Haneen
2014-06-03, 12:42 PM
في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
عبرية الدولة تساوي يهوديتها
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
على ماذا يحتج السفير الإسرائيلي في نيويورك؟
بقلم: رغيد الصلح عن الحياة اللندنية
إسرائيل والفلسطينيون: سلام مستحيل.. أم خوف متبادل؟
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
قضية فلسطين و«الميدان»: الكل مشغول عنها.. وعن سلطتيها!
بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية
البدائل الفلسطينية
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
في القدس يأبون الاستسلام (http://www.raialyoum.com/?p=75973)
بقلم: لبنى الخروصي عن رأي اليوم
عبرية الدولة تساوي يهوديتها
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
يحاول الإسرائيليون إلصاق انفسهم بالتاريخ القديم، وآخر أساطيرهم أن هيكل سليمان كان مبيناً في محل المسجد الأقصى. يأخذون (يسرقون) آثاراً من القدس ويدّعون أنها آثار لهم، يستخدمــــونها في البناء بهــــدف إعطاء الإنطباع بأن تاريخ دولتهم يمتد إلى آلاف السنين. لقد فشل علماء الآثار(رغم كل التنقيب) بمـــن فيهم علماء إسرائيليون في إيجاد أية آثار يهودية مرتبطة بالـــرواية الإسرائيلية للتاريخ. إن علماء كثيرين عالميين من بيــــنهم الباحث ماك اليستر، أشاروا إلى أن قرناً كاملاً من التنقيب في فلسطين لم يفض إلا إلى آثار فلسطينية ويجهد اليهود في تزييفها.
من بين هؤلاء أيضاً الكاتبة كاتلين كينون في كتابها ‘علم الآثار في الأرض المقدسة’، وأبحاث المؤرخ بيتر جيمس الذي نشرها في كتاب ‘قرون الظلام’، كذلك توماس تومسون في كتابه ‘التاريخ المبكر للشعب الإسرائيلي’، والكاتب غوستاف لوبون في كتابه ‘تاريخ الحضارات الأولى’ وأخيراً وليس آخراً شلومو ساند(وهو مؤرخ إسرائيلي) في كتابه’اختراع الشعب الإسرائيلي’و’اختراع أرض إسرائيل’.
من بين الأضاليل الصهيونية فإنه وعند تأسيس دولة إسرائيل حاولت الحركة الصهيونية تعميم تعبير(الدولة العبرية) كأسم يطلق على الدولة المقامة في فلسطين. هذا لم يكن صدفةً، فله دوافعه التاريخية الممكن إسقاطها على الحاضر في محاولة لتزييف التاريخ وإجبار كل الآخرين على الاعتراف بوقائع و(حقائق) جديدة بعيدة كل البعد عن المصداقية التاريخية.
إن الاعتراف بــ (عبرية) إسرائيل يعني إعطاء هذه الدولة صفة ليست بها تماماً، فالاعتراف بـ (عبرية) إسرائيل بكل ما يعنيه ذلك من موافقة على الأضاليل والأساطير الإسرائيلية في الرواية الصهيونية لتاريخ فلسطين. نعم يخطئ كتابنا ومثقفونا وصحافيونا من خلال الوقوع بشكل غير مقصود في المطب الصهيوني.
إن كلمات(عبرانيون) و(عبرية) وفقاً للعديد من الباحثين القدماء والجدد منهم: درايفر(أستاذ اللغة العبرية في جامعة أوكسفورد سابقاً)، كلوفاني بيتيناتو(منقب وخبير لغات قديم) وغيرهم إضافة إلى الاكتشافات الأثرية في مغايرْ ممكنة (إبلا) السامية، كل ذلك يؤكد بأن العبرية كلمة كنعانية قديمة كانت تطلق على قبائل وأقوام كثيرة ولا علاقة لليهود بها لا من قريب أو بعيد، وأن كلمات ‘عبري’ ‘عبريت’ ‘عبراي’ بالآرامية، صاغها حاخامو فلسطين في وقت لاحق كأفضل طريقة يمكن اتباعها لربط تاريخهم بأقدم العصور، ولجعل عصر اليهود متصلاً بأقدم الأزمنة، وبذلك يكون تاريخ فلسطين تاريخاً يهودياً! ولهذا فإن الباحثين اليهود يتمسكون بكلمة (العبرية) ومصطلح (العبرانية التوراتية) كقرائن تربط بين اليهود وبعدهم التاريخي في فلسطين(الموسوعة الفلسطينية، الجزء الثالث، الطبعة الأولى، دمشق، ص 186)، وكاحتمال وحيد لإيجاد الروابط المفقودة بين اليهود في جميع المجالات، ولهذا فإن الحركة الصهيونية عمّقت شعار أحد الرواد الأوائل في الحركة الصهيونية وهو آحاد هاعام (آخر يهودي وأول عبري) وجعلته شعاراً يهودياً صهيونياً.
في هذه المرحلة لم تكتف إسرائيل بــ (عبرية) دولتها وقد كانت محطة عبور لــ (يهودية) إسرائيل، وجعلت من الاعتراف بهذه (اليهودية) شرطاً أساسياً على الفلسطينيين والعرب لإنجاز أية تسويات مع الطرفين. بالطبع من حق كل دولة أن تسمي بناءها السياسي وفق ما تشاء، ولكن في الحالة الإسرائيلية (وهي حالة استثنائية في التاريخ) حيث جاء مستوطنون مهاجرون من كل بقاع العالم ليحتلوا فلسطين ويقتلعوا أهلها ويرفضوا الاعتراف بالحقوق الوطنية لشعبها، ويمعنوا في الابتزاز بالاشتراط على الفلسطينيين العرب الاعتراف بهذه (اليهودية)، فذلك يعني: تهديد الفلسطينيين العرب الذين يسكنون في منطقة 48 بإمكانية الطرد مستقبلاً، لأن إسرائيل هي دولة اليهود! كذلك فإن الاعتراف بــ (يهودية) إسرائيل يلغي تلقائياً حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات. وعلى المدى القريب المنظور فإن باستطاعة إسرائيل (إذا ما اعترف الفلسطينيون والعرب بـيهوديتها) حرمان فلسطينيي 48 من أية حقوق مدنية (وهي في الأصل قليلة)، وذلك في مجالات التعليم والصحة والإسكان والثقافة والسياسة وكافة المجالات الخدماتية الأخرى.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه خرجت أصوات إسرائيلية كثيرة على صعيد مسؤولين سياسيين وعسكريين تنادي بالتخلص من 300 ألف فلسطيني يسكنون منطقة المثلث من خلال اقتراح (يبدو في ظاهره بريئاً!) بتبادل هذه المنطقة في فلسطين المحتلة عام 48 مع السلطة الفلسطينية التي لا تريد لها إسرائيل أن تكون سوى منطقة حكم ذاتي ليس إلاّ.
يهودية دولة إسرائيل تعني لمن يعترف بها: أن التاريخ الفلسطيني في مراحله المختلفة ما هو إلا أكاذيب! وهي تعني الاعتراف (بالحقائق المزعومة) التاريخية التي ترددها الصهيونية عن دولتها في فلسطين، وهذا يعني أنهم موجودون في فلسطين منذ ثلاثة آلاف سنة كما يدّعون! الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل يعني إلغاء تاماً لكافة قرارات الأمم المتحدة التي أكدت على الحقوق الفلسطينية، كما يعني إمكانية أن تطرح إسرائيل مستقبلاً حقوقها فيما تسميه (أرض إسرائيل الكبرى)! نعتقد أن مخاطر الاعتراف الفلسطيني والعربي بــ (يهودية) إسرائيل قد راجت إعلامياً بشكل ممتاز، غير أن خطأ استعمال مقولة (الدولة العبرية) في التعبير عن دولة إسرائيل ما يزال لم ينتشر إعلامياً بشكل موازٍ لمخاطر الاعتراف بـ (اليهودية)، بدليل أن من الممكن لأي قارىء أو أية قارئة أن يصطدم يومياً بهذا التعبير(العبرية) في مقالات سياسية واستعمالات كثيرة أخرى، تماماً كما نصادف تعبيرات أخرى لا تنطبق على إسرائيل مثل (الشعب) الإسرائيلي و(الأمة) الإسرائيلية و(القومية) اليهودية أو الإسرائيلية، و(المجتمع) الإسرائيلي. فاليهودية ديانة ليس إلا، وهي ليست(قومية) والإسرائيليون ليسوا(شعبا) ولا(أمة) ولا(مجتمعاً)، فما الذي يربط بين اليهودي الأمريكي والآخر الإثيوبي؟ وما هي القواسم المشتركة بين فسيفساء المستوطنين المهاجرين إلى إسرائيل؟ فيها يهود غربيون، أيضا لا يزال فيها يهود شرقيون، الروس يعيشون مع بعضهم وهكذا العراقيون واليمنيون وغيرهم وغيرهم!
ثم ما هذه الدولة التي تميز عنصرياً بين الإثنيات والأعراق المختلفة لليهود فيها؟ فالتمييز العنصري في الكيان الصهيوني قائم ليس فقط ضد الفلسطينيين العرب (رغم أن ذلك يحتل الدرجة الأعلى في سلّم التمييز)، لكن هناك تمييزاً ضد اليهود الشرقيين واليهود السود (الفالاشا) وغيرهم.
إسرائيل نشأت لا كدولة مثل الدول الأخرى في عملية تطور تاريخية طبيعية، بل جرى إنشاؤها قسراً، دولة احتلالية عنصرية، فحتى الثقافة الواحدة مفقودة فيها فلا صحة إطلاقاً لمقولة (الثقافة) الإسرائيلية الواحدة. وإن جاز إطلاق كلمة (ثقافة) إسرائيلية تجاوزا بالطبع، فهي ثقافة العدوان والتدمير وإرهاب الدولة. في الحقيقة ينطبق عليها وصف: أن إسرائيل عبارة عن ثكنة عسكرية أو عصابة إرهابية أو جيش له/ لها دولة.
على ماذا يحتج السفير الإسرائيلي في نيويورك؟
بقلم: رغيد الصلح عن الحياة اللندنية
في المذكرة التي رفعها السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة إلى الأمين العام للمنظمة، طغت لغة الإمرة التي كان يستخدمها كضابط مدفعية سابق في الجيش الإسرائيلي على اللغة المهذبة التي تستخدم في المنظمات الدولية وفي الأروقة الديبلوماسية، فقد تضمنت المذكرة ما هو أقرب إلى إصدار تعليمات إلى بان كي مون بإيقاف ريما خلف، المديرة التنفيذية لمنظمة «الإسكوا»، عن العمل ريثما يجري التحقيق معها بتهمة «معاداة السامية».
لقد بلغ الطابع الاستفزازي لمذكرة السفير رون بروسور حداً جعل المعلقة الإسرائيلية أميرة هاس تصفها بأنها تنطوي على «احتقار عميق لأقطار المنطقة التي نعيش فيها وللقضايا التي يعانون منها، وعلى إسراف في استخدام اتهام اللاسامية من شأنه تجريد هذه اللفظة من معناها وإفقادها التأثير المتوخى منها». فما هي الأسباب التي أثارت غضب السفير الإسرائيلي، والتي دفعته إلى شن تلك «الغارة» على موقع «الإسكوا» وعلى أمينته العامة؟
تعود الغضبة الإسرائيلية إلى أكثر من سبب. من بين هذه الأسباب، كما شرح بروسور، تطرُّق التقرير إلى العلاقة بين النازية والصهيونية. والحديث عن هذه العلاقة يسبب للجماعة الحاكمة في إسرائيل العديد من المشاكل ويفتح الكثير من الملفات التي يرغب نتانياهو وصحبه في دفنها تحت أنقاض الحرب العالمية الثانية.
أخطر هذه الملفات هو ملف التعاون مع النازيين الذين ارتكبوا واحدة من أبشع الجرائم التاريخية، أي جريمة المحرقة. ولقد حاولت إسرائيل إتلاف هذا الملف كلياً عبر توجيه الاتهام ذاته إلى كل من تجرأ على فتحه ولو بصورة ملطفة ومخففة. وكان من بين هؤلاء المؤرخ فرانسيس نيكوسيا، الذي وضع كتاباً بعنوان «الرايخ الثالث والقضية الفلسطينية». تحدث نيكوسيا في هذا الكتاب عن اتفاقية «التسفير» بين النازيين والمنظمات الصهيونية في ألمانيا.
واستند إلى مراجع أولية ودقيقة من الأرشيف البريطاني والأميركي والصهيوني وغيرها من المصادر المهمة. وكان دقيقاً، بل ومتحفظاً في عرضه الوقائع وفي الاستنتاجات. وعلى رغم ذلك، تقدم الصهاينة بشكوى ضده، وردّت المراجع القضائية هذه الشكوى بعد أن أكد العديد من المؤرخين البارزين في بريطانيا والولايات المتحدة دقة المعلومات التي ضمّنها نيكوسيا كتابه، وابتعاده عن التحيز، سواء للصهيونية أو لخصومها.
وفي مناسبة مماثلة، كانت ردة فعلهم على الكاتب الأميركي ليني برينير شبيهة بردة فعلهم على نيكوسيا، عندما وضع الأول كتاباً بعنوان «الصهيونية في عصر الديكتاتوريين» ضمّنه مقتطفات من المذكرة التي وجهتها المنظمات الألمانية الصهيونية إلى هتلر تحدثت فيها عن أوجه التطابق بين الصهيونية والنازية، وعن رغبتها في التعاون مع هتلر في إطار الدولة التي يحكمها النازيون. لم يرد الصهاينة على برينر بمناقشة مضمون كتابه، ولكنهم ردوا على الكتاب بحملة من الشتائم والافتراءات واتهام برينير بأنه «كاره نفسه» لأنه يهودي.
تضمن الكتابان صفحات كثيرة عن اتفاقية التسفير وعن التعاون الوثيق بين النازيين والصهاينة، الذي تجاوز ترحيل اليهود الألمان إلى فلسطين لكي يشمل التنسيق ضد المنظمات اليهودية الألمانية الاندماجية. وكان المجال الأبرز على هذا الصعيد هو العمل المشترك ضد مبادرة المقاطعة الاقتصادية التي سعت المنظمات اليهودية الاندماجية، وخاصة خارج ألمانيا لتنفيذها ضد النظام النازي. وكان التعاون في هذا المجال مفصلاً مهماً في تاريخ العلاقة بين الجانبين. ولقد أثبت الصهاينة الألمان فائدتهم هنا إذ لعبوا دوراً مهماً في تعطيل المقاطعة اليهودية للنظام الهتلري.
هذه الوقائع تدل على أهمية المنافع المتبادلة بين طرفي اتفاقية «التسفير» التي استمرت حتى نهاية الثلاثينات تقريباً، لكن هذه النجاحات قابلها توتر في العلاقة وتعميق في الشرخ بين اليهود الاندماجيين، الذين كانوا يمحضون ولاءهم القومي إلى الدول التي كانوا ولدوا وعاشوا فيها، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وبين اليهود -وغير اليهود- الصهاينة.
ولقد جسدت المفكرة اليهودية الألمانية الأصل حنة أرندت هذا الصراع بين الفريقين، فهي كانت ناشطة صهيونية، إلا أنها ما لبثت أن أخذت تبتعد عن الصهاينة وتوجه الانتقادات إلى الصهيونية لأسباب عديدة، منها تاريخها مع النازية ونظرتها إلى الجوار العربي. وكان هذا الخلاف على أشده مع المنظمات الصهيونية الشديدة التطرف، مثل الـ «أراغون»، بحيث طالبت هي وعدد من مشاهير اليهود، مثل ألبرت آينشتاين بمنع مناحيم بيغن، الذي وصفوه بـ «الإرهابي»، من دخول الولايات المتحدة.
وإضافة إلى التحفظات القوية لأرندت على ماضي الصهيونية وعلاقتها مع النازيين، فإنها لم تكفّ عن تحذير الإسرائيليين من المأزق التاريخي الذي تقودهم إليه الصهيونية، إذ إنها ولو حققت الانتصارات العسكرية المتوالية وتمكنت من الاستيلاء على فلسطين بمجملها وعلى الأردن، فإنها سوف تبقى في نظرها بلداً صغيراً محوطاً بشعوب معادية وأكثر عدداً بما لا يقاس من الإسرائيليين، كما تنبأت في كتاب صدر عام 1978 بعنوان «اليهودي كمنبوذ».
عبرت أرندت، التي توفيت خلال السبعينات، عن رأي واسع بين اليهود، فهل لا يزال هذا الرأي موجوداً اليوم بين اليهود وبين الإسرائيليين؟ إن هذا الرأي لا يزال موجوداً، وهناك أسباب وجيهة لكي يزداد تأثيره على الحياة العامة، فالمضي في بناء المستوطنات يدفع الفلسطينيين إلى الحائط، ويضطرهم إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بشتى الأساليب وأكثرها فاعلية، سواء بالعصيان المدني أو بغيره. ومن يتابع الجدل الذي تطلقه السياسة الإسرائيلية يدرك خطورة النزعة المغامرة التي تقود السياسة الإسرائيلية. لقد نبه المفكر الأميركي اليهودي توني جدت قبل وفاته أخيراً، إلى الخطر الذي يهدد إسرائيل إذا استمرت «في السير على طريق التعصب والانغلاق الإثني والاعتقاد بدورها الخلاصي». ودعا جدت إلى الاستماع إلى أصوات الفلسطينيين والتفتيش عن حل يتجاوب مع تطلعاتهم الوطنية. وصاغ توماس فريدمان، المعلق الإعلامي المعروف، في صحيفة «نيويورك تايمز» الدولية، قبل أسابيع قليلة، بعض هذه الأفكار بأسلوبه الساخر، إذ اعتبر أن المتعصبين اليهود والمسلمين يتعاونون بعضهم مع بعض على استمرار الحروب في الشرق.
ولكن الذين يملكون مفاتيح القوة في إسرائيل وفي الشتات الإسرائيلي، ليسوا على استعداد لسماع مثل هذه الأصوات، كما أنهم ليسوا على استعداد للتغاضي عن صدور تقرير عن التكامل الإقليمي العربي يتضمن نقداً قوياً للوضع العربي الراهن ودعوة إلى إصلاحه جنباً إلى جنب مع نقد موجه إلى العلاقة المشينة بين الصهيونية والنازية، وإلى دلالات هذه العلاقة في أيامنا الراهنة.
ولا ريب في أن هناك دلالات مهمة لذلك الفصل التاريخي، فالعقل الذي خطط لمثل هذه العلاقة هو نفسه الذي يتحدث عن اتفاقية التسفير وكأنها من صنع الخيال، والذي يتجاهل انحياز الهتلرية إلى جانب اليهود الصهاينة على حساب اليهود الاندماجيين، هو نفس العقل الذي يتجرأ على تقديم شكوى إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة، بحجة أن هذه الوقائع هي مجرد اختراع. وهذا العقل هو نفسه الذي يلقى الترحيب الكبير والتأييد الأكيد في الأحزاب والمنظمات القومية المتطرفة النيونازية في أوروبا والولايات المتحدة، أي الأحزاب التي تتطلع إلى إسرائيل الحالية لكي تقود الحرب ضد العرب وتقضي على آمالهم في الحرية والتقدم والتكامل الإقليمي حتى ولو كانت مجرد تقرير.
إسرائيل والفلسطينيون: سلام مستحيل.. أم خوف متبادل؟
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
لا جديد في القول إن قدر الحالمين بالأفضل للناس أجمعين حولهم أن يتحملوا مسؤولية أحلامهم وآلامها. إنما إن لم يفد التذكير، فلن يضر. السلام الفلسطيني - الإسرائيلي حلم مكلف. لو فتحتُ أبواب التشاؤم وأغلقتُ كل نوافذ التفاؤل لقلت، إن بلوغ ذلك الحلم ضرب من المستحيل. لذا، أسارع إلى نحت إميل حبيبي الرائع، فأستعير من سعيد أبي النحس المتشائل (PESSOPTIMIST) وهج جمر الأمل، لولا فسحته لضاق الصدر واختنق النفس.
بعد أقل من شهر (15 مايو/ أيار) تحتفل دولة إسرائيل بإتمام عامها السادس بعد الستين. في حساب الأعمار، ليس هذا بالعمر الطويل. لكن الواقع يقول، إن ما حققته إسرائيل في مجالات الزراعة، والصناعة، والتقنية، يضعها في مصاف دول متقدمة تسبقها زمنيا من حيث نشأة الدولة بمئات السنين، كما إسبانيا أو اليونان، مثلا. ثم إنها تتساوى مع، أو تتفوق على، دول أقامت في غابر الأزمان إمبراطوريات، كما الحال مع تركيا وإيران. أما تفوّق إسرائيل على المستوى العسكري، وهو الأهم لها في ميزان علاقتها بجوارها العربي، فأمر لا يحتاج إلى تبيان. أيعقل إذنْ، أن دولة توفرت لها مثل هذه القوة تخشى السلام؟
منطقيًا، الجواب: كلا. إنما عمليًا، منذ بدأت مساعي السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، أعطت حكومات إسرائيل الانطباع بأنها بالفعل تخشى الإقدام على إتمام مشروع السلام الكامل مع الفلسطينيين، وتحمّل التبعات المترتبة عليه. ثمة سؤال هنا سيبدو ساذجًا، لكنني سأغامر بإلقائه: ترى، هل يعرف ساسة إسرائيل، على وجه الدقة، من هم الفلسطينيون الذين من مصلحة إسرائيل ذاتها التوصل إلى سلام معهم؟ هل هم وفد السلطة المفاوض؟ أم ترى ينظر ساسة إسرائيل إلى ما وراء غرفة التفاوض؟ لست أشك لحظة أن ساسة إسرائيل ومستشاريهم ومعدي الدراسات والأبحاث لهم، يعرفون جيدًا أن ملايين الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين داخل فلسطين وبدول الجوار، هم من يتوجب صنع السلام معهم.
المسألة واضحة جدًا. الفلسطينيون الذين بقوا في بيوتهم عام 1948 أصبحوا مواطنين إسرائيليين. السلام مع هؤلاء قائم، وحتى لو كانت لهم مظالم ومطالب فإنها تفصل في المحاكم. المشكل الحقيقي لإسرائيل هو التوصل إلى السلام مع أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني منتشرين في مخيمات لبنان، وسوريا، والأردن، وغزة، والضفة الغربية. ساسة إسرائيل يدركون أن أي تنازلات يقدمونها لوفد السلطة المفاوض لن تفيد في إقناع فلسطينيي المخيمات بسلام لا يضمن لهم حق العودة. الوفد الفلسطيني المفاوض لا يملك، من جانبه، سلطة التنازل عن ذلك الحق. طالما الحال هكذا، فلِمَ الاستعجال؟ يقول لسان حال ساسة إسرائيل، فلنمط حبال التفاوض ما استطعنا.
.. والحل؟
ليس من حل ما لم تتوفر الإرادة. المقصودة هنا هي إرادة الطرف الأقوى، إسرائيل. كما ذهب القول: إذا كانت هناك عزيمة هناك طريق. وعندما يتحرر ساسة إسرائيل من خشية السلام مع أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني يمكنهم العثور على أكثر من طريق للتعامل مع حق العودة، ضمن أطر إنسانية وحضارية يقبل بها منطق عصر العولمة والكوكب القرية.
في العمل السياسي، ليس هناك من مستحيل إلا ما يريد له الساسة أن يكون كذلك. أليس بالإمكان، على سبيل المثال، إجراء استفتاء يسأل المواطنين الإسرائيليين كافة عن تصورهم للسلام مع كل الفلسطينيين، ومن ثم استبيان تصور الرأي العام الإسرائيلي للتعامل مع مطلب حق العودة؟ الطرف الفلسطيني من جانبه يستطيع، ويجب، أن يساهم في وضع تصور عملي للتعامل مع حق العودة. هنا أيضا يمكن اعتبار استفتاء فلسطينيي المخيمات خطوة عملية أولية.
عندما كتبت قبل بضعة أسابيع (23 - 01 - 2014) عن مسألة «يهودية إسرائيل» ودعوت الطرف الفلسطيني إلى قبول التحدي والإقدام على الاعتراف المطلوب، كنت أنطلق من اقتناع شخصي ملخصه أن ذلك الاعتراف لن يسمن ولن يغني من جوع، بمعنى أنه لن يقدم لإسرائيل الدولة شيئا ليست تملكه على أرض الواقع، ولن ينزع عن فلسطين صفتها التي عرفت بها عبر آلاف السنين، أرض سلام يجب أن يعيش عليها بسلام أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث.
بيد أن السلطة الفلسطينية رفضت ذلك الاعتراف، والقمة العربية في الكويت عززت الرفض الفلسطيني. لكن ما فاجأني هو أن يذهب تأويل بعض المواقع مذهب أنني كتبت لتمرير رسالة من طرف إلى آخَر، وذلك تأويل شطح في الخيال على نحو ما كان يخطر على البال. مع ذلك، لست أجد حرجًا، من جديد، في القول إن اعترافا فلسطينيًا بـ«يهودية إسرائيل» لم يكن ليزلزل الأرض، بل يُسجل للطرف الفلسطيني حقيقة أنه لا يخشى الإقدام على أي خطوة لإتمام مشروع السلام، طالما أنه يستجيب لحقوق الجميع من دون تمييز أو تفريق.
إذنْ، مع فسحة الأمل نبقى، ومع تشاؤل إميل حبيبي، الذي تصادف بعد بضعة أيام (2 مايو) ذكرى رحيله قبل 18 عامًا. أتذكر الآن، كان أبو سلام (انظر اسم ابنه) ينتظرني في المطار موفدًا من هذه الجريدة بعد خمسة أيام من توقيع اتفاق أوسلو (13 سبتمبر/ أيلول 1993). سألتني موظفة الأمن الإسرائيلي: هل هذه أول زيارة لك؟ قلت: نعم. ذهبت وعادت وإلى جانبها زميلة لها، فسألت السؤال ذاته، وأجبت الجواب نفسه. ذهبتا ثم عادتا ومعهما زميل، فسألت السؤال ذاته، وأجبت مبتسمًا، وقد أدركت لماذا يتكرر السؤال ولماذا إحضار شهود استماع، فقلت: نعم أول زيارة لي لدولة إسرائيل. وكما توقعت، اعترضت موظفة الأمن قائلة: ولكنك مولود في بيرشيبا (بئر السبع). قلت: نعم، وغادرتها مع والدي طفلا ذا ستة أشهر، ولم أعد إليها، الآن سأزورها للمرة الأولى، أين المشكل؟ الواقع أن المشكل بدأ من هناك، زمنذاك، لكن ذاك حديث يطول. أما إميل حبيبي فشاهد قبره يقول: باق في حيفا.
قضية فلسطين و«الميدان»: الكل مشغول عنها.. وعن سلطتيها!
بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية
يكاد وزير الخارجية الأميركية يمضي وقته ضيفاً عزيزاً على منطقتنا، وفي فلسطين المحتلة تحديداً، بهدف معلن: تأمين استمرار المفاوضات على المفاوضات بين العدو الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية.
بين الجولة والأخرى يذهب بعض ما تبقى من الرصيد المعنوي لهذه السلطة للوسيط الأميركي الذي يدرك - بالتأكيد - أن هذه «القضية» هي الأخطر والاهم والأقدس، ليس فقط بالنسبة لشعبها بل للأمة العربية جميعاً، وأن بدعة التفاوض للتفاوض تلتهم جوهر القضية، ومعها «منظمة التحرير الفلسطينية» التي تعيش الأزمة المصيرية اللاغية لوجودها... فلا هي تحرز أي تقدم من خلال التفاوض، ولا هي مستعدة للانسحاب من هذه الدوامة التي تفضح عجزها. العجز الذي يتخذ أبعاده الخطيرة من خلال «تناسي» أهل النظام العربي القضية وأهلها، سواء داخل الأرض المحتلة أو خارجها.
ذهبت مقررات القمم العربية التي تعاقبت في مختلف العواصم، مع الريح.. خصوصاً أن الأنظمة التي استولدتها الانتفاضات ما تزال مشغولة بهمومها الداخلية كما بإعادة ترتيب علاقتها هي مع عاصمة القرار الكوني: واشنطن.. ولا تريد أن تباشر عهدها الجديد بتعقيدات هذه القضية الخطيرة والمزمنة والتي «قد لا يضير أهلها الذين انتظروا عشرات الأعوام حلاً لا يأتي، أن ينتظروا لبعض الوقت الإضافي وريثما تستقر الأوضاع الجديدة في عواصم القرار العربي».
..هذا فضلاً عن أن انتفاضات «الميادين» في مختلف العواصم لم تكن فلسطين على جدول أعمالها بشكل مباشر، وهي قد حرصت على «عدم استفزاز» العدو الإسرائيلي، ومن خلفه الإدارة الأميركية، حتى لا يؤثر ذلك على مسيرة الإنجاز التي تبرر وجود من وصل إلى السلطة باسم «الميدان».
من هنا تتعاظم المخاوف من أن تكون قضية فلسطين هي الضحية العظمى للفوضى الدموية الهائلة التي اجتاحت الدنيا العربية من خارج التوقع، وبالتالي من خارج التخطيط والتنظيم لما بعد انتفاضات «الميدان» بالجماهير المليونية التي اقتحمتها لإسقاط النظام - الأنظمة القائمة والمتهمة في وطنيتها قبل الحديث عن عروبتها والتزامها أصول الديموقراطية.. وعلينا الاعتراف ان قضية فلسطين قد تراجعت إلى الخلف بعدما غرق الشارع في كل قطر عربي، في همومه المحلية.
وفي الوقائع اليومية، فإن التفاصيل قد غلبت على جوهر الموضوع، وصار الأميركي وحده هو المفاوض مع العدو الإسرائيلي. وبات المشهد سوريالياً: الأميركي يفاوض الإسرائيلي ثم ينتقل لإقناع الفلسطيني بالاستمرار بالتفاوض بغض النظر عن النتائج، والفلسطيني اثنان وربما أكثر.
وإذا ما اعتبرنا أن «السلطة» هي الوريثة الشرعية لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» فإن انشقاق غزة تحت راية «الإخوان المسلمين» قد اضعف أكثر فأكثر المفاوض الفلسطيني وأضاف أوراقاً جدية إلى العدو الإسرائيلي ووسع مساحة الدور الأميركي.
غزة في البعيد تشكل بوضعها الانقسامي نقطة ضعف خطيرة في الموقع التفاوضي للمنظمة العاجزة عن توحيد سلطتها على ما أبقت لها سلطة الاحتلال من أراض تنهشها المستوطنات على مدار الساعة.
أما العرب فمشغولون عنها كلها وغارقون في همومهم القطرية.
صارت اجتماعات مجلس الجامعة العربية، كما القمم العربية، مجرد محطات استماع، تأتي إليها المنظمة فتبلغ الأشقاء الذين نسوا القضية والعاجزين عن دعمها حتى لو أرادوا، فكيف وكل نظام يحاول استنقاذ نفسه مقدماً موقفه من قضية فلسطين شهادة حسن سلوك للإدارة الأميركية متجاوزاً النسيان إلى «الحياد» الذي يضيف قوة إلى العدو الإسرائيلي.
بعد 14 سنة من قمة بيروت التي شهدت واحدة من محطات التنازل الأكثر إيلاماً، ها هي القمة العربية في الكويت لا تجد ما تقدمه لقضية فلسطين إلا العودة إلى مقررات تلك القمة التي شكلت محطة على طريق التنازل الجماعي عن جوهر القضية في محاولة للملمة الصف العربي المبعثر دائماً حول الحد الأدنى من الحق الفلسطيني، وتوفير الحد الأدنى من الأدنى من الدعم بالقرارات التي تنسى بعد تلاوتها مباشرة، وبصوت متهدج، مع اختتام القمة... أية قمة وكل قمة.
مرت مياه كثيرة في مجرى القضية التي كانت مقدسة وصارت مجرد مدى حيوي لسلطة لا سلطة لها على بعض البعض من أرضها التي أعطيت لها... ثم جرى انتزاع بعضها بالمستوطنات التي تكاد تلتهم المدن بما فيها رام الله والقرى والجبال والوديان... في حين يكاد يكتمل التهام الجزء العربي من مدينة القدس.
صار الإسرائيلي يفرض شروطه للقبول بالتفاوض مع الأميركي المتهم الآن في «حياده» وصار الفلسطيني ضيف شرف، بل شاهد زور، وجوده ضروري لإظهار واشنطن كصديق كبير ووسيط نزيه، ولكنه لا يقدر على أكثر مما يقدم. صارت أواصر الصداقة تشد المفاوض الفلسطيني إلى «غريمه» - عدوه السابق - الإسرائيلي، وصور الابتسامات كاشفة الود، تفضح جوهر التنازلات، هذا إذا ما تغاضينا عن الشائعات حول العلاقات الغرامية بين بعض المفاوضين - الخصمين.
أليس عبثياً أن يذهب رئيس السلطة الفلسطينية إلى جامعة الدول العربية شاكياً، فيسمعه وزراء الخارجية ويكتفون بهز رؤوسهم توكيداً للتعاطف ثم ينصرف كل منهم إلى «همومه» في بلده التي لا تبقي له من الوقت ومن القدرة على الاهتمام ما يمكن أن يعطيه للقضية التي كانت مقدسة وصارت منسية.
ثم أليس مهيناً أن «يعيّرنا» وزير الخارجية الأميركية بأنه قد أعطى «قضيتنا المقدسة» أكثر مما أعطاها المسؤولون العرب، من وقته ومن اهتمامه بابتداع «التسويات» التي تقضم الحق الفلسطيني في ما تبقى من الأرض... ثم يذهب إلى الدول العربية التي يراها ما تزال معنية بالقضية يطلب إليها أن تساعده ليس مع الفلسطيني بل عليه، ليتلقى الشكر والتقدير على جهوده الخيرة، وعلى موقفه الصلب من الأطماع الإسرائيلية!
والزمن لا يرحم.. وتكاد تصدق نبوءة ديفيد بن غوريون وهو يرد على تحذير بعض أصدقائه من خطورة قضية فلسطين على المشروع الإسرائيلي، وكان - بعدُ - في البدايات، إذ قال لهم: هناك قضايا لا تحل، اتركها فقط لتشيخ ثم تموت.
ها هي القضية المقدسة تكاد تكون متروكة للريح، تنطق باسمها سلطتان: واحدة شرعية ممثلة بـ«منظمة التحرير» التي باتت تسكن الذاكرة تاركة لوريثتها «الحكومة» أعباء رواتب الإدارة التي أهمها الشرطة (علنية وسرية)... وهذه الرواتب أزمة مفتوحة يدور «الرئيس» بين الحين والآخر في رحلة جباية قد تفرض عليه مواقف محرجة، بينها الاستعطاف والتباكي واستدعاء «النخوة العربية» لتمرير بعض الشهور... لعل الله يفرجها.
أما السلطة (غير الشرعية) في غزة فتواصل بناء «دولتها» على الرمل، معتمدة على الكرم الإيراني وتهافت السلطة الأخرى في رام الله، وانشغال العرب بهمومهم داخل أقطارهم وابتعادهم عن «حقل الألغام الفلسطيني» بأعبائه الثقيلة، تاركة للسلطات الجديدة أن تتحمل عبء واحد من قرارين كلاهما خطأ كبير: أن تواصل حصار القطاع والتضييق على أهله في ما يشبه «الحرب على الجياع»، وهو أمر لم يقدم عليه العدو الإسرائيلي ذاته، أو أن تدير ظهرها مشددة الحصار العسكري بما يزيد من حدة «العداء الشعبي» لفلسطين، كقضية مقدسة ولشعبها المظلوم والمعرّض لقمع مفتوح في ظل تخلٍ دولي وانصراف عربي وخلافات داخلية تكاد تكون - بنتائجها - أقسى من الحرب الإسرائيلية.
...ولا احد يهتم، فلكل مسؤول عربي في أية دولة، من المشاكل الداخلية والهموم الثقيلة ما يبعده عن هذه القضية التي كانت مقدسة والتي تحولت الآن إلى عبء سياسي واقتصادي وعسكري خطير...
وربما يتمنى العديد من المسؤولين العرب أن تتحقق نبوءة بن غوريون فيأكل النسيان مع إسرائيل «قضية العرب الأولى»، ويتحول الوزير الأميركي كيري إلى تقبل التعازي في القضية التي أعطاها معظم وقته، ولكنها دخلت في موت سريري سيطول.
البدائل الفلسطينية
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
بالرغم من العقوبات الاقتصادية بحق السلطة الفلسطينية والتي أصدرتها حكومة نتانياهو ليلة الثاني عشر من ابريل 2014، وخصوصاً منها حجب أموال الضرائب، بالرغم من ذلك يُتوقع أن تَمُرَ خطوة تمديد المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية للعام القادم 2015 كمخرج مُناسب بعد الانسداد الذي وصلت اليه العملية التفاوضية بعد عدة شهور من انطلاقتها، وسقوط المُراهنات بانجازِ حلولٍ تحت سقف خطة الوزير (جون كيري).
فالتمديد للعملية التفاوضية يأتي الآن بعد اتصالات مُكثفة جرى بعضها بشكلٍ مكشوف ومُباشر بين الطرفين الفلسطيني و الاسرائيلي وبمتابعة من الطرف الأميركي، وجرى مُعظمها من وراء الكواليس بمشاركة عدة أطراف اقليمية نافذة ومنها أطرافٍ عربية، وقد بدا من تجاوب الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني مع المسعى الأميركي لاستمرار المفاوضات ومنع انهيارها أن الجميع يبحث عن صيغة جديدة للخروج من حالة الاستعصاء، وذلك سعياً لانقاذ العملية السياسية التفاوضية التي بات استمرارها حتى لو كانت تُراوح مكانها، حاجة أميركية واسرائيلية وحتى فلسطينية وعربية في ظل غياب العمل العربي والفلسطيني لخلق البدائل والخيارات البديلة، وهي خيارات مُمكنة حال توفرت الارادة العربية في هذا الشأن، وحال تم وضع حد لحالة الانقسام الداخلي في البيت الفلسطيني، والذي تحوّل لانقسامٍ مُزمن وكارثي.
فبالرغم من الأزمة الشديدة التي بدت مؤخراً في مسار العملية التفاوضية، الا أنّ الاصرار الأميركي، وَضَعَ المفاوضات على مسار البحثِ مُجدداً لجهة التمديد، فقد عاد الطرفان لعقد لقاءين للبحث عن مخرج مناسب عنوانه التمديد للعملية التفاوضية للعام 2015، بعد أيامٍ من تبادل الاتهامات واطلاق اسرائيل التهديد والوعيد بمحاصرة السلطة الفلسطينية والقيام باجراءات سحب بطاقات الشخصيات المهمة (VIP) من قيادات السلطة الفلسطينية ووزرائها، ومصادرة أموال الضرائب وتحويلها الى شركات النفط والكهرباء لسداد الديون المتراكمة على الجانب الفلسطيني، وتأخير مشاريع اقتصادية في مختلف المناطق الفلسطينية وماشابهها. ولايخفى هنا بأن حكومة بنيامين نتانياهو الائتلافية اليمينية واليمينية المُتطرفة وكما تُشير مصادر مختلفة، بلورت سلسلة من العقوبات التي يُمكن فرضها على الفلسطينيين، بما في ذلك العودة لمحاصرة مواقع كثيرة من داخل منطقة (A) المُفترضة كمنطقة تحت السيادة الأمنية والمدنية للسلطة الوطنية الفلسطينية.
ان خطوة تمديد المفاوضات، تعني وبكل بساطة أن السقوف الزمنية لا أهمية لها على الاطلاق ولا مكان لها وليست مُقدسة عند الطرف الاسرائيلي بل هي الغائب الأكبر، وهو ماكان قد تَحَدَثَ عنه رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق اسحق شامير عام 1991 عندما ترأس الوفد الاسرائيلي في افتتاح أعمال مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991، حين قال بأنه سيجرجر العرب والفلسطينيين لمفاوضات طويلة لعشرات السنين ودون طائل.
وعليه، المسألة هنا، لاتَكمُنُ بموضوعة التمديد للعملية التفاوضية فقط، بل تَكمُنُ أيضاً بأن الدولة العبرية الصهيونية ترى في التسويف والمماطلة والمطمطة وترحيل الأمور، فرصة لاستغلال العامل الزمني لصالح مواصلة برامجها الخاصة بالقدس والأراضي المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية لصالح مواصلة عمليات تهويد الأرض واستيطانها وخلق المزيد من الوقائع الديمغرافية على الأرض، والتي تَجعل من العملية التفاوضية أمام مُعطيات جديدة، وهو تكتيك اسرائيلي مكشوف منذ العام 1991 وحتى اللحظة الراهنة.
في القدس يأبون الاستسلام (http://www.raialyoum.com/?p=75973)
بقلم: لبنى الخروصي عن رأي اليوم
صعدنا سلالم المستشفى، وسرنا في ردهاته باحثين عن الغرفة التي يرقد فيها ضحية اطلاق النار، كان فاقدا للوعي، لا يصله بعالم الأحياء إلا جهاز للتنفس الصناعي. لقد تعرض لإطلاق النار من الخلف. أجهشت أمه بالبكاء بالقرب من نافذة الغرفة بينما التقط المصورون بعض الصور له. لم أمتلك الشجاعة للنظر إليها مباشرة، كيف لعيناي أن تلتقي عيناها؟ آه ما أصعب هذا الشعور! ماذا تقول لأم في وضعها؟ “لقد كان بطلا”، تمتمت بها زميلتي أمامها. وكم من الأبطال أنجبت يا فلسطين!
كنا في مستشفى نابلس، إلا أن الصبي الذي قدمنا لزيارته تعرض للإصابة في جنين في اليوم السابق برفقة ثمانية عشرة آخرين، ارتقي منهم ثلاثة شهداء.
يبدو لي أن معظم من التقينا بهم على مدى أربعة أيام في الضفة الغربية قد أصيب أو سجن أو فقد منزله أو حدث الأمر نفسه لأحد أبنائه أو معارفه.
لقد حاولت جاهدة أن استوعب حجم الرعب الذي يعيشه الفلسطينيون في كل لحظة على مدى الأعوام الخمسة والستين السابقة، إلا أنني لازلت، حتى بعد عودتي إلى مسقط الآمنة الوادعة، عاجزة عن فهم ذلك. والمحزن في الأمر كله هو أن قصتهم قد أضحت كالموسيقى الخلفية، لا أحد في العالم يعيرها أي قدر من الاهتمام؛ لماذا نكلف أنفسنا عناء التفكير في القضية الفلسطينية، وقد أصبحت مثل الأسطوانة المشروخة؟ فالقصة لم تراوح مكانها بنفس تفاصيلها المرعبة على مدى خمسة وستين عاما – نعم خمسة وستين عاما من القمع والاستبداد، تعيش ولا تعلم إن كنت ستعود إلى بيتك سالما في تلك الليلة، أو حتى إن كان منزلك سيكون هناك لإيوائك. خمسة وستون عاما والكل يعاملك ككائن غريب، لا حق له في أي من حقوق الإنسان الأساسية. خمسة وستون عاما وأنت تصارع للحفاظ على جذورك، في الوقت الذي يصرخ فيه الجميع يطلبون منك الرحيل.
على الرغم من كل ذلك، إلا أنهم يأبون الاستسلام.
إنهم لا يعرفون الخوف، لقد عقدوا العزم على العيش وتحدي الموت والتجذر في أرضهم في وجه الطغيان، آملين أن العالم سوف يستمع يوما لهم.
فكل يوم في حياتهم هو صراع. لقد استغرقت وزيرة شؤون المرأة، التي تكرمت باستضافتنا، خمس وعشرين سنة لإكمال درجة البكالوريوس، إذ أنها سجنت ثماني مرات خلال هذه السنوات. وقد ألقت قوات الاحتلال في الليلة السابقة القبض على نجل السائق الذي قام بتهريبنا إلى القدس. كما أصيب الدليل السياحي الذي طاف بنا حول معالم القدس بطلق ناري في الساق، كما أن نائب محافظ مدينة نابلس كان قد أصيب بطلق ناري في الرقبة
ففي كل مكان حولنا ومن كل شخص قابلناه تسمع قصة ينفطر لها القلب ألما. القصص هنا لا تحصى، وهي كذلك لا تسمع، فاصرخ عاليا، دع صوتك يصل عنان السماء، لكن لا مجيب، لا أحد يصغي. فأخبارك أضحت قديمة، ونحن مشغولون بانستجرام والفيسبوك وتويتر، ولم يعد لدينا الوقت للاستماع إلى قصص حقيقية تروي حكاية إخوة لنا وقعوا ضحية الاستبداد والقهر بلا توقف لأكثر من خمسة وستين عاما.
فما عسانا فاعلون؟
لقد استغرق الأمر مني تسعة عشر عاما للوصول الى القدس والضفة الغربية. لقد كنت أحلم بهذه الرحلة وأخطط لها منذ أن كنت طالبة في الجامعة. والآن وقد تحقق الحلم، أصبحت غير متأكدة ما يجب علي القيام به حيال تلك المعاناة. أشعر بأن كل خلية في جسدي قد تأثرت، إلا أنني تعتريني الصدمة والاضطراب. والأسوأ من ذلك كله، أنني لا أعرف كيف يمكنني أن أحول هذا الشعور إلى عمل من شانه أن يحدث تغييرا إيجابيا في حياة الفلسطينيين، الذين يقاتلون منذ عقود كي أتمكن أنا وغيري من المسلمين من أداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، الذي لم اتمكن من الوصول إليه إلا متسللة. وقد صحبنا في هذه المغامرة رجل لم يتمكن من الوصول إلى القدس لأكثر من عشرين عام على الرغم من أن مسكنه في رام الله لا يفصله عنها إلا مسافة قصيرة. لقد قرر هذه المرة المخاطرة معنا على أمل أن تحدث رحلتنا فرقا في حياة الناس، ونتمكن من إحداث بعض التغيير، أو ربما يمكن لنا أن نقلل إلى حد ما الظلم الواقع عليهم، أو قد يكون بمقدورنا أن نحيي فيهم بعض الأمل.
لكن الحقيقة هي أننا بحاجة إلى أن ندرك معنى الأمل، كي يتسنى لنا تحويله إلى مهمات يمكن التعامل معها والقيام بها، فنحن إزاء قوة غاشمة تسبقنا بمراحل من حيث التنظيم والترتيب.
لذا عوضا عن السعي لتغيير العالم والتوصل إلى اتفاق سلام، يمكن لنا أن نمنح الفلسطينيين كأفراد وكمجتمع الأمل بطرق عدة يسهل القيام بها مثل الاستماع إليهم وسماع قصصهم، ومن خلال مساعدتهم ودعمهم على العيش والزواج، وانهاء تعليمهم الجامعي، وترميم منازلهم المهدمة، وكذلك عن طريق شراء المنتجات الفلسطينية، وذلك لتمكينهم من إطعام أسرهم.
يمكن لكل واحد منا أن يلعب دورا ولو كان صغيرا. وفي عمان يمكننا القيام بذلك من خلال الهيئة العمانية للأعمال الخيرية، والتي تمتلك مكتبا في الأراضي المحتلة. ولو عملنا معا، كل بمساهمته الشخصية ولو كانت بسيطة من أجل الاعتراف بالفلسطينيين كبشر لهم الحق في الحياة والحرية والكرامة، الأمر راجع لنا أن نختار أن نتوقف عن تجاهلهم . ونبدأ بمعاملتهم كما نحب أن يعاملنا الناس وكما نحب أن يعامل الناس أباءنا أمهاتنا وأبناءنا
مأسى الفلسطنين لا تزال حاضرة . نحن فقط من أختار أن ينظر إلى الجهة الأخرى
والآن بعد مرور 65 سنه على هذه المأساه أحرى بنا أن نستمع إليهم . أن نعيرهم أنتباهنا. وأن نعيد لهم ، من خلال أفعالنا، أن الأمل لا زال حاضر وأن لا نقنط أبدا.
وسيأتي اليوم الذي سيكون بمقدارنا جميعا مسلمين ويهود ومسحين أن نصلي في القدس جهارا وبدون أن نتسلل في جنح الظلم.
عبرية الدولة تساوي يهوديتها
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
على ماذا يحتج السفير الإسرائيلي في نيويورك؟
بقلم: رغيد الصلح عن الحياة اللندنية
إسرائيل والفلسطينيون: سلام مستحيل.. أم خوف متبادل؟
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
قضية فلسطين و«الميدان»: الكل مشغول عنها.. وعن سلطتيها!
بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية
البدائل الفلسطينية
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
في القدس يأبون الاستسلام (http://www.raialyoum.com/?p=75973)
بقلم: لبنى الخروصي عن رأي اليوم
عبرية الدولة تساوي يهوديتها
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
يحاول الإسرائيليون إلصاق انفسهم بالتاريخ القديم، وآخر أساطيرهم أن هيكل سليمان كان مبيناً في محل المسجد الأقصى. يأخذون (يسرقون) آثاراً من القدس ويدّعون أنها آثار لهم، يستخدمــــونها في البناء بهــــدف إعطاء الإنطباع بأن تاريخ دولتهم يمتد إلى آلاف السنين. لقد فشل علماء الآثار(رغم كل التنقيب) بمـــن فيهم علماء إسرائيليون في إيجاد أية آثار يهودية مرتبطة بالـــرواية الإسرائيلية للتاريخ. إن علماء كثيرين عالميين من بيــــنهم الباحث ماك اليستر، أشاروا إلى أن قرناً كاملاً من التنقيب في فلسطين لم يفض إلا إلى آثار فلسطينية ويجهد اليهود في تزييفها.
من بين هؤلاء أيضاً الكاتبة كاتلين كينون في كتابها ‘علم الآثار في الأرض المقدسة’، وأبحاث المؤرخ بيتر جيمس الذي نشرها في كتاب ‘قرون الظلام’، كذلك توماس تومسون في كتابه ‘التاريخ المبكر للشعب الإسرائيلي’، والكاتب غوستاف لوبون في كتابه ‘تاريخ الحضارات الأولى’ وأخيراً وليس آخراً شلومو ساند(وهو مؤرخ إسرائيلي) في كتابه’اختراع الشعب الإسرائيلي’و’اختراع أرض إسرائيل’.
من بين الأضاليل الصهيونية فإنه وعند تأسيس دولة إسرائيل حاولت الحركة الصهيونية تعميم تعبير(الدولة العبرية) كأسم يطلق على الدولة المقامة في فلسطين. هذا لم يكن صدفةً، فله دوافعه التاريخية الممكن إسقاطها على الحاضر في محاولة لتزييف التاريخ وإجبار كل الآخرين على الاعتراف بوقائع و(حقائق) جديدة بعيدة كل البعد عن المصداقية التاريخية.
إن الاعتراف بــ (عبرية) إسرائيل يعني إعطاء هذه الدولة صفة ليست بها تماماً، فالاعتراف بـ (عبرية) إسرائيل بكل ما يعنيه ذلك من موافقة على الأضاليل والأساطير الإسرائيلية في الرواية الصهيونية لتاريخ فلسطين. نعم يخطئ كتابنا ومثقفونا وصحافيونا من خلال الوقوع بشكل غير مقصود في المطب الصهيوني.
إن كلمات(عبرانيون) و(عبرية) وفقاً للعديد من الباحثين القدماء والجدد منهم: درايفر(أستاذ اللغة العبرية في جامعة أوكسفورد سابقاً)، كلوفاني بيتيناتو(منقب وخبير لغات قديم) وغيرهم إضافة إلى الاكتشافات الأثرية في مغايرْ ممكنة (إبلا) السامية، كل ذلك يؤكد بأن العبرية كلمة كنعانية قديمة كانت تطلق على قبائل وأقوام كثيرة ولا علاقة لليهود بها لا من قريب أو بعيد، وأن كلمات ‘عبري’ ‘عبريت’ ‘عبراي’ بالآرامية، صاغها حاخامو فلسطين في وقت لاحق كأفضل طريقة يمكن اتباعها لربط تاريخهم بأقدم العصور، ولجعل عصر اليهود متصلاً بأقدم الأزمنة، وبذلك يكون تاريخ فلسطين تاريخاً يهودياً! ولهذا فإن الباحثين اليهود يتمسكون بكلمة (العبرية) ومصطلح (العبرانية التوراتية) كقرائن تربط بين اليهود وبعدهم التاريخي في فلسطين(الموسوعة الفلسطينية، الجزء الثالث، الطبعة الأولى، دمشق، ص 186)، وكاحتمال وحيد لإيجاد الروابط المفقودة بين اليهود في جميع المجالات، ولهذا فإن الحركة الصهيونية عمّقت شعار أحد الرواد الأوائل في الحركة الصهيونية وهو آحاد هاعام (آخر يهودي وأول عبري) وجعلته شعاراً يهودياً صهيونياً.
في هذه المرحلة لم تكتف إسرائيل بــ (عبرية) دولتها وقد كانت محطة عبور لــ (يهودية) إسرائيل، وجعلت من الاعتراف بهذه (اليهودية) شرطاً أساسياً على الفلسطينيين والعرب لإنجاز أية تسويات مع الطرفين. بالطبع من حق كل دولة أن تسمي بناءها السياسي وفق ما تشاء، ولكن في الحالة الإسرائيلية (وهي حالة استثنائية في التاريخ) حيث جاء مستوطنون مهاجرون من كل بقاع العالم ليحتلوا فلسطين ويقتلعوا أهلها ويرفضوا الاعتراف بالحقوق الوطنية لشعبها، ويمعنوا في الابتزاز بالاشتراط على الفلسطينيين العرب الاعتراف بهذه (اليهودية)، فذلك يعني: تهديد الفلسطينيين العرب الذين يسكنون في منطقة 48 بإمكانية الطرد مستقبلاً، لأن إسرائيل هي دولة اليهود! كذلك فإن الاعتراف بــ (يهودية) إسرائيل يلغي تلقائياً حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في الشتات. وعلى المدى القريب المنظور فإن باستطاعة إسرائيل (إذا ما اعترف الفلسطينيون والعرب بـيهوديتها) حرمان فلسطينيي 48 من أية حقوق مدنية (وهي في الأصل قليلة)، وذلك في مجالات التعليم والصحة والإسكان والثقافة والسياسة وكافة المجالات الخدماتية الأخرى.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه خرجت أصوات إسرائيلية كثيرة على صعيد مسؤولين سياسيين وعسكريين تنادي بالتخلص من 300 ألف فلسطيني يسكنون منطقة المثلث من خلال اقتراح (يبدو في ظاهره بريئاً!) بتبادل هذه المنطقة في فلسطين المحتلة عام 48 مع السلطة الفلسطينية التي لا تريد لها إسرائيل أن تكون سوى منطقة حكم ذاتي ليس إلاّ.
يهودية دولة إسرائيل تعني لمن يعترف بها: أن التاريخ الفلسطيني في مراحله المختلفة ما هو إلا أكاذيب! وهي تعني الاعتراف (بالحقائق المزعومة) التاريخية التي ترددها الصهيونية عن دولتها في فلسطين، وهذا يعني أنهم موجودون في فلسطين منذ ثلاثة آلاف سنة كما يدّعون! الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل يعني إلغاء تاماً لكافة قرارات الأمم المتحدة التي أكدت على الحقوق الفلسطينية، كما يعني إمكانية أن تطرح إسرائيل مستقبلاً حقوقها فيما تسميه (أرض إسرائيل الكبرى)! نعتقد أن مخاطر الاعتراف الفلسطيني والعربي بــ (يهودية) إسرائيل قد راجت إعلامياً بشكل ممتاز، غير أن خطأ استعمال مقولة (الدولة العبرية) في التعبير عن دولة إسرائيل ما يزال لم ينتشر إعلامياً بشكل موازٍ لمخاطر الاعتراف بـ (اليهودية)، بدليل أن من الممكن لأي قارىء أو أية قارئة أن يصطدم يومياً بهذا التعبير(العبرية) في مقالات سياسية واستعمالات كثيرة أخرى، تماماً كما نصادف تعبيرات أخرى لا تنطبق على إسرائيل مثل (الشعب) الإسرائيلي و(الأمة) الإسرائيلية و(القومية) اليهودية أو الإسرائيلية، و(المجتمع) الإسرائيلي. فاليهودية ديانة ليس إلا، وهي ليست(قومية) والإسرائيليون ليسوا(شعبا) ولا(أمة) ولا(مجتمعاً)، فما الذي يربط بين اليهودي الأمريكي والآخر الإثيوبي؟ وما هي القواسم المشتركة بين فسيفساء المستوطنين المهاجرين إلى إسرائيل؟ فيها يهود غربيون، أيضا لا يزال فيها يهود شرقيون، الروس يعيشون مع بعضهم وهكذا العراقيون واليمنيون وغيرهم وغيرهم!
ثم ما هذه الدولة التي تميز عنصرياً بين الإثنيات والأعراق المختلفة لليهود فيها؟ فالتمييز العنصري في الكيان الصهيوني قائم ليس فقط ضد الفلسطينيين العرب (رغم أن ذلك يحتل الدرجة الأعلى في سلّم التمييز)، لكن هناك تمييزاً ضد اليهود الشرقيين واليهود السود (الفالاشا) وغيرهم.
إسرائيل نشأت لا كدولة مثل الدول الأخرى في عملية تطور تاريخية طبيعية، بل جرى إنشاؤها قسراً، دولة احتلالية عنصرية، فحتى الثقافة الواحدة مفقودة فيها فلا صحة إطلاقاً لمقولة (الثقافة) الإسرائيلية الواحدة. وإن جاز إطلاق كلمة (ثقافة) إسرائيلية تجاوزا بالطبع، فهي ثقافة العدوان والتدمير وإرهاب الدولة. في الحقيقة ينطبق عليها وصف: أن إسرائيل عبارة عن ثكنة عسكرية أو عصابة إرهابية أو جيش له/ لها دولة.
على ماذا يحتج السفير الإسرائيلي في نيويورك؟
بقلم: رغيد الصلح عن الحياة اللندنية
في المذكرة التي رفعها السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة إلى الأمين العام للمنظمة، طغت لغة الإمرة التي كان يستخدمها كضابط مدفعية سابق في الجيش الإسرائيلي على اللغة المهذبة التي تستخدم في المنظمات الدولية وفي الأروقة الديبلوماسية، فقد تضمنت المذكرة ما هو أقرب إلى إصدار تعليمات إلى بان كي مون بإيقاف ريما خلف، المديرة التنفيذية لمنظمة «الإسكوا»، عن العمل ريثما يجري التحقيق معها بتهمة «معاداة السامية».
لقد بلغ الطابع الاستفزازي لمذكرة السفير رون بروسور حداً جعل المعلقة الإسرائيلية أميرة هاس تصفها بأنها تنطوي على «احتقار عميق لأقطار المنطقة التي نعيش فيها وللقضايا التي يعانون منها، وعلى إسراف في استخدام اتهام اللاسامية من شأنه تجريد هذه اللفظة من معناها وإفقادها التأثير المتوخى منها». فما هي الأسباب التي أثارت غضب السفير الإسرائيلي، والتي دفعته إلى شن تلك «الغارة» على موقع «الإسكوا» وعلى أمينته العامة؟
تعود الغضبة الإسرائيلية إلى أكثر من سبب. من بين هذه الأسباب، كما شرح بروسور، تطرُّق التقرير إلى العلاقة بين النازية والصهيونية. والحديث عن هذه العلاقة يسبب للجماعة الحاكمة في إسرائيل العديد من المشاكل ويفتح الكثير من الملفات التي يرغب نتانياهو وصحبه في دفنها تحت أنقاض الحرب العالمية الثانية.
أخطر هذه الملفات هو ملف التعاون مع النازيين الذين ارتكبوا واحدة من أبشع الجرائم التاريخية، أي جريمة المحرقة. ولقد حاولت إسرائيل إتلاف هذا الملف كلياً عبر توجيه الاتهام ذاته إلى كل من تجرأ على فتحه ولو بصورة ملطفة ومخففة. وكان من بين هؤلاء المؤرخ فرانسيس نيكوسيا، الذي وضع كتاباً بعنوان «الرايخ الثالث والقضية الفلسطينية». تحدث نيكوسيا في هذا الكتاب عن اتفاقية «التسفير» بين النازيين والمنظمات الصهيونية في ألمانيا.
واستند إلى مراجع أولية ودقيقة من الأرشيف البريطاني والأميركي والصهيوني وغيرها من المصادر المهمة. وكان دقيقاً، بل ومتحفظاً في عرضه الوقائع وفي الاستنتاجات. وعلى رغم ذلك، تقدم الصهاينة بشكوى ضده، وردّت المراجع القضائية هذه الشكوى بعد أن أكد العديد من المؤرخين البارزين في بريطانيا والولايات المتحدة دقة المعلومات التي ضمّنها نيكوسيا كتابه، وابتعاده عن التحيز، سواء للصهيونية أو لخصومها.
وفي مناسبة مماثلة، كانت ردة فعلهم على الكاتب الأميركي ليني برينير شبيهة بردة فعلهم على نيكوسيا، عندما وضع الأول كتاباً بعنوان «الصهيونية في عصر الديكتاتوريين» ضمّنه مقتطفات من المذكرة التي وجهتها المنظمات الألمانية الصهيونية إلى هتلر تحدثت فيها عن أوجه التطابق بين الصهيونية والنازية، وعن رغبتها في التعاون مع هتلر في إطار الدولة التي يحكمها النازيون. لم يرد الصهاينة على برينر بمناقشة مضمون كتابه، ولكنهم ردوا على الكتاب بحملة من الشتائم والافتراءات واتهام برينير بأنه «كاره نفسه» لأنه يهودي.
تضمن الكتابان صفحات كثيرة عن اتفاقية التسفير وعن التعاون الوثيق بين النازيين والصهاينة، الذي تجاوز ترحيل اليهود الألمان إلى فلسطين لكي يشمل التنسيق ضد المنظمات اليهودية الألمانية الاندماجية. وكان المجال الأبرز على هذا الصعيد هو العمل المشترك ضد مبادرة المقاطعة الاقتصادية التي سعت المنظمات اليهودية الاندماجية، وخاصة خارج ألمانيا لتنفيذها ضد النظام النازي. وكان التعاون في هذا المجال مفصلاً مهماً في تاريخ العلاقة بين الجانبين. ولقد أثبت الصهاينة الألمان فائدتهم هنا إذ لعبوا دوراً مهماً في تعطيل المقاطعة اليهودية للنظام الهتلري.
هذه الوقائع تدل على أهمية المنافع المتبادلة بين طرفي اتفاقية «التسفير» التي استمرت حتى نهاية الثلاثينات تقريباً، لكن هذه النجاحات قابلها توتر في العلاقة وتعميق في الشرخ بين اليهود الاندماجيين، الذين كانوا يمحضون ولاءهم القومي إلى الدول التي كانوا ولدوا وعاشوا فيها، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وبين اليهود -وغير اليهود- الصهاينة.
ولقد جسدت المفكرة اليهودية الألمانية الأصل حنة أرندت هذا الصراع بين الفريقين، فهي كانت ناشطة صهيونية، إلا أنها ما لبثت أن أخذت تبتعد عن الصهاينة وتوجه الانتقادات إلى الصهيونية لأسباب عديدة، منها تاريخها مع النازية ونظرتها إلى الجوار العربي. وكان هذا الخلاف على أشده مع المنظمات الصهيونية الشديدة التطرف، مثل الـ «أراغون»، بحيث طالبت هي وعدد من مشاهير اليهود، مثل ألبرت آينشتاين بمنع مناحيم بيغن، الذي وصفوه بـ «الإرهابي»، من دخول الولايات المتحدة.
وإضافة إلى التحفظات القوية لأرندت على ماضي الصهيونية وعلاقتها مع النازيين، فإنها لم تكفّ عن تحذير الإسرائيليين من المأزق التاريخي الذي تقودهم إليه الصهيونية، إذ إنها ولو حققت الانتصارات العسكرية المتوالية وتمكنت من الاستيلاء على فلسطين بمجملها وعلى الأردن، فإنها سوف تبقى في نظرها بلداً صغيراً محوطاً بشعوب معادية وأكثر عدداً بما لا يقاس من الإسرائيليين، كما تنبأت في كتاب صدر عام 1978 بعنوان «اليهودي كمنبوذ».
عبرت أرندت، التي توفيت خلال السبعينات، عن رأي واسع بين اليهود، فهل لا يزال هذا الرأي موجوداً اليوم بين اليهود وبين الإسرائيليين؟ إن هذا الرأي لا يزال موجوداً، وهناك أسباب وجيهة لكي يزداد تأثيره على الحياة العامة، فالمضي في بناء المستوطنات يدفع الفلسطينيين إلى الحائط، ويضطرهم إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بشتى الأساليب وأكثرها فاعلية، سواء بالعصيان المدني أو بغيره. ومن يتابع الجدل الذي تطلقه السياسة الإسرائيلية يدرك خطورة النزعة المغامرة التي تقود السياسة الإسرائيلية. لقد نبه المفكر الأميركي اليهودي توني جدت قبل وفاته أخيراً، إلى الخطر الذي يهدد إسرائيل إذا استمرت «في السير على طريق التعصب والانغلاق الإثني والاعتقاد بدورها الخلاصي». ودعا جدت إلى الاستماع إلى أصوات الفلسطينيين والتفتيش عن حل يتجاوب مع تطلعاتهم الوطنية. وصاغ توماس فريدمان، المعلق الإعلامي المعروف، في صحيفة «نيويورك تايمز» الدولية، قبل أسابيع قليلة، بعض هذه الأفكار بأسلوبه الساخر، إذ اعتبر أن المتعصبين اليهود والمسلمين يتعاونون بعضهم مع بعض على استمرار الحروب في الشرق.
ولكن الذين يملكون مفاتيح القوة في إسرائيل وفي الشتات الإسرائيلي، ليسوا على استعداد لسماع مثل هذه الأصوات، كما أنهم ليسوا على استعداد للتغاضي عن صدور تقرير عن التكامل الإقليمي العربي يتضمن نقداً قوياً للوضع العربي الراهن ودعوة إلى إصلاحه جنباً إلى جنب مع نقد موجه إلى العلاقة المشينة بين الصهيونية والنازية، وإلى دلالات هذه العلاقة في أيامنا الراهنة.
ولا ريب في أن هناك دلالات مهمة لذلك الفصل التاريخي، فالعقل الذي خطط لمثل هذه العلاقة هو نفسه الذي يتحدث عن اتفاقية التسفير وكأنها من صنع الخيال، والذي يتجاهل انحياز الهتلرية إلى جانب اليهود الصهاينة على حساب اليهود الاندماجيين، هو نفس العقل الذي يتجرأ على تقديم شكوى إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة، بحجة أن هذه الوقائع هي مجرد اختراع. وهذا العقل هو نفسه الذي يلقى الترحيب الكبير والتأييد الأكيد في الأحزاب والمنظمات القومية المتطرفة النيونازية في أوروبا والولايات المتحدة، أي الأحزاب التي تتطلع إلى إسرائيل الحالية لكي تقود الحرب ضد العرب وتقضي على آمالهم في الحرية والتقدم والتكامل الإقليمي حتى ولو كانت مجرد تقرير.
إسرائيل والفلسطينيون: سلام مستحيل.. أم خوف متبادل؟
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
لا جديد في القول إن قدر الحالمين بالأفضل للناس أجمعين حولهم أن يتحملوا مسؤولية أحلامهم وآلامها. إنما إن لم يفد التذكير، فلن يضر. السلام الفلسطيني - الإسرائيلي حلم مكلف. لو فتحتُ أبواب التشاؤم وأغلقتُ كل نوافذ التفاؤل لقلت، إن بلوغ ذلك الحلم ضرب من المستحيل. لذا، أسارع إلى نحت إميل حبيبي الرائع، فأستعير من سعيد أبي النحس المتشائل (PESSOPTIMIST) وهج جمر الأمل، لولا فسحته لضاق الصدر واختنق النفس.
بعد أقل من شهر (15 مايو/ أيار) تحتفل دولة إسرائيل بإتمام عامها السادس بعد الستين. في حساب الأعمار، ليس هذا بالعمر الطويل. لكن الواقع يقول، إن ما حققته إسرائيل في مجالات الزراعة، والصناعة، والتقنية، يضعها في مصاف دول متقدمة تسبقها زمنيا من حيث نشأة الدولة بمئات السنين، كما إسبانيا أو اليونان، مثلا. ثم إنها تتساوى مع، أو تتفوق على، دول أقامت في غابر الأزمان إمبراطوريات، كما الحال مع تركيا وإيران. أما تفوّق إسرائيل على المستوى العسكري، وهو الأهم لها في ميزان علاقتها بجوارها العربي، فأمر لا يحتاج إلى تبيان. أيعقل إذنْ، أن دولة توفرت لها مثل هذه القوة تخشى السلام؟
منطقيًا، الجواب: كلا. إنما عمليًا، منذ بدأت مساعي السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، أعطت حكومات إسرائيل الانطباع بأنها بالفعل تخشى الإقدام على إتمام مشروع السلام الكامل مع الفلسطينيين، وتحمّل التبعات المترتبة عليه. ثمة سؤال هنا سيبدو ساذجًا، لكنني سأغامر بإلقائه: ترى، هل يعرف ساسة إسرائيل، على وجه الدقة، من هم الفلسطينيون الذين من مصلحة إسرائيل ذاتها التوصل إلى سلام معهم؟ هل هم وفد السلطة المفاوض؟ أم ترى ينظر ساسة إسرائيل إلى ما وراء غرفة التفاوض؟ لست أشك لحظة أن ساسة إسرائيل ومستشاريهم ومعدي الدراسات والأبحاث لهم، يعرفون جيدًا أن ملايين الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين داخل فلسطين وبدول الجوار، هم من يتوجب صنع السلام معهم.
المسألة واضحة جدًا. الفلسطينيون الذين بقوا في بيوتهم عام 1948 أصبحوا مواطنين إسرائيليين. السلام مع هؤلاء قائم، وحتى لو كانت لهم مظالم ومطالب فإنها تفصل في المحاكم. المشكل الحقيقي لإسرائيل هو التوصل إلى السلام مع أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني منتشرين في مخيمات لبنان، وسوريا، والأردن، وغزة، والضفة الغربية. ساسة إسرائيل يدركون أن أي تنازلات يقدمونها لوفد السلطة المفاوض لن تفيد في إقناع فلسطينيي المخيمات بسلام لا يضمن لهم حق العودة. الوفد الفلسطيني المفاوض لا يملك، من جانبه، سلطة التنازل عن ذلك الحق. طالما الحال هكذا، فلِمَ الاستعجال؟ يقول لسان حال ساسة إسرائيل، فلنمط حبال التفاوض ما استطعنا.
.. والحل؟
ليس من حل ما لم تتوفر الإرادة. المقصودة هنا هي إرادة الطرف الأقوى، إسرائيل. كما ذهب القول: إذا كانت هناك عزيمة هناك طريق. وعندما يتحرر ساسة إسرائيل من خشية السلام مع أكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني يمكنهم العثور على أكثر من طريق للتعامل مع حق العودة، ضمن أطر إنسانية وحضارية يقبل بها منطق عصر العولمة والكوكب القرية.
في العمل السياسي، ليس هناك من مستحيل إلا ما يريد له الساسة أن يكون كذلك. أليس بالإمكان، على سبيل المثال، إجراء استفتاء يسأل المواطنين الإسرائيليين كافة عن تصورهم للسلام مع كل الفلسطينيين، ومن ثم استبيان تصور الرأي العام الإسرائيلي للتعامل مع مطلب حق العودة؟ الطرف الفلسطيني من جانبه يستطيع، ويجب، أن يساهم في وضع تصور عملي للتعامل مع حق العودة. هنا أيضا يمكن اعتبار استفتاء فلسطينيي المخيمات خطوة عملية أولية.
عندما كتبت قبل بضعة أسابيع (23 - 01 - 2014) عن مسألة «يهودية إسرائيل» ودعوت الطرف الفلسطيني إلى قبول التحدي والإقدام على الاعتراف المطلوب، كنت أنطلق من اقتناع شخصي ملخصه أن ذلك الاعتراف لن يسمن ولن يغني من جوع، بمعنى أنه لن يقدم لإسرائيل الدولة شيئا ليست تملكه على أرض الواقع، ولن ينزع عن فلسطين صفتها التي عرفت بها عبر آلاف السنين، أرض سلام يجب أن يعيش عليها بسلام أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث.
بيد أن السلطة الفلسطينية رفضت ذلك الاعتراف، والقمة العربية في الكويت عززت الرفض الفلسطيني. لكن ما فاجأني هو أن يذهب تأويل بعض المواقع مذهب أنني كتبت لتمرير رسالة من طرف إلى آخَر، وذلك تأويل شطح في الخيال على نحو ما كان يخطر على البال. مع ذلك، لست أجد حرجًا، من جديد، في القول إن اعترافا فلسطينيًا بـ«يهودية إسرائيل» لم يكن ليزلزل الأرض، بل يُسجل للطرف الفلسطيني حقيقة أنه لا يخشى الإقدام على أي خطوة لإتمام مشروع السلام، طالما أنه يستجيب لحقوق الجميع من دون تمييز أو تفريق.
إذنْ، مع فسحة الأمل نبقى، ومع تشاؤل إميل حبيبي، الذي تصادف بعد بضعة أيام (2 مايو) ذكرى رحيله قبل 18 عامًا. أتذكر الآن، كان أبو سلام (انظر اسم ابنه) ينتظرني في المطار موفدًا من هذه الجريدة بعد خمسة أيام من توقيع اتفاق أوسلو (13 سبتمبر/ أيلول 1993). سألتني موظفة الأمن الإسرائيلي: هل هذه أول زيارة لك؟ قلت: نعم. ذهبت وعادت وإلى جانبها زميلة لها، فسألت السؤال ذاته، وأجبت الجواب نفسه. ذهبتا ثم عادتا ومعهما زميل، فسألت السؤال ذاته، وأجبت مبتسمًا، وقد أدركت لماذا يتكرر السؤال ولماذا إحضار شهود استماع، فقلت: نعم أول زيارة لي لدولة إسرائيل. وكما توقعت، اعترضت موظفة الأمن قائلة: ولكنك مولود في بيرشيبا (بئر السبع). قلت: نعم، وغادرتها مع والدي طفلا ذا ستة أشهر، ولم أعد إليها، الآن سأزورها للمرة الأولى، أين المشكل؟ الواقع أن المشكل بدأ من هناك، زمنذاك، لكن ذاك حديث يطول. أما إميل حبيبي فشاهد قبره يقول: باق في حيفا.
قضية فلسطين و«الميدان»: الكل مشغول عنها.. وعن سلطتيها!
بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية
يكاد وزير الخارجية الأميركية يمضي وقته ضيفاً عزيزاً على منطقتنا، وفي فلسطين المحتلة تحديداً، بهدف معلن: تأمين استمرار المفاوضات على المفاوضات بين العدو الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية.
بين الجولة والأخرى يذهب بعض ما تبقى من الرصيد المعنوي لهذه السلطة للوسيط الأميركي الذي يدرك - بالتأكيد - أن هذه «القضية» هي الأخطر والاهم والأقدس، ليس فقط بالنسبة لشعبها بل للأمة العربية جميعاً، وأن بدعة التفاوض للتفاوض تلتهم جوهر القضية، ومعها «منظمة التحرير الفلسطينية» التي تعيش الأزمة المصيرية اللاغية لوجودها... فلا هي تحرز أي تقدم من خلال التفاوض، ولا هي مستعدة للانسحاب من هذه الدوامة التي تفضح عجزها. العجز الذي يتخذ أبعاده الخطيرة من خلال «تناسي» أهل النظام العربي القضية وأهلها، سواء داخل الأرض المحتلة أو خارجها.
ذهبت مقررات القمم العربية التي تعاقبت في مختلف العواصم، مع الريح.. خصوصاً أن الأنظمة التي استولدتها الانتفاضات ما تزال مشغولة بهمومها الداخلية كما بإعادة ترتيب علاقتها هي مع عاصمة القرار الكوني: واشنطن.. ولا تريد أن تباشر عهدها الجديد بتعقيدات هذه القضية الخطيرة والمزمنة والتي «قد لا يضير أهلها الذين انتظروا عشرات الأعوام حلاً لا يأتي، أن ينتظروا لبعض الوقت الإضافي وريثما تستقر الأوضاع الجديدة في عواصم القرار العربي».
..هذا فضلاً عن أن انتفاضات «الميادين» في مختلف العواصم لم تكن فلسطين على جدول أعمالها بشكل مباشر، وهي قد حرصت على «عدم استفزاز» العدو الإسرائيلي، ومن خلفه الإدارة الأميركية، حتى لا يؤثر ذلك على مسيرة الإنجاز التي تبرر وجود من وصل إلى السلطة باسم «الميدان».
من هنا تتعاظم المخاوف من أن تكون قضية فلسطين هي الضحية العظمى للفوضى الدموية الهائلة التي اجتاحت الدنيا العربية من خارج التوقع، وبالتالي من خارج التخطيط والتنظيم لما بعد انتفاضات «الميدان» بالجماهير المليونية التي اقتحمتها لإسقاط النظام - الأنظمة القائمة والمتهمة في وطنيتها قبل الحديث عن عروبتها والتزامها أصول الديموقراطية.. وعلينا الاعتراف ان قضية فلسطين قد تراجعت إلى الخلف بعدما غرق الشارع في كل قطر عربي، في همومه المحلية.
وفي الوقائع اليومية، فإن التفاصيل قد غلبت على جوهر الموضوع، وصار الأميركي وحده هو المفاوض مع العدو الإسرائيلي. وبات المشهد سوريالياً: الأميركي يفاوض الإسرائيلي ثم ينتقل لإقناع الفلسطيني بالاستمرار بالتفاوض بغض النظر عن النتائج، والفلسطيني اثنان وربما أكثر.
وإذا ما اعتبرنا أن «السلطة» هي الوريثة الشرعية لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» فإن انشقاق غزة تحت راية «الإخوان المسلمين» قد اضعف أكثر فأكثر المفاوض الفلسطيني وأضاف أوراقاً جدية إلى العدو الإسرائيلي ووسع مساحة الدور الأميركي.
غزة في البعيد تشكل بوضعها الانقسامي نقطة ضعف خطيرة في الموقع التفاوضي للمنظمة العاجزة عن توحيد سلطتها على ما أبقت لها سلطة الاحتلال من أراض تنهشها المستوطنات على مدار الساعة.
أما العرب فمشغولون عنها كلها وغارقون في همومهم القطرية.
صارت اجتماعات مجلس الجامعة العربية، كما القمم العربية، مجرد محطات استماع، تأتي إليها المنظمة فتبلغ الأشقاء الذين نسوا القضية والعاجزين عن دعمها حتى لو أرادوا، فكيف وكل نظام يحاول استنقاذ نفسه مقدماً موقفه من قضية فلسطين شهادة حسن سلوك للإدارة الأميركية متجاوزاً النسيان إلى «الحياد» الذي يضيف قوة إلى العدو الإسرائيلي.
بعد 14 سنة من قمة بيروت التي شهدت واحدة من محطات التنازل الأكثر إيلاماً، ها هي القمة العربية في الكويت لا تجد ما تقدمه لقضية فلسطين إلا العودة إلى مقررات تلك القمة التي شكلت محطة على طريق التنازل الجماعي عن جوهر القضية في محاولة للملمة الصف العربي المبعثر دائماً حول الحد الأدنى من الحق الفلسطيني، وتوفير الحد الأدنى من الأدنى من الدعم بالقرارات التي تنسى بعد تلاوتها مباشرة، وبصوت متهدج، مع اختتام القمة... أية قمة وكل قمة.
مرت مياه كثيرة في مجرى القضية التي كانت مقدسة وصارت مجرد مدى حيوي لسلطة لا سلطة لها على بعض البعض من أرضها التي أعطيت لها... ثم جرى انتزاع بعضها بالمستوطنات التي تكاد تلتهم المدن بما فيها رام الله والقرى والجبال والوديان... في حين يكاد يكتمل التهام الجزء العربي من مدينة القدس.
صار الإسرائيلي يفرض شروطه للقبول بالتفاوض مع الأميركي المتهم الآن في «حياده» وصار الفلسطيني ضيف شرف، بل شاهد زور، وجوده ضروري لإظهار واشنطن كصديق كبير ووسيط نزيه، ولكنه لا يقدر على أكثر مما يقدم. صارت أواصر الصداقة تشد المفاوض الفلسطيني إلى «غريمه» - عدوه السابق - الإسرائيلي، وصور الابتسامات كاشفة الود، تفضح جوهر التنازلات، هذا إذا ما تغاضينا عن الشائعات حول العلاقات الغرامية بين بعض المفاوضين - الخصمين.
أليس عبثياً أن يذهب رئيس السلطة الفلسطينية إلى جامعة الدول العربية شاكياً، فيسمعه وزراء الخارجية ويكتفون بهز رؤوسهم توكيداً للتعاطف ثم ينصرف كل منهم إلى «همومه» في بلده التي لا تبقي له من الوقت ومن القدرة على الاهتمام ما يمكن أن يعطيه للقضية التي كانت مقدسة وصارت منسية.
ثم أليس مهيناً أن «يعيّرنا» وزير الخارجية الأميركية بأنه قد أعطى «قضيتنا المقدسة» أكثر مما أعطاها المسؤولون العرب، من وقته ومن اهتمامه بابتداع «التسويات» التي تقضم الحق الفلسطيني في ما تبقى من الأرض... ثم يذهب إلى الدول العربية التي يراها ما تزال معنية بالقضية يطلب إليها أن تساعده ليس مع الفلسطيني بل عليه، ليتلقى الشكر والتقدير على جهوده الخيرة، وعلى موقفه الصلب من الأطماع الإسرائيلية!
والزمن لا يرحم.. وتكاد تصدق نبوءة ديفيد بن غوريون وهو يرد على تحذير بعض أصدقائه من خطورة قضية فلسطين على المشروع الإسرائيلي، وكان - بعدُ - في البدايات، إذ قال لهم: هناك قضايا لا تحل، اتركها فقط لتشيخ ثم تموت.
ها هي القضية المقدسة تكاد تكون متروكة للريح، تنطق باسمها سلطتان: واحدة شرعية ممثلة بـ«منظمة التحرير» التي باتت تسكن الذاكرة تاركة لوريثتها «الحكومة» أعباء رواتب الإدارة التي أهمها الشرطة (علنية وسرية)... وهذه الرواتب أزمة مفتوحة يدور «الرئيس» بين الحين والآخر في رحلة جباية قد تفرض عليه مواقف محرجة، بينها الاستعطاف والتباكي واستدعاء «النخوة العربية» لتمرير بعض الشهور... لعل الله يفرجها.
أما السلطة (غير الشرعية) في غزة فتواصل بناء «دولتها» على الرمل، معتمدة على الكرم الإيراني وتهافت السلطة الأخرى في رام الله، وانشغال العرب بهمومهم داخل أقطارهم وابتعادهم عن «حقل الألغام الفلسطيني» بأعبائه الثقيلة، تاركة للسلطات الجديدة أن تتحمل عبء واحد من قرارين كلاهما خطأ كبير: أن تواصل حصار القطاع والتضييق على أهله في ما يشبه «الحرب على الجياع»، وهو أمر لم يقدم عليه العدو الإسرائيلي ذاته، أو أن تدير ظهرها مشددة الحصار العسكري بما يزيد من حدة «العداء الشعبي» لفلسطين، كقضية مقدسة ولشعبها المظلوم والمعرّض لقمع مفتوح في ظل تخلٍ دولي وانصراف عربي وخلافات داخلية تكاد تكون - بنتائجها - أقسى من الحرب الإسرائيلية.
...ولا احد يهتم، فلكل مسؤول عربي في أية دولة، من المشاكل الداخلية والهموم الثقيلة ما يبعده عن هذه القضية التي كانت مقدسة والتي تحولت الآن إلى عبء سياسي واقتصادي وعسكري خطير...
وربما يتمنى العديد من المسؤولين العرب أن تتحقق نبوءة بن غوريون فيأكل النسيان مع إسرائيل «قضية العرب الأولى»، ويتحول الوزير الأميركي كيري إلى تقبل التعازي في القضية التي أعطاها معظم وقته، ولكنها دخلت في موت سريري سيطول.
البدائل الفلسطينية
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
بالرغم من العقوبات الاقتصادية بحق السلطة الفلسطينية والتي أصدرتها حكومة نتانياهو ليلة الثاني عشر من ابريل 2014، وخصوصاً منها حجب أموال الضرائب، بالرغم من ذلك يُتوقع أن تَمُرَ خطوة تمديد المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية للعام القادم 2015 كمخرج مُناسب بعد الانسداد الذي وصلت اليه العملية التفاوضية بعد عدة شهور من انطلاقتها، وسقوط المُراهنات بانجازِ حلولٍ تحت سقف خطة الوزير (جون كيري).
فالتمديد للعملية التفاوضية يأتي الآن بعد اتصالات مُكثفة جرى بعضها بشكلٍ مكشوف ومُباشر بين الطرفين الفلسطيني و الاسرائيلي وبمتابعة من الطرف الأميركي، وجرى مُعظمها من وراء الكواليس بمشاركة عدة أطراف اقليمية نافذة ومنها أطرافٍ عربية، وقد بدا من تجاوب الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني مع المسعى الأميركي لاستمرار المفاوضات ومنع انهيارها أن الجميع يبحث عن صيغة جديدة للخروج من حالة الاستعصاء، وذلك سعياً لانقاذ العملية السياسية التفاوضية التي بات استمرارها حتى لو كانت تُراوح مكانها، حاجة أميركية واسرائيلية وحتى فلسطينية وعربية في ظل غياب العمل العربي والفلسطيني لخلق البدائل والخيارات البديلة، وهي خيارات مُمكنة حال توفرت الارادة العربية في هذا الشأن، وحال تم وضع حد لحالة الانقسام الداخلي في البيت الفلسطيني، والذي تحوّل لانقسامٍ مُزمن وكارثي.
فبالرغم من الأزمة الشديدة التي بدت مؤخراً في مسار العملية التفاوضية، الا أنّ الاصرار الأميركي، وَضَعَ المفاوضات على مسار البحثِ مُجدداً لجهة التمديد، فقد عاد الطرفان لعقد لقاءين للبحث عن مخرج مناسب عنوانه التمديد للعملية التفاوضية للعام 2015، بعد أيامٍ من تبادل الاتهامات واطلاق اسرائيل التهديد والوعيد بمحاصرة السلطة الفلسطينية والقيام باجراءات سحب بطاقات الشخصيات المهمة (VIP) من قيادات السلطة الفلسطينية ووزرائها، ومصادرة أموال الضرائب وتحويلها الى شركات النفط والكهرباء لسداد الديون المتراكمة على الجانب الفلسطيني، وتأخير مشاريع اقتصادية في مختلف المناطق الفلسطينية وماشابهها. ولايخفى هنا بأن حكومة بنيامين نتانياهو الائتلافية اليمينية واليمينية المُتطرفة وكما تُشير مصادر مختلفة، بلورت سلسلة من العقوبات التي يُمكن فرضها على الفلسطينيين، بما في ذلك العودة لمحاصرة مواقع كثيرة من داخل منطقة (A) المُفترضة كمنطقة تحت السيادة الأمنية والمدنية للسلطة الوطنية الفلسطينية.
ان خطوة تمديد المفاوضات، تعني وبكل بساطة أن السقوف الزمنية لا أهمية لها على الاطلاق ولا مكان لها وليست مُقدسة عند الطرف الاسرائيلي بل هي الغائب الأكبر، وهو ماكان قد تَحَدَثَ عنه رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق اسحق شامير عام 1991 عندما ترأس الوفد الاسرائيلي في افتتاح أعمال مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991، حين قال بأنه سيجرجر العرب والفلسطينيين لمفاوضات طويلة لعشرات السنين ودون طائل.
وعليه، المسألة هنا، لاتَكمُنُ بموضوعة التمديد للعملية التفاوضية فقط، بل تَكمُنُ أيضاً بأن الدولة العبرية الصهيونية ترى في التسويف والمماطلة والمطمطة وترحيل الأمور، فرصة لاستغلال العامل الزمني لصالح مواصلة برامجها الخاصة بالقدس والأراضي المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية لصالح مواصلة عمليات تهويد الأرض واستيطانها وخلق المزيد من الوقائع الديمغرافية على الأرض، والتي تَجعل من العملية التفاوضية أمام مُعطيات جديدة، وهو تكتيك اسرائيلي مكشوف منذ العام 1991 وحتى اللحظة الراهنة.
في القدس يأبون الاستسلام (http://www.raialyoum.com/?p=75973)
بقلم: لبنى الخروصي عن رأي اليوم
صعدنا سلالم المستشفى، وسرنا في ردهاته باحثين عن الغرفة التي يرقد فيها ضحية اطلاق النار، كان فاقدا للوعي، لا يصله بعالم الأحياء إلا جهاز للتنفس الصناعي. لقد تعرض لإطلاق النار من الخلف. أجهشت أمه بالبكاء بالقرب من نافذة الغرفة بينما التقط المصورون بعض الصور له. لم أمتلك الشجاعة للنظر إليها مباشرة، كيف لعيناي أن تلتقي عيناها؟ آه ما أصعب هذا الشعور! ماذا تقول لأم في وضعها؟ “لقد كان بطلا”، تمتمت بها زميلتي أمامها. وكم من الأبطال أنجبت يا فلسطين!
كنا في مستشفى نابلس، إلا أن الصبي الذي قدمنا لزيارته تعرض للإصابة في جنين في اليوم السابق برفقة ثمانية عشرة آخرين، ارتقي منهم ثلاثة شهداء.
يبدو لي أن معظم من التقينا بهم على مدى أربعة أيام في الضفة الغربية قد أصيب أو سجن أو فقد منزله أو حدث الأمر نفسه لأحد أبنائه أو معارفه.
لقد حاولت جاهدة أن استوعب حجم الرعب الذي يعيشه الفلسطينيون في كل لحظة على مدى الأعوام الخمسة والستين السابقة، إلا أنني لازلت، حتى بعد عودتي إلى مسقط الآمنة الوادعة، عاجزة عن فهم ذلك. والمحزن في الأمر كله هو أن قصتهم قد أضحت كالموسيقى الخلفية، لا أحد في العالم يعيرها أي قدر من الاهتمام؛ لماذا نكلف أنفسنا عناء التفكير في القضية الفلسطينية، وقد أصبحت مثل الأسطوانة المشروخة؟ فالقصة لم تراوح مكانها بنفس تفاصيلها المرعبة على مدى خمسة وستين عاما – نعم خمسة وستين عاما من القمع والاستبداد، تعيش ولا تعلم إن كنت ستعود إلى بيتك سالما في تلك الليلة، أو حتى إن كان منزلك سيكون هناك لإيوائك. خمسة وستون عاما والكل يعاملك ككائن غريب، لا حق له في أي من حقوق الإنسان الأساسية. خمسة وستون عاما وأنت تصارع للحفاظ على جذورك، في الوقت الذي يصرخ فيه الجميع يطلبون منك الرحيل.
على الرغم من كل ذلك، إلا أنهم يأبون الاستسلام.
إنهم لا يعرفون الخوف، لقد عقدوا العزم على العيش وتحدي الموت والتجذر في أرضهم في وجه الطغيان، آملين أن العالم سوف يستمع يوما لهم.
فكل يوم في حياتهم هو صراع. لقد استغرقت وزيرة شؤون المرأة، التي تكرمت باستضافتنا، خمس وعشرين سنة لإكمال درجة البكالوريوس، إذ أنها سجنت ثماني مرات خلال هذه السنوات. وقد ألقت قوات الاحتلال في الليلة السابقة القبض على نجل السائق الذي قام بتهريبنا إلى القدس. كما أصيب الدليل السياحي الذي طاف بنا حول معالم القدس بطلق ناري في الساق، كما أن نائب محافظ مدينة نابلس كان قد أصيب بطلق ناري في الرقبة
ففي كل مكان حولنا ومن كل شخص قابلناه تسمع قصة ينفطر لها القلب ألما. القصص هنا لا تحصى، وهي كذلك لا تسمع، فاصرخ عاليا، دع صوتك يصل عنان السماء، لكن لا مجيب، لا أحد يصغي. فأخبارك أضحت قديمة، ونحن مشغولون بانستجرام والفيسبوك وتويتر، ولم يعد لدينا الوقت للاستماع إلى قصص حقيقية تروي حكاية إخوة لنا وقعوا ضحية الاستبداد والقهر بلا توقف لأكثر من خمسة وستين عاما.
فما عسانا فاعلون؟
لقد استغرق الأمر مني تسعة عشر عاما للوصول الى القدس والضفة الغربية. لقد كنت أحلم بهذه الرحلة وأخطط لها منذ أن كنت طالبة في الجامعة. والآن وقد تحقق الحلم، أصبحت غير متأكدة ما يجب علي القيام به حيال تلك المعاناة. أشعر بأن كل خلية في جسدي قد تأثرت، إلا أنني تعتريني الصدمة والاضطراب. والأسوأ من ذلك كله، أنني لا أعرف كيف يمكنني أن أحول هذا الشعور إلى عمل من شانه أن يحدث تغييرا إيجابيا في حياة الفلسطينيين، الذين يقاتلون منذ عقود كي أتمكن أنا وغيري من المسلمين من أداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى، الذي لم اتمكن من الوصول إليه إلا متسللة. وقد صحبنا في هذه المغامرة رجل لم يتمكن من الوصول إلى القدس لأكثر من عشرين عام على الرغم من أن مسكنه في رام الله لا يفصله عنها إلا مسافة قصيرة. لقد قرر هذه المرة المخاطرة معنا على أمل أن تحدث رحلتنا فرقا في حياة الناس، ونتمكن من إحداث بعض التغيير، أو ربما يمكن لنا أن نقلل إلى حد ما الظلم الواقع عليهم، أو قد يكون بمقدورنا أن نحيي فيهم بعض الأمل.
لكن الحقيقة هي أننا بحاجة إلى أن ندرك معنى الأمل، كي يتسنى لنا تحويله إلى مهمات يمكن التعامل معها والقيام بها، فنحن إزاء قوة غاشمة تسبقنا بمراحل من حيث التنظيم والترتيب.
لذا عوضا عن السعي لتغيير العالم والتوصل إلى اتفاق سلام، يمكن لنا أن نمنح الفلسطينيين كأفراد وكمجتمع الأمل بطرق عدة يسهل القيام بها مثل الاستماع إليهم وسماع قصصهم، ومن خلال مساعدتهم ودعمهم على العيش والزواج، وانهاء تعليمهم الجامعي، وترميم منازلهم المهدمة، وكذلك عن طريق شراء المنتجات الفلسطينية، وذلك لتمكينهم من إطعام أسرهم.
يمكن لكل واحد منا أن يلعب دورا ولو كان صغيرا. وفي عمان يمكننا القيام بذلك من خلال الهيئة العمانية للأعمال الخيرية، والتي تمتلك مكتبا في الأراضي المحتلة. ولو عملنا معا، كل بمساهمته الشخصية ولو كانت بسيطة من أجل الاعتراف بالفلسطينيين كبشر لهم الحق في الحياة والحرية والكرامة، الأمر راجع لنا أن نختار أن نتوقف عن تجاهلهم . ونبدأ بمعاملتهم كما نحب أن يعاملنا الناس وكما نحب أن يعامل الناس أباءنا أمهاتنا وأبناءنا
مأسى الفلسطنين لا تزال حاضرة . نحن فقط من أختار أن ينظر إلى الجهة الأخرى
والآن بعد مرور 65 سنه على هذه المأساه أحرى بنا أن نستمع إليهم . أن نعيرهم أنتباهنا. وأن نعيد لهم ، من خلال أفعالنا، أن الأمل لا زال حاضر وأن لا نقنط أبدا.
وسيأتي اليوم الذي سيكون بمقدارنا جميعا مسلمين ويهود ومسحين أن نصلي في القدس جهارا وبدون أن نتسلل في جنح الظلم.