المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 05/05/2014



Haneen
2014-06-03, 12:56 PM
في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
أبو مازن على خطى ياسر عرفات
بقلم: عبدالإله بلقزيز عن صحيفة الخليج الإماراتية
كلام خارج الموضوع
بقلم: عوني صادق عن صحيفة الخليج الإماراتية
اتجاهات الرأي العام الفلسطيني نحو مفاوضات السلام
بقلم: خالد وليد محمود عن صحيفة الرأي الأردنية
المصالحة الفلسطينية: اتفاق الأمر الواقع
بقلم: سلام السعدي عن صحيفة العرب اللندنية
يريدونها (حماسستان)
بقلم: هيثم العايدي عن صحيفة الوطن العمانية
أميركا تعاقب 35 دولة
بقلم: د. فهد الفانك عن صحيفة الرأي الأردنية
حمص «أول الثورة» ... و«آخرها»
بقلم: عريب الرنتاوي عن صحيفة الدستور الأردنية
السيسي والحملة على حملته!
بقلم: محمد صلاح عن صحيفة الحياة اللندنية
الانتخابات العراقية والناخب الإيراني
بقلم: خيرالله خيرالله عن صحيفة العرب اللندنية
الانتخابات في العراق: لعبة ثانوية لإعادة إنتاج التوازنات
بقلم: الوليد خالد يحي عن صحيفة العرب اللندنية
الأشرطة المسربة وراء تنحى الشيخ حمد؟
بقلم: عبدالله ناصر العتيبي عن صحيفة الحياة اللندنية
انفجار الدولة القُطْريّة
بقلم: بدر الإبراهيم عن صحيفة العربي الجديد
يا أهلنا في قطر: فلنحذر الخطر
بقلم: إدريس الدريس عن صحيفة الوطن السعودية

















أبو مازن على خطى ياسر عرفات
بقلم: عبدالإله بلقزيز عن صحيفة الخليج الإماراتية
ما زالت اندفاعة محمود عباس السياسية الجريئة تُفصح عن مواقف وطنية تصحيحية في غاية الأهمية، منذ قَلَب الطاولة على ابتزازات "إسرائيل" معلناً انضمام فلسطين إلى المعاهدات الدولية، وفي القلب منها معاهدة جنيف، ومكرساً فلسطين دولة تحت حماية الأمم المتحدة، طبقاً لمقتضيات القانون الدولي . طلب منه الأمريكيون أن يتريّث قليلاً، وأن لا يذهب بعيداً إلى الحد الذي يعلن فيه عن قيام الدولة من جانب واحد، وأن يترك للتفاوض مكاناً . رد بأنه يُمهل التفاوض حتى الثالث والعشرين من إبريل/نيسان . في الوقت عينه، كان يفتح ملف الوحدة الوطنية، فينجز اتفاق التفاهم مع "حماس" على إنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات . عادت الدولة الصهيونية إلى ابتزازاتها، فخيرت محمود عباس بين "السلام" معها أو "السلام مع حماس" (أي الوحدة الوطنية)، فاختار الوحدة الوطنية: العصفور الذي في اليد لا العشرة التي على الشجرة .
مرة أخرى يعود الأمريكيون، بعد أن أبدوا امتعاضاً من لقاء غزة، إلى الضغط على رئيس السلطة للعودة إلى المفاوضات، لئلا يخسروا دورهم في الملف الأهم من ملفات المنطقة . لم يرفض رئيس السلطة العرض، لكنه اشترط وقف الاستيطان كلية، وإطلاق سراح الأسرى، معلناً في الوقت عينه رفضه الاعتراف ب"إسرائيل" دولة يهودية .
وهكذا، ثانية، يرد صاع الدولة الصهيونية وحاميها الأمريكي صاعيْن، مجدداً التعبير عن موقف وطني أصيل: إرادة الشعب الفلسطيني غير قابلة للكسر .
موقف محمود عباس الوطني ليس مفاجئاً لمن يعرفه، فوطنية الرجل، وتمسكه الدائم بحقوق شعبه وبالثوابت الوطنية التي أجمع عليها الشعب والحركة الوطنية، مما لا شبهة فيهما أو مطعن عليهما . المفاجئ هو أسلوبه، حيث معدّل الجرأة والحزم فيه أعلى، هذه المرة، من أي مرحلة في السابق، منذ تولى المسؤولية كرئيس للحكومة، في عهد الشهيد ياسر عرفات، وانُتخب رئيساً للسلطة عقب رحيل الأخير . فلقد عُرف "أبو مازن" باعتداله الشديد في المواقف، وفي أسلوب التعبير عن المواقف، على نحو خالف فيه أقرانه من قادة منظمة التحرير ومن قادة "فتح" التاريخيين . وعُرِف عنه أنه رجل سلام، وأنه يذهب في رؤيته إلى هذا السلام إلى حدود إعلانه القاطع برفض أسلوب الكفاح المسلح، أو ما كان يُطلق عليه، هو نفسه، اسم "عسكرة الانتفاضة"، والرهان على المفاوضات مع "إسرائيل" خياراً وحيداً لاستعادة الحقوق الوطنية .
وحين كان يُسأل عن البديل فيما إذا فشل التفاوض، كان يجيب أن البديل هو المزيد من التفاوض . وهو فاوض "الإسرائيليين" منذ توليه السلطة قبل تسع سنوات، بل هو فاوضهم منذ العام 1993 في أوسلو، من دون أن يكل أو يتبرّم، حتى ظن الجميع أن لا فائدة تُرجى من خيارات الرجل . ولكن ها هو يفاجئنا جميعاً بتغيير أسلوبه . وأسلوبه تغيّر فعلاً إلى درجة أن الرجل الذي كان يعلّق على يهودية الدولة بالقول إن في وسع "إسرائيل" أن تسمي دولتها بما تشاء من التسميات، بات يجاهر برفض تعريفها دولة يهودية . ربما قطع أبو مازن الشوط عينه الذي قطعه أبو عمّار: من إعطاء التفاوض فرصة، والتعويل عليه خياراً، إلى اكتشاف عبثيته ولا جدواه، ومكاسب "إسرائيل" منه، وصولاً إلى إعلان فشل الرهان عليه . ولكن بينما فعل ذلك الشهيد ياسر عرفات في "مفاوضات الوضع النهائي"، في كامب ديفيد الثانية (يوليو/تموز 2000)، قالباً الطاولة على باراك وكلينتون، وذاهباً إلى الرهان على الانتفاضة الشعبية ( سبتمبر/أيلول 2000) وعلى المقاومة المسلحة (إطلاق "كتائب شهداء الأقصى" من جوف "فتح"، ودعم فصائل المقاومة، وتحويل بنادق الأجهزة الأمنية نحو الاحتلال)، اكتفى أبو مازن بإعلان عقم المفاوضات، والتوجه إلى الأمم المتحدة لإنصاف شعبه في حقوقه . وليس من جُناح على أبي مازن إن هو لم يسلك مسلك ياسر عرفات، ولم يذهب في نفس خط خياراته الوطنية الراديكالية، يكفيه أنه ظل متمسكاً بالثوابت الوطنية ولم يتنازل عنها، وأنه لجأ إلى الأمم المتحدة مستجيراً بمظلتها من ضغوط الولايات المتحدة، وأنه عاد إلى خيار الوحدة الوطنية بعد تجربة مريرة من الانقسام . .، وما ذلك بالقليل .
لقائل أن يقول إن محمود عباس ما كان ليُقدم على هذه الخطوات الجريئة لولا الموقفين المصري والعربي، حيث رعت مصر المصالحة الوطنية ورفضت الدول العربية فكرة الدولة اليهودية في اجتماع مجلس وزراء خارجية دول الجامعة العربية . لا ينتقص ذلك من قدْر أبي مازن، بل يؤكد أصالته، فالقائد الوطني الناجح هو من يستثمر المتغيرات لصالحه قصد تعزيز موقفه، ومن يتجاوب مع محيطه الحاضن في قراراته السياسية . ولم يفعل أبو مازن، هنا، سوى أنه أكد مرة أخرى ارتباط قضيته الوطنية بالمحيط والمصير العربيين . وعسى أن يستمر في هذا الاتجاه الجديد مقاوماً الضغوط الدولية عليه.

كلام خارج الموضوع
بقلم: عوني صادق عن صحيفة الخليج الإماراتية
مر يوم 29 إبريل/ نيسان كأي يوم آخر، وانتهت "مفاوضات التسعة أشهر" التي أرادها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للتوصل إلى "اتفاق سلام" ينهي "الصراع" على أساس "حل الدولتين" . وجاءت المصالحة بين حركتي (فتح) و(حماس) ليتخذها بنيامين نتنياهو ذريعة لوقف المفاوضات، التي كانت قد توقفت قبل ذلك لعدم التزام الحكومة "الإسرائيلية" بإطلاق سراح الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى الفلسطينيين .
ولم يكن أحد صادق النية في حاجة إلى "مفاوضات التسعة أشهر" ليعرف عقم وعبثية هذه المفاوضات وفشلها الحتمي، لأن عشرين سنة من المفاوضات سبقتها وأثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أو لتجربة جديدة كان لا بد أن تنتهي إلى الفشل . ذلك لأنه بات واضحاً لكل من يريد معرفة الحقيقة، أن القيادات الصهيونية، وكذلك الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة، لم ولن تعترف باختيارها بالشعب الفلسطيني أو بأي من حقوقه في وطنه، وهي بالتالي لا تريد ولا تسعى إلا إلى استكمال اغتصاب فلسطين كلها، وهي تفهم السلام أنه استسلام الشعب الفلسطيني لأطماعها التوسعية المستندة إلى منطق القوة العارية .
اليوم، وبعد فشل "مفاوضات التسعة أشهر" وتوقفها، لا نرى تغييراً حقيقياً لدى أي من الأطراف المعنية بما يسمى "عملية السلام في الشرق الأوسط" . أمريكياً، وزير الخارجية جون كيري، رغم انحيازه المطلق للموقف "الإسرائيلي" أثناء المفاوضات، اضطر أن يحمل الحكومة "الإسرائيلية" مسؤولية فشل المفاوضات، ليعود ويلحس كلامه ويضع المسؤولية على الطرفين "الإسرائيلي" والفلسطيني، بعد أن شن اللوبي الصهيوني حملة شعواء عليه . وبعد أيام من تراجعه ذاك، عاد ليحذر "الإسرائيليين" بأن سقوط "حل الدولتين" سيحول "إسرائيل" إلى "نظام فصل عنصري"، ليعود مرة أخرى ويعلن ندمه بعد حملة صهيونية جديدة عليه . وفي آخر ما صرح به كيري، دعا إلى "وقفة لتقييم ما حدث في المفاوضات، وللبحث عن سبل العودة إليها لتطبيق حل الدولتين" .
"إسرائيلياً"، مع التذكير بأن فترة "مفاوضات التسعة أشهر" لم تكن فرصة للبحث عن السلام، بل كانت فرصة لتسريع عمليات الاستيطان ومصادرة الأرض وبناء المستوطنات، عادت أصوات وزراء وأعضاء كنيست، وقادة حزبيين وعسكريين، لتطالب بضم الضفة الغربية وتطبيق القانون "الإسرائيلي" عليها، وترسيم الحدود من طرف واحد . ويرى خبراء أن حكومة نتنياهو قد تفعل ذلك وتضم الجزء الأكبر من الضفة، ويبدو ذلك واضحاً من إعلان نتنياهو أنه يسعى لسن قانون أساسي في الكنيست يعتبر "إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي" ! في الوقت نفسه يتواصل بناء المستوطنات، وتستمر مصادرة الأرض، وبحسب "مكتب الإحصاء المركزي الفلسطيني"، في تقرير أصدره في مناسبة "يوم الأرض- 30 آذار"، فإن 85% من أرض فلسطين أصبحت في يد سلطات الاحتلال، وتجري المطالبة اليوم بضم ما يعرف المنطقة (ج)، وإذا حدث ذلك فلا يبقى من الأرض في أيدي أصحابها سوى حوالي 10% فقط، ليطرح التساؤل عن معنى "حل الدولتين" .
بعض الصحافة والصحفيين في الكيان الصهيوني، يعترفون بأن نظام الفصل العنصري قائم في بعض المناطق الفلسطينية التي تقع في قبضة سلطات الاحتلال، ويحذرون من أنه سيصبح كاملاً في كل "إسرائيل" في حال إسقاط "حل الدولتين" . لكن هذا البعض لا يوضح كيف يمكن تحقيق "حل الدولتين" بدون الانسحاب إلى حدود ،1967 ولا يقول كيف يمكن، ومن هو الذي يستطيع أن يقنع الائتلاف "الإسرائيلي" الحاكم، أو يفرض عليه هذا الحل، إذا كانت الولايات المتحدة فشلت في فرض إطلاق سراح 26 أسيراً كان يجب أن يطلق سراحهم منذ سنوات طويلة، ولا كيف يمكن إخلاء مستوطنات أصبحت تسيطر على أكثر من 60% من أراضي الضفة، يقطنها أكثر من نصف مليون مستوطن . من ناحية أخرى، من قال إن الائتلاف الحاكم، والطبقة الحاكمة، "الإسرائيليين" يريان مثل هذا النظام؟ إنهما لا يريان سوى "تهمة" لا أساس لها في الواقع، وأن ما يريدان "دولة يهودية وديمقراطية" .
فلسطينياً، رغم فشل "مفاوضات التسعة أشهر"، وفشل مفاوضات عشرين عاماً قبلها، واعتراف السلطة الفلسطينية وأنصار المفاوضات بفشلها، وبأنها كانت "عبثية" ولم تقربهم من هدف "إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية"، رغم ذلك فالسلطة الفلسطينية لا تزال تتمسك بسياساتها القائمة على المفاوضات و"حل الدولتين" . ومؤخراً فقط، قررت الانضمام إلى "المنظمات الدولية" متجنبة المنظمات المهمة منها، ومستمرة في دعوة "المجتمع الدولي" إلى فرض الحل، وكأنما لا تكفي 65 عاماً لتظهر فشله أو عجزه عن تطبيق قرار واحد مما يسمى "قرارات الشرعية الدولية" الخاصة بالقضية الفلسطينية .
إن التمسك بالمفاوضات كأسلوب وحيد، والمراهنة على يوم تفرض فيه الولايات المتحدة، أو "المجتمع الدولي"، على الكيان الصهيوني "حلا عادلا" للقضية الفلسطينية، لم يعد، بعد الآن، مجرد "وهم" يسيطر على عقول البعض، بل أصبح "وصفة" ممتازة للتفريط بالحقوق، تحت أسماء زائفة تدعي الدفاع عن الحقوق . حتى "الوحدة الوطنية" في ظل هذه الوصفة، لا تخدم إلا المخطط التصفوي نفسه، لأن الوحدة الوطنية الحقة، لا بد أن تبدأ فوراً بالعودة إلى مبادئ ما قبل "أوسلو"، بإسقاط المفاوضات وفتح طريق المقاومة واسعاً، وعندما تعطي "السياسة الجديدة" بعض ثمارها يصبح ممكناً الحديث عن مفاوضات .
إن استمرار الحديث عن المفاوضات و"المجتمع الدولي" و"قرارات الشرعية الدولية" خصوصاً عن "حل الدولتين"، في ضوء الممارسات "الإسرائيلية" والمواقف الدولية، ليس إلا كلاماً خارج الموضوع.

اتجاهات الرأي العام الفلسطيني نحو مفاوضات السلام
بقلم: خالد وليد محمود عن صحيفة الرأي الأردنية
لطالما قلنا أن شروط نجاح وزير الخارجية الامريكي جون كيري في مسعاه للوصول إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ليست متوافرة، وأن الزيارات السابقة التي جاءت من أجل إحياء «عملية السلام» وبث الحياة في عروقها المتيبسة والتي–فاقت عشر جولات بالشرق الأوسط في موازاة مئات الساعات من المشاورات مع قادة الجانبين- جوبهت برد إسرائيلي اجهضت مبادرة كيري حتى قبل أن تبدأ ولطالما كررنا وقلنا إن أحد أهم شرطين لنجاح جولات كيري، تتمثل في وجود قيادة إسرائيلية، تقبل بمرجعيات عملية السلام والوفاء باستحقاقاتها، وهذا ليس متوفراً تمامًا في (إسرائيل) التي ينزاح مجتمعها نحو اليمينية والتطرف، والشرط الثاني يتمثل في وجود إدارة أمريكية قادرة على الضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل دفعها لتقديم تنازلات للقبول وهذا الشرط غير متوافر أيضًا. ولهذا فإن مسعى كيري لم ولن يكتب له النجاح وكل ما سيبذله لن يخرج عن سياسة «العلاقات العامة»، لهذا حمّل إسرائيل المسؤولية الرئيسية لتعثر مفاوضات السلام. رغم أنه كان منحازًا في كل جولاته ومحادثته للجانب الاسرائيلي، فغالبية الرأي العام الفلسطيني وبحدود 89% ترى بأنّ «اتفاق الإطار» الذي يُروّج له وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري يصبُّ في مصلحة إسرائيل. وفي المقابل، يعتقد 3% فقط، أنّ هذا الاتفاق يخدم مصالح الفلسطينيين. هذا ما أُظهره تقرير «اتّجاهات الرأيّ العامّ الفلسطينيّ نحو مفاوضات السلام والمصالحة الوطنية» الذي أعلن نتائجه المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات بتاريخ 23 نيسان/ أبريل 2014.ويُعد هذا التقرير جزءًا من استطلاع الرأي العام الفلسطيني الذي نفَّذه المركز العربيّ في إطار المؤشّر العربيّ لعام 2014. وقد أظهرت نتائج التقريرتوافق الرأي العامّ الفلسطيني على أنّ «اتفاق الإطار» يصبُّ في مصلحة إسرائيل، سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
الجدير ذكره أن المركز العربيّ للأبحاث أنجز استطلاع المؤشّر العربيّ لعام 2014 في فلسطين خلال الفترة 24 كانون الثاني/ يناير 2014–2 شباط/ فبراير 2014،من خلال إجراء مقابلات «وجاهيّة»، مع عيّنة من 1520 مستجيبًا في كل من الضفة وغزة،وذلك باستخدام العيّنة العنقوديّة الطبقيّة مُتعدّدة المراحل المُنتظمة والموزونة ذاتيًّا والمُتناسبة مع الحجم. وبذلك، فإنّ نسبة الثقة في هذا الاستطلاع تبلغ 97.5%، وبهامش خطأ 2%.
ويُعدُّالمؤشّر العربيّ استطلاعًا سنويًّا يقوم المركز العربيّ بتنفيذه في البلدان العربيّة؛ بهدف الوقوف على اتجاهات الرأي العامّ العربيّ نحو مجموعة من الموضوعات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة، بما في ذلك اتجاهات الرأي العامّ نحو قضايا الديمقراطية والمشاركة السياسيّة والمدنيّة وتقييم المستجيبينلمؤسسات دولهم.
وأظهرت نتائج الاستطلاع أيضًا أنّ ثمة شبه إجماع بين الفلسطينيّين على رفض تقديم تنازلات؛ مثل الاعتراف بيهوديّة الدولة، أو القبول بالتعويض بدلًا من حق العودة، أو تبادل الأراضي، أو إبقاء سيطرة إسرائيل على المنافذ البريّة والبحريّة والجويّة، وغيرها من الموضوعات التي اعتاد الإسرائيليون على طرحها كشروط لتحقيق اتفاق سلام نهائي. ويعكس هذا، وبشكلٍ جليّ، أنّ الرأي العامّ الفلسطيني يرى أنّ الشروط الإسرائيلية تمسُّ حقوقه وثوابته الوطنية، وهو بذلك يرفض هذه الشروط بشكلٍ واسع.
الحقيقة التي يتماهى معها هذا الاستطلاع أنه وبعد ست عشريات من السنين هي أن (إسرائيل) لم تتغير وأنها ليست ناضجة للسلام واستحقاقاته وكل ما تريده عندما يقول نتنياهو بأنه مستعد للمفاوضات يعني استمراراً للاحتلال والعدوان العسكري ولخطط توسيع الاستيطان، وتهويد القدس والمقدسات وتقطيع الأوصال، وفرض الحقائق على الأرض التي تجعل إقامة دولة فلسطينية أبعد مع كل إشراقة شمس جديدة!
وكل تصريحات متفائلة يدلي بها كيري لن يغير أي شيء على أرض الواقع، خصوصاً أن الفلسطينيين ليس بمقدورهم تغييره أو تعديله الآن دون توفير شروط تسمح بإطلاق عملية سلام تكون مرجعيتها إنهاء الاحتلال، وهذا مسار يبدأ بالاتفاق على برنامج وطني فلسطيني مشترك ويحفظ الحقوق الوطنية، ولا ينتهي فقط بالاتفاق على أسس وأشكال المقاومة ومرجعيتها.
جولات كيري أثبتت فشلها و لم تحقق أيا من أهدافها، وهي مهمة لم تحقق تقدماً في المسار السياسي الذي سيبقى مسدوداً نتيجة سياسات وممارسات حكومة الاحتلال، وستكون في نهاية المطاف سراباً ووهماً كالمفاوضات السابقة، ولن تحقق أماني وأحلام الشعب الفلسطيني بالعودة والحرية والاستقلال وإقامة الدولة المستقلة في حدود عام 1967، خصوصاً في ظل الانحياز الأمريكي الكامل لـ(إسرائيل) وسياستها العدوانية!

المصالحة الفلسطينية: اتفاق الأمر الواقع
بقلم: سلام السعدي عن صحيفة العرب اللندنية
بدا طرفا الانقسام الفلسطيني، حركة فتح في الضفة الغربية وحركة حماس في غزة، على يقين بإنهاء الانقسام المرير بينهما وهما يعلنان التوصل لاتفاق المصالحة الوطنية. مع ذلك يشك معظم الفلسطينيين في إمكانية نجاح الاتفاق، مرجحين أن يكون هشاً ودعائياً كجميع الاتفاقيات التي سبقته.
لكنه يوم للتفاؤل على أية حال، خصوصاً بعد أن وصلت القضية الفلسطينية إلى طريق مسدود، بل ربما إلى حافة الهاوية. إذ انسدت آفاق النضال ضد الدولة الصهيونية، وتشوشت الرؤية السياسية لعموم الفلسطينيين الذين تاهوا في غابةٍ كثيفة من الأسئلة المتداخلة: ما هو برنامج المشروع الوطني الفلسطيني اليوم؟ من أجل أية أهداف يناضل؟ ما هي أشكال النضال في المرحلة القادمة؟ هل تكفي المقاومة الشعبية لدحر الدولة الصهيونية التي تشبه الثكنة العسكرية أكثر مما تشبه الدولة؟ كيف يمارس الفلسطينيون العمل المسلح في حال اعتنقوه كشكل نضالي؟ وغير ذلك من الأسئلة غير المنتهية، تاه الشعب الفلسطيني في خضمها، وزاد الانقسام بين فصيليه الرئيسيين من حالة التيه والضياع.
كما أنه يوم للتفاؤل بإمكانية استعادة ترابط الضفة الغربية وقطاع غزة، بعد مرور سبع سنوات كاملة على الانقسام، وهو وقت طويل جداً وكفيل بتكريس الانقسام كأمر واقع لا يمكن إنهاؤه، ما دفع الفلسطينيين للتشاؤم بإمكانية توحيدهما من جديد. القادة الفلسطينيون بدورهم وإن كانوا يمارسون في السنوات الماضية ما يؤكد تكريس الانقسام، لكنهم يقولون اليوم بأنهم جادون فعلاً في إنهائه، بل هو قد انتهى بالفعل ولم يتبقّ سوى تطبيق بنود اتفاق المصالحة الموقع حديثاً، فهل الأمر بهذه البساطة؟
في مؤشر هام على جدية الطرفين في السير قدماً باتجاه المصالحة، أقامت حركة حماس جنازة لشهيدين في الضفة الغربية كان قد تم تسليم جثمانيهما من قبل الدولة الصهيونية. ويعتبر هذا النشاط هو الأول من نوعه منذ حدوث الانقسام، وتدل طبيعته الشعبية على أن العلاقة بين حركتي فتح وحماس قد تطورت بشكل كبير، ووصلت إلى نوع من الثقةً. إذ شارك في الجنازة نحو ستة آلاف فلسطيني، معظمهم من أنصار حركة حماس، وجابوا شوارع مدينة رام الله من دون أن تمنعهم الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي اعتادت ملاحقتهم.
ويمكن إجمال الأسباب التي دفعت حركة حماس نحو المصالحة بازدياد وطأة الحصار الاقتصادي الذي تعيشه الحركة في القطاع المهدد بالحرب والدمار بصورة مستمرة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. وخصوصاً بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، وملاحقة قياداتهم، وتلاشي الأوهام بانبعاث الخلافة الإسلامية من جديد في المنطقة العربية.
هكذا، ضربت حركة حماس أزمة جفاف مالي غير مسبوقة في تاريخها، إذ قطعت الحكومة المصرية الجديدة الشريان الاقتصادي لقطاع غزة، أي الأنفاق تحت الأرض الواصلة بين غزة وسيناء، وهو ما تسبب بخسائر كبيرة جداً لمختلف الأنشطة الاقتصادية في القطاع، وخصوصاً للأنشطة الحكومية. وضاعف ذلك من الأزمة الاقتصادية التي تضرب حكومة حماس، والتي تسببت دوماً في تأخير صرف رواتب العاملين لديها، فضلاً عن ارتفاع مستويات الفقر ومعدلات البطالة.
كما تعاني حركة حماس من عزلة سياسية بعد أن تدهورت علاقتها مع حلفائها التقليديين، سوريا وإيران وحزب الله، وذلك بسبب موقفها المتعاطف إلى حد ما مع ثورة الشعب السوري، أو غير الداعم على أقل تقدير لنظام الأسد.
بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، فقد أثبتت في السنوات الماضية أنها باتت أسيرة لمصالحها الضيقة التي عززت الأوهام حول تحقيق التسوية مع الدولة الصهيونية، فيما كانت تلك الأخيرة تواصل توسعها الاستيطاني وقضم مزيد من الأراضي الفلسطينية. ويبدو اليوم أن تلك السلطة، أو أحد أطرافها، قد يئست من السير وراء وهم التسوية، خصوصاً بعد العناد الإسرائيلي لتجميد الاستيطان في ظل المفاوضات. ويظهر هذا اليأس من اتجاه الدبلوماسية الفلسطينية إلى إجراءات دولية جديدة للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، كتفعيل عضوية فلسطين في المؤسسات الدولية، والإعلان عن الانضمام باسم دولة فلسطين إلى 15 اتفاقية ومعاهدة دولية، وفي هذا السياق تأتي أيضاً مساعيها لإتمام المصالحة مع حركة حماس.
في حقيقة الأمر، شكلت الظروف المحلية والإقليمية والدولية ضغوطاً كبيرة على حركتي فتح وحماس من أجل توقيع اتفاق المصالحة. غير أنه لا ضمانة حقيقية لالتزام الطرفين بتنفيذ بنود الاتفاق مع تغير تلك الظروف، أو حدوث ضغوط مفاجئة على أحدهما لإيقاف العمل على إنهاء الانقسام.

يريدونها (حماسستان)
بقلم: هيثم العايدي عن صحيفة الوطن العمانية
ما استفاد من انقسام الفلسطينيين منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في يونيو 2007 أحد بقدر ما استفادت اسرائيل ومن ورائها الداعم الرئيسي في واشنطن حتى بات تكريس قطاع غزة كمصدر تهديد للأمن العالمي هو الشغل الشاغل للسياسة الاسرائيلية .. وما معارضتهم لاتفاق الفلسطينيين الأخير على المصالحة الا تكريس لأملهم في بقاء غزة قابلة لأن يروجوا لها على أنها (حماسستان).
ولم يكن من باب التنجيم وقراءة الطالع أن يستبق أستاذ التاريخ بجامعة هارفارد نايل فيرجسون انفصال غزة عن الضفة بالتنبؤ في أسلوب ساخر بأن يتركز الصراع بالشرق الاوسط على 3 دول هي اسرائيل و(حماسستان) في اشارة إلى قطاع غزة ومعهم الضفة التي اسماها (فتح لاند).
فقد كتب فيرجسون في الصنداي تليجراف يقول “منذ فترة وأنا أحذر من أن الحرب الكونية العظمى القادمة ستبدأ في الشرق الأوسط”.
ويشرح ذلك قائلا: “إن خطة السلام القادمة للشرق الأوسط سيتعين أن تكون حلا يقوم على ثلاث دول: إسرائيل، وحماستان، وفتحلاند”.
وفور تحقق نبؤة فيرجسون مثل الانقسام الذي وصفته حركة فتح وقتها بـ(الانقلاب) فيما اعتبرته حماس (حسما عسكريا) طوق نجاة لحكومة الاحتلال التي كانت لتوها غارقة في أتون أزمة بعد الاذلال الذي لحق بها في أعقاب حرب لبنان 2006.
فقد ساعد هذا الانقسام الحكومة الاسرائيلية على امتصاص غضب الاسرائيليين وذلك بتوجيه الرأي العام نحو ما وصفوه بـ(الخطر الأصولي).
ومن يومها تعاملت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مع قطاع غزة بطريقة تشبه أواني الطهي التي تعمل بالضغط فكلما اشتد الغليان داخل القطاع وأوشك على الانفجار جراء الحصار الاسرائيلي يشرع الاحتلال في اجراء يكون بفتح معبر أو ضخ وقود لتنفيس الأوضاع وإبقاء الوضع في غليان دون انفجار.
وبدعم اميركي واضح وضع الاحتلال كل السبل التي تجعل من قطاع غزة بيئة حاضنة للتطرف سعيا منهما لجعله سجنا كبيرا لكل من يشكل خطرا على مصالحهما وأيضا ساحة لتدريب الطيران الحربي بغارات بين فترة وأخرى بل وايضا ساحة لتدريب القوات البرية على اجتياحات كانت تتم بصورة شبه سنوية متذرعة بصواريخ لا يتعدى تأثيرها الفرقعة في الهواء أو كما يرى الاسرائيليون انفسهم أنها تؤدي إلى (الترويع).
ومن المفارقات أن يقود المهددون بقطع المساعدات الأميركية عن أية حكومة فلسطينية تضم حركة حماس مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى آن باترسون التي كانت سفيرة واشنطن في القاهرة خلال حكم جماعة الإخوان وكانت من أشد المؤيدين والداعمين للجماعة حتى الثواني الأخيرة من وجودها في السلطة بل وأيضا بعد عزلهم منها.
فباترسون ـ التي شاهدت بل وباركت قيام جماعة الإخوان بإراحة اسرائيل من مسؤولياتها كقوة احتلال مسؤولة عن توفير احتياجات سكان قطاع غزة ـ قالت في جلسة استماع في مجلس النواب الأميركي “لن تذهب أية أموال من الحكومة الأميركية إلى أية حكومة تضم حماس، إلا إذا قبلت حماس بشروط الرباعية، وهي نبذ العنف والاعتراف بالاتفاقيات السابقة، والأهم الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود”.
فأين كان هذا الحرص الذي أبدته باترسون على عدم إشراك حماس في الحكومة الفلسطينية عندما كانت ترى زيارات لقادة دول بعينها يدخلون غزة ببروتوكولات لا تتم الا بين الدول وأين كان حرصها عندما كانت تأتيها في مكتبها بالقاهرة في ذلك الوقت ملخصات لما تنشره وسائل الإعلام المصرية عن منطقة تجارة حرة يجري الإعداد لها بين نظام الإخوان في مصر وحركة حماس الا اذا كان عدم ابدائها مجرد استفسار عن صحة هذه التقارير يأتي من منطلق أن كل هذا يعزز من الانقسام ويكرسه.
ان الانقسام الفلسطيني لم تجن منه السلطة أكثر من قطع ذراع لها في مساراتها لاستعادة الحق سواء عبر المفاوضات أو في المحافل الدولية حتى بات التساؤل عن وضع غزة في أي اتفاق له وجاهته كما أن حركة حماس لم تنل من هذا الانقسام سوى سلطة لا تتعدى المظاهر ومقاومة من يومها لم تتجاوز الحلوق والحناجر، ولن تكون السلطة فعلية والمقاومة حقيقية إلا إذا كان مصير الاتفاق الأخير عكس مصائر ما شهده اتفاقي مكة المكرمة والدوحة أو اتفاقات القاهرة المتعددة.

أميركا تعاقب 35 دولة
بقلم: د. فهد الفانك عن صحيفة الرأي الأردنية
فرض عقوبات أميركية على دول وشعوب العالم أصبح عملية روتينية، فالعقوبات هي الخيار الأول للإدارة الأميركية تجاه الدول التي لا ترضى عن سلوكها.
35 دولة في عالم اليوم تخضع لعقوبات أميركية متفاوتة ، معظمها اقتصادية ، حدها الأقصى الحصار والمقاطعة وحدها الأدنى منع السفر إلى أميركا. ولا ننسى تجميد الأموال والأصول التي تدخل في باب القرصنة وقد أساءت إلى مركز أميركا المالي وجعلت بعض الدول والأفراد يتجنبون إيداع أموالهم في البنوك الأميركية خوفاً من التجميد.
لم تثبت جدوى هذه العقوبات بجميع درجاتها. وبعد 40 عاماً من الحصار على كوبا لم يسقط النظام الكوبي ، ولكن الأذى لحق بالشعب الكوبي الذي تدّعي أميركا الانحياز له.
الحصار الخانق على العراق لمدة 13 سنة لم يخضع العراق لإرادة أميركا ، وكل ما هنالك أنه ألحق الأذى بالمرضى والفقراء من أبناء وبنات الشعب العراقي دون أن يؤثر على الحكام.
لم يثبت عملياً أن العقوبات الأميركية حققت نتائج إيجابية ، وليست هناك دولة في العالم استسلمت للإرادة الأميركية بسبب العقوبات ، كل ما هنالك أن فرض العقوبات عملية سهلة تحتاج لقرار وبيان إعلامي والتظاهر بالانتصار.
ومن المؤكد أن منع عشرة مسؤولين روس من الدرجة الثانية من دخول أميركا لن يجعل روسيا تتخلى عن شبه جزيرة القرم.
آخر مهازل العقوبات الأميركية التهديد بمعاقبة الشعب الفلسطيني إذا تصالح مع نفسه وأقام حكومة كفاءات تمثل الضفة والقطاع. العقوبة المقصودة وقف المساعدات المالية الهزيلة والتخلي عن عملية السلام الفاشلة ، مع أن حكومة الوحدة الوطنية ستكون برئاسة عباس ولن تضم وزيراً من حماس أو فتح.
كانت إسرائيل تأخذ على الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه لا يمثل سوى نصف فلسطين، وعندما يصبح ممثلاً لكل فلسطين تقرر أن السلام معه أصبح مستحيلاً!.
أميركا تدعو العالم إلى الديمقراطية والانتخابات ولكنها تهدد سوريا بالمزيد من العقوبات إذا أجرت انتخابات رئاسية!.
العقوبات سلاح ذو حدين ، والمقاطعة الاقتصادية تلحق الضرر بالطرفين ، وخاصة الصناعة الأميركية التي تعتمد على التصدير. ولكن الضرر الأساسي يقع على كاهل الشعوب ، وخاصة الفئات الفقيرة.
والعقوبات تشكل اعتداء على حرية التجارة وحرية حركة الناس والسلع والأموال عبر الحدود في عصر العولمة ، ولا تنسجم مع أبسط مبادئ الحرية وحقوق الإنسان ويعتبرها المستهدفون وسام شرف على صدورهم.

حمص «أول الثورة» ... و«آخرها»
بقلم: عريب الرنتاوي عن صحيفة الدستور الأردنية
يحدثونك عن “كنز” خبيء في حمص القديمة ... الإعلام المناهض للنظام، يتحدث عن أسرى إيرانيين وضابط روسي محتجزين لدى المسلحين المعتصمين في أزقة البلدة القديمة وحاراتها ... فيما إعلام النظام، ينقل تسريبات عن “صيد استخباري” رفيع المستوى، لدولة / دول عربية أو إقليمية، فضلاً عن بعض الرؤوس الكبيرة للمعارضة السورية المسلحة ... وكلا الفريقين يفسر كل هذا الاهتمام بإنجاز “صفقة حمص”، وتعدد الأطراف المنخرطة في مساعيها، بما يضفيه من أهمية نوعية على “هوية” مجهولي الهوية المحتجزين في “عاصمة الثورة السورية”.
أين هي الحقيقة؟ ... لا أحد يعرف حتى الآن، وقد لا نعرف أبداً ... هل هي عند فريق السلطة أم لدى فريق المعارضة ... المرجح أنها لدى الطرفين، فالمعركة في حمص وحولها، كانت جديرة باستدعاء كل أشكال الدعم والإسناد لفريقي الصراع، ولا نستبعد أن يكون من بين المحتجزين لدى المسلحين، ضباط إيرانيون وروس وربما عناصر من حزب الله ... كما لا نستبعد أن تكون من بين المسلحين، عناصر وشخصيات أمنية رفيعة، تتبع أجهزة استخبارية وعسكرية لعدد من الدول الداعمة لهؤلاء، والأرجح أن من بين المحاصرين، مسؤولين كبارا وضباطا منشقين رفيعي المستوى، فمعركة حمص، كانت كالنار التي تجذب الفراش من الأرجاء الأربع.
لكن هذه المعركة تضع أوزارها اليوم، أو هي في طريقها إلى ذلك ... خليط المسلحين من الجيش الحر والنصرة وبعض “داعش”، في طريقه للخروج إلى الأرياف الشمالية لحمص وحماة، وصولاً ربما لريف إدلب وحلب والأراضي التركية ... وبهذا يُسدل الستار على الوجود المسلح للمعارضة السورية، في المنطقة الوسطى، أو بالأحرى في المنطقة الممتدة من الساحل إلى دمشق، مع بقاء محتمل لجيوب مقاومة في ريف حمص الشمال وبعض مناطق الغوطة الشرقية، هي طريقها للتسوية أو الهزيمة كما تشير لذلك، دلائل الميدان ومؤشراته.
تحت رايات الأمم المتحدة وبضمانتها، سيخرج المئات من مقاتلي “النصرة” و”داعش” من قلب الحصار إلى ساحات القتال المفتوحة في الشمال ... لا ندري إن كانت هناك سابقة أممية، تولت فيها المنظمة الدولية، رعاية وحماية مقاتلين يتبعون لمنظمات مصنفة إرهابية في سجلاتها ونقلهم إلى “ملاذات آمنة”، وبسلاحهم الفردي والخفيف، وبإصرار على مواصلة القتال ... لا ندري إن كان من بين هؤلاء مجاهدين عرباً وشيشانيين وأوروبيين، سيعمل المراقبون الأمميون على توفير الحماية لهم، لا للعودة إلى بيوتهم وبلداتهم، او بالأحرى إلى سجون بلادهم ومحاكمها، بل للانتقال من خط مواجهة ساقط عسكرياً، إلى خطوط مواجهة أكثر تحصيناً وتجهيزاً لمزاولة القتال واستئناف الجهاد ... أحسب أنها سابقة فريدة من نوعها ... أليست الحرب في سوريا فريدة من نوعها كذلك؟!.
تسوية حمص أو “صفقتها” تأخرت بعض الشيء، والسبب يعود لوجود مقاتلين من “النصرة” و”داعش” بين الجماعات المسلحة المتحصنة في المدينة، والذين عملوا ما بوسعهم لإجهاض المصالحة وقطع طريق التسوية، وأرسلوا في سبيل ذلك، القذائف والسيارات المفخخة، والهدف “تفخيخ” المفاوضات والوساطات وتفجيرها ... لكن التيار الجارف بين المسلحين، خصوصا السوريين منهم، والذي كان يدفع باتجاه الخلاص من عنق الزجاجة والخروج من مأزق الحصار المميت في المدينة، دفع هؤلاء للانحناء أمام العاصفة، والتجاوب مع خطط الجلاء عن المدينة، وإعادتها إلى أهلها الذي شُرّدوا عن بكرة أبيهم، أو كادوا.
لكن المشكلة التي استجدت بعد ذلك، وتتصل بمصير هؤلاء “الجهاديين” وأين سيذهبون، ساهمت بدورها بتأخير إتمام الصفقة ... فأهالي القرى التي يقترحون الانتقال إليها، عبّروا عن رفضهم لاستقبال هؤلاء، إذ أن فيها ما يكفيها من متاعب المسلحين وسطوتهم ... ثم أن “حروب التطويق والإبادة” المشتعلة بين “داعش والغبراء”، في الأرياف الشمالية الشرقية، ستجعل من المحتوم، أن يقتل هؤلاء المسلحون بعضهم بعضاً، ما أن تُرفع عن أعناقهم سكين الجيش السوري الذي يطبق على المدينة، ولعله من المثير للاهتمام، متابعة المصائر التي سينتهي إليها ما بين 2200 – 2500 مقاتل سيغادرون المدينة القديمة في الأيام القليلة القادمة.
وأحسب أن الإجهاز على الوجود العسكرية للمعارضة السورية و”الجهاديين” في وسط سوريا، ومناطق حمص والقلمون، سيطلق من جهة، عجلة المصالحات والتسويات، ويسرّع وتيرتها، بدءًا بالزبداني وجوارها ... وسيعجل من جهة ثانية، عمليات الحسم العسكري في المليحة وجوبر، وصولاً إلى دوما، لتكتمل بذلك نطاقات السيطرة الحكومية على دمشق الكبرى ووسط سوريا وصولاً لشمالها... أما حمص التي كانت “أول الثورة”، فهي مرشحة لأن تكون “آخرها” كذلك، فالخط البياني لما يجري في ساحات المعارك والقتال، يشير إلى تقهقر المعارضات المسلحة، واستعادة النظام لزمام المبادرة الاستراتيجية.
بعد أربعة أشهر من فشل جنيف 2، ومحاولة الدول الداعمة للمعارضة المسلحة “تغيير موازين القوى على الأرض”، وتوجه العديد من هذه الدول، لزيادة دعمها للمعارضة بأسلحة نوعية كاسرة للتوازنات، تبدو الحقائق على الأرض، تذهب في اتجاه آخر ... النظام أنجز معركة دمشق وأريافها وغوطتيها تقريباً، وهو نجح في “تنظيف” حمص والقلمون وتحييد “الجبهة اللبنانية”، وقواته تتقدم على محوري ريف اللاذقية وحلب، فيما جبهة درعا – القنيطرة، متروكة لمراحل لاحقة، بعد أن باتت عبئاً على الأمن الأردني، بدل أن تكون تهديداً لأمن النظام السوري وعاصمته.

السيسي والحملة على حملته!
بقلم: محمد صلاح عن صحيفة الحياة اللندنية
تأخذ حملة النصائح التي يوجهها بعض مؤيدي المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي إلى السيسي نفسه جهداً يفوق ما بذله هؤلاء للترويج للرجل، أو شرح أسباب تأييدهم له، أو تفنيد الحملة التي تستهدفه من جانب الإخوان خصوصاً والإسلاميين عموماً، وكذلك القوى التي تطلق على نفسها صفة «الثورية». وحتى بعد إعلان ترشحه رسمياً لخوض السباق الرئاسي ظلت تفاصيل حملة السيسي غير معلنة لأسباب عدة بعضها أمني، إذ بدا أن السيسي نفسه مستهدف، والموالون له أيضاً، وكذلك أعضاء حملته، وهناك أسباب أخرى تتعلق بتفاديه تكالب أصحاب المصالح على «رمي» أنفسهم ضمن الحملة، وإظهار أنفسهم وكأنهم ضمن فريقه الذي اختاره بنفسه، علماً أن حملات شعبية كانت تشكلت منذ فترة لتطالب السيسي بالترشح، ثم تحولت إلى تأييده بعدما ترشح بالفعل، فخلط الناس بين المؤيدين الذين يعملون بغطاء شعبي وبين فريق الحملة الذي اختارهم السيسي. ولذلك لا تستغرب حين تجد بعض المحسوبين على السيسي وقد تفادوا انتقاده لكن لا يكفون عن الهجوم على حملته مع تأكيدهم أن مواقفهم من باب الحرص عليه!.
دعك من موقف الإخوان الكاره للسيسي، فهم يطيقون العمى ولا يطيقونه، وستستمر الجماعة على عدائها له أبد الدهر بدرجات تفوق كثيراً مواقفهم من جمال عبد الناصر!. كذلك من البديهي أن ينال السيسي هجوماً من دول وأنظمة داعمة للإخوان كتونس وتركيا وقطر، فتتولى تشويهه والإساءة إليه، كلما سنحت الفرصة، وتقوم إذا لزم الأمر بتحريض العالم ضده، وأيضاً تسعى بكل الطرق إلى منع الانتخابات الرئاسية طالما هو مرشح لخوضها. وبالطبع من البديهي أن تتناول حملة المرشح حمدين صباحي بالنقد البرنامج الانتخابي للسيسي، وأن تسعى إلى تفنيده، وليس غريباً أن يصل النقد إلى السيسي نفسه، وإلى تفنيد تصرفاته وخطبه وكلامه وأحاديثه، فهو منافس قوي لديه فرص عالية للفوز بالمقعد الرئاسي، وعليهم، بل من واجبهم، أن يطمحوا إلى تقليل تلك الفرص بكل الطرق المشروعة، بعيداً بالطبع عن التجريح أو التجاوزات اللفظية والأخلاقية. ما يلفت الانتباه في الانتخابات الرئاسية المصرية تلك الحملة التي يتبناها مؤيدون للسيسي ضد أعضاء حملة السيسي!! فالنصائح توجه إليه والانتقادات تتجه إلى فريقه، وتصدر عن جهات أو أشخاص أيدوا ترشحه بل كانوا من المطالبين بأن يخوض السباق الرئاسي قبل أن يشرع الرجل في اتخاذ إجراءات الترشح، وبين هؤلاء من بالغ في إظهار حبه للسيسي والجيش والدولة. تشمّ من خلال ما يصدر عن هؤلاء رائحة تظهر لك إلى أي مدى أصاب بعضهم الإحباط لاستبعادهم من عضوية الحملة، وذهول بعضهم الآخر من «نكران الجميل» الذي أثر فيهم بعدما علموا أن أسماءهم ليست ضمن فريق المشير، وبين أولئك وهؤلاء من نصبوا أنفسهم رعاة للحملة قبل أن تبدأ ثم فوجئوا بأن وجوههم غير مقبولة جماهيرياً.
نعم هناك رجال أعمال وأشخاص محسوبون على نظام مبارك سعوا إلى التقرب إلى السيسي، ويروّجون ويوحون بأنهم ضمن رجاله، وهم يحافظون على مصالحهم، ويعتقدون أنهم قد ينالون أكثر مما نالوه في عقود سابقة إذا ما نالوا رضا الرئيس المقبل، ومثل هؤلاء لا تحركهم سوى بوصلة مصالحهم، وقد يكون بعضهم أو أحدهم نجح في اختراق حملة المشير وصار فاعلاً فيها، ولو كان صباحي يمتلك فرصاً أكبر للفوز لتحول هؤلاء إلى تأييده والتقرب منه. أما أصحابنا ممن يوجهون النصح للسيسي، ويهاجمون حملته، ويستغربون لماذا نظمت له الحملة هذا اللقاء أو ذاك المؤتمر، أو لماذا استقبل هذا الشخص أو التقى هذه السيدة، أو استنكروا لماذا ضم بعض المحسوبين على ثورة يناير إلى حملته، أو لماذا استبعد آخرين من رموز الثورة نفسها عن حملته، فلم يكونوا لينتقدوا لو كانوا ضمن الحملة وتحولوا من موقف الهجوم إلى الدفاع!!. اختار السيسي حملته وهو تحمّل المسؤولية عن اختياراته وهذا حقه، والمهم سياساته في المستقبل أمام شعبه الذي نجح في عزل رئيسين في غضون سنتين دون أن يحول دون عزلهما نصائح أو تحذيرات المتيّمين بكل رئيس، ولا يرون فيه عيباً إلا.. حملته!.

الانتخابات العراقية والناخب الإيراني
بقلم: خيرالله خيرالله عن صحيفة العرب اللندنية
كان مفيدا أن تجري انتخابات تشريعية في العراق بعد أربع سنوات وشهرين تقريبا من آخر انتخابات جرت في البلد. هذا لا يمنع من الاعتراف بأنّه إذا كانت الانتخابات الأخيرة أثبتت شيئا، فهي أثبتت أن الديمقراطية لا تهبط من السماء. الديمقراطية ليست سوى تتويج لعملية طويلة يمرّ خلالها المجتمع بتجارب عديدة تصبّ في اتجاه تطويره وصولا إلى مرحلة يصبح فيها ممكنا تنظيم انتخابات حرّة بالفعل.
في العام 2010، تقدّمت في الانتخابات، وإن بفارق ضئيل، قائمة كان على رأسها الدكتور إياد علّاوي الذي توفر له دعم عربي معلن. فشل علاوي لأسباب، عائد بعضها إلى شخصه، في تشكيل حكومة. كان هناك اعتراض إيراني عليه، وكان الجانب الأميركي متفهّما لهذا الاعتراض. أدّى ذلك إلى تولّي نوري المالكي تشكيل حكومة لم تبصر النور إلا بعد مضي عشرة أشهر على الانتخابات. لم يستطع المالكي استكمال تشكيل الحكومة. بقيت حقائب أساسية فيها، بما في ذلك الداخلية والدفاع في عهدته. كانت تلك إشارة إلى مدى النفوذ الإيراني في العراق. لكنّها كانت أيضا إشارة إلى وجود قوي، خصوصا بين الشيعة، ما زالت تقاوم هذا النفوذ وإن بحياء وخفر.
في الانتخابات السابقة، كما في الانتخابات الأخيرة، تبيّن أنّ لا معنى لأي انتخابات في غياب الوعي الاجتماعي والحريات العامة المضمونة عن طريق الممارسة، وليس فقط عن طريق الدساتير والقوانين. لا معنى للانتخابات في بلدان تتحدّث فيها الدساتير عن الحريات العامة في حين يمارس الحاكم أبشع أنواع التسلط متذرّعا في معظم الأحيان بحماية “الأمن القومي” كما الحال في سوريا. لا معنى للانتخابات ما دام لا تداول سلميا للسلطة وما دام الهدف من الانتخابات تكريس أمر واقع. يتمثّل الأمر الواقع في العراق بأن نوري المالكي، أو من ينوب عنه من حزب “الدعوة” شخص لا غنى عنه لإيران، لذلك، يجب أن يبقى في موقع رئيس الوزراء.





الانتخابات في العراق: لعبة ثانوية لإعادة إنتاج التوازنات
بقلم: الوليد خالد يحي عن صحيفة العرب اللندنية
أفرزت الانتخابات العراقية نتائج تمثلت بفوز القوى التقليدية المهيمنة على المشهد العراقي منذ ما سمي بتسليم السلطة للعراقيين من قبل الحاكم المدني الأميركي في يونيو 2004. الأمر ليس مفاجئاً، رغم أنه كان كذلك بالنسبة إلى بعض الشرائح والنخب المدنية، التي حلمت بتغيير مشتهى ومنطقي بعد فشل القوى والأحزاب الطائفية الحاكمة منذ عشر سنوات، في كافة الملفات المتعلقة بالخدمات والأمن والاقتصاد، والعلاقات مع دول الجوار.
ما حصل بدا مخالفا لحركة التاريخ كما ترسمها الديمقراطية التعددية، حيث يسقط الفاشلون في الانتخابات، ويستبدلون بآخرين يمتلكون برامج وأفكارا ومنهجيات مختلفة. هذا ما تخبرنا به الديمقراطيات التعددية، ولاسيما بعد تبلور تيارات وتحالفات سياسية جديدة في العراق، ذات طابع مدني ديمقراطي ببرامج تغيير توسم بها العراقيون خيرا. وخصوصا في ضوء التذمر الشعبي الواسع جدا على أداء الحكومات المتعاقبة والقوى التي شكلتها والذي وصل إلى حد الثورة في مناطق واسعة من البلاد.
حقيقة النظام السياسي القائم في العراق لا يعدو عن كونه مجرد إطار ينظم العلاقات بين القوة السياسية الطائفية التي دخلت العراق مع الاحتلال الأميركي عام 2003، والتي أوكلت إليها مهمة بناء النظام السياسي على أنقاض النظام القديم، بشكل يضمن التوازن للمصالح الدولية والإقليمية، التي كان لها الدور الرئيس في هدم الدولة واحتلال العراق، فكانت النتيجة ما عنوانه اليوم “العملية السياسية”.
ربما يعكس هذا العنوان الجوهر الحقيقي للنظام السياسي العراقي، فهو بالفعل مجرد عملية سياسية أبطالها أحزاب وفرق هيمنت على المجتمع والثروة. وتقوم أميركا وإيران اللاعبان الأبرزان في المشهد العراقي بلعب دور ضابط الإيقاع. هكذا، فما من نظام سياسي يدير جهاز الدولة المستقلة التي تمثل بدورها عقدا اجتماعيا ينظم العلاقات في المجتمع وفق مصلحة السكان، ويمارس تداول السلطة بشكل طبيعي كما في الديمقراطيات المعروفة. بل إن وجود دولة ربما يعرقل بشكل أو بآخر عملية السيطرة على البلاد، لذلك كان قرار هدمها واستبدالها بسلطة طائفية هزيلة وضعيفة أمرا ضروريا بالنسبة إلى الاحتلال الأميركي وحلفائه الإقليميين.
ولعل ما حدث بعد انتخابات 2010 يعد بمثابة الحلقة الثانية من حلقات محاولات اقتناص المكاسب بين الطرفين الأميركي والإيراني، حيث فاز ائتلاف العراقية ذو الغالبية السنية الذي يقوده إياد علاوي الحليف الأقوى لأميركا بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، بما يخوله تشكيل حكومة والظفر بمنصب رئاسة الوزراء. وأحدث فوز علاوي خللا كبيرا في التوازنات السياسية المتوافق عليها وأدخل البلاد في أزمة سياسية بدت مستعصية هددت بتفجير صراع دموي بين المكونات السياسية.
لكن انعقاد مؤتمر اربيل أخيرا أعاد التوافق الأميركي الإيراني من جديد إلى الواجهة، وتم تكليف نوري المالكي بتشكيل الحكومة لولاية ثانية سميت حكومة شراكة وطنية، وظفرت فيها قائمة علاوي برئاسة البرلمان وعدد من الحقائب الوزارية، وحافظ فيه التحالف الكردستاني على منصب رئاسة الجمهورية.
وتأتي الانتخابات الأخيرة التي جرت في 30 أبريل الفائت، بعد أجواء سياسية واجتماعية عاصفة في البلاد، ربما لتعيد ترتيب الوجوه من جديد. إذ تبدو إيران كما لو أنها تتلمس غدرا أميركيا بالتوافق المعمول به معها. لعل هذا ما يفسر إصرار نوري المالكي على الولاية الثالثة، وتشديده على أنه صمام الأمان للعملية السياسية وتلويحه بورقة انهيارها عبر حديثه عن الإرهاب واجتياحه لبغداد تارة، وتارة أخرى عبر حديثه عن حكومة أغلبية سياسية تطيح بالشراكة الوطنية لصالح تحالف شيعي مزمع ترتيبه في البيت الإيراني ربما.
ما أظهرته النتائج الأولية للانتخابات، وتقدم قائمة ائتلاف دولة القانون الذي يقوده المالكي بفارق طفيف عن منافساتها، ربما سيعيدنا إلى أربيل مجددا، أو إلى أي منتجع سياحي آخر يتم فيه التوافق على الأشخاص الذين سيديرون العملية السياسية. أشخاص من نفس الكيانات والأحزاب الموجودة بكل تأكيد.
تبدو فرص المالكي بالحفاظ على المنصب ضعيفة. إذ لم يعد شخصية توافقية على ما يبدو، خاصة في ظل الاستياء الشعبي وحالة الاحتجاج الحاصلة في مناطق واسعة ضد سياساته. وهو ما سيولد ضرورة إيجاد شخصية توافقية أخرى من حزب الدعوة، أو ربما من تيار شيعي آخر، يوهم الشارع بتغيير ما.
المواطن العراقي سيجد نفسه مرة أخرى أمام برلمان وحكومة طائفية هزيلة وضعيفة، ترعى مصالح الأطراف الدولية والإقليمية وتبقيه حبيسا لاستعصاء تغييري مزمن بين أركان العملية السياسية الراهنة، ولكن ربما يجد ضالته خارج جدرانها، ويبقى العراق مفتوحا على جميع الاحتمالات.

الأشرطة المسربة وراء تنحى الشيخ حمد؟
بقلم: عبدالله ناصر العتيبي عن صحيفة الحياة اللندنية
في تقديري كوني راصداً للأوضاع الخليجية - الخليجيــة، أن تنحي الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني عن حكم قطــــر واستبداله بابنه الشيخ تميم كان صفقة واجبة العقد مــــنذ أشهر بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وقطر مـــن جـــهة أخرى، لضمان الحفاظ على العلاقات ما بين الجيران - وإن في أدنى مستوياتها - بعد تسرب بعض التســـجيلات الصوتية للشـــيخ حمد بن خليفة ووزير الخارجية الشيـــخ حمد بن جاسم، يتعرضان فيها بسوء للدول الثلاث.
تنــازل الشيخ حــمـــد عــــن السلطة غير متعلق برغـــبة أميركية غربيـــة كما أشيع، وليست له علاقة برغبة داخلية قطرية لضمـــان الانتقال الســــلس للجيل التالي من الأسرة الحاكمة، كما علّق الإعـــلام القطري. وبالطبع لا علاقة للأمر بصحة الشيخ حمد كما نشرت بعض الصحف، فالكل يعرف في هذه المنطقة أن الحاكم لا يحكم باستخدام صحته بمقدار استخدامه صحة الآخرين من حوله. كل ما في الأمر أن عربة التعاون وصلت إلى طريق مسدود، وكان لا بد من تغيير المسار!
اعتقدت الدول الثلاث أنه لا يمكن بأية حال من الأحوال العمل من جــــديد مع الشيخ حمد بن خليفة والشيخ حمد بن جاسم - بوصفهما رقمين - بعد انكشاف أمر الأشرطة، وأدرك القـــطريون أنه يستحيل ترميم علاقتهم بجيرانهم ما لم يتخلصوا من سبب الـــمشكلة، لــذلك بادروا إلى تبني عملية التــــحول الإجباري فــــي الحكــم، لكـــنهم في المقابل اشتغلوا من خـــلال إعلامـــهم على تخفيف حــــدة هـــذا الهبوط المفاجئ لطائرة القيـــادة القـــطرية، من خـــلال تمريـــر مصطلحات كبيرة من نوع «رؤيـة الشيخ الوالد الطليعية» و «نظرته الثاقبة» و «التـــجربة الجــديدة في المنطقة» و «تسليم السلطة للجيل الجديد»، وغيرها من المبررات الكلامية.
الدول الخليجية الثلاث ضغطت بقوة في تقديري لأجل التغــيير الداخلي في الأسرة، لأنها ولأسباب استراتيجية ليـــس بمقـــدورها أن تفــــعل أكثر من ذلك، فالحفاظ على النســـيج الخليجي الواحد، والاحتفاظ بطبيعة حكم خليجية واحـــدة، يفرضان على الأسر الحاكمة الخليجية أن تتعامل مع الوضـــع القطري بحساسية مفرطة، فقطر ليست العراق أو اليمـــن أو ليبيا، إذ لا فروق جوهرية بين من يأتي ومن يذهب! الأمر مختــــلف مع قطر وبقية الدول الخليجية، إذ تتداخل الحســــابات التاريخية مع الحاضر. الخليجيون أرادوا التغيير داخلياً، وقطر خضعت لرغبتهم، لأنها لا تملك خياراً آخر.
الأشرطة المسربة كانت عند الحكومات المعنية في ما يبدو قبل ظهورها على وسائل التواصل الاجتماعي للعامة، وهذا ما يفسر ربما تأزم علاقات هذه الدول مع قطر خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وانفراجها نسبياً بعد تولي الشيخ تميم مقاليد الحكم.
الحكومات الخليجية عدّت الأشرطة المسربة تتويجاً لسلسلة من الإجراءات العدائية التي اتخذتها قطر ضد شقيقاتها في الجوار منذ عام 1996، وتأكيداً صريحاً لرغبة قطـــرية صادقة في خلخلة المنطقة، لأجل تحقيق أهداف فردانية وقصيرة مدى! وكشفت صراحة عن عمل مؤسس «غير تعاوني»، يهدف إلى التشتيت والفرقة، وإن تدثر كل هذه الأعوام بمفاهيم الحرية الإعلامية والانفتاح على «الرأي والرأي الآخر»!
لكن، هل تغيّرت الحال القطرية بعد تنازل الشيخ حمد وتولي الشيخ تميم السلطة؟
واقع الحال يقول إن المناورة القطرية في استبدال الحاكم السابق بحاكم تالٍ لأجل تخفيف حدة الغضب الخليجي خوفاً من تداعياته لم تؤتِ أكلها لسبب جوهري، وهو عدم تغير السياسة الخارجية!
نعم، أقصي عن المشهد من يدعو في السر إلى نشر الفوضى في الخليج كما أذاعت الأشرطة «لم ينفها القطريون ولم يؤكدها الخليجيون حتى الآن»! لكن، ظلت السياسة القطرية على حالها، وظل الحاكم الجديد خاضعاً للسياق السياسي الذي وجد نفسه فيه، ما جعل الخليجيين من جديد يضغطون باتجاه التغيير، لكن هذه المرة بإجراء سحب السفراء فقط، إذ لا أشرطة ليبية جديدة تحوي تسجيلات جديدة للحاكم الجديد!
كثير من المؤشرات يشير إلى أن الحاكم السابق ووزير خارجيته هما اللذان يديران الأمور الخارجية في قطر، وكثير من المؤشرات يشير إلى أن الدول الخليجية باتت تعرف اليوم أكثر من أي وقت مضى أن شريكي الحكم السابقين ما زالا يمارسان مهماتهما الكاملة، إنما برصيد لا محدود من إجازتيهما السنوية، وهذا ما سيعقد الحلول في المرحلة المقبلة، ويبعد كثيراً نقطة الالتقاء.

انفجار الدولة القُطْريّة
بقلم: بدر الإبراهيم عن صحيفة العربي الجديد
كشفت حقبة ما بعد الثورات العربية عمق الأزمة التي تعانيها الدولة القُطْرية العربية، وحجم التناقضات الكامنة داخلها، والتي انفجرت مع انطلاقة هذه الثورات. لكن انكشاف الأزمة المتعلقة ببُنْيَة هذه الدولة، وشرعيتها، اتّضح قبل الثورات، في دولٍ، مثل العراق والسودان واليمن ولبنان، وتواصل بعد الثورات، ليشمل دولاً مثل سورية وليبيا، وهذه الدول بات ممكناً تصنيفها في عداد الدول الفاشلة.
الحديث عن نشأة الدولة في العالم العربي مهم لفهم أزمة الشرعية فيها، فهي لم تنشأ كدولة أمة تمثّلها، وتعبّر عنها، كما في نموذج دولة الأمة الأوروبي الحديث، وإنما تمثّل جزءاً من أمة عربيةٍ لم تتمكن من تقرير مصيرها وإنشاء كيان سياسي يعبّر عنها (لذلك نسميها قُطرية)، وهكذا كان لزاماً على الدولة القُطرية هذه أن تخلق هوية وطنية خاصة، وشعوراً وطنياً جامعاً لمواطنيها، أي أن توجِد الجماعة الوطنية (الأمة) التي تعبّر عنها.
فشلت الدولة القُطرية في إيجاد هويةٍ وطنيةٍ خاصة، وقامت بعض الدول العربية بتعميم هوياتٍ ذات طابع مذهبي أو قَبَلي ضيق على مجمل المواطنين، ما دفع المكوّنات الاجتماعية من خارج هذه الهويات المفروضة إلى مقاومتها. كذلك حاولت دول عربية أخرى استخدام هويات "مَتْحَفِيَّة" منقرضة، مثل الفرعونية والبابلية والسريانية والفينيقية، لتعزيز شرعيتها، وإقامة هوية خاصة لأبناء هذه الدول، تميّزهم عن غيرهم، لكن هذه الهويات لم تنجح، لأنها لا تمثّل شيئاً في واقع أبناء هذه الدول اليوم، فهم لا يتحدثون باللغة الفرعونية، ولا الفينيقية، ولا يستخدمون رموزها في واقعهم، ولا تعني هذه الامتدادات التاريخية في عصرنا أكثر من التعاطي مع آثار سياحية، مثل الأهرامات.
كان لأزمة الهوية في الدولة القُطرية دور في تعزيز هويات الجماعات الأهلية (القبيلة والطائفة)، في غياب جماعة وطنية، تضمّ المواطنين تحت مظلّتها، ولم يُصنع انتماء وطني في هذه الدول يفوق انتماء الفرد لجماعته الأهلية، وغابت المؤسسات التي يشعر المواطنون بأنهم يشتركون في ملكيتها، وأن واجبهم المحافظة عليها، والعمل، من خلالها، على تحسين واقعهم، وتحقيق مصالحهم المشتركة.
في العقود الثلاثة الأخيرة، حصلت تحولات في بُنْيَة الدولة القُطرية، فاقمت أزمتها، أهمها تقلّص الفروق بين الجمهوريات والملكيات العربية، والتشابه البُنيوي الكبير بينهما، عبر تحوّل الجمهوريات العربية، من حكم الحزب القائد إلى حكم العائلة المالكة، ونشوء طبقة حاكمة جديدة في الجمهوريات، اختزلت الدولة بها، محورها الأسرة الحاكمة، المتحالفة مع القوى الأمنية، ومجموعة من التجار والمنتفعين. ضرب هذا التحوّل أساس الشرعية التي تقوم عليها الجمهورية، فالمفترض أن الرئيس في الجمهورية، وإن كان مستبداً، يستمد شرعيته من تمثيل الإرادة العامة، أي أنه يزعم تمثيل إرادة الشعب، ويحكم باسمه، ولا يحكم باسم الحق الإلهي، أو باسم السلالة.
أنتج التحوّل باتجاه حكم العائلة في الجمهوريات العربية ظاهرتين، تبدّتا في سلوك الأنظمة العربية، تمثّلت الأولى في غياب الشعارات الأيديولوجية الكبرى، مع تنحّي الأحزاب العقائدية لصالح عائلات الرؤساء، فلم يعد الشعار الأيديولوجي يستخدم في التحشيد، وتعبئة الجماهير، لصالح مشروع سياسي عربي واضح المعالم، كما في الخمسينيات والستينيات، ولم يعد يستخدم حتى في تبرير سياسات الأنظمة العربية. فبعدما تخلت هذه الأنظمة عن القضية الفلسطينية، واعتبرتها قضية الفلسطينيين لا قضية العرب، صار من غير الممكن استخدام شعار فلسطين لتبرير السياسات الداخلية للأنظمة. ولأن هذه الأنظمة بلا مشروع حقيقي، وتتمتع معظمها برعاية غربية، لم تستطع استخدام قضايا، مثل مجابهة الاستعمار وتحقيق النهوض العربي لتبرير سياساتها، واكتفت بالحديث عن الأمن والاستقرار الذي توفره لمواطنيها، فهو يمثّل ما تبقّى لها لتتحدث عنه.
الظاهرة الثانية تحويل الدولة إلى إقطاعية خاصة بالأسرة الحاكمة والمقرّبين منها، وانتشار الفساد ونهب المال العام، وقد حصل هذا عبر ضرب القطاع العام الإنتاجي لصالح "الخصخصة" واقتصاد السوق الذي تبيّن أنه غطاء لتحويل كل الحيِّز العام إلى مزرعةٍ خاصة بالنخبة الحاكمة، والمنتفعين منها (هم غالباً أولاد الرئيس وأصهاره وأقرباؤه)، فجمعت العائلات الحاكمة بين الحكم والتجارة، وكرّس المنتفعون سياسات الاحتكار الاقتصادي، وإنشاء حالة اقتصادية إقطاعية، تناقض فكرة اقتصاد السوق القائمة على التنافس الحر، بما يعني أن هذه الأنظمة تخلّصت من السياسات الاشتراكية، من دون أن تتمكن من إنشاء حالة اقتصادية رأسمالية، كما تدَّعي.
أسهم هذا كله في انهيار الدولة العربية، وظهور ما كان مخفيّاً خلف ستار السطوة الأمنية للسلطة، فبرز الصراع الطائفي والعشائري في الدول العربية، نتيجة غياب هوية وطنية ومؤسسات تجمع أبناء هذه الدول بوصفهم مواطنين، ودأبت الأنظمة الاستبدادية العربية على التهديد بالفوضى، في حال تهديد وجودها. وهي، هنا، تستغل اختزالها الدولة، وتحكي، في الوقت نفسه، قصة فشلها في بناء الدولة والأمة.
إن تجاوز أزمة الدولة القُطرية يتطلّب بناء شرعيتها على أسس جديدة، تكون فيها هوية وطنية جامعة، محورها الهوية العربية، والتي لا تقدم اليوم نقيضاً لهوية الدولة القُطرية، بل كعامل يعزز تماسك مجتمعها في مواجهة خطر الصراعات الأهلية. كذلك، فإن تعزيز مفاهيم المواطَنة والمشاركة الجماعية في بناء المؤسسات، يؤسس لشرعية جديدة غير التي قامت على احتكار النخبة الحاكمة للدولة وما فيها.




يا أهلنا في قطر: فلنحذر الخطر
بقلم: إدريس الدريس عن صحيفة الوطن السعودية
نريد لقطر أن تتحرك بحريتها تحت أشعة الشمس، وألا تقرر في الخفاء خلاف ما تظهره، وأن تعود للانسجام مع بقية منظومة الأشقاء الخليجيين، وأن تخفض سقف تطلعاتها وطموحاتها بما يتوازى مع دورها المنطقي والمفترض
الذين هم من جيلي ويشاطرونني العمر المتقارب يتذكرون قبل سنوات مضت كيف كان بعض مواطني إحدى دول الجوار الشقيقة يناكفون جارتهم الكبرى، ويتذكرون كيف كان أهل تلك الديرة تتلبسهم حالة من الفوقية التي كان يبررها ربما الحراك الثقافي بتنوع أطيافه الذي كان سائداً عندهم، وكذلك الحال مع الحركة المسرحية التي كانت مصنعاً لتخريج أجيال من المبدعين في الدراما الخليجية، كما كانت النهضة الصحفية فارقة في هامشها التعبيري ومستوى إخراجها وتبويبها.
لكن هذا التميز النوعي لم يكن ليغير من الواقع الجغرافي المحدود مساحة وسكاناً على نحو يحد كثيراً من الطموحات التي تفوق المقدرة وبشكل يؤطر الطاقات، بحسب المتاح الذي تسمح به المعطيات الحقيقية على الأرض.
مرت السنوات وبعض مواطني هذه الدولة ينحازون في ميولهم إلى عرب الشمال ممن أخذوا نصيباً من المدنية والعصرنة، على عكس أكثر دول الخليج التي كانت للتو تتحسس خطواتها في سلم التطور والنماء.
ورغم هذا "الأيقو" المرتفع عند إخواننا هناك، وعلى الرغم من النظرة القاصرة من مواطني هذه الدولة تجاه الأشقاء، إلا أن الأزمات هي التي تمحص الجدارة.. وتظهر المواقف المترفعة عن الضغينة، وهكذا كان الأخ الأكبر على قدر من المسؤولية والأخوة الحقة، مما كان له الفضل في إنقاذهم من أخطر الأزمات التي مرت بهم وورثت في نفوسهم حالة من الانكفاء وإعادة الحسابات في تقييم الـ"مع" والـ"ضد".
هذا الاستذكار يعيدني إلى الحديث عن الشقيقة قطر التي تسارعت خطواتها التنموية بصورة لافتة، سعياً منها للحاق بركب التمدن والتطور الذي تشهده معظم دول مجلس التعاون الخليجي، والواقع أن قطر قد سجلت لنفسها حضوراً إقليمياً ودولياً عبر كثير من الاستثمار والحضور الواضح في المجال الإعلامي عبر قناة الجزيرة التي صارت أيقونة للنجاح والانتشار، كما هو الحال مع البذل والتخطيط المدروس الذي حقق لقطر سبقاً رياضياً بارزاً يفوق حجمها، وجاء ذلك تدرجاً من خلال رئاسة الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، ثم الفوز بتنظيم بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 وكان يصحب هذا الحضور الكروي سعي لافت لحصد الميداليات في مسابقات الجري الطـويل، من خلال تجنيس المتميزين من الأفارقة في هذه الرياضة تحديداً.
ورغم كل التحفظ الذي نستشعره كمشاهدين على هذا الأسلوب المادي والمباشر في حصد المكاسب إلا أن المهم في الاستراتيجية القطرية هو الحضور في المحافل الدولية. ولم تكتف الشقيقة قطر بهذا الدور الإعلامي والكروي، بل سجلت لنفسها حضوراً سياسياً ملموساً في كثير من الصفقات والتحالفات وشراء الولاءات في العديد من القضايا الإقليمية، والعربية والإسلامية، وكانت توظف إمكاناتها المالية بشكل مسرف لحفر البصمة القطرية في كل الاتجاهات.
لكن مشكلة قطر أن هذا الدور المتعاظم الذي تلعبه في المجال السياسي من خلال الاستقطابات والتجاذبات التي تشترى بالعملات الصعبة قد أسكرها بنشوة الانتصار، وقد أدارت خمرة الحضور القطري العارم في "عديد" المجالات رأس القرار، مما أفقدها بوصلة الاتجاهات الحقيقية، وهكذا نسيت قطر حجمها الحقيقي وصارت تتطلع إلى أن تلعب دوراً أكثر وأكبر بما لا ينسجم مع منطق الجغرافيا الطبيعية مساحة وسكاناً.
أنا لا أشمت هنا بقطر العزيزة وأهلها وأصلها وفصلها على نفسي، ولكنني من باب العشم الذي تقتضيه أخوة اللحم والدم والمصاهرة والجوار وكل المشترك الذي ينتظم بيننا – دول وشعوب المجلس – في اللغة والعادات والتقاليد والتماثل الذي يتطابق في كل عناصر الوجود الواحد.
لا نريد لقطر الشقيقة أن تصغر، فكل إنجازاتها الظاهرة مفخرة لشعوب المنطقة، ولا نريد لقطر العزيزة أن تترك دورها الإعلامي والرياضي والسياسي، لكننا لا نريدها أن تمد خطواتها أبعد وأكبر من محيطها الجغرافي.
لا نريد لقطر أن تغرد بعيداً خارج السرب، ونقدر أن من حقها التغريد والتحليق، لكن بما لا يقلق أشقاءها في الجوار.
نريد لقطر أن تتحرك بحريتها تحت أشعة الشمس، وأن لا تقرر في الخفاء خلاف ما تظهره، وأن على قطر أن تعود للانسجام مع بقية منظومة الأشقاء الخليجيين، وأن تخفض سقف تطلعاتها وطموحاتها بما يتوازى مع دورها المنطقي والمفترض.
أخيراً، نريد من شقيقتنا قطر أن تدرك أن الذين يكيدون لشقيقتها الكبرى وللبقية منهن هم الذين يصفقون ويسعدون كلما تنامى الخلاف وتعزز التنافر.
جميعنا في دول المجلس نعرف مكمن الخطر ومصدر النزاع، ونخشى أن تأتي قطر منقادة إلى إخوانها بعد أن تقع الفأس في الرأس.
ولهذا نقولها صادقة.. نابعة من قلوبنا: يا أهلنا في قطر.. نرجوكم لنحذر الخطر.