمهم الجماعية. كذلك، فهو يسلب السياسة بصفتها ارادة عامة في التغيير، من المجتمع. فيغدو الأخير في متن الخوْرجة بناءً سكونياً هامداً لا حركة فيه ولا تاريخ، يعيش الدوران التكراري على ذاته ويتحول الفرد في رحابه الى كائن مُستلب ينتظر تغيير واقعه من الخارج. هنا، يظهر ان فكر الخوْرجة هو الوجه الآخر للفكر الاستشرافي الذي يعتبر ان الشرقي ومنه العربي بالطبع مفطور على الخمول والاستبداد، وأن قدره هو ان يتلقى ما يأتي به الغرب اليه. فالخوْرجة اذن هي استدخال الاستشراق الى فكر أخرج نفسه تحت صخب المؤامرة من المجتمع...
ب- الثانية، الدوْخلة: وهي رؤية حصرت مقاربة الحراك وتحليله في العوامل الداخلية من سياسية واقتصادية ومجتمعية ولم تفرد لفعل الخارج نصابه الموضوعي في التحليل. إذ إنها إما اهدرته كلياً، أو حاذرت الخوض فيه بذريعة من هنا او من هناك. وإذا ما تناولته لسبب او لآخر، يكون ذلك إما عرَضياً أو عابراً، كأنما لا حضور مؤثراً له؛ وإما من باب اعتباره دعماً محموداً للداخل او نصرة يتطلبها حراكه الشعبي...
لكن الخارج سواء الغربي أم الإقليمي قد تدخل في العلن وفي الخفاء في الحراك منذ بداياته الرائعة. واتخذ تدخله اشكالاً وصوراً متنوعة. ثم جاء المجرى الحراكي يكشف بالملموس حجم الفعل الخارجي ومدى تأثيره في الداخل. وها هو المشهد الراهني يؤكد ان هذا الفعل تدرّج في مسار تصاعدي ابتداءً بمحاولة استيعاب الثورة واحتوائها ثم حرفها عن طابعها المدني الديموقراطي، وتالياً السعي الحثيث لإجهاض هذا الطابع او إغراقه في حمأة صراعات مركبة تتخذ اشكالاً من الحرب الأهلية ومظاهر عنفية قرووسطية مدمرة...
أهلاً بكم في «دُوَل» الأقاليم العربية.. «المفككة»!
بقلم: محمد خروب عن الرأي الأردنية
رسمياً.. بات اليمن يحتل المرتبة «الثانية» بعد العراق الذي «استحق» اللقب الأول، بعد ان تحول الى دولة اقاليم، إثر الغزو الاميركي البريطاني له قبل احد عشر عاماً، رغم انه حتى اللحظة لا يزال ينقسم الى إقليمين «اثنين»، ولم تغلق نافذة «الأقلمة» التي تثور بين الفينة والاخرى، ويجدها أصحابها «ورقة» لمساومة الحكومة المركزية في بغداد، كلما لاح شبح أزمة او احتاج احد زعماء العشائر او قادة الاحزاب السياسية او حيثية دينية واخرى سياسية، الى تعزيز حظوظه في الصدارة، فاذا المطالبة باقليم «مستقل» ترتفع في صدارة المشهد، تارة في غرب العراق (حيث المناطق ذات الاغلبية السُّنية) وطوراً في جنوبه (حيث الاغلبية الشيعية وخصوصاً الثروة النفطية) ثم لا تلبث ان تهدأ، لكنها لا تسقط عن الاجندة، فلها وظيفة «استعمالية» ولن تنتهي الحاجة اليها، الا اذا استنفد اصحاب تلك الطروحات، خياراتهم ومناوراتهم..
ما علينا..
اليمن السعيد، بات «رسميا» دولة اقاليم عددها ستة حتى الآن، طاب للموقعين على الوثيقة النهائية او المروجين لهذا الخيار او الساعين لتأجيل الانفجار، ان يصفوا ذلك التوافق (غير المكتمل بالمناسبة بعد ان غاب عن التوقيع والموافقة طرفان رئيسان هما الحراك الجنوبي والحوثيون)، بأنه انجاز (بعضهم قال.. معجزة)، وراحوا يخلعون عليه القاباً واوصافاً، نحسب انها تندرج في اطار المبالغة والتهويل والهرب الى الامام وتأجيل انفجار حقول «الألغام» الى مرحلة لاحقة، يحسب هؤلاء انهم سيكونون في منأى عن دفع استحقاقاتها، اذا ما تمرد «شعب» الجنوب او زحف الحوثيون على صنعاء او عاد انصار علي عبدالله صالح الى مرجعيتهم القبائلية وانخرطوا ثانية في تحالفهم التقليدي الذي تواصل ثلاثة عقود ونيف مع آل الاحمر ثم انقبلوا (مع هؤلاء) على الجميع..
تجربة الاقاليم الستة اليمنية, تظهير لمجتمع مُفخخ ومأزوم ومُفكك, دأب المستفيدون من بقائه على هذا النحو المتوتر, الهش والقابل للتفجر في أي لحظة, على إخفاء عيوبه والتعاطي معه عبر المُسكّنات, ودائماً من خلال القمع والاستبداد والترهيب ورشوة القيادات القبائلية والعشائرية, والعمل بمثابرة على شق صفوفها افقياً وعامودياً، وإذكاء الخلاف بين المكونات الشعبية, وافتعال الخلافات والايعاز لمجموعات الارهاب التي تأتمر بإمرة الاجهزة الامنية، القيام بعمليات تفجير واغتيالات لاصطياد المزيد من المعارضين والزج بالنشطاء السياسيين في السجون, وخصوصاً التنكيل بهم ومطاردتهم وتجويعهم, ثم في البحث عن عداوات مع دول الاقليم أو الاصطفاف في محاور وتحالفات بالضدد من الارادة أو الاغلبية الشعبية، لإلهاء المواطنين وتغيير الاولويات الوطنية..
في هذا الشأن «العظيم والكبير», ليس اليمن وحده, من يقارف مثل هذه الارتكابات، التي لا يمكن لدولة سويّة وقادة يتصفون بالحكمة و»يزهون» بالتفويض الشعبي, الذي جاء بهم الى السلطة عبر صناديق الاقتراع الحر والنزيه والشفاف, أن يرتكبوها, بل يصعب على المتابع والمراقب للمشهد الرسمي العربي, أن يخرج بأي نتيجة ايجابية تضيف الى سجل معظم الانظمة العربية, التي تعيش «قلقاً» (إقرأ رعباً) مقيماً لأن (وليس «كأن» كما قال جدّنا المتنبي، عن الريح التي..تحته) رياح الغضب الشعبي تعصف بها، وتكاد أن تحطم اركانها وأعمدتها, لكنها لا تسقط، بل تتصدع وتفقد شرعيتها المُدّعاة، بفعل عوامل عديدة تقف في مقدمتها الدعم والمساندة الخارجية من دول الاستعمار الغربي, ودائماً في ضعف قوى المعارضة وتشتتها وانعدام الثقة بين مكوناتها وخصوصاً انتهازيتها واستعدادها للانخراط في «مشاريع» الانظمة, متى غمزت الاخيرة لها وابدت استعداداً-مشروطاً بالطبع-لمنحها جزءاً متواضعاً-إن لم نقل وضيعاً-من كعكة السلطة وامتيازاتها.
هل ثمة دولة عربية غير مرشحة للتفكك والتحول الى دولة اقاليم، فيدرالية كانت ام كونفدرالية؟ تحت عناوين ويافطات قد تكون (ادارية) على ما هي النسخة اليمنية الاخيرة، وقد تكون ذات طابع عِرقي او قومي، على ما جاءتنا بها النسخة العراقية الاولى «الأميركية» بامتياز، وربما تأتي نسخة اخرى مبتكرة (اقرأ تدّعي الواقعية) ببعد ديني او طائفي او مذهبي، والمرشح لها دول عديدة أوّلها لبنان، وما يُخطط له المُستعْمِرون ومَنْ يحالفهم من العرب... لسوريا.
ماذا عن ليبيا والجزائر حيث «الأمازيغ»؟
وماذا عن السودان الذي انشطر الى شمال وجنوب، فيما يلوح في الشرق شبح دولة اخرى وفي كردفان والنيل الأزرق... كيان آخر؟
هل نواصل؟... الصمت..أجدى.
تحولاتُ رأسمالياتِ الدول الشرقية
بقلم: عبدالله خليفة عن أخبار الخليج البحرينية
في حراكِ البشرية خلال القرون الأخيرة تشكلٌ للرأسمالية بشكل متفاوت، وتتصاعد الاضطراباتُ في القرن الواحد والعشرين في القسم الرأسمالي الشرقي خاصة، لقيام هذا القسم بالتكيف مع قوانين الرأسمالية كتشكيلة بصور صعبة.
إن القشرة السياسية السطحية تتغير بفعل تحولات القاع والباطن التحتي العميق.
وتأتي أكثر الاضطرابات والتحولات في دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية للصعود إلى المستويات الرأسمالية المتطورة لكن بحسب مستويات قوى الانتاج المحلية في كل دولة.
حين نرى تحول مصر فإن قوى الفئات الوسطى العسكرية والمدنية تتسارع أكثر نحو الحداثة وتشكيل تحالف واسع من هذه الفئات، ولا تزال القوة العسكرية، ممثلة رأسمالية الدولة الأكثر قوة، قائدةً للمسار، لكن مع توسع علاقاتها وانضمام فئات متوسطة وصغيرها لبؤرتها.
ما زال التحالف غامضاً في هدفيته التحولية وأي الصناعات سوف يطور، وماذا سيفعل تجاه العلاقات ما قبل الرأسمالية، لكنه حسم أمره في عدم العودة إليها وضرب الإخوان المسلمين ممثلي هذه العلاقات الذين يريدون جر التطور إليها مع تحول رأسمالية الدولة لقوة محافظة سياسية دينية.
مثلما أن إيران في لحظتها الراهنة تتجه لتوسع التحالف بين القوى العليا من شمولية دينية وعسكرية وقوى فئات وسطى لتطوير الاقتصاد الحكومي مع بقاء نفس النظام السياسي الشمولي.
إن تطور رأسمالية الدولة بيد قوى محافظة، ويشير خطاب الولي الفقيه الأخير إن العلاقة مع الغرب وتوسع التحديث لن يغير من طبيعة النظام، وهي جهود تكتيكية من أجل جلب الرساميل الغربية والإيرانية المجمدة.
مثلما أن الصراعات في أوكرانيا وروسيا تشير إلى تفكك أكبر في رأسمالية الدولة الروسية وخروج الدول المتحالفة معها عنها وتوجهها للتطور الرأسمالي الحر بصورة متزايدة.
في الهند حيث إن توسع الرأسماليةُ الخاصة الحرة الحاكمة لا يمنع ذلك من الارتداد للوراء وبروز قوى الإقطاع في حكم الولايات التي تقاوم تغيير هذه العلاقات ورسملة الهند بشكل ديمقراطي حر واسع، فتزداد الانقسامات الاجتماعية والتفاوت بين الأغنياء والفقراء وبين الولايات المختلفة، فيما تسعى الهند كدولة إلى توسيع العلاقات التجارية مع العالم وتصدير العمالة والسلع، ويعرقل ذلك برامج التسلح المكلفة.
جنوب إفريقيا كدولة ثنائية الرأسمالية بين رأسمالية بيضاء مسيطرة ورأسمالية سوداء صاعدة تواجه مأزق الانقسام البنيوي، فالسلطة السوداء المدعومة من الشغيلة البيض كذلك تظل محدودة.
إن الأشكال ما قبل الرأسمالية تظل مسيطرةً على العديد من المجتمعات، فدولُ الخليج تتشكل الرأسمالية فيها من خلال دور الرأسمالية السياسية العائلية والخاصة معاً بسبب طبيعة التاريخ الرعوي القريب.
وتوسعت في السنوات الأخيرة عمليات تفكك رأسماليات الدول في ليبيا وتونس واليمن والعراق وغيرها بأشكال مختلفة، فبعضها أقرب للتفكك الفوضوي بدون ظهور بديل مركزي كليبيا، في حين يوجد مثل هذا البديل في تونس مكوناً من تحالف إجتماعي واسع.
تواجه رأسمالية الدولة في الصين وروسيا تحديات خطيرة، ويغدو الميرات البيروقراطي العسكري حجر عثرة في التحول الديمقراطي الاجتماعي السياسي، فيما إستطاع العديد من دول أمريكا اللاتينية القيام بتحولات ديمقراطية واسعة، بفضل التحالفات السياسية الاجتماعية بين اليسار واليمين المعتدل، نظراً لمستوى هذه القارة الاجتماعي الاقتصادي المتطور قياساً لأغلب دول افريقيا وآسيا.
هذه التحولات لا تنفصل عن صراع الطبقات الداخلي ومحاولات القوى الشعبية مقاومة آثار الرأسمالية والاستغلال، وكذلك قيامها بالصراع ضد السيطرات الغربية العالمية التي تفرض أشكالها ومستوياتها وسلعها.
هي صراعاتٌ عالمية أقليمية في تشكيلة منقسمة متفاوتة تتطور بأشكال مختلفة معبرة عن مضامينها الخاصة كذلك.
«الربيع العربي» والفشل الاقتصادي للمشروع الإخواني
بقلم: صياح عزام عن الوطن السورية
أجمع المحللون السياسيون والاقتصاديون على أن فترة حكم الإخوان المسلمين في مختلف الدول العربية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأن المشروع الاقتصادي الإخواني فشل فشلاً ذريعاً، حتى إنه كاد يدمر البلاد التي حل فيها ولو فترات قصيرة، إذ أدت تلك الفترات بهذه الدول للوصول إلى حالات واضحة من التدهور الاقتصادي المريع، والأمثلة على ذلك كثيرة.
أمثلة ملموسة
في مصر التي شكلت المهد الحقيقي لميلاد هذه الجماعة غريبة الأطوار، بلغ التدني الاقتصادي إبان حكمهم خلال عام، مبلغاً غير مسبوق في تاريخ أرض الكنانة، ما دفع الشعب المصري إلى الوقوف موقفاً حازماً قضى بضرورة وأد الجماعة التي لم تحمل للمجتمع مع مجيئها إلى الحكم، سوى البغضاء والفقر والفرقة وانعدام الحلول، وسجلت مؤشرات الاقتصاد تدهوراً غير مسبوق في تاريخ الدولة المصرية.
أما تونس فلم تسلم أيضاً من تيار التخلف الاقتصادي في عهد حكم «الإخوان»، ما أبقاها تعيش على رمال متحركة مازال الشعب التونسي يحاول إنقاذ نفسه من ضياع بدأ يحسه ويعيشه واضحاً في حياته اليومية، ووصل به الأمر إلى ما أطلق عليه البعض «ثورة الفلاحين»، فقد عجزت /حركة النهضة/ الإخوانية عن إدارة الشؤون الاقتصادية بعدما استبدلت الخبراء الاقتصاديين الفاعلين بالعناصر الإخوانية التي لم تجد حلاً سوى فرض الضرائب على المواطنين الذين أرهقهم انعدام الحلول الاقتصادية.
وفي السودان الذي كان يصنف كأكبر قطر عربي، وتم اعتماده كسلة لغذاء الوطن العربي قبل حكم «المتأسلمين»، تدهور الاقتصاد للدرجة التي تم معها تصنيفه كأفقر بلد في المنطقة، وتقلصت مساحته لأكثر من الثلث، وانتشر فيه هشيم الحرب الأهلية وتتالت فيه أزمات الخبز والوقود وغيرها من الأزمات المرتبطة بالمعيشة اليومية للمواطنين التي تطورت لتشكل أزمة حقيقية للمواطن السوداني من مختلف الجوانب.
وفي سورية، دخل الإخوان بمختلف التسميات الممتدة من /داعش/ إلى /جبهة النصرة/ وغيرها من التنظيمات التي دمرت بنية الاقتصاد السوري التحتية، ومؤسساته الخدمية والصناعية والزراعية والصحية، وأوصلت المواطن السوري إلى درجة العدم أحياناً التي تأتي بعد الفقر بمراحل، من خلال التدمير الممنهج الذي جئنا على ذكره لمقومات الاقتصاد، والجرائم، وأعمال القتل والسطو وسرقة المعامل ومخازن وصوامع الحبوب وبيعها في تركيا بالتواطؤ مع حكومة (أردوغان).
أما في أفغانستان، فحدث ولا حرج، لدرجة أنه لم تبق فيها ملامح الدولة غير الاسم فقط.
ولم تكن ليبيا أفضل حظاً، فالمواطن الليبي وصل إلى مرحلة حمل فيها السلاح كي يعيش، وتحولت البلاد إلى مسرح للميليشيات المسلحة تصول فيه وتجول من دون أي رادع، وترتكب أعمال السلب والنهب وقطع الطرق وإيقاف ضخ مصافي النفط!! الخ.
وتتشابه الأمثلة في اليمن والعراق وغيرها من الدول التي فيها الإخوان بطريقة أو بأخرى في مشهدها السياسي العام.
والآن كيف كانت علاقة هذه التنظيمات بتسيير أمور الاقتصاد؟
لقد عمدت للتمهيد لظهور الفوضى العامة التي تُشغل الناس عن التفكير في الفشل الاقتصادي، ليبقى ذلك بمثابة شماعة يُعلق عليها الإخوان أسباب فشلهم في إدارة الاقتصاد وعدم خبرتهم في تسيير الدولة، وعندما ضربت الأزمة الاقتصادية الأخيرة مختلف دول العالم، حاول التنظيم الإخواني ذرّ الرماد في العيون والترويج للاقتصاد الإخواني كحل وحيد، ما مكّنه من ممارسة مزيد من الخداع، ومحاولة وضع يده على ما تبقى من أموال في يد الشعوب، ليمول بها مخططاته التدميرية القاضية بتحويل المنطقة إلى ساحة حرب كبرى تعمها الفوضى، ويختلط فيها الحابل بالنابل، وفي نهاية المطاف، يقوم بإلصاق التدهور الاقتصادي بمعارضيه، وهذه واحدة من محاولات الإخوان المتكررة لحشر الشعوب في زوايا ضيقة، فقد أطلق الإخوان من قبل شعار الإسلام هو الحل، ومن يخالفه يخالف الإسلام، ويخرج عن «الملة» ويستحق الجهاد ضده رغم أن الإسلام «الإخواني» لا يملك من الإسلام.
مرتكزات الاقتصاد الإخواني
وفي حقيقة الأمر يعتمد الاقتصاد الإخواني في كل الدول التي يحلُّ فيها على عدة عوامل، أولها: النهب الطوعي للمواطنين، عبر دغدغة مشاعرهم الدينية، وحثهم على عمل الخير ودفع التبرعات والزكوات وغيرها، حيث بقيت الجمعيات والمؤسسات الخيرية في مواقع صدارة الموارد الأساسية المالية للتنظيم الإخواني، وسعي التنظيم في كل مواقعه للسيطرة عليها وعلى وزارات الشؤون الدينية والأوقاف، التي تتيح لقادة التنظيم إصدار فتاوى تشجيع الناس على إنفاق أموالهم في هذه الجمعيات، والتركيز على ألا تعلم يُسرى الشخص ما أنفقته يُمناه، وهو ما أكسب التنظيم خاصية الإفلات من المحاسبة.
العامل الثاني في موارد التنظيم الإخواني، هو فرض نسبة مئوية معلومة على أعضائه من مصادر دخلهم العامة، وهي عملية أشبه ما تكون (بساقية جحا) التي تأخذ المياه من النهر وتعيدها إليه في دورة وهميّة، فمدخلات أعضاء التنظيم هي من أموال الدولة، وخاصة أن عملية الأخونة توفر لأعضائه وظائف لا يستحقونها ولا تتناسب مع مؤهلاتهم وتكون هذه العوائد عالية يتم فيها حساب حصة التنظيم، فيأخذ الإخواني حصته التي لا يستحقها من معاشه الشهري، ويعيد للتنظيم النسبة المتفق عليها، أما بالنسبة لغير الموظفين، فيُغدق التنظيم على أعضائه من التجار كل المناقصات والمشاريع الحكومية وغير الحكومية، على أن تتضمن كلُّ مناقصة حصة التنظيم المضافة للأرباح غير الطبيعية للتاجر الموالي لهذا التنظيم!
العامل الثالث والأهم للاقتصاد الإخواني، هو فرض الضرائب الباهظة على المواطنين وتطولُ هذه الضرائب كل شيء بدءاً في ضرورات الحياة اليومية، وانتهاء بالسكن الذي يؤوي، وتأتي الضرائب الإخوانية تحت تسميات مختلفة، كالزكاة على المعاش اليومي وحتى على المعسرين الذين تخصص لهم مساعدات من صناديق الزكاة، أن يدفعوا زكوات الإعانة قبل استلامها، وقد تناولت بعض وسائل الإعلام قصصاً غريبة ومُضحكة عن غرائب الطرق التي يفرض بها الإخوان الزكاة على غير المنتسبين إلى تنظيمهم.
أما العامل الرابع فيتجسد في عملية التهديد والتخويف، والتسجيلات الفضائحية التي تستخدم في جلب الإخوان للمال، تتنافى تماماً مع ما يدعو إليه الإسلام الحنيف.
قنوات الإنفاق
أما قنوات الإنفاق في فقه الاقتصاد الإخواني فهي أكثر غرابة، فما يتم جمعه من مال الشعوب بطرق باطلة، يستخدم دائماً لقهرها وتجويعها وتشريدها، ودافع الضريبة في دولة الإخوان يدفع الضريبة لقاء حقه في أن يعيش، وتأتي مشتريات الأسلحة على رأس قائمة الإنفاق، فالتنظيم الإخواني يعتمد بشكل أساسي على إثارة الفوضى، ليس في محيط حكم الدولة وحدها، ولكن على أوسع نطاق، وهذا ما نلمسه الآن في كامل المنطقة بعدما جاء الإخوان المسلمون محمولين على بساط الجحيم العربي البائس وبطبيعة الحال، يبقى للمؤامرات والدسائس وشراء الذمم نصيب كبير في الإنفاق الاقتصادي الإخواني الذي لم تسلم من نتائجه الشريرة والمدمرة حتى الدول غير الإخوانية.
ثلاثية «إخوانية»
بقلم: أحمد الصراف عن القبس الكويتية
1 - ذكرت وسائل الإعلام قبل شهر تقريباً أن النظام المصري وضع تنظيم «الإخوان المسلمين» ضمن لائحة الإرهاب! ولكن الصحيح أن من وضعها، كما يقول ثروت الخرباوي «الإخوانجي» المنشق والخبير في شؤونهم، هو مؤسس التنظيم حسن البنا، وهو الذي وصمه به. وجاء من بعده سيد قطب وأكده ونفّذه، ثم جاء بعدهم محمد بديع ومحمد مرسي وخيرت الشاطر ومحمود عزت، وتوسعوا في استخدامه بشكل غير مسبوق. وبالتالي، فإن دماء آلاف الضحايا الذين سقطوا برصاص «الإخوان»، أو برصاص الجيش، هي برقبة الإخوان، وكل العنف الذي بدر - ولا يزال يبدر - منهم في فترة الأشهر الستة الأخيرة - على الأقل - لا يمكن أن يصنّفهم بغير الإرهاب. ويكفي النظر إلى شعار التنظيم، المتمثل بالمصحف والسيفين، مع كلمة «وأعدوا»، وهي بداية: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل «ترهبون» به... عدوكم، لنعرف أهداف مؤسس التنظيم ومن جاء بعده، فالرسم والنص يدعوان إلى ذلك، وهذا من صلب الدعوة ووفقاً لفكر الجماعة، وليس فيه ما يمكن إخفاؤه أو التنكر له. فحسن البنا، وكل من جاء قبله ومن بعده، آمنوا بأن الإسلام لا ينتشر إلا بالسيف، ولا يواجه خصومه إلا بالسيف، والأنكى أنهم اعتبروا أن الإخوان هم الممثلون الحقيقيون للإسلام، كما هو منطق بقية الجماعات الإسلامية، أو الدينية الأخرى.
2 - يقول صاحبهم، الذي طالما أصابنا بالغثيان وهو يكرر تبرئته وحزبه من «الإخوان المسلمين»، والعودة وتكرار دفاعه المستميت عنهم، والذي اعتقد أن ذاكرة البشر ضعيفة، وأنهم سريعاً ما سينسون ما قام به وشريكه المصري في الإيقاع بمجموعة كبيرة من المستثمرين ودفعهم للاستثمار في مشروع عقاري، تبين لاحقاً أنه زراعي ولا فائدة ترجى منه، يقول إنه يتحدى البشر والحجر في أن يثبتوا أنه أثرى يوماً أو «تربح» من المناقصات الحكومية! ولا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى كل هذا الغضب والتحدي، فالأمور أكثر من واضحة، ولو كان هناك قانون يتعلق بــ«من أين لك هذا؟»، لعرفنا دربنا له!
3 - زيّنت جمعية الإصلاح، الفرع المحلي للإخوان المسلمين، التابع للتنظيم الدولي، مقرها في الروضة بطريقة تختلف كثيراً عن السنوات السابقة، وبشكل مثير للانتباه، وسبب هذا «العجاف» والتملك معروف طبعاً. الغريب أن الجمعية تخلت هذا العام - ولأول مرة - عن المناداة بــ«دولية» الحركة، وأصبح «الوطن» لديها، وفجأة، أكثر أهمية!
12/2/2014
في هذا الملف:
عندما يصير كيري عبئا على إسرائيل!
بقلم: سميح صعب (كاتب وصحفي لبناني) عن الصباح العراقية
تعميم فلسطين
بقلم: نسيم الخوري عن الخليج الاماراتية
عن حقوق اللاجئين اليهود في بلادنا!
بقلم: هشام منور عن القدس العربي
جيش إسرائيل يفقد قدرته
بقلم: صالح عوض عن الشروق الجزائرية
الأسد.. ومزيد من المراوغة
بقلم: طارق الحميد عن الشرق الأوسط
الشرق الأوسط مختبراً لمشاريع فاشلة
بقلم: هوشنك أوسي ( كاتب كردي) عن الحياة اللندنية
الثورة العربية "سوسيولوجياً"
بقلم: فؤاد خليل عن السفير البيروتية
أهلاً بكم في «دُوَل» الأقاليم العربية.. «المفككة»!
بقلم: محمد خروب عن الرأي الأردنية
تحولاتُ رأسمالياتِ الدول الشرقية
بقلم: عبدالله خليفة عن أخبار الخليج البحرينية
«الربيع العربي» والفشل الاقتصادي للمشروع الإخواني
بقلم: صياح عزام عن الوطن السورية
ثلاثية «إخوانية»
بقلم: أحمد الصراف عن القبس الكويتية
عندما يصير كيري عبئا على إسرائيل!
بقلم: سميح صعب (كاتب وصحفي لبناني) عن الصباح العراقية
لم يكد وزير الخارجية الاميركي جون كيري يلمح في مؤتمر ميونيخ للامن قبل ايام الى احتمال تعرض اسرائيل لمقاطعة اقتصادية من بعض الدول في العالم اذا ما فشلت جولة المفاوضات الحالية مع الفلسطينيين، حتى جن جنون المسؤولين في اسرائيل بدءا برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الى معظم الوزراء المتشددين في ائتلافه الحكومي فشنوا عليه حملة شعواء ارغموه فيها على اصدار اكثر من ايضاح واكثر من تذكير بمواقفه التي يؤكد فيها الحرص على أمن اسرائيل وانه لم يكن يتوخى من كلامه في ميونيخ سوى التنبيه الى المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها الدولة العبرية في حال فشل المفاوضات الجارية برعاية اميركية بغرض التوصل، على الاقل، الى اتفاق اطار حول قضايا الوضع النهائي بحلول نيسان المقبل.
وتثبت الحملة الاسرائيلية على كيري، مجددا ان اسرائيل غير جادة في المفاوضات مع الفلسطينيين، وانها تراهن على يأس ادارة الرئيس باراك اوباما من عملية السلام، وتالياً الانسحاب مجددا من هذه العملية على غرار ما فعل اوباما في ولايته الاولى وعلى غرار ما فعل سلفه جورج بوش خلال وجود ارييل شارون في رئاسة الوزراء وما تلا ذلك من اعادة احتلال لمناطق في الضفة الغربية كان الجيش الاسرائيلي اعاد الانتشار فيها بموجب اتفاقات اوسلو ، وحتى الانسحاب من قطاع غزة جرى بشكل احادي وانتهى بفرض حصار اقتصادي خانق على القطاع.
ويعتقد نتنياهو انه في حال رفعت اميركا يدها عن المفاوضات، فإن اسرائيل في ظل موازين القوى الحالية قادرة على فرض تسويتها الخاصة على الفلسطينيين، كأن تنسحب من اجزاء من الضفة الغربية لا تصل في احسن الحالات الى 60 بالمئة وان تجعل من جدار الفصل حدودها وان تقوم بضم 40 بالمئة من الضفة بما عليها من مستوطنات باعتبار ان قرار ضم القدس الشرقية جرى بعد ايام من احتلالها في حرب 5 حزيران 1967 .
ويتبين من الشروط التعجيزية التي يتمسك بها نتنياهو انه لا يريد التوصل الى تسوية تلبي الحد الادنى من المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني وهي اقامة دولة مستقلة قابلة للحياة في الضفة الغربية وقطاع غزة تكون عاصمتها القدس الشرقية. وإلا ما معنى ان يصر نتنياهو على طرح مطالب تعجيزية يعلم مسبقا انه ليس في امكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس ان يقبل بها، مثل الاعتراف بيهودية اسرائيل والقبول ببقاء الجيش الاسرائيلي في غور الاردن وعدم التطرق الى مسألتي القدس واللاجئين والقبول بضم الكتل الاستيطانية الكبرى وحتى بعض المستوطنات المعزولة وان يجري تبادل للاراضي بنسبة 10 بالمئة بعدما كان الحديث في السابق يدور حول نسبة لا تتجاوز 3 بالمئة. والى ذلك يطالب وزراء اسرائيليون بأن يتضمن اتفاق السلام مع الفلسطينيين اعترافا منهم بضم الجولان السورية المحتلة من دون ان تتضح حتى الآن الصلة بين الجولان السوري والمسألة الفلسطينية!
وفي ظل هكذا شروط لا يمكن للقيادة الفلسطينية مهما بلغت بها الواقعية السياسية ومهما كان استعدادها لابداء المرونة، ان تقبل بمثل هذه الشروط. واكثر من مرة تساءل الرئيس عباس عن سبب اصرار الحكومة الاسرائيلية على تضمين اتفاق السلام مع الفلسطينيين فقرة تنص على الاعتراف بـ"يهودية" اسرائيل، وهذا شرط لم تطالب به اسرائيل عندما وقعت معاهدتي كمب ديفيد مع مصر في العام 1979 ووادي عربة مع الاردن في العام 1994 . ويخشى الفلسطينيون وهم على حق في خشيتهم، من ان يكون تمسك الحكومة الاسرائيلية بهذا الشرط مصدره البحث عن مبرر "شرعي" لترحيل فلسطينيي 1948 الذين يزيد عددهم الآن عن المليون ونصف المليون نسمة ، فضلا عن انتفاء بعد ذلك أية حجة قانونية او سياسية للبحث في مسألة عودة اللاجئين الفلسطينيين الى اراضي 1948 .
اما الاصرار على البقاء في غور الاردن فيمكن رده الى قرار اسرائيلي بجعل أية دولة فلسطينية مستقبلية منقوصة السيادة وذلك بالاستناد الى مقولة اسرائيلية لدى المتشددين ترفض مبدأ قيام دولة غير اسرائيل بين البحر المتوسط ونهر الاردن. وعلى الرغم من قبول السلطة الفلسطينية بمبدأ نشر قوات تابعة لحلف شمال الاطلسي وقوات اميركية في غور الاردن وعلى الرغم من اقتراح عباس ان يكون الانسحاب الاسرائيلي تدريجيا وعلى مدى خمسة اعوام كما جاء في المقابلة التي اجرتها معه صحيفة "النيويورك تايمس" الاميركية في وقت سابق من الشهر الجاري، فإن اسرائيل ترفض مثل هذه الاقتراحات التي تميل اليها الولايات المتحدة.
ومع اقفال اسرائيل ابواب التسوية السلمية للمشكلة الفلسطينية، لا يعود امام الفلسطينيين الا سلوك خيارين احدهما العودة الى المقاومة المسلحة وهذا خيار لا يحبذه عباس او سلوك الخيار الاممي عن طريق التوجه مجددا الى الامم المتحدة.
وتحاول واشنطن ان تجنب اسرائيل هذين الخيارين عن طريق حثها على ابداء مرونة اكبر في المفاوضات وعدم التسبب بإفشالها.
كما ان اميركا الحريصة على امن اسرائيل اكثر من حرصها على أية قضية اخرى في الشرق الاوسط لا تريد ان تتعرض اسرائيل لعزلة دولية بدأت اولى مظاهرها في مقاطعة اوروبية لمنتجات المستوطنات في الضفة الغربية.
كما تتزايد في اوساط المجتمع المدني الاوروبي الدعوات الى الضغط على اسرائيل بسبب ممارساتها بحق الفلسطينيين وعدم تجاوبها مع جهود السلام.
تعميم فلسطين
بقلم: نسيم الخوري عن الخليج الاماراتية
نعم تعميم فلسطين نحو طعم العلقم يتناوله العرب تباعاً وعلى المستويات كلّها أقلّها التوطين، ونحو نعيم "إسرائيلي" سيبقى قائماً بين قوسين، ولو حاولت الدول الكبرى في أسرارها الملغزة سحب الحلول من تحت القبّعات الكثيرة والأكمام الطويلة في مناخ الدم والتهديم، لكنها جهود تدفن في السير الذاتية للموفدين الدوليين كي يقرأها الأحفاد . فلنعترف بشدّ الحبر من أذنيه عند الكتابة في ما آلت إليه فلسطين . تتحوّل الأصابع فوق المفاتيح والرأس يعلو ويهبط نحو الشاشة مثل لعبة القرود يخطفون موزة . أين تقع فلسطين التي تدور المفاوضات حول بقاياها وكأنها سرقة ملتبسة؟ وماذا يضيف جون كيري إلى التاريخ البائس المتقطّع في المفاوضات الفلسطينية - "الإسرائيلية" التي ضجرت الألسن والأقلام من علك أدبياتها المشحونة دوماً باليباس؟ من يتذكّر آخرهم ميتشل أو من يسمّي لنا السفراء والمبعوثين الذين توافدوا إلى فلسطين بحثاً في السلام؟
يترقّب الكثيرون جديداً ما يفعله كيري منذ 30 يونيو/ تموز الماضي بعد توقف ما سمّي بالمفاوضات سنوات ثلاث . ما هو الجديد؟ الانقسام العربي وتقاتل المسلمين في فصائل إرهابية متعددة المنابع والفوضى العارمة والركام الذي تتأهّب له الشركات العابرة للقارات لإعادة بناء المدن والقرى التي سينتظر أهلوها في المنافي والخيام أجيالاً قبل المباشرة بها أو إنجازها . لا، هناك جديد من وجهة النظر الأمريكية وبعض الفلسطينية و"الإسرائيلية"، ترى أنّنا في المرحلة الفضلى للوصول إلى نص اتفاق ما مع الفلسطينيين . لكنّ المفارقة تكمن في بقايا "الربيع العربي" الذاوي التي تدير ظهرها للعروبة فينبري الإخوان المسلمون، الجاهزون قبل زمن طويل من تلك الثورات، في إشاعة الفوضى والتفجير والتطاول على عواصم وكأنهم باتوا جميعاً أسرى تعميم المشهد الفلسطيني إذ سقطنا جميعاً بين مشهدين:
يظهر المشهد الأوّل بتوصيف بانورامي للأزمنة المربكة التي تشظّي العرب وتذيق شعوبهم معنى فلسطين الحقيقي . ينام العراق بعدما كان يعرف ب"عراق صدّام" في المفخّخات التي تجعل أكبر نظام عالمي ينهار والتي تتطلّب زمناً طويلاً قبل تذوّق طعم الاستقرار حتّى ولو كان على نهج ما قبل ال،2003 ويبدو الأردن بلداً لا ينام مشغولاً بتشظّي هويته تسهيلاً للمشاريع السلمية الملغومة، وهو يفتقد الدفء المتراجع لحمايته الدولية التي يرشح منها دفعه المقصود نحو تحمّل العبء الفلسطيني المتعاظم وأعباء النازحين السوريين . أمّا سوريا التي كانت وما زالت تعرف ب"سوريا الأسد"، فتنكفئ عن فلسطين نحو همومها ويتساوى نازحوها بالفلسطينيين في المخيّمات وما دون، ودمشق لن تهضم طعنات "حماس" في وجهها نتيجة انقلابهم المفاجئ إلى جانب المعارضات السورية ورهانهم على حكم "الإخوان" في الكثير من أرجاء الوطن العربي . من يتابع أخبار مخيّم اليرموك مثلاُ ويمرّ كلّ يوم أمام تجمّعات السوريين العشوائية وخيمهم في زوايا لبنان كلّه أو أمام مخيّمات الفلسطينيين يدرك بلحظة واحدة معنى القول ب"تعميم فلسطين"، مع أنّ سوريا كانت من دول النبرة العالية في فلسطين، وكانت تفخر بأنّها الوحيدة التي عاملت الفلسطينين كمواطنين سوريين في الحقوق والواجبات . هذا المشهد السوري المتعاظم يقوى خطره بتداخله مع لبنان نزوحاً وإرهاباً، على إيقاعات التفجير اليومية، وقد فرز انكفاء حزب الله عن فلسطين نحو الداخلين اللبناني والسوري بما يريح "إسرائيل" في الجنوب . ويبدو لبنان وكأنّه يسير قدماً نحو تذوّق "مرارة" فلسطين مجدداً مع أنّه تجرّعها في الاجتياح "الإسرائيلي" 1982 عندما وصل العدو الصهيوني إلى القصر الجمهوري فيه، وأخرج أبو عمّار والفلسطينيين نحو تونس ثمّ تجرّعها عند تهديم ضاحيته وجنوبه في ال2006 .
صحيح أن إشاعة السر الدولي للنأي بلبنان عمّا حوله وهم يضخّمه الإعلام ويلمسه اللبنانيون على أبواب السفارات في انتقائية غريبة في ما بين طوائفهم، إذ نشهد تسهيلاً لأبناء المسلمين وتشدّداً لغيرهم في تأشيرات المغادرة، لكنّ الأصح أنّ تعثّر الحل السلمي في سوريا يدفع دفعاً نحو التشبع بطعم فلسطين . مصر بدورها لا تنام فهي مشغولة بحالها ودستورها وانتخاباتها وتفجيراتها المتعاظمة،، وتعاني مثل الكثير من الدول في التوفيق الصعب بين ازدواجيات التحالف العالمي والعربي مع الإخوان المسلمين . قد نشهد تداعيات إعلامية وسياسية وحتّى عسكرية في البلدان البعيدة عن دول الطوق لما كانت تقع عليه فلسطين .
أمّا طهران التي كانت منهمكة في رمي الصخور فوق درب أيّ اختلاس دولي للمفاوضات الفلسطينية "الإسرائيلية"، فنراها مشغولةً أكثر بمفاوضاتها النووية وفتح أبوابها على الغرب وسوريا ولبنان تحديداً، كما هي مشغولة بالضيق الاقتصادي الذي أورثته الضغوطات الدولية عليها وفتحت في جدارها بسمةً تتوسّع . أمّا المشهد الثاني فيظهر أوّلاً في خطى "الربيع" المنحدرة نحو الخلف في تحولات أصلب من زهور الياسمين، نشهدها من تونس نقطة البداية "الثورية" ونقطة التراجع للفكر والسلوك التغييري الذي يعكّره التشدّد الديني . ويظهر ثانياً في "جنيف 2" على الرغم من استغراقه في الشكل المفرغ من المضامين النهائية . ويظهر ثالثاً في النبرات البريطانية والفرنسية والأمريكية التي توصد الأبواب في وجه أيّ جهادي راجع من القتل .
بين هذين المشهدين الحافلين بالتشظيات بين الفلسطينيين وحولها، يتجدد النفس الأمريكي في اقتناص فرص الفوضى مجدّداً مبادرة قد يؤمن بنجاحها بعدما أصاب العقل الفلسطيني الإعياء ومقت السلاح والانصياع للضغوطات والمؤتمرات الفارغة والمبادرات المتكررة الممجوجة التي تنعكس في التنازلات الهائلة في ملفّ اللاجئين والمستعمرات وغياب القدس أو تأجيلها أو حذفها من أدبيات التفاوض وصولاً إلى قصاصةٍ دولة مستقلة معترف بها دولياً قبل حلول نيسان المقبل . وهنا أسئلة قبل الأوّل من نيسان:
من يحدّد أرض الضفّة الغربية التي ستنسحب منها "إسرائيل"؟ ما مصير المستوطنات فيها؟ ومن يضع عدد اللاجئين والمعايير لفتح أبواب العودة لهم؟ ومن هو اللسان الفلسطيني الذي سيعتلي المنابر معترفاً بدولة "إسرائيل" اليهودية؟ ومن من العرب المشاركين في المفاوضات خلف الأبواب المغلقة سيصفّق مشجّعاً الخطيب؟
الجواب: على الرغم من التنازلات الفلسطينية والعربية في مسائل مقيمة في الحناجر مثل الكلام عن تبادل الأراضي وفتح أو توستراد بين الضفة وغزّة، وعلى رغم متغيّرات العرب والفلسطينيين والعالم كله، وعلى المستويات كلّها، فإنّ اليهود وحدهم لم ولن . . يتغيروا .
عن حقوق اللاجئين اليهود في بلادنا!
بقلم: هشام منور عن القدس العربي
تحتدم المفاوضات والمبادرات التي يحملها المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط ووزير الخارجية الامريكي جون كيري، في ظل ما بات يعرف من جولات مكوكية لضمان الإجهاز على قضيتي القدس واللاجئين عبر إغراء الدول والسلطة الفلسطينية بقبول إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في دول لها سمعتها العالمية ككندا واستراليا، او التسهيل لقبولهم في أي بلد يرغبونه كما في الدول الاسكندنافية وتحديدا السويد.
وبعد أسابيع عدة من تعذر عقد لقاءات تفاوضية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، بسبب الإختلاف الكبير في الرؤى حول ملفات الخلاف، وفي أعقاب سلسلة من التكهنات والتسريبات عن خطة الإدارة الأمريكية للوصول إلى ‘اتفاق إطار’ يمنع العملية السلمية من الانهيار، كشفت واشنطن عبر موفدها للشرق الأوسط مارتن إنديك، للمرة الأولى تفاصيل خطة السلام المتوقع طرحها رسميا خلال أسابيع، وتشمل بقاء 80% من مستوطنات الضفة الغربية تحت السيادة الإسرائيلية، وتشمل اعترافا فلسطينيا بـ’يهودية إسرائيل’.
وبعد أسابيع من العمل بجهود كبيرة من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لأخذ موافقة من طرفي المعادلة (الفلسطينيين والإسرائيليين) على خطة ‘اتفاق الإطار’ التي يريد من ورائها إطالة عمر المفاوضات لعام آخر، على أن يكون الاتفاق هو مرجعية التفاوض على ملفات الحل النهائي، كشف المبعوث الأمريكي مارتن إنديك عن الخطوط العريضة لهذه الخطة، المنوي طرحها رسميا في غضون أسابيع قليلة، بعد تسريبات وتوقعات، في مجملها كانت لا تحظى بالقبول الفلسطيني.
رؤساء الجالية اليهودية الأمريكية نقلوا عن إنديك الذي روى لهم في اتصال هاتفي أن هذه الخطة التي يشرف عليها وزير الخارجية كيري تنص على إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود عام 67 مع تبادل للأراضي وإبقاء ما بين 75 80% من المستوطنين تحت السيادة الإسرائيلية، دون أن تحدد نسبة التبادل.
كذلك تنص على أن يقوم الجانب الفلسطيني بموجب الوثيقة بالاعتراف بـ ‘يهودية دولة إسرائيل’، كما ستعترف إسرائيل بالدولة الفلسطينية، وأن يقوم الجانبان بالإعلان عن إنهاء الصراع بينهما.
وستتطرق الوثيقة حسب ما نقلت الإذاعة الإسرائيلية عن فحوى اتصال إندك بزعماء الجالية اليهودية إلى حق المواطنين اليهود الذين فروا من الدول العربية في الحصول على تعويضات، كما ستتناول حملة التحريض التي تشنها السلطة الفلسطينية ضد ‘إسرائيل’.
ومن المرتقب أن تشير خطة كيري الى طرح تعويض للاجئين اليهود الذين غادروا منازلهم في الدول العربية بعد قيام دولة ‘اسرائيل’ وهاجروا إليها، مثلما سيجري طرح قضية اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم.
الخارجية الإسرائيلية بقيادة ليبرمان كانت قد عقدت العام الماضي وقبله لقاءات مع اللوبي البرلماني الإسرائيلي من أجل إعادة حقوق وممتلكات اليهود المنحدرين من الدول العربية، وذلك بحضور رؤساء منظمات يهودية منحدرين من مصر والمغرب والعراق واليمن ودول عربية أخرى. كذلك لم تشر إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها، واستبدال ذلك بتعويضهم ماديا. ولم تشر الوثيقة حسب ما روي عن إنديك الإشارة إلى ملف مدينة القدس بالتفصيل، وإنما الاكتفاء بذكر مبادئ عامة وطموحات الطرفين بشأنها.
ونقل عن المسؤول الأمريكي أنه أبقى موضوع القدس عائما وشبه مغيب، دون التطرق لما سيرد في هذه الإتفاقية بشكل واضح بخصوص المدينة، إدارة الأملاك بوزارة الخارجية الإسرائيلية قامت بإعداد مشروع قانون وطرحته على الكنيست الإسرائيلي في آذار/ مارس عام 2012 يطالب مصر وموريتانيا والمغرب والجزائر وتونس وليبيا والسودان وسوريا والعراق ولبنان والأردن والبحرين بتعويضات عن أملاك 850 ألف يهودي قيمتها 300 مليار دولار أمريكي مقسمة فيما بينهم طبقا للتعداد السكاني الأخير لليهود عام 1948.
هي مساومات ومفاوضات على الحقوق، التفكير بتعويض من أقاموا الدولة الغاصبة على ممتلكات من شردوهم بحجة انه تم استيعاب آلاف اليهود ضمن الكيان الاسرائيلي عام ثمانية واربعين، فيما تم طرد مئات الوف الفلسطينيين الى البلدان العربية ودول الشتات لمجرد كونهم يحوزون أرضهم التي ما عادت السلطة الممثلة لهم في جلسات التفاوض يعنيها امرهم بعد ان تقطعت بهم السبل في اصقاع الارض!
جيش إسرائيل يفقد قدرته
بقلم: صالح عوض عن الشروق الجزائرية
تشير الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية مؤخرا، أن هناك معضلات عميقة في بنية الجيش الاسرائيلي، وأن فرص تجاوزها غير متوفرة في المنظور، ورغم كل ما يتم بذله من جهود وأموال وإجراءات تفضيلية الآن، أن مستقبلا مظلما ينتظر جيش الحرب الصهيوني، والمسألة تكمن في تبدل طبيعة الحروب التي يخوضها الجيش الذي لم يخلع عتاد الحرب عن ظهره من سنوات طويلة.
وفي التفاصيل تظهر لنا أزمة مالية وبنيوية للجيش الصهيوني فتحت عنوان "جيش الشعب يتفكك"، كتبت "يديعوت أحرونوت"، مؤكدة أن غياب المعيارية في الجيش الصهيوني، واستغوال أبناء المدارس الدينية على موازنة الجيش يقود إلى فلتان اجتماعي وضغوط جوهرية على المؤسسة العسكرية. والأمر نفسه بما يتعلق بمدة الخدمة وخدمة النساء، وحجم التعويضات المالية التي تدفع من موزانة الجيش، حيث أن 57 % فقط من النساء يجنّدن للجيش في الفترة الأخيرة، وبالتالي فإن زيادة مدة الخدمة العسكرية من شأنه أن يزيد من العبء على المجنّدات، كما أن اقتراح "لجنة بيري" من العام الماضي، خفض مدة خدمة الذكور، دفع جهاز الأمن إلى الإعلان بأن ذلك يسبب نقصا بـ9300 جندي.
وجدير بالتنويه ما تناولته مراكز الدرسات الاستراتجية التابعة لوزارة الحرب الصهيونية، والتي تدق أجراس الخطر أمام الجيش الصهيوني، حيث ستتبدل مهماته العسكرية ولن يعود يواجه جيوشا رسمية عربية، بعد أن غرقت تلك الجيوش في مستننقعات الحروب الأهلية، الخطورة اليوم تكمن في تمكن المجموعات العسكرية المقاومة من حيازة أسلحة نوعية وحرية حركة تفقد العدو القدرة على الإحاطة بها، وكما أن لديها القدرة والاستطاعة أن توجه ضربات عنيفة للجبهة الداخلية في الكيان الصهيوني، وأن الجيش بما لديه من قوة لن يستطيع أن يؤمّن المستوطنين في المدن والمستوطنات، ثم إن حرب الجيش تفقد قدرتها عندما تواجه بعصابات مسلحة بأسلحة مقتدرة، وفي واقعات مفاجئة وصاعقة الأمر الذي أفقد قادة الجيش صوابهم في المعركة، وأعاد النظر لديهم في العقيدة العسكرية الإسرائيلية.
لقد حقق الجيش الإسرائيلي انتصارات متكررة على الجيوش العربية، الأردني والسوري والمصري وألحق بها خسائر فادحة، وتمكن من فرض حالة استعراض بالسلاح والسمعة لجيش لا يقهر عشرات السنين، وظل "بعبع" الجيش الإسرائيلي حاجزا منيعا أمام صانع القرار العربي دون اتخاذ موقف مشرّف تجاه شعب فلسطين والمقدسات في فلسطين.
وانفرد القادة الاستراتيجيون في إسرائيل ينظرون للعقيدة العسكرية الإسرائيلية وهي تتكون من 1- المعركة على أرض العدو 2- الحرب الخاطفة 3- الحرب الصادمة وتحقيق إيقاع أكبر الخسائر بقوة العدو 4- الأرض المحروقة والتقدم السريع الخاطف، واستمرت هذه العقيدة في المداولة وأراد حكّام إسرائيل جعلها مادة ترهيب وإرعاب للعرب متواصلة النفاذية، لتوقع فيهم أن لا إمكانية لمواجهة إسرائيل، إلا أن تطور نوعية المواجهة تم فيه استبدال العقيدة العسكرية تماما، فالآن ليس الجيش الإسرائيلي هو من يفرض ساحة الحرب، ولا يملك هو تحديد زمن الحرب، ولا يملك هو تحديد نتائجها وبهذا سقطت العقيدة العسكرية الإسرائيلية بعد أن اصبحت المقاومة الفلسطينية واللبنانية هي من يحدد المكان والزمن والنتائج إلى حد كبير، هذا ويتولانا الله برحمته.
الأسد.. ومزيد من المراوغة
بقلم: طارق الحميد عن الشرق الأوسط
أقل ما يمكن قوله عن جولة المحادثات الثانية في جنيف بين المعارضة السورية والنظام، إنها جولة جديدة من مراوغات الأسد الذي لم يلتزم بشيء، ومنذ اندلاع الثورة، وحتى الآن، فكل ما يفعله النظام الأسدي هو شراء المزيد من الوقت، وتعقيد الأمور أكثر.
إلى اللحظة، ورغم كل التصريحات الدبلوماسية، فإن آلة القتل الأسدية مستمرة، وكذلك معاناة السوريين؛ فلا البراميل الحارقة توقفت، ولا الحصار والتجويع توقفا، كما لم يسلم الأسد ترسانته الكيماوية.. كل ما يفعله الأسد هو المراوغة ومن ملف إلى آخر. والحق أن المجتمع الدولي، وقبلهم الروس، يشاركون الأسد في هذه المراوغة، والواضح، وكما قيل مرات عدة من قبل، أن الجميع، وليس الأسد وحده، يحاولون شراء الوقت من أجل الوصول إلى موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية في سوريا ليبدأ التفاوض الجدي على رحيل الأسد، وليس سقوط النظام، ويبدو أنه حتى الوفد الممثل للأسد يسعون في قرارة أنفسهم لذلك، خصوصا أنهم لا يحملون صلاحيات تذكر، ولكنهم قد يفكرون في ذلك، أي شراء الوقت حتى موعد الانتخابات، لضمان سلامتهم وسلامة عوائلهم، لكن هل انتظار موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا عملية مضمونة العواقب؟
الإجابة: بالطبع لا، فمثلما أن الأسد لم يلتزم بتسليم ترسانته الكيماوية بعذر «الأوضاع الأمنية»، فمن المتوقع أن يعلن الأسد في حال جرى الضغط عليه لعدم الترشح في الانتخابات المقبلة، عن تأجيل الانتخابات الرئاسية وبسبب «الأوضاع الأمنية»، وهذا أمر وارد تماما، بل مرجح، وهنا لا يمكن القول بأن الأسد حينها سيكون قد خاطر بإضعاف موقفه أمام حلفائه، فمن يقتل ما يزيد على 130 ألفا من السوريين، لا يكترث بأي حال من الأحوال بالشرعية، أو القوانين، ولا يشعر بالطبع بحرج داخلي أو خارجي، فآخر ما يفكر فيه القاتل هو القانون، وهذا حال الأسد اليوم. ولذا، فإن كل ما يفعله الأسد هو عملية شراء مزيد من الوقت على أمل الانتصار عسكريا، أو التسبب في انهيار الائتلاف السوري على أثر فشل المفاوضات الجارية في جنيف.
ومن هنا، فإن كل ما يحدث في مفاوضات جنيف ما هو إلا مراوغة أسدية، ومفاوضات محكوم عليها بالفشل، مما يقول لنا إن الانتظار الدولي، وحالة اللامبالاة هذه من شأنها أن تقود الأزمة السورية إلى تعقيدات أكثر، فالانتظار إلى الانتخابات الرئاسية السورية المقبلة أمر لا يخطط له النظام الأسدي وحده، بل والروس، وإيران، وحزب الله، ولكل طرف منهم دوافع مختلفة، وأدوات مختلفة كذلك، وقد رأينا، مثلا، كيف أن إيران لم تتوان عن استخدام «القاعدة» في سوريا، مما يعني أن القادم أسوأ بكثير في حال قرر المجتمع الدولي الانتظار حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة، والسكوت عن مراوغات الأسد هذه، فحينها، وكما ذكرنا، هناك إيران، وحزب الله، و«القاعدة»، والأسلحة الكيماوية التي بحوزة الأسد، فهل هناك خطر أكبر من هذا؟!
الشرق الأوسط مختبراً لمشاريع فاشلة
بقلم: هوشنك أوسي ( كاتب كردي) عن الحياة اللندنية
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق والمنظومة الشرقيّة - الاشتراكيّة الملحقة به، جرى حديث سياسي، ثقافي، إعلامي، طويل عريض، في منطقة الشرق الأوسط، عن إفلاس وفشل المشروع الآيديولوجي اليساري، باعتباره سقط في «جنّته» المركزيّة المفترضة (موسكو المطرقة والمنجل)، فكيف لهذا المشروع، أن تقوم له قائمة في الأطراف، بخاصّة منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من مشاكل وأزمات ذات خلفيّات قوميّة، دينيّة، طائفيّة وجهويّة مزمنة؟! أكثر المتحمّسين في تلك السجالات - المراجعات، كانوا القوميين، بشقّيهم الإسلامي والعلماني. ذلك أنهم سعوا حثيثاً لطرح - فرض المشروع القومي والديني الخاصّ بهم، بحيث استمرَّ الإسلاميون في طرح «الإسلام هو الحل»، بدليل انهيار الشيوعيّة (الكافرة، الملحدة، الفاجرة)، بينما استمرّ القوميون العرب في حديثهم عن الأصالة والأمجاد التاريخيّة العظيمة للأمّة العربيّة، وخلود رسالتها الحضاريّة.
ولكن، مع غزو صدّام حسين الكويت سنة 1991، وازدياد منسوب الفساد والاستبداد في الأنظمة القوميّة العروبيّة في سورية ومصر والجزائر والعراق، تحوّل النقاش - السجال السالف نحو نعي المشروع القومي العربي أيضاً، باعتباره فشل بشكل ذريع، في تحقيق أهدافه في «الوحدة والحريّة والاشتراكيّة»، وأنتج أنظمة أمنيّة، دكتاتوريّة، مستبدّة وفاسدة. وهنا، تنفّس التيّار الإسلامي الصعداء، بعد إعلان نعي المشروع اليساري، ومن بعده فوراً، المشروع القومي، بشقّيه البعثي والناصري. وتقدّم ذلك النقاش - السجال الليبراليون الآتون من الخنادق اليساريّة والقوميّة، مضافاً إليهم الإسلاميون. وبدا لأصحاب مشروع «الإسلام هو الحلّ» أن الفرصة سانحة للانقضاض الدموي على السلطة سنة 1992 في الجزائر، ومصر. فأدخلوا البلاد في حمامات دم، وفشلوا. ومع استلام طالبان الحكم في أفغانستان سنة 1997 - 1998، وبخاصّة بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001، عاد الانتعاش لطموحات الإسلاميين في الشرق الأوسط، للوصول إلى السلطة. وبعد التدخّل الأميركي في العراق، ازدهرت «القاعدة» ومشتقّاتها في العراق وشمال إفريقيا. واللافت هنا أن النظامين في سورية وإيران، كانا من الداعمين لـ «القاعدة» و «الجهاديين» ضدّ القوات الأميركيّة في العراق، على رغم الإعلان عن التباين الآيديولوجي لهذين النظامين مع «القاعدة».
مع ثورات «الربيع العربي»، على أنظمة «المشروع القومي» في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، بلغت الطموحات والآمال الإخوانيّة - السلفيّة - الجهاديّة أوجها، باستلام الإخوان والسلفيين السلطة في مصر وتونس. ولئن لم تصل تيّارات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط والعالم العربي، للسلطة منذ تأسيس جماعة الاخوان المسلمين سنة 1928 (باستثناء الثورة الخمينيّة في إيران، واستلام التيارات الإسلاميّة - الشيعيّة للسلطة في العراق، والسودان)، فقد تشكلت لدى هذه التيّارات عقدة الوصول الى السلطة بأيّة طريقة، إلى جانب ازدياد نزعة الجشع المرعب في ابتلاعها بما ينسجم ومشروعها في اعلان «دولة الخلافة». كل ذلك ومعه انعدام خبرة إدارة الدولة لدى التيّارات الإسلاميّة، جعلاها تسقط بسرعة في فخّ السلطة، ويزول عنها «سحر» شعارات سنوات المعارضة، وحديثها المديد والغزير عن الديموقراطيّة والدولة المدنيّة. فانكشف وجهها القبيح الذي لا يقلّ قبحاً وبشاعة عن وجوه الأنظمة الديكتاتوريّة السابقة في مصر وتونس وليييا، وفي سورية أيضاً على رغم أن الإسلاميين فيها لم يصلوا للسلطة بعد.
ومنذ مطلع الخمسينات، وحتّى قبل ذلك، كان يساريون يتبنّون شعار: توحيد الشعوب العربيّة في مجتمع لا قومي ولا طبقي. وتبنى القوميون شعار توحيد الشعوب العربيّة في وطن افتراضي، اطلقوا عليه تسمية «الوطن العربي». بينما تبنّى الإسلاميون شعار توحيد شعوب المنطقة في «دولة الخلاقة»، وأن «الإسلام هو الحل»!. وقد أنتج المشروعان القومي واليساري طغماً استبداديّة فاسدة، نهبت الدولة، ودمّرت المجتمع، ودافعت عن نفسها بوسائل فاشيّة. في حين أن البديل لهذين المشروعين الفاشلين، وأقصد المشروع الإسلامي، فشل أيضاً في مصر (مهد الإسلام السياسي - الاخواني) بعدما أدخل البلاد في دوّامة دموّية أنتجت انقلاباً عسكريّاً بلبوس الثورة، لتعود مصر إلى المربّع الأوّل، وكأنَّ شيئاً لم يكن، ولتبدأ مرحلة تأسيس لمبارك جديد، ما يوحي كأنّ هناك تحالفاً - تواطؤاً مشتركاً بين العسكر والإسلاميين على الدولة والمجتمع؟!
في مطلق الأحوال، لا يمكن اعتبار نظام الأسد الأب والابن، يساريّاً، (رغم تبنّيه شعارات اليسار)، ولا نظاماً قوميّاً، ولا علمانيّاً، بسبب البنية والتركيبة الطائفيّة المناطقيّة الفاقعة للسلطة الأمنيّة التي هي روج كل السلطات في سورية. زد على ذلك أن هذا النظام لم يفصل الدين عن الدولة، بل سعى لاستثمار الدين، (أشخاص، مؤسسات، تنظيمات إرهابيّة) لحـــماية نفســـه. كما لا يمكن اعتبار نظام مبارك أيضاً علمانيّاً، بسبب اعتماده على المؤسسة الدينــيّة في الأزهر والكنيسة القبطيّة، ولو بنسب متفاوتة، فضلاً عن اعتماد الدولة البوليسيّة - الأمنيّة، والسعي نحو التوريث.
ويبدو أن الطغم العسكريّة الأمنيّة وتجاربها جعلت المنطقة وشعوبها حقل تجارب لمشاريعها الدمويّة الفاشلة. وإذا كان هنالك ثمّة إيجابيّة للسلطة، بوصفها مفسدة في الشرق الأوسط، فإنّها عرّت أصحاب المشروع اليساري والقومي والإسلامي، وجرّدتهم من «بريق» و «سحر» الشعارات الأيديولوجيّة التي سمموا بها حيوات مجتمعاتهم طيلة عقود. فإذا اضفنا تصريحات هاشمي رفسنجاني من أن «ثورة إيران على مسافة بعيدة من أهدافها»، تأكد فشل الإسلام السياسي - الشيعي أيضاً في إدارة البلاد.
وينسحب الأمر على النظام العراقي، وعلى ما يسمّى «المقاومة والممانعة» في لبنان كواحدة من تفريخات الإسلام السياسي - الشيعي، فيما تكشف الثورة السوريّة مدى زيف ونفاق «مشروع» حزب الله اللبناني، وتلطيخه طائفته بدماء السوريين.
وهذا عموماً ما يجيز لنا القول إن نضوج التجربة الديموقراطيّة ورسوخها في الشرق الأوسط سيأخذان وقتاً طويلاً، بحيث يبرأ المجتمع والدولة والقانون ونظم التربية والتعليم والإعلام...، من كل هذا التراكم المرعب زيفاً وتسلطاً.
الثورة العربية "سوسيولوجياً"
بقلم: فؤاد خليل عن السفير البيروتية
من أكد على أولوية العامل الخارجي في اندلاع الثورات العربية، انساق إلى نعت الحراك بالمؤامرة الغربية المدبرة لتفتيت العرب وشرذمتهم.
مثل هذا التفكير يسيء إلى الشعوب العربية. إذ لا تعدو أن تكون دمى ورسوماً كرتونية تحركها أيادٍ غربية من خلف المسرح
إن الحراك الذي اندلع في 17 كانون الأول العام 2010، ولما يزل على جريانه، هو دالٌّ تاريخي ومجتمعي على سيرورة تغيير ديموقراطي في المدار العربي كله. وقد تتخذ شكل ثورة أو شكل انتفاضة او شكل تمرد او احتجاج...الخ. وقد تُؤتي أكلُها كلياً أو جزئياً، أو تتعرض للاحتواء او الاستيعاب وللحرف او الرِدّة؛ او في لغة غرامشي، قد تتعرض الى ثورة سلبية او ثورة الردة. كما أنها قد تشهد مرحلة انتقالية مديدة بين قديم يعاند اضمحلاله ويتثبت بنبض الحياة، وجديد لمّا يزل يغالب مخاض ولادته العسيرة. وفي اثناء المخاض تكثر المصاعب والآلام والأوجاع (ماركس) التي تتبدى في أشكال ومظاهر لا حصر لها. لكن في مطلق الأحوال يبقى ان السيرورة هذه ادخلت المجتمعات العربية في «براكسيس» تاريخي ينقض دهر الاستبداد العربي في شكليه الرئيسيين، الجمهوري والملكي في آن. وهذا «براكسيس» يعبر عن تحول تاريخي كيفي لم يشهده المسار العربي المعاصر، اقله منذ العقود الأربعة الماضية... هنا يغدو الضبط العرفي للحراك ليس شكلياً على الإطلاق، بل هي على العكس، مسألة تطال أو تمس معناه الجوهري. ذلك ان ضبطه معرفياً يحدّد طبيعته الحقة وحدوده وأشكال تمرحله ومن ثم مآله التاريخي. وكل نظر اليه بجانب مفْهمته، يذهب الى تحديده من باب الارتجال والانتقائية والنقل والترجمة. وهذه طرائق اقل ما يقال فيها، إنها غير علمية. فهي قد تتأتى إما من الصدمة المعرفية التي احدثتها وتيرة الحراك المتسارعة، بحيث افقدت البعض ادوات التحليل العلمي وجعلته يرتجل في مقاربة مفهوم الحراك، او يقع في فوضى مصطلحية في تحديده: (ثورة - انتفاضة - صحوة - غليان تمرد - نهضة في الوقت نفسه). بذريعة اغترَّ بها كثيرون، وهي تتمثل في ان الأخير يحمل برأيهم طبيعة عفوية، وأن مجراه لم يكتمل بعد كي تتم مفهمته او تأطيره النظري. إن الحراك في أبسط تعريفاته هو فعل مجتمعي موصوف. وكلّ فعل مجتمعي هو ذو دلالة ومعنى (ماكس فيبر). وحينما يكون كذلك، يغدو الفعل قصدياً غير عفوي، أي انه يرتكز على ارادة وقصد جماعيين: والتأطير النظري لا يتوقف على انتهاء الحراك لأن معادلة: ألاحظ ثم أفكر، قد طوتها العلوم الاجتماعية منذ قرن ونصف قرن تقريباً، وأحلت مكانها معادلة: أفكر ثم ألاحظ (كلود برنار). أو بمعنى آخر، إن العلاقة بين الفكرة والملاحظة، أو بين الفكر والواقع تندرج في وحدة جدلية يكون فيها الفكر فكراً في ملموسه، والملوس ملموساً في المُفكر به. ما يعني تالياً ان الناظر في الحراك أياً يكن موقعه، يفكر بداية في ملموس الحراك، ثم يعاين الملموس المفكر به، وتلك عملية ذهاب وإياب تتجدد الى ما لا نهاية بين الفكرة والملاحظة او بين الفكر والواقع. وهي التي تتيح التطور الدائم للمعرفة والعلم . لأن ثمة استحالة معرفية ان يطابق (يماهي) الفكر الواقع، او الواقع الفكر؛ إذ أن تصور مطابقة من هذا النوع تعني ان العلم يقدّم معرفة لمرة واحدة ونهائية في كل موضوع بحثي او في كل ظاهرة طبيعية او مجتمعية. وهذا ما يخالف المنطق والواقع والتاريخ.
قد تتأتى الطرائق المذكورة من أحكام ذاتية مسبقة، او من زيف ايديولوجي، أو من تبعية فكرية لدى البعض الآخر. ومما ينجم عنها انتقائية او انحيازاً في توصيف مفهوم الحراك، كأن يعتبر هذا البعض، أن ثمة ثورة في هذا البلد العربي، وأن يسمي حالة الحراك نفسها، انتفاضة في بلد عربي آخر. أو أن يدعم الانتفاضة الشعبية هنا، وأن يصمت عن انتفاضة اكثر شعبية هناك، أو أن يفضح أو يعرّي نظام الاستبداد الجمهوري، ويبتلع لسانه عن نظام أميري أو ملكي اكثر استبداداً، وقد يمتدح او يمجّد حكمته الملكية. وهي على ما تبدو جلياً حكمة تستقي "عقلانيتها النقدية من كارل بوبر المعروف جيداً من قبل الأمراء والملوك العرب!"؛ وتقوم على المناصحة الشرعية بين اصحاب الرأي والمشورة بين أولي الأمر، بما هي الترجمة المذهبية والسياسية لعدم الخروج عن طاعة الأخيرين.
والحال، ان البعض المشار اليه هنا، يكون قد بعثر المنطق من حيث كونه اتساق الفكر مع نفسه، في تضاعيف اهوائه ورغباته الذاتية؛ وحوّل العقل من أداة تتصف بالكشف والوضوح (ديكارت)، الى آلة للتعمية على الحقيقة تحت غطاء ايديولوجي من الزيف والمكر والخداع . كما يكون قد حجز المعنى التاريخي للحراك في نطاق أحكام جزئية ومتشظية الى تناقضات عارية في معنى الحراك وطبيعته (حراك شعبي في بلد، وحراك طائفي في آخر).
على هذا كله، يغدو متاحًا لنا أن نؤكد على مصداق الدال التاريخي والمجتمعي للحراك، وان نعّين في ضوئه، ان مصطلح الثورة حين نستخدمه في هذا النص، نعني به ثورة ديموقراطية حيثما تكون حواملها المجتمعة مدنية. والمعنى هذا يتساوق مع مدلول بدايات الحراك الديموقراطي العربي، ويرتكز على وعي نزوعه التاريخي الكلي نحو التحديث والتقدم، على الرغم من كل المآسي الهائلة والكارثية التي تشهدها اللحظة الحراكية الراهنة. وكل استخدام لمصطلح الثورة بغير المعنى اعلاه، يفتئت على الديموقراطية ويختزلها في فعل التصويت، ولا يملك معرفياً ان يقارب جدلية العلاقة في نزوع التاريخي الكلي او اتجاهه العام، بين الجزء والكل، والظرف والبنية والحدث والسّياق.
لقد توزعت مقاربات الحراك في الساحة الفكرية والسياسية والإعلامية على رؤيتين رئيسيتين:
أ- الاولى، الخوْرجة: وهي رؤية تقدّم العامل الخارجي على سواه من العوامل الاخرى في المقاربة والتحليل، او انها تعتبره المبدأ التفسيري للحراك في انطلاقته وفي مجراه. وممّا ابتدعته في هذا الصدد ان الخارج اي الغرب، يقف وراء حركة الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في البلدان العربية، لا سيما انه اول من وصفها بالربيع العربي، وذلك من اجل تأمين مصالحه الاستراتيجية في المنطقة، او صوغ خارطة سياسية جديدة لها وفاق خطته او مشروعه حول الشرق الاوسط الكبير. وقد قادت الخوْرجة البعض الى حد نعت الحراك "بالمؤامرة" الغربية المدبرة لتفتيت العرب وشرذمتهم. وثمة بعض آخر، حاول ان يخفف من منسوب الخوْرجة التحليلي، فأفرد هامشاً ضيقاً للعامل الداخلي، وأبقى تأثيره في الحراك ثانوياً او عرَضياً، لأن التأثير الرئيس يقع بين أيادي الخارج وأصابعه الاستخبارية في الأقبية والكواليس.
وأيًا يكن الأمر، فإن فكر الخوْرجة يتبدى في المنطق والواقع قصيًا في تهافته. فحينما يرى ان الحراك ينتج من الفعل الخارجي، يكون قد اعتبر عن قصد او عن غير قصد، ان كتل الحراك الشعبية لا تعدو عن كونها دُمى او رسومًا كرتونية تتحرك لا إراديًا من خلف المسرح. اذاك يهين تلك الكتل، ويفتئت على كرامتها بعدما صورها متلقية لا تتوافر على فعل وارادة ذاتيتين. الأمر الذي يحوله الى فكر غير اخلاقي لانه يخفي عدوانية السلب لأخلاق الناس ولقيمهم الجماعية. كذلك، فهو يسلب السياسة بصفتها ارادة عامة في التغيير، من المجتمع. فيغدو الأخير في متن الخوْرجة بناءً سكونياً هامداً لا حركة فيه ولا تاريخ، يعيش الدوران التكراري على ذاته ويتحول الفرد في رحابه الى كائن مُستلب ينتظر تغيير واقعه من الخارج. هنا، يظهر ان فكر الخوْرجة هو الوجه الآخر للفكر الاستشرافي الذي يعتبر ان الشرقي ومنه العربي بالطبع مفطور على الخمول والاستبداد، وأن قدره هو ان يتلقى ما يأتي به الغرب اليه. فالخوْرجة اذن هي استدخال الاستشراق الى فكر أخرج نفسه تحت صخب المؤامرة من المجتمع...
ب- الثانية، الدوْخلة: وهي رؤية حصرت مقاربة الحراك وتحليله في العوامل الداخلية من سياسية واقتصادية ومجتمعية ولم تفرد لفعل الخارج نصابه الموضوعي في التحليل. إذ إنها إما اهدرته كلياً، أو حاذرت الخوض فيه بذريعة من هنا او من هناك. وإذا ما تناولته لسبب او لآخر، يكون ذلك إما عرَضياً أو عابراً، كأنما لا حضور مؤثراً له؛ وإما من باب اعتباره دعماً محموداً للداخل او نصرة يتطلبها حراكه الشعبي...
لكن الخارج سواء الغربي أم الإقليمي قد تدخل في العلن وفي الخفاء في الحراك منذ بداياته الرائعة. واتخذ تدخله اشكالاً وصوراً متنوعة. ثم جاء المجرى الحراكي يكشف بالملموس حجم الفعل الخارجي ومدى تأثيره في الداخل. وها هو المشهد الراهني يؤكد ان هذا الفعل تدرّج في مسار تصاعدي ابتداءً بمحاولة استيعاب الثورة واحتوائها ثم حرفها عن طابعها المدني الديموقراطي، وتالياً السعي الحثيث لإجهاض هذا الطابع او إغراقه في حمأة صراعات مركبة تتخذ اشكالاً من الحرب الأهلية ومظاهر عنفية قرووسطية مدمرة...
أهلاً بكم في «دُوَل» الأقاليم العربية.. «المفككة»!
بقلم: محمد خروب عن الرأي الأردنية
رسمياً.. بات اليمن يحتل المرتبة «الثانية» بعد العراق الذي «استحق» اللقب الأول، بعد ان تحول الى دولة اقاليم، إثر الغزو الاميركي البريطاني له قبل احد عشر عاماً، رغم انه حتى اللحظة لا يزال ينقسم الى إقليمين «اثنين»، ولم تغلق نافذة «الأقلمة» التي تثور بين الفينة والاخرى، ويجدها أصحابها «ورقة» لمساومة الحكومة المركزية في بغداد، كلما لاح شبح أزمة او احتاج احد زعماء العشائر او قادة الاحزاب السياسية او حيثية دينية واخرى سياسية، الى تعزيز حظوظه في الصدارة، فاذا المطالبة باقليم «مستقل» ترتفع في صدارة المشهد، تارة في غرب العراق (حيث المناطق ذات الاغلبية السُّنية) وطوراً في جنوبه (حيث الاغلبية الشيعية وخصوصاً الثروة النفطية) ثم لا تلبث ان تهدأ، لكنها لا تسقط عن الاجندة، فلها وظيفة «استعمالية» ولن تنتهي الحاجة اليها، الا اذا استنفد اصحاب تلك الطروحات، خياراتهم ومناوراتهم..
ما علينا..
اليمن السعيد، بات «رسميا» دولة اقاليم عددها ستة حتى الآن، طاب للموقعين على الوثيقة النهائية او المروجين لهذا الخيار او الساعين لتأجيل الانفجار، ان يصفوا ذلك التوافق (غير المكتمل بالمناسبة بعد ان غاب عن التوقيع والموافقة طرفان رئيسان هما الحراك الجنوبي والحوثيون)، بأنه انجاز (بعضهم قال.. معجزة)، وراحوا يخلعون عليه القاباً واوصافاً، نحسب انها تندرج في اطار المبالغة والتهويل والهرب الى الامام وتأجيل انفجار حقول «الألغام» الى مرحلة لاحقة، يحسب هؤلاء انهم سيكونون في منأى عن دفع استحقاقاتها، اذا ما تمرد «شعب» الجنوب او زحف الحوثيون على صنعاء او عاد انصار علي عبدالله صالح الى مرجعيتهم القبائلية وانخرطوا ثانية في تحالفهم التقليدي الذي تواصل ثلاثة عقود ونيف مع آل الاحمر ثم انقبلوا (مع هؤلاء) على الجميع..
تجربة الاقاليم الستة اليمنية, تظهير لمجتمع مُفخخ ومأزوم ومُفكك, دأب المستفيدون من بقائه على هذا النحو المتوتر, الهش والقابل للتفجر في أي لحظة, على إخفاء عيوبه والتعاطي معه عبر المُسكّنات, ودائماً من خلال القمع والاستبداد والترهيب ورشوة القيادات القبائلية والعشائرية, والعمل بمثابرة على شق صفوفها افقياً وعامودياً، وإذكاء الخلاف بين المكونات الشعبية, وافتعال الخلافات والايعاز لمجموعات الارهاب التي تأتمر بإمرة الاجهزة الامنية، القيام بعمليات تفجير واغتيالات لاصطياد المزيد من المعارضين والزج بالنشطاء السياسيين في السجون, وخصوصاً التنكيل بهم ومطاردتهم وتجويعهم, ثم في البحث عن عداوات مع دول الاقليم أو الاصطفاف في محاور وتحالفات بالضدد من الارادة أو الاغلبية الشعبية، لإلهاء المواطنين وتغيير الاولويات الوطنية..
في هذا الشأن «العظيم والكبير», ليس اليمن وحده, من يقارف مثل هذه الارتكابات، التي لا يمكن لدولة سويّة وقادة يتصفون بالحكمة و»يزهون» بالتفويض الشعبي, الذي جاء بهم الى السلطة عبر صناديق الاقتراع الحر والنزيه والشفاف, أن يرتكبوها, بل يصعب على المتابع والمراقب للمشهد الرسمي العربي, أن يخرج بأي نتيجة ايجابية تضيف الى سجل معظم الانظمة العربية, التي تعيش «قلقاً» (إقرأ رعباً) مقيماً لأن (وليس «كأن» كما قال جدّنا المتنبي، عن الريح التي..تحته) رياح الغضب الشعبي تعصف بها، وتكاد أن تحطم اركانها وأعمدتها, لكنها لا تسقط، بل تتصدع وتفقد شرعيتها المُدّعاة، بفعل عوامل عديدة تقف في مقدمتها الدعم والمساندة الخارجية من دول الاستعمار الغربي, ودائماً في ضعف قوى المعارضة وتشتتها وانعدام الثقة بين مكوناتها وخصوصاً انتهازيتها واستعدادها للانخراط في «مشاريع» الانظمة, متى غمزت الاخيرة لها وابدت استعداداً-مشروطاً بالطبع-لمنحها جزءاً متواضعاً-إن لم نقل وضيعاً-من كعكة السلطة وامتيازاتها.
هل ثمة دولة عربية غير مرشحة للتفكك والتحول الى دولة اقاليم، فيدرالية كانت ام كونفدرالية؟ تحت عناوين ويافطات قد تكون (ادارية) على ما هي النسخة اليمنية الاخيرة، وقد تكون ذات طابع عِرقي او قومي، على ما جاءتنا بها النسخة العراقية الاولى «الأميركية» بامتياز، وربما تأتي نسخة اخرى مبتكرة (اقرأ تدّعي الواقعية) ببعد ديني او طائفي او مذهبي، والمرشح لها دول عديدة أوّلها لبنان، وما يُخطط له المُستعْمِرون ومَنْ يحالفهم من العرب... لسوريا.
ماذا عن ليبيا والجزائر حيث «الأمازيغ»؟
وماذا عن السودان الذي انشطر الى شمال وجنوب، فيما يلوح في الشرق شبح دولة اخرى وفي كردفان والنيل الأزرق... كيان آخر؟
هل نواصل؟... الصمت..أجدى.
تحولاتُ رأسمالياتِ الدول الشرقية
بقلم: عبدالله خليفة عن أخبار الخليج البحرينية
في حراكِ البشرية خلال القرون الأخيرة تشكلٌ للرأسمالية بشكل متفاوت، وتتصاعد الاضطراباتُ في القرن الواحد والعشرين في القسم الرأسمالي الشرقي خاصة، لقيام هذا القسم بالتكيف مع قوانين الرأسمالية كتشكيلة بصور صعبة.
إن القشرة السياسية السطحية تتغير بفعل تحولات القاع والباطن التحتي العميق.
وتأتي أكثر الاضطرابات والتحولات في دول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية للصعود إلى المستويات الرأسمالية المتطورة لكن بحسب مستويات قوى الانتاج المحلية في كل دولة.
حين نرى تحول مصر فإن قوى الفئات الوسطى العسكرية والمدنية تتسارع أكثر نحو الحداثة وتشكيل تحالف واسع من هذه الفئات، ولا تزال القوة العسكرية، ممثلة رأسمالية الدولة الأكثر قوة، قائدةً للمسار، لكن مع توسع علاقاتها وانضمام فئات متوسطة وصغيرها لبؤرتها.
ما زال التحالف غامضاً في هدفيته التحولية وأي الصناعات سوف يطور، وماذا سيفعل تجاه العلاقات ما قبل الرأسمالية، لكنه حسم أمره في عدم العودة إليها وضرب الإخوان المسلمين ممثلي هذه العلاقات الذين يريدون جر التطور إليها مع تحول رأسمالية الدولة لقوة محافظة سياسية دينية.
مثلما أن إيران في لحظتها الراهنة تتجه لتوسع التحالف بين القوى العليا من شمولية دينية وعسكرية وقوى فئات وسطى لتطوير الاقتصاد الحكومي مع بقاء نفس النظام السياسي الشمولي.
إن تطور رأسمالية الدولة بيد قوى محافظة، ويشير خطاب الولي الفقيه الأخير إن العلاقة مع الغرب وتوسع التحديث لن يغير من طبيعة النظام، وهي جهود تكتيكية من أجل جلب الرساميل الغربية والإيرانية المجمدة.
مثلما أن الصراعات في أوكرانيا وروسيا تشير إلى تفكك أكبر في رأسمالية الدولة الروسية وخروج الدول المتحالفة معها عنها وتوجهها للتطور الرأسمالي الحر بصورة متزايدة.
في الهند حيث إن توسع الرأسماليةُ الخاصة الحرة الحاكمة لا يمنع ذلك من الارتداد للوراء وبروز قوى الإقطاع في حكم الولايات التي تقاوم تغيير هذه العلاقات ورسملة الهند بشكل ديمقراطي حر واسع، فتزداد الانقسامات الاجتماعية والتفاوت بين الأغنياء والفقراء وبين الولايات المختلفة، فيما تسعى الهند كدولة إلى توسيع العلاقات التجارية مع العالم وتصدير العمالة والسلع، ويعرقل ذلك برامج التسلح المكلفة.
جنوب إفريقيا كدولة ثنائية الرأسمالية بين رأسمالية بيضاء مسيطرة ورأسمالية سوداء صاعدة تواجه مأزق الانقسام البنيوي، فالسلطة السوداء المدعومة من الشغيلة البيض كذلك تظل محدودة.
إن الأشكال ما قبل الرأسمالية تظل مسيطرةً على العديد من المجتمعات، فدولُ الخليج تتشكل الرأسمالية فيها من خلال دور الرأسمالية السياسية العائلية والخاصة معاً بسبب طبيعة التاريخ الرعوي القريب.
وتوسعت في السنوات الأخيرة عمليات تفكك رأسماليات الدول في ليبيا وتونس واليمن والعراق وغيرها بأشكال مختلفة، فبعضها أقرب للتفكك الفوضوي بدون ظهور بديل مركزي كليبيا، في حين يوجد مثل هذا البديل في تونس مكوناً من تحالف إجتماعي واسع.
تواجه رأسمالية الدولة في الصين وروسيا تحديات خطيرة، ويغدو الميرات البيروقراطي العسكري حجر عثرة في التحول الديمقراطي الاجتماعي السياسي، فيما إستطاع العديد من دول أمريكا اللاتينية القيام بتحولات ديمقراطية واسعة، بفضل التحالفات السياسية الاجتماعية بين اليسار واليمين المعتدل، نظراً لمستوى هذه القارة الاجتماعي الاقتصادي المتطور قياساً لأغلب دول افريقيا وآسيا.
هذه التحولات لا تنفصل عن صراع الطبقات الداخلي ومحاولات القوى الشعبية مقاومة آثار الرأسمالية والاستغلال، وكذلك قيامها بالصراع ضد السيطرات الغربية العالمية التي تفرض أشكالها ومستوياتها وسلعها.
هي صراعاتٌ عالمية أقليمية في تشكيلة منقسمة متفاوتة تتطور بأشكال مختلفة معبرة عن مضامينها الخاصة كذلك.
«الربيع العربي» والفشل الاقتصادي للمشروع الإخواني
بقلم: صياح عزام عن الوطن السورية
أجمع المحللون السياسيون والاقتصاديون على أن فترة حكم الإخوان المسلمين في مختلف الدول العربية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأن المشروع الاقتصادي الإخواني فشل فشلاً ذريعاً، حتى إنه كاد يدمر البلاد التي حل فيها ولو فترات قصيرة، إذ أدت تلك الفترات بهذه الدول للوصول إلى حالات واضحة من التدهور الاقتصادي المريع، والأمثلة على ذلك كثيرة.
أمثلة ملموسة
في مصر التي شكلت المهد الحقيقي لميلاد هذه الجماعة غريبة الأطوار، بلغ التدني الاقتصادي إبان حكمهم خلال عام، مبلغاً غير مسبوق في تاريخ أرض الكنانة، ما دفع الشعب المصري إلى الوقوف موقفاً حازماً قضى بضرورة وأد الجماعة التي لم تحمل للمجتمع مع مجيئها إلى الحكم، سوى البغضاء والفقر والفرقة وانعدام الحلول، وسجلت مؤشرات الاقتصاد تدهوراً غير مسبوق في تاريخ الدولة المصرية.
أما تونس فلم تسلم أيضاً من تيار التخلف الاقتصادي في عهد حكم «الإخوان»، ما أبقاها تعيش على رمال متحركة مازال الشعب التونسي يحاول إنقاذ نفسه من ضياع بدأ يحسه ويعيشه واضحاً في حياته اليومية، ووصل به الأمر إلى ما أطلق عليه البعض «ثورة الفلاحين»، فقد عجزت /حركة النهضة/ الإخوانية عن إدارة الشؤون الاقتصادية بعدما استبدلت الخبراء الاقتصاديين الفاعلين بالعناصر الإخوانية التي لم تجد حلاً سوى فرض الضرائب على المواطنين الذين أرهقهم انعدام الحلول الاقتصادية.
وفي السودان الذي كان يصنف كأكبر قطر عربي، وتم اعتماده كسلة لغذاء الوطن العربي قبل حكم «المتأسلمين»، تدهور الاقتصاد للدرجة التي تم معها تصنيفه كأفقر بلد في المنطقة، وتقلصت مساحته لأكثر من الثلث، وانتشر فيه هشيم الحرب الأهلية وتتالت فيه أزمات الخبز والوقود وغيرها من الأزمات المرتبطة بالمعيشة اليومية للمواطنين التي تطورت لتشكل أزمة حقيقية للمواطن السوداني من مختلف الجوانب.
وفي سورية، دخل الإخوان بمختلف التسميات الممتدة من /داعش/ إلى /جبهة النصرة/ وغيرها من التنظيمات التي دمرت بنية الاقتصاد السوري التحتية، ومؤسساته الخدمية والصناعية والزراعية والصحية، وأوصلت المواطن السوري إلى درجة العدم أحياناً التي تأتي بعد الفقر بمراحل، من خلال التدمير الممنهج الذي جئنا على ذكره لمقومات الاقتصاد، والجرائم، وأعمال القتل والسطو وسرقة المعامل ومخازن وصوامع الحبوب وبيعها في تركيا بالتواطؤ مع حكومة (أردوغان).
أما في أفغانستان، فحدث ولا حرج، لدرجة أنه لم تبق فيها ملامح الدولة غير الاسم فقط.
ولم تكن ليبيا أفضل حظاً، فالمواطن الليبي وصل إلى مرحلة حمل فيها السلاح كي يعيش، وتحولت البلاد إلى مسرح للميليشيات المسلحة تصول فيه وتجول من دون أي رادع، وترتكب أعمال السلب والنهب وقطع الطرق وإيقاف ضخ مصافي النفط!! الخ.
وتتشابه الأمثلة في اليمن والعراق وغيرها من الدول التي فيها الإخوان بطريقة أو بأخرى في مشهدها السياسي العام.
والآن كيف كانت علاقة هذه التنظيمات بتسيير أمور الاقتصاد؟
لقد عمدت للتمهيد لظهور الفوضى العامة التي تُشغل الناس عن التفكير في الفشل الاقتصادي، ليبقى ذلك بمثابة شماعة يُعلق عليها الإخوان أسباب فشلهم في إدارة الاقتصاد وعدم خبرتهم في تسيير الدولة، وعندما ضربت الأزمة الاقتصادية الأخيرة مختلف دول العالم، حاول التنظيم الإخواني ذرّ الرماد في العيون والترويج للاقتصاد الإخواني كحل وحيد، ما مكّنه من ممارسة مزيد من الخداع، ومحاولة وضع يده على ما تبقى من أموال في يد الشعوب، ليمول بها مخططاته التدميرية القاضية بتحويل المنطقة إلى ساحة حرب كبرى تعمها الفوضى، ويختلط فيها الحابل بالنابل، وفي نهاية المطاف، يقوم بإلصاق التدهور الاقتصادي بمعارضيه، وهذه واحدة من محاولات الإخوان المتكررة لحشر الشعوب في زوايا ضيقة، فقد أطلق الإخوان من قبل شعار الإسلام هو الحل، ومن يخالفه يخالف الإسلام، ويخرج عن «الملة» ويستحق الجهاد ضده رغم أن الإسلام «الإخواني» لا يملك من الإسلام.
مرتكزات الاقتصاد الإخواني
وفي حقيقة الأمر يعتمد الاقتصاد الإخواني في كل الدول التي يحلُّ فيها على عدة عوامل، أولها: النهب الطوعي للمواطنين، عبر دغدغة مشاعرهم الدينية، وحثهم على عمل الخير ودفع التبرعات والزكوات وغيرها، حيث بقيت الجمعيات والمؤسسات الخيرية في مواقع صدارة الموارد الأساسية المالية للتنظيم الإخواني، وسعي التنظيم في كل مواقعه للسيطرة عليها وعلى وزارات الشؤون الدينية والأوقاف، التي تتيح لقادة التنظيم إصدار فتاوى تشجيع الناس على إنفاق أموالهم في هذه الجمعيات، والتركيز على ألا تعلم يُسرى الشخص ما أنفقته يُمناه، وهو ما أكسب التنظيم خاصية الإفلات من المحاسبة.
العامل الثاني في موارد التنظيم الإخواني، هو فرض نسبة مئوية معلومة على أعضائه من مصادر دخلهم العامة، وهي عملية أشبه ما تكون (بساقية جحا) التي تأخذ المياه من النهر وتعيدها إليه في دورة وهميّة، فمدخلات أعضاء التنظيم هي من أموال الدولة، وخاصة أن عملية الأخونة توفر لأعضائه وظائف لا يستحقونها ولا تتناسب مع مؤهلاتهم وتكون هذه العوائد عالية يتم فيها حساب حصة التنظيم، فيأخذ الإخواني حصته التي لا يستحقها من معاشه الشهري، ويعيد للتنظيم النسبة المتفق عليها، أما بالنسبة لغير الموظفين، فيُغدق التنظيم على أعضائه من التجار كل المناقصات والمشاريع الحكومية وغير الحكومية، على أن تتضمن كلُّ مناقصة حصة التنظيم المضافة للأرباح غير الطبيعية للتاجر الموالي لهذا التنظيم!
العامل الثالث والأهم للاقتصاد الإخواني، هو فرض الضرائب الباهظة على المواطنين وتطولُ هذه الضرائب كل شيء بدءاً في ضرورات الحياة اليومية، وانتهاء بالسكن الذي يؤوي، وتأتي الضرائب الإخوانية تحت تسميات مختلفة، كالزكاة على المعاش اليومي وحتى على المعسرين الذين تخصص لهم مساعدات من صناديق الزكاة، أن يدفعوا زكوات الإعانة قبل استلامها، وقد تناولت بعض وسائل الإعلام قصصاً غريبة ومُضحكة عن غرائب الطرق التي يفرض بها الإخوان الزكاة على غير المنتسبين إلى تنظيمهم.
أما العامل الرابع فيتجسد في عملية التهديد والتخويف، والتسجيلات الفضائحية التي تستخدم في جلب الإخوان للمال، تتنافى تماماً مع ما يدعو إليه الإسلام الحنيف.
قنوات الإنفاق
أما قنوات الإنفاق في فقه الاقتصاد الإخواني فهي أكثر غرابة، فما يتم جمعه من مال الشعوب بطرق باطلة، يستخدم دائماً لقهرها وتجويعها وتشريدها، ودافع الضريبة في دولة الإخوان يدفع الضريبة لقاء حقه في أن يعيش، وتأتي مشتريات الأسلحة على رأس قائمة الإنفاق، فالتنظيم الإخواني يعتمد بشكل أساسي على إثارة الفوضى، ليس في محيط حكم الدولة وحدها، ولكن على أوسع نطاق، وهذا ما نلمسه الآن في كامل المنطقة بعدما جاء الإخوان المسلمون محمولين على بساط الجحيم العربي البائس وبطبيعة الحال، يبقى للمؤامرات والدسائس وشراء الذمم نصيب كبير في الإنفاق الاقتصادي الإخواني الذي لم تسلم من نتائجه الشريرة والمدمرة حتى الدول غير الإخوانية.
ثلاثية «إخوانية»
بقلم: أحمد الصراف عن القبس الكويتية
1 - ذكرت وسائل الإعلام قبل شهر تقريباً أن النظام المصري وضع تنظيم «الإخوان المسلمين» ضمن لائحة الإرهاب! ولكن الصحيح أن من وضعها، كما يقول ثروت الخرباوي «الإخوانجي» المنشق والخبير في شؤونهم، هو مؤسس التنظيم حسن البنا، وهو الذي وصمه به. وجاء من بعده سيد قطب وأكده ونفّذه، ثم جاء بعدهم محمد بديع ومحمد مرسي وخيرت الشاطر ومحمود عزت، وتوسعوا في استخدامه بشكل غير مسبوق. وبالتالي، فإن دماء آلاف الضحايا الذين سقطوا برصاص «الإخوان»، أو برصاص الجيش، هي برقبة الإخوان، وكل العنف الذي بدر - ولا يزال يبدر - منهم في فترة الأشهر الستة الأخيرة - على الأقل - لا يمكن أن يصنّفهم بغير الإرهاب. ويكفي النظر إلى شعار التنظيم، المتمثل بالمصحف والسيفين، مع كلمة «وأعدوا»، وهي بداية: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل «ترهبون» به... عدوكم، لنعرف أهداف مؤسس التنظيم ومن جاء بعده، فالرسم والنص يدعوان إلى ذلك، وهذا من صلب الدعوة ووفقاً لفكر الجماعة، وليس فيه ما يمكن إخفاؤه أو التنكر له. فحسن البنا، وكل من جاء قبله ومن بعده، آمنوا بأن الإسلام لا ينتشر إلا بالسيف، ولا يواجه خصومه إلا بالسيف، والأنكى أنهم اعتبروا أن الإخوان هم الممثلون الحقيقيون للإسلام، كما هو منطق بقية الجماعات الإسلامية، أو الدينية الأخرى.
2 - يقول صاحبهم، الذي طالما أصابنا بالغثيان وهو يكرر تبرئته وحزبه من «الإخوان المسلمين»، والعودة وتكرار دفاعه المستميت عنهم، والذي اعتقد أن ذاكرة البشر ضعيفة، وأنهم سريعاً ما سينسون ما قام به وشريكه المصري في الإيقاع بمجموعة كبيرة من المستثمرين ودفعهم للاستثمار في مشروع عقاري، تبين لاحقاً أنه زراعي ولا فائدة ترجى منه، يقول إنه يتحدى البشر والحجر في أن يثبتوا أنه أثرى يوماً أو «تربح» من المناقصات الحكومية! ولا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى كل هذا الغضب والتحدي، فالأمور أكثر من واضحة، ولو كان هناك قانون يتعلق بــ«من أين لك هذا؟»، لعرفنا دربنا له!
3 - زيّنت جمعية الإصلاح، الفرع المحلي للإخوان المسلمين، التابع للتنظيم الدولي، مقرها في الروضة بطريقة تختلف كثيراً عن السنوات السابقة، وبشكل مثير للانتباه، وسبب هذا «العجاف» والتملك معروف طبعاً. الغريب أن الجمعية تخلت هذا العام - ولأول مرة - عن المناداة بــ«دولية» الحركة، وأصبح «الوطن» لديها، وفجأة، أكثر أهمية!