تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 676



Haneen
2014-06-03, 12:43 PM
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.giffile:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image003.gif
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif



في هــــــــــــــــــــــذا الملف:

· ما الخطوة التالية.. ؟!
عودة عودة –الرأي الأردنية
· كيري وقرار التقسيم و"الدولة اليهودية"
عوني فرسخ- الخليج الإماراتية
· الإرهابي الدبلوماسي..!
أسامة عجاج-العرب القطرية
· عن قضية الأسـرى في يوم الأسير
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
· مَنْ بقي مع القدس
أمجد عرار – الخليج الإماراتية
· إخوان الأردن والبورقيبيّة: تجربتان للقراءة
مرح البقاعي-الحياة اللندنية
· الخليج.. مصالحة أم تهدئة؟
عبد الرحمن الراشد-الشرق الأوسط
· "القيصرالرهيب" في مواجهة ‘الغرب المهزوم’
رأي القدس العربي

ما الخطوة التالية.. ؟!
عودة عودة –الرأي الأردنية

قبل أيام قليلة نفض جون كيري الراعي الأمريكي للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين يديه من حل الدولتين، ورافق ذلك وعيد وتهديد وعقوبات إسرائيلية للفلسطينيين.. ورد فلسطيني بالإعلان الفعلي والعلني بإنضمام فلسطين للمنظمات والمعاهدات الدولية.
كل ما جرى يؤكد: الإنهيار التام والكامل لحل الدولتين وبعد أكثر من عشرين عاماً من المفاوضات العبثية والفاشلة، تراجعت فيها القضية الفلسطينية عشرات الخطوات إلى الوراء، وتوسعت مشاريع الإستيطان، وتقزم دور منظمة التحرير الفلسطينية التي قامت من أجل تحرير فلسطين قبل نحو نصف قرن... في حين إزدادت وقاحة الإحتلال الإسرائيلي فتطاول على كل المحرمات الفلسطينية، فبعد الخطأ التاريخي بالإعتراف الفلسطيني بحق إسرائيل في الوجود في المجلس الوطني بالجزائر العام 1988.. تطالب إسرائيل الآن بالإعتراف الفلسطيني بيهودية دولة إسرائيل وإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين والإعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل والحبل على الجرار.. قد يكون من بينها إعتذار الفلسطينيين والعرب بما لحق بيهود أوروبا مما مأسٍ وأحزان على يد النازية.. !
هنا يتسأل المرء: متى وكيف تكون الخطوة التالية للفلسطينيون بعد أن أعلن جون كيري نعيه لحل الدولتين الذي وافق عليه الفلسطينييون مضطرين مع أنه لا يجسد عدلاً ولا يتضمن الحد الأدنى من الإجماع الفلسطيني والعربي الشعبي فالهدف النهائي بلع إسرائيل لفلسطين كوجبة أولى ثم تليها وجبات أخرى.. !

الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة متاحة ومظاهرها اليومية في الشارع الفلسطيني واضحة وكل يوم.. كما أن قيام فلسطين بالإنضمام للمعهادات والمنظمات الدولية خطوتان مهمتان وطيبتان ولكنهما لا تحسمان الصراع وبشكل نهائي.

إسرائيل وحتى كتابة هذه السطور دولة بلا حدود رسمية، وبلا عاصمة مستقرة وثابتة، وبلا دستور، ولم يعترف بها صاحب الحق والأرض الشعب العربي الفلسطيني، كما أن هناك خمسة ملايين عربي فلسطيني في أراضي 67 و48 وهم في تزايد عاماً بعد عام.. وهم يقارعون المحتل بعيون قوية في الشوارع..

وفي داخل الكنيست.. وفي الأحزاب الإسرائيلية.. وفي الصناعة وفي التجارة وفي الزراعة.. وأيضاً في المحكمة العليا في إسرائيل.. القاضي العربي الوحيد من الناصرة واحدٌ من أعضائها ( القاضي سالم جبران ) رفض العام الماضي الوقوف أثناء عزف النشيد القومي الصهيوني ( الهاتكفا ) في أحد الإحتفالات.. مع ذلك كله لم تقم وزارة العدل الإسرائيلية بعزله حتى الآن، حقاً هاجمه كتاب إسرائيليون وقالوا: إذا لم يعجب القاضي جبران النشيد الإسرائيلي ليذهب إلى غزة.. في حين دافع عنه كتاب أخرون إسرائيليون منهم ( جون ليفي ) قال: إنه ليس نشيده.. لا نستطيع أن نجبره أن يقف لنشيد غير نشيده.. !! بعد أن فشلت جميع الضغوط الإسرائيلية والأمريكية وضغوط أخرى لتصفية قضية الشعب الفلسطيني ننتظر الخطوة التالية، والعودة إلى أول السطر، ويجب أن تكون هذه الخطوة قوية وواضحة للعالم كله وللإسرائيليين بشكل خاص الذين ملّوا قادتهم.. كما ملّوا سفك دماء أبنائهم في الحروب التي لا تتوقف ولا تنتهي، ووصل الملل هذا إلى كبار القادة في إسرائيل منهم ( إيغال آلون ) رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الذي قال: إسرائيل دولة تختبئ خلف جدار من الرمل الذي تذروه الرياح.. !

كيري وقرار التقسيم و"الدولة اليهودية"
عوني فرسخ- الخليج الإماراتية

في سعي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لانتزاع اعتراف السلطة الفلسطينية ودول الجامعة العربية ب"إسرائيل" "دولة يهودية" استشهد مؤخراً بقرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947 بقوله "إن القرار نص على الدولة اليهودية أربعاً وأربعين مرة" . وهو قول يشكر عليه، إذ يدلل على أن القرار الدولي لما يزل حجة قانونية تحتج بها الإدارة الأمريكية . ولكنه تجاهل في استشهاده أنه يقول كلمة حق يراد بها باطل، إذ تعاطى مع القرار الدولي بمنطق من يقرأ قوله تعالى "لا تقربوا الصلاة" ويسكت عن بقية الآية الكريمة . ذلك أن قرار التقسيم لم ينص فقط على إقامة دولة يهودية وإنما نص أيضا على أكثر من مسألة ذات صلة بالصراع العربي الصهيوني أقف معها مذكراً بالآتي:
1-صحيح أن قرار التقسيم نص على إقامة دولة يهودية على 47 .56% من أرض فلسطين . ولكنه لم ينص على أن تكون دولة المستوطنين اليهود فقط . إذ كانت تضم (407) آلاف مواطن عربي، يشكلون 97 .44% من سكانها، ويمتلكون 34 .24% من مساحتها . مقابل (498) ألف مستوطن صهيوني يحوزون 38 .9% من مساحتها فيما 04 .66% أملاك دولة وأقر لمواطنيها العرب حقوقهم المدنية والسياسية، وإنهم مخيرون بين البقاء في أرض آبائهم وأجدادهم، أو انتقال من شاء منهم للدولة العربية الفلسطينية التي نص على إقامتها .

2 - نص القرار على إقامة دولة عربية فلسطينية كاملة السيادة، ومعترف بمشروعيتها من مجلس الأمن والأمم المتحدة على 68 .42% من مساحة فلسطين، ما يقارب ضعف مساحة الضفة والقطاع المحتلين، التي تطالب السلطة بإقامة دولة على ما أبقته المستوطنات الصهيونية منها . وكان يسكن الدولة الفلسطينية المقرة دولياً (735) ألف مواطن عربي، ويمتلكون 69 .77% من مساحتها مقابل (10) آلاف مستوطن، يحوزون 84 .0% من مساحتها، فيما 74 .20% منها أملاك دولة .

3- كما نص على أن تكون منطقة القدس دولية، بحيث تمتد من أبوديس شرقاً إلى عين كارم غربا، ومن شعفاط شمالاً إلى بيت لحم جنوباً . وكان مواطنوها العرب (105) آلاف يشكلون 41 .51% من مواطنيها ويمتلكون 7 .84% من أراضيها، مقابل (100) ألف مستوطن، يحوزون 01 .7% من أراضيها، والباقي أملاك دولة .

صحيح أن "الهيئة العربية العليا" لفلسطين، ودول الجامعة العربية، والدول الإسلامية، والهند وكوبا واليونان عارضت قرار التقسيم لمجافاته الواقع الذي كان قائماً في فلسطين، وطالبت بدولة فيدرالية عربية ويهودية . لكن الذي حال دون تنفيذ القرار الدولي إنما كانت الأمم المتحدة التي لم تضع آلية لتنفيذه بداية . ثم شكلت "لجنة التوفيق" الدولية، برئاسة أمريكية، للإشراف على تنفيذه، ولكن اللجنة لم تمارس أي ضغط على القيادة الصهيونية لإلزامها بالقرار الدولي، ولم ترجع لأمين عام الأمم المتحدة ومجلس الأمن لفرض ذلك . وإنما شغلت بالبحث في توطين اللاجئين في البلاد العربية .

والقرار الدولي لم يسقط بالتقادم، والدليل استشهاد الوزير كيري به مؤخراً . ولا أحسبن الوزير يجهل ما كان قد قاله الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لوزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس، عندما استقبله في القاهرة في مايو/ أيار 1953 من أن حل الصراع العربي الصهيوني لا يتطلب مفاوضات، لأنه موجود في القرارات الدولية، وعلى الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، أن تلزم "إسرائيل" بالتنفيذ إن كانت تسعى حقاً للأمن والاستقرار في المشرق العربي .

ولا أظن أن وزير الخارجية الأمريكي وهو يجاهد لانتزاع الاعتراف العربي ب"إسرائيل" "دولة يهودية" يجهل أنه يجدف ضد تيار التاريخ الذي ألقى بالدعوة العنصرية إلى مزبلته، ولا أحسبه قد نسي مساهمة المجتمع الأمريكي في طي صفحة نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والمصالحة التاريخية التي أجراها المؤتمر الوطني الإفريقي بقيادة نلسون منديلا مع المستوطنين البيض لإقامة النظام الديمقراطي الليبرالي في جنوبي إفريقيا .

واليوم وقد فقدت "إسرائيل" بشكل واضح قدرة فرض الانتصارات العسكرية المبهرة، فيما القوى العربية الملتزمة بخيار الممانعة حافظت على قدرتها التاريخية في منع الاستسلام . بل وغدت قادرة على أن تعيد الكيان الصهيوني إلى حجمه الطبيعي، الذي أجاد في توصيفه يوري أفنيري بقوله: لقد عدنا إلى الغيتو، عدنا يهوداً خائفين، حتى ونحن نرتدي الزي العسكري، حتى ونحن نمتلك أحدث الطائرات والدبابات، حتى ونحن نمتلك السلاح النووي" .

و"إسرائيل" اليوم، حين النظر إليها بمعزل عن التضخيم الإعلامي باتت مجرد "محمية أمريكية" يستشهد الوزير كيري بجزئية من قرار التقسيم المنشئ لها، كي يؤمن لها بقاءها في المشرق العربي، المعروف تاريخياً بقدرته الفذة على دحر الغزاة . واليوم والقطبية الأمريكية تعيش بداية نهاية قدرتها على تطويع إرادة الشعوب العربية، والمثال الحي ما شهدته مصر من تراجع أمريكي عن رهانها الفاشل على جماعة الإخوان المسلمين، واضطرارها لإعلان قبول قرار شعب مصر وجيشها الوطني .
هذا هو الواقع الدولي والإقليمي والعربي المستجد، والذي ينطوي على مؤشرات واعدة، يضع قوى الممانعة والمقاومة العربية عامة، والفلسطينية منها خاصة، أمام فرصة تاريخية لتصحيح الأخطاء التي ارتكبت بحق الشعب العربي الفلسطيني، في تقرير المصير، واستعادة كامل حقوقه الوطنية المشروعة، وذلك بالانتفاض مجدداً ضد ما رسّبه اتفاق أوسلو كارثي النتائج من قعود عن العمل طويل النفس لكنس كل تراكمات سنوات الترهل والتردي، والتقدم الجاد نحو إقامة الجبهة الوطنية الملتزمة بالثوابت الوطنية، والقادرة على لجم اندفاعة غلاة الصهاينة في عمليتي الاستيطان والتهويد والممارسات العدوانية العنصرية، ما يدفع لتفاقم حدة أزمات التجمع الاستيطاني الصهيوني . وقد غدا كثير من المحللين السياسيين والمفكرين الأوروبيين والأمريكيين، ومن أبرزهم هنري كيسنجر، يتحدثون عن قرب نهاية المشروع الصهيوني .

الإرهابي الدبلوماسي..!
أسامة عجاج-العرب القطرية

يبدو الرئيس الفلسطيني محمود عباس سعيداً بهذا التوصيف، الذي أطلقته عليه قيادات إسرائيلية، هذا ما بدا لكل الذين شاركوا في اللقاء، الذي عقده مع رموز من النخبة المصرية. أثناء زيارته الأخيرة للعاصمة القاهرة، لحضور اجتماعات وزراء الخارجية العرب، في دورتهم الطارئة في نهاية الأسبوع الماضي، بناء على طلب السلطة الفلسطينية، وبتأييد مصر والكويت والمغرب، خاصة أنه نجح بالفعل خلال السنوات الماضية، منذ انتخابه كرئيس للسلطة عام 2005، وحتى الآن، في مقاومة كل الضغوط التي مورست عليه، من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، واحتفظ بموقفه الثابت دون تقديم أي تنازلات، رغم أن الإدارة الأميركية ومن قبلها تل أبيب، سعت إلى إزاحة الشهيد ياسر عرفات، باعتباره عقبة في طريق تحقيق السلام، وفقاً لرؤية كل منهما، وعولت كثيراً على وجود أبومازن، كخليفة محتمل ومطيع ومتفاهم، على أساس أنه كان ضد الانتفاضة المسلحة، داعياً إلى النضال السلمي، في ظل وجود فجوة كبيرة في القدرات العسكرية، بين الجيش الإسرائيلي والمنظمات الفلسطينية، التي تلتزم بالكفاح المسلح، سواء كانت فتح في زمن الانتفاضة الأولى والثانية، أو حماس والجهاد الإسلامي.

سعادة عباس لا توصف، رغم أن يعي تماماً حجم المخاطر والتهديدات، التي يتعرض لها عقاباً على مواقفه غير المتوقعة، والتي قد تصل إلى درجة القتل أو النفي، فقد تحدث عن محادثة عاصفة، بينه وبين جون كيري وزير الخارجية الأميركي، على مرتين أثناء زيارته إلى المغرب والجزائر مؤخراً، وقال: «لقد نشف دمي ولكني تحملت». ويبدو أن المكالمة تضمنت الكثير من الوعيد، بعد أن رفض عباس طلباً أميركيا بعدم توقيع طلب الانضمام إلى 15 منظمة دولية ورفض بعدها أيضاً طلباً أميركياً بعدم تفعيل تلك الخطوة، وأصدر تعليماته بالسير في مراحل السيناريو الموضوع، والمتفق عليه بين قيادات السلطة الوطنية، في حال لم تلتزم إسرائيل بتعهداتهما، الخاصة بالإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، والبالغ عددهم 30 أسيراً، من بينهم 14 من عرب إسرائيل، من حاملي الجنسية الإسرائيلية، رفضت السلطة الفلسطينية إبعادهم إلى الضفة أو غزة، مع سحب الجنسية الإسرائيلية منهم، أو طردهم خارج أراضي السلطة وإسرائيل. ويبدو أن تلك هي أقل أنواع التهديدات التي خرجت من وزير الخارجية الأميركي كيري، الذي يحاول جاهداً إنقاذ مفاوضات السلام، التي بذل جهداً كبيراً في استئنافها واستمرارها، خلال فترة الشهور التسع الماضية، ويحاول الآن مدها حتى نهاية العام الحالي، ولا يستبعد أبومازن أن يتم اغتياله، فكما قال: «قتلي ليس هناك ما هو أسهل منه، فأنا للأسف الشديد موجود تحت حمايتهم»، فأنا لست عسكرياً»، «ولم أستخدم السلاح ولا أعرفه»، عمري كله قضيته في العمل الدبلوماسي، «وجميعاً نعرف أن تنقلاته وتحركاته داخل وخارج الأراضي الفلسطينية، تحت المراقبة الإسرائيلية، وإمكانية مهاجمة مكتبه في المقاطعة بمدينة رام الله، لها سوابق وفعلها الإسرائيليون من قبل، في زمن الشهيد ياسر عرفات في العام 2002، والذي فرضت إسرائيل الحصار عليه، وعلى تحركاته، حتى استشهد بشكل غامض وذهب ومعه أسراره.

سعادة أبومازن كبيرة بالدعم العربي، الذي حصل عليه من اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير، فقد أيدوا خطوة الانضمام إلى 15 منظمة دولية، رغم رمزيتها، فهي اتفاقيات عن منع التعذيب، وحقوق الطفل، وعدم التمييز ضد المرأة، ولكن الرسالة قد وصلت إلى تل أبيب وواشنطن، أن البدائل أمام السلطة الوطنية عديدة، خاصة بعد النجاح الذي حققته في 29 نوفمبر 2012، بالحصول علي دولة مراقب وليست عضواً في الأمم المتحدة، ولكن لها كل الحقوق، ومنها إمكانية الانضمام إلي 63 منظمة واتفاقية دولية، وبهذا أصبحت فلسطين دولة معترف بها، لها شهادة ميلاد، كما قال أبومازن، ومن ذلك الاتفاقيات والمنظمات icc المعروفة بالمحكمة الجنائية الدولية، ويمكن للسلطة أن تمنع أي مسؤول إسرائيلي من السفر إلي أوروبا، خوفاً من تقديمه إلى المحاكمة في لاهاي، عن الجرائم التي تم ارتكابها في حق الفلسطينيين، وكلها جرائم ضد الإنسانية، ولعل بداية الدعم العربي، في رفض المطلب الإسرائيلي بالاعتراف بيهودية الدولة، وهو ما يعني ببساطة طرد مليون ونصف من عرب إسرائيل، والقضاء على حق عودة اللاجئين، والاعتراف بالرواية التاريخية لليهود، بما يعني أن الفلسطينيين ليسوا سكان تلك المنطقة الأصليين، بل إن وجودهم جاء بشكل استثنائي، وهو المطلب الذي لم تتقدم به إسرائيل إلى كل من مصر والأردن، عند توقيع اتفاقيات السلام معها، كما أن أبومازن حصل على وعود من وزراء الخارجية العرب بتوفير 100 مليون دولار، للموازنة السنوية للسلطة، إذا قامت إسرائيل بقطع مبلغ 120 مليون دولار، تقوم بتحصيلها لصالح السلطة الفلسطينية كضرائب ورسوم، بعد استقطاع مبالغ مقابل ذلك، كما وافق الوزراء أيضاً على دعم الخطوة الفلسطينية الأخيرة، بالانضمام إلي 15 منظمة دولية، والدفاع عنها في المحافل الدولية، مع تحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة لتعثر عملية السلام، بسب رفضها الالتزام بمرجعياتها، وهي إقرار مبدأ حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران، وعاصمتها القدس الشرقية، وتنفيذ تعهداتها الخاصة بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين. ولعها المرة الأولى الذي يتوافق الموقفان العربي والأميركي، خاصة بعد الانتقادات العلنية غير المسبوقة، من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وأمام أحد لجان الكونجرس، عندما حمل إسرائيل مسؤولية فشل المفاوضات، نتيجة عدم الإفراج عن الأسرى في المرحلة الرابعة، والإعلان عن بناء 700 وحدة استيطانية جديدة بالقدس.

وبعد فكما يبدو أن هناك موافقة ضمنية فلسطينية وعربية، على المسعى الأميركي، وكان هناك رفض بات من السلطة الوطنية الفلسطينية لتلك الخطوة، بمد أمد المفاوضات إلى نهاية العام الحالي، بعد أن كان مقرراً الانتهاء منها نهاية هذا الشهر، ولكن وفق مقاربة جديدة ومختلفة، مضمونها في الآتي، إذا تم التوافق على استئناف المفاوضات بداية الشهر القادم، فسيتم ذلك وفقاً لتنفيذ العديد من المطالب، في المقدمة منها، الإفراج عن 30 أسيراً، وهو عدد الدفعة الرابعة المتفق عليها، والالتزامات السابقة، ومنها وقف الاستيطان والاعتداءات، مع تخصيص ثلاثة أشهر، يتم خلالها التركيز على نقطة واحدة، بشكل مواز مع بقية القضايا، وهي الاتفاق على وضع خريطة لفلسطين، وتحديد حدودها، هذه هي المطالب الفلسطينية لاستئناف المفاوضات، ومن دونها كما قال أبومازن: «لن يكون هناك تفاوض»، مع توقع الأسوأ من الطرف الإسرائيلي، والبدايات واضحة، في قرارات نتنياهو الأخيرة ، بوقف كل الاجتماعات مع الفلسطينيين، باستثناء ما يخص تسيبي ليفني المسؤولة عن ملف المفاوضات، وكذلك اجتماعات التنسيق الأمني بين الطرفين، مع وقف التعاون الاقتصادي مع السلطة.

وبعد فالأيام القادمة حبلى بكثير من التطورات، على صعيد المفاوضات مع إسرائيل، والمصالحة الفلسطينية أيضاً، ففي نهاية هذا الشهر، ووفقاً لما قاله محمود عباس، فهناك اجتماعات للقيادة الفلسطينية، وقد تتخذ قرارات مهمة، لم يفصح عن مضمونها، في انتظار تلك الاجتماعات، ولكنها قد تؤدي إلى الدعوة إلى انتخابات نيابية ورئاسية، فلم يعد مقبولاً استمراره في الرئاسة كل تلك المدة، منذ عام 2005، وغياب المجلس التشريعي المعطل أعماله منذ عام 2007، فهو وضع وصفه أبومازن بأنه «أعرج»، يحتاج إلى قرارات صعبة.

عن قضية الأسـرى في يوم الأسير

عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية

تتعاظم أكثر من أي مرحلة مضت، مكانة الأسرى في أوساط الرأي العام الفلسطيني ... كثير من الفلسطينيين يعطون تحرير مكانة الصدارة في أولويات المفاوضات ... بل إن نسبة وازنة منهم، وفقاً لاستطلاعات أخيرة، مستعدة للقبول بتمديد المفاوضات، إن كان ثمن ذلك في المقابل، الإفراج عن مزيد من الأسرى، سيما أولئك الذي قضوا عقوداً من أعمارهم خلف القضبان ... وتقول بعض الاستطلاعات، أن تحرير الأسرى، تقدم على “تجميد الاستيطان” كشرط لاستئناف التفاوض، لدى شريحة واسعة من الفلسطينيين، والأرجح أن أسباب ذلك تعود إلى إحساس عميق بمعاناة هؤلاء وأسرهم من جهة، وإحساس أعمق بتعذر (حتى لا نقول استحالة) إرغام إسرائيل على تجميد الاستيطان أو وقفه من جهة ثانية.

خمسة آلاف فلسطيني يقبعون خلف القضبان، في ثلاثة عشر سجناً إسرائيلياً رئيساً، بعضهم مضى على اعتقاله ثلاثة عقود ... من بينهم عشرون سيدة فلسطينية، وأكثر من مائتي قاصر، لم يبلغ السن القانونية بعد، ثمانون بالمائة من السجناء والأسرى، هم من أبناء الضفة الغربية، والباقي من أبناء قطاع غزة ... عشرات منهم، لا يعرفون متى سيخرجون من قبضة الأسر، هؤلاء هم الموقوفون إدارياً، فترة اعتقالهم مفتوحة، فلا محكمة ولا أحكاما.

المفاوض الفلسطيني، بات يدرك تمام الإدراك، أن نجاحه في تحرير المزيد من الأسرى، يعني أنه سيحصل على تفويض شعبي للاستمرار بالمفاوضات ... والجانب الإسرائيلي يعرف تمام المعرفة، أن هذه “ورقة قوية” في يده، خصوصاً حين يتعلق الأمر بسجناء “نوعيين” إن جاز التعبير، من نوع: “عرب 48”، “قبل أوسلو”، “نساء وأطفال”، “قادة كبار” و”ملطخة أيديهم” ... لكل فئة من هذه الفئات “تسعيرتها” في سوق التفاوض، ووفقاً لعقلية “رهط شيلوخ”.

الوسيط الأمريكي بدوره، أدرك أهمية هذه الورقة، وهو حين يخفق في إقناع إسرائيل بتجميد الاستيطان أو “إبطاء وتيرته”، أو حين يفشل في دفعها للوفاء بواحد من التزاماتها، يهمس في آذان محدثيه من سياسيين وأمنيين: أفرجوا عن دفعة جديدة من الأسرى، ونحن نتكفل بالباقي.

لكن الغطرسة الإسرائيلية، تأبى التعامل حتى مع هذا الملف، على سهولته المفترضة ... فما الضير، سياسياً وأمنياً في الإفراج عن معتقلين، دخلوا السجون شباناً وسيغادرونها شيباً في الهزيع الأخير من العمر ... إنها الرغبة في الثأر والانتقام ... أنه الدرس “المرعب” الذين يريدون غرسه في عقول الأجيال المتعاقبة من الفلسطينيين، بجعل آباءهم “عبرة لمن اعتبر” ... إنها محاولة لزرع اليأس المقيم في النفوس والصدور والعقول، لقطع الطريق على أية بارقة أمل في حرية هؤلاء ... لأن حرية الأسرى، ستعيد الأمل بتحرير الأرض والإنسان الفلسطينيين.

وثمة من خبراء علم النفس من يقترح تفسيراً مثيراً للاهتمام للأحكام القاسية التي تصدرها المحاكم الإسرائيلية بحق المناضلين الفلسطينيين، والتي تتخطى في كثير من الأحيان، العمر الافتراضي لأطول المعمرين عمراً ... أحكام بمئات السنين الناجمة عن حاصل جمع جملة الأحكام الصادرة بموجب جملة الاتهامات ... التفسير الذي أراه منطقياً يقول: إن إسرائيل تريد أن تطمئن إلى أنها ستظل قائمة حتى تنفيذ هذه الأحكام، تماماً مثلما يفعل الخائف من “عتمة الليل وظلامه”، فتراه يكلم نفسه بصوت مرتفع، ويحدث جلبة حيثما ذهب، لإقناع نفسه، بأن “الصمت المطبق” لم يحل بعد، وأن الظلام لا يخفي شيئاً لا يعرفه.

تزايد أهمية قضية الأسرى، أمر مهم، وخطوة في الاتجاه الصحيح، فهؤلاء القابعون خلف القضبان، هم طليعة مناضلة من أبناء وبنات الشعب الفلسطيني، من حقهم علينا، ومن واجبنا نحوهم، أن نبقي قضية تحريرهم مشتعلة في النفوس وعلى رأس جدول الأعمال ... لكن خلف ذلك، هناك محاولات متعددة المصادر، تطل برأسها بين الحين والآخر، تسعى في تضخيم المسألة من أجل تفادي فتح بقية الموضوعات المعلقة مع سلطات الاحتلال ... كأن يجري إحلال قضية الأسرى، محل قضية تجميد الاستيطان .... تلكم مقاربة خطيرة ومرفوضة، لا يمكن القبول بها، حتى وإن صدرت بحسن نيّة، أو صادق عليها جمهور عريض من المواطنين الفلسطينيين ... والمؤكد من وجهة نظري، أن المعتقلين والأسرى، لا يرضون بها، وإلا لما فعلوا ما فعلوا، ودفعوا نظيراً له، سنوات “ربيع العمر”.

مَنْ بقي مع القدس
أمجد عرار – الخليج الإماراتية

كعادته كل يوم جمعة، يحوّل الاحتلال محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس المحتلة إلى ثكنة عسكرية منذ صلاة الفجر، وينشر الآلاف من عناصره في أزقة البلدة وعند بوابات المسجد، ويمنع من هم دون الخمسين عاماً من دخول المسجد لأداء الصلاة، وينشر الحواجز في كل أنحاء البلدة القديمة ومداخلها . إجراءات الاحتلال لا تقتصر على الفلسطينيين المتوجّهين إلى المسجد الأقصى، أو الفلسطينيين المسيحيين من زوار كنيسة القيامة من خارج القدس، بل تشمل المقدسيين أنفسهم خلال تنقّلهم داخل المدينة، وعلى نحو خاص في المناسبات الوطنية والدينية .

في ظل هذه الإجراءات المشددة يضطر مئات الفلسطينيين، وربما الآلاف، لأداء الصلاة عند مداخل القدس وبوابات المسجد الأقصى الخارجية، ليضيف الاحتلال الصهيوني إلى سجلات التاريخ أن هناك على هذا الكوكب من يدعي أنه "واحة ديمقراطية"، وهو يمنع الناس من أداء طقوسهم الدينية، ويضع شروطاً ومحددات عمرية لمن يحق له أداء هذه الطقوس، ويكتب على الفلسطينيين أن ينتظروا تجاوز سن الخمسين حتى يحق لهم أداء الصلاة .

تضيف "إسرائيل" إلى سجل التاريخ أن هناك احتلالاً يهاجم من يسمح لهم بدخول القدس، أثناء صلاتهم داخل المساجد، ويغرقهم بالغاز المسيل للدموع ويمطرهم بالرصاص، ويرتكب بحقهم المجازر بين الحين والآخر، وإن عدم الوسيلة والذريعة لتنفيذ مجزرة إرهابية، يتيح ل "مختل عقلياً" أن يفعلها في سبيل إشاعة الرعب في قلوب الفلسطينيين ودفعهم للرحيل .

لا تنحصر القضية في منع حرية العبادة، وهي حق أصيل لكل إنسان، بل في وجود الإنسان الفلسطيني على أرضه، حيث يدرك الاحتلال أن وجود الفلسطيني بذاته، يقف حجر عثرة أمام مشروع تهويد فلسطين بالكامل، ويعطّل استكمال المخطط الصهيوني الذي يتجاوز حدود فلسطين إلى ما بين الفرات والنيل، وهو مخطط ليس افتراضياً أو مستتراً، بل منصوص عليه ويمارس من جهات رسمية في الكيان، وما طقوس إحياء الهيكل المزعوم ونصب مجسم رمزي له على بعد أمتار من المسجد الأقصى، سوى واحد من مؤشرات المخطط التهويدي الذي يجري وسط صمت الأمتين العربية والإسلامية، فيما يتداعى أدعياء الإسلام ل "الجهاد" الداخلي فيما بين المسلمين أنفسهم، و"الثورة" و"المقاومة" بين العرب أنفسهم تحت عناوين ما أنزل الله بها من سلطان، مملوءة بالتضليل والضلال والخداع والانخداع، والبيع والشراء في سوق الذمم الخاوية .

هناك دول وجهات جنّدت نفسها لخدمة المشروع الصهيوني ومشروع الفتنة الكبرى ، وهو المخطط الأخطر على الأمة والأسهل لأعدائها لتوجه الضربة القاضية لكل ما بقي خارج مشروع التهويد والهيمنة . هناك دول وجهات لم تدفع فلساً في مقاومة احتلال فلسطين والقدس، لكنها تموّل السيارات المفخخة والاغتيالات في الأسواق العربية والمساجد والمنازل والجامعات، وإسقاط القذائف على رؤوس الأطفال ونسج الأكاذيب والأضاليل . هناك دول وجهات تستخدم آخر إنجازات التكنولوجيا لتفتيش سائح على كرسي متحرك في معابرها، لكنها تفتح حدودها لتمرير حملة الأحزمة الناسفة، وهناك من يحاكم شعراء على أحلامهم، لكنه يسخّر منابره لنشر السموم في جسد الأمة . فهل يبقى للقدس غير بعض القلوب التي ترنو لمدينة السلام، وبعض عيون ترحل إليها كل يوم؟

إخوان الأردن والبورقيبيّة: تجربتان للقراءة
مرح البقاعي-الحياة اللندنية

ما الدور الذي يفترض أن يلعبه الإسلام المدني في مسيرة المجتمعات المعاصرة؟ وهل يستعدي هذا الدور حراكاً فاعلاً وواعياً في التجديد والإصلاح لـ «المفهوم» الديني، في تجاوز حازم لـ «الوثنيّ» من هذا المفهوم؟ وما هي درجة قابلية الخطاب الإسلامي للتجديد في ظل المقولات المتشدّدة التي يعتقد أصحابها أن الإسلام، بنيوياً، دين لا يميّز بين ما هو زمني دنيوي وروحي عقائدي، وبالتالي هو غير قابل للتجديد؟ وإذا ما كان هناك بوادر للتجديد الديني الإسلامي فهل سيكون على طريقة مارتن لوثر في إصلاحه للكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر، ليقوم على أيدي رجال وعلماء دينيين، أم أن للدولة، والمجتمع، والمثقفين موقعاً في هذا التجديد؟

من البديهي القول إن الجدل الراهن القائم بين أطراف ثالوث (الإسلام - الدولة - المجتمع)، والذي تحول سريعاً إلى مواجهات فكرية وسياسية، ومؤخّراً عنفية، تجلت في ممارسات الجماعات الدينية المتطرفة التي استفحلت في سورية والعراق، إنما ينطوي على رهانات واستحقاقات لا بد من الاعتراف بها ومعالجتها من أصولها، استحقاقات تتمحور حول رؤيتنا للإسلام، وقراءتنا نصوصه، في ظل المتغيرات والتحولات العالمية.

لا تكمن المعضلة هنا في النص الديني الإسلامي، فهو نص ثابت لم يتغير منذ تدوينه، بل هي تقبع في الصلب من المجتمعات الإسلامية بوصفها امتداداً تاريخياً وثقافياً وجغرافياً للإسلام، مجتمعات نأت بنفسها عن قراءة الحالة المدنية في شريعة الإسلام، ودرجت على استحضارها كمفهوم عقائدي سياسي جامد غير قابل للعصرنة والتحديث.

إن غياب «حاسة النقد» للخطاب الديني وتراجع «الفعل الاجتهادي» في النص، هما مجتمعين ما أجّج الصدام، المتواصل أصلاً، بين الجماعات الإسلامية من جهة، والتيارات العلمانية، من جهة أخرى، الأمر الذي أودى إلى تعاظم الاحتقان الاجتماعي في ظل غياب أرضية مشتركة للحوار على المستوى «الرؤيوي» بدايةً، ومفاعيله على مستوى التطبيق السياسي، نتيجةً، أرضية تجمع فئات المجتمع كافة بجماعاته وتياراته وتنظيماته، المدنية منها والدينية، من أجل صياغة عقد اجتماعي جديد لا يبتعد عن الدين «جوهراً» ولا يتماهى فيه «فعلاً سياسياً»، بل يقف على مسافة واحدة من الأديان والمذاهب والأطياف السياسية كافة، في ظل تمكين مفاهيم الدولة المعاصرة التي أسّها ومرجعيتها «المواطنة» لا «الدين»؛ الدولة المعاصرة التي تقوم على فصل السلطات، وإطلاق الحريات العامة، وإقرار التعددية السياسية، ومداولة السلطة، وتمكين المرأة، وإحقاق التكافؤ في الفرص، ودفع عجلة العدالة الاجتماعية.

وفي ظل هكذا تحوّل «دراماتيكيّ» في علاقة الإسلام بالشأن السياسي، يغدو دور الجماعات الإسلامية - حصراً - دوراً «دعوياً» يتداول القيم الإسلامية، التي هي أصلاً قيم إنسانية وأخلاقية وضميرية، ما يمهد الطريق واسعاً للاجتهاد وتجديد الخطاب الإسلامي، ونقده، لتخليصه من الشوائب والتراكمات الزمنية، والتمكّن، تالياً، من أدوات تفعيل حركة التنوير النهضوي المرتجاة بعيداً من التجاذبات السياسية المعطِّلة.

وعليه، فإن تجديد الخطاب الإسلامي يرتبط عضوياً بعملية «دولنة الإسلام»، أي «تداول» الإسلام - سياسياً - ضمن فضائه الحيوي، الذي مساحته ضمير الفرد الشخصيّ والإدراك الجمعيّ الوجدانيّ، وذلك إثر تفكيك المفهوم الإسلامي إلى جوهره الاعتقادي الروحي الأول كونه علاقة منفردة ومتفرّدة بين الفرد والله، لا ثالث لها ولا وسيط فيها. هذا يترافق مع مواجهات نقدية ملزِمة لسياسات «أسلمة الدولة» وما تفرزه من غيبيات وإفتاءات جماعية قسرية، في ظل من الاحتقان السياسي والاصطفاف المذهبي والانقسامات العقائدية السياسية التي تضع منطقة الشرق الأوسط برمتها على حافات الهاوية!

في 1992 قامت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن بتأسيس «حزب جبهة العمل الإسلامي الأردني» كرديف سياسي للحركة، ما ساعد بصورة تدريجية على تحول الجماعة إلى جهة دعوية ومرجعية روحية لهذا الحزب، وتحوّل الحزب بدوره إلى مؤسسة مدنية وليس دينية، وتحددت مهماته في العمل لبناء المجتمع المدني وإرساء قواعد الدولة المدنية، وفي دفع التحوّل المنهجي للجماعة نحو الاعتدال والانسجام.

وفي الحديث عن الإصلاح في أروقة الدولة الإسلامية تحضرنا تجربة الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة؛ فرؤية بورقيبة الخاصّة للخطاب الديني الإسلامي التي تؤسس لإعادة تفعيل الاجتهاد، وكذا توجهاته العلمانية التي تجلّت في الإصلاحات المؤسسية التي نفّذها في السنوات الأولى للاستقلال، وفي مظاهر العلمنة والتحديث الثقافي التي تضمنها خطابه السياسي، جعلت مجتمعةً اسمه يقترن باسم الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك في تناوله قضية الإصلاح الديني في الدول الإسلاميّة. إن علاقة بورقيبة الجدلية بالدين والقضايا الإسلامية التي عالجها منذ نصف قرن، لا تزال في موقع الأخذ والرد في معظم الدول الإسلامية، وأضحت إثر أحداث 11 أيلول (سبتمبر) محور تداول عالمي. وجاء اليوم قرار المحكمة الدستورية التركية بعدم حظر حزب العدالة والتنمية الحاكم، الحزب الإسلامي المعتدل في دولة تركيا العلمانية، الحزب المنتخب ديموقراطياً من قبل الشعب، انتصاراً لما أسّس له السياسيان الرائدان.

أستعير في هذا المقام قول المفكّرالتنويري محمد عابد الجابري: «إن مستقبل التقدم الحضاري العربي والنهضة العربية، لن يتما إلا على أساس نقدي عقلي. وهذا الأساس لا يتناقض مع العاطفة القومية، ولا مع الحلم الأيديولوجي. بل على العكس، فمراجعة مفاهيمنا، ونقدها نقداً عقلانياً مستنداً إلى الواقع كما هو مُعطى، هو السبيل الوحيد الذي سيقودنا إلى تشييد حلم أيديولوجي مطابق، وإلى العمل الجدّي المتواصل من أجل تحقيقه».

فصل المقال أنه أضحى من الحتميّ في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المسألة الدينية، وتداعياتها الاجتماعية والسياسية، أن نطرح المعضلة على طاولة الحوار، ونعمل على قراءة حيثياتها وأبعادها قراءة نقدية متأنية ومعمَّقة بعيداً من الأفكار الجاهزة، ومن العصبية - دينية كانت أم سياسية -، وكذا من النظر الضيق والمفصّل على مقاس الحدث العابر لا على امتداد سيالة التاريخ الموصول، ونسعى - نتيجةً - إلى الخروج بموقف موحّد وموضوعي ومنسجم مع الذات، ما يمكّن من توحيد الإمكانات، والوصول إلى إجماع شعبي عريض لمنهجية توافقية تستوعب أخطار هذا المنعطف التاريخي وتستجيب تسارع المتغيّرات الدولية في السياسة والثقافة والاقتصاد، منهجية هي أقرب إلى «ثالوث» يتشكّل من «حراك» الحداثوي العالمي، و»مذاهنة» الثقافي العربي، و»استلهام» الديني الإسلامي.

الخليج.. مصالحة أم تهدئة؟
عبد الرحمن الراشد-الشرق الأوسط

البيان الذي نقلته وكالات الأنباء الرسمية لدول مجلس التعاون عن اجتماع وزراء الخارجية الأخير في الرياض، كتب بـ«اللغة الخليجية». أهم ما ورد فيه أنهم عقدوا «اجتماعا تم خلاله إجراء مراجعة شاملة للإجراءات المعمول بها فيما يتعلق بإقرار السياسات الخارجية والأمنية، وتم الاتفاق على تبني الآليات التي تكفل السير في إطار جماعي، ولئلا تؤثر سياسات أي من دول المجلس على مصالح وأمن واستقرار دوله، ودون المساس بسيادة أي من دوله. وفي هذا الخصوص (أكدوا) موافقة دولهم على آلية تنفيذ وثيقة الرياض، التي تستند إلى المبادئ الواردة في النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية». طبعا، يستحيل على أحد أن يفهمه دون الاستعانة بمترجم محلي، فالغموض لغتنا في الخليج التي تعتمد على الإشارات، واللبيب الحر تكفيه الإشارة.

حقا، مهمة صعبة فك الشفرة، كيف يمكن توضيح معاني: «الاتفاق على أهمية التنفيذ الدقيق لما جرى الالتزام به»، والبيان لا يقول تنفيذ ماذا، ولا على ماذا تم الالتزام.

الأكيد، أن الكويت لعبت دورا إيجابيا لوقف الانهيار داخل مجلس التعاون، آخر التجمعات الصامدة والمستقرة في المنطقة. والأكيد أن الأمور، قبل الوساطة الكويتية، كانت تنزلق سريعا نحو خلافات سيصعب حلها مع الوقت، بعد أن سحبت ثلاث دول سفراءها غضبا من قطر، وكانت عازمة على خطوات عقابية لاحقة أكثر من الرمزية الدبلوماسية.

هذا البيان المشفر يوحي لنا من كلمتي «التنفيذ الدقيق»، وجود مطالب محددة لا بد من تنفيذها، وأن هناك فريقا يقوم برصد التنفيذ. دون إذاعة ملاحق الاتفاق يبقى المجال واسعا لنا لتفسير معنى النشاطات المحرمة، والأخرى التي يمكن التسامح حيالها.

الخلاف الثلاثي، السعودي الإماراتي البحريني، مع قطر، بعضه معروف ويصرح به في الهواء الطلق، وربما أنه أهون البنود، لكن هناك إشكالات محرمة قد تنذر بالقطيعة، ومن ثم انهيار المجلس، ومعه انهيار الجبهة الخليجية.

فالخلافات العلنية بين دول الخليج عريضة بعرض خريطة منطقة الشرق الأوسط، في مصر، واليمن، وسوريا، وليبيا، وتونس، أما غير المعروفة فهي عميقة عمق السيادة نفسها!

وسواء كان «اتفاق الرياض» على «وثيقة الرياض»، مصالحة، أو تهدئة، فإن مسؤولية قيادات دول الخليج كبيرة في أن تدرك أن قيمة مجلسها لها أعظم من صناديقها الاستثمارية التريليونية، التي أسست للأيام المظلمة. وفي أوقات الرخاء يسهل العبث بالعلاقات، وتحويل الاختلافات إلى خلافات، ومباريات سياسية، لكن من يدري كيف تدلهم الأمور، ومتى تظلم الدنيا. أهمية استقرار دول مجلس الخليج ليست فقط لأهلها، بل للمنطقة عموما التي تحتاج إلى بر للأمان قادر على موازنة الأمور، ودفعها باتجاه الاستقرار. ولو أن هذه القوى، التي تبدو ضعيفة وهادئة، اتفقت ووحدت سياستها لاستطاعت تغيير المنطقة نحو الأفضل.

"القيصرالرهيب" في مواجهة ‘الغرب المهزوم’
رأي القدس العربي

في برنامج مطول الخميس، وصفه التلفزيون الروسي بأنه ‘لقاء مباشر مع المواطنين’، ظهر فلاديمير بوتين متقمصا روح ‘قيصر رهيب’، بينما كان يتحدث عن ان مدنا اوكرانية، مثل خاركيف ولوغانسك ودونيتسك وخيرسون وميكولاييف او اوديسا كانت في الماضي تابعة لامبراطورية روسيا القيصرية.
وهو ما دعا سيدة روسية من الجمهور الذي تم اختياره بعناية الى توجيه سؤال له ‘ان كان ينوي استعادة ولاية الاسكا الامريكية كما استعاد شبه جزيرة القرم؟’، وهو ما اعتبره بوتين سؤالا يستحق اجابة جدية (..)، فذكرها بأن روسيا القيصرية باعتها للولايات المتحدة بحفنة من ملايين الدولارات في صفقة جيدة لامريكا، قبل ان يوجه كلامه لها قائلا (البعض اصبح يطلق على الاسكا اسم ‘القرم الجليدية’، ورغم ذلك لماذا تريدين منا استعادة الاسكا على اي حال؟’.

واذا كان من رسالة يبعث بها هذا اللقاء الكاشف، فهي ان الذين يتحدثون عن امكانية التوصل الى صيغة من التفاهم لتطبيع الاوضاع في اوكرانيا، سيتعين عليهم قريبا ان يفيقوا من اوهامهم.

وحسب نص تصريحات بوتين فان الميزانية الروسية لم تتكلف الا جزءا بسيطا من ‘احتياطي الطوارئ’ البالغ نحو مائتي مليار روبل (نحو ستة مليارات دولار)، لتلبية احتياجات القرم الاقتصادية، وهو واثق ان القرم على المدى البعيد سيمثل مصدر دخل اضافي للاقتصاد الروسي، خاصة بعد تنفيذ مشروع ربطه بريا بـ ‘الوطن الام’ اما عبر نفق او جسر.

وبصياغة اخرى لكلام بوتين: فان روسيا قادرة على تحمل الاعباء الاقتصادية لضم اوكرانيا بالكامل، وليس القرم فقط.
ويبدو ان الغرب الذي يسعى الى اتخاذ اوكرانيا ساحة للمواجهة مع ‘طموحات’ بوتين الامبراطورية، يدخل معركة خاسرة، حيث انه لا يستطيع ان ينزعها عن محيطها ‘الاوراسي’ الطبيعي، ناهيك عن ان يخاطر بصراع عسكري مع روسيا في حديقتها الخلفية.
وبالرغم من قرار الناتو بتعزيز قدراته العسكرية في شرق اوروبا، فان هذا يبقى ضمن الخطوط الحمراء للعبة التي رسمها بوتين ايضا، عندما شدد على ان نشر اي صواريخ قرب اوكرانيا سيمثل ‘تغييرا جيوسياسيا يستوجب ردا حازما من روسيا’.
وفي لهجة لا تنقصها ‘عجرفة القياصرة’ قال ان اوروبا تعتمد على الغاز الروسي لتلبية نحو خمسة وثلاثين في المئة من احتياجاتها من الطاقة، وان هذه النسبة ترتفع الى نحو سبعين في المئة في حال بعض البلاد الاوروبية. واكد انه سيكون ‘من الصعب عليهم الاستغناء عن الغاز الروسي’.

اما الاتفاق الذي وقعته الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي مع روسيا الخميس بشأن اوكرانيا، فمن الواضح انه يهدف الى ايجاد مخرج للغرب من مأزقه، وليس حلا لازمة اوكرانيا، اذ انه يتيح لروسيا الافلات من عقوبات جديدة لكنه لا يبعد مخاطر تصعيد النزاع.
ورغم ان الاتفاق ينص خصوصا على نزع سلاح المجموعات المسلحة المؤيدة لروسيا، واخلاء المباني المحتلة في المدن الاوكرانية الا ان الوضع على الارض بدا دون تغيير يذكر الجمعة.
بل ان الرئيس الامريكي باراك اوباما نفسه قال انه لا يملك اي تكيد على ان هذا الاتفاق سيتيح تخفيف التوتر على الارض. واشار الى انه في حال الفشل سيتم توقيع عقوبات امريكية واوروبية جديدة على موسكو.

وهو تهديد لم يتردد بوتين في الرد عليه بتهديد ضمني لكن شديد الوضوح بارسال قوات روسية الى اوكرانيا.
الواقع ان الغرب المهزوم سلفا في هذه المواجهة يحتاج الى قدر من شجاعة الاعتراف بالواقع، والخيال السياسي لتطوير خطابه ومواقفه لتتناسب مع زمن ما بعد ‘الاحادية الامريكية والفتوحات العسكرية’ التي اثمرت كوارث حقيقية من افغانستان الى العراق الى ليبيا، في ظل معطيات استراتيجية جديدة اعادت رسم خريطة موازين القوى.

اما بوتين فان خطابه ‘الامبراطوري’ ربما ينجح في دغدغة مشاعر القوميين الروس، او تصدير ازماته الى الخارج بحرف انظار الشعب الروسي عن تفاقم الازمات الاقتصادية والمعيشية، لكنه لن يستطيع ان يعيد عجلة الزمن الى الوراء.
اما العالم العربي المتصدر لمقاعد المتفرجين امام هذه التحولات الاستراتيجية الدولية الكبرى، فيفتقد ماكينة دبلوماسية كفوءة قادرة على ترجمتها الى مكاسب سياسية للقضايا العربية.

وبالنظر الى ملامح الخريطة الاستراتيجية متعددة مراكز القوى، تبرز مكانة تكتلات سياسية واقتصادية متعاظمة من الصين للهند وجنوب شرق اسيا وروسيا في مواجهة اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الاوروبي، بينما يبدو العالم العربي للاسف كبقعة من الدماء، او كثقب اسود من التخلف والديكتاتورية والحروب الطائفية.