المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 652



Haneen
2014-04-06, 09:46 AM
اقلام عربي 652
20/3/2014


في هذا الملف:
بين لقاءي أوباما بنتنياهو وعباس
بقلم: فايز رشيد عن الخليج الإماراتية

الأقصى يقترب… فتجهزوا للقاء!
بقلم: حسام خطاب عن القدس العربي

مصير المعاهدة مع إسرائيل
بقلم: سمير كرم عن السفير البيروتية

غسيل على سطح مستوطنة!!
بقلم: خيري منصور عن الدستور الأردنية


قرصنة أمريكية!
بقلم: محمد سلماوي عن المصري اليوم

العرب مادة الحرب الباردة
بقلم: مصطفى زين عن الحياة اللندنية

قمة معالجة النزاعات العربية
بقلم: باسم الجسر عن الشرق الأوسط

من صراع الأيدلوجيا.. إلى صراع النفوذ..
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية








بين لقاءي أوباما بنتنياهو وعباس
بقلم: فايز رشيد عن الخليج الإماراتية
وأخيراً، تم عقد اللقاء المقرر بين الرئيس الأمريكي أوباما ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وقد حرص الأخير أن تُصاحب هذا الاجتماع ضجة شعبية، فقامت السلطة بحشد العديد من الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية للتعبير عن تأييدهم للرئيس الفلسطيني . كذلك الأمر جرى في بعض المخيمات الفلسطينية في الشتات، تتمنى عليه، الاستجابة للدعوات الشعبية الفلسطينية التي تناشده قطع المفاوضات مع العدو الصهيوني، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة دعوات كثيرة للمطالبة بقطعها .
المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة أعلن مباشرةً بعد انتهاء اللقاء، أن "الرئيس أوباما لم يعرض اتفاق الإطار على الرئيس عباس رسمياً"، موضحاً: أن أوباما والجانب الأمريكي عرضا مجموعة من الأفكار المتعددة على الجانب الفلسطيني والرئيس عباس . وكان الرئيس الأمريكي أوباما قد قال للرئيس الفلسطيني أثناء لقائهما في البيت الأبيض "إنه يتعين عليه اتخاذ قرارات سياسية صعبة والإقدام على مجازفات إذا أردنا إحراز التقدم" . تأتي هذه الدعوة بعد أسبوعين على دعوة مماثلة كان قد وجهها أوباما إلى رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو أثناء لقائهما مؤخراً في واشنطن .
اللقاء كان روتينياً عادياً سوى من دعوة عباس "للمجازفة" . قبل انعقاد اللقاء ببضعة أسابيع حرص عباس على أن يبعث رسالة إلى "الإسرائيليين" والأمريكيين "بأنه لن يُغرق "إسرائيل" بملايين اللاجئين فمن(وجهة نظره) هذا ليس واقعياً" . عباس ذهب إلى المفاوضات مع الكيان الصهيوني من دون وقف للاستيطان الذي زاد هذا العام على العام السابق بنسبة توسع تصل إلى 123%، أي أن الاستيطان أثناء المفاوضات زاد عما قبلها .
كذلك حرصت السلطة وقبل لقاء رئيسها مع أوباما تمرير رسالة بأنها لا تتدخل بما تقوم به قوات الاحتلال ومخابراته من موبقات في مناطق السلطة . لهذا السبب لم تتدخل قوات أمن السلطة أثناء الهجوم الذي شنته قوات الاحتلال على منزل الأسير السابق معتز وشحة في قرية بير زيت بالقرب من رام الله، رغم اشتباكه ساعات عدة معها (وإذا تذرعت قوات السلطة بأنها لم تعرف بذلك فهذا ليس صحيحاً، لأن الحدث تم تصوير وقائعه من قبل الفضائيات التي رصدت وجود قوات الأمن الفلسطيني في مكان قريب من موقع الاشتباك) . الهجوم أسفر عن استشهاد معتز وشحة وتدمير بيت أهله تدميراً كاملاً، هذا إلى جانب استمرار التنسيق الأمني مع العدو.
الرئيس أوباما أثنى على الرئيس عباس بوصفه "ينبذ العنف"! بالفعل فالرئيس عباس يعتبر المقاومة المشروعة لشعبه ضد الاحتلال "عنفاً" كما سماها في العديد من المرات و"إرهاباً" في بعضها، حتى إنه يقف ضد قيام انتفاضة ثالثة، وأقصى ما ينادي به هو المقاومة الشعبية السلمية على شاكلة الهند إبّان غاندي في المقاومة ضد الاحتلال البريطاني .
المقاومة الشعبية السلمية على الرغم من أهميتها لا تزيل احتلالاً صهيونياً اقتلاعياً من الأرض الفلسطينية . هذا إضافة إلى ملاحقة قوات السلطة لكل المقاومين الفلسطينيين ممن يؤمنون بالكفاح المسلح كوسيلة لتحرير الأرض، واعتقالهم والتغاضي عن قيام سلطات الاحتلال الصهيوني باغتيالهم واعتقال العديد منهم . في 14 مارس/آذار الحالي مرّت الذكرى الثامنة للهجوم على سجن أريحا (في مناطق السلطة) واختطاف أمين عام الجبهة الشعبية أحمد سعدات ورفاقه والمناضل فؤاد الشوبكي .
كل هذه القضايا تدركها "إسرائيل" والإدارة الأمريكية وعلى رأسها الرئيس أوباما . رغم ذلك يطالب أوباما رئيس السلطة باتخاذ قرارات صعبة من أجل ما يسمى ب"السلام" مع الكيان الصهيوني . إن عدم الاعتراف بيهودية دولة الكيان الصهيوني لا يختزل كل الحقوق الفلسطينية، بل هو جزء رئيسي منها، على طريق تحصيل الحقوق الوطنية لشعبنا، ومنها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين بما في ذلك صفد التي سبق للرئيس عباس أن تخلى عنها، فهي مدينته الأصيلة لكنه ليس الوحيد من مهجري صفد، فهناك عشرات الآلاف منهم ممن هجّروا قسراً، إضافة إلى أبنائهم وأحفادهم بالطبع، والذين يعدون الآن بمئات الألوف .
من ناحية أخرى، على صعيد لقاء أوباما برئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، فقد حرص الأخير وقبل لقائه بالرئيس الأمريكي، على التصريح مراراً وتكراراً (في كل حين وفي كل ساعة) حول شرطيه الجديدين على الجانب الفلسطيني وهما: "الاعتراف بيهودية "إسرائيل" وإسقاط حق العودة" (والجديد في هذا الشرط عدم إخضاع موضوع حق العودة للمفاوضات مع الفلسطينيين، وإنما إسقاطه من جانبهم قبل ذلك) . كما حرص على التصريح أثناء مؤتمره الصحفي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بمناسبة زيارة الأخيرة لدولة الكيان بمناسبة مرور50 عاماً على بدء العلاقات بين البلدين، بأن على الفلسطينيين إسقاط مطالبهم القومية قبل توقيع التسوية .
للعلم نتنياهو لا يعترف بالفلسطينيين كشعب، ولذلك لا يستعمل مصطلح "شعب"، بينما هم من وجهة نظره "أقلية وليس شعباً"، وإن الذي اخترع الشعب الفلسطيني هي الدول العربية بعد عام 1967 . (هذا ما يقوله في كتابه: مكان تحت الشمس) لا نتنياهو ولا اليمين الصهيوني المتطرف يريدون قيام دولة فلسطينية، لأنها من وجهة نظرهم: بداية نهاية "إسرائيل"، واقتلاعها من المنطقة، حتى لو كانت هذه الدولة ليست أكثر من حكم ذاتي، وحتى لو قام الفلسطينيون بالاستجابة للشرطين القديمين الجديدين لرئيس الوزراء الصهيوني، فسيقوم بتسمية شروط تعجيزية جديدة حتى يمنع قيام دولة فلسطينية .
بغض النظر عن "إسرائيل" هي المحتلة للوطن الفلسطيني بالكامل، والفلسطينيون هم من يقع تحت الاحتلال، فإن الرئيس أوباما يساوي في طلباته السياسية بين الضحية والجلاد، من حيث "المجازفة باتخاذ قرارات صعبة" . أمريكا مع وجهة النظر والاشتراطات "الإسرائيلية" للتسوية بالكامل، حتى وإن انتقد كيري إصرار الكيان الصهيوني على الاعتراف ب"إسرائيل" كدولة يهودية . الولايات المتحدة تقف تماماً إلى جانب العدوان "الإسرائيلي"، وهي لم ولن تكون وسيطاً محايداً في الصراع الفلسطيني العربي الصهيوني .

الأقصى يقترب… فتجهزوا للقاء!
بقلم: حسام خطاب عن القدس العربي
تغادر العيون كل يوم إليه، وتنظم الخليقة قصائد غزل في أرجائه وزواياه، وتغازل ذكريات طفولة وهجه آناء الليل وأطراف النهار، ونرمق طيفه في صور تناثرت في كل مكان، والقلب يناجيه لحظات السحر أملاً في إجابة من قدر قسا فأغلظ.
ما زالت صورته تزين جدران منزلي منذ نعومة أظفاري وحتى يومي هذا. أصادفها كل لحظة، والنفس تساورها أحاديث الصبا وأحلامه. أحلم كل يوم برؤيته محرراً تأتيه الجموع من كل صوب، وأستيقظ فجأة من جمال الحلم لأجابه واقعاً مريراً قاسياً لا يرحم ولا يذر ذرة من فؤاد عزيزة. فالمستوطنون يجوبون في ساحاته بلا حسيب أو رقيب، وأفعال التهويد تنال من مدينته القدس بلا اكتراث يذكر من بشر، واحتلال تضيق دائرته رويداً رويداً حتى علا أنين المسجد في الآفاق. أكتب هذه السطور، وأعمال الحفر تستمر في عمق أساساته بحثاً عن وهم، واستغلالاً لصمت شعوب على مر البصر. أصبح الصمت آيتنا، والكلام عن حقوق ذنباً، والفعل دفاعاً جريمة نكراء لا يؤمل العفو عنها ولو بعد حين.
أسأل نفسي مراراً عن العمل، والحنين يخالجني بلا هوادة. أصعب الحنين ذلك التوق إلى شيء لم تقابله يوماً، واكتفيت بسماع الأساطير عنه. لا تعلم ماهية اللقاء، ولا شكل العناق، ولا دفق المشاعر. تلمحه فقط في عيون الأجداد وبعضاً من أشعار وكتابات وكثيراً من أخبار. أشتاق إليه، وأنا لم أر ملامحه عن قرب ولو هنيهة. أضحى المسجد الأقصى القريب البعيد في آن واحد؛ هو القريب بحب دفين له حتى يخيل اتحادك معه في عوالم متوازية أخرى، وهو البعيد بسبب محتل استعمر واستوطن وطغى وتجبر. لعل طغيانه ليس من قوة قاهرة كامنة فيه، بل من ضعف استشرى فينا. أذكر محاولاتي المتكررة للولوج إلى ساحاته ومدينته، ولكن بلا فائدة ترجى. ترى القباب والمآذن من بعيد، ويدك تحاول التقاط أشعتها عبثاً عل المجد يلامسك ولو مرة. يتناهى إلى أذنك عبارات عبرية غير مفهومة، وعينك يتفجر منها الأسى والغضب. تدير بجسدك عائداً جاراً أذيال الخيبة، والرأس يعاندك في الالتفات خلفاً واعداً إياه بالعودة مرة أخرى في القريب العاجل. يخيل لك سماع صدى مناجاته، ومناشدته إياك بالكف عن البعد، والقلب يبــــكي عجزاً وقهراً. لا تملك سوى إعطائه وعوداً مواسياُ تقصيرك، وإبرام اتفاقيات مع نفسك وخياله تصبيراً في انتظار نصر تأخر.
تغرق في بحار معاناتك، وتعود لتقليب الصحف أملاً في قراءة خبر يسعدك من هنا أو هناك. لا تجد في جلها ومعظمها سوى المزيد من الأذى لقدسيته ومكانته. لكن قليلا منها يبعث في النفس كثير من أمل. هناك أخبار فيها بشارة وإن تراكمت على سطحها هموم غزيرة. فمقاومات أهل القدس، وكفاحات أهل فلسطين المستمرة تؤكد لنا أن القضية الفلسطينية لم تمت، وإنما هي حية ترزق بين ظهرانينا، تتنفس عزة وكرامة. تجتمع الدنيا على قطع شهيقها وزفيرها، وهي تأبى السكوت والخنوع للظلم. واحدة من مبادرات أهل فلسطين الخلاقة مؤخراً تشكيل أطول سلسلة بشرية من القارئين حول أسوار القدس. ربما ندر السلاح في أيديهم، إلا أن العزيمة ما انطفأت ولا خمدت ولا سكنت. إرادة المقاومة حديدية، والحق يعلو صوته في أزقة القدس وقرى فلسطين.
تسمع الآذان من مآذن المسجد الأقصى. تكالب الصهاينة على خفض صوته في حجة واهية ظاهرها تجنب الإزعاج، وأنا موقن تمام اليقين أن كل كلمة تصدر من منابره انتصار لحق سرق من عقود انصرمت. يظنون واهمين أن المطالب ستخبو مع الزمن، ويتناسون أن قلوباً عديدة تعلقت به. لا أخفي خوفاً عظيماً عليه، ولا أخفي أيضاً صوت الحق. أفضي إلى نفسي أحياناً بقرب ضرر جسيم يحل به، وأزيد تصميماً بتذكير كل من نسي في كل مقام ومقال بعدالة قضيتنا. لا تسعفنا الظروف بالدفاع عنه موتاً، لكن ستسعفنا حتماً أن نجعل فلسطين نبضنا ودماء سرت في العروق. لا تتوقفوا عن المطالبة بفلسطين قطعة كاملة، ولتكن رسالة من الأجداد إلى الأبناء إلى الأحفاد. فهي القريبة البعيدة، وأراها تقترب ببطء تشق ليلاً حالكاً. فتجهزوا للقاء!

مصير المعاهدة مع إسرائيل
بقلم: سمير كرم عن السفير البيروتية
ليس سرا ان اسرائيل تعيش اليوم أفضل أوقاتها وفقا لتقديراتها، هذا على الرغم من أن علاقات اسرائيل الأهم وهي علاقاتها بأميركا، تمر بأسوأ محنة يمكن ان تكون قد مرت بها منذ سنوات الرئيس ايزنهاور. وحقيقة ان اسرائيل تمكنت من ان تدبر أمورها في الفترة الاخيرة على الرغم من اضطراب علاقاتها مع الولايات المتحدة، وهذا يمكن ان يعني واحدا من ثلاثة أمور: إما ان اسرائيل تطمئن تماما الى القوى المؤيدة لها داخل الولايات المتحدة ولديها بالتالي تقدير بأن هذه القوى ستتمكن من فرض وجهة نظرها لمصلحة اسرائيل في نهاية النزاع مع ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما، وإما ان اسرائيل غير مهتمة في الوقت الحاضر بموقف ادارة اوباما وتتصور ان بإمكانها الدخول في حالة معارضة معها لا تنتهي إلا بنهاية هذه الادارة وتشكيل ادارة جديدة تحكم أميركا لمصلحة اسرائيل، وأما ـ ثالثا ـ فإن اسرائيل لديها تقدير بأن ادارة اوباما انما تمثل دور الاختلاف مع اسرائيل من أجل ان تنال الولايات المتحدة أفضل موقف ممكن من الجانب الفلسطيني، الى ان يتم الاتفاق الفلسطيني - الاسرائيلي.
بطبيعة الحال، يبقى احتمال رابع وهو ان يكون الخلاف الاميركي - الاسرائيلي حقيقيا وان الطرفين يقدران له البقاء مؤثرا على العلاقات الاميركية - الاسرائيلية في الامد البعيد، والى حين تراجع حاد لدور أميركا الدولي.
واذا ما كان من الضروري ان نرصد الزوايا التي يبدو منها ان اسرائيل تمر بأحسن ظروفها في الوقت الحاضر، فإننا نستطيع ان نكتفي بأمرين اثنين: الموقف الراهن في مصر والموقف الراهن في سوريا. وعلى الرغم من الاختلاف الكبير بين الموقفين، بمعنى ان مصر لم تتعرض لما تعرضت له سوريا، إلا ان الحقيقة الثابتة هي ان البلدين العربيين الكبيرين يمران بظروف تجعل كلا منهما غير قادر على أداء دوره العربي الاقليمي والدولي.
وقد تبدو مصر في الظروف الراهنة في وضع أفضل من الوضع الذي تجد فيه سوريا نفسها. إلا أن النظر الى التطورات المتوقعة خلال الشهور المقبلة يؤدي الى رؤية حقيقية بأن مصر تتهيأ لأداء دورها العربي وأن سوريا ستكون خلال شهور قليلة أقرب الى استئناف دورها العربي. وبطبيعة الحال، فإن تصور اسرائيل يختلف كثيرا وبعمق عن هذا التصور. ومن هنا شعور اسرائيل بأنها تمر بأحسن الظروف الممكنة نتيجة لما يسود الوطن العربي من اضطراب وقلاقل. ومن هنا ايضا شعور اسرائيل بأن سلوك مصر في الفترة القصيرة الأخيرة يدعو لقلق اسرائيلي، ان لم يكن لما هو أكثر مدعاة للاضطراب من القلق.
لقد راقبت اسرائيل في الاشهر القليلة الاخيرة التطور الفجائي الذي طرأ على العلاقات المصرية - الروسية وانعكاسات هذا التطور على دور مصر العربي الاقليمي والدولي. وقد وصل الامر الى حد ان قال المعلقان ديفيد شينكر وايريك تراجر ـ وكلاهما اسرائيليان أميركيان معا ـ في تعليق مشترك بعنوان «صفقة الاسلحة المصرية مع روسيا: التكاليف الاستراتيجية المحتملة «(4/3/2014) ـ «في المرحلة المقبلة يمكن ان تؤدي مبيعات الاسلحة (الروسية الاخيرة لمصر) الى إضعاف الميزة العسكرية النوعية لإسرائيل وتصبح عامل إثارة آخر في العلاقات الاميركية - المصرية... ان مبيعات الاسلحة تمنح واشنطن درجة محدودة من النفوذ السياسي على المؤسسة المصرية الاكثر أهمية المعروفة بغموضها».
ومن الواضح ان اسرائيل تنظر الى صفقة الاسلحة الروسية لمصر، وخاصة المروحيات الاضافية من طراز يشبه «اباتشي»، باعتبارها تمثل أهمية جوهرية لمصر في ظل مواجهة «تمرد إسلامي ناشئ في شبه جزيرة سيناء»، وان هذه المروحيات الاميركية هي «النظام المفضل لدى القاهرة في حملتها لمكافحة الارهاب في سيناء». في الوقت نفسه، فإن اسرائيل تتطلع الى ما تسميه «عمليات الإخلاء المتفرقة والمؤقتة للأفراد الاميركيين من مصر». ويضيف المعلقان الى هذا قولهما «لقد أوفت القاهرة بالتزاماتها تجاه معاهدة السلام مع اسرائيل لأكثر من ثلاثة عقود.
بيد انه في حال نقل هذه النظم المتطورة الى مصر فإنها ستضعف الميزة العسكرية النوعية لإسرائيل. وفي ضوء سجل مصر الشائن في انتهاك قانون الرقابة على صادرات الاسلحة الاميركية، فإن فكرة إمكانية إقامة فنيي «الميغ» الروس في القواعد نفسها التي توجد فيها طائرات «أ.ف.-16أس».الاميركية الصنع لا تبعث على الثقة». يضاف الى هذا رغبة المملكة السعودية في استخدام أموالها للإعراب عن استيائها من واشنطن .
مع ذلك، فإن القادة المصريين والعسكريين خصوصاً، يصرون على انه ليست لهم مصلحة في خفض العلاقات مع واشنطن. انهم يرون ـ حسب تصريحاتهم ـ ان مصر لا تستطيع ان تستبدل اعتمادها على الاسلحة الاميركية. لكن هذه التصريحات التي كان ينتظر ان تنظر اليها الولايات المتحدة بعين إيجابية، لم تمنع تكثيف موجة نظريات المؤامرة بشأن الدور الاميركي في مصر في نظر الجماهير المصرية. لقد تعزز المناخ السياسي المناهض للولايات المتحدة والمرحب بالابتعاد عنها.
وعلاوة على ذلك فإن دعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرئاسة المشير السيسي المنتظرة لمصر قد أشعل الحماسة الشعبية المصرية لبناء علاقات أقوى مع موسكو. يضاف الى هذا ما تشعر به الجماهير المصرية من ان روسيا تملك قدرات لا يستهان بها للضغط على اثيوبيا بشأن موقفها من تأثير سد النهضة على نهر النيل، وبالتالي على كمية المياه المتاحة لمصر.
ان هذه العوامل الروسية تضيف قوة الى الموقف المصري من وجهة نظر الجماهير المصرية، خاصة أن الجماهير المصرية انتبهت بوضوح الى ان روسيا لم تفرض أي شروط على صفقة الاسلحة الروسية لمصر على العكس تماما من السياسة الاميركية في ما يتعلق ببيع الاسلحة الاميركية لمصر أو لغيرها من دول العالم. وبطبيعة الحال فإنه لم يفت انتباه الجماهير المصرية ان الولايات المتحدة كانت قد اتخذت قرارا بوقف تصدير الاسلحة الى مصر قبل وقت من إتمام الصفقة الروسية من الاسلحة لمصر.
كانت اسرائيل تبدي ارتياحا شديدا الى علاقات القاهرة وواشنطن الى ما قبل إتمام صفقة الاسلحة الروسية لمصر، وبالتالي كانت اسرائيل تعتبر أن علاقاتها بمصر ترتبط كثيرا بعلاقات مصر مع أميركا. فكيف يبدو الامر الآن؟ ان الاطمئنان الاسرائيلي البالغ إزاء دور مصر في سيناء، الذي يتجاوز من وجهة النظر الاسرائيلية الحدود التي ترسمها معاهدة السلام المصرية -الاسرائيلية، بدأ يتعرض لهزات خطيرة.
ليس فقط بسبب أحداث سيناء وما تفرضه على مصر من عمليات تحتاج اليها اسرائيل بالمثل، انما أيضا لان اسرائيل لا تبدي اطمئنانا الى دور مصر في سيناء في ما يتجاوز نصوص معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية إلا في الحدود التي تشكلها القوة العسكرية المصرية. ان اسرائيل تريد في النهاية ان تحافظ على تفوقها النوعي في المنطقة التي تشمل سيناء. ونظرة مصر الى سيناء، خاصة بعد صعود الدور الذي يؤديه الجيش المصري فيها، لا تحيد عن اعتبارها جزءاً من السيادة المصرية.
ان التناقض بين الموقفين المصري والاسرائيلي إزاء سيناء لا يمكن بأي حال إغفاله. ومهما كانت درجة حرص اسرائيل على الاحتفاظ بالمميزات التي تحتفظ بها في سيناء نتيجة لمعاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية، فإن حرص مصر على سيادتها على سيناء يفوق كثيرا هذا الحرص الاسرائيلي. ان رغبة مصر في تغيير نصوص معاهدة السلام مع اسرائيل قابلة للتفجر في أي لحظة تكون مصر قد انتهت قبلها من إعادة النظر في هذه المعاهدة. وهو أمر ليس بمستبعد من الآن فصاعدا.
وتدرك اسرائيل الآن أكثر من أي وقت مضى ان إعادة النظر من جانب مصر في معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية مسألة واردة بعد ان تكون مصر قد حققت السلام والهدوء في سيناء. ولهذا فإن ما يبدو الآن انه علاقات هادئة بين مصر واسرائيل لن يدوم طويلا. ان صعود دور الجيش في مصر لا يحمل أنباء طيبة لإسرائيل من الآن فصاعدا. وبالتالي فإنه لا يحمل أنباء طيبة لأميركا ايضا.
ان موقع مصر الجغرافي في هذا الاقليم وهذا العالم يفرض عليها واجبات تتجاوز حدود السلام والتهدئة.

غسيل على سطح مستوطنة!!
بقلم: خيري منصور عن الدستور الأردنية
ما من إحصائية دقيقة حتى الآن لعدد الشهداء الفلسطينيين، ليس فقط لأنهم منسيّون، بل لأن استشهادهم قد يتحول ذات يوم الى إدانة، بحيث لو عادوا تجرى محاكمتهم وبالتالي إعدامهم على طريقة الروائي الجزائري الطاهر وطّار في قصته الشهيرة «الشهداء يعودون هذا الأسبوع».
أتخيل ما يقارب الربع مليون شهيد إذا صحّ هذا الرقم وهم يندلعون الآن من قبورهم كالمردة الذين يندلعون من القمقم، وأراهم يتظاهرون في كل مدن فلسطين وقراها وفي القيعان وعلى السفوح من الجليل الى الخليل لأنهم سمعوا ما سمعنا من تبادل التخوين والتنابز بالخيانات العظمى وليس بالألقاب.
فالغسيل الآن على سطح مستوطنة، لهذا يُخرج المستوطن لسانه للمواطن ويقول له.. أنتم من قتلتم بعضكم، باعترافات قادتكم، وأنتم الذين شرّدتم بعضكم، انها شهادة تبرئة للاحتلال، وكأنه اصبح خارج معادلة الصراع، فثمة من ينوبون عنه في القتل والتجريم.
إن هذا الذي يجري ليس فقط أمامنا، بل تحت أقدامنا هو دراما من طراز فريد، لأنها تختلط بكوميديا سوداء، فلا ندري ما إذا كنَّا نضحك من شدة البكاء أم نبكي من فرط الضحك!!
إن كل علامات الاستفهام والتعجب في لغتنا لا تكفي الآن، فالحابل لم يختلط بالنابل فقط، بل بالقاتل، يحدث هذا والقضية الفلسطينية تهاجر كما هاجر الفلسطينيون من مواقعها القومية ومن كل السياقات التي كانت تلتئم حولها ومن أجلها.
لو سميناه انتحاراً وطنياً، لما كان التعبير دقيقاً ولن يليق بما يحدث، وقد يُعفينا من التعليق فنان من طراز جويا الاسباني أو سلفادور دالي، فالمشهد سريالي بامتياز فلسطيني، ولعل آلاف الشهداء يتقلبون الآن في قبورهم ليسأل كل واحد منهم أخاه من قتله؟ ما دام الدم قد ضاع بين الفصائل لا القبائل هذه المرة..
إن الصّمت على ما نرى ونسمع هو تواطؤ لا يقل عن المساهمة بالقتل والتشريد، فسيل الدم تجاوز الزُّبى، وانكسر الكيل ولم يطفح فقط..
أهذه هي الخاتمة؟ بعد خمسة وستين عاماً من التنكيل والنفي والاقتلاع من الجذور؟
ما يحدث ليس اختلافاً في وجهات نظر أو عتاباً بين إخوة تحولوا الى أعداء، انه تخوين صريح ومباشر على مرأى ومسمع من العالم كله، فالغسيل ما يزال طرياً لأنه منقَّع في الدم، وقد لا يجف الى القيامة حتى هبطت الشمس عليه.
إن المرء في مثل هذه اللحظات لا يجد لديه ما يقوله أكثر مما قاله ابن الأثير حينما تمنى لو أن أمه لم تلده كي يرى ما رأى ويسمع ما سمع..
الآن أُصدِّق كل ما قرأته عن سايكولوجيا الضحية حين تصاب بالعمى، وتصبح خرساء ولم يبق غير القليل من التخوين المتبادل كي تعلن إسرائيل براءتها من دمنا!!

قرصنة أمريكية!
بقلم: محمد سلماوي عن المصري اليوم
كيف يمر مرور الكرام ما صرح به وزير الخارجية نبيل فهمى بأن الولايات المتحدة قد احتجزت طائرات «الأباتشى» المصرية التى أرسلت إليها للصيانة، للضغط على مصر لإشراك الإخوان فى العملية السياسية؟! هل هذا معقول، وهل هو مقبول فى العلاقات الدولية؟
لقد تناقلت وكالات الأنباء فى الأيام الأخيرة أخباراً من واشنطن تقول إن مصر طلبت طائرات مروحية عسكرية من طراز «أباتشى»، لكن الإدارة الأمريكية لم تلب الطلب المصرى، بينما الحقيقة أن الصفقة التى أوقفتها واشنطن هى تلك التى أعلنتها فى أكتوبر الماضى، احتجاجاً على إسقاط حكومة الإخوان، ومنذ ذلك الوقت لم تتقدم مصر بطلبات جديدة حتى يتم رفضها.
ثم يتضح، حسبما كشف عنه وزير الخارجية، أن ما طالبت به مصر لا يتعلق بأى صفقات عسكرية جديدة، وإنما بالمروحيات التى ذهبت للصيانة ولم تعد، وهو ما دعا مصر لعدم إرسال أى طائرات للصيانة فى الولايات المتحدة بعد ذلك.
يأتى هذا فى الوقت الذى لا تكف فيه الولايات المتحدة عن اتهام روسيا بالقرصنة بسبب تدخلها فى جزيرة القرم، وبخرق قواعد التعامل الدولى، فهل ما فعلته واشنطن مع مصر له وصف آخر غير القرصنة؟
كما يأتى التصرف الأمريكى فى الوقت الذى تؤكد فيه ليل نهار أنها ليست منحازة إلى الإخوان المسلمين، وأن كل ما تريده فى مصر هو أن تشارك جميع القوى فى العملية السياسية، ولست أعرف ما علاقة هذه الرغبة الأمريكية باحتجاز طائرات مملوكة للقوات المسلحة المصرية ذهبت إليها للصيانة؟
ثم إذا كانت هذه الرغبة الأمريكية صادقة فلماذا لا تتحدث بشأنها مع الإخوان أنفسهم، الذين يرفضون المشاركة فى العمل السياسى بعد أن اختاروا العمل فى الشارع بالعنف والإرهاب ضد المواطنين الآمنين؟
إن الولايات المتحدة بدلاً من أن تمارس ضغوطها على من يرفضون العمل السياسى قررت أن تشارك معهم فى الضغط على مصر سياسياً جنباً إلى جنب مع الضغط الأمنى الذى تمارسه هذه القوى التى أسقطها الشعب عن الحكم والتى يزداد رفضه لها مع كل عملية إرهابية جديدة يرتكبونها.
إن القرصنة التى مارستها الولايات المتحدة مع مصر باحتجازها الطائرات المملوكة للقوات المسلحة لن تؤدى إلى تحقيق تلك الرغبة الأمريكية «النبيلة»، وإنما هى حماقة جديدة تضاف لسجل الحماقات الأمريكية التى تتوالى منذ قيام الثورة عام 2011، والتى تسىء إليها بشكل متزايد، بينما تبدو قوى دولية أخرى جاهزة بالدعم الذى تحتاجه مصر، وبالسلاح الذى تطلبه.




العرب مادة الحرب الباردة
بقلم: مصطفى زين عن الحياة اللندنية
عشية سقوط الاتحاد السوفياتي كان العالم العربي، كله تقريباً، منحازاً إلى واشنطن ضد موسكو، ويشكل جزءاً أساسياً من استراتيجيتها في مواجهة «الإلحاد الشيوعي». كانت دول الخليج أكدت موقعها على خريطة النزاعات، أو فلنقل أنها أكدت انتصارها على اليسار. مصر السادات ثم حسني مبارك أنهت علاقاتها مع المعسكر الشرقي، معترفة بأن 99 في المئة من أوراق اللعبة بيد أميركا، على ما قال السادات في عبارته الشهيرة. المغرب والأردن بقيا على موقفهما المعروف بالانحياز إلى واشنطن. سورية استمرت في علاقاتها القوية مع موسكو إلا أنها كانت تمر في مرحلة مهادنة مع واشنطن. العراق كان معزولاً في الإقليم وعلى المستوى العالمي. ويمكن القول إن انتصار الغرب في هذه الحرب كان انتصاراً للحلفاء أيضاً. لكن أحداً من هذه الأطراف لم يتوقع نهوض روسيا من محنتها. أو كانت المراهنة على أنها، بعد انتمائها إلى نادي الدول الرأسمالية، ستنخرط في سياساتها واستراتيجياتها الدولية. لكن هذا البعض نسي أو تناسى أن المنافسة على الموارد والمستعمرات بين الرأسماليين أدت إلى حربين عالميتين مدمرتين.
بمعنى آخر، لم تكن الحرب الباردة بين أيديولوجيتين، رأسمالية وشيوعية، بل كانت تنافساً على النفوذ، ولم تكن الأيديولوجيا سوى غطاء لهذا التنافس، تماماً مثلما الدين الآن غطاء للتنافس على النفوذ في دنيا العرب.
هذا كان وضع العرب خلال المرحلة الأخيرة من الحرب الباردة فما وضعهم اليوم وهذه الحرب تتجدد، والصراع على الموارد، من غاز ونفط قد بلغ مرحلة الصدام؟
قد لا يكون العرب اليوم منقسمين بين معسكرين، لكنهم غارقون في فوضى لا تسمح لهم بالتأثير في «برودة» الحرب التي تتحول إلى أسلحة مدمرة في بلادهم، فهم مادتها الأساسية: العراق لم يستطع الخروج من حروبه الداخلية بعد، فضلاً عن أن انحيازه إلى إيران وتحالفه في الوقت ذاته مع الولايات المتحدة، وهذا الموقع لا يتيح له أي هامش للحركة. دول الخليج الداعية إلى مواجهة طهران وموسكو لدعمهما النظام السوري بينها وبين الولايات المتحدة حوار لم ينته في كيفية المواجهة. سورية غارقة في دمائها وهي موضع خلاف عربي- عربي. الأردن ولبنان غارقان في ضعفهما، وفي أوضاعهما الداخلية القلقة. مصر مكبلة باتفاقات كامب ديفيد، وهي في مرحلة انتقالية قد تطول، خصوصاً بعدما بدأ السلاح يتدخل في السياسة.
أما الوضع الروسي والغربي فلخصه بوتين في خطابه الترحيبي بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا. استند القيصر في تأسيس مرحلة جديدة من العلاقات (المواجهة) مع الولايات المتحدة وأوروبا، إلى وقائع كثيرة حصلت منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، عندما وافق بوريس يلتسن على استقلال أوكرانيا.
أهم هذه الوقائع أن موسكو خرجت من محنة تفكك الإمبراطورية أكثر قوة على المستوى الاقتصادي والعسكري. وأن أوروبا تعيش مرحلة من الركود والتراجع في مختلف المجالات، وقد أثبتت الأحداث أنها مجرد صدى للولايات المتحدة التي تعاني هي الأخرى أزمة تبدو مستعصية، بعد الحروب التي شنتها على أفغانستان والعراق وعلى الإرهاب، وهي الآن في مرحلة الانكفاء ومراجعة الذات.
سواء صحت قراءة بوتين أو كانت خطأ فالغرب لن يقف مكتوف الأيدي حيال صعود نجم موسكو. الحرب الباردة تجددت. والعرب، ببلدانهم وشعوبهم ومواردهم، مادتها.



قمة معالجة النزاعات العربية
بقلم: باسم الجسر عن الشرق الأوسط
أي جدول أعمال ستناقشه القمة العربية في اجتماع الكويت؟ هل هي الأوضاع التعيسة التي آل إليها ما سمي بالربيع العربي؟ أم هي العلاقات المتردية بين بعض الدول العربية؟ أم هي التحولات في السياسة الدولية التي تنذر بحرب باردة جديدة بين الشرق والغرب؟ أم هي العلاقات الدولية المستجدة من جراء تقليص الولايات المتحدة لتدخلها في الشرق الأوسط وانتهاز «القيصر الروسي الجديد» لهذا التخلي الأميركي والدخول بقوة إلى هذه المنطقة من العالم؟ أم أن هذه المواضيع الكبيرة ربما لن تناقش خشية الانزلاق نحو نزاعات إضافية؟
لا داعي للدخول في تفاصيل ما يجري في سوريا والعراق واليمن ومصر وليبيا من نزاعات وتمزقات وطنية وسياسية. أو من خلافات عميقة بين الدول العربية. أو من نشوء صراع حقيقي بين التيار السياسي الديني والتيار الديمقراطي الليبرالي. أو من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها معظم الدول العربية. ولا عن أسباب إغراق لبنان - هذا البلد العربي الصغير شبه الديمقراطي - في أزمة حكم متمادية.
لسوء الحظ، علينا أن نعترف بأن الأمة العربية باتت «الرجل المريض» الجديد في عالم القرن الحادي والعشرين، كما كانت السلطنة العثمانية توصف في أواخر القرن التاسع عشر. إنها أمة تتمزق من الداخل وضائعة بين الأمم. لقد جرب معظم حكام دولها كل أنواع الحكم وكل الآيديولوجيات والعقائد السياسية لإخراجها من المأزق التاريخي المصيري الذي علقت في شباكه وفشلوا في تجاربهم. وها هي الأجيال العربية الجديدة ترتمي في حضن آيديولوجيا سياسية - دينية عنفية معادية للشرق وللغرب، كخشبة خلاص، غير مدركة لخطورة استعداء الدول المالكة للقوة والقابضة على مفاتيح الحضارة والتكنولوجيا والقوة العسكرية في العالم.
كلا، إن طريق النهضة والتقدم والحرية والعدالة، لا يمر حكما بإعلان الحرب على الدول الكبرى ولا بتفجير السيارات المفخخة أو الاغتيالات، بل باكتشاف مكامن الضعف في المجتمعات العربية والإسلامية والعمل الجدي على إزالتها. أي بثورة فكرية ثقافية حقيقية على الذات، أولا، ثم على رواسب التقهقر الفكري والاجتماعي والاقتصادي الذي مر به العرب والمسلمون منذ القرن الخامس عشر. فمن هنا نبدأ - كما قيل يوما - وإلا فلن نبدأ.
منذ ربع قرن أقرت إحدى القمم العربية تنفيذ ما سمي بمشروع «الاكتفاء الذاتي الغذائي العربي». قدرت تكاليف تنفيذه يومذاك بعشرة مليارات دولار. وكان من شأن هذا المشروع وقف استيراد المواد الغذائية الأساسية كالقمح والأرز والسكر من الخارج. المشروع بقي حبرا على ورق بينما هدرت مئات المليارات على شراء أسلحة استعمل معظمها في حروب داخلية وما تبقى اهترأ في المخازن.
كلا، ليست الحالة التعيسة التي تغرق فيها الدول والشعوب العربية والإسلامية نتيجة مؤامرة غربية صهيونية متمادية. صحيح أن الدول الأوروبية عملت على تفكيك السلطنة العثمانية واستعمرت معظم الشعوب العربية والإسلامية واستفادت من خيرات الدول التي استعمرتها، وأنها عوضت على اليهود الذين اضطهدتهم بمساعدتهم على إقامة دولة إسرائيل في قلب العالم العربي.. ولكن هل يحتم هذا الماضي العدائي اللجوء إلى العنف والإرهاب سبيلا وحيدا للخروج من المستنقع المصيري الذي نغرق في مياهه يوما بعد يوم؟ أوليس هناك من خشبة خلاص أخرى؟
إن نهضة الشعوب لا تتحقق في أشهر أو سنوات ولا بقفزات - كما حاول ماو تسي تونغ يوما بثورته الثقافية المرتجلة! بل طريق النهضة طويل وشاق ومكلف. ولكن أيا كان اتجاهه وكانت عناوينه، فإنه يبدأ بتشخيص الداء وأسبابه تشخيصا صحيحا وعميقا، لا التهرب منه واللجوء إلى أدوية سطحية أو علاجات جانبية أو إلى التمسك بأهداب الآيديولوجيات، مهما كان عنوانها جذابا وشعاراتها مغرية.
لا أحد ينتظر من القمة العربية التوصل إلى اكتشاف مكامن العلة الحقيقية التي يشكو منها الجسم أو العقل السياسي العربي. ولئن اكتشف بعضهم هذه المكامن فمن الأرجح أنه لن يجري إعلانها أو إعلان العلاج الشافي لها. ومن هنا فإن أقصى ما يمكن أن تتوصل إليه هذه القمة وربما القمم القادمة هو وقف الحرب الأهلية القاضية على الشعب السوري، ومساعدة مصر على استعادة قوتها ودورها القومي العربي، والعمل على إطفاء ما يمكن إطفاؤه من حرائق صغيرة أو كبيرة في الدول التي مرت عليها رياح الربيع العربي.
إسرائيل ليست بريئة من الدماء العربية التي سالت ولا من تعطيل المحاولات الجدية لتوحيد كلمة العرب. ولا الدول الكبرى، غربية كانت أم شرقية، تتحمل وحدها مسؤولية الضياع المصيري العربي. وهذه النزاعات بين ضفتي البحر المتوسط ليست فريدة من نوعها في العالم أو التاريخ. ولئن أصر البعض على اعتبارها «مؤامرة غربية - صهيونية» مستمرة، فالجواب هو: إن هذه المؤامرة ما كانت لتمر ولتحقق أهدافها لو لم يكن هناك تربة عربية خصبة لانزراعها واستعداد بشري وثقافي للوقوع في حبالها والتحول إلى ضحية لها، على حد قول المفكر مالك بن نبي.
إن عودة العرب والمسلمين إلى الصف الأمامي من الأمم - وهذا حقهم بل وواجبهم - لا تتحقق بالعنف والقتال والإرهاب، في عصر العولمة والحضارة الإلكترونية - الفضائية - الافتراضية. بل بثورة ثقافية تحررهم من القيود التي تمنعهم من النهوض والتقدم، وبالبناء الذاتي والمجتمعي المركز على القيم الإنسانية وفي طليعتها الحرية والعدالة والعلم.

من صراع الأيدلوجيا.. إلى صراع النفوذ..
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
الصراع بين الغرب وروسيا القيصرية والبلشفية، ثم الرأسمالية أساسه الخلافات الدينية العميقة بين (الأرثوذوكسية) وبقية كنائس أوروبا، وتتالت الأحداث إلى اليوم الذي نجد فيه دورة أخرى من صراع على النفوذ.
فالغرب يسمي «بوتن» قيصر بخليط من إرث ماركسي، وخليط من رجل استخبارات تولى أحد المناصب المهمة في العصر السوفييتي، ويحكم بعقلية قياصرة روسيا لكن بأسلوب وعقل جديدين..
الروس، ورغم انبهارهم بالتقدم الأوروبي، إلاّ أن الروح القومية مسيطرة بشكل كبير، والنزاع على القرم حوّل بوتن إلى زعيم أمة زادت من أسهمه كخصم عنيد لعدو تاريخي، ويرتبط ذلك بالمد والجزر حين كانت أراضي روسيا مطمعاً لإمبراطوريات أوروبية وشرقية، ونزعة روسية للتوسع في شرق أوروبا سواء بعهد القياصرة والممالك السابقة، أو ما بعد مؤتمر يالطا الذي رسم الحدود وأعطى للسوفييت جزءاً من ألمانيا ودول أوروبا الشرقية..
مطامع الغرب نتيجة تلك الفواصل التاريخية أن تؤول تركة الرجل المريض السوفيتي إليه، وبالفعل فقد عادت معظم دول الشرق الأوروبي للانضمام لاتحادها وتأسيس قواعد عسكرية لحلف الأطلسي عليها وفي مرحلة الضعف الروسي قبلت الصمت وشبه الحياد، لكنها ما بعد «يلتسن» بدأ الشعور العام القومي يطغى على رفض الهزيمة، ولذلك فمشكلة القرم الراهنة هي اختبار للقوة من كل جوانبها السياسية والعسكرية والاقتصادية..
صحيح أن روسيا ترى الوضع الجديد بأنه صراع وجود لأن القرم تقع في حاشيتها الاستراتيجية، والتسليم بالأمر الواقع بأن تكون جزءاً من أكورانيا وقاعدة في المستقبل البعيد للأطلسي ترفضه حتميات أمنها، إضافة إلى أنها تدرك أن الخصوم مهما كانت نزعاتهم وحججهم فإنهم لن يقامروا بعمل عسكري أسوة بما جرى في البوسنة، وحتى تراجع أمريكا وأوروبا عن توجيه ضربة لسورية جاء بسبب مخاوف من حرب طويلة يدعم فيها الروس عسكرياً واقتصادياً الأسد وتتحول إلى عراق آخر مما أعطاها نفوذاً أكبر وهيبة دولية رأى فيها العالم أن روسيا المعادل بالقوة في المنطقة العربية وخارجها..
إذا فالقرم فتحت أكثر من باب لتنافر المصالح، وقد تكون الخاسر الأكبر في المعركة أوكرانيا لأن حاجتها لروسيا الأهم، وأوروبا ليست موضع الثقة في ظرف معاناتهم المادية، وأمريكا تراها شأناً لهم، وتأتي ألمانيا الأكثر ضرراً من أي إجراء جديد يفرض الخطر على روسيا لأنها أكبر مستثمر بها إلى جانب اعتبارها المستورد الأهم لغازها، وهذا سيجعل طرح حسابات الخسائر والأرباح موضع جدل إن لم يكن يدفع بأوروبا إلى خلافات حول العواقب التي ستقع على الجانبين..
الأيام أو الشهور القادمة سوف تكشف تداعيات هذه الخلافات غير أن الروس ماضون في مشروعهم ومستعدون لقبول النتائج مهما كانت قاسية وخاصة في ظرف التقت المصلحة الوطنية مع إجراءات الدولة والاستمرار بدعمها.