المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 625



Haneen
2014-03-18, 12:49 PM
اقلام عربي 625
18/2/2014


في هذا الملف:
هموم الدكتور معروف البخيت ورحلات جون كيري
بقلم: د. انيس فوزي قاسم (خبير في القانون الدولي وكاتب فلسطيني) عن القدس العربي
ربيع فلسطيني ضد منظمة التحرير؟
بقلم: عبدالأمير الركابي( كاتب عراقي) عن الحياة اللندنية
«أبومازن» يُطالب بـ «أسمنت» الأطلسي!
بقلم: توماس فريدمان عن الوطن القطرية
غزة وحماس و"عقدة غورديان"
بقلم: ناجي صادق شراب عن الخليج الاماراتية
اكتشاف كيري الغريب العجيب
بقلم: صالح القلاب عن الرأي الأردنية
مبروك عليكم الفيدرالية
بقلم: سمير عطالله عن الشرق الأوسط
مصر... ومسكنات الدعم
بقلم: عبدالعزيز الكندري عن الراي الكويتية
ورطة واشنطن إذ تؤنسن الوحشية في إرهاب المتأسلمين
بقلم: علي الصيوان عن تشرين السورية
أعباء السياسات العربية على النمو
بقلم: يسار ناصر عن السفير البيروتية
حديث العودة الأميركية للعراق!
بقلم: عمران العبيدي عن الصباح العراقية
نقد مصطلح الإسلام السياسى
بقلم: نادر بكار عن الشروق المصرية






هموم الدكتور معروف البخيت ورحلات جون كيري
بقلم: د. انيس فوزي قاسم (خبير في القانون الدولي وكاتب فلسطيني) عن القدس العربي
في وسط زحمة رحــــلات جون كيري وزير الخارجية الامريكي، الى المنطقة التي لكــــثرتها اصبحنا لا نعرف متى جاء ومتى ارتحل، دخلت الساحة الاردنية في زحمة من المخاوف والتوترات، وفي دفق هائل من الكتابات والمحاضرات، تراوحت تلك الانشطة من اقصى التوتر، حيث المطالبة الفورية بسحب الجنسية الاردنية من الفلسطينيين الذين اكتسبوها بعد فك الارتباط، والتهديد من تعريض السلم الاجتماعي في الوطن الى خلل كبير سيؤدي بالنهاية ‘الى حصول حرب اهلية’ (وطن نيوز 10/2/2014) الى تصريحات المهندس عبد الهادي المجالي الذي يقول فيها ان المستقبل يبنيه الاردنيون والفلسطينيون معاً، الى المحاضرة القيّمة التي القاها الرئيس السابق الدكتور معروف البخيت.
ففي 3/2/2014 القى الدكتور معروف البخيت، محاضرة في ملتقى السلط الثقافي، اعاد فيها تأكيده على ان قيام دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشريف هي مصلحة استراتيجية عليا للاردن، وأشار الى ان جميع قضايا الوضع النهائي تهم الاردن وله فيها مصلحة مباشرة، مثل قضية القدس واللاجئين والحدود، وخلص الى نتيجة انه من الضروري متابعة قضايا الوضع النهائي بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وان المتابعة لا تكون حقيقية وفعّالة الاّ بمشاركة الاردن، وذلك لضمان المصالح الاردنية ولدعم حقوق الفلسطينيين، وطالب بوجود اردني في غرفة المفاوضات، حتى لا يدفع الاردن فاتورة التصور الاسرائيلي الامريكي للحل. ويصل الدكتور البخيت الى محور محاضرته بقوله ان قبول الطرف الفلسطيني تحت الضغط بتنازلات على صعيد ملف اللاجئين الفلسطينيين يعني خلق أزمة داخلية كبيرة في الاردن، وتفريطاً بمصالح الدولة الاردنية ومواطنيها من اللاجئين الفلسطينيين.
ان ما يقوله الدكتور البخيت يعبّر عن هموم قطاع واسع من الاردنيين، والاردنيين الفلسطينيين والفلسطينيين، وهناك خشية ذات منسوب عالٍ في اوساط الناس من ان تقع القيادة الفلسطينية تحت الضغط، وهي بلا شك تعاني من هذا الضغط، وتبدأ بالتنازلات، وقد اكّدت ذلك اوراق المفاوضات التي كشفت عنها جريدة ‘الغارديان’ البريطانية وفضائية الجزيرة في مطلع عام 2011، حيث كشفت الانحدار المتسارع في موقف المفاوض الفلسطيني. واذا عدنا الى تاريخ مفاوضات اوسلو، ولم يبق هناك من وثائق الاّ القلـــــيل بعد ان فقدت ملفات اوسلو من ادراج وزارة الخارجية النرويجية، نجـــــد ان القياده الفلسطينية كانت تتفاوض من موقف غير محدد الاهداف، الا هدفا واحدا وهو الحصول على الاعتراف الاسرائيلي بمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو هدف متواضع مقارنة بقضية شعب مهجّر وحجم معاناته ومآسيه ليس لها سوابق، وكأن الخلاف بين اسرائيل والفلسطينيين والعرب لم يكن الاّ نزاعاً شكلياً على مسألة الاعتراف، وكأن الاعتراف منشئ لمنظمة التحرير وخالق لها. وأشدّ ما ظهر من تلك المفاوضات خطراً او خطلاً ان المفاوض الفلسطيني مازال ينظر الى الموقف الاسرائيلي، ليس باعتبار اسرائيل دولة استعمار استيطاني، بل باعتبارها دولة عادية شأنها شأن النمسا مثلاً او الارجنتين، وان الخلاف بيننا هو نزاع على مجرى نهر او على درجة التلوث، حيث يمكن حلّ خلاف كهذا بالمفاوضات او الوساطة او اذا اشتدّ الخلاف- باللجوء الى القضاء الدولي او التحكيم الدولي.
لقد اثبتت اتفاقيات اوسلو ان المفاوض الفلسطيني يعاني من ضعف شديد في فهم اسرائيل والصهيونية، وجاءت الاتفاقيات خالية تماماً من اي التزام يجب على اسرائيل القيام به، مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية او حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني او الاقرار بان الاراضي الفلسطينية هي ‘اراضٍ محتلة’ او التعهد بالانسحاب او الالتزام بوقف الاستيطان او اي التزام آخر، بينما جاءت جميع الاتفاقيات مثقلة بالالتزامات التي على الجانب الفلسطيني ان يقوم بها وينفذها ضمن مواعيد محددة احياناً. وفي الوقت الذي كانت الاتفاقيات تتسع لمسائل ثانوية مثل تحديد لون البنزين او حجم الحرف الذي تطبع به وثائق السفر، لم يرد في الاتفاقيات اي اشارة، مجرد اشارة، الى اي من المسائل المهمة التي تقلق الفلسطينيين مثل اللاجئين والقدس والمياه. ومن هنا يمكن النظر الى ما يحذّر منه الدكتور البخيت بجدية واهتمام، الاّ ان اقتراحه بحضور اردني في غرفة المفاوضات من دون التدخل فيها، اقتراح لا يرقى الى مستوى التحذير الذي يسوقه. فالمفاوض الاردني وقد كان الدكتور البخيت من اعضائه البارزين- لم يكن اكثر نجاحاً من المفاوض الفلسطيني، ولاسيما في القضايا التي تحتل اهتمامه مثل قضية اللاجئين والقدس.
ففي قضية اللاجئين، فان اتفاقية وادي عربة حوّلت – بل اكاد اقول مسخت قضية اللاجئين، من قضية سياسية الى قضية انسانية تتساوى فيها المملكه الاردنية الهاشمية مع دولة المستوطنين. ان نص المادة الثامنة من اتفاقية وادي عربة في الواقع ساوت بين هجرة اليهود العرب الى اسرائيل وتهجير عرب فلسطين الى الدول العربية المجاورة، ولاسيما الاردن، في حين ان الفارق بينهما كبير، فالاولى كانت لتجميع اليهود وخلق شعب لكي يتمكن من ممارسة حق تقرير المصير، بينما الثانية كانت لتفتيت الشعب الفلسطيني وحرمانه من حق تقرير المصير. وفي هذه المساواة بين الاردن ودولة المستوطنين انتقاص من الاعباء التي فرضت على الاردن وهو بلد شحيح الموارد اصلاً، وتغطية كذلك على الفوائد الكبيرة التي جناها المشروع الاستيطاني من جلب اليهود العرب الى فلسطين.
ولم تتوقف المسألة عند هذه الهموم والاعباء، بل ان الاردن ودولة المستوطنين تعهدا بتسوية ‘المشاكل الانسانية الكبيرة التي يسببها النزاع في الشرق الاوسط بالنسبة للطرفين من خلال تطبيق برامج الامم المتحدة المتفق عليها، وغيرها من البرامج الاقتصادية الدولية المتعلقة باللاجئين والنازحين، بما في ذلك المساعدة على توطينهم. لم يرد في النص كلمة ‘العوده’ بل التسوية بكافة الاشكال بما في ذلك ‘التوطين’. ومرة اخرى، تساوي المادة الثامنة في هذا الجزء منها بين الاردن وما يتحمله من اعباء التوطين وبين دولة المستوطنين التي يكون توطين اللاجئين اليهود فيها هو الانتصار الاكبر والهدف الاسمى للصهيونية، لاسيما انه توطين يتم على ارض الفلسطينيين وعلى حسابهم وحساب الاردن. فاذا كان الدكتور البخيت في غرفة المفاوضات فما عساه ان يفعل او يقترح وهو من الذين كانوا مشاركين في صياغة النص؟
وانتقل الى الجزء الآخر في قضية اللاجئين، وهو حين وقعت معاهدة وادي عربة في 26/10/1994، كان لابدّ من اصدار قانون اسرائيلي لتنفيذ المعاهدة وجعلها جزءاً لا يتجزأ من القانون الوطني الاسرائيلي، وكذلك الحال بالنسبة للاردن. وحين كان الكنيست الاسرائيلي يناقش مشروع قانون تنفيذ المعاهدة ورد في المشروع بند مؤداه انه رغم ما ورد في قانون املاك الغائب الصادر في عام 1950، فانه، واعتباراً من 10/11/1994، فان املاك الفلسطينيين التي كانت تخضع لذلك القانون لم تعد املاك غائبين. واثناء مناقشة مشروع القانون، فان سفيرنا في اسرائيل آنئذٍ، الدكتور مروان المعشر، انتبه لتلك المناقشات وادرك بفطنته خطورة ذلك النص، وارسل الى وزارة الخارجية الاسرائيلية كتاباً رسمياً يستوضح فيه عن مغزى ذلك النص. وفي حدود علمنا، لم يأت الجواب الاسرائيلي حتى الان. وقد اعتمد الدكتور البخيت سفيراً في اسرائيل في مرحلة تالية، فهل لدولته ان يشرح للجمهور الاردني ان كانت تلك الرسالة من ضمن مهامه وما هو جواب المستوطنين على ذلك، لاسيما ان مشروع القانون يوحي، وفي تفسير ضيق له، بان ذلك ينطوي على مصادرة املاك الغائبين من الفلسطينيين الاردنيين التي وضعت في عهدة ‘حارس املاك الغائب’. وهل التعديل يشمل املاك الاوقاف الاسلامية والمسيحية التي اصبحت في عهدة حارس املاك الغائب كذلك؟ ثم نصل الى القدس وصلاتها باتفاقية وادي عربة. بداية، لابدّ من التأكيد ان للهاشميين صلة عاطفية وسياسيه بالقدس، فضلاً عن انها احد مرتكزات شرعيتهم المهمة بعد ان غادر الشريف حسين الاراضي المقدسة في الحجاز، ومع التقدير لهذا الجانب، ماذا فعل المفاوض الاردني بالقدس. ورد في الماده (9) من معاهدة وادي عربة ان ‘اسرائيل تحترم الدور الاردني القائم حالياً في المقدسات الاسلامية في القدس. وحين تبدأ مفاوضات الوضع النهائي، فان اسرائيل سوف تعطي الاولوية القصوى الى الدور التاريخي في تلك المقدسات’.
هذا نص مقتصر – اولاً – على الدور الاردني في المقدسات الاسلامية، ولم يرد ذكر للمقدسات المسيحية التي هي جزء أصيل في التراث العربي الاسلامي، اعتباراً من العهدة العمرية، على الأقل، ثم ان النص ـ ثانياً- جاء يفترض ان الولاية الأصلية والأصيلة هي لدولة المستوطنين التي سوف تعطي الاردن اولوية، والذي يعطي ويمنح هو ‘صاحب الحق’.
وهكذا يبدو من التجربة الاردنية والفلسطينية والمصرية قبل ذلك، ان المفاوضات التي قادها المسؤولون العرب كانت مفاوضات فقيرة، والظن عندي ان السبب في ذلك هو ان هذه القيادات نظرت الى اسرائيل وكأنها دولة عادية وليست دولة مستوطنين، وباعتبارها دولة مستوطنين فان اشباع رغباتها في التوسع لا تقف عند حدّ، وهذا يجيب على الذين يحتمون بفزاعة ‘الوطن البديل’ وعليهم ان يدركوا ان الاردن ليس وطناً بديلاً لا للفلسطينيين ولا للاردنيين، بل هو لدولة المستوطنين التوسعيه ابداً، وباعتبارها دولة مستوطنين يهود، فان التمييز العرقي والعنصري والديني سيكون من ركائز حياة هذه المستوطنة، ولا يمكن التصالح معها لأنه في الوقت الذي يصبح وضع غير اليهودي في ‘دولة اليهود’ مساويا لليهودي فيها، تفقد هذه المستوطنة مبرر وجودها والدرس من جنوب افريقيا خير دليل. وفي هذا السياق علينا التمعن بدقّه في المطلب الصهيوني الأخير من ضرورة الاعتراف باسرائيل ‘دولة الشعب اليهودي’.

ربيع فلسطيني ضد منظمة التحرير؟
بقلم: عبدالأمير الركابي( كاتب عراقي) عن الحياة اللندنية
لا أحد يفكر باحتمال ان يشمل «الربيع» ساحة فلسطين، والأسباب التي تحول دون ذلك مثيرة ووجيهة، بعضها يتداخل مع نفحة من «القداسة» يمكن تحري جذورها في نظام «الدولة بلا ارض» التي اقامها الراحل ابو عمار. المشروع الذي اخذ الفلسطينيين من «المخيم المنفى»، الى الدولة بلا ارض، بتصعيد قوة المقدس بديلاً من «الأرض» المضاعة. على هذا المنوال، اوجدت «الأبو عمارية» وعداً في التيه والمنفى، يكاد يضاهي في قوة مفعوله، في الوجدان الفلسطيني والعربي، قوة الوعد القديم بعد الطرد الابراهيمي، مقابل الوعد المزور الصهيوني. وتلك هي القيمة العبقرية المحبطة والمضيعة لياسر عرفات في التاريخ العربي والفلسطيني المعاصر.
وفق مثل هذا القياس، حيث ابو عمار ظاهرة «مختلفة»، أُوجد نظام يستوعب حتى الرؤى الايديولوجية المستعارة، ممثلة بغالبية المنظمات التي منها تشكلت «منظمة التحرير الفلسطينية» وما زالت، ما يجعل غيابه تعرية لها، وطرداً خارج المشروع الفعال، ما اودى بنفوذها غير الكبير اصلاً للهبوط الى ادنى حد. وإذ لا يتبقى اليوم سوى الفراغ، فالجيل الحالي والقادم من الفلسطينيين، مضطر للبدء منه، بينما هو يبحث عن المعنى التاريخي لأزمة استثنائية، بحيث يستحيل على الجيل الطالع ان يضاهي ماضيه قيمة وفعالية من دون مقاربة إيقاعه الفريد، وتعثراته المأسوية، ومنجزه الخاص، داخل مسار حركة التحرر الوطني العربية الحديثة.
ليس ممكناً ولا من الصواب إجراء المضاهاة، او المقارنة بنظم عربية، اكتسحتها موجات الانتفاضات العربية الاخيرة، بعدما كانت في بداياتها مطابقة لطموحات التحرر، كما كانت تفهم في الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي، هذا مع ان حسني مبارك والقذافي المولودين من رحم عبدالناصر، يشابهان محمود عباس بموقعه وممارسته الباهتة، واليومياتيّة، وهما من النوع الاخير من «المتبقيات» مقارنة بأبو عمار. ومع ذلك، لا يستبعد بين الفلسطينيين، ظهور «فلسطينيين جدد» يفيضون عنه وعن إطاري منظمة التحرير وحماس.
يجب التذكير بأن ابو عمار الذي اقام «الدولة بلا ارض»، هو نفسه الذي دشّن مُكرهاً خيار «الارض بلا دولة»، والذي هو جوهر انقلاب اوسلو، هدف اسرائيل الذي فرض ليزيل من الدولة الفلسطينية «الأبو عمارية» روحها، متجلية بالمقدس الذي يتولد من المنفى والارض المضاعة والوعد، طالما كان في الإمكان أن يشخص متعالياً في وجه الوعد الصهيوني، وإن من دون نجاح كبير، فيبدو كنقيض مقلق، مشوش وحاجب للوعد المفبرك المقابل، ومتفوق عليه اخلاقياً. مذّاك، اي بعد اوسلو، لم تعد منظمة التحرير اداة متطابقة مع مطمح التحرر الفلسطيني، وبالدرجة الاولى محركة حيوية لقضية شاخصة، فانتقلت الى جهاز استيعاب، وتوظيف، يمتص التذمرات العادية الزائدة ويؤقلمها، مع كل ما يمكن تخيله من سياسات تفريط او فساد، او شبهات تواطؤ، فلا وجود لاستراتيجية تحرير، ولا تكتيكات متصلة بها، او في أفقها، يلوح خلفه أي امل او احتمال.
خارج المنجز «الأبو عماري» يحتفظ الفلسطينيون ايضاً بتجربة غير عادية، تكررت مرتين على شكل انتفاضتين عارمتين، سبقتا «الربيع العربي»، إلا انهما لم تخرجا على مستوى الرموز عن اطار المثال السابق. شخص مثل محمد دحلان خرج من تضاعيفهما، انتهى الى ارتباك إزاء مشروع ياسر عرفات، بعد تعرجات وتشابكات بينت ان ابرز من فرزتهم الانتفاضة، عاجزون عن اجتراح خيار متعدّ له افق مقنع وفعال. وبين ضغط قامة ابو عمار، والجدار الاحتلالي المصمت، تبددت احتمالات توليد مسار جديد، بينما انتهت الشطارة المجردة في العزلة بدل احتمالات التمثيل الشامل.
هذه النهاية اخذت معها معظم كوادر الانتفاضة نحو الإحباط، فقبلوا الاحتواء داخل اطر السلطة الفلسطينية، او العيش مع اليوميات بلا فعل.
وكل هذا لا يعني على مستوى المفردات المحفزة، ان حقبة صعود فلسطينية اخرى لا تجد الآن محركات قوية، واذا كانت النكسات والمنفى والمخيم كافية بالأمس، ومع صعود حركة التحرر العالمية والعربية لصوغ نموذج خاص، فالوضع الفلسطيني يراصف في الذاكرة الآن ارث تجربة الدولة بلا ارض، والانتفاضتين، ومعهما الضياع وانغلاق الافق، وتردي الادوات، وأولاها «الدولة» ومنظمة التحرير، اي البقية المترسبة من مشروع ابو عمار، وقد غادر هو لتبقى هي، تذكّر بهيكل عظمي من وطنية حزبية ايديولوجية، فقدت ما كان يضفيه عليها مشروعه من ألق وحياة من خارجها، وهو يحتويها.
تبلغ الحالة الفلسطينية مع ذلك حداً من اليباس، اقرب الى الموت، بخاصة بعدما خرجت من المجال العربي بالجفوة التي اهداها لها «الربيع العربي»، وكأنها فقدت فضاءها المفترض، لتصبح اكثر فأكثر قطرية، لا بالخيار، بل بحكم المسارات. وهذا الطوق ربما يزيد من واقعية الاختناق، كما الرغبة الملحّة في كسر الطوق، وبين المنقلبين، نشهد الآن جموداً وواقعية، ليس من الصعب رؤية فعل الظروف القاهرة في ثناياهما، لكن الى اين؟ هل الى واقعية محبطة تقبل حلولاً قاتلة، ام الى تحفز وانتظار آخر، حيث لا يلوح في الافق اي احتمال «هبات» طويلة، او اعادة صوغ بنى ومؤسسات وطرق عمل. وبمجموع هذا، لا يتبين المرء غير مأساة اعلان استسلام ونهاية، او انفجار كبير، مقوماته او حتى أولياتها غير متاحة. فهل من انتفاضة يمكن توقعها، حتى لو جاءت من قبيل النزع الاخير؟
لنبحث في ما يمكن توقعه من سيناريوات اخرى. فالعالم العربي سيطول امد عزوفه عن هذه القضية التي شغلته طويلاً، وإن بلا جدوى فعلية، والمتاح من مؤسسات موروثة فلسطينياً لا يتعدى نطاق فعله تسييراً يومياً لمجريات يصوغها آخرون، وأولهم العدو المحتل، والشلل طاغ مع انعدام الابتكار، وفرص المناورة تضيق، ولا انتفاضة على صعيد الفكر او الرؤية، فالسبات هنا هو ما يقلق، وكأن الضمير الفلسطيني الرازح تحت القهر فقد التأجج، ولم يعد يستطيع اطلاق الشرر مشفوعاً بالرؤى، وبتشوفات تواكب اضطراب المحيط والعالم، لتخلق تموضعاً وسط متغيرات كبرى تهز المنطقة بعنف.
ليس هذا سوى وصف متشائم الى حد ما. فقد حان الوقت حتى يعاد «الموضوع الفلسطيني» نحو قلب النقاش وسط ما يجري في منطقتنا، وينبغي عدم السكوت على نواحٍ أصبحت موضع إدانة، ومنها بالطبع، عدا المؤسسات والهياكل والرموز البالية، هذا المقدار من السبات واللارفض لحالة قاتلة يخشى اذا استمرت ان تتحول الى ايقاع أمر واقع نهائي، او الى حقيقة جديدة ثابتة، تقارب النهاية. هكذا يكون التسلسل التاريخي للقضية الفلسطينية كالآتي: المخيم المنفى، ثم الدولة بلا ارض، ثم الارض بلا دولة، ثم .... ما لا يهون على المرء التفوّه به.

«أبومازن» يُطالب بـ «أسمنت» الأطلسي!
بقلم: توماس فريدمان عن الوطن القطرية
رام الله، الضفة الغربية – ينظّم مطار بن غوريون في تل أبيب معرض صور، يستعرض أعظم لحظات تاريخ قطاع الطيران الإسرائيلي. وقد لفتت انتباهي صورة كبيرة بالأبيض والأسود، يظهر فيها الرئيس المصري أنور السادات، جالساً بالقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغين خلال رحلة جوية، وقد ارتسمت على وجهيهما ضحكة – وبدت روح الصداقة واضحةً بينهما.
وإذ يقف وزير الخارجية الأميركي جون كيري على مشارف لحظات حاسمة، في سياق جهود حيوية يبذلها للتوصّل إلى اتفاقية سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لا يسعنا إلا أن نلحظ المسافة الشاسعة التي تفصلنا عن صورة من هذا القبيل بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، والرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ولعلّنا نقلّل من وطأة ما يحصل إن قلنا إن الثقة غائبة بين الرجلين. إلاّ أنّ بلوغ اتّفاق فيه الكثير من التنازلات الصعبة والمعقدّة، ضمن إطار عمل ضيّق انعدام الثقة الواضح للعيان، مستحيل من دون ثقة – كاستحالة تشييد منزل من الحجارة من دون أسمنت.
وقد اجتمعنا بعد ظهر يوم السبت، أنا وزميلي جودي رودورين، رئيس مكتب صحيفة «تايمز» في القدس، بالرئيس محمود عبّاس، في مقر هذا الأخير بمدينة رام الله، في الضفة الغربية، وسعينا لمعرفة رأيه حول الموضوع. وهو عاد – بحماسة أكبر من أي وقت مضى – إلى فكرة ربّما آن الأوان لتنفيذها، تقضي بمطالبة حلف شمال الأطلسي بتوفير الأسمنت الضروري لإرساء اتّفاقيّة سلام.
واقترح عبّاس، في المرحلة التالية لاتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أطر دولة فلسطينية، بقاء الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية لفترة خمس سنوات انتقالية، وتعاونه مع قوى الأمن الفلسطينية والأردنية، وعمله على طمأنة العموم الإسرائيلي بأنّه لن يتعرّض لهجمات صاروخيّة بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزّة، على أن تأتي إلى المنطقة، في المرحلة التالية، قوّة من حلف شمال الأطلسي بقيادة أميركيّة، وأن تحلّ مكان القوات الإسرائيلية لفترة غير محدّدة، وتنشر جيوشها في أرجاء المنطقة، عند كل المعابر وداخل القدس الشرقية العربية – وأن تعمل طبعاً بالتعاون مع عناصر الشرطة ووحدات الأمن الفلسطينية. من الواضح أنّ عبّاس حوّر مسار تفكيره، ضمن المساعي التي يبذلها لإظهار استعداده للتصرّف بجدّية، بغية الحد من المخاوف الأمنية الإسرائيلية، ولكن بطريقة تتماشى مع هواجسه السياديّة الخاصّة.
وفي هذا الصدد، أفاد عبّاس قائلاً: فلتبقَ قوّات حلف شمال الأطلسي «لوقت طويل، وفي أيّ مكان تريده، وليس فقط عند الحدود الشرقيّة، بل أيضاً عند الحدود الغربيّة، وفي كلّ مكان... فلتنتشر لوقت طويل، وللفترة التي تشاؤها. وباستطاعة حلف شمال الأطلسي أن ينتشر في كلّ مكان. ما المانع لذلك؟».
وأشار عبّاس أيضاً إلى احتمال بقاء قوّة من هذا القبيل «لطمأنة الإسرائيليين وضمان حمايتنا، علماً بأننا سننزع سلاحنا... فهل يسعنا أن نحلم حتّى بالأمن، إن لم يشعر الإسرائيليّون بأنّهم آمنون؟».
وحتّى الآن، تشير التقارير إلى أن نتانياهو يطالب ببقاء مطوّل للجيش الإسرائيلي في غور الأردن – على أن تصل هذه الفترة إلى أربعين سنة، وفقاً لبعض التقارير – ليضمن أنّ إسرائيل ستتمكّن دوماً من دحض أي اجتياح محتمل من الشرق. وفي ظل الاضطرابات المنتشرة في لبنان، والعراق، وسوريا، إلى جانب التوتّر الذي تشهده الأردن، يقول المسؤولون الإسرائيليون إنه سيتعذّر عليهم، في العقود المقبلة، ترقّب التهديدات الأمنية التي قد تأتيهم من الشرق.
إلاّ أنّ عبّاس يؤكّد أنّه من المستحيل أن يقبل بأيّ وجود عسكريّ إسرائيلي مطوّل في دول فلسطينيّة ذات سيادة. وبالكلام عن ذلك، قال إنّه «مع انتهاء السنوات الخمس، ستخلو بلادي من أيّ احتلال». وأضاف أنّ المسألة لن تستند إلى أيّ امتحان «أداء» تتفرّد إسرائيل بفرضه، لأنّ الأمر «سيشكّل إهانة لنا. ... فهم سيُخضعوننا لامتحان، ونحن طبعاً سنرسب».
من المعروف أنّ إسرائيل لم تحبّذ يوماً انتشار قوات أميركية، أو أي قوات دولية أخرى، في الضفة الغربية، مع أنّها تقبّلت انتشار قوات دولية في جنوب لبنان، وعلى الحدود مع سوريا، فضلاً عن قوة متعددة الجنسيات بقيادة أميركية في سيناء، أشرفت على تطبيق اتفاقية سلام كامب ديفيد مع مصر. وفي الوقت الحالي، ومع أن قوى الأمن الفلسطينية في الضفة الغربية نجحت في منع إطلاق هجمات ضدّ إسرائيل من الأراضي الفلسطينيّة، ترسل إسرائيل باستمرار وحدات كوماندوز ليلاً، وتعمل على اعتقال أو قتل مقاتلين فلسطينيين، تعتقد أنهم يخططون لأعمال عنف ضد إسرائيل – من أشخاص لن تنجح فلسطين أو ترغب في التخلّص منهم. ولا يريد أحد في أوسط الجيش الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات في البلاد تعهيد هذه المهمّة، أو خسارة حرية المناورة هذه لمصلحة قوّة تابعة لحلف شمال الأطلسي، وإن كانت بقيادة جنرال أميركي. (علماً بأنّ كيري لم يقترح سوى دور رقابة عسكرية أميركية عالية التقنية، باستعمال مجسّات وأقمار اصطناعيّة، ولكن من دون أيّ انتشار لقوّات ميدانيّة).
وقال عبّاس «إنّ الإسرائيليين يرفضون تدخّل طرف ثالث. وكان رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت قد رحّب بالفكرة. أما نتانياهو، فقال لي مباشرةً، عندما كنّا في منزله، «لا يمكنني الاعتماد على أيّ كان باستثناء جيشي لحماية أمني...» وهو لا يريد أن يترك الحدود في عهدتنا. وقد قلت له: «إن لم تثق بحلفائك، فبمن ستثق؟ أنا لا أقترح عليك تدخّلاً تركياً أو إندونيسياً». وأجابني قائلاً: (أنا لا أثق إلا بجيشي...) إسرائيل دولة محتلّة وتريد البقاء إلى الأبد. وعندما تقول إنّها تريد البقاء لأربعين عاماً، تعني بذلك أنّها لن ترحل عن أراضينا».
تشمل هذه المفاوضات مسائل «حيوية» عدّة – من بينها القدس، واللاجئون، والمستوطنات، وترسيم الحدود، والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، من بين أمور كثيرة أخرى. ولكنّ المسألة الأهم – بنظر الأكثرية اليهوديّة الصامتة – تقضي بتحديد الطرف الذي سيضمن بعد خمس أو عشر سنوات، أو حتّى بعد أربعين سنة، أن إسرائيل لن تتحوّل إلى قاعدة للهجمات، تتسبّب بإقفال مطارهم الدولي في تل أبيب.
ما يمكننا قوله حالياً هو أنّه لا وجود لأمن مثالي في المنطقة. ولن يتمّ التوصّل إلى أيّ اتّفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إن بقيت إسرائيل مصرّة على البقاء مطوّلاً في الضفة الغربيّة. وكذلك، لن يكون من الممكن التوصلّ إلى أيّ اتّفاق، إن لم يضمن الفلسطينيون للأكثرية الإسرائيلية الصامتة أنها ستعيش بأمان فعليّ على أيّ أراضٍ يتمّ إخلاؤها. وبالتالي، ينبغي أن نتوصّل إلى حلّ يجمع بين هذه الوقائع الثلاث، ما يجعل بالتالي اقتراح عبّاس باستحداث دور لحلف شمال الأطلسي موضوعاً يستحقّ الدراسة.
وصحيح أنّه سيكون على إسرائيل، والسلطة الفلسطينيّة، والولايات المتحدة الاتفاق بشأن منهجيّة عمل لطالما اعتُبِرَت خارجة عن نطاق منطقة الارتياح الاستراتيجيّة لكلّ من الأطراف. ولكنّ لا بأس بذلك، فالتوصّل إلى اتفاقيّة سلام شاملة، فيها حلّ لجميع المسائل الحيوية الأخرى، سيتطلّب تخلّياً عن الكثير من مناطق الارتياح الأخرى.

غزة وحماس و"عقدة غورديان"
بقلم: ناجي صادق شراب عن الخليج الاماراتية
بداية، أذكّر باسطورة عقدة غورديه دلالة على وجود مشكلة صعبة ومعقدة يتم حلها بطريقة جذرية أو بعمل جريء . وتحكي الأسطورة أن عرافة بمدينة تلمبسوس، وهي عاصمة فريجيا القديمة، تنبأت بأن الرجل الذي سيدخل المدينة بعربة يجرها ثور سيصبح ملكاً، ويدعى هذا الرجل غورديان . وعرفاناً لذلك قام ابنه بتقديم العربة إلى الإله سبازيوس، وقام بربطها بعقد لا يظهر منها أي طرف للحبل . وعندما دخل المدينة الإسكندر الأكبر المقدوني عام 333 قبل الميلاد، حاول فك العقد فلم يجد طرفاً للحبل، فقام بقطعه بسيفه، فانفكت العقد . وهذا دلالة على حل المشكلة أو العقدة من جذورها، وبقرار جريء، ولا ينفع التعامل معها من أطرافها، أو من خلال شكلها الخارجي .
السؤال، إلى أي حد تنطبق هذه الحالة على غزة؟ وهل باتت غزة تشكل عقدة غورديان؟ إن غزة اليوم بواقعها السياسي والاقتصادي ومحدداتها الجغرافية والبشرية، تفرز تحديات ومشكلات كثيرة، أو عقداً لا يمكن حل إحداها من دون حل العقدة الثانية وصولاً إلى العقدة الأساس التي بفكها يمكن أن نجد حلاً لهذه العقد التي باتت تشكل كلاً واحداً . ويخطئ من يعتقد إن عقدة غزة تتمثل بالانقسام السياسي فقط، وإن كانت هي العقدة الأساس التي تحتاج إلى قرار جريء يستأصلها من جذورها، بما يترتب على ذلك من حل لكل العقد الأخرى .
لكن الصورة لا تبدو بهذه البساطة والسهولة، ولا تحلها زيارات أو لقاءات متبادلة، ولا تحلها مبادرات جزئية تجميلية . عقدة الانقسام لا تحلها حكومة وحدة وطنية، ولا إجراء انتخابات، لأنها تتعلق بحل بنية وتفكيك بنية الانقسام السياسي والأمني والاجتماعي، وأيضاً تفكيك البنية الفكرية والأيديولوجية، ومن دون ذلك ستبقى هذه العقدة متجذرة . حل هذه العقدة يتطلب إعادة بناء نظام سياسي توافقي، بمرجعية سياسية توافقية، وأقصد التوافق حول العناصر المشتركة لمشروع وطني فلسطيني يتواءم ومرحلة الاحتلال والتحرر السياسي . وإذا لم نسارع إلى حل هذه العقدة فقد تتحول إلى عقدة مركبة غير قابلة للحل، وقد تقود لعقد أخرى أكثر صعوبة، فماذا لو تم التوصل إلى اتفاق إطار وتسوية تفاوضية؟ ما هو مستقبل غزة؟ وكيف يمكن التعامل معها؟ هل سننظر إليها على أنها إقليم منفصل ومتمرد؟ وهل معنى ذلك إعلان غزة كياناً مستقلاً؟ وإذا تم هذا الإعلان كيف سيكون مستقبل علاقة هذا الكيان الجديد مع كينونة الدولة الفلسطينية؟ ومع الدول المجاورة مثل مصر و"إسرائيل"؟ وهل ستحصل على اعتراف دولي؟ وعلى أي أساس؟ وما هو مستقبل خيار المقاومة بعد التسوية؟ كل سؤال يشكل عقدة في حد ذاته . والعقدة الثانية تتمثل بالعلاقات مع "إسرائيل"، وكيف وعلى أي أسس ستقوم؟ هل يكفي خيار الهدنة المؤقتة أياً كانت مدتها؟ وهل ستبقى هذه العلاقة قائمة على إحتمالات الحرب، وهو الاحتمال الأكثر احتمالاً؟ وما صورة غزة لو نشبت حرب أخرى، هل تتحول غزة إلى ثكنة عسكرية، وملاذ لحركات متطرفة؟
وماذا لو وصلت الأمور إلى تصوير غزة على أنها امتداد للقاعدة، أو قاعدة للإرهاب؟ وهو ما قد يتم إعداده لحركة حماس ومعها غزة . وماذا عن عقدة غزة ومصر؟ فهما مرتبطتان تاريخياً وجغرافياً وسياسياً وأمنياً، أي إنه ارتباط عضوي؟
لقد ارتبطت غزة بمصر أكثر من ارتباطها بفلسطين نفسها . واليوم هذه العلاقة تتعرض لتدهور سريع، وأخشى ما أخشاه أن تصل الأمور إلى مرحلة اللاعودة ونحن نعيش في بعض ملامحها .
فالتحدي الكبير الذي يواجه مصر اليوم هو الأمن والإرهاب، وقد ارتبطا بغزة، بحكم الارتباط العقيدي بين حماس والإخوان، وخطورة هذه العقدة أنها تشكل محدداً لخيارات من يحكم غزة، والخطورة فيها أن الأمور صورت على أن حماس باتت تشكل طرفاً مباشراً . إلى جانب هذه العقدة هناك عقدة التعامل مع السلطة، وهي عقدة أساس إلى جانب عقدة الانقسام فهل ستبقى العلاقات عند هذا المستوى، وماذا عن المستقبل؟ وهل ستبقى السلطة تقوم بالتزاماتها المالية، والخدماتية اتجاه أكثر من سبعين ألفاً من الموظفين؟ وماذا لو رفعت يدها؟
إلى جانب هذه العقد هناك عقد قد لا تقل أهمية وخطورة أذكر منها العقدة الاقتصادية، هل غزة بمورادها المحدودة قادرة على استيعاب الآف الخريجين من الشباب الذين قد يتحولون إلى قنبلة قابلة للانفجار في أي وقت بسبب غياب فرص العمل؟ كيف يمكن بناء اقتصاد قادر على تحقيق استقلالية القرار السياسي في ظل الحصار وانسداد الأفق الجغرافي، وقد يتحدث البعض عن خيار البحر، ولكن هذا الخيار ليس كما يبدو سهلاً لأنه في يد قوى أخرى منها "إسرائيل" .
هذه هي صورة الواقع من الداخل الذي تعيشه غزة وبرؤية مستقبلية . ويبقى القول إن حل هذه العقد يحتاج كما فعل الإسكندر الأكبر المقدوني إلى استئصالها من جذورها وبقرار جريء، وهذا القرار بيد حركة حماس والحكومة في غزة . . بدلاً من خيار أنا والطوفان من بعدي!

اكتشاف كيري الغريب العجيب
بقلم: صالح القلاب عن الرأي الأردنية
بعد ثلاثة أعوام يكتشف وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية أنَّ روسيا هي سبب عدم سقوط نظام بشار الأسد وبقائه حتى الآن وبالطبع فإن هذا التأخر في هذا الإكتشاف قد أدى إلى كل هذا الدمار الذي سوَّى مدناً سورية بالأرض وأدى إلى مئات الألوف من القتلى والجرحى وإلى ملايين من المهجرين والمشردين وإلى تحول هذه الحرب إلى حرب طائفية قد تستمر نتيجة رداءة وميوعة هذه الإدارة الأميركية إلى سنوات طويلة مقبلة.
إنَّ جون كيري عندما يكتشف هذا الإكتشاف العجيب الغريب ،وهو وزير خارجية أكبر وأهم دولة في العالم، إمَّا أنه لا يستحق هذا الموقع الذي يحتله ،وهو بالتأكيد غير ذلك، وإمَّا أنه مضطر على مماشاة رئيسه باراك أوباما ،الذي إنْ بقيت الرياح العاتية تهب في هذا الإتجاه، فإن التاريخ الذي ستقرأه الأجيال اللاحقة سيسجّل أنه أضعف رئيس مرَّ على البيت الأبيض وإنَّ عهده قد وضع دولة كرَّسها الذين سبقوه كأهم قوة في الكرة الأرضية على بداية التراجع الذي إنْ هو إستمر سيحولها إلى دولة ثانوية وضعت بينها وبين هذا العالم بحور ظلمات عديدة.
لقد كان الأحرى بوزير خارجية أكبر وأهم قوة في العالم بدل إعلانه عن هذا الإكتشاف الذي اكتشفه بعد ثلاثة أعوام مدمرة ودامية أن يعترف بأن سيرغي لافروف قد «ضَحِكَ» عليه وأن روسيا هذه الدولة ،التي تعتبر ناشئة لا تزال تحْمل الكثير من إرث الإتحاد السوفياتي البائسة وتجربته الفاشلة، قد تمكنت في أوَّل تعاطٍ لها مع أزمة عالمية من تمريغ أنف الولايات المتحدة في التراب وتحويلها إلى «مضحكة» في العالم كله والسبب هو ضعف هذه الإدارة التي يقف على رأسها باراك أوباما بتردده ومخاوفه وعدم قدرته على إتخاذ القرارات الجريئة في اللحظة الحاسمة.
ويقيناً أنَّ الولايات المتحدة إنْ هي لم تبادر وبسرعة إلى النهوض من هذه الكبوة وإنْ هي إنْ لم تلجأ إلى تصحيح مسار سياساتها في هذه المنطقة الإستراتيجية الملتهبة فإنها ستسلم زمام الأمور إلى روسيا الإتحادية وأنها ستنكفئ على نفسها وستخسر بالتأكيد كل أصدقائها وستلجأ كل الدول الناشئة الصاعدة إلى التجرُّأ عليها وبالتالي دحرها وإخراجها من الساحة الدولية.
والسؤال هنا هو :وماذا من الممكن أن تفعل الولايات المتحدة يا ترى بعد أنْ «اكتشف» وزير خارجيتها أنَّ الروس قد «ضحكوا» عليه وعلى إدارة أوباما وأنهم بينما تخلَّت أميركا عن الشعب السوري وعن حلفائها المساندين والداعمين لهذا الشعب فإنهم لم يتخلوا ولا للحظة واحدة عن بشار الأسد وأنهم لم يبخلوا عليه لا بالمواقف السياسية ولا بالمال والسلاح وأيضاً ولا بالخبراء والمقاتلين.. ماذا ستفعل أميركا يا ترى..؟!.
في اليوم نفسه الذي أعلن فيه جون كيري أن روسيا هي مَنْ أبقى على بشار الأسد حتى الآن وأنَّ الولايات المتحدة سوف تقوم بمراجعة لسياساتها أطلق باراك أوباما تصريحات متناقضة غير مفهومة وعلى غرار ما بقي يفعله خلال كل سنوات هذه الأزمة التي غدت أزمة إقليمية ودولية طاحنة فهو قال أنه سيمارس المزيد من الضغط على الرئيس السوري لكنه قال في الوقت نفسه ،موجهاً كلامه إلى بعض الأوروبيين، أنَّه لن يسمح بوصول أسلحة نوعية إلى المعارضة السورية خوفاً من وصولها إلى التنظيمات الإرهابية.. فماذا يعني هذا ..؟ ألا يعني الإستمرار بالسياسة التي أبقت على رئيس النظام السوري حتى الآن... ألا يعني ترك روسيا تفعل في هذه المنطقة الإستراتيجية الحساسة ما تشاء؟!!.

مبروك عليكم الفيدرالية
بقلم: سمير عطالله عن الشرق الأوسط
إما أنني كنت مزوِّرا طوال نصف قرن من الكتابة عن الوحدة العربية كحلم، وإما أنني مزور اليوم، إذا ما رحبت بالفيدراليات المعلنة كما حدث في اليمن.
الحقيقة أن لا تزوير، أمس واليوم وأبدا. كنت عربيا حالما بالأمس، وأنا عربي يائس ومدمَّر وحزين اليوم. عرب الأمس جعلوني أحلم، وعرب اليوم جعلوني أقول: إذا كانت الفيدراليات تؤمِّن الحياة للناس والتعايش. ولأن مقدار ما نُهب من مداخيل النفط حتى الآن، هو مقدار ما أخذه القذافي خلال 40 عاما. وإلى أي وحدة وطنية سوف تعود سوريا الواقعة بين براميل النظام وسكاكين داعش. وسجون العراق في دولة القانون أكثر فيضا مما كانت أيام صدام حسين. وإضافة إلى الحرب إلى جانب النظام في سوريا، يخوض المالكي حربا على أهل العراق، فيما الشمال ينعم بجمهوريته كأنه في قارة أخرى.
أيهما أفضل؟ دول اتحادية بلا موت وقتل وتشريد ودمار، أم دول يحكمها الموت والكره والخراب، وخصوصا، الفساد الذي لا حدود له؟ كنت أعتقد، ذات مرحلة، أن أفضل ما فعله «مجلس الشعب» في سوريا، هو تخصيص نصف مقاعده للفلاحين. وكنت أقول هذا الكلام دائما لصديقي الراحل عبد القادر قدورة، رئيس المجلس لسنوات، وأحد أنقياء الناس. ثلاثة أرباع الثورة أشعلها الفلاحون الذين تركهم النظام في قسوة الجفاف والقحط، مكتفيا بأن تنتعش أسواق حلب ودمشق ومعهما أركان الفساد.
ليست الثورات العربية هي التي زرعت الفرقة بين الناس، بل الأنظمة. غياب العدل والإنصاف والنزاهة. وتلك القسوة الرهيبة في معاملة المناطق، كما فعل علي عبد الله صالح في حرب إبقاء الجنوب ضمن الوحدة. لا أنسى يوم ذهبت مع الرئيس محسن العيني والدكتور كلوفيس مقصود إلى أوائل اجتماعات الوحدة بين اليمنيين في نيويورك. كان الفرح حقيقيا على كل الوجوه، وصادقا وعميقا. سقطت الوحدة، كما سقطت من قبلها الوحدة المصرية - السورية، بسبب تعسف الحكم المركزي وتجاهله لمشاعر الناس، وهم بعد في مرحلة شديدة الحساسية من التعارف الوحدوي.
معظم الذين طلبوا الوحدة، أو ادَّعوها، أو حوَّلوها إلى رقصة شعبية، لم يعرفوا كيف يحمون وحدتهم الداخلية أولا. كيف يرضون شعوبهم وكيف يعدلون وكيف يعاملون الناس كبشر. ظنّوا أن الناس سوف ترتضي نفاق الشعارات وفراغ الخطب وفشل الاقتصاد إلى الأبد. وظل القذافي، حتى خطاب الجرذان، يمنع دخول الكتب والصحف، معتقدا أن العالم لم يتغيَّر مذ كان طفلا في سرت.
كانت كلمة فيدرالية، أو اتحادية، ترن مثل الإهانة في الأذن العربية، ومثل السهم في القلب العربي. كانت علامة التخلُّف والعودة إلى الوراء والخروج على الألفة. صارت حدثا عاديا. أعلن اليمن عن الحكم الاتحادي كأنه يعلن عن عودة السلاطين. بأعداد أقل.

مصر... ومسكنات الدعم
بقلم: عبدالعزيز الكندري عن الراي الكويتية
الحديث عن الإصلاح ومحاربة الفساد كلام جميل، ولكن التحدي الحقيقي هو في تطبيق هذا الإصلاح على أرض الواقع، وكما يقولون... فاقد الشيء لا يعطيه. وتقول الروايات إن في زمن الخليفة عمر بن الخطاب جاءت قافلة من مصر بلد الخيرات والنهار تحمل اللحم والسمن والطعام، فقام الخليفة عمر ووزع هذه الخيرات بنفسه، وقال لقائد القافلة ستأكل معي في البيت، ففرح الرجل أنه سيأكل من طعام أمير المؤمنين وهو بالتأكيد خير من طعام الناس. وجاء عمر والرجل إلى البيت، ونادى عمر بالطعام فإذا هو خبز مكسر يابس مع صحن من الزيت، فتعجب الرجل..
وقال: لم منعتني من أن آكل مع الناسِ لحما وسمنا؟!
فقال عمر: ما أطعمك إلا ما أطعم نفسي.
فقال الرجل: وما يمنعك أن تأكل كما يأكل الناس وقد وزعت اللحم والطعام عليهم؟!
فقال عمر: لقد آليت على نفسي ألا أذوق السمن واللحم حتى يشبع منهما المسلمون جميعا. وهذا الموقف يبين درجة وعي القائد بالمسؤولية الملقاة على عاتقه.
بل عندما عين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عمرو بن العاص واليا على مصر بعد فتحها سأله: لو جاءك سارق فماذا تفعل به؟
فقال عمرو بن العاص : أقطع يده.
فقال عمر بن الخطاب لواليه: لو جاءني فقير من مصر لقطعت يدك!
وهذا موقف آخر يبين درساً في القيادة للوالي ودرجة صلاحه لهذه المسؤولية في حفظ الرعية والأموال العامة وعدم إهدارها، ويجب استخدامها في المكان الصحيح وسد كل احتياجات الناس حتى لا يكون هناك سائل...
ومن ينظر لواقع مصر في السابق أيام الخليفة عمر والآن يرى العجب، في السابق كانت مصر تصدر لبقية البلدان الخيرات، وكانت نموذجا من نماذج الدول المتقدمة، ولكن مصر بعد حكم الجنرالات والانقلابات على مدى عشرات السنين وجد بها الفقر والمرض والرشوة، وحجم الفساد الذي لم يظهر إلا جزء بسيط منه وهو يمثل قمة جبل الجليد وما خفي كان أعظم، وهذه الطوابير الطويلة التي تنتظر لتأخذ دورها وتستلم اسطوانة الغاز في حين أنه يباع للعدو الصهيوني بأبخس الأثمان، والأموال التي تم تهريبها للبنوك الخارجية وحجم ثروات الفلول تشهد بذلك.
أستطيع أن أقول بأن سبب الانقلاب باختصار هو أن الرئيس المنتخب «مرسي» أراد إرجاع كل الموارد المالية والاقتصادية التي تأخذه وتسيطر عليه جمهورية العسكر إلى الدولة والقضاء على مؤسسة الفساد، وأن الدولة هي المسؤولة عن الاقتصاد وليس الجنرالات، وسط ضغط داخلي من الدولة العميقة، وخارجي من المحيط العربي والإسلامي عليه، وهذا واضح من قلة المساعدات لمصر أثناء فترة الرئيس المنتخب.
نعم... الإخوان المسلمون نتيجة قلة تجربتهم السياسية وهم في الصف الأول والأمامي كانت تنقصهم الخبرة، والنزول للرئاسة كان عبارة عن مجازفة كبيرة ظهرت نتائجها، ولكن المجازف الأكبر بكل تأكيد هو الانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب، لن يكون هناك استقرار بدون ارضاء من انتخب الرئيس «مرسي».
والآن المسألة أصبح فيها «دم» وهذا ما عقد المسائل أكثر، وكل ما يدفع لمصر الآن عبارة عن مسكنات، مثل المريض الذي ينزف وأنت لا تضع يدك على الجرح لتوقف النزيف، وستبدأ الأعراض عن قريب... عندها لن يكون هناك تراجع، ولكن الثمن سيكون كبيرا على الدولة العميقة وتوابعها العسكرية والإعلامية وغيرها من مؤسسات.

ورطة واشنطن إذ تؤنسن الوحشية في إرهاب المتأسلمين
بقلم: علي الصيوان عن تشرين السورية
قال رياض الأسعد، المبتور الساق، كلمته في وفد الجربا المفاوض في «جنيف»، حين كان أعضاء الوفد في سويسرا يؤكدون أن «الهيئة الانتقالية ستنهي الإرهاب في سورية».
ومن تدقيق التعارض بين توصيف الأسعد للوفد، وبين وعد هذا الوفد «بالقضاء على الإرهاب، مباشرة بعد تشكيل الهيئة الانتقالية»، نتبين الأرض الرخوة التي تقف عليها واشنطن في محاولة تصنيع كيانية سياسية من وفد الجربا، وتأهيلها لأن تنازع الحكومة السورية الصفة التمثيلية.
فهل في وسع واشنطن الاعتداد بمنسوب الصدقية عند اللابسين قبعة «المعارضة»؟ والمفاوضين في جنيف؟.
بيد أن السؤال الأشد إلحاحاً هو: هل وفد الجربا ينتمي إلى أية معارضة؟
لنبدأ من عند «المبتور الساق».
اختارت وكالة أنباء «الأناضول» التركية في 11/2 عنوان «الائتلاف لا يمثلنا»، للقائها الموسع مع من سمته «قائد الجيش الحر»، أي رياض الأسعد، الفارّ من الجيش العربي السوري.
أكد الأسعد أنه لا «الجيش الحر» ولا فصائل كبيرة في الداخل السوري «ستلتزم بأية هدنة، أو «وقف لإطلاق النار» ينجم عن مفاوضات جنيف-2».
أي إن خطاب وفد الجربا الخاص بتمثيل ما يسمى «الجيش الحر»، وليس الفصائل المتفرعة عن «القاعدة» والمسماة في الكونغرس «المتطرفة»، هو خطاب غير ذي أساس، وفاقد للصدقية خصوصاً حين يعلن أعضاء هذا الوفد أمام الصحفيين في جنيف أن «الجيش الحر» هو أداتهم القتالية، ليس وحسب ضد سورية، بل كذلك ضد التنظيمات «القاعدية»،الموالية لأيمن الظواهري.
فقدان الصدقية عند مجموعة الجربا يستدعي تلقائياً العطب في البنيان النظري لتكتيك واشنطن الخاص بدعم ما تسميه «المعارضة المعتدلة»، وبتسويغ الإفراط في تسليحها، تحت لحاف الادعاء بأن الولايات المتحدة «لا تساوم في الحرب على التنظيمات القاعدية»، وبما يفسح أمامها المجال للمناورة على موسكو، وحتى على دمشق, في التزام مبادئ إعلان «جنيف1»، ولاسيما المبدأ الأساس؛ مبدأ مكافحة الإرهاب.
ولذلك يندرج إعلان المدعو أنس العبدة، أحد أعضاء وفد الجربا في 11/2، أنه «يتمنى على جبهة النصرة سحب بيعتها للظواهري»، في إطار التكاذب المتبادل مع واشنطن في شأن التمييز بين «معارضة معتدلة» وأخرى «قاعدية متطرفة».
فالبيعة، في أدبيات الإسلام السياسي ملزمة للرقاب. وهذه حكمها القطع لدى سحب البيعة، في التدابير الإجرائية لـ «ثقافة» الظواهري و... لوفد الجربا، المتربع على سدة تمثيل «المعارضة» السورية، بما فيها «النصرة» و«الجيش الحر» والمجموعات الإسلامية القادمة من باكستان وبريطانيا وفرنسا والشيشان وداغستان وتونس ومملكة السعوديين.. إلخ.
ثمة خط تشتغل عليه مجموعة الجربا المسماة «معارضة» سورية، هو تقديم أوراق الاعتماد لواشنطن في تكتيك النأي بالنفس عن التنظيمات «القاعدية»، في إطار الانتماء لخط «الجيش الحر»، الذي «ينفرد»، حسب خطاب التكاذب مع واشنطن، بالمجابهة المسلحة مع تنظيم «داعش»، المثقل بالبيعة للظواهري.
وقد بلغ الاشتغال على هذا الخط مبلغ الإشادة بـ «تضحيات» جيش رياض الأسعد في القتال ضد «داعش»، على ما يقول ميشيل كيلو.
فما جليّة الأمر عند رياض الأسعد في حيثيات «شهد شاهد من أهله»؟
الأسعد فقد ساقه في سياق الصراع البيني داخل صفوف ما تسمى «المعارضات». وقد نقلت وكالة «الأناضول» التركية قوله: «في شمال البلاد هناك صراع لوضع اليد على الإمكانات والدعم القادم من تركيا، إذ انتقلت بعض المجموعات من جميع المحافظات السورية إلى المنطقة الشمالية. وهو ما أظهر الأمور على أنها قتال بين الجماعات، وخلافات بينها». مشدداً على أنه «ليس هناك خلاف عقائدي، بل خلاف على الوجود والنفوذ فيما بينها».
جلي أن «الوجود والنفوذ» المتصارَع عليهما بين مختلف تسميات هذه «المعارضة» متعددة الجنسية، إنما هما الاسم الحركي للارتزاق الشائن لهذه العصابات الإرهابية، والمسقوف بمستوى لا تخترقه أي منها، هو سقف الامتثال لمشروع الإسلام السياسي، والأدق: مشروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الذي يتناهى إلى «البيعة» المعطاة للظواهري، من قبل «داعش» و«النصرة» المتقاتلتين، ومن قبل الإخوان المسلمين، في أعطاف التريث الذي أعلنه مرشدهم العام رياض الشقفة عقب إشهار «النصرة» بيعتها للظواهري. بقوله: «ليس هذا وقتها».
وما يجب استخلاصه من تموضع مختلف فصائل القتلة في هذه «المعارضات» المتناحرة تحت سقف الإسلام السياسي، ممثلا بالظواهري، يرسل الرسائل التالية:
1-إلى الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وسائر أصدقاء هذه «المعارضة»: عليكم التعايش مع التباين المدمّى بين «فرق الموت» الإسلاموية في سورية، مثلما تتعايشون مع نظائر هذه «الفِرق» التي نبتت كالفطر في ليبيا، وقبلها في الصومال وأفغانستان، تعايشاً يجري في منعرجاته تظهير التحالف الإمبريالي-الرجعي العابر للحقب والحدود، حتى وإن انطوى هذا التحالف على نذر بـ «غزوات» كـ «غزوة» مقتل السفير الأمريكي في ليبيا، و«غزوة» معان في حماه، مما لا يمكن الدفاع عنه... إلا من قبل مهندس «ائتلاف الدوحة»؛ روبرت فورد، القائل في 12/2 أن «نبّل والزهراء ليستا محاصرتين»(!)، في ترجمة ملموسة للمستوى العالي من تبلد الإحساس بالاشتراك مع وفد الجربا، في حمل أوزار التكاذب المتبادل في شأن المأساة التي يعيشها الشعب المحاصر، والأدق المختطف من قبل الإرهابيين، والبناء سياسياً على «أعمدة» التلفيق، مهما بلغ وهنها.
2-إلى الأخضر الابراهيمي: عليك الكف عن المطالبة بوفد «معارضة مقنعة» لأنك سلمتَ طوعاً سلاحك هذا منذ اللحظة التي قبلتَ فيها إدارة عملية سياسية أحد ركنيها مزقة «معارضة» لا تمثل سوى روبرت فورد، وباشرتَ الجري في الملعب الأمريكي.
ماذا بعد؟ لا ريب في أن الإبراهيمي التقط هذه الرسالة، وهو يتجرع المرارة من استدراجه إلى هذه الوضعية التي تسحب من يديه القدرة على إدارة نشطة للعملية السياسية المنتدب إليها. وهذا شأنه في تقرير ما يشاء من خطوات لاحقة، بعد إكراهه، في كرنفال افتتاح جنيف2» في 22/1/2014، على التعامل مع وفد الجربا-فورد، «كممثل للمعارضة».
أما موسكو، أحد راعي عملية «جنيف2»، فقد عاينت الأبلسة الإمبريالية في التسلل خلف خطوط الرسائل المقذوفة في وجه كل من يعنيه أمر «جنيف2».
تتكثف هذه الأبلسة في استثمار واشنطن لمناخ حسن النية في دمشق، التي تتعاطى بانفتاح مع مقتضيات عملية سياسية هدفها إيقاف الإرهاب في ربوع سورية. إذ استثمرت واشنطن هذا المناخ في التوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار ملزم لسورية بإيصال «مساعدات إنسانية» إلى مناطق يتحصن فيها الإرهابيون، ويتخذون من أهلها دروعاً بشرية.
موسكو أحبطت مشروع القرار الإمبريالي المتأبلس هذا. لأنه ببساطة ينصرف إلى تزويد الإرهابيين بالسلاح، وإلى إعادة صياغة للقرار 1973، القاضي بفرض حظر جوي على ليبيا، الذي خدعت به الدبلوماسية الروسية، كذلك «لأسباب إنسانية»، حسب صياغة خاطفي جامعة الدول العربية من ميثاقها، والذي تناهى إلى الخراب المشهود الذي تعيشه ليبيا الآن.
في الوضع المستجد بعد عثار عملية جنيف التفاوضية، يتعين على الولايات المتحدة، أحد راعي هذه العملية، استعادة انسجامها مع الراعي الآخر أي روسيا الاتحادية، ولاسيما في تعيين أسباب العثار، بموضوعية تقع خارج المخطط الطامع في إمكان نيل جائزة من التلفيق في «الفيلم الطويل» الدافع إلى تجميل القبح في وجه الإرهاب «القاعدي»، الذي يفتك بسورية راهناً، ويتهدد بقاعاً أخرى في العالم لاحقاً. ولأنه ليس من شيم الإمبرياليين الإياب إلى المحاكمة العقلية في مقاربة الأزمات، فقد مضى أوباما في مخطط فورد الخاص بأنسنة الوحشية في الإرهاب، معلناً في 14/2 أنه في صدد «خيارات بديلة» حيال سورية، كيلا تخرج الولايات المتحدة من «مولد» الربيع العربي «بلا حمّص»: في سورية، بعد مصر والعراق، فتجد نفسها أمام ورطة ليست محسوبة.

أعباء السياسات العربية على النمو
بقلم: يسار ناصر عن السفير البيروتية
لا مكان في العالم تترابط فيه السياسة والاقتصاد، كحال المنطقة العربية والإسلامية، حيث النمو، أو بالاحرى الضمور الاقتصادي، هو نتيجة لتراكمات سياسية وإفرازاتها الاجتماعية اللاحقة.
إن العديد من الباحثين والمفكرين الاقتصاديين حاولوا اكتشاف القاعدة السحرية التي تجعل بعض الدول تزدهر، بينما يعاني غيرها العوز. روبرت بارو من جامعة هارفرد كان رائداً في مجال دراسة أهمية العامل الإنساني وإنتاجيته كأساس للنمو الاقتصادي، وانطلق من مبدأ الأهمية المباشرة لقطاع التعليم والقدرة على التعبير (بالمعنى الاقتصادي) التي تجعل الإنسان يحقق طموحاته ويعيش قدراته، ما يسمح للاقتصاد أن ينمو بطريقة عضوية متكاملة. بالإضافة إلى هذا العنصر الأساسي، يبرز وضع الأسس الاقتصادية السليمة لملاقاة العامل الإنساني، وأهمها التكامل الجغرافي للأسواق، والاستخدام الرشيد للمواد الأولية لتحفيز الإنتاج.
إذا نظرنا إلى عالمنا العربي والإسلامي من هذا المنظار فماذا نرى؟ أعداد كبيرة قادرة على الإنتاج، ولكنها محرومة بالإجمال من القدرة على تحقيق الذات، وسياسات تعليمية ضعيفة معطوفة على صعوبة إيجاد فرص العمل المناسبة التي دونها عراقيل عدة، وأسواق بينية مقفلة نتيجة للخلافات السياسية. فواقعنا يدل على ضعف شديد يحول بيننا وبين النمو الاقتصادي الحقيقي الممكن.
لم تستطع السياسات العربية ان تجاري التقدم العلمي، أو تعطي أية أهمية للطاقة البشرية، بالرغم من وجود موارد كافية، أعطت العديد من بلدان المنطقة قدرة اقتصادية هائلة وإمكانات للتطوير الداخلي والإقليمي. إن استمرار الاعتماد على هذه الموارد فقط، أضعف بناء قدرات هذه البلاد الاقتصادية على المدى الطويل. فاعتماد دول الخليج على النفط الخام بدرجة اساسية، أفقدها الكثير من ناحية تنويع مصادر الدخل وخلق صناعات جديدة وتطوير قدرات بشرية وخبراتية محلية. وهذا ما تم التنبه إليه في السعودية لاحقاً، حيث تمت إقامة العديد من المناطق الصناعية، فيما قامت دبي بإنشاء اقتصاد يعتمد على الخدمات والسياحة، ولو بالدين.
المشكل الحقيقي الناتج عن هذا التأخير كان ظهور ثلاث طبقات: طبقة الخبراء وهي بمجملها أجنبية متعلمة وذات خبرة طويلة في مجالاتها؛ طبقة ثانية من أهل البلاد التي تحاول أن تتعلم وتكتسب الخبرات القيادية من الطبقة الاولى؛ والطبقة الثالثة من اليد العاملة الرخيصة، وهي أيضاً أجنبية لبعد اهتمام اهل البلاد من القيام مقامها. وهذا أنتج الكثير من اليد العاملة الوطنية غير القادرة على إيجاد موطئ قدم صحيح لها في سوق العمل، فنسبة البطالة في السعودية مثلا ارتفعت إلى 12,1 في المئة نهاية 2012 حسب أرقام صندوق النقد الدولي، مع ان أكثر من 65 في المئة من اليد العاملة السعودية تعمل بالقطاع العام. وهنا تبرز أهمية دعوة هذا الصندوق إلى إعادة النظر بالسياسات العامة في المملكة، ومنها التعليمية، لمساعدة الجيل الجديد على الدخول السليم إلى عالم الإنتاج.
العديد من الأبحاث الاقتصادية ترى لمصر مستقبلاً مشرقاً جداً لأسباب كثيرة، أهمها اقتصادها المنفتح في منطقة جغرافية مؤثرة سياسياً، حيث أن الموقع الإستراتيجي بين القارات، ووجود طبقة متعلمة وقادرة على الإنتاج الفكري المتقدم، وأهمية اليد العاملة الرخيصة نسبياً تجعل مصر مكتفية من ناحية وجود العامل الإنساني للتطوير والنمو. ما ينقص هو قدرة الطبقة السياسية على تجاوز المشكلات المعقدة التي ما فتئت تعصف بمصر كنتيجة للسياسات العامة وإفرازاتها غير الطبيعية منذ سنوات طويلة. أما العمق الجغرافي المصري فهو حاجة اقتصادية إستراتيجية: إن المشرق العربي كان دوماً أساس نهضة ونمو القدرة السياسية والمالية المصرية عبر التاريخ؛ ومن هنا تبرز أهمية التكامل الاقتصادي السليم بين مصر وبلاد المشرق العربي لمصلحة الجميع. فحالياً (وبالرغم من المشاكل الصعبة في لبنان وسوريا) هناك طاقة كامنة كبيرة لدول المشرق كالعراق، الذي يتوقع له مركز cebr الإنكليزي نمواً كبيراً في السنوات القادمة، مع انه ما زال يحاول أن يتخلص من مشاكل السياسة والحروب المتتالية لإيجاد نواة اقتصاد مناطقي مزدهر. فالعراق كان دائماً مصدراً للكفاءات العلمية والقدرات البشرية المتطورة، وهذا ما يساعد على استغلال الموارد النفطية لوضع خطط اقتصادية طويلة الأمد تتكامل. حتى أن «الدايلي تلغراف» الانكليزية بدت في عدد حديث لها كأنها تروج (او تلوح تهديداً) لفكرة حلف عراقي - إيراني في مجال الطاقة يؤدي الى تكامل نفطي (يترجم سياسياً واقتصادياً لاحقاً). ومن الإشارات المهمة أيضاً أن إيران تبني اقتصاداً ذاتي القدرة، يعتمد على المعرفة والإنتاج المحلي لمقارعة عقوبات شديدة الوطأة جعلت وضعها العالمي يتأرجح بين من يرى انها ستستطيع الاستمرار بالنمو بالرغم من العقوبات لتكون احد اكبر اقتصاديات المنطقة (تقرير hsbc 2050) وبين من يتكهن العكس لأسباب سياسية.
إن نهضة عالمنا ومنطقتنا يتطلب تعاوناً وتكاملاً لنستطيع ان نبني ونستمر على اسس اقتصادية سليمة. فمداميك النمو الاقتصادي موجودة لدينا من: 1) طاقات بشرية هائلة بعضها متعلم وذو خبرة، وبعضها الآخر يعتبر يداً عاملة محدودة الكلفة؛ ونحن نحتاج للإثنين، و2) مواد أولية وموارد نفطية تؤمن الحاجات وتفيض من ناحية التدفقات المالية التي يمكن استثمارها لمزيد من العائدات وفرص العمل للطاقات البشرية لجذبها إلى أسواق الانتاج بدلاً من ساحات البطالة (وتالياً الضياع الفكري والاقتتال). من الضروري إعادة هيكلة سياساتنا لجعلها رافعة للاقتصاد المجدي والتركيز على أهمية طاقاتنا البشرية كما تفعل كل الأمم المتقدمة. إن قمة التراجيديا أن يحاول كيان العدو الإسرائيلي هذه الأيام فك عزلته الاقتصادية وتوسيع رقعة أسواقه التجارية بطلب الانضمام لحلف «الباسيفيك الاقتصادي» البعيد آلاف الكيلومترات (بعد ان نجح تماما بتطبيق سياسة الطاقة البشرية المحفزة للنمو)، بينما عالمنا العربي والاسلامي القادر على التواصل جغرافياً وإنسانياً لخلق سوق إنتاجية واستهلاكية جبارة، ما زال يعيش ترسبات سياسات ادت بنا الى التقوقع خلف جدار افكار لا تؤدي الا الى ضياعنا جميعاً.
حديث العودة الأميركية للعراق!
بقلم: عمران العبيدي عن الصباح العراقية
يتردد الحديث عن احتمالات العودة الاميركية للعراق من بعض وسائل الاعلام ويتداوله بعض الناس دون النظر بمعنى هذه العودة وكيفيتها وذلك من خلال قراءتها قراءة سطحية مبنية عن الصورة الاميركية ما قبل الانسحاب الاميركي من العراق، اذ لايزال ذلك التواجد بصورته الضخمة ماثلا امام المخيال العراقي بكل تبعاته السلبية .
العراق ومنذ الانسحاب الاميركي تعرض الى موجة ارهابية كبيرة عولجت بطرق شتى بعضها نجح والبعض الآخر لم ينجح، ولكن في كل المقاييس فان العراق ان كان يبحث عن الاستقرار فانه بحاجة الى دعم كبير ، والولايات المتحدة الاميركية ترتبط مع العراق باتفاقية ستراتيجية معروفة، تفرض على الجانبين نوعا من التعاون بجميع المجالات واهمها تلك التي تتعلق بالجانب العسكري، وهو اهم مفصل يمكن ان يحتاج اليه العراق لكي يستكمل قوام دولته التي تتقاذفها الكثير من المعطيات الاقليمية الباحثة عن عدم استقرار العراق.
من الناحيتين التسليحية والاستخباراتية فان العراق بحاجة الى هذا الدعم قبل اي احتياج آخر وفي الاسابيع الاخيرة من معركة صحراء الانبار ضد قوات (داعش) كان تلمس تلك الحاجة بشكل اكبر وقد بدأت بوادر ذلك التعاون بشكل واضح حسب الكثير من الآراء في المحيط السياسي الاميركي الذين اكدوا ضرورة دعم العراق ضد هذا التنظيم، ووفقا لذلك ظهرت التقارير التي تتحدث عن العودة الاميركية الى العراق وكأنها توحي بعودة كبيرة متناسية ان الحضور الاميركي الجديد مبني على اساس اتفاقية امنية كبيرة بين البلدين وفي اطار التعاون التسليحي ، والحضور الاميركي بمئات من الرجال لن يكون سوى للتدريب والمشورة العسكرية وهي اعداد لاتستدعي الحديث عن العودة الاميركية لعراق وكأن اميركا خرجت من الباب وعادت من الشباك لتسيطر على القرار العراقي.
العودة الاميركية المحتملة للعراق هذا هو اطارها ولاتحمل معاني اخرى يمكن ان تصوغها المخيلة العراقية المرتبطة بصورة المحتل الاميركي.
لاميركا في الكثير من البلدان اعداد تفوق عشرات المرات مامتواجد منهم في العراق وهو يدخل في اطار تنسيق وتعاون ولايثير المخاف، بينما تحاول بعض التقارير ان تصور وجود مئات من الاميركان في العراق بشكل مخيف ومخالف للواقع.
احتياجنا للعون الاميركي لايمكن نفيه وهو ان حصل بوجود بعض القادة الكبار وبعض الجنود لا يعني عودة للماضي القريب بقدر ما هو حاجة ملحة يمكن ان يكسب منها العراق الكثير في اتجاه استقراره، فالاميركان لديهم الخبرة بما يدور في العراق عسكريا وسياسيا واجتماعيا ايضا، لذلك ليس من الحكمة ان ندير ظهورنا لهم وان تثار المخاوف حول وجود وعودة اميركية محتملة.



نقد مصطلح الإسلام السياسى
بقلم: نادر بكار عن الشروق المصرية
على مدى عدة أيام استمعت وحاورت نخبة من مثقفى العالم العربى والإسلامى بالعاصمة السعودية الرياض على هامش دعوة لحضور احتفال الجنادرية الثقافى.. ولم تزل أجواء الندوات الثقافية والنقاشات فى أثنائها وعلى هامشها تشغل الحيز الأكبر من تفكيرى وأنا أكتب قافلا إلى القاهرة.
الشأن المصرى بكل تجلياته ــ والسياسية منها خاصة ــ كان المهيمن الرئيسى على أغلب ساحات النقاش، سواء أكان متفقا مع عنوان الندوة أم بعيدا عنها.. وبصورة أكثر تحديدا انصب الاهتمام الأكبر على التيار الإسلامى فى مصر صعودا وتذبذبا وتراجعا، وتفاعلا وتأثرا ونتيجة.
أبديت تحفظى أكثر من مرة فى غضون ذلك على تكرار استخدام مصطلح (الإسلام السياسى) فى أوراق أغلب المشاركين بل وفى عناوين الندوات نفسها، لأكثر من سبب أهمها أن الإسلام شامل غير مجزأ مصداق قوله سبحانه «وادخلوا فى السلم ــ أى الإسلام ــ كافة» ولقوله أيضا «قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين» ولأن فى ذلك تناقض واضح بين نقدنا احتكار جماعات بعينها الحديث عن الإسلام وبين وصفنا لها أنها تمثل الإسلام السياسى.
بل الأولى من وجهة نظرى أن يقال عن كل حزب إسلامى ــ والأمر بلا شك ينطبق أول ما ينطبق على المتحدث وزملائه ــ حركات سياسية تتبنى أجندة إسلامية أو تعلن انتسابا للمرجعية الإسلامية، أو شىء من هذا القبيل.. المهم عندى أن يؤكد على الطابع السياسى لهذه الحركات تأكيدا على بشرية تجربة أصحابها ليؤخذ قولهم ويترك من جهة، ولئلا ينسب إخفاقهم إلى المنهج الإسلامى من جهة أخرى.
وفرَّعْت على هذه القاعدة، أن قطاعا ليس بالهين من قادة السياسيين الإسلاميين مستفيدون بلا شك من التماهى الحاصل بين الأشخاص والمنهج، فهم إما ينتهجون أسلوب تربية يرسخ هذا الفكر المشوه فى نفوس أتباعهم ومنتسبيهم، وإما يغضون الطرف عامدين عن ممارسات هؤلاء الأتباع إذا بلغ بهم الشطط مبلغ اعتبار كل نقد يوجه إليهم ــ وإن أتى من المبغض المعادى ــ نقد للإسلام أو للمنهج الإصلاحى الذى نادى به.
ورغم ما قد لحق من ضرر بالدعوة والعمل الإسلامى من جراء تلك الدعاوى ما لا ينكره إلا متعصب، لكن ليس من المعقول أن يكون الحل فى الحكم على أصل الفكرة بالفشل واتهام سائر المنتمين لها على مختلف توجهاتهم بالمتاجرة بالدين، إنما الترشيد المستمر والنقد البناء بل والأخذ على يد المخطئ فى إطار الجماعة الوطنية والدولة القطرية هو الأنجع والأقرب للصواب.