المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 646



Haneen
2014-04-03, 10:28 AM
اقلام عربي 646
15/3/2014



في هذا الملف:


ماذا ننتقد في حركة فتح؟

بقلم: كايد معاري عن القدس العربي



يستطيع أن يقول لا

بقلم: كمال خلف الطويل عن الأخبار البيروتية



بعد نتنياهو . . أبو مازن في البيت الأبيض!

بقلم: عوني صادق عن الخليج الاماراتية



الخشية من تنازلات جديدة

بقلم: فايز رشيد عن الخليج الاماراتية



غزة إذ تكسر الصمت ..

بقلم: عبداللطيف مهنا عن الوطن العمانية



تحت راية الاحتلال

بقلم: حسان يونس عن الوطن القطرية


إسرائيل في مأزق.. فلا تضيعوا الفرصة

بقلم: عماد عبد الرحمن عن الرأي الأردنية



غزة والمعركة الصحيحة..

بقلم: صالح عوض عن الشروق الجزائرية



خلافاتنا وتخلفنا سببها إسرائيل

بقلم: مصطفى الصراف عن القبس الكويتية



عيون وآذان(حقيقة سحب السفراء -1)

بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية



تبعات ومسؤوليات ثورات الربيع العربى

بقلم: سعد الدين ابراهيم عن المصري اليوم



من سرق «المقاومة» و«الجهاد»؟!

بقلم: حسين شبكشي عن الشرق الأوسط



عراق مقتدى أم عراق المالكي وأوباما!؟

بقلم: مطلق سعود المطيري عن الرياض السعودية



قطر الإخوانية.. قطر الخليجية

بقلم: باسل محمد عن الصباح العراقية


ماذا ننتقد في حركة فتح؟
بقلم: كايد معاري عن القدس العربي
يشكل الموروث الفتحوي على مدى ما يقترب من العقود الخمسة، بصعوده وهبوطه، وإنجازاته وإخفاقاته، التاريخ الجمعي للشعب الفلسطيني الحديث، ولا أود التعريج على مختلف المراحل التاريخية، والأحداث التي تشكلت معها ملامح الهوية الفلسطينية والتي تعد أهم الإنجازات الفتحوية الى جانب فصائل العمل الوطني التاريخية وخاضت لأجله عدة معارك، حتى لا يكون هذا المقال تنظيريا يستقطب كادر الحركة فحسب، بل ليكون مهمازا يستحث من يهتم في دوائر صنع القرار الحركية، ويتسع صدره وعقله لإستيعاب الفجوة الآخذة بالإتساع بين الحركة وجمهورها، وهي التي عرفت مجازيا بـ ‘ أم الجماهير’.
يدرك المتتبع لمسيرة حركة فتح منذ برنامج النقاط الـ 10 عام 1974، ووثيقة الإستقلال في سنة 1988، وما تلاها من اتفاقية اوسلو، وخارطة الطريق، مرورا بالإنتفاضتين، ورحيل الشهيد ياسر عرفات، أن حركة فتح تسير وفق رؤية تعتمد على حل الدولتين، وحل عادل لقضية اللاجئين، والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المتوقعة، وبغض النظر عن الغوص في التفاصيل والكيفية التي تقوم فيها حركة فتح بإدارة هذا الملف إلا انها اثبتت بعد النظر في رؤيتها وهو ما جعل معظم التيارات السياسية في فلسطين تلحق بركب برنامجها السياسي، مع التأكيد على هامش المعارضة القائم على ادارة الملف وليس الإطار العام.
ولكن في هذه الأثناء اخفقت حركة فتح على صعيدين هامين: أولهما يتمثل بعقد حركة فتح زواجا كاثوليكيا مع عقلية الحزب الحاكم، وتعاملت بمنطق صاحب النفوذ والسيطرة، وابتعدت في كل مرة خطوة عن بناء تحالفاتها مع القوى اليسارية والديمقراطية، وهو ما جعل الأخيرة في بعض المناسبات اكثر قربا لحركة حماس رغم الإختلاف الإيديلوجي والفكري بينهما. عقلية الحزب الحاكم والحرص على استئثار السلطة الوطنية الفلسطينية، لم يحمل فتح سلبيات الأدوار المناطة بالسلطة الوطنية بحكم الإتفاقيات السياسية، بل شكل طبقة من المستفيدين من الحالة القائمة، سعت بكل ما اوتيت من قوة لتعزيز ثقافة وممارسة دور الحزب الحاكم، الذي اصبح مع الأيام مكرها لا بطل، في التعاطي مع القوى الرأسمالية، وسطوة المال عوضا عن تطوير وتعزيز الرأسمال الإجتماعي الفلسطيني.
وهنا لا بد من التأني ومحاولة المقاربة بين الرؤية التحررية لفتح واعتمادها الخيار السلمي في انهاء الصراع ، الذي استندت فيه الى موروث كبير من التضحيات، وعدالته، ويعتمد اساسا على صمود الشعب الفلسطيني بمختلف اماكن تواجده واحتضـــانها لقيادة الحــركة، وبين السياسات الإدارية والمالية التي اعتمدتها في ادارة السلطة الوطنية الفلسطينية، وقلصت هامش تطــــوير القيم الإيجابية والتعاونية والتحــررية في وسط المجتمع الفلسطيني وهو ما خلق فجوة بين طموح القيادة في برنامجها، وواقع الشعب الذي غدا يعيش في حالة من الإحباط بسبب عدم تناغم رؤية فتح بالتحرير مع السياسات التي يتم اتباعها على صعيد المجتمع لتحافظ عليه مجتمعا مقاوما.
ويكمن ثاني التحديات التي تعيشها الحركة، بعدم تلبية المؤتمر السادس للحركة رغبتها في تجديد فعاليتها وتطوير برامجها الجماهيرية والمجتمعية، رغم ترسيخ نهج الإنتخابات الديمقراطي في اختيار القيادات. لكن على ما يبدو ان ديناميكيات الحركة لم تعد قادرة في شكلها الحالي على استيعاب أن هناك أجيالا متكدسة لدى الحركة تنتظر اخذ زمام المبادرة والقيادة، بعيدا عن ثقافة الإستزلام وهو ما دعا له مؤخرا الرئيس محمود عباس في اجتماع المجلس الثوري، بضرورة ان يكون هناك التفاف حول حركة فتح وليس اشخاصها مهما تكن رتبته في الهيكل التنظيمي.
لا أدري إن كانت القيادة الحركية اليوم تعلم أن هناك الافا من كوادر الحركة، اصبحوا على هامش الحراك الفتحوي، ويعتمدون على مبادراتهم خارج الأطر الرسمية، ليس لأسباب فردية في غالبها بل لعدم قدرة الأطر الحركية على استيعابهم ودمجهم في عملية الحراك وصنع القرار، ويبدو أن على حركة فتح أن تنظر بعين الأهمية لأجيال تتدافع في داخلها وطاقات وكفاءات، تشكل لديها وعيا كافيا بالموروث الثوري الفتحوي الذي يكفل الحقوق الفلسطينية وكرامة المواطن، ويمارس السياسة والمناورة في إطار ما يحقق عدالة قضيته، ويتناغم مع نبض الشارع.
تمر حركة فتح بظروف وتحديات تتعاظم يوما بعد آخر وهو ما يتطلب من قيادتها الإسراع في وتيرة الإصلاح بما يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني وكادرها، فمازالت الفرصة متاحة، مع الأخذ بعين الإعتبار ان عجلة الوقت تسير بسرعة مضطردة.

يستطيع أن يقول لا
بقلم: كمال خلف الطويل عن الأخبار البيروتية
... والمستطيع هو محمود عباس... ولا هي لمراد المؤسسة الأميركية الحاكمة منه توقيع صك كفيل بحزمة كوارث تضاف على ما فوق رأس الشعب الفلسطيني من مصائب وتؤبدها.
منذ عام ونيف تحدثت عن جدية المسعى الأميركي وضراوته لفرض تسوية نهائية للصراع العربي _ الإسرائيلي، مبعثهما عاملان متناقضان في الظاهر ومترابطان في العمق:
1ــ تقدير واشنطن أن قوى الإعاقة معاقة... والحديث هنا عن إيران وسوريا والمقاومات المتحالفة معهما، فيما حماس قد تدحرجت من طور المقاومة إلى محضن الإخوان، فخرجت من حسابات الأولى، ولم تفز إلا بالنوازل من الثانية.
ومن ثم ففرصة واشنطن للنفاذ بتسويتها قد أطلّت وأخيراً بكامل هيئتها ومن دون كثير حاجة لمراعاة «تزيد» المفاوض الفلسطيني.
2ـ تقديرها أنّه طالما ورهان كسب سوريا معاقٌٌ بقوة صد معسكر الخصم، فالتعويض في فلسطين موقوت، بل كفيل بإضعاف ذلك المعسكر، وبما قد يفضي إلى العودة للكسب في الشام، ولو بعد تأخير.
لم تكن قناعتي حينها مثار استساغة لفرط ما لحق مساعي «السلام» السابقة من فشل مزمن مدعاته - حقاً وفعلاً - تصميم واشنطن الثابت، عبر نصف قرن، على فرض نسخة سلْمها... وحدها ولا شيء سواها.
على خلفية العاملَين أعلاه تحركت واشنطن بمثابرة لا تلين وراء سعيها إلى فرض تسويتها... وبرغم أنّ وفير مداد أهرقه كثيرون تحدثوا عن جبروت إسرائيل وقدرتها ورغبتها مجتمعتين على إفشال تسوية يريدها حليفها الأكبر. وكما اعتادت - عندهم - أن تفعل في كل السوابق، ولا سيما وهي - عندهم أيضاً - في أحسن حال اقتصاداً وأمناً ومقاماً. مقولة تصبّ في سياق تصور وتصوير إسرائيل سيدةً للقرار الأميركي، فيما واقع الأمر أنها جزء نسغي وامتداد عضوي للولايات المتحدة، نسيجاً ومؤسسةً وقراراً ودوراً ومقاماً... لا تقل بشيء، إن لم تزد، على أي من ولاياتها الخمسين. من هنا فعلاقتها بالمركز علاقة طرف به... نعم يمكن أن يؤثر لكنه يتأثر بأكثر، بل وبكثير، ولا سيما إن تباينت الرؤى حول مسألة، فكيف بتلك الفلسطينية.
والحاصل أن مقاربتي - تاريخياً - لموضوعة التسوية انطلقت، وما فتئت ومن زاوية أميركية هي عندي الأساس، ومنذ ما بعد حرب السويس أي مذ بدء الصراع العربي _ الأميركي وتعاقبت أطواره: الترويض - مبدأ أيزنهاور، الغواية - مبيعات القمح، العقاب - الانفصال، الاستنزاف - اليمن، والتصفية 67 -70، ليصل عدد من أطرافه العرب - مصر على وجه الخصوص - إلى ولوج حِقب السطو والتبعية، بل والعبودية.
والشاهد أنّ قرار واشنطن منذ يوم 11 حزيران 1967 كان عدم السماح بتسويةٍ تشمل انسحاب إسرائيل الكامل من الأراض المحتلة (67) لقاء إنهاء حالة الحرب. ثم كان غضّ الطرف عن استيطانها الضفة ورقة مساومة ثمينة مقابل أساسيات القضية الفلسطينية، فضلاً عن السماح بضم القدس الشرقية، ولحين يطول، جائزة شكر لنجاحها الباهر في مهمة 76.
والحال أنّ ما همّ واشنطن منذ ذلك التاريخ كان أولاً إخراج مصر من معادلة الصراع، وتحقّق لها ذلك مع أنور ساداتي. وكان ثانياً لحاق حافظ الأسد به، وهو ما لم يتحقق لها البتة بفعل أن «الشام» هو ما يدور الصراع فيه وعليه... أما همها النهائي فهو إنتاج كيان فلسطيني في الضفة والقطاع، يكون ملحقاً بإسرائيل ومتخلياً عن مرامي العودة والتحرير.
قراءة واشنطن لراهن المشهد تقول: مصر على حالها ولا خشية من تغير... سوريا غارقة في دمائها... حماس «في خبر إخوان»... وعباس عاجز إلا على الانصياع.
ولكن، هل صحيح أن قبول عباس بتسوية كيري قدر مقدور؟ الجواب هو بلا مؤكدة... لماذا؟ لأن ولوج الولايات المتحدة عصر الأفول (أكرر: ليس السقوط) سمح ويسمح، وسيزداد سماحه، باتساع هامش حركة المرتبطين بها، ممن هم غير راضٍ عن موقفها من أمرٍ يهمه، وتزاول عليه ضغطاً يمجّه بغية تماشيه معه... نلحظ هنا صنفان من المرتبطين: من لا حيلة لهم إلا الاتكال على الولايات المتحدة، لعضويّ صلته بها، ولاستحالة مغادرتهم مجرّتها إلى منظومة أخرى: إسرائيل والسعودية مثالان ساطعان على هذا الصنف. في المقابل، فالصنف الثاني هو ممن يمتلكون بدائل يمكن الاستعاضة بها عنها، إن طاولها وهن كما الحال الآن... أبرز مثالين من هذا الصنف هم: نوري المالكي، مستنداً إلى حائط إيراني... وحميد قرضاي، متكئاً على سند روسي _ هندي _ إيران.
استطاع المالكي أن يصرّ على تضمين اتفاق sofa في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008 فقرة انسحاب أميركي تام خلال سنوات ثلاث، ثم صمم على إنفاذ هذا الانسحاب بحذافيره عندما أزف وقته، رافضاً بثباتٍ بقاء قوة إعاقة أميركية مع حلول موعد الانسحاب نهاية 2011.
يكرر قرضاي المسار ذاته الآن برفضه القاطع توقيع اتفاق sofa، وحتى آخر يوم من ولايته الشهر القادم - وبرغم موافقة اللوياجيرغا المشروطة على مسودته - وهو ما يكفل اضطرار واشنطن إلى سحب كامل قواتها نهاية العام، حتى ولو قبل خلَفه التوقيع، إذ لن تدور عجلة الموافقة والإنفاذ إلا مع آب القادم، وحينها يكون قد قضي الأمر الذي فيه تستفتيان... بذا يحبط الرجل رغبة واشنطن المحمومة في استبقاء قوة إعاقة مهمتها التدخل في آسيا الوسطى، المحطة القادمة للتوتير بعد أوكرانيا ومولدافيا و... سوريا.
معطوفاً على أداتي القياس أعلاه، هل من حواضن إقليمية وكونية لعباس تتمكنه من قول لا؟ لنستعرض الأمر:
1ــ لا قبل لإيران بإمرار تسوية منقوصة للملف الفلسطيني لما لذلك من تأثير سلبي فارق على وجودها شرق المتوسط، وجودٌ ضاعف من أهميتها الجيوستراتيجية وحولها من دولة برزخ مهمة، بين قزوين والخليج، إلى قوة إقليمية عظمى، متحالفة مع «سوراقيا»، ومقررة في ملف الصراع مع إسرائيل. الثابت أنّ أوزن أسباب تحرق واشنطن على اختراق نخبة الحكم الإيرانية هو إخراج إيران من هذا الصراع، وردّها شرقاً إلى البرزخ. ولعل حادثة سفينة السلاح الإيرانية المتجهة إلى غزة دلالة بينة على موقف إيران الفعلي من تسوية كيري.
2ــ ليس في وسع سوريا إمرار تسوية منقوصة، فذلك يتركها وحيدة في العراء من دون جولان مسترَدّ، وفق تسوية شاملة مُرضية. إسهامها في إرسالية السلاح المحمول على الباخرة الإيرانية دليل على توثبها لإعاقة كيري... عبر تسخين موقوت من القطاع، ولا سيما أن ليس لسوريا ما تخسره أكثر تبعاً لتلك الإعاقة. فلقد صبّت عليها واشنطن كل ما يمكنها صبّه من حمم ولم تنل وطرها كما اشتهت بالتمام، وإن كانت قد خلّفت تشوهات خطيرة في الاجتماع والعمران السوريَّين.
3ــ ليس من حافز لروسيا أن تكون عراباً لتسوية أميركية تأخذ من درب حليفها السوري، ولا تعطيه قيمة مضافة. نعم، هي مؤيدة لتسوية نهائية للصراع العربي _ الإسرائيلي، ولضمان أمن إسرائيل في حدود 67... لكن ما ينظم مقاربتها للتسوية نواظم ثلاث:
أن تكون هي سيدة قرار الطاقة شرقي المتوسط، وعلى إسرائيل أن تندرج في ناموس تلك السيادة، وهو أمر لم يتأتَ لروسيا بعد.
ألا تخرج واشنطن بصولجان صانع السلام، دون مشاركة روسية وأن يكون الجولان جزءاً من التسوية.
الآن، هل بإمكان محمود عباس أن يقول لا؟ فالتلويح بوقف التمويل الغربي لسلطته مردودٌ بواقع أن إسرائيل ستكون حينها هي المسؤولة عن احتلال ثلاثة ملايين فلسطيني، أمرٌ تخففت من أعبائه بحبورٍ تام منذ أنعم عليها أوسلو بذلك.
الأهم، هو أن سمتين أميركيتين واسمتين لاتفاق الإطار الأميركي المقترح هما من صنف ما لا تستطيع حتى روابط القرى (المنحلة) بلعه وهضمه: يهودية إسرائيل، ووحدانية مرجعية «الإطار».
لماذا تصر واشنطن على يهودية إسرائيل؟ ببساطة لأنها تبغي قبر السردية الفلسطينية للصراع، وإبطال مشروعيتها، وجعل مئة عام من نضال الشعب الفلسطيني - وشعوب أمته العربية - من أجل أرضه وحقوقه وقضيته فعلاً قبيحاً منكراً، استحق هزيمته - بل ونالها - على يد سردية صهيونية تملك «حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره على أرضه التاريخية» والقوة، يقرّ لها الشعب الفلسطيني بخطيئته، ويسبغ على أحقيتها بركة قبوله.
ترجمة ذلك العملانية هي إسقاط حق العودة. أما من يمطّ «اليهودية» إلى ترحيل وترانسفير من 67 أو 48، فهو تزيّد لا مكان له من الإعراب، ببساطةْ لاستحالته الآن وما قبل وفي كل آن. في المقابل، فمقصد «اليهودية» الآن عقائدي، وليس إجرائياً كما في لغة قرار التقسيم.
لماذا تصرّ واشنطن على وحدانية مرجعية «الإطار»؟ لأنها تريد له أن يجبّ ما قبله من قرارات الشرعية الدولية، من أول 181 إلى 194 ووصولاً الى 242... وكلها مما أوردها صداعات مزمنة ناكسة أن أوان سحبها من التداول مرةً وإلى الأبد، فيضْحي «الإطار» المرجعية الوحيدة الناظمة للمسألة الفلسطينية، ونقطة آخر السطر... أي لا تقسيم ولا عودة ولا تعويض ولا عدم جواز الاستيلاء بالقوة على أراضي الغير... كلها إلى متاحف التاريخ الفاقد الذاكرة.
في بال واشنطن أن اتفاق الإطار هذا يفضي تبعاً إلى اتفاق تنفيذي ينظم الترتيبات الميدانية للتسوية. في هذا الصدد، تشدد نتنياهو يشدّ من أزر كيري في الضغط باتجاه اليهودية ووحدانية مرجعية الإطار.
عند واشنطن إن الأهم مع إسدال عصر الأفول أستاره أن يكون امتدادها العضوي - إسرائيل - في وضع آمن وطبيعي، ولا سيما أن دورها الوظيفي آفل بدوره، في توازٍ مع السيد.
هل من مصلحة أو حافز لمحمود عباس في التملص من تسوية كيري؟ كل المصلحة وكل الحافز... ولو بالسلب، إذ المطلوب جسيم، وتحمل وزره فوق الطاقة، وعقابه بغير حساب.
هل يستطيع حماية قراره بالتملص؟ خلفه كل الفصائل ومحور الممانعة وروسيا... أي شبه آمن. ما الذي هو مقبل عليه؟ أظنه لن يضع إمضاءه على صك الإطار... فحسبة الورقة والقلم، ومنطق التاريخ، وموازين القوى كلها تصرخ: تستطيع أن تقول لا.

بعد نتنياهو . . أبو مازن في البيت الأبيض!
بقلم: عوني صادق عن الخليج الاماراتية
لم ينته الحديث بعد في الصحف "الإسرائيلية" والعربية عن زيارة رئيس الوزراء "الإسرائيلي" نتنياهو لواشنطن، ولقائه بالرئيس أوباما وخطابه في منظمة اللوبي الصهيوني الأمريكي (أيباك) . وبعد أيام، سيحل الرئيس محمود عباس ضيفاً على الرئيس أوباما في لقاء وصف بأنه "الأصعب" بالنسبة لأبو مازن .
في العادة، وفي برامج (التوك شو)، يعتبر من يعطى الكلمة الأخيرة تكون له الفرصة الأفضل في الحوار . لكن هذا لن يكون في حوار باراك- عباس . ففي لقائه مع أوباما، وفي خطابه أمام (أيباك)، وفي المقابلات الصحفية التي أجريت معه، أكد نتنياهو على أنه "لا اتفاق سلام مع الفلسطينيين من دون اعترافهم بيهودية "إسرائيل"" . وفي كل تصريحاته وما نسب إليه، أكد أبو مازن "إننا لن نعترف بيهودية "إسرائيل"" . ولعله ولما لمسته واشنطن من تصريحات ومواقف الطرفين، خرجت الناطقة بلسان الخارجية الأمريكية جنيفر بساكي بما تظنه "حلاً وسطاً" بين الموقفين، وهو ليس كذلك بالتأكيد، فقالت لصحيفة "القدس" المقدسية يوم 8-3-،2014 شارحة الموقف الأمريكي، بقولها: "موقفنا هو أن "إسرائيل" دولة يهودية، ولكن ليس بالضرورة أن يتفق الطرفان على ذلك في إطار الاتفاق النهائي"!
ولا شك في أن مسألة الاعتراف ب"يهودية "إسرائيل"" هي العقبة الأصعب في طريق التوصل إلى "اتفاق إطار"، لكن كل المسائل الأخرى هي عقبات أخرى وضعتها القيادة "الإسرائيلية" لتمنع بأقدار متفاوتة التوصل إلى الاتفاق، وتأتي في المقدمة منها قضية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، ثم وضع المستوطنات، وأخيراً ما يندرج تحت عنوان "الترتيبات الأمنية" . والمفروض أن اللقاء بين أوباما وأبو مازن سيتوقف أمام كل هذه القضايا التي لم تنفع كل جهود وزير الخارجية جون كيري وشهوره الثمانية في التوصل إلى اتفاق حول أي منها . لذلك وصف اللقاء بأنه "الأصعب"، حيث يمكن، أو يفترض، أن يتوقف عليه مصير المفاوضات .
وبسبب ما هو معروف عن طبيعة العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، وبين واشنطن ورام الله، لا يتوقع المراقب أي تغيير يمكن أن يطرأ على موقف حكومة نتنياهو، لكنه يترقب ما يمكن أن تسفر عنه زيارة أبو مازن ولقائه مع أوباما . مع ذلك، فإنه إذا ما توقفنا أمام آخر تصريحات أبو مازن، نرى أنه من الصعب أن يطرأ على مواقفه المعلنة تغير جوهري، خصوصاً في القضايا الأكثر جوهرية ك"يهودية "إسرائيل"" .
ففي مساء يوم 6-3-،2014 خاطب أبو مازن الشبيبة الفتحاوية في الجامعات الفلسطينية وأعاد التأكيد على أن موقف السلطة "ثابت"، ومتحدياً من يدعي أنها قدمت "أية تنازلات منذ إعلان الاستقلال العام 1988"! وقال، إن السلطة لا تزال تطالب بالانسحاب "الإسرائيلي" من جميع الأراضي الفلسطينية على حدود 1967 . وبالنسبة لموقفها من حق عودة اللاجئين، قال "إنه حق شخصي لكل لاجيء ولاجئة"، وهو حر في اختيار الحل الذي يريد من بين الحلول الممكنة والتي بينها "العودة إلى الأراضي "الإسرائيلية" والحصول على جنسية "إسرائيلية" وتعويض مالي"!
وفي التاسع من مارس/ آذار الجاري، عقد مؤتمر وزراء الخارجية العرب اجتماعاً أسفر، كما أكد وزير خارجية السلطة رياض المالكي، عن "إقرار جميع القرارات والبنود الخاصة بفلسطين"، وأن زيارة الرئيس عباس لواشنطن "مدعومة عربياً"! وفي تحديد لتلك القرارات والبنود التي تم إقرارها، قال المالكي: "الرفض المطلق ليهودية الدولة، والرفض المطلق للتواجد العسكري "الإسرائيلي" على الأراضي الفلسطينية على حدود ،1967 والقدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية" (الأيام- 10-3-2014) .
لا نريد التعليق على أهمية "الدعم العربي" لزيارة أبو مازن، فالجميع يعرفون حدود ذلك الدعم وفاعليته، ويكفي أن الدول العربية، خصوصاً منذ بدأ تراجع منظمة التحرير عن مهمة "التحرير"، "تقبل بما تقبل به منظمة التحرير، والسلطة الفلسطينية، والفلسطينيون!! المشكلة حتى الآن، أن المنظمة والسلطة والفلسطينيين يرفضون "يهودية الدولة"، فيصبح ليس مطلوباً من هذه الدول العربية أي شيء حتى يتغير الموقف .
لقد وصف نبيل شعث، عضو اللجنة المركزية لحركة (فتح)، خطاب نتنياهو أمام (أيباك) بأنه "إعلان "إسرائيلي" رسمي من طرف واحد بإنهاء المفاوضات" (عرب 48- 5-3-2014) . وكان أبو مازن، وكبير مفاوضيه صائب عريقات، قد أكدا أنه "لن يتم تمديد المفاوضات ولا دقيقة واحدة"! والحقيقة أن ذلك يطرح السؤال التالي: لماذا إذن زيارة أبو مازن لواشنطن، بعد أن تبين أن كل "طموحات" كيري، وإدارة أوباما، قد أجهضت في الأيام الأخيرة، وتحولت إلى محاولة لمجرد تمديد المفاوضات؟! وفي حديثها لصحيفة "القدس" المشار إليه أعلاه، قالت الناطقة بلسان الخارجية الأمريكية: إن الأمر الأهم "هو استمرارنا في الاقتناع بأن الطرفين عازمان على الاستمرار في التفاوض"!
وإذا أردنا أن نبحث عن مبرر لزيارة أبو مازن، فلا نجد أكثر من القول إنه أراد أن يقول "كلمته الأخيرة" في موضوع المفاوضات، وفي هذه الحالة يصبح الموقف المطلوب هو أن يعلن إنهاء المفاوضات، إن أصر نتنياهو على مواقفه، وإن ظلت الإدارة الأمريكية على مواقفها المنحازة . عندها يستطيع أن يذهب إلى "المؤسسات الدولية"، وأن يلجأ إلى ما يراه "البدائل" للمفاوضات . وبالرغم من كل ما يحيط بتلك "البدائل" من ملابسات وأوجه قصور، إلا أنها تظل أفضل من تمديد مفاوضات وصفها أبو مازن منذ أشهر، وأكثر من مرة، بأنها عبثية .
فهل يفعلها أبو مازن؟

الخشية من تنازلات جديدة
بقلم: فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
من المقررأن يلتقي الرئيس أوباما، محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في البيت الأبيض في 17 مارس/ آذار الحالي . الرئيس الأمريكي التقى من قبل رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو . كثيرون من المحللين والمراقبين اعتمدوا ما أسموه "تحذيرات" أوباما لنتنياهو ول"إسرائيل" في إحدى مقابلات الأول الصحفية (قبيل اللقاء) . عملياً ما قاله الرئيس الأمريكي لا يعد تحذيراً، بل انتقادات خجولة للحليف الصهيوني، فهو تطرق للصعوبات التي ستواجهها "إسرائيل" مستقبلاً، إن لم تقم بتوقيع اتفاقية الإطار مع الفلسطينيين . كما أكد أوباما ل"إسرائيل" التزام الولايات المتحدة الكامل بالأمن "الإسرائيلي"، مع ضرورة الموافقة على أهمية توقيع معاهدة سلام مع الفلسطينيين . المراقبون أيضاً بالغوا في حجم ما أسموه "ضغوط" مارسها أوباما على ضيفه الصهيوني! حقيقة الأمر: إنه ما من تحذيرات وجهها الرئيس الأمريكي للحليف الصهيوني . كذلك ما من ضغوط مورست عليه . نقول ذلك اعتماداً على ما جرى في اللقاء: لقد أكد نتنياهو مواقفه الواضحة وشروطه على الفلسطينيين والعرب أمام الرئيس الأمريكي مباشرة . ثم إن اللقاء، كما صورته المصادر الإعلامية للطرفين، تميز بالأجواء الودية . التحذيرات في العادة يجري توجيهها مقترنة باشتراطات يمارسها الطرف المحذر للطرف التي يجري توجيهها إليه، وهذا ما لم يمارسه أوباما الذي أكد التحالف الاستراتيجي المتين بين الطرفين "الإسرائيلي" والأمريكي . نتنياهو أعاد تأكيده على استمرار الاستيطان (الذي زاد عملياً في عام 2013 بنسبة 123 % عما كان عليه في عام 2012 - أي في ظل المفاوضات)، كما أكد الثوابت والاشتراطات الصهيونية للتسوية . كان ذلك في خطابه في "الأيباك" بعيد لقائه مع أوباما .
التحذيرات والضغوط سيمارسها أوباما على عباس والفلسطينيين عموماً في لقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية . هذا ما تعودنا عليه في العلاقات مع الولايات المتحدة وفي جولات كيري . الضغوط ستنصبّ في اتجاهات ثلاثة: تمديد المفاوضات بعد مضي التسعة أشهر المقررة قبلاً، والتي تنتهي في أواخر إبريل/ نيسان القادم . الاعتراف بيهودية "إسرائيل"، والموافقة على تواجد قوات "إسرائيلية" في منطقة غور الأردن . توقيع اتفاقية الإطار التي اقترحها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري . الخشية هي قبول هذه الاشتراطات من طرف عباس، وبخاصة أن مصدراً إعلاميا أمريكياً صرح في بداية فبراير/ شباط الماضي، بأن اتفاقية الإطار ستتضمن اعترافاً فلسطينياً بيهودية دولة الكيان الصهيوني . أيضاً فإننا لاحظنا تأكيد وجود التنازلات الفلسطينية، خاصة في جولات التفاوض الأخيرة - فترة التسعة أشهر - (هذا عدا التنازلات الأخرى التي أبداها الطرف الرسمي الفلسطيني في أوسلو، وعلى مدى عشرين عاماً بعدها) . سنتناول التنازلات الأخيرة فقط لرئيس السلطة أبو مازن .
التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس منذ بضعة أسابيع في مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله مع نحو 300 طالب "إسرائيلي"، في إطار اللقاءات التي يجريها مع ما يسميه "المجتمع المدني "الإسرائيلي"" . للعلم: أبو مازن شكّل لجنة فلسطينية مهمتها التواصل مع المدنيين "الإسرائيليين" . بداية فإن وجود "مجتمع مدني في "إسرائيل"" هو فهم فيه بعض الخطأ، والأصح قولاً: إن "إسرائيل" هي جيش له دولة، ونحن لا نبالغ في ذلك فأغلبية المدنيين في "إسرائيل" هم احتياط للجيش "الإسرائيلي"، وكلما تكون "إسرائيل" على أبواب حرب تقوم باستدعاء هذا الاحتياط، أي أن المدنيين هم تبعية المؤسسة العسكرية الصهيونية . أيضاً "الإسرائيليون" لا يشكلون مجتمعاً مثل بقية الدول، إنهم فسيفساء لا أكثر . مع تجاوزنا لحرص الرئيس عباس على إلقاء التحية عليهم باللغة العبرية، مع أن لغة الرئيس المفترضة هي العربية .
اعترف الرئيس عباس في الحديث: بتقديم الجانب الفلسطيني للتنازلات فهو يقول نصّاً "إن الجانب الفلسطيني قدّم تنازلات عدة من أجل الوصول إلى السلام، ولكن الجانب "الإسرائيلي" في كل مرّة يطلب المزيد" . عباس يعترف أيضاً بالشهية "الإسرائيلية" للتنازلات الفلسطينية فدوماً تطلب المزيد منها، فالنهم الصهيوني لهذه التنازلات ليس له حدود . من جملة التنازلات الفلسطينية، الموافقة على إجراء تبادل طفيف للأراضي المحتلة في العام ،1967 والقبول بوجود طرف ثالث لحفظ الأمن على الحدود . ما نقوله إن القبول بمبدأ تبادل طفيف للأراضي يضرب قرارات الأمم المتحدة القاضية بانسحاب "إسرائيل" من كافة الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية . "إسرائيل" مثلاً تعد القدس الشرقية جزءاً من القدس المدينة الموحدة والعاصمة الأبدية لها . التبادل الطفيف يعني إعطاء الفلسطينيين شكلياً منطقة المثلث في عام ،1948 والتي تغص بثلاثمئة ألف مواطن فلسطيني عربي . هدف "إسرائيل" يظل هو التخلص من الفلسطينيين العرب في سبيل نقاء الدولة اليهودية، "أي الدولة لليهود فقط" كما تطمح إليه "إسرائيل" . هذا جزء مما قد تعده "إسرائيل" تبادلاً للأراضي . ثم إن مبدأ قبول طرف ثالث لحماية حدود أمن الدولة الفلسطينية هو ضرب لمبدأ استقلالية دولة فلسطين، هذا أولاً . وثانياً إن مبدأ قبول وجود طرف ثالث لحماية حدود الدولة الفلسطينية يفتح شهية "إسرائيل" على أن تكون هي هذا الطرف الثالث، وهذا ما حصل . للعلم فإن من يقدّم التنازلات ل"إسرائيل" قد يقبل مستقبلاً أن تكون "إسرائيل" هي هذا الطرف الثالث .
يضيف أبو مازن: "إنه يهدف ويدعو "إسرائيل" للموافقة على حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين"، ويستطرد "إنني لا أتحدث عن عودة ستة ملايين لاجئ فلسطيني، فنحن لا نسعى لإغراق "إسرائيل" باللاجئين لنغيّر تركيبتها السكانية" . ويستطرد "هناك دعاية تقول إن أبا مازن يريد أن يعيد إلى "إسرائيل" خمسة ملايين لاجئ لتدمير دولة "إسرائيل" . هذا الكلام لم يحصل إطلاقاً، كل الذي قلناه هو: تعالوا لنضع ملف اللاجئين على الطاولة لننهي قضية حساسة يجب أن نحلها، لنضع حلاً للصراع، ولكي يكون اللاجئون راضين عن اتفاق سلام، أؤكد أننا لن نغرق "إسرائيل" باللاجئين، هذا كلام هراء"! بداية فإن حق عودة اللاجئين إلى وطنهم هو حق ضمنته الأمم المتحدة في قراراتها بهذا الشأن . ثم إن عباس لا يملك الحق في التحدث عن ستة ملايين لاجئ فلسطيني! هو تخلى عن مدينته صفد، لكنه واحد من بضعة آلاف هجروا من هذه المدينة، فأصبحوا بعشرات الآلاف . ثم إن "إسرائيل" أعلنت رفضها مراراً تطبيق هذا الحق، فكيف يعتقد عباس أن "إسرائيل" ستعمل على حل جزئي لهذا الحق؟ ونسأل: ما هو هذا الحق الجزئي من وجهة نظره؟ لا يمكن لمطلق فلسطيني إسقاط هذا الحق . ثالثة الأثافي هو ما أعلنه عباس "إنه إذا لم يحصل سلام فلن نعود إلى العنف"، إنه يعترف بأن مقاومة شعبه للاحتلال "الإسرائيلي" عنفاً (في إحدى التصريحات سمّى العنف إرهاباً) . إن أبو مازن يؤكد أن استراتيجيته هي المفاوضات، وهو تخلى أيضاً عن الانتفاضة المسلحة وحتى المقاومة الشعبية التي كان ينادي بها، فهل يوجد أبلغ من هذا الكلام بمعناه السلبي بالطبع؟ نعم، من حقنا الخشية من تقديم عباس لتنازلات جديدة في لقائه المرتقب مع الرئيس الأمريكي .

غزة إذ تكسر الصمت ..
بقلم: عبداللطيف مهنا عن الوطن العمانية
لم يبق أمامنا إلا الأيام التي تفصلنا عنى نهاية شهرنا هذا لكي نشهد نهاية مهلة التسعة أشهر التي رصدتها الرعاية الأميركية لحصاد المفاوضات الجارية بين الصهاينة والأوسلويين الفلسطينيين. وكل يوم تقترب فيه هذه النهاية الموعودة يشهد تصعيدًا شبه يومي لتصريحات نتنياهو المشددة على ثوابته المعروفة وتصوره لما يتوجب أن تفضي إليه هذه المفاوضات، أو بعبارة أدق لوظيفتها أو الغرض منها صهيونيًّا. كما وأن هذا الأمر لا يخلو من تلازم ما مع متوالي الإيحاءات شبه المستمرة من قبل كيري باقتراب أيام تقديمه لورقته المنتظرة رسميًّا أو إعلانها. بعد عودته من زيارته الأخيرة للبيت الأبيض وحضوره للمؤتمر السنوي لـ”ايباك” وخطابه وما جاء فيه، بدا وكأنما كل هم نتنياهو هو وضع حد لما رافق سيول التسريبات المتعلقة بالورقة الكيريوية من لغط وجدل أو توظيف لأوهام ساهمت فيه الأطراف الثلاثة المعنية بالمفاوضات وكل من موقعه ووفق حساباته، ذلك عندما طمأن من هم إلى يمينه ويساره من صهاينة الكيان بأن كل ما في أمر هذه الورقة أنها ليست سوى “وثيقة أميركية تحتوي اقتراحات للمفاوضات يمكن للطرفين التعليق عليها، وهي ليست وثيقة إسرائيلية، وبالتأكيد يمكن أن تظهر فيها أمور لا تقبلها إسرائيل وستتحفظ عليها، ولكن هذه الورقة، إذا كانت ستقدم فعلًا، هي برنامج نقاش لإعادة فتح المفاوضات، المتوقع أن تستمر عامًا إذا وافق الفلسطينيون في نهاية المطاف على دخول المفاوضات”. كان هذا بعد عودته، والطريف أنه قبيل وصوله إلى هناك قد سبقته تصريحات لأوباما، في مقابلة صحفية قيل إنها قد وقتت بعمد، تخللتها تحذيراته من كارثة ديموغرافية وعزلة دولية سيواجهما الكيان الصهيوني إذا استمر في تشدده التفاوضي، وحتى وصفه للتوسع التهويدي في مستعمرات الضفة بـ”البناء العدواني”.
هذه التصريحات دخلت إعلاميًّا لأيام معدودة بازار المماحكات السياسية الداخلية في الكيان الصهيوني لكنها سرعان ما طواها النسيان، أي أنها لم تؤخذ فعلًا على محمل الجد، باعتبار أن الصهاينة، ونتنياهو تحديدًا قد سمعوا بمثلها من صاحبها سابقا وحتى من أسلافه، وأسهم في هذه اللامبالاة تبدُّل لهجة أوباما السريعة بعيد وصول زائره، وتوضيحات وتوكيدات كيري في مؤتمر “ايباك”. ختمها نتنياهو بعد عودته غانمًا لا غارمًا من واشنطن، وليلحق به دعمًا فوريًّا هو 429 مليون دولار إسهاما أميركيًّا في “القبة الحديدية”، هذه التي اخترقتها فيما بعد عشرات الصواريخ المقاومة المنطلقة من غزة ولم تنجح في اعتراض إلا ثلاثًا منها… ختمها بتطمينه صهاينته، “إنني أتمسَّك بالمواقف التي أؤمن بها بحزم وإصرار، لن يفيد أي ضغط” في ثنيي عنها… والآن ما هو آخر حديث الثوابت النتنياهوية التي تعيدها وتؤكِّد عليها تصريحاته الأخيرة؟!
لا يكتفي نتنياهو بما بات من الثابت أن ورقة كيري قد منحته له سلفًا، وعلى رأسه ما يعرف بيهودية الكيان الغاصب، أي انتزاع تسليم الأوسلويين له بحقه المزعوم في اغتصاب فلسطين وقبولهم روايته لهذا الاغتصاب، وتخليهم عن الحق التاريخي للعرب الفلسطينيين في كامل فلسطينهم التاريخية المغتصبة، وصريح التخلي، والذي تم مواربة حتى اللحظة، عن حق العودة للاجئين، أو جوهر القضية الفلسطينية، وحتى نص الورقة على تعويض اليهود العرب الذين التحقوا بالكيان الاستعماري الغاصب، بل هو يريد من الأوسلويين أن يبصموا له بالعشرة على نهاية الصراع وإعطائه كافة الضمانات على ذلك، وتخليهم عن كل ما يسمونه بـ”قضايا الوضع النهائي”، وفي المقدمة القدس، وحدود “اوسلوستان”، ومستعمراته في الضفة، وبقاء جيش الاحتلال إلى ما رحم ربي في الأغوار، ومواظبتهم على القيام بدورهم المرسوم في حفظ أمن الكيان الاستعماري المحتل وقمع المقاومة وملاحقة المناضلين، وكل ما عكسته توكيداته وتعهُّداته التي أطلقها في اجتماع “الليكود” الأخير وقبله، ومنها: “لن أطرح أي اتفاق على الاستفتاء من دون إلغاء ما يسمى بحق العودة، واعتراف فلسطيني بيهودية الدولة”. أما بخصوص القدس فإن “هذه المدينة ليس فقط أنها لن تقسَّم بل إنها ستبقى موحَّدة تحت السيادة الإسرائيلية”. أما فيما يتعلق بالتهويد والمستعمرات فأول ما كان منه بعد عودته من رحلته الأميركية وكرد منه على ما دار حول تحذيرات أوباما المشار إليها قوله، “نحن لسنا ملزمين بالقبول بالموقف الأميركي التقليدي بشأن المستوطنات”…
خلاصة الأمر إن كل ما يريده الصهاينة من المفاوضات، أو من ورقة كيري، والذي لا يبدو أنهم لن ينالونه، هو استمرار المفاوضات حتى تصفية القضية، ومشكلة كيري هي كيفية إخراج عملية توقيع طرفيها عليها، أو تسهيل عملية ابتلاع الأوسلويين وعربان التسوية لها وتبليعها للأمة في هذه المرحلة المصيرية الأخطر والأسوأ التي تمر بها.
…ولا يكتفي نتنياهو بإعلان ثوابته والتعهُّد بتنفيذها، بل هو يقوم يوميًّا بتطبيقها على أرض الواقع، قبل المفاوضات وبالتوازي معها، وبكيري ومن دونه، وبغض النظر عن نجاح مهمته أو فشلها… يطبِّقها تهويدًا زاحفًا على مدار الساعة، وقتلًا متواصلًا واعتقالات ومطاردات وغارات دموية مستمرة ولا تتوقف، بالتوازي مع هدم للبيوت وتشريد لأهلها، وقائم الانتهاكات شبه اليومية للأقصى تمهيدًا لهدمه وبناء هيكله الثالث المزعوم مكانه…
من هنا تأتي أهمية عملية “كسر الصمت”، التي أمطرت فيها غزة المستعمرات الصهيونية بوابل من صواريخ مقاومتها… غزة الصامدة الرافضة للخنوع والموت في مواجهة الحصار العربي الصهيوني، وعملية مقاومي “سرايا القدس”، التي إن كان لها ما بعدها، فهو وحده الكفيل بتأبين ورقة كيري ودفن نهج “المفاوضات حياة”، وكسر ثوابت نتنياهو… وربما لهذا ثمة جنوح صهيوني راهن إلى التهدئة!

تحت راية الاحتلال
بقلم: حسان يونس عن الوطن القطرية
أضاف رئيس الوزراء الإسرائيلي شرطا آخر، من أجل التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، يتضمن «إلغاء حق العودة» للاجئين، بالإضافة إلى شرط الاعتراف بـ «الدولة اليهودية».
استثمرت إسرائيل عامل الوقت لصالحها، وتمكنت من تغيير أولويات الصراع، فبعد أن كان الحديث عن العودة إلى حدود العام «1967»، وهو تنازل في حد ذاته، أصبحت الحلول مختلفة تقوم على بقاء المستوطنات في الأراضي المحتلة، والاحتفاظ بمنطقة الأغوار، ثم الاعتراف بـ «يهودية إسرائيل»، وأخيرا القبول بمبدأ إلغاء حق العودة للاجئين.
مؤخرا زار وزير الخارجية الأميركي الأردن للتشاور مع الملك عبد الله الثاني حول مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، فيما يقوم فريق من الخبراء الأميركيين بالعمل على استكمال إطار المبادئ الأساسية لاتفاق الوضع النهائي الذي من شأنه أن يطيل مدة المحادثات إلى ما بعد موعدها النهائي في يوم 29 أبريل.
وسط هذه التطورات تقوم إسرائيل بعمليات هدم لمنازل الفلسطينيين في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية التي ما تزال تحت سيطرتها والمعروفة باسم المنطقة (ج). وتؤكد منظمات حقوق الإنسان وجود زيادة حادة في أعداد عمليات الهدم خلال الأشهر القليلة الماضية، لا سيما في وادي الأردن. ويشير تقرير صادر عن الأمم المتحدة الشهر الماضي إلى أن عمليات هدم المنازل الفلسطينية في وادي الأردن وصلت إلى أعلى مستوى لها خلال خمس سنوات في عام 2013، فقد هدمت السلطات الإسرائيلية ما يقرب من 390 منزلاً وتسببت في تشريد 590 شخصا، نصفهم من الأطفال، يكافحون لإيجاد مكان جديد للعيش. ويشير التقرير إلى أن مصير منطقة وادي الأردن والآلاف من سكانه يشكل واحداً من القضايا الرئيسية التي يركز عليها وزير الخارجية الأميركي جهوده للتوصل إلى اتفاق سلام، إذ يعيش حوالي 7500 مستوطن يهودي و10 آلاف فلسطيني في وادي الأردن، الذي تسيطر عليه إسرائيل.
كل ذلك يجري والعالم العربي غائب أو مغيب، فيما النزاعات تبدو سيدة الموقف بين الفلسطينيين الأمر الذي منح إسرائيل كل ماتحتاجه من وقت لتغيير المعالم على الأرضن ودفع الفلسطينيين إلى المزيد من التنازلات.
لذلك سمعنا ماقاله نتانياهو عن إلغاء حق العودة، وربما لايمضي وقت طويل قبل أن نسمع عن شروط جديدة هدفها النهائي منع قيام دولة فلسطينية مستقلة، والاكتفاء بنوع من الحكم الذاتي تحت راية الاحتلال.

إسرائيل في مأزق.. فلا تضيعوا الفرصة
بقلم: عماد عبد الرحمن عن الرأي الأردنية
ما حدث للشهيد الاردني رائد زعيتر في معبر الكرامة، يجب ان لا يتحول الى مشكلة داخلية او فرصة للمزايدات السياسية، فإسرائيل في مأزق الان، ويجب ملاحقتها قانونيا وحقوقيا وسياسيا، في كافة المحافل، ولا يفترض ان تتحول القضية الى سجال داخلي، فالاردن اتخذت سلسلة إجراءات سياسية ودبلوماسية، ولديها من الوسائل ما يكفل وضع النقاط على الحروف ومعاقبة الجناة على فعلتهم الغادرة.
ما يواجهه الكيان الصهيوني حاليا، يعكس معاناة جنوده وضباطه وسياسييه، فاسرائيل تعمد حين «تحشر» في الزاوية الى تصدير أزماتها سواء اقليميا أو عالميا، وهذه فرصة ذهبية لنقل هذا الاعتداء الاجرامي الى المحاكم الدولية، وقد دفعت اسرائيل الثمن غاليا، في مواقف سابقة، ولا ننسى سفينة مرمرة التركية وتقرير غولدستون الخاص بقطاع غزة، وهنا ينبغي التركيز وتوحيد الجهود، والتحرك الفاعل دوليا لينال المجرم عقابه، حتى لا يضيع دم الشهيد سدى.
ما حدث إستفز وهز مشاعر وضمير الجميع، فهذا الكيان ينتهك يوميا حرمات المسجد الاقصى والمقدسات ومحاولات السطو عليها جهارا نهارا، وآلة القتل الصهيونية تفتك يوميا بالمواطنين الفلسطينيين العزل، وكذلك الاشقاء العرب، ولا تجد من يحاسبها، فرصتنا في ظل المعطيات الدولية وموازين القوى العالمية في استغلال اخطاء اسرائيل وهي كثيرة، والبناء عليها، نحو مزيد من العزلة والرفض الدولي لاسرائيل.
الجميع يسأل حاليا ويضع ويلوم النواب والحكومة، لكن هل سأل احد نفسه ما الذي يمكن ان افعله كمواطن لمعاقبة اسرائيل على افعالها؟، لم نستغل حتى الان سلاح المقاطعة الاقتصادية، الذي انهك النظام العنصري في جنوب افريقيا، وانهاه الى الابد، سلاح المقاطعة الذي بدأت اوروبا وأميركا بالحديث عنه وتطبيقه على منتجات المستوطنات، مؤشر على تأثير هذا السلاح، في مواجهة الغطرسة الاسرائيلية، لنعترف ان الوعي إزداد لدينا وهناك تراجع في حجم المستوردات الزراعية الاسرائيلية.
هنا، ينبغي تذكير الاشقاء في فلسطين بضرورة مقاطعة البضائع والمنتجات الاسرائيلية،يقول السياسي الفلسطيني البارز منيب المصري في ندوة استضافتها جمعية الشؤون الدولية، مؤخرا ان اسرائيل تورد للسوق الفلسطيني ما بين 5-6 مليارات دولار سنويا، تخيلوا هذه السوق الهائلة، التي يمكن للمقاطعة والمقاومة السلمية أن تؤتي اكلها وتجبر «الكيان» على تغيير سياساته وتعامله مع الفلسطينيين أولا وجيرانه ثانيا.
الاعتذار الاسرائيلي، مفيد وهام لكنه غير كاف، لدينا ملفات كثيرة يمكن ان نستغل الاخطاء الاسرائيلية للقصاص منها، دعونا نوجد جهودنا ولنتوقف قليلا عن مناكفاتنا السياسية، حتى لا نضيّع ورقة مهمة يمكن أن تقوي موقفنا، خصوصا وان الاردن في مكانة سياسية وأمنية عالمية، لا يمكن لأحد ان يتجاهلها.

غزة والمعركة الصحيحة..
بقلم: صالح عوض عن الشروق الجزائرية
في غزة يبدع الناس حياتهم رغم أن الموت وأدواته تلاحقهم بلا هوادة.. صواريخ وقنابل ورصاص وحصار وهدم للأنفاق وإغلاق للمعابر ونقص أدوية أو نفادها.. وانقطاع كهرباء ولا تدفئة.. وضرائب وقسوة وتعسف وجهل سياسي وفوضى مفاهيم سائدة وضياع بوصلة.
رغم ذلك كله فإن أهل غزة يصنعون المبادرة وتذهب بهم المحنة إلى الاستثناء.. في سنوات الحصار الأخيرة كنا نستغرب كيف أن غزة تصدر إلى العالم وردا وفراولة.. ورد وفراولة أي دلالة أبلغ من هذا.. فيما هم يمنعون عنها الحليب والوقود.
اليوم في غزة العظيمة يتنادى أهلها من مثقفين وأساتذة جامعات وأدباء وطلبة وجماهير ضد العنصرية ونظام الأبارتايد.. أي التقاط سحري هذا لمقولة هي في حد ذاتها مفتاح البوابة المغلقة عليهم.. ما كنا ننتظر إلا أن تتولد روح الثأر والانتقام والعنصرية في أهل غزة وهم يرون الأخ والعدو يحاصرهم ويقوم بمعاقبتهم عقابا جماعيا.. وإذا بهم يتنادون في مهرجان وفعاليات واسعة ضد العنصرية الصهيونية.. ضد نظام الأبارتيد.. ضد الجدار العنصري والممارسات العنصرية.. وفي لحظة تاريخية يكرر خطباؤهم بأنهم منتصرون وأن الضمير الإنساني يعانقهم الآن في كل مكان ومن كل البلدان وأصحاب الشرائع السماوية والأفكار الإنسانية..
إنه جميل أن لا تغطي المأساة على عيون أهل غزة.. وجميل صبرهم وهو يكشف لهم أن الإنسان هو القضية وأن العدو هو العنصرية وفقط من أي الجهات جاءت.. وأن الأخوة الإنسانية رهان كبير لا بد من الانتباه إليه.. وهكذا تدخل غزة معركة الحياة الجميلة ضد الموت القبيح.
إننا نصبح أكثر شعورا بالاطمئنان فيما نحن نراقب التطور النفسي الاجتماعي لأهل غزة وإلى أي المواقع هم يتوجهون؟ لأنهم في هذا الاتجاه سيعيدون القضية إلى أصولها وسيفرضون إطارا حقيقيا للصراع وسيضعون الأمور في نصابها ويرتبون الأفكار والأشخاص والأشياء ترتيبا منطقيا صحيحا يكون طرفاه الإنسان والعنصرية.
وفي بريطانيا حيث الدوائر الاستعمارية الشريرة وفي أمريكا حيث أصحاب المال الدنس والمخططات البشعة الشريرة وفي أوروبا كلها حيث النظام الرأسمالي القذر المجرم، في هذه البلدان حيث يخضع الإعلام لسطوة المال وأجهزة الأمن المختلفة ينهض رغم كل ذلك الضمير الإنساني ليعتبر أكثر من ثلثي الرأي العام هناك أن إسرائيل خطر على السلم العالمي.. ويتحرك الأكاديميون الرائعون في بريطانيا وأوروبا وأمريكا لإعلان المقاطعة لكل من يتعامل مع المستوطنات أو يعطي شرعية للاحتلال الصهيوني لفلسطين.. وينادي هؤلاء الرائعون بالدولة الواحدة ضد العنصرية والتمييز العنصري.
الآن يدشن أهل غزة معركة الإنسان المعركة القادمة التي ستتوسع لتشمل كل حر شريف بغض النظر عن دينه وقومه واجتهاده.. يدشن أهل غزة معركة لا يمكن أن ننتصر إلا فيها وحسب شروطها.. فلكم الشكر المتجدد يا أهل غزة.. وتولانا الله وإياكم برحمته.
خلافاتنا وتخلفنا سببها إسرائيل
بقلم: مصطفى الصراف عن القبس الكويتية
• على الدول العربية ان تتحد وتتجاوز خلافاتها التي هي بسبب إسرائيل حتى يمكنها ان تواجه الاستعمار الحالي.
الكيان الصهيوني هو شكل ثالث للاستعمار الغربي للوطن العربي، فما دام العرب لم يحسموا أمرهم في التخلص من التبعية للغرب، فإن الاستعمار الغربي سيبقى يقدم أنواعاً من الاستعمار تتماشى مع تغير الزمن، فمن الاستعمار الاستيطاني القديم ثم الاستعمار الامبريالي، نعيش اليوم مرحلة الاستعمار الصهيوني.
لقد زرعت اسرائيل في ارض فلسطين وتمت رعايتها من قبل دول الاستعمار الغربي لتكون لها قاعدة متقدمة في المنطقة العربية، واعتبار الأمن الاسرائيلي والحفاظ على اسرائيل متفوقة على الدول العربية هو الشغل الشاغل للاستعمار الغربي، وقد تحررت جميع دول العالم وملكت إرادتها ما عدا الدول العربية، رغم ما عانته وتعانيه من ويلات الاستعمار الغربي، والسبب هو ضعف ارادتها وعدم تكاتف معظم حكوماتها للوقوف في وجهه صفا واحدا. وهذا ما جعل الاستعمار الصهيوني يستغل هذه الفرقة ليقسم الدول العربية ويصنفها دولا معتدلة ودولا مارقة، ويوقع القطيعة بين المحورين بصياغة سيناريوهاته ومشاريعه وتوزيع الأدوار فيها لتبقى متخاصمة، ولبيع خردة السلاح لها لتقاتل به ويثرى هو من ورائها بدلا من استخدام مواردها للتنمية والتقدم.
فمن حروب خاسرة ضد اسرائيل كان الاستعمار طرفا فيها، الى حرب ضد ايران شنها العراق وانفق فيها كل خزانته، إلى حرب في سوريا انفق عليها من المال العربي ما يجعل جميع الدول العربية المدينة وشعوبها في مقدمة شعوب العالم رقياً ورفاهية. وها نحن في دول الخليج العربية بدلاً من أن نزداد تقارباً لم نفكر في تجاوز خلافاتنا بعيداً عن الانفعال وتسويتها بالطرق الودية التي تحفظ لكل منا سيادته وكرامته.
ان الشعوب العربية أصبحت أكثر وعيا وليست اقل من شعوب العالم في ادراك مصالحها، ولم تعد الحروب الاعلامية تنطلي عليها، وان مرت عليها لبعض الوقت فانها ستدرك خداعها وتفقد الثقة في من يحاول الكذب عليها واستغفالها، لان العالم اصبح متصلاً ببعضه وأبواب العلم والإعلام فيه مشرعة، ومطلوب من أغلب الأنظمة العربية أولاً ان تكون صريحة مع نفسها في أمانتها على مقدرات شعوبها المتطلعة إلى الحرية الشخصية والديموقراطية السياسية والعيش الكريم، ثم ان تكون صريحة مع شعوبها في انها لا تقوم بخداعها وتبطن غير ما تبديه لها.
ولعل اجتماع القمة في الكويت يضع الضوابط بصورة جادة لعلاج القضيتين المهمتين اللتين تستنزفان الأمة العربية، وهما: القضية الفلسطينية والقضية السورية، وكلتاهما من عمل الصهيونية العالمية، ويجب الاجماع على ان يتوحد العمل العربي على تحرير فلسطين وعودة اللاجئين الفلسطينيين ودعم المقاومة العربية، وفي سوريا وقف تمويل المرتزقة والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدولة السورية الشقيقة وإعادتها إلى مقعدها في الجامعة العربية لتوحيد الصف العربي، وخير شاهد على ان الحرب عليها شنتها الصهيونية العالمية هو ما يتم تداوله من شريط في وسائط الاتصال الاجتماعي لوزير خارجية فرنسا (رولان دوماس) في مقابلة تلفزيونية يجب ان تكون ماثلة للمجتمعين في مؤتمر القمة وجامعة الدول العربية.

عيون وآذان(حقيقة سحب السفراء -1)
بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
أكتب من الذاكرة، أو أغوص في أعماقها، وأنا أسجل ما كنت أسمع طفلاً على حدود المراهقة من جدّي ورفاقه عن رحلات بلاد الشام عندما كان لا فرق بين سوري ولبناني وأردني وفلسطيني. أسجل ما سمعت وما راجعت أخيراً مع أصدقاء، ولا بد أن تكون هناك أخطاء، إلا أن الأساس صحيح عندما كان الرجال رجالاً والوطن للجميع.
لا أقدم بطلاً على آخر وإنما أبدأ بالرئيس شكري القوتلي لأنه سبب هذا المقال، بعد أن كتبت أنه لم يملك ما يكفي من المال لبناء بيت في أرضٍ ورثها عن والدته في الغوطة وحكى قصتها الحاج بدر الدين الشلاح، رئيس غرفة تجارة دمشق، رحمه الله، في مذكراته وراجعتها معه.
اتصل بي صديق بعد نشري الكلام السابق وقال إنه سمع والده، وكان من المناضلين، يقول إن شكري القوتلي اغتنى ثلاث مرات وأفلس ثلاث مرات، فهو ورث عن أبيه وعن أمه وعن أخيه، وأنفق كل ماله على ثورة 1925.
هذه الثورة كان قائدها السياسي عبدالرحمن الشهبندر، وقائدها العسكري سلطان باشا الأطرش. والرئيس القوتلي عرض على سلطان باشا في 1946 بيتاً بعد الثورة فأخذه ولم يسكن فيه. وعرض الرئيس القوتلي على والد الصديق الفلسطيني بعد 1948 الجنسية السورية وسكناً وسفارة سورية في أي بلد عربي أو أجنبي يختاره، فقبِل الجنسية لأنها شرف، واعتذر عن السكن والوظيفة الديبلوماسية.
في تلك الأيام كان من أركان الحزب الوطني القوتلي وجميل مردم بك وصبري العسلي، وكان الحزب يفضل علاقة تعاون بعد الاستقلال مع مصر والمملكة العربية السعودية. وكان ينافسه حزب الشعب ومن أركانه ناظم القدسي ورشدي الكيخيا وسامي كبارة، وكان يفضل التعاون مع الهاشميين بعد الاستقلال.
في تلك الأيام لم يكن هناك فرق بين مسلم سنّي وشيعي وكان المسيحيون العرب في مقدم النشاط الوطني. كلنا يعرف أن أول رئيس وزراء لسورية بعد الاستقلال كان فارس الخوري من الكْفير في لبنان.
ما أذكر من تلك الأيام أن عمّي فؤاد فضيل الخازن عاد من إنكلترا سنة 1945 بشهادة مهندس، وعُيِّن في السنة التالية رئيساً لدائرة الأشغال العامة في سورية قبل أن تصبح وزارة. وبعض الأصدقاء ذكّرني بأن توفيق حيدر، الشيعي اللبناني، عُيِّن قائم مقام جونيه، عاصمة الموارنة، وأن إبن عمه سعيد حيدر أصبح رئيساً لبرلمان سورية بعد الاستقلال. وكان لهما إبن عم أصبح وزير مالية العراق.
ما هو الفرق الأساسي بين الزعماء السابقين ممَنْ أوردت أسماءهم في الفقرات السابقة وزعماء الزمن الرديء الذين ابتُليَ بهم جيلي وكل جيل لاحق؟
الزعماء السابقون عملوا للوطن، وليس لأي كسب شخصي، فلم يكسب أحد منهم مالاً بالحرام أو الحلال لأنه لم يكن مطلبه، وإنما أورثوا أبناءهم وبناتهم الصيت الحسن. وعشنا لنرى سياسيين فاسدين يسرقون اللقمة من فم طفل جائع ويبيعون الوطن والمواطن لمَنْ يشتري وبأرخص ثمن.
عندما حكم الفرنسيون على عبدالرحمن الشهبندر بالإعدام هرَّبه والد صديقي إلى يافا وأسكنه مع زوجته وأولاده في بيته. وعندما طلب الفرنسيون عادل أرسلان (أعتقد أنه عمّ المير مجيد أرسلان) وتوفيق حيدر هربهما المناضل الفلسطيني إلى مصر، حيث استضافهما باشا ووقع توفيق حيدر في غرام بنت الباشا وتزوجها.
الكل ساعد، والكل كان هدفه خدمة الوطن. ومرة أخرى لم يُثرِ أحد، ولم يبنِ أحد قصوراً وقلاعاً. ولن أهين ذكراهم العطرة بأي مقارنة، فأختتم مع حلول الذكرى الثالثة للأزمة السورية اليوم، بهذه الكلمات:
«أيها الشعب الكريم:
حقناً لدماء الشعب الذي أحبه، والجيش الذي أفتديه، والوطن العربي الذي أردت أن أخدمه بتجرد وإخلاص، أقدم استقالتي من رئاسة الجمهورية إلى الشعب السوري العزيز الذي انتخبني ومنحني ثقته الغالية، راجياً أن يكون في ذلك خدمة لبلادي، سائلاً الله أن يقيها كل مكروه وأن يحقق وحدتها ومِنعَتَها وأن يأخذ بيدها إلى قمة المجد والرِفعة».
هكذا قدَّم الرئيس أديب الشيشكلي استقالته للشعب في كلمة في 25 شباط (فبراير) 1954 عندما شعر بأن هناك انقساماً في البلاد بسبب سياسته.

تبعات ومسؤوليات ثورات الربيع العربى
بقلم: سعد الدين ابراهيم عن المصري اليوم
الثورات هى بمثابة براكين اجتماعية، تلقى بنيرانها، وسوائلها وغازاتها على ما حولها من زرع وضرع وبشر، وهى أيضاً تنطوى على اقتلاع للأنظمة الاجتماعية والسياسية والقيم السائدة، والنخب المُهيمنة والحاكمة، واستبدالها بنُخب ومؤسسات جديدة. وبتعبير آخر فإن الثورة هى هدم القديم واستحداث الجديد. وبين لحظة الهدم ومرحلة البناء يختلط رُكام القديم بمواد بناء الجديد، فيبدو المشهد أقرب إلى الفوضى، تعلو فيه الأصوات، ويسقط أو يتساقط فيه أفراد، وفئات، وطبقات، وتسيل فيه دماء، ويؤخذ كثير من الأبرياء بالشُبهات.
ولأن الوطن العربى، الذى يمتد من الخليج العربى إلى المُحيط الأطلنطى، بسُكانه الذين يصلون إلى خمسمائة مليون، يقع فى أهم أرجاء المعمورة، ويقع على أهم بحار العالم (الأبيض والأحمر والأطلسى والهندى)، ويتحكم فى أهم مضايقه «جبل طارق، وقناة السويس، وباب المندب، ومضيق هرمز». فقد سال لُعاب كل القوى العُظمى للسيطرة عليه، لاستغلال موارده، خاصة من النفط والغاز، واستغلال عُماله وأسواقه وأراضيه، وحرمان الخصوم من الفوز بتلك الموارد والأسواق. فقد كان ولا يزال متوقعاً أن تكون هناك توترات داخلية فى أقطارها، وإقليمية بين تلك الأقطار، ودولية مع قوى أعظم.
الثورة هى هدم القديم واستحداث الجديد. وبين لحظة الهدم ومرحلة البناء يختلط رُكام القديم بمواد بناء الجديد، فيبدو المشهد أقرب إلى الفوضى.
وبسبب هذه التشابكات والتعقيدات، ينبغى على الخُبراء والنُشطاء العرب أن يُبادروا بتنظيم حوارات حول تبعات ومسؤوليات ثورات الربيع العربى.
فمن الجدير بالذكر فى هذا الصدد أربع مُشاهدات:
■ أولها، أنها وضعت حداً للمقولات الاستشراقية، التى روّج لها برنارد لويس (Bernard Lews) وصامويل هنتنجتون (S. Huntington) التى تدعى أن الإسلام والثقافة العربية مُعاديتان للحُرية والديمقراطية، وحقوق الإنسان، فجاءت ثورات تونس ومصر وليبيا والبحرين وسوريا لتدحض هذه المقولة المغلوطة.
■ ثانيها، أن شباب الأمة العربية (18-30 سنة) هم الذين فجروا ثورات الربيع العربى. وهم الذين ضحوا بأرواحهم أو مستقبلهم من أجل رفعة بلادهم. ومع ذلك خرجوا من مهرجانات هذه الثورات بخُفّى حنين إلى تاريخه.
■ ثالثها، أن الشعوب العربية كسرت جُدران الخوف التى أقامها حُكامها المُستبدون حولهم، طيلة العقود الستة الماضية. لذلك لن يستطيع أى حاكم جديد، مهما كانت شعبيته وقوته فى اللحظة الراهنة، أن يحكم حُكماً مُطلقاً أو مُستبداً، فشعبه سيكون له بالمرصاد، رقابة وحساباً.
وهذه الحقائق الثلاث تستوجب دراسة وتحليل توابعها حاضراً ومستقبلاً. ومن ذلك تحديداً ما يلى:
أولاً، ضرورة دعم الشباب (أى من هم دون الأربعين من أعمارهم) لاسترداد ثوراتهم، التى اختطفها منهم الإسلاميون فى بعض بُلدان الربيع العربى، أو العسكريون فى بعضها الآخر. ويكون ذلك بالنص فى دساتير هذه البُلدان على نسبة لا تقل عن أربعين فى المائة من مقاعد المجالس المُنتخبة والهيئات التنفيذية، للشباب الذين هم نصف الحاضر وكل المستقبل.
ثانياً، ضرورة دعم المرأة، التى هى نصف المجتمع، وهى الأم والزوجة والابنة، فى المُشاركة السياسية والمجتمعية الفاعلة. وعدم الاكتفاء بالعبارات الغامضة أو المطّاطة، من قِبل «تمثيل مُشرّف أو مُناسب»، والنص صراحة على نسبة لهُن فى كل المجالس المُنتخبة والهيئات التنفيذية، لا تقل عن خمسين فى المائة. وهو أقل ما يجب لتعويضهن عن حرمانهن تاريخياً ومُعاصرة.
ثالثاً، وبمُناسبة الحِرمان التاريخى، والشىء بالشىء يُذكر، فإن الأقباط بدورهم يستحقون تعويضاً عن حِرمانهم التاريخى من المواقع التى يستحقونها فى هيكل السُلطة، رغم أنهم الأكثر تعليماً، والأكثر وعياً، والأكثر مُساهمة فى الناتج المحلى الإجمالى لمصر، فنسبتهم فى إجمالى السُكان هى 11 فى المائة، ولكنهم يُساهمون بنسبة أربعين فى المائة من الناتج القومى. فلا أقل من أن يكون هناك نص صريح يضمن لهم هذا الحق المُستحق.
طبعاً، تم الاستفتاء على الدستور، وإقراره، ويبدو الوقت مُتأخراً للأخذ بهذه المقترحات. ولكن لا مانع من أن يطرحها الطامحون والمُرشحون لرئاسة الجمهورية، ثم للبرلمان، خلال الشهور الستة القادمة. وبما أن القادم منوط به إعداد دستور دائم للبلاد. فقد يكون مُناسباً، الحوار مُبكراً عن حقوق معلومة للسائلين وللمحرومين.
وهناك تبعات ومسؤوليات أخرى على ثوار الربيع العربى أن يتصدوا لها. من ذلك أنه خلال حقبة مُقاومة الاستبداد فى أكثر من بلد عربى، اضطر عشرات ومئات، إن لم يكن ألوف النُشطاء، إلى اللجوء إلى بُلدان عربية وأجنبية أخرى. واللجوء السياسى حق إنسانى أقرته مواثيق حقوق الإنسان، منذ عام 1948. وبينما لا يُمثل وجود هؤلاء المُعارضين فى دول أوروبية وأمريكية خلافات تُذكر بين السُلطات العربية وحكومات تلك الدول، إلا أنه ثمة حساسية مُبالغا فيها من الحكومات العربية تجاه بعضها الآخر، إذا هى فعلت نفس الشىء. إن اللجوء السياسى قديم قِدم الأديان السماوية نفسها. ألم يلجأ أنبياؤنا ـ موسى، وعيسى، ومحمد- عليهم السلام إلى أوطان أخرى غير تلك التى ولدوا فيها، حينما اشتد عليهم الكرب والاضطهاد؟ فلماذا يُنكَر هذا الحق الإنسانى على ذوينا فى القرن الحادى والعشرين؟

من سرق «المقاومة» و«الجهاد»؟!
بقلم: حسين شبكشي عن الشرق الأوسط
من ضمن التلوث السمعي والفكري الذي أصاب المنطقة اليوم حالة «اختلاط» و«تسمم» لمفاهيم ومعانٍ عظيمة بسبب اللعب بمضمون الكلمات ومغزاها.
ومن أهم الكلمات التي وقعت في أوحال ومستنقع هذا الأمر كلمتا «المقاومة» و«الجهاد»، وهما معنيان عظيمان ونبيلان وفي منتهى الأهمية، ولكن تم توظيفهما لمآرب سياسية وفكرية وعسكرية بشكل عجيب ووصولي ورخيص.
فرأينا جماعات أصولية متطرفة ومتشددة مثل فصيل حزب الله اللبناني الذي حوَّل «المقاومة» إلى شعار سياسي يبتز به الحكومات في بلاده ويعطل تشكيلها و«يهدد» بها ويغزو بلادا مجاورة ويقاتل شعبها مؤيدا لحكم طاغية ومستبد، ومن جهة أخرى وطرف آخر، هناك من كان يستخدم لفظ «الجهاد» كتنظيم القاعدة الإرهابي ليحصد أرواح الشباب المغرر بهم ذات اليمن وذات الشمال وفي مختلف بلدان العرب والمسلمين ودول العالم مفجرين أنفسهم وغيرهم في خسارة حمقاء على الجميع، بينما يبقى في الحالتين زعماء جبناء يختفون مختبئين في الكهوف والجحور يجلجلون أنصارهم بخطب مسجلة مليئة بالوهم والأكاذيب والأساطير، لم ينتج منها إلا عداء ودمار وقتل ودماء، ولم يجنِ منها العامة إلا كل ما هو مضر وكل ما هو سيئ.
إنه الخداع والكذب الأكبر اللذان وقعت ضحيتهما المنطقة اليوم. ليس هذا المشهد بجديد.. إنه إرث تراكمي عانت منه المنطقة، وهو نفس الإرث الذي أفرغ فرقا مثل «الحشاشين» و«الخوارج»؛ مجاميع مهووسة، موتورة بلا بصر ولا بصيرة تقودهم شخصيات نرجسية غارقة ومنغمسة في الذات والأنا المعظمة، يسكرون من هتافات ومن تمجيد القطيع الذي يتبع كل ما يقولون بلا تفكير ولا تدبير.
في ظل غياب العقل وغياب الضمير وغياب المنطق وغياب الروح عن كل الشأن الديني والسياسي تكون التربة خصبة لإنتاج كل ما هو متطرف ومهووس، وواقع الأمر أنه لا توجد مقاومة اليوم إلا في فلسطين، فحزب الله انتهى كفصيل مقاوم ضد إسرائيل، وهو وقياداته يدركون ذلك تماما، فبعد مغامرتهم في 2006 تحول سلاحهم إلى الداخل اللبناني و«تحت الطلب» في الجارة سوريا، وكانت بالتالي حدود لبنان مع إسرائيل في أمانٍ منذ ذلك الحين، ولم يعد أحد يجرؤ على ذكر مزارع شبعا (التي هي في واقع الأمر سورية وليست لبنانية).
أما الحديث عن مقاومة في سوريا فأكتب هذا السطر وأنا لا أتمالك نفسي من الضحك، فالحديث عن المقاومة في سوريا أشبه بالحديث عن الحياة على كوكب زحل، وبالتالي لم تعد هناك مقاومة إلا في فلسطين المحتلة، وما عدا ذلك فهو ببساطة الاتجار بالمقاومة أو المقاومة من الباطن، وهي مسائل لا علاقة لها أبدا بالهدف الشريف للمقاومة العظيمة التي فيها عدو واضح ومحتل يجمع على ذلك الهدف الجميع. وكذلك الأمر بالنسبة لـ«الجهاد»، فهو المعنى العظيم الذي جرى تشويهه عبر جماعات موتورة ممن خلطوا الدين بالسلاح والسياسة وبرروا كل غاية لأجل كل وسيلة، فخلطوا الآيات والأحاديث، وجمعوا فتاوى شاذة وغريبة، وقدموا خلطة شيطانية لشباب مليء بالحماس وخالٍ من العلم المتمم لهذا الحماس، بعيدا عن شروط الجهاد الشرعية أساسا.
مسألة تطهير المنطقة تماما من سارقي المقاومة ومحتالي الجهاد لم تعد فقط مسألة اختيارية أو ترفيهية، ولكنها مسألة مصير، فهنا الأمر لا يرتبط بحرية رأي أو تعبير، ولكنه الحق في الحياة الذي لم يعد مضمونا في ظل وجود خطر يتهدده من مجاميع مجرمة لا تتوانى عن فعل أي شيء والخلاص من أي أحد باسم الدين وتفسيرهم لهذا الدين.. الجهاد والمقاومة منهم براء. لم ينلنا ممن خطفوا تلك المعاني النبيلة سوى المر والسوء، وعلينا جميعا تقع مسؤولية فضحهم وكشفهم والخلاص التام منهم، فلم يعد أبدا مكان لهم بيننا!

عراق مقتدى أم عراق المالكي وأوباما!؟
بقلم: مطلق سعود المطيري عن الرياض السعودية
عراق الاحتلال الأمريكي هو عراق الطوائف السياسية المتعددة وليس عراق الطوائف الدينية المتعددة التي كانت تختلف مذهبياً باختلاف مدارسها الفقهية وتتفق سياسياً في هويتها القومية، عراق البعث كان عراقاً قومياً تحكمه دكتاتورية، كان عراقاً واجه عنجهية الفرس بالسلاح والكرامة والانتماء العربي..
عراق البعث له أخطاء عظيمة صغر شأنها بعدما رأينا أخطاء من جاء بعده، بعث صدام أبرز أخطائه انه أراد من الشعب العراقي تقديس فخامة الرئيس وسحب الهالة الدينية عن المرجعيات الدينية التاريخية.. أخطاء صدام أخطاء قد يقبل التاريخ الاعتذار عنها، أما أخطاء من بعده فهي ليست أخطاء بل جرائم احتلال الاعتذار عنها يبدأ بإزالة مظاهر الاحتلال، وأبرز مظاهر الاحتلال وجود رئيس حكومة صفوي جمع بين المصلحة الأمريكية والمصلحة الإيرانية ليكون ممثلاً لهما في بلاد الرافدين. اتفاق واشنطن وطهران هو اتفاق استراتيجي جمع بين المال والسلاح والمذهب والسياسة وكل ذلك جمع لكي لا يكون للعرب اعتبار في العراق وربما في دول عربية مجاورة للعراق.
أوباما الذي يستشهد بفتوى مرشد الثورة الإيرانية: إن طهران ملتزمة دينياً بان برنامجها النووي مدني سلمي وليس عسكرياً كشف عن نتائج المفاوضات التي مازالت مستمرة حول مستقبل برنامج إيران النووي، وهذه النتائج باختصار حسب فتوى المرشد ستتعهد طهران لأوباما بسلمية برنامجها النووي وسوف يثق سيد البيت الأبيض بهذا التعهد وفق سياسة تبادل التنازلات، تنازل عن البرنامج النووي يقابله السماح للنفوذ الإيراني بأن يتمدد في البلدان العربية، هذان التنازلان متفق عليهما، ويبقى قليل من الثقة وقليل من التضليل حتى يتم الإعلان عن التنازلات، الثقة يقصد بها ثقة طهران بواشنطن وثقة إسرائيل بهذا التوجه، أما التضليل فهذا من نصيب العالم العربي.
حماية أمن الخليج كانت وستبقى بالمحافظة على عروبة العراق والوضع الآن المشاهد والسري لا يقول إن العراق سيبقى في المستقبل القريب بلداً عربياً، وسيلحق بالأحواز سكان عرب وأرض عربية وسيادة فارسية، وهو وضع تريد طهران بان دول الخليج العربي يجب أن تكون علية أيضاً في المستقبل.. استخدام اللغة الفارسية في الدوائر الرسمية بجنوب العراق لم يكن بسبب حضور المسؤولين الإيرانيين هناك، بل من أجل تهيئة الظروف لغوياً ونفسياً لتغيير الانتماء بشكل دائم، هل هذا الشيء تباركه واشنطن؟ الواقع يقول نعم، كل تلك الجهود الإيرانية من نشاط استخباري وسياسي وتربوي بدأ مع الاحتلال الأمريكي ومازال مستمراً بعده.
إن كان بوش الابن قدم العراق لإيران على طبق من ذهب فأوباما كمن سيقدم المنطقة كلها لإيران على طبق من ذهب، حسب ماهو ظاهر من سياسة واشنطن في المنطقة وفقاً لاتفاقها مع طهران، فماذا عن باقي دول المنطقة؟ إجابة ننتظرها من السيد أوباما، فهذه المخاوف الخطيرة لا تزيلها التصريحات، ولكن هي فقط السياسات الملزمة باتفاق في المرحلة القادمة التي يمكن الوثوق فيها، وإن بقي للعرب من إرادة سياسية فليس أمامهم إلا الاعتراف المعلن والمؤيد لتوجهات السيد مقتدى الصدر القومية، كيف يتم ذلك؟ يتم في إطار اتفاق عربي حول تلك التوجهات.

قطر الإخوانية.. قطر الخليجية
بقلم: باسل محمد عن الصباح العراقية
كما هو رائج، فالخلافات التي تفجرت بين دولة قطر و بين شقيقاتها في دول مجلس التعاون الخليجي، السعودية و الامارات و البحرين كان سببها الرئيس هو الموقف من جماعة الاخوان المسلمين في ضوء التطورات بين هذه الجماعة و بين الجيش المصري بقيادة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، فالدوحة من ابرز مؤيدي عودة الرئيس محمد مرسي الى السلطة و الغاء الاجراءات التي اتخذتها المؤسسة العسكرية المصرية، كما ان قطر انتقدت في السر و العلن التدابير التي انتهجتها السلطات في دولة الامارات ضد خلايا تابعة لجماعة الاخوان قيل ان مواطنين قطريين يمولون و يدعمون هذه الخلايا.
واثار تأييد الحكومة السعودية للسيسي في مصر غضب القيادة القطرية التي واصلت مواقفها العدائية ضد قيادات الجيش المصري واصفةً ما جرى في الثلاثين من حزيران من العام الفائت في القاهرة بالانقلاب ضد الرئيس الاخواني الشرعي. أما مملكة البحرين، فالجميع يعلم الخلافات الحدودية بين الدولتين التي وصلت الى مرحلة المواجهة العسكرية قبل أن تتدخل منظومة مجلس التعاون الخليجي لتطويق هذا النزاع الحدودي ومنع وقوع الحرب بين الدولتين.
المثير، ان قطر و السعودية بشكل خاص تموضعتا في خندق واحد خلال أزمة الصراع السوري حتى قيل ان المحور القطري السعودي التركي وراء تسليح المعارضة السورية ووراء دخول آلاف الجهاديين و المتشددين الى سورية لقتال قوات نظام بشار الاسد.
أيضاً، الملف السوري الذي تشابك مع ملف جماعة الأخوان لم يسلم من طبيعة التناقضات و الخلافات بين قطر و السعودية على وجه الخصوص، فقطر لها قنوات اتصال بجبهة النصرة السورية وهي فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام، كما ان قطر هي الداعم الاساسي للجبهة الاسلامية السورية التي تضم في معظمها تيار الاخوان المسلمين السوري.
وفي المقابل، فأن الرياض تساند رئيس الائتلاف السوري المعارض احمد الجربا ويقال انها هي من نصبته على رأس الائتلاف واطاحت بسابقيه الذين كانوا قريبين من الحكومة القطرية و ابرزهم احمد معاذ الخطيب، كما ان المخابرات السعودية هي من تمول و تسلح الجيش السوري الحر بهدف تقويته ليس لمواجهة قوات الاسد فحسب بل ليكون هذا الجيش الحر الأقوى على الارض من جبهة النصرة و الجبهة الاسلامية السورية المدعومتين من قطر.
على مستوى منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، تظهر الخلافات القطرية مع السعودية و الامارات و البحرين ان هذه المنظومة تفتقر الى أدنى مستويات التنسيق بدليل ان الدوحة تدعم طرفاً سورياً ما و الرياض تدعم طرفاً آخر، كما ان الحكومة السعودية ومعها الامارات بصورة خاصة تعتبران الاخوان مصدر تهديد لأمنهما أما قطر فهي التي تتبنى خط الاخوان في مصر و ليبيا و تونس و سورية و في كل منطقة عربية، كما ان الداعية المقيم في الدوحة يوسف القرضاوي هو الناطق الرسمي باسم القيادة القطرية في مساندة الاخوان ومهاجمة اية دولة خليجية تكن العداء لاخوان مصر او اي بلد عربي وبالتالي كل هذه المعطيات هي من اوصلت العلاقات القطرية مع شقيقاتها الخليجيات الى مرحلة الخلاف و التنافر و ربما يتطور الأمر في الفترة المقبلة الى انسحاب قطر من منظومة دول مجلس التعاون الخليجي في حال ترك هذا الخلاف دون وساطة و تسوية عاجلة.
و في حال اتخذت قطر بالفعل قرار الانسحاب من منظومة مجلس التعاون الخليج، فان تداعيات هذا القرار ستكون خطيرة للغاية لأن القرار معناه أن الدوحة قد تتحالف مع جماعة الاخوان المسلمين في غزة و مصر و الاردن و دول الخليج ثم تذهب بعده الى تعزيز تنسيقها و اتصالاتها مع أجنحة داخل تنظيم القاعدة بزعامة أيمن الظواهري لتبدأ بشن حرب تفجيرات و اغتيالات داخل منظومة دول الخليج اي أن الدوحة اصبحت عملياً مصدر تهديد لأمن السعودية و الامارات و البحرين وقد يصل سعيها الى حد العمل على تغيير انظمة الحكم في هذه الدول.
لجهة الوضع العراقي، فان الخلافات بين قطر و بين السعودية و الامارات و البحرين قد تسهم في تفكيك المحور القطري السعودي المتهم عراقياً بمساندة الجماعات الارهابية ضد العملية السياسية القائمة في بغداد بمعنى ان دعم الدولتين للجماعات الارهابية سيتراجع حتماً في ما اذا استمرت هذه الخلافات و تصاعدت.
وفي أهم النتائج الاقليمية، يمكن للخلاف القطري مع السعودية و الامارات و البحرين ان يدفع الدوحة باتجاه التقارب مع النظامين في ايران وسورية وهذا معناه ان قطر ستنسحب من عملية مساندة التمرد المسلح ضد نظام الأسد لكن هذا التطور قد يشجع الجماعات المسلحة السورية المدعومة من السعودية كي تستفيد ميدانياً من هذا الوضع وتتحرك للاستيلاء على مناطق كانت خاضعة لجبهة النصرة و الجبهة الاسلامية المدعومتين من الدوحة وربما تستغل قوات الأسد هي الأخرى هذه الظروف لاستعادة السيطرة على مساحات شاسعة كانت فقدتها في السنوات الثلاثة الماضية.
الأمر المفهوم للسعودية و قطر على حد سواء هو أن نظام الأسد سيكون من أكثر الاطراف المستفيدة من الخلافات بين الدوحة و بين الرياض و المنامة و ابو ظبي، كما أن الساحة اللبنانية قد تشهد تحركات قطرية متعارضة مع تحركات المملكة السعودية و بالتالي سيستفيد حزب الله اللبناني بلا شك من الخلافات بين الاطراف الخليجية في مواجهة خصومه داخل لبنان ..
في كل الأحوال، ستحاول الحكومة القطرية من الآن دعم موقفها في مواجهة شقيقاتها الخليجيات بشتى الطرق منها اللجوء الى علاقاتها القوية مع الولايات المتحدة و اسرائيل من أجل أن يبقى حكم تميم بن حمد امناً وصامداً بوجه أية تحركات معادية محتملة من السعودية و الامارات و البحرين.