Haneen
2014-03-18, 12:57 PM
اقلام عربي 634
1/3/2014
في هذا الملف:
ما مبرّر التمسك في المفاوضات ؟
رامز مصطفى-البناء اللبنانية
وشحة زيتونة فلسطين
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
عن القدس و"الصراع الديني"
محمد عبيد-الخليج الإمارتية
يا بني إسرائيل.. اعقلوا !!
زين العابدين الركابي-الشرق الأوسط
وداعاً للحرب مع إسرائيل؟
حازم صاغية –الحياة اللندنية
نحن وإسـرائيل في ملفات المياه والطاقة
باتر محمد علي وردم (http://www.addustour.com/columnist/45/)-الدستور الأردنية
«داعش» والأقليات
عريب الرنتاوي-الدستور الأردني
‘فتوحات’ داعش… و’حرية’ الجزية وقطع الرؤوس
رأي القدس العربي
لمن يقرع الرئيس بوتين أجراس الحرب؟
سليم نصار (http://alhayat.com/Opinion/salem-nassar.aspx)–الحياة اللندنية
ما مبرّر التمسك في المفاوضات ؟
رامز مصطفى-البناء اللبنانية
مجدداً رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس يؤكد التزامه المفاوضات. والمبرر هو الالتزام بالسقف الزمني للمفاوضات الذي ينتهي في أواخر نيسان المقبل. وعليه لا يجوز ،بل وليس من اللائق الإخلال بهذا الالتزام أمام الراعي الأميركي بشخص الوزير جون كيري. وهذا قد يسبب حرجاً للسلطة ورئيسها أمام المجتمع الدولي والراعي الأميركي. وبالتالي فإن الإخلال به سيكسب حكومة نتنياهو الجولة أمام الفلسطينيين بأنهم لا يريدون المفاوضات ومن ثم يرفضون تحقيق «السلام مع إسرائيل».
وفي المقلبين الأميركي «والإسرائيلي»، لا يعيران لهذا الالتزام المجاني أية أهمية أو قيمة ،بل على العكس فهما لا ينفكان في ممارسة كل أساليب الخداع والعمل على فرض الوقائع، وتحشيد الدول البعيدة والقريبة من أجل إرغام الفلسطينيين على القبول في تقديم ما تبقى من عناوين قضيتهم على مقصلة تسوياتهم المشبوهة. وكأنما المطلوب رفع الراية البيضاء وإعلان الاستسلام. فالراعي الأميركي لهذه المفاوضات لا يترك مجالاً إلاّ ويعمل فيها على فرض المزيد من محاصرة وحصار السلطة التي لا حول لها من قوة، وهو من صنع يديها وسلوكها السياسي. و «الإسرائيلي» الذي يتكامل مع الأميركي في فرض التهويد والاستيطان والقتل والاعتقال والاستباحة لكل المحرمات فوق الأرض الفلسطينية وما في باطنها.
هذا ما ذهب إليه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير السيد حنا عميرة في تصريحات لإحدى الصحف قائلاً «القيادة الفلسطينية تتعرض لضغوط هائلة تمارسها واشنطن لتسويق أفكار كيري بشأن التسوية السياسية كخطة سلام أميركية «وأضاف» هناك مخاوف فلسطينية بأن تنجح الإدارة الأميركية في فرض خطة سلام على الفلسطينيين في هذه المرحلة في ظل انشغال الدول العربية الرئيسة مثل مصر وسوريا بأوضاعها الداخلية، تأتي لصالح «الإسرائيليين«، لأن القيادة الفلسطينية تدرك تماما بأن الموقف الأميركي موقف منحاز «وتابع عميرة« أن أفكار كيري للتسوية السياسية تشير إلى أن هناك قرارا أميركيا بتعويض «إسرائيل» على حساب الملف الفلسطيني مقابل توقيع الدول العظمى اتفاقاً مع إيران بشأن برنامجها النووي، مشيراً إلى أن واشنطن تحاول أن تضغط على القيادة الفلسطينية والجانب الفلسطيني للقبول بما لا يمكن القبول به، وبالتالي تحاول تعويض نتنياهو عن الاتفاق مع إيران «
وأشار حنا عميرة« إلى أن الجانب الفلسطيني يطالب بشبكة أمان عربية ودولية لمواجهة الضغوط الكبيرة التي تمارس على الفلسطينيين حالياً، مشيراً إلى أن الضغوط التي يتعرض لها الجانب الفلسطيني من قبل الأميركيين تتعلق بمحاولة إجبار الفلسطينيين على التنازلات وتقديم تنازلات يتم بموجبها التخلي عن مجمل المشروع الوطني الفلسطيني «وشدد عميرة« على أن القيادة الفلسطينية تواجه ضغوطا كبيرة، وهي ما بين نارين إما القبول بأفكار كيري التي تنسف المشروع الوطني الفلسطيني أو رفض الأفكار الأميركية لتواجه حصاراً سياسياً ومالياً ودبلوماسياً والتضييق على الشعب الفلسطيني أكثر وأكثر«.
وأوضح أن كيري لا يطالب الفلسطينيين بالتوقيع على الأفكار التي قدمها بشأن قضايا الوضع النهائي للوصول لاتفاق سلام بالمنطقة، بل يريد التسليم بها كخطة سلام»، وقال في ختام تصريحاته « إن الأفكار التي قدمها كيري لم يطلب الموافقة أو التوقيع عليها، هو يريد أن يعتمدها كخارطة أو دليل من أجل مواصلة المفاوضات على أساسها، مضيفا أعتقد بأن الهدف الرئيسي من هذه الأفكار هو تمديد المفاوضات، أو إيجاد حجة من أجل تمديد المفاوضات. يعني ليس هناك في الأفق أية حلول عملية أو أفكار يمكن تطبيقها وتكون مقبولة على الجانب الفلسطيني». ويكمل أحمد قريع ما بدأه حنا عميرة حول المفاوضات. حيث قال قريع في تصريحات له «بأن وضع المفاوضات صعب، وأنا قلق، لأنه بنهاية الأمر الأميركي أكثر قرباً لإسرائيل».
وتابع: «الآن يقال بأن كيري يريد أن يقدم ورقة ولا يطلب من الفلسطيني أو الإسرائيلي أن يوافق عليها، ولكن إذا قدمت هذه الورقة على نتيجة هذا التداول والمفاوضات ستكون هي مرجعية للسلام، وهذا التفاف من قبل واشنطن على مرجعيات عملية السلام على أساس حدود عام 1967، وأنا أقول بأنه التفاف على الشرعية الدولية بصوت مرتفع، وأي مرجعية جديدة للسلام سيكون فيها تنازل جديد، وبالتالي هذه قضية في منتهى الخطورة». وختم بالقول «الكرة في ملعبنا نحن أصحاب القضية ونحن الذين نحدد نريد أو لا نريد».
إذا كان هذا حال المفاوضات والشكوى والقلق والخوف منها ومن نتائجها الكارثية على القضية الوطنية. وهذه حال ما يسمى بالشريك «الإسرائيلي» في هذه المفاوضات وممارساته العدوانية الإجرامية. وبالتالي ليس الحديث عن الراعي الأميركي بأفضل عن الحديث عن «الإسرائيلي» في الشكوى والتوجس من سلوكه وما يمارسه من ضغوط وابتزاز رخيص في مواجهة الفلسطينيين.
من حقنا وحق الشعب الفلسطيني أن يتوجه بالسؤال المباشر إلى رئيس السلطة، ومفاوضي منظمة التحرير. لماذا هذا الإصرار في الاستمرار في هكذا مفاوضات محكومة بنتائج من شأنها تصفية لقضية الشعب الفلسطيني؟. وبالتالي ألاّ يكفي رئيس السلطة هذا الإجماع الواسع على أن المفاوضات لا جدوى منها سوى تقديم المزيد من الوقت لكيان الاحتلال «الإسرائيلي« في التوغل قدماً نحو فرض وقائعه على حساب الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية. ما يدفع السيد أبو مازن إلى التراجع والتوقف لإنقاذ هذه الحقوق وهذه الثوابت. والمثل الشعبي يقول "إذا جن ربعك، عقلك لا يفيدك". فكيف إذا كان ربعنا عاقلاً ومدركاً لعدالة قضيته وقدم في سبيلها الغالي والرخيص على مدار 65 عاماً.
وشحة زيتونة فلسطين
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
لا تكترث "إسرائيل" بما يدوّخ العرب من كلام فراغي مغبر. لا تنشغل في الخطط الدبلوماسية والاقتراحات التسووية، حتى لو صدرت عن أوثق حلفائها . ليست لديها مواعيد مقدّسة حين يتعلق الأمر بالعرب . "إسرائيل" لا تضيّع وقتها ولا تبذل في الحديث عن السلام أية ثانية، لكنّها تطرب وهي تسمع سياسيينا ومثقفينا ومفتينا يتحدثون عن السلام معها . تقول في نفسها: دعهم يقتتلون وينقسمون ويثرثرون . إنهم يعودون إلى جدلية ما قبل ألف عام لتشغل وقتها في التخطيط للاستيطان والتهويد وزرع الجواسيس في بلاد العرب والأجانب .
عندما استعر الجدل الفلسطيني حول المواعيد والجداول والمهل الزمنية للمفاوضات مع "إسرائيل"، كانت هي ترسل قواها الخاصة لاغتيال الشاب معتز وشحة في بلدته الوادعة بيرزيت . من قال لها إنه هناك؟ هي تحرص دائماً على تجنيد كل شخص حدّد لنفسه تسعيرة للبيع، ليصبح عميلاً لها . حشدت قوات من جيشها تكفي لإعادة الرئيس الأوكراني إلى قصره في كييف، من أجل محاصرة مقاتل واحد في منزل صغير في بلدته، فيها من الزيتون ما يفوق مخزون الحقد في قلوب صهيونية سوداء .
وسائل إعلام "إسرائيل" تسير في خط مواز ومتآلف مع صواريخها وقذائفها ورصاصها وجرافات استيطانها . وظيفتها تبريد الجريمة قبل وقوعها وبعده، وبين الحين والآخر، افتعال مناسبة لنقد حكومة الكيان، على سبيل التجميل ولزوم الخدعة الديمقراطية . هذه الوسائل الإعلامية روجت للجريمة أولاً على أنها "مبررة" حيث استهدفت من أسمته "إرهابياً" وهي تهمة توازي وسام الشرف حين يتعلق الأمر بمقاومة أحقر احتلال في التاريخ، وثانياً باعتبار هذه الجريمة التي طالت معتز وشحة، المناضل المطلوب لأجهزتها المتوحّشة، بمثابة انتصار لقوة من جيشها تسلّلت الى البلدة في توقيت سرّبه لها عملاؤها .
لن يسأل "الإسرائيليون" عن البطلولة المتوهمة والانتصار المزعوم بين جيش مدجج بالصواريخ، ومقاتل وحيد في منزل عادي وليس ثكنة عسكرية . هي معنية أن ترمّم سمعتها العسكرية التي تمرَّغت في وحل الهزائم والإخفاقات في السنوات الأخيرة، لذلك توجّه أدواتها الإعلاميّة وكتّابها، سواء كانوا من الصهاينة الأصليين أو من كتاب عرب لبسوا ثوبها القذر . ومع ذلك سيضطر بعض كتّابها من غير العملاء الدخلاء عليها، أن يعترفوا بأن البطولة الحقيقية في رواية بيرزيت الدامية، يستحق حمل وسامها معتز وشحة الذي رفض الاستسلام وتسليم نفسه للجيش الصهيوني، بل قرّر المواجهة معه حتى الاستشهاد . أما "بطولة" نتنياهو وجيشه وأجهزته فهي مزعومة وتثير السخرية بقدر ما تفجّر من غضب مقدّس على هذا الكيان المتوحّش .
ليست هذه نهاية القصة التي بدأت باغتصاب فلسطين ولن تنتهي إلا بنهايته، وهذه النهاية لن تأتي لا على يد مفاوض فلسطيني من الدرجة العاشرة، ولا مسؤول أمريكي تلقى خبرته الدبلوماسية في فيتنام، وخزّن في ذاكرته آخر صورة للسفير المنتشل بالمروحية من على سطح السفارة . لكن ملحمة معتز وشحة فقد بدأها باسمه، فهو المعتز بفكره العلمي المقاوم، وهو الموشّح بالمجد الرفضوي المتجذّر في أرض روتها أمطار كانون الأول بعد موجة الاغتصاب الثانية لفلسطين عام 67 . وليبق معتز زيتونة بيرزيت، وزهرة النيران في أرض الجليل، ووشاح فلسطين جيلاً بعد جيل .
عن القدس و"الصراع الديني"
محمد عبيد-الخليج الإمارتية
التصعيد الخطير الذي ينتهجه كيان الاحتلال والعنصرية والتوسع "الإسرائيلي" تجاه مدينة القدس، وتواصل حملات التهويد والتدنيس، ومحاولات التطهير العرقي وإفراغ المدينة من سكانها الأصليين، عبر سياسات الاقتلاع والتضييق والملاحقة وهدم المنازل، وتكثيف الاستيطان، وتوكيل جماعات متطرفة والتصرف بأجزاء كبيرة من أراضي المدينة، تؤكد أن "إسرائيل" ليست جادة وحسب في جعلها "عاصمة موحدة" كما تقول ل"دولتها اليهودية"، بل أيضاً أن المشروع يتخطى ذلك إلى محاولة تحويل مسار القضية الفلسطينية ككل، وفرض صيغة مغايرة للصراع التاريخي .
أطراف فلسطينية وعربية وإسلامية كثيرة حذرت من أن الاحتلال يعمل على تحويل مسار الصراع إلى "نزاع ديني"، لكن هذا التحذير لم يتمثل حقيقة أن الكيان المحتل يريد لهذا الصراع هذه الصفة، ويبحث منذ نشوئه على أرض فلسطين التاريخية عما يؤكد دعايته ويجعلها حقيقة واضحة على الأرض، وسواء كان من حذروا انجروا غافلين أو عالمين إلى الوقوع في هذا الفخ المنصوب بإحكام، فإن الأمر خطير جداً وينذر بكثير من التطورات السلبية على مسار القضية الفلسطينية .
الفلسطينيون كافحوا منذ البداية تلك المزاعم التي أرادت "إسرائيل" من خلالها أن تجعل القضية الفلسطينية مجرد "صراع" بين أتباع ديانتين، أحدهما يتحدث عن "ظلم تاريخي" والآخر يتهم بحرمان الأول من حقوقه، وفي هذا تجنٍ وتزوير للتاريخ، ومحاولة لتفريغ القضية الفلسطينية من بعدها الحقوقي والإنساني والتاريخي أيضاً .
ما تقوم به سلطات الاحتلال في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية يتعدى هذا الجانب، ويتخطى مسألة الشعائر الدينية والعبادات، إلى ما هو أخطر، والذي يتمثل في أن الكيان مصمم على نفي صفة الاحتلال الاستعماري التوسعي عن نفسه، ومصرّ على تحويل مجرى الصراع التاريخي إلى "خلاف ديني" .
لا ريب أن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وكل أرض فلسطين وما تضمه من تاريخ ومقدسات، هي العنصر المركزي في قضية ملايين العرب والمسلمين، لكن ذلك لا يغطي حقيقة الصراع، ولا يجب أن يسمح للكيان بأن ينجح في مخططه، ولا أن يجر العرب خاصة والمسلمين بشكل عام إلى هذه النقطة .
السياسة "الإسرائيلية" الحالية مكشوفة وواضحة وليست بحاجة إلى الغرق في تفسير عناصرها وتأويل التصريحات الصادرة عن صانعيها، فمنذ اليوم الأول الذي ابتدع فيه مصطلح "الدولة اليهودية"، ظهر بشكل واضح مسعى الاحتلال إلى العودة إلى نقطة البداية، مدفوعاً بحجم الشحن الديني والطائفي الذي تشهده المنطقة، وتغذيه القوى الكبرى التي وجدت في تعزيز النزعات والعصبيات الطائفية والمذهبية والدينية، وسيلة مجانية لتقسيم دول المنطقة وتمزيق نسيجها المجتمعي، وتحويلها إلى دويلات طائفية، ما يسمح بالتالي لنموذج "ديني" مزعوم ممثل بكيان الاحتلال والاستعمار أن يطالب بحقه في "الوجود" على هذا الأساس .
محاولة واضحة لتفريغ الصراع من مضمونه، وحرف قضية وحقوق الشعب الفلسطيني عن مسارها، ودعوة مفتوحة إلى تبني سياسة الاستعمار الحديث إلى البناء عليها، وإيقاع العرب والمسلمين والفلسطينيين في فخّها، وهذا ما يجب الالتفات إليه أولاً وأخيراً.
يا بني إسرائيل.. اعقلوا !!
زين العابدين الركابي-الشرق الأوسط
سلوك غلاة اليهود: يضطر الناس اضطرارا إلى مناوأته وتجريمه.
إن الأردن - مثلا - بلد قد «طبع» مع إسرائيل من خلال اتفاقية وادي عربة وغيرها.
فلماذا صدقت غالبية أعضاء البرلمان الأردني على طرد سفير إسرائيل من الأردن؟
السبب المباشر هو أن الكنيست الإسرائيلي يناقش «مشروع قانون» يقضي بنقل السيادة الدينية على القدس: من الأردن إلى إسرائيل!!
وهذه خطوة قد تقتضي «إعلان حرب»؛ لما فيها من استفزاز وانتهاك للسيادة الأردنية، بيد أننا لا نرى أن الأردن سيعلن هذه الحرب وذلك لأسباب معروفة، منها:
أ- أن الاستعداد للحرب ليس من أولوياته.
ب- أن العالم العربي، وهو الظهير الطبيعي للأردن في مثل هذه الظروف والمواقف، غير مكترث بمثل هذه الأمور الآن لما يعيشه من تخبطات وطنية، وتدابر قومي، وعمى استراتيجي مطبق.
ولكن لماذا تفعل إسرائيل هذه الأفاعيل؟
1- قد يكون الدافع هو استغلال حال «الميوعة» التي يعيشها الفلسطينيون والعرب.
2- قد يكون الدافع «قطف أعظم المكاسب» وضمها إلى ملف السلام الذي يتأبطه كيري، أي ضم قانون إسرائيلي، صادر عن الكنيست، تكون فيه السيادة على القدس قد انتقلت، قانونيا، إلى إسرائيل، بعد تجريد الأردن منها.
كل ذلك - وغيره - من الجائز أن يكون هو الدافع إلى هذه الخطوة الإسرائيلية.
ولكن بتوسيع الرؤية، ومدها إلى «التاريخ» يتبين أن غلاة اليهود يقترفون من الأخطاء ما يجر عليهم ما لا يطيقون من الشر والأذى.
ولنأخذ مثلا سلوكهم نحو القدس وفيه بحسبان أن المدخل إلى هذا المقال هو قضية القدس، والمسجد الأقصى.
وهذه بعض المثلات.
كانوا - في التاريخ القديم - في بيت المقدس فاقترفوا فيه من المفاسد والجرائم ما لا يطاق تصوره، فجاءهم نبيهم «إرميا» فنهاهم عما هم فيه، وحذرهم عواقبه فعصوه وكذبوه واتهموه بالجنون، وقيدوه وسجنوه، فمكثوا غير بعيد حتى جاءهم بختنصر الفارسي فجاس خلال الديار، فحرق ودمر وسبى، وحكمهم حكم الجاهلية والوثنية والجبروت بعد أن حرق التوراة.. ثم تكررت التجربة على يد الرومان.
ونحن مقتنعون بأن «هتلر» من أكابر المجرمين الطغاة في التاريخ البشري، ومن أشدهم شبقا للحرب وتعطشا للدماء، ومن أكثرهم إسرافا في الظلم والطغيان، ولكنه علل اضطهاده لليهود بأنهم كانوا وراء هزيمة ألمانيا وإذلالها في الحرب العالمية الأولى، ووراء الأزمة الاقتصادية التي ضربت ألمانيا في أواخر عشرينات القرن العشرين.. نعم. هناك خلاف فكري وسياسي حول تعليلات هتلر هذه.. ومهما يكن من أمر فنحن لا نسوغ ما فعله هتلر باليهود، فتسويغ الجرم جريمة.. يضم إلى ذلك أن نظرتنا إلى هذه المسألة هي نظرة حق وعدل وخلق إنساني، لا نظرة عنصرية تسوغ ما ينزل بالخصم من مظالم استنادا إلى عصبية عنصرية محضة، كما يفعل - مثلا - بعض غلاة القومية العربية.
فهل يقدم غلاة اليهود اليوم على إفساد جديد في القدس يؤدي إلى حرب إقليمية، وإلى صراع عالمي له أول وليس له آخر. ولا سيما أن قضية القدس مرتبطة بعقائد أتباع الديانتين السماويتين الكبريين: الإسلام والمسيحية؟
إن هذا الاحتمال لا يسقطه من الحساب إلا غافل عن التاريخ والواقع:
1- غافل عن التاريخ الذي يقول: إن أطول وأعتى حرب نشبت في التاريخ هي الحرب أو الحروب الصليبية، كما تسمى، وإن هذه الحروب قد سممت العلاقة بين المسلمين والغرب من قبل ولا تزال تسممها حتى اليوم، في هذه الصورة أو تلك.
2- غافل عن «الصحوات الدينية العالمية» التي تشهدها الحقبة الراهنة، بمعنى أن هذه الصحوات يمكن أن تكون وقودا ضخما ومناسبا ومستمرا لأي صراع ينشب حول القدس.
لعل قادة الصهيونية يقولون إن هذا العالم لا يستحيي وليس عنده ضمير، ولا مكان فيه لدموع الغزلان، ولو أننا استخدمنا التوسل واعتمدنا على العالم، لما أقمنا دولتنا، ولما أصبحنا أقوياء.. أما أن العالم لا يستحيي، وفاقد للضمير، ولا مكان فيه للضعفاء، فهذا صحيح.
ولكن غير الصحيح أن يتحول المظلوم إلى ظالم فادح الظلم.. ثم إن قوة الإقناع في تلك الحجة تتساوى مع خطورتها، فليس هناك ما يمنع الآخرين استخدام المنطق ذاته؛ فإسرائيل لا تدير الكون من دون الله سبحانه.. ونفي هذه الصفة عنها يعني أن ذلك المنطق متاح لكل أحد.
إن نقد الذات، والاعتبار بالتاريخ، والكف عن المشي في الطرق المهلكة، هو الضمان الوحيد لحياة بني إسرائيل، وليس الضمان هو الاستعلاء، وظلم «الأغيار»، وإثارة الحروب.
والحق أن العقلاء منهم قد صدعوا بالحقيقة التي ينبغي أن يبصرها ويتمثلها قادة إسرائيل.
من هؤلاء العقلاء إسرائيل شاحاك الذي ألَّف كتابا مهما بعنوان «وطأة 3000 عام: الديانة اليهودية وتاريخ اليهود».. ومما قاله في هذا الكتاب: «في رأيي أن إسرائيل كدولة يهودية تشكل خطرا ليس على نفسها وسكانها فحسب، بل على اليهود كافة وعلى الشعوب والدول الأخرى جميعا في الشرق الأوسط وما وراءه.. لا يمكننا أن نفهم حتى ولا مفهوم إسرائيل كدولة يهودية من دون بحث المواقف اليهودية السائدة تجاه غير اليهود. والتصور الخاطئ الشائع بأن إسرائيل ديمقراطية حقيقية حتى من دون أن نراعي حكمها في المناطق المحتلة هو تصور ناشئ عن رفض مواجهة المغزى في مصطلح (الدولة اليهودية) بالنسبة إلى غير اليهود.. ولا يتمتع مواطنو إسرائيل من غير اليهود بحق المساواة أمام القانون.. إن الخطر الرئيس الذي تشكله إسرائيل كدولة يهودية على شعبها واليهود الآخرين وجيرانها هو سعيها بالدافع الآيديولوجي إلى التوسع الإقليمي وسلسلة الحروب المحتومة، الناتجة عن هذا الهدف، فكلما أصبحت إسرائيل أكثر يهودية، أصبحت سياستها تسترشد بالاعتبارات الآيديولوجية».
وبإدارة سياق الموضوع إلى زاوية أخرى نقول: إن القدس قضية «فوق وطنية وفوق إقليمية»، أي أنها قضية «عالمية»، إسلامية ومسيحية.
ولسنا ندري ما الذي سيفعله مسيحيو العالم؟ ولكنا بالنسبة للمسلمين نسأل:
أين العالم الإسلامي؟
أين منظمة التعاون الإسلامي؟
أين جامعة الدول العربية؟
أين علماء الإسلام ودعاته؟
هل يسكتون حتى تزداد إسرائيل فجورا في القدس، وحتى ينشب الصراع الدامي حوله فتكون فتنة عالمية لا قبل لهم بردها ولا احتوائها، ولا إطفاء نيرانها؟
وداعاً للحرب مع إسرائيل؟
حازم صاغية –الحياة اللندنية
أن لا تعلن إسرائيل عن غارة عسكرية أغارتها جواً على «حزب الله»، فهذا ليس مستغرباً، ذاك أن الإنجاز بالنسبة إلى الدولة العبرية يتقدم على الإعلان. ولضمان أن يبقى الإنجاز متقدماً، يناقش الإسرائيليون كل حرف يصدر عن خصومهم، ويضعون كل الفرضيات ويعملون بموجبها كي لا يتأذى مواطن من مواطنيهم، وكي يبقى الإنجاز أولاً. أما ألا يعلن «حزب الله» عن الغارة إلا متأخراً وبشكل مقتضب، فلا يحاول استخدامها لتوكيد استمرار الحرب بينه وبين إسرائيل، ولا يجد فيها فرصة جديدة للتذكير بمظلوميته حيال عدو صلف، فهذا ما يدعو إلى الاستغراب. يفاقم الاستغرابَ هذا أن الحزب ينتسب إلى ثقافة تمنح الأولوية للإعلان على الإنجاز، إلى الحد الذي يغدو الإعلان نفسه إنجازاً.
لقد كان في وسع الحزب أن يقتنص فرصة ضربه، جرياً على تقليد عريق، فيذكرنا مجدداً بأنه الضحية وأن عدوه الجلاد، وبأن حربه في سورية لم تُلهِ إسرائيل عنه لأنها لم تُلهِه عن فلسطين. وهكذا ينساب الاستنتاج المنطقي: إذاً المعركة واحدة ضد الإسرائيليين وضد التكفيريين في سورية.
فوق هذا، فالحزب الذي اعترف بالعملية اعترافاً مقتضباً ومتأخراً، وعد بالرد «في المكان والزمان المناسبين». ومن يعرف معنى العبارة التي اختُبرت ألف مرة من قبل، يعرف أن الحزب لن يرد إلا على نحو يتيح التملص من «الرد».
العصافير التي في يده تُركت إذاً حرة طليقة. تم التركيز فقط على العصفور الذي في الشجرة: إن إسرائيل التي تناقش البيان وتفكر في احتمالاته «مصابة بالذعر والهلع»!
أغلب الظن أن ما حدث قبل أيام في مكان ما على الحدود السورية– اللبنانية غير المرسّمة، خطوةٌ متقدمة على طريق الانسحاب من الحرب مع إسرائيل، وهو انسحاب بدأ مع صدور القرار الأممي 1701، بعد حرب 2006، مقفلاً جبهة الجنوب ومساوياً بينها وبين جبهة الجولان السورية- الإسرائيلية.
ومنعاً لأي التباس، فإن ذاك الانسحاب خطوة إيجابية محمودة. ما ليس كذلك هو الاستغراق في حرب أخرى هي تلك الدائرة في سورية. بهذه الأخيرة يعبر بنا حزب كـ «حزب الله»، مُقدرٌ عليه العيش في الحروب واستحالة العيش بلا حروب، مرحلة انتقالية تستحق التأمل والتفكير،
ذاك أن ظهور هذا الحزب مسبوقاً بقيام النظام الخميني في إيران، تلازم مع ضمور المقاومة الفلسطينية التي قوضها اجتياح إسرائيل للبنان في 1982. آنذاك مثلت مقاومته الناشئة ظاهرة استبدالية حل فيها الشيعي محل السني، واللبناني محل الفلسطيني، والإيراني محل الدول العربية.
والاستبدال هذا خدم وظائف عدة، بينها توفير غطاء عربي لإيران في حرب الثمانينات بينها وبين العراق، ثم توفير جسر لها إلى المشرق، وتكريس الهيمنة السورية على الموضوع الفلسطيني– الإسرائيلي بإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وتصفية حلفائها اللبنانيين. في هذا تصرَّفَ «حزب الله»، ومن ورائه طهران، تصرُّفَ المزايد في الشأن المسمى قومياً، والمصطبغ تقليدياً بالأكثرية السنية.
أما الآن، فبات هذا الميل الاستبدالي يفتقر إلى الحاجة إليه، ذاك أن انفجار الطوائف وعري حروبها حاصرا مساعي التزوير الأيديولوجي، فيما «العرب» لم تعد لديهم «قضية قومية أولى» أصلاً. وفي المعنى هذا، بات من يكسب على الجبهة تلك لا يكسب شيئاً يُعتد به، فكيف وأن النظامين الراعيين للحزب تغيرت ظروفهما واعتباراتهما: فالنظام السوري أضحى يخوض معركة وجوده ذاته، ما ضيق مساحاته السابقة في امتهان القومية والعروبة وفلسطين وتسليعها. أما النظام الإيراني، المعني بتحسين موقعه التفاوضي حيال الغرب، فبات مهتماً بورقته السورية التي قد تخدم التفاوض بقدر عنايته بالتنصل من الورقة الفلسطينية التي لا تخدمه.
وهكذا، إذا كان ما حققه القرار 1701 هو أن الحزب لم يعد يؤذي إسرائيل، فإننا الآن نشهد على صمته عن إيذاء إسرائيل له. وتقليد جبهة الجولان من خلال 1701 لا يكتمل بغير نسخ عبارة «في المكان والزمان المناسبين».
نحن وإسـرائيل في ملفات المياه والطاقة
باتر محمد علي وردم (http://www.addustour.com/columnist/45/)-الدستور الأردنية
تبدو العلاقات الرسمية بين الأردن وإسرائيل في مسار متجه نحو التصادم والتصعيد. لا يتعلق الأمر فقط بالغموض الكبير في المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية ودعم الحكومة الإسرائيلية لتوصيات ومطالب تهدد مصالح الأردن الاستراتيجية بل امتد إلى مجالس النواب في الطرفين. في الكنيست الإسرائيلي هنالك حديث عن مناقشة رعاية الهاشميين للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، وفي مجلس النواب الأردني مفاجأة بطلب من أغلبية النواب طرد السفير الإسرائيلي من الأردن وإعادة السفير الأردني من تل أبيب وهي تعد عبئا كبيرا ألقي على ظهر الحكومة ولا نعرف كيف تستجيب له.
المشكلة أن هذا الصراع السياسي الصامت بين الأردن وإسرائيل يحدث في وقت باتت فيه ملفات استراتيجية في الأردن مثل المياه والطاقة مرتبطة بإسرائيل وباتفاقيات ثنائية تتطلب المزيد من التجانس السياسي. يمر الأردن الآن باسوأ فترة جفاف مرت عليه منذ عقود، ومع تفاقم ظاهرة تغير المناخ فإن هذا الوضع من المتوقع أن يصبح هو القاعدة لا الاستثناء. لحسن الحظ بالنسبة لسكان عمان والمحافظات الوسطى فإن الانتهاء من مشروع الديسي سيوفر مياه الشرب لهذه المناطق ولكن الحال ليس كذلك في محافظات الشمال التي تعاني من تراجع مصادر المياه الجوفية وتزايد الطلب نتيجة اللاجئين ما يجعل كمية 50 مليون متر مكعب تم الاتفاق على شراءها من إسرائيل بعد سنوات مقابل ضد 50 مليون متر مكعب محلاة من العقبة أحد الخيارات المهمة لإنقاذ محافظات الشمال من العطش.
في مجال الطاقة بدأت شركة البوتاس بكسر الحاجز النفسي واستيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل عبر شركة طاقة أميركية وذلك بعد انقطاع الغاز المصري منذ سنتين. شركة البوتاس كانت قد استثمرت الملايين لإنشاء بنية تحتية تعتمد على الغاز الطبيعي وخسرت الملايين ايضا في شراء الوقود النفطي بديلا عنه ما أدى إلى خسائر في الإنتاج وإضعاف قدرتها على المنافسة وهذا ما وضعها في خطر وجودي بدون مصدر سريع للغاز الطبيعي.
بالطبع سيغضب الرافضون للتطبيع خاصة نقابة المهندسين، ولكن -للأسف- فإن النقابة العتيدة التي تضم عشرات الآلاف من المهندسين المهرة والموارد المالية الهائلة لم تقم بأي دور في تطوير مصادر طاقة ومياه داخلية تغنينا عن الحاجة للتعامل مع إسرائيل. لو كان مجلس النقابة هو المسؤول عن شركة البوتاس فكيف يمكنه حل المشكلة الكبرى وحماية الشركة من التراجع وفقدان القدرة التنافسية وبالتالي ايضا تسريح الموظفين؟
مشاكل المياه والطاقة في الأردن عميقة وقديمة ولكن الربيع العربي ساهم في تفاقمها وخاصة استقبال 600 ألف لاجئ سوري بكل ما يحتاجونه من خدمات وسبل معيشة، وكذلك انقطاع الغاز المصري. مواجهة هذه التحديات تتطلب الكثير من الموارد المالية وتعبئة الجهود الوطنية ويجب أن تكون للنقابات المهنية كبيوت خبرة أدوار فعالة وليس مجرد انتقاد التعامل مع إسرائيل. لا أحد يود أن يلجأ للخيار الإسرائيلي ولكن في نهاية الأمر هنالك تحديات لا توجد لها حلول محلية فقط. كنا نتمنى لو كان الغاز المصري يتدفق بشكل مستمر بحسب الاتفاقية، وكنا نتمنى لو بقيت سوريا هادئة والتزمت الحكومة السورية باتفاقية المياه مع الأردن، ولكن لا يمكن بناء السياسات على التمنيات بل على الواقع.
«داعش» والأقليات
عريب الرنتاوي-الدستور الأردني
تقدم “داعش” نموذجها الخاص لمعالجة قضية “الأقليات غير المسلمة في المجتمعات المسلمة ... ففي “إمارة الرقة”، نواة الخلافة التي تعد بها “الدولة”، جرى فرض الجزية على مسيحيي البلاد وسكانها الأصليين، مُنع عليهم ترميم أو إعمار كنائسهم المهدمة، دع عنك بناء بيوت جديدة للعبادة، طُلب إليهم عدم الجهر بصلواتهم والاكتفاء بأداء شعائرهم بصمت داخل الكنيسة... فُرض عليهم التقيد بالزي “الداعشي” وعدم ارتداء أو إظهار ما يشير إلى مسيحيتهم ... طُلب إليهم عدم اقتناء السلاح حتى للدفاع عن النفس، فقد منحتهم “الدولة” الأمن والأمان.
أما عن الجزية، فهي تبدأ بسبعة عشر غراماً من الذهب لأغنيائهم، ونصف المبلغ للطبقة الوسطى، وربعها للفقراء والمعدمين من مسيحيي المنطقة ... هذا هو “الحل الإسلامي” لقضية المسيحيين، من منظور “داعش” ومن ينتمي إلى مدرستها في الفكر والثقافة والإيديولوجيا والتفكير ... وهو حل محرج لكل الحركات الإسلامية، بل وكان محرجاً لرجل مثل أبو قتادة، المعروف برعايته الروحية والفكرية لتيار السلفية الجهادية.
نعلم أن كثيرين لا يوافقون “داعش” على ما تقول وتفعل ... نعرف أن البعض تبرأ من سلوكياتها وغلوها وتشددها ... ولكننا نعلم أيضاً، أن كتّاباً وسياسيين محسوبين على حركات إسلامية عديدة، من بينها الإخوان المسلمين، ما زالوا حتى اليوم، ينظرون لـ “داعش” بوصفها “انزلاقاً طارئاً” عن الطريق القويم، يمكن تصحيحه بالكلمة والموعظة الحسنة، لا بل أن بعضهم ما انفك يوجه النداء تلو النداء، لنبذ الشقاق والخلاف، وجمع الكلمة والشمل، للتفرغ لمنازلة “المجرم الأكبر” بشار الأسد ... رأينا عبرات وحسرات يذرفها كتاب، منهم “إخوانيون” على الدم المراق في الصراع بين “داعش” و”النصرة”، باعتباره اقتتالاً داخل البيت الواحد، وجرحاً نازفاً من الجسد الواحد.
ليس أبو قتادة وحده، من ناشد الأفرقاء تجنب الفرقة والفتنة بين “الجهاديين” من نصرة و”دولة”، هناك قوى تدّعي احتسابها على خط الإسلام “المعتدل” من انضم إلى ركب السجين الأردني الأشهر، بدل التصدي لهذه الأفكار المنحرفة والمفرطة في غلوها وتطرفها.
لم ينبرِ أي من هؤلاء ليقول لنا ما قوله في موضوع الجزية، هل المشكلة في اختيار التوقيت الخطأ والمكان غير المناسب ... هل السبب في رفض بعض أفكار “داعش” وسلوكياتها، أنها تأتي قبل أوانها .... هل الخشية من انتصار النظام وقواته هي دافع هؤلاء لإجازة التعاون مع “الكفار” “والمرتدين” ... هل هناك توقيت مناسب لفعل ما تفعله “داعش” اليوم، ماذا إذا سقط النظام، هل نُعمِل “حدّ الردّة” بالائتلاف والمعارضة العلمانية وغير “السلفيين”؟ ... هل نفرض الجزية على أهل الكتاب والذمة؟ ... وماذا عن الذين لا كتاب لهم، وهم في عرف “داعش” وأخواتها، مشركين وكفار ومرتدين، من “نصيريين” و”دروز” و”روافض”، ماذا نفعل بكل هؤلاء، ومتى؟
أبو محمد الجولاني، الرجل الذي يجري تقديمه وتنظيم “النصرة” الذي يقف على رأسه، بوصفه جزءاً من معسكر المعارضة المعتدلة، كفّر “الائتلاف” و”المجلس العسكري”، وهو في هذا لم يفترق عن أبي بكر البغدادي ولا “داعش”، لم نسمع لأحدٍ من هؤلاء الذي يأخذون على البغدادي غلوه وتطرفه، كلمة واحدة تنتقد تصريحات الجولاني، أو على الأقل، يبادله النصيحة والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة.
خلاصة القول، إن التجربة السورية تقدم نموذجاً إضافياً لحالة انعدام الفواصل والتخوم بين خطاب العديد من الحركات الإسلامية، ففي مصر مثلا، نسمع خطاباً تبريرياً للعنف والإرهاب بدعوى الانقلاب، وبعضهم قال إن العودة عن الانقلاب قمين بإنهاء الإرهاب في ظرف 24 ساعة، وفي سوريا، بحجة “التوحد في مواجهة الأسد” يجري الصمت والتواطؤ، بل والتعاون والتنسيق مع حركات تحمل لمستقبل سوريا من الأخطار والتهديدات، ما لم يأت بمثلها، نظام الأسد الأب والابن ... وفي العراق، يجري تعويم خطاب “داعش” وسلوكها على سطح المطالب المشروعة لأبناء الأنبار والمحافظات الغربية، ومن دون محاولة لتحديد الفواصل والتخوم، ما ينعكس وبالاً على مصالح البلاد والعباد، ويعزز الانطباع بأن المسافات بين مختلف مدارس الإسلام السياسي، ما زالت هلامية ومتداخلة، وقابله دوماً لإعادة الترسيم والتحديد.
‘فتوحات’ داعش… و’حرية’ الجزية وقطع الرؤوس
رأي القدس العربي
اصبحت ‘فتوحات’ مايعرف بـ’الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام’ او ‘داعش’، تتصدر الاخبار في سوريا، مع اكتشاف مقابر جماعية في مناطق نفوذها في ريف حلب الشمالي، وكذلك اعلانها فرض ‘الجزية’ على ‘النصارى’ في محافظة الرقة، ناهيك عن البدء في تطبيق ‘الشريعة الاسلامية’ بقطع يد شخص اعتبرته ‘لصا’، ثم اعلانها المسؤولية عن قصف لبنان بالصواريخ.
وحسب الاحصائيات فان عدد المسيحيين او ‘النصارى’ حسب بيان داعش، لا يتجاوز الواحد في المئة اصلا من سكان الرقة البالغ عددهم نحو ثلاثمئة الف نسمة. ويقول البعض انهم كانوا نزحوا فعلا من المحافظة مع استيلاء تلك الجماعة الارهابية عليها.
وهكذا يبدو ان هدف داعش من الاعلان عن فرض الجزية هو اعلامي بحت، سعيا الى اعطاء صورة زائفة عن قوتها، وهو ما يتضح من خطابها الذي يتسم بالمبالغة، كما جاء في بيانها الجمعة حول مهاجمة لبنان ‘أسود الدولة الإسلامية قاموا بدك معاقل حزب الشيطان (حزب الله) بثلاثة صواريخ من نوع غراد على منطقة بريتال’.
وهومعنى يؤكده الاصولي المتشدد ابو قتادة في تصريحه الذي قال فيه ان ‘الجزية التي فرضت على اهالي بعض المناطق المسيحية في سوريا لا تجوز′، موضحا ان ‘الجزية عقد والمجاهدون لا يستطيعون حماية اعراض المسيحيين لانهم غير متمكنين فهم في حالة قتال’.
واعتبر ابو قتادة ان افكار الدولة الاسلامية في العراق والشام ‘منحرفة وفيها غلو حيث انها تستخدم العبارات الشرعية في غير موضعها كما هو حال اهل البدع′.
فاذا كانت داعش ‘منحرفة’ بالنسبة لأبي قتادة، فكيف يمكن وصفها من وجهة نظر الاسلام الوسطي المعتدل؟
وما يمكن فهمه من تصريحه ان الجزية واجبة او جائزة في حال ان داعش قادرة على ‘حماية اعراض المسيحيين’.
اما مقدار الجزية الذي فرضته داعش فهو 13 غراما من الذهب، وسيكون من ‘الشيق’ معرفة الاسس الشرعية التي استندوا عليها في تحديده، بل وفي فرضها اصلا مع اجماع جمهور العلماء على ان الجزية سقطت، بانتهاء المعطيات التي بررت فرضها.
ومن الاسئلة البديهية والمشروعة التي يمكن ان تثيرها هذه المأساة الملهاة (الداعشية)، لماذا لا يدفع الاسلاميون المتشددون الذين يقيمون في كنف الغرب المسيحي وحمايته ‘الجزية’ للحكومات هناك، بدلا من ان يقبضوا منها اعانات اسبوعية بمئات الدولارات لمواجهة اعباء المعيشة ورعاية اطفالهم ناهيك عن دفع ايجارات البيوت الفخمة التي توفرها لهم؟
ان اعلان داعش الاخير عن تطبيق ما تزعم انه شريعة الاسلام ليس سوى توسيع للحرب التي تشنها ضد الشعب السوري بل والانسانية جمعاء لتكون حربا ضد الاسلام نفسه.
بل ان ما ترتكبه داعش في يوم واحد من قطع للرؤوس والاطراف واضطهاد لغير المسلمين بغير حق، لهو اكثر اساءة للاسلام من كل ما صدر عن بعض السفهاء في الغرب من رسومات او فيديوهات مسيئة للدين الحنيف او لرسوله الكريم طوال السنوات الماضية.
واذا كان هناك من يريد ان يعرف الاسباب الحقيقية لتصاعد ما يسمى بـ’الاسلاموفوبيا’ حول العالم، فانه مدعو ان ينظر الى داعش و’فتوحاتها’ او الخشبة في عيوننا قبل القذى الذي في عيون الاخرين.
ومن المثير للاسى ان داعش ترتكب جرائمها تحت عنوان ‘الحرية لسوريا’ التي هي منها براء.
فهل يمكن ان تشرق شمس الحرية على سوريا حقا من براثن هذا الثقب الاسود الذي لا يعرف الا خطاب الكراهية ونهج الطائفية ورائحة الدم.
ام ان داعش وغيرها من التنظيمات التكفيرية مثل ‘انصار الشريعة’ و’انصار بيت المقدس′ ليست سوى اسماء متعددة لمرض واحد اصبح ينتشر كالسرطان في اوصال العالم العربي والاسلامي واتجاهاته الاربعة؟
هل يمكن ان تتقدم امة فعلا، وما زال فيها امثال (داعش)، من يقتل الناس بدم بارد لمجرد انهم مختلفون عنه في العقيدة كما حدث مع الاقباط السبعة في ليبيا مؤخرا؟
اي طائفية واي عنصرية واي همجية تعجز امامها الكلمات!
ولا عجب ان النظام السوري لا يبدو منزعجا او متعجلا في القضاء على داعش واخواتها من ادوات الارهاب، حيث انها تقدم له خدمات جليلة باقناع كثيرين انه يبقى الخيار الافضل رغم كل جرائمه.
وكأن قدر الشعب السوري ان يكون اما ضحية لارهاب ‘علماني’ باسم الوطنية او ضحية لارهاب ‘ايديولوجي’ باسم الدين.
ان الطريق الى المستقبل سواء في سوريا او العالم الاسلامي غير ممكن الا عبر تجاوز هذا ‘السرطان الارهابي’ الذي يعربد في جسد الامة ضاربا عرض الحائط بكافة القيم الاسلامية بل والانسانية ايضا.
اما الشعب السوري الذي عاني في سكونه، ويعاني اليوم بعد ثورته، فانه يستحق مستقبلا بلا ارهاب مهما كان لون الراية التي يحملها.
لمن يقرع الرئيس بوتين أجراس الحرب؟
سليم نصار (http://alhayat.com/Opinion/salem-nassar.aspx)–الحياة اللندنية
مطلع الشهر الماضي، وصلت إلى القاعدة الأميركية - الإسبانية المشتركة «روتا»، السفينة الحربية الأولى المسجلة ضمن منظومة الدرع الصاروخية. واتصلت موسكو بمدريد لتسألها عن الهدف من استقبال سفينة حربية أميركية، الأمر الذي ينزع عن إسبانيا صفة الدولة المحايدة.
جواب مدريد أكد مصادقتها عام 2011 على استقبال منظومة الدرع الصاروخية في قاعدة «روتا» الواقعة عند المدخل الغربي لمضيق جبل طارق، ثم أبلغتها أن البنتاغون سينشر أربع مدمرات بهدف حماية سلامة أوروبا الغربية، إضافة إلى الفضاء الأميركي. وادَّعت مدريد أن صواريخ المدمرات معدة لاعتراض صواريخ إيران وكوريا الشمالية.
ولم تقتنع موسكو بهذا التفسير، لأن الاتفاق النووي حول المشروع الإيراني يفرض على واشنطن تجميد نشاط منظومة الدرع الصاروخية. ولما أنكرت واشنطن هذا الالتزام، سارعت موسكو إلى إعلان نيتها نشر سفنها الحربية في البحر الأبيض المتوسط، بغية التصدي لمنظومة الدرع الصاروخية الغربية. وقد أتبعت تهديدها بإرسال سفينة «بطرس الأكبر» إلى المياه الدولية قبالة مضيق جبل طارق. وهي تُعَد أكبر سفينة حربية في العالم مزودة صواريخ نووية.
ولم تكتفِ روسيا بهذا المقدار من التحدي، بل أعربت عن استعدادها لمواجهة ظروف الحرب الباردة التي شنتها ضدها الولايات المتحدة بالتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي.
ويُستَدَل من طبيعة حملات الاعتراض الروسية، على أن موسكو متضايقة من نشر الدرع الصاروخية الأميركية في عدد من الدول الأوروبية مثل رومانيا وبولندا. لهذا السبب، هدد الرئيس فلاديمير بوتين بالانسحاب من اتفاق الحد من ترسانة الأسلحة الاستراتيجية في حال استمرت هذه العمليات الاستفزازية.
وقد برّر وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل موقف بلاده بالقول: «إن شبكة الدفاع المضادة للصواريخ في أوروبا هي في مثابة رد وقائي على التهديد الذي تمثله الصواريخ الباليستية الإيرانية».
شكوك موسكو حيال عمليات التطويق والتهديد تذهب في الاعتراض إلى أبعد من ذلك بكثير. وهي تزعم أن واشنطن استغلت انشغالها في أولمبياد سوتشي الشتوي، كي تحرِّض المعارضة في كييف على التمرد ضد حليفها الرئيس فيكتور يانوكوفيتش.
والثابت أن الرئيس بوتين وجد في الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش الحليف الذي يركن إلى قدرته الشخصية، من أجل إبعاد البلاد عن أجواء الثورة البرتقالية (2004).
وترى موسكو في تلك الثورة مزيداً من التحريض الخارجي بهدف فصل شرق أوكرانيا عن غربها. أي فصل الجزء الأوراسي، صاحب التقاليد الروسية والتبعية الثقافية... عن الجزء المتاخم لبولندا ورومانيا الذي يميل إلى ربط البلاد بدول التحالف الأوروبي وفضاء الولايات المتحدة.
وسبق لبوتين أن خاض معركة شرسة ضد جورجيا لمنع التحاقها بالتحالف الأطلسي، والحؤول دون سقوطها في أحضان الدول الغربية.
لهذا السبب وسواه، قامت موسكو بخطوة غير مسبوقة تجاه كييف، عندما حررتها من التزامات قرض صندوق النقد الدولي، وذلك عبر اتفاق تعهدت فيه بشراء سندات حكومية أوكرانية بقيمة 15 بليون دولار، إضافة إلى هذه التسهيلات الاقتصادية، فقد أعلنت شركة «نفط - غاز» الأوكرانية بأنها وقعت بروتوكولاً مع شركة «غاز بروم» يقضي بتخفيف سعر الغاز الطبيعي الذي تشتريه من روسيا. وعلق الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، في حينه، على تلك التسهيلات بالقول: «إن الاتفاق التاريخي الذي أبرمناه مع موسكو يسمح بإنقاذ اقتصادنا من الإفلاس!».
بعد مرور فترة قصيرة على ذلك الاتفاق، امتلأت «ساحة الاستقلال» في العاصمة كييف بالمتظاهرين الذين طالبوا بضرورة إعادة الصلاحيات السياسية إلى البرلمان. كما طالبوا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وإلغاء المساعدات الروسية.
خلال تلك المرحلة، هدد الرئيس الأوكراني بملاحقة زعماء المعارضة، متهماً إياهم بالسعي إلى الاستيلاء على الحكم. وقد فرضت السلطات الأمنية ما يشبه حالة الطوارئ، معلنة إغلاق «المترو» بغرض التخفيف من دخول المواطنين باتجاه العاصمة.
عقب تصعيد عمليات العنف، وسقوط قتلى من الطرفين، دخلت الأزمة الأوكرانية مرحلة التدويل، الأمر الذي دعا وزير خارجية ألمانيا إلى التدخل العاجل. وتبعه على الفور نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي امتنع عن أخذ موقف منحاز إلى المعارضة، إنما شدد على أهمية إجراء حوار بين زعمائها والحكومة. أما موسكو فقد أصدرت بياناً رسمياً دعت فيه زعماء المعارضة إلى وقف سفك الدماء والعودة إلى طاولة الحوار مع السلطة. أي أنها اتخذت موقفاً محايداً، بعيداً من تهديدات الرئيس الأوكراني وأجهزته الأمنية.
وتقول الصحف إن موقف بوتين المفاجئ، خضع لسلسلة اعتبارات أهمها القرار الذي اتخذه يانوكوفيتش لسحق المعارضة بواسطة القوات الخاصة المسماة «أوميغا.» وهي كلمة يونانية تعني «النهاية». والقوات هذه مدربة على العمليات الاقتحامية الخطرة، وعلى الدفاع عن سلطة الرئيس.
وذكرت جريدة «التايمز» أن الرئيس بوتين اتصل شخصياً بالرئيس فيتكور يانوكوفيتش، وطلب منه استقبال زعماء المعارضة، والتباحث معهم حول خطوات التسوية المقبولة. وفي هذا السياق، أكد وزير خارجية بولندا رادوسلو سيكوسكي - بناء على معلومات حكومته - أن الاتصال حصل فعلاً، وأن بوتين كان حازماً في نصائحه وتوجيهاته.
ويرى المحللون أن الرئيس الروسي كان يتطلع إلى الصورة القاتمة التي ستظهر من وراء اقتحام ساحة الاستقلال بواسطة 2500 عنصر من الـ «أوميغا» أعدهم يانوكوفيتش لطرد المعتصمين والمعتصمات. واستناداً الى الوقائع السابقة، فإن بوتين تخوَّف من حدوث مجزرة لن يكون هو بمنأى عن نتائجها السلبية.
وللتدليل على ظهور موسكو بمظهر الدولة المحايدة في هذا النزاع الداخلي، تعمَّد ممثل الرئيس فلاديمير بوتين عدم حضور مراسيم توقيع الاتفاق. ونص الاتفاق على ثلاثة بنود تتعلق بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وتشكيل حكومة ائتلافية مشتركة، وفتح المجال أمام إجراء تعديلات دستورية. ويقضي الاتفاق بتشكيل حكومة مختلطة تتمتع بسلطة إلغاء القرارات المجحفة بحق المعارضة.
وبعد التوقيع على الاتفاق صوَّت البرلمان الأوكراني على قرار العمل بدستور 2004 الذي يحدّ من سلطات الرئيس ويمنح البرلمان الحق في تعيين الوزراء. ولما طرح التعديل للتصويت نالت المعارضة 386 صوتاً من أصل 450 صوتاً.
نهاية الأسبوع، سيطرت المعارضة الأوكرانية على السلطة في كييف. وكان آخر ظهور ليانوكوفيتش في مدينة دونتسيك التي حاول الهرب منها على متن طائرة برفقة حراس مسلحين. وقد وجهت إليه الحكومة الموقتة تهمة القتل الجماعي، وقررت ملاحقته بعد عزله.
ووفق البيانات الرسمية، فقد انتقل إلى شبه جزيرة القرم على البحر الأسود، والتي تتمتع بحكم ذاتي. وربما اختار له بوتين هذا الملجأ المعزول كي يتحاشى تسليمه في حال دعي للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
هذا، مع العلم أن رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيديف أعلن أن حكومته لا تعترف بشرعية السلطة الجديدة في أوكرانيا. ومن أجل تدعيم حجته قال في ذلك: «سيكون منافياً للمنطق اعتبار ما هو نتيجة تمرد وكأنه أمر شرعي».
وقد استخدمت موسكو هذا المنطق للدفاع عن نظام حليفها السوري بشار الأسد، معتبرة تمرد الائتلاف المعارض عملاً غير شرعي لا يجوز الاعتراف به.
لذلك، انتقد وزير الخارجية سيرغي لافروف زيارة مسؤولة العلاقات الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون كييف، ووصف مهمتها في أوكرانيا بأنها غير متوازنة كونها تؤيد حكومة غير شرعية. علماً أن آشتون كررت أمام أعضاء الحكومة الجديدة حرص الاتحاد على معارضة الحركات الانفصالية.
كذلك، وصل إلى كييف مساعد وزير الخارجية الأميركي، وليام بيرنز، بهدف الاطلاع على الحاجات الاقتصادية الملحة، والمساهمة في تحديد قيمة المساعدة التي يمكن أن تحصل عليها أوكرانيا من الولايات المتحدة.
ذكرت الإدارة الأميركية أن الرئيس باراك أوباما أرسل مذكرة إلى جميع السفراء بضرورة مراعاة كبرياء الشعب الروسي، والتعاطي بحذر واعتدال مع أزمة أوكرانيا. ثم اتصل يوم الجمعة هاتفياً بالرئيس الروسي بوتين، نافياً له ادعاءات كبار الموظفين بأن الولايات المتحدة متورطة في مؤامرات شبيهة بمؤامرات الحرب الباردة.
وتقول مصادر البيت الأبيض إن المكالمة استغرقت ساعة كاملة، ارتكزت خلالها أجوبة بوتين على رؤيته لأوكرانيا بأنها تقع في دائرة نفوذ روسيا. ولما قال أوباما إن مستقبل أوكرانيا يحدده الأوكرانيون وليس الولايات المتحدة أو أوروبا... أو حتى روسيا، أجاب بوتين على الفور: وماذا عن مستقبل جورجيا ومولدوفا؟ وكان بهذا التلميح يشير إلى الإغراءات الاقتصادية والسياسية التي قدمتها واشنطن لجورجيا بحيث تنضم إلى الحلف الأطلسي.
عقب الانتكاسة السياسية التي مُنيت بها روسيا في أوكرانيا، شعر الرئيس بوتين بالإحراج، لأن الخلافات الحادة لدى جارته المفضلة قد تنقل نظام الحكم إلى الفيديرالية أو الكونفيديرالية. ومثل هذا التغيير قد يعرض بلاده لخطر عدوى التفكك الداخلي. لذلك، سارع إلى معالجة أزمة الارتدادات المتوقعة بإجراء أوسع مناورات حربية عرفتها روسيا منذ وقت طويل. وقد شملت تلك المناورات الأسطول في البحر الأسود والترسانات البرية والجوية في وسط البلاد وغربها. كما استنفرت نحواً من 150 ألف جندي من مختلف القطاعات.
في نهاية الأسبوع الماضي، استغل المعلق والكاتب الأميركي - الهندي فريد زكريا، منبره الإعلامي في قناة «سي أن أن»، كي يستضيف زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر. والسبب، أن هذا المستشار هو صاحب نظرية احتواء أوكرانيا لأنها، في رأيه، تمثل قاعدة الانطلاق لطموحات روسيا التوسعية. وبناء على هذه النظرية شجع بريجنسكي الدول الغربية على اقتناص الفرصة لضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي. عندئذ تصبح روسيا معزولة وعاجزة عن تخطي حدودها الطبيعية.
بقي السؤال المتعلق بتأثير الأزمة الأوكرانية على دور روسيا في سورية.
يتمتع النظام السوري منذ السبعينات بعلاقة تاريخية وثيقة مع موسكو، دشنها الرئيس حافظ الأسد، ثم جدد تلك العلاقة نجله الرئيس بشار عندما زار موسكو عام 2005. وكافأه الرئيس بوتين بإلغاء ما نسبته سبعون في المئة من الديون لروسيا (13.4 بليون دولار). ورد بشار على تلك المكافأة بمنح البحرية الروسية وجوداً دائماً في ميناء طرطوس.
وعلى عكس ما يتوقعه الأميركيون، فإن خسارة أوكرانيا ستقوي حضور روسيا على البحر الأبيض المتوسط كتعويض عن خسارتها الكبرى في منطقة البحر الأسود.
1/3/2014
في هذا الملف:
ما مبرّر التمسك في المفاوضات ؟
رامز مصطفى-البناء اللبنانية
وشحة زيتونة فلسطين
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
عن القدس و"الصراع الديني"
محمد عبيد-الخليج الإمارتية
يا بني إسرائيل.. اعقلوا !!
زين العابدين الركابي-الشرق الأوسط
وداعاً للحرب مع إسرائيل؟
حازم صاغية –الحياة اللندنية
نحن وإسـرائيل في ملفات المياه والطاقة
باتر محمد علي وردم (http://www.addustour.com/columnist/45/)-الدستور الأردنية
«داعش» والأقليات
عريب الرنتاوي-الدستور الأردني
‘فتوحات’ داعش… و’حرية’ الجزية وقطع الرؤوس
رأي القدس العربي
لمن يقرع الرئيس بوتين أجراس الحرب؟
سليم نصار (http://alhayat.com/Opinion/salem-nassar.aspx)–الحياة اللندنية
ما مبرّر التمسك في المفاوضات ؟
رامز مصطفى-البناء اللبنانية
مجدداً رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس يؤكد التزامه المفاوضات. والمبرر هو الالتزام بالسقف الزمني للمفاوضات الذي ينتهي في أواخر نيسان المقبل. وعليه لا يجوز ،بل وليس من اللائق الإخلال بهذا الالتزام أمام الراعي الأميركي بشخص الوزير جون كيري. وهذا قد يسبب حرجاً للسلطة ورئيسها أمام المجتمع الدولي والراعي الأميركي. وبالتالي فإن الإخلال به سيكسب حكومة نتنياهو الجولة أمام الفلسطينيين بأنهم لا يريدون المفاوضات ومن ثم يرفضون تحقيق «السلام مع إسرائيل».
وفي المقلبين الأميركي «والإسرائيلي»، لا يعيران لهذا الالتزام المجاني أية أهمية أو قيمة ،بل على العكس فهما لا ينفكان في ممارسة كل أساليب الخداع والعمل على فرض الوقائع، وتحشيد الدول البعيدة والقريبة من أجل إرغام الفلسطينيين على القبول في تقديم ما تبقى من عناوين قضيتهم على مقصلة تسوياتهم المشبوهة. وكأنما المطلوب رفع الراية البيضاء وإعلان الاستسلام. فالراعي الأميركي لهذه المفاوضات لا يترك مجالاً إلاّ ويعمل فيها على فرض المزيد من محاصرة وحصار السلطة التي لا حول لها من قوة، وهو من صنع يديها وسلوكها السياسي. و «الإسرائيلي» الذي يتكامل مع الأميركي في فرض التهويد والاستيطان والقتل والاعتقال والاستباحة لكل المحرمات فوق الأرض الفلسطينية وما في باطنها.
هذا ما ذهب إليه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير السيد حنا عميرة في تصريحات لإحدى الصحف قائلاً «القيادة الفلسطينية تتعرض لضغوط هائلة تمارسها واشنطن لتسويق أفكار كيري بشأن التسوية السياسية كخطة سلام أميركية «وأضاف» هناك مخاوف فلسطينية بأن تنجح الإدارة الأميركية في فرض خطة سلام على الفلسطينيين في هذه المرحلة في ظل انشغال الدول العربية الرئيسة مثل مصر وسوريا بأوضاعها الداخلية، تأتي لصالح «الإسرائيليين«، لأن القيادة الفلسطينية تدرك تماما بأن الموقف الأميركي موقف منحاز «وتابع عميرة« أن أفكار كيري للتسوية السياسية تشير إلى أن هناك قرارا أميركيا بتعويض «إسرائيل» على حساب الملف الفلسطيني مقابل توقيع الدول العظمى اتفاقاً مع إيران بشأن برنامجها النووي، مشيراً إلى أن واشنطن تحاول أن تضغط على القيادة الفلسطينية والجانب الفلسطيني للقبول بما لا يمكن القبول به، وبالتالي تحاول تعويض نتنياهو عن الاتفاق مع إيران «
وأشار حنا عميرة« إلى أن الجانب الفلسطيني يطالب بشبكة أمان عربية ودولية لمواجهة الضغوط الكبيرة التي تمارس على الفلسطينيين حالياً، مشيراً إلى أن الضغوط التي يتعرض لها الجانب الفلسطيني من قبل الأميركيين تتعلق بمحاولة إجبار الفلسطينيين على التنازلات وتقديم تنازلات يتم بموجبها التخلي عن مجمل المشروع الوطني الفلسطيني «وشدد عميرة« على أن القيادة الفلسطينية تواجه ضغوطا كبيرة، وهي ما بين نارين إما القبول بأفكار كيري التي تنسف المشروع الوطني الفلسطيني أو رفض الأفكار الأميركية لتواجه حصاراً سياسياً ومالياً ودبلوماسياً والتضييق على الشعب الفلسطيني أكثر وأكثر«.
وأوضح أن كيري لا يطالب الفلسطينيين بالتوقيع على الأفكار التي قدمها بشأن قضايا الوضع النهائي للوصول لاتفاق سلام بالمنطقة، بل يريد التسليم بها كخطة سلام»، وقال في ختام تصريحاته « إن الأفكار التي قدمها كيري لم يطلب الموافقة أو التوقيع عليها، هو يريد أن يعتمدها كخارطة أو دليل من أجل مواصلة المفاوضات على أساسها، مضيفا أعتقد بأن الهدف الرئيسي من هذه الأفكار هو تمديد المفاوضات، أو إيجاد حجة من أجل تمديد المفاوضات. يعني ليس هناك في الأفق أية حلول عملية أو أفكار يمكن تطبيقها وتكون مقبولة على الجانب الفلسطيني». ويكمل أحمد قريع ما بدأه حنا عميرة حول المفاوضات. حيث قال قريع في تصريحات له «بأن وضع المفاوضات صعب، وأنا قلق، لأنه بنهاية الأمر الأميركي أكثر قرباً لإسرائيل».
وتابع: «الآن يقال بأن كيري يريد أن يقدم ورقة ولا يطلب من الفلسطيني أو الإسرائيلي أن يوافق عليها، ولكن إذا قدمت هذه الورقة على نتيجة هذا التداول والمفاوضات ستكون هي مرجعية للسلام، وهذا التفاف من قبل واشنطن على مرجعيات عملية السلام على أساس حدود عام 1967، وأنا أقول بأنه التفاف على الشرعية الدولية بصوت مرتفع، وأي مرجعية جديدة للسلام سيكون فيها تنازل جديد، وبالتالي هذه قضية في منتهى الخطورة». وختم بالقول «الكرة في ملعبنا نحن أصحاب القضية ونحن الذين نحدد نريد أو لا نريد».
إذا كان هذا حال المفاوضات والشكوى والقلق والخوف منها ومن نتائجها الكارثية على القضية الوطنية. وهذه حال ما يسمى بالشريك «الإسرائيلي» في هذه المفاوضات وممارساته العدوانية الإجرامية. وبالتالي ليس الحديث عن الراعي الأميركي بأفضل عن الحديث عن «الإسرائيلي» في الشكوى والتوجس من سلوكه وما يمارسه من ضغوط وابتزاز رخيص في مواجهة الفلسطينيين.
من حقنا وحق الشعب الفلسطيني أن يتوجه بالسؤال المباشر إلى رئيس السلطة، ومفاوضي منظمة التحرير. لماذا هذا الإصرار في الاستمرار في هكذا مفاوضات محكومة بنتائج من شأنها تصفية لقضية الشعب الفلسطيني؟. وبالتالي ألاّ يكفي رئيس السلطة هذا الإجماع الواسع على أن المفاوضات لا جدوى منها سوى تقديم المزيد من الوقت لكيان الاحتلال «الإسرائيلي« في التوغل قدماً نحو فرض وقائعه على حساب الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية. ما يدفع السيد أبو مازن إلى التراجع والتوقف لإنقاذ هذه الحقوق وهذه الثوابت. والمثل الشعبي يقول "إذا جن ربعك، عقلك لا يفيدك". فكيف إذا كان ربعنا عاقلاً ومدركاً لعدالة قضيته وقدم في سبيلها الغالي والرخيص على مدار 65 عاماً.
وشحة زيتونة فلسطين
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
لا تكترث "إسرائيل" بما يدوّخ العرب من كلام فراغي مغبر. لا تنشغل في الخطط الدبلوماسية والاقتراحات التسووية، حتى لو صدرت عن أوثق حلفائها . ليست لديها مواعيد مقدّسة حين يتعلق الأمر بالعرب . "إسرائيل" لا تضيّع وقتها ولا تبذل في الحديث عن السلام أية ثانية، لكنّها تطرب وهي تسمع سياسيينا ومثقفينا ومفتينا يتحدثون عن السلام معها . تقول في نفسها: دعهم يقتتلون وينقسمون ويثرثرون . إنهم يعودون إلى جدلية ما قبل ألف عام لتشغل وقتها في التخطيط للاستيطان والتهويد وزرع الجواسيس في بلاد العرب والأجانب .
عندما استعر الجدل الفلسطيني حول المواعيد والجداول والمهل الزمنية للمفاوضات مع "إسرائيل"، كانت هي ترسل قواها الخاصة لاغتيال الشاب معتز وشحة في بلدته الوادعة بيرزيت . من قال لها إنه هناك؟ هي تحرص دائماً على تجنيد كل شخص حدّد لنفسه تسعيرة للبيع، ليصبح عميلاً لها . حشدت قوات من جيشها تكفي لإعادة الرئيس الأوكراني إلى قصره في كييف، من أجل محاصرة مقاتل واحد في منزل صغير في بلدته، فيها من الزيتون ما يفوق مخزون الحقد في قلوب صهيونية سوداء .
وسائل إعلام "إسرائيل" تسير في خط مواز ومتآلف مع صواريخها وقذائفها ورصاصها وجرافات استيطانها . وظيفتها تبريد الجريمة قبل وقوعها وبعده، وبين الحين والآخر، افتعال مناسبة لنقد حكومة الكيان، على سبيل التجميل ولزوم الخدعة الديمقراطية . هذه الوسائل الإعلامية روجت للجريمة أولاً على أنها "مبررة" حيث استهدفت من أسمته "إرهابياً" وهي تهمة توازي وسام الشرف حين يتعلق الأمر بمقاومة أحقر احتلال في التاريخ، وثانياً باعتبار هذه الجريمة التي طالت معتز وشحة، المناضل المطلوب لأجهزتها المتوحّشة، بمثابة انتصار لقوة من جيشها تسلّلت الى البلدة في توقيت سرّبه لها عملاؤها .
لن يسأل "الإسرائيليون" عن البطلولة المتوهمة والانتصار المزعوم بين جيش مدجج بالصواريخ، ومقاتل وحيد في منزل عادي وليس ثكنة عسكرية . هي معنية أن ترمّم سمعتها العسكرية التي تمرَّغت في وحل الهزائم والإخفاقات في السنوات الأخيرة، لذلك توجّه أدواتها الإعلاميّة وكتّابها، سواء كانوا من الصهاينة الأصليين أو من كتاب عرب لبسوا ثوبها القذر . ومع ذلك سيضطر بعض كتّابها من غير العملاء الدخلاء عليها، أن يعترفوا بأن البطولة الحقيقية في رواية بيرزيت الدامية، يستحق حمل وسامها معتز وشحة الذي رفض الاستسلام وتسليم نفسه للجيش الصهيوني، بل قرّر المواجهة معه حتى الاستشهاد . أما "بطولة" نتنياهو وجيشه وأجهزته فهي مزعومة وتثير السخرية بقدر ما تفجّر من غضب مقدّس على هذا الكيان المتوحّش .
ليست هذه نهاية القصة التي بدأت باغتصاب فلسطين ولن تنتهي إلا بنهايته، وهذه النهاية لن تأتي لا على يد مفاوض فلسطيني من الدرجة العاشرة، ولا مسؤول أمريكي تلقى خبرته الدبلوماسية في فيتنام، وخزّن في ذاكرته آخر صورة للسفير المنتشل بالمروحية من على سطح السفارة . لكن ملحمة معتز وشحة فقد بدأها باسمه، فهو المعتز بفكره العلمي المقاوم، وهو الموشّح بالمجد الرفضوي المتجذّر في أرض روتها أمطار كانون الأول بعد موجة الاغتصاب الثانية لفلسطين عام 67 . وليبق معتز زيتونة بيرزيت، وزهرة النيران في أرض الجليل، ووشاح فلسطين جيلاً بعد جيل .
عن القدس و"الصراع الديني"
محمد عبيد-الخليج الإمارتية
التصعيد الخطير الذي ينتهجه كيان الاحتلال والعنصرية والتوسع "الإسرائيلي" تجاه مدينة القدس، وتواصل حملات التهويد والتدنيس، ومحاولات التطهير العرقي وإفراغ المدينة من سكانها الأصليين، عبر سياسات الاقتلاع والتضييق والملاحقة وهدم المنازل، وتكثيف الاستيطان، وتوكيل جماعات متطرفة والتصرف بأجزاء كبيرة من أراضي المدينة، تؤكد أن "إسرائيل" ليست جادة وحسب في جعلها "عاصمة موحدة" كما تقول ل"دولتها اليهودية"، بل أيضاً أن المشروع يتخطى ذلك إلى محاولة تحويل مسار القضية الفلسطينية ككل، وفرض صيغة مغايرة للصراع التاريخي .
أطراف فلسطينية وعربية وإسلامية كثيرة حذرت من أن الاحتلال يعمل على تحويل مسار الصراع إلى "نزاع ديني"، لكن هذا التحذير لم يتمثل حقيقة أن الكيان المحتل يريد لهذا الصراع هذه الصفة، ويبحث منذ نشوئه على أرض فلسطين التاريخية عما يؤكد دعايته ويجعلها حقيقة واضحة على الأرض، وسواء كان من حذروا انجروا غافلين أو عالمين إلى الوقوع في هذا الفخ المنصوب بإحكام، فإن الأمر خطير جداً وينذر بكثير من التطورات السلبية على مسار القضية الفلسطينية .
الفلسطينيون كافحوا منذ البداية تلك المزاعم التي أرادت "إسرائيل" من خلالها أن تجعل القضية الفلسطينية مجرد "صراع" بين أتباع ديانتين، أحدهما يتحدث عن "ظلم تاريخي" والآخر يتهم بحرمان الأول من حقوقه، وفي هذا تجنٍ وتزوير للتاريخ، ومحاولة لتفريغ القضية الفلسطينية من بعدها الحقوقي والإنساني والتاريخي أيضاً .
ما تقوم به سلطات الاحتلال في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية يتعدى هذا الجانب، ويتخطى مسألة الشعائر الدينية والعبادات، إلى ما هو أخطر، والذي يتمثل في أن الكيان مصمم على نفي صفة الاحتلال الاستعماري التوسعي عن نفسه، ومصرّ على تحويل مجرى الصراع التاريخي إلى "خلاف ديني" .
لا ريب أن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، وكل أرض فلسطين وما تضمه من تاريخ ومقدسات، هي العنصر المركزي في قضية ملايين العرب والمسلمين، لكن ذلك لا يغطي حقيقة الصراع، ولا يجب أن يسمح للكيان بأن ينجح في مخططه، ولا أن يجر العرب خاصة والمسلمين بشكل عام إلى هذه النقطة .
السياسة "الإسرائيلية" الحالية مكشوفة وواضحة وليست بحاجة إلى الغرق في تفسير عناصرها وتأويل التصريحات الصادرة عن صانعيها، فمنذ اليوم الأول الذي ابتدع فيه مصطلح "الدولة اليهودية"، ظهر بشكل واضح مسعى الاحتلال إلى العودة إلى نقطة البداية، مدفوعاً بحجم الشحن الديني والطائفي الذي تشهده المنطقة، وتغذيه القوى الكبرى التي وجدت في تعزيز النزعات والعصبيات الطائفية والمذهبية والدينية، وسيلة مجانية لتقسيم دول المنطقة وتمزيق نسيجها المجتمعي، وتحويلها إلى دويلات طائفية، ما يسمح بالتالي لنموذج "ديني" مزعوم ممثل بكيان الاحتلال والاستعمار أن يطالب بحقه في "الوجود" على هذا الأساس .
محاولة واضحة لتفريغ الصراع من مضمونه، وحرف قضية وحقوق الشعب الفلسطيني عن مسارها، ودعوة مفتوحة إلى تبني سياسة الاستعمار الحديث إلى البناء عليها، وإيقاع العرب والمسلمين والفلسطينيين في فخّها، وهذا ما يجب الالتفات إليه أولاً وأخيراً.
يا بني إسرائيل.. اعقلوا !!
زين العابدين الركابي-الشرق الأوسط
سلوك غلاة اليهود: يضطر الناس اضطرارا إلى مناوأته وتجريمه.
إن الأردن - مثلا - بلد قد «طبع» مع إسرائيل من خلال اتفاقية وادي عربة وغيرها.
فلماذا صدقت غالبية أعضاء البرلمان الأردني على طرد سفير إسرائيل من الأردن؟
السبب المباشر هو أن الكنيست الإسرائيلي يناقش «مشروع قانون» يقضي بنقل السيادة الدينية على القدس: من الأردن إلى إسرائيل!!
وهذه خطوة قد تقتضي «إعلان حرب»؛ لما فيها من استفزاز وانتهاك للسيادة الأردنية، بيد أننا لا نرى أن الأردن سيعلن هذه الحرب وذلك لأسباب معروفة، منها:
أ- أن الاستعداد للحرب ليس من أولوياته.
ب- أن العالم العربي، وهو الظهير الطبيعي للأردن في مثل هذه الظروف والمواقف، غير مكترث بمثل هذه الأمور الآن لما يعيشه من تخبطات وطنية، وتدابر قومي، وعمى استراتيجي مطبق.
ولكن لماذا تفعل إسرائيل هذه الأفاعيل؟
1- قد يكون الدافع هو استغلال حال «الميوعة» التي يعيشها الفلسطينيون والعرب.
2- قد يكون الدافع «قطف أعظم المكاسب» وضمها إلى ملف السلام الذي يتأبطه كيري، أي ضم قانون إسرائيلي، صادر عن الكنيست، تكون فيه السيادة على القدس قد انتقلت، قانونيا، إلى إسرائيل، بعد تجريد الأردن منها.
كل ذلك - وغيره - من الجائز أن يكون هو الدافع إلى هذه الخطوة الإسرائيلية.
ولكن بتوسيع الرؤية، ومدها إلى «التاريخ» يتبين أن غلاة اليهود يقترفون من الأخطاء ما يجر عليهم ما لا يطيقون من الشر والأذى.
ولنأخذ مثلا سلوكهم نحو القدس وفيه بحسبان أن المدخل إلى هذا المقال هو قضية القدس، والمسجد الأقصى.
وهذه بعض المثلات.
كانوا - في التاريخ القديم - في بيت المقدس فاقترفوا فيه من المفاسد والجرائم ما لا يطاق تصوره، فجاءهم نبيهم «إرميا» فنهاهم عما هم فيه، وحذرهم عواقبه فعصوه وكذبوه واتهموه بالجنون، وقيدوه وسجنوه، فمكثوا غير بعيد حتى جاءهم بختنصر الفارسي فجاس خلال الديار، فحرق ودمر وسبى، وحكمهم حكم الجاهلية والوثنية والجبروت بعد أن حرق التوراة.. ثم تكررت التجربة على يد الرومان.
ونحن مقتنعون بأن «هتلر» من أكابر المجرمين الطغاة في التاريخ البشري، ومن أشدهم شبقا للحرب وتعطشا للدماء، ومن أكثرهم إسرافا في الظلم والطغيان، ولكنه علل اضطهاده لليهود بأنهم كانوا وراء هزيمة ألمانيا وإذلالها في الحرب العالمية الأولى، ووراء الأزمة الاقتصادية التي ضربت ألمانيا في أواخر عشرينات القرن العشرين.. نعم. هناك خلاف فكري وسياسي حول تعليلات هتلر هذه.. ومهما يكن من أمر فنحن لا نسوغ ما فعله هتلر باليهود، فتسويغ الجرم جريمة.. يضم إلى ذلك أن نظرتنا إلى هذه المسألة هي نظرة حق وعدل وخلق إنساني، لا نظرة عنصرية تسوغ ما ينزل بالخصم من مظالم استنادا إلى عصبية عنصرية محضة، كما يفعل - مثلا - بعض غلاة القومية العربية.
فهل يقدم غلاة اليهود اليوم على إفساد جديد في القدس يؤدي إلى حرب إقليمية، وإلى صراع عالمي له أول وليس له آخر. ولا سيما أن قضية القدس مرتبطة بعقائد أتباع الديانتين السماويتين الكبريين: الإسلام والمسيحية؟
إن هذا الاحتمال لا يسقطه من الحساب إلا غافل عن التاريخ والواقع:
1- غافل عن التاريخ الذي يقول: إن أطول وأعتى حرب نشبت في التاريخ هي الحرب أو الحروب الصليبية، كما تسمى، وإن هذه الحروب قد سممت العلاقة بين المسلمين والغرب من قبل ولا تزال تسممها حتى اليوم، في هذه الصورة أو تلك.
2- غافل عن «الصحوات الدينية العالمية» التي تشهدها الحقبة الراهنة، بمعنى أن هذه الصحوات يمكن أن تكون وقودا ضخما ومناسبا ومستمرا لأي صراع ينشب حول القدس.
لعل قادة الصهيونية يقولون إن هذا العالم لا يستحيي وليس عنده ضمير، ولا مكان فيه لدموع الغزلان، ولو أننا استخدمنا التوسل واعتمدنا على العالم، لما أقمنا دولتنا، ولما أصبحنا أقوياء.. أما أن العالم لا يستحيي، وفاقد للضمير، ولا مكان فيه للضعفاء، فهذا صحيح.
ولكن غير الصحيح أن يتحول المظلوم إلى ظالم فادح الظلم.. ثم إن قوة الإقناع في تلك الحجة تتساوى مع خطورتها، فليس هناك ما يمنع الآخرين استخدام المنطق ذاته؛ فإسرائيل لا تدير الكون من دون الله سبحانه.. ونفي هذه الصفة عنها يعني أن ذلك المنطق متاح لكل أحد.
إن نقد الذات، والاعتبار بالتاريخ، والكف عن المشي في الطرق المهلكة، هو الضمان الوحيد لحياة بني إسرائيل، وليس الضمان هو الاستعلاء، وظلم «الأغيار»، وإثارة الحروب.
والحق أن العقلاء منهم قد صدعوا بالحقيقة التي ينبغي أن يبصرها ويتمثلها قادة إسرائيل.
من هؤلاء العقلاء إسرائيل شاحاك الذي ألَّف كتابا مهما بعنوان «وطأة 3000 عام: الديانة اليهودية وتاريخ اليهود».. ومما قاله في هذا الكتاب: «في رأيي أن إسرائيل كدولة يهودية تشكل خطرا ليس على نفسها وسكانها فحسب، بل على اليهود كافة وعلى الشعوب والدول الأخرى جميعا في الشرق الأوسط وما وراءه.. لا يمكننا أن نفهم حتى ولا مفهوم إسرائيل كدولة يهودية من دون بحث المواقف اليهودية السائدة تجاه غير اليهود. والتصور الخاطئ الشائع بأن إسرائيل ديمقراطية حقيقية حتى من دون أن نراعي حكمها في المناطق المحتلة هو تصور ناشئ عن رفض مواجهة المغزى في مصطلح (الدولة اليهودية) بالنسبة إلى غير اليهود.. ولا يتمتع مواطنو إسرائيل من غير اليهود بحق المساواة أمام القانون.. إن الخطر الرئيس الذي تشكله إسرائيل كدولة يهودية على شعبها واليهود الآخرين وجيرانها هو سعيها بالدافع الآيديولوجي إلى التوسع الإقليمي وسلسلة الحروب المحتومة، الناتجة عن هذا الهدف، فكلما أصبحت إسرائيل أكثر يهودية، أصبحت سياستها تسترشد بالاعتبارات الآيديولوجية».
وبإدارة سياق الموضوع إلى زاوية أخرى نقول: إن القدس قضية «فوق وطنية وفوق إقليمية»، أي أنها قضية «عالمية»، إسلامية ومسيحية.
ولسنا ندري ما الذي سيفعله مسيحيو العالم؟ ولكنا بالنسبة للمسلمين نسأل:
أين العالم الإسلامي؟
أين منظمة التعاون الإسلامي؟
أين جامعة الدول العربية؟
أين علماء الإسلام ودعاته؟
هل يسكتون حتى تزداد إسرائيل فجورا في القدس، وحتى ينشب الصراع الدامي حوله فتكون فتنة عالمية لا قبل لهم بردها ولا احتوائها، ولا إطفاء نيرانها؟
وداعاً للحرب مع إسرائيل؟
حازم صاغية –الحياة اللندنية
أن لا تعلن إسرائيل عن غارة عسكرية أغارتها جواً على «حزب الله»، فهذا ليس مستغرباً، ذاك أن الإنجاز بالنسبة إلى الدولة العبرية يتقدم على الإعلان. ولضمان أن يبقى الإنجاز متقدماً، يناقش الإسرائيليون كل حرف يصدر عن خصومهم، ويضعون كل الفرضيات ويعملون بموجبها كي لا يتأذى مواطن من مواطنيهم، وكي يبقى الإنجاز أولاً. أما ألا يعلن «حزب الله» عن الغارة إلا متأخراً وبشكل مقتضب، فلا يحاول استخدامها لتوكيد استمرار الحرب بينه وبين إسرائيل، ولا يجد فيها فرصة جديدة للتذكير بمظلوميته حيال عدو صلف، فهذا ما يدعو إلى الاستغراب. يفاقم الاستغرابَ هذا أن الحزب ينتسب إلى ثقافة تمنح الأولوية للإعلان على الإنجاز، إلى الحد الذي يغدو الإعلان نفسه إنجازاً.
لقد كان في وسع الحزب أن يقتنص فرصة ضربه، جرياً على تقليد عريق، فيذكرنا مجدداً بأنه الضحية وأن عدوه الجلاد، وبأن حربه في سورية لم تُلهِ إسرائيل عنه لأنها لم تُلهِه عن فلسطين. وهكذا ينساب الاستنتاج المنطقي: إذاً المعركة واحدة ضد الإسرائيليين وضد التكفيريين في سورية.
فوق هذا، فالحزب الذي اعترف بالعملية اعترافاً مقتضباً ومتأخراً، وعد بالرد «في المكان والزمان المناسبين». ومن يعرف معنى العبارة التي اختُبرت ألف مرة من قبل، يعرف أن الحزب لن يرد إلا على نحو يتيح التملص من «الرد».
العصافير التي في يده تُركت إذاً حرة طليقة. تم التركيز فقط على العصفور الذي في الشجرة: إن إسرائيل التي تناقش البيان وتفكر في احتمالاته «مصابة بالذعر والهلع»!
أغلب الظن أن ما حدث قبل أيام في مكان ما على الحدود السورية– اللبنانية غير المرسّمة، خطوةٌ متقدمة على طريق الانسحاب من الحرب مع إسرائيل، وهو انسحاب بدأ مع صدور القرار الأممي 1701، بعد حرب 2006، مقفلاً جبهة الجنوب ومساوياً بينها وبين جبهة الجولان السورية- الإسرائيلية.
ومنعاً لأي التباس، فإن ذاك الانسحاب خطوة إيجابية محمودة. ما ليس كذلك هو الاستغراق في حرب أخرى هي تلك الدائرة في سورية. بهذه الأخيرة يعبر بنا حزب كـ «حزب الله»، مُقدرٌ عليه العيش في الحروب واستحالة العيش بلا حروب، مرحلة انتقالية تستحق التأمل والتفكير،
ذاك أن ظهور هذا الحزب مسبوقاً بقيام النظام الخميني في إيران، تلازم مع ضمور المقاومة الفلسطينية التي قوضها اجتياح إسرائيل للبنان في 1982. آنذاك مثلت مقاومته الناشئة ظاهرة استبدالية حل فيها الشيعي محل السني، واللبناني محل الفلسطيني، والإيراني محل الدول العربية.
والاستبدال هذا خدم وظائف عدة، بينها توفير غطاء عربي لإيران في حرب الثمانينات بينها وبين العراق، ثم توفير جسر لها إلى المشرق، وتكريس الهيمنة السورية على الموضوع الفلسطيني– الإسرائيلي بإضعاف منظمة التحرير الفلسطينية وتصفية حلفائها اللبنانيين. في هذا تصرَّفَ «حزب الله»، ومن ورائه طهران، تصرُّفَ المزايد في الشأن المسمى قومياً، والمصطبغ تقليدياً بالأكثرية السنية.
أما الآن، فبات هذا الميل الاستبدالي يفتقر إلى الحاجة إليه، ذاك أن انفجار الطوائف وعري حروبها حاصرا مساعي التزوير الأيديولوجي، فيما «العرب» لم تعد لديهم «قضية قومية أولى» أصلاً. وفي المعنى هذا، بات من يكسب على الجبهة تلك لا يكسب شيئاً يُعتد به، فكيف وأن النظامين الراعيين للحزب تغيرت ظروفهما واعتباراتهما: فالنظام السوري أضحى يخوض معركة وجوده ذاته، ما ضيق مساحاته السابقة في امتهان القومية والعروبة وفلسطين وتسليعها. أما النظام الإيراني، المعني بتحسين موقعه التفاوضي حيال الغرب، فبات مهتماً بورقته السورية التي قد تخدم التفاوض بقدر عنايته بالتنصل من الورقة الفلسطينية التي لا تخدمه.
وهكذا، إذا كان ما حققه القرار 1701 هو أن الحزب لم يعد يؤذي إسرائيل، فإننا الآن نشهد على صمته عن إيذاء إسرائيل له. وتقليد جبهة الجولان من خلال 1701 لا يكتمل بغير نسخ عبارة «في المكان والزمان المناسبين».
نحن وإسـرائيل في ملفات المياه والطاقة
باتر محمد علي وردم (http://www.addustour.com/columnist/45/)-الدستور الأردنية
تبدو العلاقات الرسمية بين الأردن وإسرائيل في مسار متجه نحو التصادم والتصعيد. لا يتعلق الأمر فقط بالغموض الكبير في المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية ودعم الحكومة الإسرائيلية لتوصيات ومطالب تهدد مصالح الأردن الاستراتيجية بل امتد إلى مجالس النواب في الطرفين. في الكنيست الإسرائيلي هنالك حديث عن مناقشة رعاية الهاشميين للأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس، وفي مجلس النواب الأردني مفاجأة بطلب من أغلبية النواب طرد السفير الإسرائيلي من الأردن وإعادة السفير الأردني من تل أبيب وهي تعد عبئا كبيرا ألقي على ظهر الحكومة ولا نعرف كيف تستجيب له.
المشكلة أن هذا الصراع السياسي الصامت بين الأردن وإسرائيل يحدث في وقت باتت فيه ملفات استراتيجية في الأردن مثل المياه والطاقة مرتبطة بإسرائيل وباتفاقيات ثنائية تتطلب المزيد من التجانس السياسي. يمر الأردن الآن باسوأ فترة جفاف مرت عليه منذ عقود، ومع تفاقم ظاهرة تغير المناخ فإن هذا الوضع من المتوقع أن يصبح هو القاعدة لا الاستثناء. لحسن الحظ بالنسبة لسكان عمان والمحافظات الوسطى فإن الانتهاء من مشروع الديسي سيوفر مياه الشرب لهذه المناطق ولكن الحال ليس كذلك في محافظات الشمال التي تعاني من تراجع مصادر المياه الجوفية وتزايد الطلب نتيجة اللاجئين ما يجعل كمية 50 مليون متر مكعب تم الاتفاق على شراءها من إسرائيل بعد سنوات مقابل ضد 50 مليون متر مكعب محلاة من العقبة أحد الخيارات المهمة لإنقاذ محافظات الشمال من العطش.
في مجال الطاقة بدأت شركة البوتاس بكسر الحاجز النفسي واستيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل عبر شركة طاقة أميركية وذلك بعد انقطاع الغاز المصري منذ سنتين. شركة البوتاس كانت قد استثمرت الملايين لإنشاء بنية تحتية تعتمد على الغاز الطبيعي وخسرت الملايين ايضا في شراء الوقود النفطي بديلا عنه ما أدى إلى خسائر في الإنتاج وإضعاف قدرتها على المنافسة وهذا ما وضعها في خطر وجودي بدون مصدر سريع للغاز الطبيعي.
بالطبع سيغضب الرافضون للتطبيع خاصة نقابة المهندسين، ولكن -للأسف- فإن النقابة العتيدة التي تضم عشرات الآلاف من المهندسين المهرة والموارد المالية الهائلة لم تقم بأي دور في تطوير مصادر طاقة ومياه داخلية تغنينا عن الحاجة للتعامل مع إسرائيل. لو كان مجلس النقابة هو المسؤول عن شركة البوتاس فكيف يمكنه حل المشكلة الكبرى وحماية الشركة من التراجع وفقدان القدرة التنافسية وبالتالي ايضا تسريح الموظفين؟
مشاكل المياه والطاقة في الأردن عميقة وقديمة ولكن الربيع العربي ساهم في تفاقمها وخاصة استقبال 600 ألف لاجئ سوري بكل ما يحتاجونه من خدمات وسبل معيشة، وكذلك انقطاع الغاز المصري. مواجهة هذه التحديات تتطلب الكثير من الموارد المالية وتعبئة الجهود الوطنية ويجب أن تكون للنقابات المهنية كبيوت خبرة أدوار فعالة وليس مجرد انتقاد التعامل مع إسرائيل. لا أحد يود أن يلجأ للخيار الإسرائيلي ولكن في نهاية الأمر هنالك تحديات لا توجد لها حلول محلية فقط. كنا نتمنى لو كان الغاز المصري يتدفق بشكل مستمر بحسب الاتفاقية، وكنا نتمنى لو بقيت سوريا هادئة والتزمت الحكومة السورية باتفاقية المياه مع الأردن، ولكن لا يمكن بناء السياسات على التمنيات بل على الواقع.
«داعش» والأقليات
عريب الرنتاوي-الدستور الأردني
تقدم “داعش” نموذجها الخاص لمعالجة قضية “الأقليات غير المسلمة في المجتمعات المسلمة ... ففي “إمارة الرقة”، نواة الخلافة التي تعد بها “الدولة”، جرى فرض الجزية على مسيحيي البلاد وسكانها الأصليين، مُنع عليهم ترميم أو إعمار كنائسهم المهدمة، دع عنك بناء بيوت جديدة للعبادة، طُلب إليهم عدم الجهر بصلواتهم والاكتفاء بأداء شعائرهم بصمت داخل الكنيسة... فُرض عليهم التقيد بالزي “الداعشي” وعدم ارتداء أو إظهار ما يشير إلى مسيحيتهم ... طُلب إليهم عدم اقتناء السلاح حتى للدفاع عن النفس، فقد منحتهم “الدولة” الأمن والأمان.
أما عن الجزية، فهي تبدأ بسبعة عشر غراماً من الذهب لأغنيائهم، ونصف المبلغ للطبقة الوسطى، وربعها للفقراء والمعدمين من مسيحيي المنطقة ... هذا هو “الحل الإسلامي” لقضية المسيحيين، من منظور “داعش” ومن ينتمي إلى مدرستها في الفكر والثقافة والإيديولوجيا والتفكير ... وهو حل محرج لكل الحركات الإسلامية، بل وكان محرجاً لرجل مثل أبو قتادة، المعروف برعايته الروحية والفكرية لتيار السلفية الجهادية.
نعلم أن كثيرين لا يوافقون “داعش” على ما تقول وتفعل ... نعرف أن البعض تبرأ من سلوكياتها وغلوها وتشددها ... ولكننا نعلم أيضاً، أن كتّاباً وسياسيين محسوبين على حركات إسلامية عديدة، من بينها الإخوان المسلمين، ما زالوا حتى اليوم، ينظرون لـ “داعش” بوصفها “انزلاقاً طارئاً” عن الطريق القويم، يمكن تصحيحه بالكلمة والموعظة الحسنة، لا بل أن بعضهم ما انفك يوجه النداء تلو النداء، لنبذ الشقاق والخلاف، وجمع الكلمة والشمل، للتفرغ لمنازلة “المجرم الأكبر” بشار الأسد ... رأينا عبرات وحسرات يذرفها كتاب، منهم “إخوانيون” على الدم المراق في الصراع بين “داعش” و”النصرة”، باعتباره اقتتالاً داخل البيت الواحد، وجرحاً نازفاً من الجسد الواحد.
ليس أبو قتادة وحده، من ناشد الأفرقاء تجنب الفرقة والفتنة بين “الجهاديين” من نصرة و”دولة”، هناك قوى تدّعي احتسابها على خط الإسلام “المعتدل” من انضم إلى ركب السجين الأردني الأشهر، بدل التصدي لهذه الأفكار المنحرفة والمفرطة في غلوها وتطرفها.
لم ينبرِ أي من هؤلاء ليقول لنا ما قوله في موضوع الجزية، هل المشكلة في اختيار التوقيت الخطأ والمكان غير المناسب ... هل السبب في رفض بعض أفكار “داعش” وسلوكياتها، أنها تأتي قبل أوانها .... هل الخشية من انتصار النظام وقواته هي دافع هؤلاء لإجازة التعاون مع “الكفار” “والمرتدين” ... هل هناك توقيت مناسب لفعل ما تفعله “داعش” اليوم، ماذا إذا سقط النظام، هل نُعمِل “حدّ الردّة” بالائتلاف والمعارضة العلمانية وغير “السلفيين”؟ ... هل نفرض الجزية على أهل الكتاب والذمة؟ ... وماذا عن الذين لا كتاب لهم، وهم في عرف “داعش” وأخواتها، مشركين وكفار ومرتدين، من “نصيريين” و”دروز” و”روافض”، ماذا نفعل بكل هؤلاء، ومتى؟
أبو محمد الجولاني، الرجل الذي يجري تقديمه وتنظيم “النصرة” الذي يقف على رأسه، بوصفه جزءاً من معسكر المعارضة المعتدلة، كفّر “الائتلاف” و”المجلس العسكري”، وهو في هذا لم يفترق عن أبي بكر البغدادي ولا “داعش”، لم نسمع لأحدٍ من هؤلاء الذي يأخذون على البغدادي غلوه وتطرفه، كلمة واحدة تنتقد تصريحات الجولاني، أو على الأقل، يبادله النصيحة والكلمة الطيبة والموعظة الحسنة.
خلاصة القول، إن التجربة السورية تقدم نموذجاً إضافياً لحالة انعدام الفواصل والتخوم بين خطاب العديد من الحركات الإسلامية، ففي مصر مثلا، نسمع خطاباً تبريرياً للعنف والإرهاب بدعوى الانقلاب، وبعضهم قال إن العودة عن الانقلاب قمين بإنهاء الإرهاب في ظرف 24 ساعة، وفي سوريا، بحجة “التوحد في مواجهة الأسد” يجري الصمت والتواطؤ، بل والتعاون والتنسيق مع حركات تحمل لمستقبل سوريا من الأخطار والتهديدات، ما لم يأت بمثلها، نظام الأسد الأب والابن ... وفي العراق، يجري تعويم خطاب “داعش” وسلوكها على سطح المطالب المشروعة لأبناء الأنبار والمحافظات الغربية، ومن دون محاولة لتحديد الفواصل والتخوم، ما ينعكس وبالاً على مصالح البلاد والعباد، ويعزز الانطباع بأن المسافات بين مختلف مدارس الإسلام السياسي، ما زالت هلامية ومتداخلة، وقابله دوماً لإعادة الترسيم والتحديد.
‘فتوحات’ داعش… و’حرية’ الجزية وقطع الرؤوس
رأي القدس العربي
اصبحت ‘فتوحات’ مايعرف بـ’الدولة الاسلامية في العراق وبلاد الشام’ او ‘داعش’، تتصدر الاخبار في سوريا، مع اكتشاف مقابر جماعية في مناطق نفوذها في ريف حلب الشمالي، وكذلك اعلانها فرض ‘الجزية’ على ‘النصارى’ في محافظة الرقة، ناهيك عن البدء في تطبيق ‘الشريعة الاسلامية’ بقطع يد شخص اعتبرته ‘لصا’، ثم اعلانها المسؤولية عن قصف لبنان بالصواريخ.
وحسب الاحصائيات فان عدد المسيحيين او ‘النصارى’ حسب بيان داعش، لا يتجاوز الواحد في المئة اصلا من سكان الرقة البالغ عددهم نحو ثلاثمئة الف نسمة. ويقول البعض انهم كانوا نزحوا فعلا من المحافظة مع استيلاء تلك الجماعة الارهابية عليها.
وهكذا يبدو ان هدف داعش من الاعلان عن فرض الجزية هو اعلامي بحت، سعيا الى اعطاء صورة زائفة عن قوتها، وهو ما يتضح من خطابها الذي يتسم بالمبالغة، كما جاء في بيانها الجمعة حول مهاجمة لبنان ‘أسود الدولة الإسلامية قاموا بدك معاقل حزب الشيطان (حزب الله) بثلاثة صواريخ من نوع غراد على منطقة بريتال’.
وهومعنى يؤكده الاصولي المتشدد ابو قتادة في تصريحه الذي قال فيه ان ‘الجزية التي فرضت على اهالي بعض المناطق المسيحية في سوريا لا تجوز′، موضحا ان ‘الجزية عقد والمجاهدون لا يستطيعون حماية اعراض المسيحيين لانهم غير متمكنين فهم في حالة قتال’.
واعتبر ابو قتادة ان افكار الدولة الاسلامية في العراق والشام ‘منحرفة وفيها غلو حيث انها تستخدم العبارات الشرعية في غير موضعها كما هو حال اهل البدع′.
فاذا كانت داعش ‘منحرفة’ بالنسبة لأبي قتادة، فكيف يمكن وصفها من وجهة نظر الاسلام الوسطي المعتدل؟
وما يمكن فهمه من تصريحه ان الجزية واجبة او جائزة في حال ان داعش قادرة على ‘حماية اعراض المسيحيين’.
اما مقدار الجزية الذي فرضته داعش فهو 13 غراما من الذهب، وسيكون من ‘الشيق’ معرفة الاسس الشرعية التي استندوا عليها في تحديده، بل وفي فرضها اصلا مع اجماع جمهور العلماء على ان الجزية سقطت، بانتهاء المعطيات التي بررت فرضها.
ومن الاسئلة البديهية والمشروعة التي يمكن ان تثيرها هذه المأساة الملهاة (الداعشية)، لماذا لا يدفع الاسلاميون المتشددون الذين يقيمون في كنف الغرب المسيحي وحمايته ‘الجزية’ للحكومات هناك، بدلا من ان يقبضوا منها اعانات اسبوعية بمئات الدولارات لمواجهة اعباء المعيشة ورعاية اطفالهم ناهيك عن دفع ايجارات البيوت الفخمة التي توفرها لهم؟
ان اعلان داعش الاخير عن تطبيق ما تزعم انه شريعة الاسلام ليس سوى توسيع للحرب التي تشنها ضد الشعب السوري بل والانسانية جمعاء لتكون حربا ضد الاسلام نفسه.
بل ان ما ترتكبه داعش في يوم واحد من قطع للرؤوس والاطراف واضطهاد لغير المسلمين بغير حق، لهو اكثر اساءة للاسلام من كل ما صدر عن بعض السفهاء في الغرب من رسومات او فيديوهات مسيئة للدين الحنيف او لرسوله الكريم طوال السنوات الماضية.
واذا كان هناك من يريد ان يعرف الاسباب الحقيقية لتصاعد ما يسمى بـ’الاسلاموفوبيا’ حول العالم، فانه مدعو ان ينظر الى داعش و’فتوحاتها’ او الخشبة في عيوننا قبل القذى الذي في عيون الاخرين.
ومن المثير للاسى ان داعش ترتكب جرائمها تحت عنوان ‘الحرية لسوريا’ التي هي منها براء.
فهل يمكن ان تشرق شمس الحرية على سوريا حقا من براثن هذا الثقب الاسود الذي لا يعرف الا خطاب الكراهية ونهج الطائفية ورائحة الدم.
ام ان داعش وغيرها من التنظيمات التكفيرية مثل ‘انصار الشريعة’ و’انصار بيت المقدس′ ليست سوى اسماء متعددة لمرض واحد اصبح ينتشر كالسرطان في اوصال العالم العربي والاسلامي واتجاهاته الاربعة؟
هل يمكن ان تتقدم امة فعلا، وما زال فيها امثال (داعش)، من يقتل الناس بدم بارد لمجرد انهم مختلفون عنه في العقيدة كما حدث مع الاقباط السبعة في ليبيا مؤخرا؟
اي طائفية واي عنصرية واي همجية تعجز امامها الكلمات!
ولا عجب ان النظام السوري لا يبدو منزعجا او متعجلا في القضاء على داعش واخواتها من ادوات الارهاب، حيث انها تقدم له خدمات جليلة باقناع كثيرين انه يبقى الخيار الافضل رغم كل جرائمه.
وكأن قدر الشعب السوري ان يكون اما ضحية لارهاب ‘علماني’ باسم الوطنية او ضحية لارهاب ‘ايديولوجي’ باسم الدين.
ان الطريق الى المستقبل سواء في سوريا او العالم الاسلامي غير ممكن الا عبر تجاوز هذا ‘السرطان الارهابي’ الذي يعربد في جسد الامة ضاربا عرض الحائط بكافة القيم الاسلامية بل والانسانية ايضا.
اما الشعب السوري الذي عاني في سكونه، ويعاني اليوم بعد ثورته، فانه يستحق مستقبلا بلا ارهاب مهما كان لون الراية التي يحملها.
لمن يقرع الرئيس بوتين أجراس الحرب؟
سليم نصار (http://alhayat.com/Opinion/salem-nassar.aspx)–الحياة اللندنية
مطلع الشهر الماضي، وصلت إلى القاعدة الأميركية - الإسبانية المشتركة «روتا»، السفينة الحربية الأولى المسجلة ضمن منظومة الدرع الصاروخية. واتصلت موسكو بمدريد لتسألها عن الهدف من استقبال سفينة حربية أميركية، الأمر الذي ينزع عن إسبانيا صفة الدولة المحايدة.
جواب مدريد أكد مصادقتها عام 2011 على استقبال منظومة الدرع الصاروخية في قاعدة «روتا» الواقعة عند المدخل الغربي لمضيق جبل طارق، ثم أبلغتها أن البنتاغون سينشر أربع مدمرات بهدف حماية سلامة أوروبا الغربية، إضافة إلى الفضاء الأميركي. وادَّعت مدريد أن صواريخ المدمرات معدة لاعتراض صواريخ إيران وكوريا الشمالية.
ولم تقتنع موسكو بهذا التفسير، لأن الاتفاق النووي حول المشروع الإيراني يفرض على واشنطن تجميد نشاط منظومة الدرع الصاروخية. ولما أنكرت واشنطن هذا الالتزام، سارعت موسكو إلى إعلان نيتها نشر سفنها الحربية في البحر الأبيض المتوسط، بغية التصدي لمنظومة الدرع الصاروخية الغربية. وقد أتبعت تهديدها بإرسال سفينة «بطرس الأكبر» إلى المياه الدولية قبالة مضيق جبل طارق. وهي تُعَد أكبر سفينة حربية في العالم مزودة صواريخ نووية.
ولم تكتفِ روسيا بهذا المقدار من التحدي، بل أعربت عن استعدادها لمواجهة ظروف الحرب الباردة التي شنتها ضدها الولايات المتحدة بالتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي.
ويُستَدَل من طبيعة حملات الاعتراض الروسية، على أن موسكو متضايقة من نشر الدرع الصاروخية الأميركية في عدد من الدول الأوروبية مثل رومانيا وبولندا. لهذا السبب، هدد الرئيس فلاديمير بوتين بالانسحاب من اتفاق الحد من ترسانة الأسلحة الاستراتيجية في حال استمرت هذه العمليات الاستفزازية.
وقد برّر وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل موقف بلاده بالقول: «إن شبكة الدفاع المضادة للصواريخ في أوروبا هي في مثابة رد وقائي على التهديد الذي تمثله الصواريخ الباليستية الإيرانية».
شكوك موسكو حيال عمليات التطويق والتهديد تذهب في الاعتراض إلى أبعد من ذلك بكثير. وهي تزعم أن واشنطن استغلت انشغالها في أولمبياد سوتشي الشتوي، كي تحرِّض المعارضة في كييف على التمرد ضد حليفها الرئيس فيكتور يانوكوفيتش.
والثابت أن الرئيس بوتين وجد في الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش الحليف الذي يركن إلى قدرته الشخصية، من أجل إبعاد البلاد عن أجواء الثورة البرتقالية (2004).
وترى موسكو في تلك الثورة مزيداً من التحريض الخارجي بهدف فصل شرق أوكرانيا عن غربها. أي فصل الجزء الأوراسي، صاحب التقاليد الروسية والتبعية الثقافية... عن الجزء المتاخم لبولندا ورومانيا الذي يميل إلى ربط البلاد بدول التحالف الأوروبي وفضاء الولايات المتحدة.
وسبق لبوتين أن خاض معركة شرسة ضد جورجيا لمنع التحاقها بالتحالف الأطلسي، والحؤول دون سقوطها في أحضان الدول الغربية.
لهذا السبب وسواه، قامت موسكو بخطوة غير مسبوقة تجاه كييف، عندما حررتها من التزامات قرض صندوق النقد الدولي، وذلك عبر اتفاق تعهدت فيه بشراء سندات حكومية أوكرانية بقيمة 15 بليون دولار، إضافة إلى هذه التسهيلات الاقتصادية، فقد أعلنت شركة «نفط - غاز» الأوكرانية بأنها وقعت بروتوكولاً مع شركة «غاز بروم» يقضي بتخفيف سعر الغاز الطبيعي الذي تشتريه من روسيا. وعلق الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، في حينه، على تلك التسهيلات بالقول: «إن الاتفاق التاريخي الذي أبرمناه مع موسكو يسمح بإنقاذ اقتصادنا من الإفلاس!».
بعد مرور فترة قصيرة على ذلك الاتفاق، امتلأت «ساحة الاستقلال» في العاصمة كييف بالمتظاهرين الذين طالبوا بضرورة إعادة الصلاحيات السياسية إلى البرلمان. كما طالبوا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وإلغاء المساعدات الروسية.
خلال تلك المرحلة، هدد الرئيس الأوكراني بملاحقة زعماء المعارضة، متهماً إياهم بالسعي إلى الاستيلاء على الحكم. وقد فرضت السلطات الأمنية ما يشبه حالة الطوارئ، معلنة إغلاق «المترو» بغرض التخفيف من دخول المواطنين باتجاه العاصمة.
عقب تصعيد عمليات العنف، وسقوط قتلى من الطرفين، دخلت الأزمة الأوكرانية مرحلة التدويل، الأمر الذي دعا وزير خارجية ألمانيا إلى التدخل العاجل. وتبعه على الفور نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي امتنع عن أخذ موقف منحاز إلى المعارضة، إنما شدد على أهمية إجراء حوار بين زعمائها والحكومة. أما موسكو فقد أصدرت بياناً رسمياً دعت فيه زعماء المعارضة إلى وقف سفك الدماء والعودة إلى طاولة الحوار مع السلطة. أي أنها اتخذت موقفاً محايداً، بعيداً من تهديدات الرئيس الأوكراني وأجهزته الأمنية.
وتقول الصحف إن موقف بوتين المفاجئ، خضع لسلسلة اعتبارات أهمها القرار الذي اتخذه يانوكوفيتش لسحق المعارضة بواسطة القوات الخاصة المسماة «أوميغا.» وهي كلمة يونانية تعني «النهاية». والقوات هذه مدربة على العمليات الاقتحامية الخطرة، وعلى الدفاع عن سلطة الرئيس.
وذكرت جريدة «التايمز» أن الرئيس بوتين اتصل شخصياً بالرئيس فيتكور يانوكوفيتش، وطلب منه استقبال زعماء المعارضة، والتباحث معهم حول خطوات التسوية المقبولة. وفي هذا السياق، أكد وزير خارجية بولندا رادوسلو سيكوسكي - بناء على معلومات حكومته - أن الاتصال حصل فعلاً، وأن بوتين كان حازماً في نصائحه وتوجيهاته.
ويرى المحللون أن الرئيس الروسي كان يتطلع إلى الصورة القاتمة التي ستظهر من وراء اقتحام ساحة الاستقلال بواسطة 2500 عنصر من الـ «أوميغا» أعدهم يانوكوفيتش لطرد المعتصمين والمعتصمات. واستناداً الى الوقائع السابقة، فإن بوتين تخوَّف من حدوث مجزرة لن يكون هو بمنأى عن نتائجها السلبية.
وللتدليل على ظهور موسكو بمظهر الدولة المحايدة في هذا النزاع الداخلي، تعمَّد ممثل الرئيس فلاديمير بوتين عدم حضور مراسيم توقيع الاتفاق. ونص الاتفاق على ثلاثة بنود تتعلق بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وتشكيل حكومة ائتلافية مشتركة، وفتح المجال أمام إجراء تعديلات دستورية. ويقضي الاتفاق بتشكيل حكومة مختلطة تتمتع بسلطة إلغاء القرارات المجحفة بحق المعارضة.
وبعد التوقيع على الاتفاق صوَّت البرلمان الأوكراني على قرار العمل بدستور 2004 الذي يحدّ من سلطات الرئيس ويمنح البرلمان الحق في تعيين الوزراء. ولما طرح التعديل للتصويت نالت المعارضة 386 صوتاً من أصل 450 صوتاً.
نهاية الأسبوع، سيطرت المعارضة الأوكرانية على السلطة في كييف. وكان آخر ظهور ليانوكوفيتش في مدينة دونتسيك التي حاول الهرب منها على متن طائرة برفقة حراس مسلحين. وقد وجهت إليه الحكومة الموقتة تهمة القتل الجماعي، وقررت ملاحقته بعد عزله.
ووفق البيانات الرسمية، فقد انتقل إلى شبه جزيرة القرم على البحر الأسود، والتي تتمتع بحكم ذاتي. وربما اختار له بوتين هذا الملجأ المعزول كي يتحاشى تسليمه في حال دعي للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
هذا، مع العلم أن رئيس وزراء روسيا ديمتري مدفيديف أعلن أن حكومته لا تعترف بشرعية السلطة الجديدة في أوكرانيا. ومن أجل تدعيم حجته قال في ذلك: «سيكون منافياً للمنطق اعتبار ما هو نتيجة تمرد وكأنه أمر شرعي».
وقد استخدمت موسكو هذا المنطق للدفاع عن نظام حليفها السوري بشار الأسد، معتبرة تمرد الائتلاف المعارض عملاً غير شرعي لا يجوز الاعتراف به.
لذلك، انتقد وزير الخارجية سيرغي لافروف زيارة مسؤولة العلاقات الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي، كاثرين آشتون كييف، ووصف مهمتها في أوكرانيا بأنها غير متوازنة كونها تؤيد حكومة غير شرعية. علماً أن آشتون كررت أمام أعضاء الحكومة الجديدة حرص الاتحاد على معارضة الحركات الانفصالية.
كذلك، وصل إلى كييف مساعد وزير الخارجية الأميركي، وليام بيرنز، بهدف الاطلاع على الحاجات الاقتصادية الملحة، والمساهمة في تحديد قيمة المساعدة التي يمكن أن تحصل عليها أوكرانيا من الولايات المتحدة.
ذكرت الإدارة الأميركية أن الرئيس باراك أوباما أرسل مذكرة إلى جميع السفراء بضرورة مراعاة كبرياء الشعب الروسي، والتعاطي بحذر واعتدال مع أزمة أوكرانيا. ثم اتصل يوم الجمعة هاتفياً بالرئيس الروسي بوتين، نافياً له ادعاءات كبار الموظفين بأن الولايات المتحدة متورطة في مؤامرات شبيهة بمؤامرات الحرب الباردة.
وتقول مصادر البيت الأبيض إن المكالمة استغرقت ساعة كاملة، ارتكزت خلالها أجوبة بوتين على رؤيته لأوكرانيا بأنها تقع في دائرة نفوذ روسيا. ولما قال أوباما إن مستقبل أوكرانيا يحدده الأوكرانيون وليس الولايات المتحدة أو أوروبا... أو حتى روسيا، أجاب بوتين على الفور: وماذا عن مستقبل جورجيا ومولدوفا؟ وكان بهذا التلميح يشير إلى الإغراءات الاقتصادية والسياسية التي قدمتها واشنطن لجورجيا بحيث تنضم إلى الحلف الأطلسي.
عقب الانتكاسة السياسية التي مُنيت بها روسيا في أوكرانيا، شعر الرئيس بوتين بالإحراج، لأن الخلافات الحادة لدى جارته المفضلة قد تنقل نظام الحكم إلى الفيديرالية أو الكونفيديرالية. ومثل هذا التغيير قد يعرض بلاده لخطر عدوى التفكك الداخلي. لذلك، سارع إلى معالجة أزمة الارتدادات المتوقعة بإجراء أوسع مناورات حربية عرفتها روسيا منذ وقت طويل. وقد شملت تلك المناورات الأسطول في البحر الأسود والترسانات البرية والجوية في وسط البلاد وغربها. كما استنفرت نحواً من 150 ألف جندي من مختلف القطاعات.
في نهاية الأسبوع الماضي، استغل المعلق والكاتب الأميركي - الهندي فريد زكريا، منبره الإعلامي في قناة «سي أن أن»، كي يستضيف زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيمي كارتر. والسبب، أن هذا المستشار هو صاحب نظرية احتواء أوكرانيا لأنها، في رأيه، تمثل قاعدة الانطلاق لطموحات روسيا التوسعية. وبناء على هذه النظرية شجع بريجنسكي الدول الغربية على اقتناص الفرصة لضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي. عندئذ تصبح روسيا معزولة وعاجزة عن تخطي حدودها الطبيعية.
بقي السؤال المتعلق بتأثير الأزمة الأوكرانية على دور روسيا في سورية.
يتمتع النظام السوري منذ السبعينات بعلاقة تاريخية وثيقة مع موسكو، دشنها الرئيس حافظ الأسد، ثم جدد تلك العلاقة نجله الرئيس بشار عندما زار موسكو عام 2005. وكافأه الرئيس بوتين بإلغاء ما نسبته سبعون في المئة من الديون لروسيا (13.4 بليون دولار). ورد بشار على تلك المكافأة بمنح البحرية الروسية وجوداً دائماً في ميناء طرطوس.
وعلى عكس ما يتوقعه الأميركيون، فإن خسارة أوكرانيا ستقوي حضور روسيا على البحر الأبيض المتوسط كتعويض عن خسارتها الكبرى في منطقة البحر الأسود.