Haneen
2014-06-03, 01:00 PM
في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
يهودية إسرائيل وديمقراطيتها
د. فهد الفانك – الرأي الأردنية
مضى 29 إبريل …ثم ماذا بعد؟
د. فايز رشيد – الوطن العمانية
المصالحة الفلسطينية… والخلفية المصرية
خيرالله خيرالله – العرب اللندنية
الأسرى الفلسطينيون: لماذا ظاهرة استثنائية؟
د. اسعد عبد الرحمن – الرأي الأردنية
"مَيْ وملح"
حلمي الأسمر – الدستور الأردنية
التطور السياسي في الأردن ليس إيجابيا
د. أنيس الخصاونة – السبيل الأردنية
حزب الإخوان المسلمين الأردني
سميح المعايطة – الرأي الأردنية
على أبواب أوروبا!
د.رغداء مارديني – تشرين السورية
إلى متى يا قطر؟
فهد الدغيثر – الحياة اللندنية
لماذا يسقط الموهومون بوهم أنهم دولة عظمى
د. ناديا بوهنّاد – العرب اللندنية
تنظيم «داعش» السعودي
عبد الله بن بجاد العتيبي – الشرق الأوسط
يهودية إسرائيل وديمقراطيتها
د. فهد الفانك – الرأي الأردنية
هناك مقولة يرددها المحللون في محاولة لإقناع إسرائيل بقبول حل الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام.
هذه المقولة تقرر ما يبدو أنه بديهية وهي أن إسرائيل لا يمكن أن تظل ديمقراطية ويهودية في الوقت نفسه وهي تسيطر على ملايين الفلسطينيين تحت الاحتلال وتحرمهم من الحقوق المدنية والسياسية.
إذا أرادت إسرائيل أن تكون دولة ديمقراطية ، فعليها أن تعترف للفلسطينيين في الضفة والقطاع بنفس الحقوق التي تمنحها القوانين الإسرائيلية ، بما فيها حق التصويت. ولكنها في هذه الحالة لن تظل يهودية ، لأن العرب لا يقلون عن اليهود في إسرائيل كبرى تضم كل أراضي فلسطين التاريخية.
أما إذا أرادت إسرائيل أن تكون دولة يهودية ، فلا مناص من إعطاء الفلسطينيين دولتهم المستقلة ، بل إن قيام الدولة الفلسطينية يجب أن يكون مطلباً إسرائيلياً ، حفاظأً على يهودية الدولة التي يريد نتنياهو أن يحصل عليها من المفاوض الفلسطيني مجاناً.
إسرائيل تفهم هذه الحلقة المفرغة ، ومع ذلك تعتقد بإمكانية الجمع بين يهودية إسرائيل وديمقراطيتها ، بتكرار تجربة الفصل العنصري (أبرتايد) التي طبقت في جنوب إفريقيا ، ولديها حل على المدى البعيد هو وضع الفلسطينيين تحت الضغط لكي يهاجروا تدريجياً إلى بلدان عربية كما حصل بعد 1967 ، وخاصة إلى تلك البلدان التي يعتقد أنها ستقبل أي عدد من اللاجئين مقابل الثمن!. أما على المدى القريب فهو انتظار اللحظة المناسبة لتطبيق الترانسفير ، أي ترحيل السكان أو معظمهم من الضفة دفعة واحدة كما حدث في 1948 و1967.
إذا كانت رغبة إسرائيل في بقائها ديمقراطية ويهودية تفرض عليها القبول بحل الدولتين ، فلماذا لا تفعل ولو تحت الضغط الأميركي والعصا الصغيرة والجزرة الكبيرة اللتين يلوح بهما وزير الخارجية الاميركي جون كيري.
يكمن الجواب في اعتقاد حكام إسرائيل بأنها تستطيع أن تحصل على كل ما تريده لمجرد أنها قوية عسكرياً ومدعومة سياسياً من أميركا ، فقد قامت إسرائيل بالقوة ، وصمدت حتى الآن بالقوة ، فلماذا لا تسعى بالقوة إلى ما يظنه العالم مستحيلاً؟.
ميزان القوى الذي يميل لصالح إسرائيل عسكرياً لا يميل لصالحها تاريخياً. وسياستها الراهنة تشكل مقامرة بمصيرها وبقائها. وتعطي معنى للشعار الذي يثير أعصابها: زوال إسرائيل حتمية تاريخية.
مضى 29 إبريل …ثم ماذا بعد؟
د. فايز رشيد – الوطن العمانية
انتهت فترة التسعة أشهر المحددة للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني.انتهت دون أن تُسفر عن أيّ شيء سوى المزيد من التعنت الإسرائيلي في رفض الحقوق الوطنية الفلسطينية, ومزيد من الاشتراطات على الجانب الفلسطيني. انتهت كما كان متوقعاً لها بالفشل, فإذا كانت مباحثات عشرين عاماً من التفاوض لم تؤد إلى إقناع إسرائيل بأيٍّ من الحقوق الفلسطينية فهل ستكون فترة التسعة أشهر كافية؟ من قبل أعلن شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق على هامش مؤتمر مدريد: بأننا سنطيل المفاوضات مع الفلسطينيين عشرين عاماً، وبالفعل طالت المفاوضات إلى هذا الزمن, وليس هناك من مؤشرٍّ ولو صغير بأن تنزاح دولة الكيان قيد أُنملةٍ عن تعنتها. لذا مطلوب من القيادة الفلسطينية الإجابة عن السؤال: ثم ماذا بعد؟. وبخاصة أنها حشرت ذاتها في استراتيجية خيار المفاوضات والمفاوضات وحدها! ثم عليها أن تستخلص الدروس والعبر من تجربة المفاوضات منذ اتفاقية أوسلو وحتى هذه اللحظة, ولعل من أبرز دروس المرحلة الطويلة المعنية ما يلي:
أولاً: سقوط خيار السلطة في المفاوضات, فالاستيطان الإسرائيلي زاد خلالها أضعافاً مضاعفة عمّا كان قبلها, وتوسعت عدوانية إسرائيل, وأعاد شارون احتلال الضفة الغربية, وزاد حجم الاشتراطات الإسرائيلية على الفلسطينيين وحتى على العالم العربي مقابل القبول بإجراء تسوية محدودة مع الطرفين. القيادة الفلسطينية مطالبة بإيجاد البديل للمفاوضات, فالشعب الفلسطيني يقع في خِضّم مرحلة التحرر الوطني, وأسئلة شعبية كثيرة بحاجة إلى ردود من قيادة السلطة الفلسطينية عليها. والوضع يحتم انتهاج استراتيجية جديدة وتكتيك سياسي أيضاً جديد, فلا يمكن للقيادة ترك شعبها معلقاً في حبال من الوهم عنوانها المفاوضات الفاشلة.نخشى ما نخشاه أن تتعرض السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس شخصياً لضغوطات دولية وبخاصة أميركية لاستئناف المفاوضات تحت وعودٍ جديدة. لن تنفذ هي الأخرى كما سابقاتها التي لم تنفذ.
ثانياً: سقوط الرهان على الولايات المتحدة في أن تكون وسيطاً نزيهاً محايداً بين الفلسطينيين والعرب وبين إسرائيل. كانت الولايات المتحدة في كل مواقفها حليفاً عضوياً للكيان الصهيوني, تدعمه في مختلف المجالات: العسكرية والاقتصادية والسياسية والعلمية التكنولوجية والمالية, لذا مخطئ من يراهن من القيادة الفلسطينية على أن تكون أميركا حكماً عادلاً بين العرب وإسرائيل.
لقد وعد الرئيس أوباما في بداية رئاسته الأولى: بوقف الاستيطان الإسرائيلي, وبإقامة دولة فلسطينية خلال عامين لكنه لم يفِ بأيٍّ من الوعدين بل تراجع عنهما, وأضحى يطالب الفلسطينيين بالتفاوض مع إسرائيل دون أن يرى في الاستيطان عائقاً أمام المفاوضات.أميركا شريكة لإسرائيل في كل خطواتها، وما أن أعلنت السلطة الفلسطينية عن بدء توجهها بالتسجيل في الهيئات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة, وما أن أعلنت حركتا فتح وحماس عن اتفاق المصالحة, حتى انزعجت الإدارة الأميركية وتحرك الكونجرس لتفعيل ” قانون مكافحة الإرهاب الفلسطيني” الذي صدر من قبل, وينص على حظر المساعدات الأميركية لأية حكومة فلسطينية ناتجة عن مصالحة مع حماس. جون كيري وزير الخارجية الأميركي نفى ما تردد على لسانه من أن إسرائيل ستكون دولة أبارتهايد إذا فشل حل الدولتين. هذا غيض من فيض المواقف الأميركية فهل من شك لدى أحد من القيادة الفلسطينية في أن الولايات المتحدة تقف حتماً في صف الكيان الصهيوني؟.
ثالثاً: إن الإنجازات الوطنية الفلسطينية ومعرفة العالم بقضية الشعب الفلسطيني العادلة , ووقوف غالبية دول العالم معها, وتحقيق الهوية الفلسطينية , والاعتراف بالشعب الفلسطيني وتأييد قضاياه, وحتى اعتراف الكيان الصهيوني بوجود الشعب الفلسطيني وقد حاولت إسرائيل إنكاره، هذه وغيرها لم تكن لتتحقق لولا النضال الفلسطيني والكفاح بالمقاومة بكل أشكالها ووسائلها وعلى رأسها الكفاح المسلح, الذي أثبت جدّيته وفعله وتأثيره الإيجابي. بالمقابل فإن الانحدار وتراجع المشروع الوطني الفلسطيني والاستهانة بالحقوق الوطنية الفلسطينية فإنها في أحد أسبابها الرئيسية تعود إلى وقف المقاومة من قبل السلطة، واعتبارها”عنفاً”غير مبرر وصولاً إلى اعتبارها”إرهاباً” هذه الحقائق لا يجوز إهمالها والتهرب والتنصل منها تحت أي مبرر من المبررات. أثبت الكفاح جدواه في كل تجارب حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
رابعاً: أهمية ترتيب البيت الفلسطيني من داخله. لقد ثبت بالملموس أن الانقسام تماماً كما اقتقاد الوحدة الوطنية الفلسطينية وإهمال منظمة التحرير الفلسطينية, عوامل تؤدي إلى تراجع القضية الفلسطينية والمشروع الوطني عموماً, والعكس بالعكس هو الصحيح, فالوحدة الوطنية الفلسطينية, وتجاوز الانقسام وإعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات هي أوراق قوة تضاف لكل من فتح وحماس وكل فصيل فلسطيني من فصائل النضال الوطني والإسلامي على الساحة الفلسطينية. ولا يجوز أن يبقى الانقسام ولا بأي شكل من الأشكال, وليجرِ تنفيذ اتفاق المصالحة. ولتعد الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها.
خامساً: أهمية العمق الاستراتيجي العربي والدولي الصديق للقضية الفلسطينية. من دون التلاحم العضوي مع الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج ومن دون معسكر الأصدقاء فإن النضال الفلسطيني يظل ناقصاً. الاستقواء بالعاملين قضية ذات أهمية قصوى. في البداية من الضروري بلورة المشروع الوطني الفلسطيني والاستراتيجية الجديدة التي يتم وضعها. من الممكن بعدها تجميع العالم العربي من حول هذا المشروع وهذه الاستراتيجية.
إن كافة هذه المهمات الأسئلة بحاجة إلى إجابات شافية وافية من القيادات الفلسطينية كذلك هي المهمات الواردة.
المصالحة الفلسطينية… والخلفية المصرية
خيرالله خيرالله – العرب اللندنية
المشهد محزن ومؤلم وجارح ومحبط في الوقت ذاته. يُختصر المشهد في استغلال السيّد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس″، التي تمثّل تنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين، اجتماعه بالسيّد محمود عبّاس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية كي تطلق “حماس″ عناصر “فتح” الموجودة في سجون قطاع غزّة.
هل “فتح” عدوّ كي تكون عناصر منها في السجون الحمساوية… أم إن الاستحواذ على السلطة والاحتفاظ بها يبرّران كلّ شيء، بما في ذلك تصرّف الفلسطيني تجاه الفلسطيني الآخر على الطريقة الإسرائيلية؟
يبدو أن “حماس″ لم تعد تميّز نفسها عن إسرائيل منذ قرّرت الاستيلاء على قطاع غزّة منتصف العام 2007 ومنذ قرّرت الاحتفاظ به بصفة كونه “إمارة إسلامية” على الطريقة الطالبانية.
كذلك، يبدو المشهد الفلسطيني سورياليا. يلتقي “أبو مازن” مشعل في الدوحة على هامش زيارة ذات طابع عائلي قام بها رئيس السلطة الوطنية للعاصمة القطرية. يحصل اللقاء مع رئيس المكتب السياسي لـ”حماس″ فيصدر السيّد إسماعيل هنيّة رئيس الوزراء في الحكومة المقالة أمرا بإطلاق الأسرى من حركة “فتح”. هؤلاء أسرى بكل معنى الكلمة وليسوا سجناء. إنهم ضحايا الشبق إلى السلطة والسعي إلى الاحتفاظ بها بغض النظر عن الثمن.
حسنا، تمّت قبل ما يزيد على أسبوعين مصالحة بين “فتح” و”حماس″ خلال زيارة قام بها للقطاع قياديون من الحركة الفلسطينية الأمّ. اتفق الجانبان على تشكيل حكومة وحدة وطنية في غضون خمسة أسابيع، أي بعد أقلّ من ثلاثة أسابيع من الآن. اتفق الجانبان أيضا على انتخابات رئاسية وتشريعية بعد ستة أشهر.
هل يمكن للاتفاق بين الجانبين تأجيل إعلان “حماس″ لإفلاسها في ضوء سقوط مشروعها الفلسطيني بداية والمصري في نهاية المطاف؟
معيب أن تحاول “حماس″ المتاجرة بالأسرى الفلسطينيين لإظهار أنّه لا تزال لديها أوراق تلعبها. ما هو معيب أكثر أن يعلن قياديون في الحركة، بينهم الدكتور محمود الزهّار، أن المصالحة لا تعني تخلي “حماس″ عن الميليشيا التي تسيطر بواسطتها على غزّة. من يؤكّد استقلال الميليشيا التابعة له عن القوى الشرعية الفلسطينية، إنّما لا يريد مصالحة حقيقية وفي العمق تنقل القضيّة الفلسطينية إلى مكان آخر بعيدا عن الشرخ القائم حاليا.
ما يريده من يتصرّف بهذه الطريقة هو كسب الوقت لا أكثر ولا أقلّ. الواضح أن “حماس″ ما زالت تراهن على الوقت وعلى أن السلطة الوطنية في حاجة بدورها إلى الذهاب إلى مصالحة ما لتغطية الفشل السياسي مع إسرائيل، وهو فشل تسببت به حكومة بنيامين نتانياهو التي لا ترى في التسوية مصلحة إسرائيلية. تبدو حكومة نتانياهو مستعدّة حتى لمواجهة مع الإدارة الأميركية لقطع الطريق على التسوية، أي تسوية تقوم على حدّ أدنى من المنطق والشرعية الدولية.
في خلفية المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية التطورات التي تشهدها مصر والتي ستكون لها أبعادها في المستقبل، خصوصا أن مصر لم تعد تربط القضية الفلسطينية بـ”حماس″.
يتبيّن، من خلال الكلام الأخير للفريق عبدالفتّاح السيسي، المتوقّع أن يكون الرئيس المقبل لمصر أنّ الرجل حزم أمره. في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، تبيّن أيضا أنّ السيسي يدرك تماما خطورة بقاء غزّة خارج السيطرة، سيطرة الشرعية الفلسطينية، وتمدّد فوضى السلاح السائدة فيها إلى سيناء. ولذلك، تحدّث المرشّح الأقوى للانتخابات الرئاسية المصرية بشكل صريح عن أهمّية إغلاق الأنفاق التي جعلت من الغزّاويين فلسطينيين يعيشون من التهريب. هل هذا هو الشعب الفلسطيني الذي تحلم به “حماس″؟
لعلّ أخطر ما في كلام السيسي إعلانه أنّ الشعب المصري طوى صفحة الإخوان المسلمين. وانتقل بعد ذلك للربط بين طيّ “ثورة الثلاثين من يونيو” حقبة الإخوان في مصر والوضع في غزّة.
يظهر أن “حماس″ فهمت الرسالة باكرا، فهمتها قبل المقابلة الأخيرة للسيسي. فهمتها مع الجهود الجدّية التي تبذلها المؤسسة العسكرية المصرية من أجل إغلاق أنفاق التهريب، التي هي في الواقع أنفاق تستخدم من أجل نشر الإرهاب في سيناء وصولا إلى كلّ منطقة مصرية، بما في ذلك القاهرة نفسها.
لن ينفع شراء الوقت “حماس″ كثيرا. ستظلّ المصالحة من دون نتائج على الأرض في حال لم تتحرّك الحركة، التي نفّذت انقلابا في غزة، بطريقة توحي بأنّها تمتلك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بأخطائها. يفترض بها أن تعترف أوّلا بأنّها مفلسة على كلّ صعيد، خصوصا بعدما كشفت مصر دورها السلبي في مجال نقل تجربتها إلى أرض الكنانة.
بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع صيف العام 2005، كانت هناك فرصة أمام الفلسطينيين كي يؤكّدوا أن في استطاعتهم دحض الفكرة التي تستند إليها إسرائيل من أجل خوض مفاوضات جديّة مع الجانب الفلسطيني. تقوم الفكرة الإسرائيلية على عدم وجود “شريك فلسطيني” يمكن التفاوض معه. عملت “حماس″، التي باشرت بإطلاق الصواريخ من غزّة، على دعم الموقف الإسرائيلي. كانت تريد تحرير فلسطين بواسطة صواريخ مضحكة ـ مبكية في الوقت ذاته. بعد سنوات، اكتشفت أن هذه الصواريخ ليست نافعة وأنّه يمكن أن تجرّ إلى اجتياح آخر للقطاع المحاصر، على غرار ما حصل آخر العام 2008 وبداية العام 2009. بقدرة قادر، صار مطلوبا وقف الصواريخ التي اكتشفت “حماس″ أنها تخدم الاحتلال!
يفترض في أية مصالحة فلسطينية أن لا تكون مجرّد عملية هروب إلى أمام تصبّ في شراء الوقت في انتظار حصول تغيير في مصر لمصلحة الإخوان المسلمين. مثل هذا التغيير غير وارد، أقلّه في المستقبل المنظور. بات هناك فهم مصري في العمق لخطورة بقاء غزّة تحت سيطرة “حماس″ وشعبها تحت الحصار الظالم الذي يصبّ في عملية تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني بشكل جذري.
لن يكون معنى لأيّة مصالحة فلسطينية ـ فلسطينية من دون اعتراف “حماس″ بأنها أخطأت. معنى ذلك أن عليها إشهار إفلاسها علنا. في النهاية ليس لدى الإخوان المسلمين في القطاع ما يقدّمونه للشعب الفلسطيني غير تكريس الحصار الإسرائيلي الظالم من جهة وخدمة حكومة بنيامين نتانياهو من جهة أخرى.
فلتقل “حماس″ ماذا تريد قبل الاستمرار في المصالحة التي ليس إطلاق أسرى من “فتح” سوى دليل على مدى هشاشتها وكم هي مصطنعة…
الأسرى الفلسطينيون: لماذا ظاهرة استثنائية؟
د. اسعد عبد الرحمن – الرأي الأردنية
لا يقتصر الأسرى الفلسطينيون في معتقلات وسجون الاحتلال على شريحة معينة من الشعب الفلسطيني، فالكل مستهدف، والكل متهم، والأحكام والذرائع جاهزة وبغض النظر عن الجنس (أنثى أم ذكرا) والسن (أطفال أم كهول، صبايا أم شباب، أمهات أم آباء..الخ).
والأسرى، خاضوا أشرس وأشرف معارك الوطن قبل السجن، ويخوضون الآن أنبل معارك الكرامة داخل السجن، وهم من أصدق من يعبر عن جراحات الوطن وهموم الشعب، والأقدر على انتاج مواقف وطنية تقدم مصلحة الوطن على الحزب، ففيهم رجال السياسة والناشطون السياسيون، المثقفون والأكاديميون، رؤساء وأعضاء في المجلس التشريعي والمجالس البلدية. وبحديث الأرقام وليس العواطف، ما من عائلة فلسطينية لم يخض أفراد منها تجربة الاعتقال على مدى السنين.
الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال هم ظاهرة استثنائية بحق، وهم يتميزون بكونهم أصبحوا أسرى لأنهم مشاركون فاعلون في كافة أشكال النضال التي يعتمدها الشعب الفلسطيني كلما اقتضى الأمر، بل لا يمكننا إلا أن نعظم جانبا مهما في نضالهم ذلك أن منهم من قضى أكثر من ثلث قرن في سجون الاحتلال ولم ييأس بل استمر يناضل من أجل حريته، حتى بات أحدهم وهو سامر طارق العيساوي صاحب أطول إضراب عن الطعام في التاريخ، مع العلم أن قرار خوض الإضراب المفتوح عن الطعام يعتبر من أكثر القرارات صعوبة وقسوة ويحتاج إلى تفكير جاد وعميق، ويتطلب وجود قضايا تستدعي استخدام هذا الخيار.
ما يميز الأسرى كذلك، أنهم باتوا يشكلون نوعا من «الحزب المعنوي» في المجتمع الفلسطيني، رغم تأثيرات حالة الانقسام السياسي على واقع الحركة الأسيرة التي كانت وما زالت حادة، وكأني بالسجون تضطلع بدور محوري داعم وضاغط من أجل المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، وفي هذا الإطار كلنا يذكر وثيقة الوفاق الوطني التي توصل إليها قادة الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال في أيار/ مايو 2006، والتي صادق عليها المجلس التشريعي بالإجماع ونالت ثقة الشارع الفلسطيني، والتي لم ينجح – للأسف–قادة الخارج في ترجمتها على الأرض. وهي الوثيقة التي تضمنت خطوات عملية للحل، وقدمت نظرة شمولية ليس لتنفيذ المصالحة فقط، بل لتحقيق النهوض الوطني أيضاً، بعيدا عن المصالح وعن النظرة الحزبية الضيقة للأمور. فما أوسع عقولهم وصدورهم.
لقد بات «حزب» الأسرى «حزب الضمير» الوطني الذي يقدم له الشعب الفلسطيني أقصى ما يستطيع من دعم، وهو دعم يتصاعد ارتباطاً بتحرك الأسرى النضالي داخل السجون والمعتقلات. بل ربما لا يخلو الأمر من تفاعل بين أسرى وقوى سياسية وشخصيات ومؤسسات لبناء إستراتيجية عمل وطني. وفي هذا الإطار، تظهر قدرة ودور النخبة/ الصفوة داخل سجون ومعتقلات الاحتلال، فالحركة الأسيرة باتت تؤثر على أحزابها وعلى الشارع الفلسطيني رغم الإذلال والتعذيب ومحاولات النيل من معنوياتهم وتحطيم إرادتهم وتعطيل حركتهم السياسية والاجتماعية. ومما يؤكد ما سبق، أن الأسرى يصرون على رفض الإفراج عنهم مقابل أي تنازل عن الحقوق الوطنية.
الاستخفاف والاستهتار الإسرائيلي بوضع الأسرى والمعتقلين وتعاطيه معهم كمجرمين وإرهابيين أو مجرد أرقام ورهائن، هو دافع أساس لضرورة وأهمية تدويل القضية وفتح معركة قانونية مع المحتل الإسرائيلي لضمان حقوق الأسرى ومركزهم الشرعي القانوني والإنساني بصفتهم أسرى حركة تحرر وطني قاوموا المحتل. وعلينا اليوم جميعا أن ننصر الأسرى في إضرابهم الجديد، بالمسيرات والفعاليات التضامنية، بل لا ضير من مشاركتنا معهم في رحلة «الأمعاء الخاوية» حتى يصل صوتنا إليهم «بأننا معكم»، بعد أن كانوا وما زالوا معنا، فنرفع معنوياتهم في معركة الارادة ضد السجان، فيعلو صوت الأسرى ومعاناتهم وعدالة قضيتهم على امتداد العالم. كما لا بد من التركيز على ضرورة تفعيل قضية الأسرى إعلامياً، وحشد الزخم الإعلامي المناسب لإيصال هذه القضية إلى المحافل الدولية، وتجريم دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تمارس بحق الأسرى أشكال وألوان التعذيب النفسي والجسدي، دون أن ننسى أن القاعدة المركزية في عملية التدويل أن تكون الرسالة بين المستويين الرسمي الفلسطيني والشعبي الفلسطيني إلى العالم متجانسة، لضمان تأييد مؤسسات المجتمع المدني وحركات التضامن.
"مَيْ وملح"
حلمي الأسمر – الدستور الأردنية
- يمّهْ أبوي شو بوكل بالسجن ؟
-بياكل مي وملح
- وهذول زاكيين ؟
- آه زاكيين يمه، بس طعم الحرية أزكى !
(من حملة #مي_وملح)
حملة «مي وملح» تظاهرة إلكترونية دولية أطلقها ناشطون ليلة الجمعة بلغات دولية تضامنا مع الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال الإسرائيلي والذين يخوضون إضرابا مفتوحا عن الطعام لليوم الـ 17 على التوالي.
الحملة التي أعلن عنها على مواقع التواصل الاجتماعي بـ14 لغة حية تهدف لإبراز معاناة هؤلاء الأسرى، وحشد الدعم الدولي لهم ولقضيتهم وتشكيل ضغط دولي على الاحتلال الإسرائيلي للاستجابة لمطالبهم، وما أن دقّت الساعة العاشرة بتوقيت فلسطين حتى بدأ عدد كبير من النشطاء بالتغريد عبر موقع «توتير» للتواصل الاجتماعي عبر مجموعة من الرسائل المناصرة للأسرى والرافضة للاعتقال الإداري..
بدأ التغريد تحت شعار (أسقطوا الملف السرّي) في إشارة إلى الملف السري المجهول الذي تحتجز قوات الاحتلال الأسرى الإداريين بسببه، ووفق الإحصائيات، هناك 19 أسيرة، 150 طفلا، 185 معتقلا إداريا، 1400 أسير مريض بمرض مزمن، 120 أسيرا بحاجة لعمليات جراحية، 18 يقيمون بشكل دائم في عيادة السجن، (ثمة 205 شهداء سقطوا في سجون الاحتلال الإسرائيلى منذ عام 1967 بسبب التعذيب والإهمال الطبي) الأسرى ليس لديهم من وسائل للمقاومة غير إضرابهم عن الطعام، وتناول الماء والملح فقط، والتضامن معهم عبر حملة كتلك، هو أقل القليل، مما يمكن أن يفعله «الطلقاء» بعد تخلى عنهم أو كاد، الجميع!
وقد سجلت الحملة كما يبدو نجاحا باهرا، حيث تفيد بعض المصادر أن معدل التفاعل مع «الهاشتاج» للحملة (?#مي_وملح?) غير مسبوق فلسطينيا، فقد وصل عدد التغريدات على الوسم حتى مساء اليوم الجمعة إلى أكثر من 24 ألف تغريدة، منها 5 آلاف تغريدة في الساعة الأولى لإطلاق الهاشتاج، أي بمعدل أكثر من 80 تغريدة في الدقيقة الواحدة، ويبدو أن الإعداد الجيد للحملة اسهم في سرعة انتشارها، يحث يقول مهند العزة عضو مؤسسة الضمير وأحد القائمين على الحملة أنّ المعلومات التي نشرتها الحملة حول إضراب الأسرى الإداريين خلال الفترة السابقة هي معلومات دقيقة، وموثقة، وقد عمل مع فريق الحملة على جمعها، ومن ثم تمت صياغتها على شكل جمل قصيرة وبطاقات تعريفية وتصاميم وصور،
ولم تتعامل الحملة مع الأسرى كأرقام بل حاولت جلب معلومات شخصية عن كل أسير.
كما حرصت الحملة على أن تكون متكاملة وأن ترصد كافة الجوانب في حياة الأسير الإداري، حيث عملت على جلب الأرقام والاحصاءات حول الأسرى وأوضاعهم والمتابعة مع أهاليهم، وتوزيع هذه الأرقام والمعلومات على المؤسسات ووسائل الإعلام التي ترغب في تناول قضيتهم.
الحملة، كما يقول احد المغردين، لن تنقذ الأسرى .. ولن تحررهم، كما هي المظاهرات والوقفات .. لكنها أقل القليل تعمل على إحياء هذه القضية والتذكير بها، وهي نموذج حي لما يمكن ان يقدمه نشطاء شبكات التواصل الإجتماعي لهؤلاء المنكوبين بأمة غافلة عن مآسيها، ومآسي أبنائها، بمقاتلة نفسها، وتدمير ذاتها، بل توفير ما يلزم من تمويل لهذا التدمير!
أضم صوتي لصوت كل من يدعو لدعم هذه التظاهرة، التي تكتسب أهمية كبيرة لأنها تأتي في سياق تسليط الضوء على معاناة الأسرى المضربين من جهة وأهمية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الإكتروني الأوسع والأسرع انتشارا لفضح الجرائم التي ترتكبها عصابات الاحتلال بحق الأسرى وفضح هذه الجرائم التي تمعن من خلالها ادارات السجون في انتهاكاتها الفظة للقانون الدولي والأعراف والمواثيق الدولية من جهة اخرى، وأهيب بالصحفيين الفلسطينيين والعرب وكل صاحب قلم لمساندة هذه الحملة بكل الطرق الممكنة، والتضامن مع الأسرى المضربين وتنظيم حملات إعلامية مفتوحة وتخصيص موجات وساعات بث محددة للإضراب البطولي المتواصل عن الطعام للأسرى الإداريين، خاصة من جانب الإذاعات الحرة التي تمتلك قرارها، أملا في إيجاد آليات دولية للضغط على عصابات الاحتلال للاستجابة للمطالب العادلة للأسرى المضربين، وهذا في النهاية هو جهد المقل، إن لم نقل المفلس، أما الجهد الحقيقي، فهو ينصب في طريق تحريرهم عنوة وجبرا وكف يد الاحتلال الصهيوني، بل كسرها!
التطور السياسي في الأردن ليس إيجابيا
د. أنيس الخصاونة – السبيل الأردنية
التطور السياسي في الدول النامية ليس دوما إيجابيا ولا يسير بالضرورة في اتجاه الديمقراطية والحرية وحكم الشعب للشعب. الحقيقة أن مراجعة لتجارب كثير من الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية يخبرنا بأن هذا التطور قد يكون سلبيا وليس في صالح الديمقراطية، وفي أحيان كثيرة فإن من يصوغ مسارات التطور هي نفس القيادات الحاكمة أو بطاناتها؛ حيث تحرص هذه الأسر الحاكمة على استمرار هيمنتها وسيطرتها على مفاصل الدولة وإمكاناتها؛ فتهيمن على قيادة الجيش، والحرس الجمهوري أو الملكي، والمخابرات، والأمن العام، والدرك، وحتى الدفاع المدني لا يفلت من هذه السيطرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل من المعقول أن تثق الشعوب المظلومة بقيادات تسببت بشقائها وحرمانها وبؤسها، أن تنهض لتصلح طواقم الدولة وتضع دستورا وقوانين تحد من صلاحياتها؟ هل من المعقول أن تثق هذه الشعوب بذات القيادات ليتغير وجه نظام الحكم الذي يمكن أن يجرد هذه النخب من قدرتها على نهب الشعوب والسيطرة عليها ؟ هل كان من المعقول أن يتنازل زين العابدين بن علي وحسني مبارك طوعا عن السلطة؟ وهل مجيء السيسي وانقلابه على السلطة الشرعية كان عبثا أم هو عودة لنظام مبارك؟ وماذا يفعل بشار الأسد في سوريا؟ حيث أباد شعبه ومقدرات بلده وشرد مواطنيه وأهان كرامة شعب كامل أليس من أجل الهيمنة واستمرار قمع الشعب، وها هو يترشح مرة أخرى ويتحدث عن الإصلاح السياسي؟ قولوا لي بربكم هل من المعقول أن يترشح عبدالعزيز بوتفليقة للمرة الرابعة لرئاسة الجزائر وهو في سن الثمانين من عمرة وفاقد الأهلية لدرجة أنه لم يقو على السير على قدميه لصناديق الاقتراع المزورة؟
أين نحن في الأردن من ذلك كله وهل يتطور النظام السياسي بشكل واتجاه إيجابيين؟ لا أعتقد ذلك حيث أن البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير. فنحن لم نلمس لغاية الان تطورا إيجابيا ملموسا على واقع الحياة السياسية، باستثناء بعض النتف هنا وهناك في الكلام والانتقاد دون اكتراث ودون حدوث تغيير حقيقي على الدستور والمنظومة التشريعية، التي تضع شكل الحياة السياسية في الدولة الأردنية.
قوانين كثيرة تسن وانتخابات شكلية تجرى، ومحاكم تنظر بقضايا فساد، وتقارير ترفع للقيادة السياسية، وتكليفات، وردود على كتب التكليف يمضي المذيع سويعات وهو يقرأها مع أنني متأكد أنه لا يؤمن بها. معظم الأشياء تتغير وتتطور الى الأسوأ؛ فالأسعار ارتفعت بشكل جنوني، والبطالة وصلت أرقاما فلكية، والفقر سجل أرقاما غير مسبوقة، ومستوى الجريمة ارتفع بشكل صارخ، والظلم في داخل الأجهزة الحكومية والوزارات منتشر، وتعيينات مستمرة في مواقع قيادية مستندة للنفاق السياسي والتسحيج، والضرائب مستمرة في ارتفاعها، وما زال كثير من الأشخاص يتم توقيفهم ويحاكمون أمام محكمة أمن الدولة المخصصة أصلا للعسكريين بتهم إطالة اللسان وتقويض نظام الحكم وقدح المقامات العليا. يا ترى أين التطور الإيجابي في النظام السياسي الأردني؟.
النظام السياسي الأردني ورغم ادعاءاته بالإصلاح ورغبته في التطوير والوصول الى حكومات برلمانية والولاية العامة للحكومة، فإن هذا النظام يفعل عكس ذلك ويعيق الإصلاح السياسي الذي يفقده القدرة على السيطرة والهيمنة على مقدرات الدولة ومحاور القوى السياسية والاجتماعية. ما زال النظام يسيطر على أداء النواب والأعيان والوزراء والأجهزة الأمنية والقيادات العشائرية، فهل من المعقول أن يتم تشريع أو تغيير دستوري أو سياسي يمكن أن يضحي بمصالح النخبة الحاكمة والعيش الرغيد الذي تعيشه والامتيازات الهائلة التي تنعم بها؟ سؤال يبقى برسم الإجابة من قبل السادة القراء الذين نثق بذكائهم.
حزب الإخوان المسلمين الأردني
سميح المعايطة – الرأي الأردنية
المسافة الزمنية بين ظهور زمزم ونشاطها العلني وقرارات الفصل لثلاثة من قياداتها تجاوزت العام، وهذه الفترة الطويلة تعود إلى أن الجماعة كانت محتارة في شكل التعامل، وفجأة تذكرت المحاكم والعقوبات، وكان واضحاً أن الوجبة الأولى لردع الآخرين، لأن قيادة الجماعة لا تريد الوصول إلى مرحلة عمليات فصل جماعي لمجموعات هم من النخبة الإخوانية، وكانت الفكرة تحويل زمزم إلى جسم خارج الجماعة، ومن أختار البقاء معه فسيواجه الفصل لكن كفرد ودون ضجيج إعلامي أو سياسي.
وخروج أفراد زمزم من الجماعة هو النهاية المرتقبة لأن الإنقسام أصبح كبيراً بين الطرفين، والمسافات تتسع، لكن الفصل أو الغاؤه من أدوات المعركة بين الطرفين وليس تعبيراً عن مصالحة، فالتباين أصبح أكبر من أي محاولات تقارب، ومن فكر بالفصل يحمل هذه القناعة، لكنه أراد القرارات ليقول أن الجماعة قوية، وأن زمزم مشكلة عارضة ستتحول إلى جسم خارج التنظيم حتى وإن خسرت الجماعة عدداً من الأفراد.
لكن ردود الفعل داخل الجماعة كانت أكبر مما توقعته قيادة الجماعة، وطريقة تعامل المفصولين كانت على أكثر من شكل لكنها مؤذية للقيادة، وحتى أولئك الذين لم يدعموا زمزم من القيادات الكبيرة أصابهم الحرج لأن الذهاب نحو هذه الأزمة تحولهم إلى جزء من ( القيادة ) وهم لا يريدون هذا وبخاصة أن الجماعة مقبلة على تعيينات جديدة في مواقع قيادة الحزب.
اليوم يبدو المشهد معقداً أمام قيادة الجماعة فاستمرار قرارات الفصل قد يعني تطور ردود الفعل الداخلية، ويمكن لقيادات زمزم التحول إلى نماذج لقمع القيادة وحربها على رموز التنوير.
فالخلاف على النهج وليس على مصلحة، وزمزم حتى وأن لم تحقق حضوراً متقدماً إلا أنها تملك أن تكون كذلك.
وعلى الصعيد الآخر فإن إلغاء القرار يحقق انتصاراً تنظيمياً لزمزم ولمن ناصروها، ويضعف المكتب التنفيذي، وسيفتح الباب أكبر لتكون ( زمزم ) تياراً قوياً داخل الجماعة والحزب، تيار ـ اذا توفرت له إدارة ذكية – يمكن أن يغير كثيراً من معادلات الإنتخابات الداخلية للجماعة وبخاصة بعد جرعة الجرأة والعلنية التي أكتسبها بعد قرارات الفصل.
قيادة الجماعة مثل ـ بالع الموس ـ فإلغاء الفصل له ثمنه والإصرار عليه له ثمن، وكانت تتمنى أن يقبل المفصولون بالإستئناف للمحكمة الداخلية لغايات تثبيت إنصياعهم، ولم يكن المنتظر إلغاء القرار بل أن تثبيت الفصل كان خياراً، لكن أن يتم التراجع عن القرار تحت ضغط ردود الفعل الداخلية فهذا كسر لإدارة المكتب التنفيذي الذي لن يأمن بعد ذلك أي تحرك في مجلس الشورى للذهاب لإنتخابات جديدة رغم المعيقات أمام هذا.
« زمزم « إن عادت للجماعة ستكون تياراً إصلاحياً مناقضاً للفكر والمسار للفريق الذي يقود الجماعة اليوم، وإن ذهبت خارج التنظيم فليس هناك ما يمنعها من أن تكون حزباً سياسياً يحمل أسم « حزب الإخوان المسلمين « يعمل تحت مظلة القانون ويتبنى المشروع الإسلامي على أرضية مراجعة للمسار الحالي للجماعة، علماً بأن قلقاً دولياً إخوانياً يسيطر خوفاً من إتساع دائرة قرارات الدول التي ترى في الإخوان تنظيماً إرهابياً، واللقاء الأخير بين قيادات إخوانية في فرع الأردن مع مسؤول ملف الإخوان في بريطانيا هو جزء من نشاط التنظيم الدولي، فالساحة الأردنية ما زالت – حتى اليوم – الرئة الإخوانية الهامة في التحرك العلني.
الفصل لم يحل مشكلة الجماعة، وربما لن يكون إلغاء الفصل بوابة للحل والمصالحة، وزمزم إذا تحركت برؤية وذكاء ستكون تحولاً حقيقياً في مسار الحركة في الأردن.
على أبواب أوروبا!
د.رغداء مارديني – تشرين السورية
في محاولة الاستهداف القريب وفق ما خططت دول القارة العجوز بإمرة شياطين البيت الأبيض, وما كانوا يعدون العدة فيه لضرب سورية, حتى قبل الأحداث التي بدأت فيها, كان اعتراف وزير الخارجية الفرنسي الأسبق رولان دوما الذي يؤكد فيه على لسان بعض أصدقائه من المسؤولين البريطانيين, أنهم فعلاً كانوا يعدّون شيئاً ما لسورية, والهدف طبعاً كان الإطاحة بالحكومة السورية لا لشيء وإنما لأنها كانت تعلن العداء لـ «إسرائيل» في تلك المنطقة, بمعنى أنها كانت ولاتزال بموقفها المقاوم والممانع الشوكة في حلق «إسرائيل» وكل من يدور بفلك صهيونيتها..
رئيس الوزراء الإسرائيلي ومنذ فترة طويلة: «سنحاول التفاهم مع الدول المجاورة من أجل ذلك والذين لن يتفقوا معنا سنضربهم» وفيما يظهر من ذلك أن الدول المجاورة، كما أثبتت مجريات الأحداث في سورية وتطورها، لم تخفِ اتفاقها العلني مع «إسرائيل» ولا آليات الاستنجاد بها والتخطيط معها كضرورة ميدانية تحتم السعي الكبير للاستمرار فيما تم البدء به من تلك الهجمة الاستعمارية المسعورة على واجهة المقاومة في الوطن العربي.. لكن الذي لم يحسب له حساب هو مدى قدرة سورية, شعباً وقيادة, وجيشاً, على الصمود والتحدي في وجه الصهيونية الإرهابية العالمية التي قدمت أدواتها المرتزقة واستدعت عصابات التكفير الوهابية المأجورة إلى الداخل السوري, وعملت بكل قوة النفوذ والسيطرة للحصول على «امتيازات» الدمار الذي خلفته عصاباتها وراءها بعد سقوطها المتتابع.. هذه القدرة التي تجلت في الوسط السوري, حمص العدية, والتي ضربت فيها كل الخطوط الهادفة على مدى سنتين إلى تغييرات في الواقع الميداني، لكن عصابات التدمير لم تفلح مع رعاتها من دول، وبكل ما أوتيت من إمكانات وطاقات إرهابية و«فوضاها الخلاقة», بأن تحصد شيئاً مما خططت له..
سلسلة خيبات.. وتقهقر.. في مواجهة سلاسل سيناريوهات، ولكن القلق والخوف ظلا في تزايد مستمر, ما استدعى دعوة مؤتمر بروكسل ليتربع على جدول أعماله السؤال الأكبر: ما الذي على أوروبا أن تفعله للحيلولة دون عودة الإرهابيين الأوروبيين إلى أوروبا؟ وما التدابير الواجب اتخاذها، وتأثير هذه الظاهرة «الإرهابية» على أمن العالم؟
خوف وزيرة داخلية بلجيكا مبرر جداً، في خلطة الإرهاب المتنقلة التي صنعتها أوروبا نفسها مع سيدتها أمريكا, لكنها فيما يبدو لم تدرك إلى أي مدى يمكن السيطرة على القمقم الوهابي «القاعدي» الذي أخرجوه من مكمنه, وصنعوا أجياله المتتالية بغية تحريك خيوطه في الدول التي تدور الأعين على تقسيمها وشرذمتها تنفيذاً للأهداف والمصالح الغربية الموضوعة التي تصب في مصلحة «إسرائيل» وأمنها أولاً وآخراً، أو إلى أي مدى يمكن إعادة شد الخيوط على المسرح العالمي, الذي بات يعرف أكثر من غيره أن الخيبة الإرهابية ارتدّت على مَواطن صانعيها, ومموليها, ومسلحيها, ومرتزقتها المعارضة في دروس وعبر يتحكم فيها التاريخ المستقبلي, بالذي جناه من دعم الإرهاب وصدّره وأطلقه في أرض المنطقة عامة وسورية خاصة.. وما الذي ستفعله «المعارضة» التي يستجدي الجربا فيها دعم أمريكا بعد الشعور بالخيبة، فلننظر في واقع الحال بعد ثلاث سنوات في الوقت الذي تسطر فيه سورية العِبَر والدروس, في كيفية صناعة أقواس النصر الميداني والنفسي على كل من سوّلت له نفسه محاولة تدنيس هذه الأرض الطاهرة, وتدمير أوابدها الأثرية والدينية, وتهجير أهلها وخلخلة نسيج فسيفسائها الاجتماعي والإنساني لأنها تسير بثبات إلى استحقاق رئاسي على أرضية التعددية والديمقراطية الحق التي ستضع أوروبا وأمريكا ومن في فلكهما بديمقراطياتهم الدموية المجرمة في عشرات مؤتمرات قادمة عنوانها العريض: سرّ سورية الحضارة والتاريخ والصمود.
إلى متى يا قطر؟
فهد الدغيثر – الحياة اللندنية
الأشرطة السمعية التي تسربت أخيراً، وتضمنت أحاديث خطرة بين أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني و«الهالك» معمر القذافي، لا يمكن أن تمر مرور الكرام على دولة بحجم ومكانة ومكتسبات المملكة العربية السعودية. جل ما دار في الحديث المسجل يشير إلى العمل بكل تخطيط وتصميم على إسقاط حكم آل سعود، وبالتالي تفتيت هذه الوحدة العظيمة، التي أسسها الراحل الملك عبدالعزيز، لذا فتوقعاتي تشير إلى اتخاذ المملكة قريباً إجراءات عملية قد تكون قاسية ضد قطر.
الواقع أن محتويات هذه الأشرطة، وأخيراً وليس آخر، فسّرت لنا كمتابعين، السر في سلوك حكومة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني منذ أن فاجأتنا قبل عقدين بهرولتها لاستضافة القوات الأميركية التي غادرت قاعدتها في مدينة الخرج السعودية، وقبلت بوجودها في منطقة العديد قرب الدوحة من دون أي شروط. فسّرت لنا مواقف تلك الحكومة السياسية الغامضة حول بعض القضايا العربية الشائكة، ومنها افتتاح مكتب التمثيل التجاري الإسرائيلي في الدوحة، في خطوة أثارت استغراب الأعداء قبل الأصدقاء. فسّرت لنا ما يتردد عن الدعم القطري للحوثيين في اليمن، وتمرد البعض في البحرين، وتخريبهم وأعمالهم الإرهابية ضد مكتسبات البحرين وحكومتها وملكها. فسّرت لنا التحريض الذي تقوده قناة «الجزيرة» والموجه في شكل كبير ضد السعودية منذ تأسيس هذه القناة. كنا في المملكة في حيرة من أمرنا، إذ إن هذه القناة تدار تحت نظر حكومة خليجية حكامها وشعبها من أقرب الناس إلينا وبكل القياسات الدينية والمذهبية والقبلية. لكن مع كل هذا استمر ذهولنا وصمتنا وتغليب حسن النوايا لعقود متعددة ولم نحرك ساكناً، على رغم تمادي هذه القناة للحد الذي وصل إلى الدعم اللوجستي لتنظيم «القاعدة»، واستضافة هذه القناة لأفراد لا قيمة لهم، إلا كونهم ينتقدون المملكة ورموزها في تبريراتهم لعمليات القاعدة. كلنا يعلم بالطبع أن المملكة قضت على هذا التنظيم في الداخل، على رغم قوته وانتشاره في غفلة من المتابعة الدقيقة قبل البدء في ممارسة الإرهاب في مدننا ومؤسساتنا. إذاً فما كان يُعتقد أنه سينجح فشل. على أن من صفات البشر قبول التغيير والتعايش معه عندما يتكرر كثيراً، ولهذا فأخبار وتحليلات «الجزيرة» الموجهة ضد المملكة أصبحت أموراً شبه عادية. نعم، فمع تكرار خطاب هذه القناة تولدت لدينا في المملكة مناعة جديدة ضد النقد بعد أن كنا نشعر بالحساسية المفرطة لأي كلمة نسمعها. ومع تقلص تأثير القناة وظهور قناة «العربية» وتألقها المبهر وصلابة وحدة المملكة كان لا بد من البحث عن وسيلة أخرى، فالجبل لم تهزه الرياح بعد. من دون أن أخوض في التفاصيل الأخرى المملة وصل تصميم الشيخ حمد إلى التحدث مباشرة مع رئيس عربي وجدوا لديه قبول الفكرة. كيف لا وقد تلقى القذافي تلك «التهزئة» المجلجلة في مؤتمر قمة عربية من فم خادم الحرمين الشريفين حفظه الله عقب تطاوله واستهتاره بمواقف المملكة. ولهذا التواصل سبب آخر بالطبع، فالشيخ حمد بن خليفة ووزير خارجيته السابق الشيخ حمد بن جاسم أيضاً يدركان كل الإدراك أنهما لن يجدا فرداً واحداً من أفراد آل سعود قد يقبل بالتعاون معهما ويحقق أهدافهما.
من هنا ففتح الموضوع مع القذافي لم يكن إلا مما لا بد منه. لكن وربما بسبب الاندفاع غير المحسوب لم يخطر ببال «الأشقاء» أن ذلك «الهالك» كان يسجل حديثهم في جهاز تسجيل مخفي في أحد جيوبه التي لا يمكن التنبوء بمكانها، خصوصاً عندما يرتدي الزي البلدي القديم.
خرج التسريب الأول قبل سنتين، وكان حديثاً يقوده الوزير حمد بن جاسم وزير الخارجية آنذاك في جلسة له مع الرئيس الليبي. قلنا إنها «غلطة» وتجاوزت المملكة عنها أو بعبارة أصح حاولت تناسيها. لكن خروج التسريب الأخير الذي دار فيه الحديث بين الشيخ حمد بن خليفة وهو أمير الدولة والقذافي كان «مزلزلاً» في خوضه في التفاصيل لما كان يخطط له. ففي مقتطفات منه كان الشيخ حمد، عفا الله عنه، يكرر أن المملكة والأسرة الحاكمة زائلون في زمن لن يتجاوز 12 عاماً وكان يقسم على ذلك.
لنعلم أن الأداة التي قد تنفذ أي مخطط كهذا لا بد أن تكون سعودية، أي من الداخل. وهنا نتذكر حماسة حكومة قطر في تضخيم «القاعدة» ورموزه السعوديين كما أشرت. قطر عملت أيضاً على استقطاب بعض السعوديين وإغرائهم بالمال بل ومنحهم الجنسية القطرية. كما أنها، أي قطر، حرصت على التقاط بعض «الرجيع» من القوميين العرب المشتبه بتاريخهم «النضالي» أمثال النائب في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة وغيره ليعاونوها في إدارة ما يسمى بـ«التغيير»، والمقصود بذلك التدريب على قلب أنظمة الحكم. لكن الإطار الأكبر بالطبع لتحقيق هذه الأهداف هو توظيف جماعة «الإخوان المسلمين»، في مصر، خصوصاً بعد فوز مرشحهم محمد مرسي بالرئاسة أم توظيف كوادرها في المملكة ودول الخليج. استخدام «الإخوان المسلمين» يدغدغ مشاعر السذج ممن يعتقد أن هذا الرهط يمثل الإسلام ويطبق الشريعة. لكن من سوء طالع أصحاب هذه الخطة أن المصريين أسقطوا الجماعة، وأن الملك عبدالله كان أول المؤيدين والمهنئين لقائد الجيش المصري المشير عبدالفتاح السيسي الذي لم يتردد في الاستجابة لمطالب شعبه. ليس ذلك وحسب، فقد اضطر الشيخ حمد إلى ضم مصر والإمارات العربية والبحرين إلى قائمته بعد أن سارعوا أيضاً بتأييد سقوط «الإخوان» ودعم مصر مالياً لإنقاذ اقتصادها المنهار، ومما زاد الطين بلة بالنسبة إلى الشيخ أن حكومة أبو ظبي وبعد سقوط جماعة مصر مباشرة تمكنت من اكتشاف وتفكيك خلايا إخوانية في الدولة وأودعت قيادييها السجون بحزم وصرامة لافتين.
إذاً «القاعدة» تم دحره وجماعة «الإخوان المسلمين» تم القضاء عليهم كحزب سياسي، وزادت المملكة ومصر بأن تم تصنيفهما لهذه الجماعة كجماعة إرهابية. من تجنس بالجنسية القطرية أو من تعاطف مع خطاب قطر الإعلامي من أبناء المملكة وذهب إلى هناك لتلقي المحفزات انفضح شأنهم جميعاً، وأصبح المجتمع السعودي ينظر لهم باحتقار. شعبية الملك عبدالله بن عبدالعزيز صارخة يسمعها ويدركها القاصي والداني. المشير السيسي مرشح للفوز برئاسة مصر. المرشد ومرسي ورموز الجماعة يحاكمون علناً وهم وقوف خلف القضبان. الرئيس الأميركي أوباما الذي أيد فوز الإخوان وجد نفسه مضطراً لزيارة والدنا الكبير في مخيمه الشتوي بروضة خريم ليؤكد عمق العلاقات السعودية - الأميركية على رغم ما أصابها من فتور بسبب مواقف إدارته.
اليوم نجد تركيز الإخوة الأشقاء يتجه إلى تعزيز التعاون بين قطر وتركيا وهذا مشكوك في نجاحه. ويتجه أيضاً إلى النيل من دولة الإمارات التي شاركت المملكة والبحرين في قرار سحب السفراء من الدوحة. المراقب اليوم يلحظ جهود الأبواق القطرية في عزل الإمارات والبحرين عن المملكة في محاولة غير موفقة هي الأخرى لإضعاف الموقف، ذلك أن علاقة الود والمحبة بين السعودية والإمارات تحديداً اليوم هي في أقوى أوقاتها.
الخلاصة أن ما قامت به حكومة حمد بن خليفة وما تسرب إلينا من حديث سمعه القاصي والداني يعتبر خطراً جداً ولا يمارسه سوى الأعداء. اليوم وقد تكشفت كل الأوراق، ونفد الصبر، أجزم بأن حكومات المملكة والإمارات ومصر والبحرين ستفرض عقوبات أخرى على قطر بعد أن يتم بناء هذه الحال قانونياً وبكل القرائن المتوافرة على المستويين الإقليمي والدولي. يجب ألا «نقبل» أو «نعتاد» أو نتناسى ونصفح عن مواضيع تصل إلى هذا الحد من التآمر لإلحاق الأذى. نحن لا نتحدث عن تقرير مغرض بثته قناة إخبارية، بل عن خطة عدائية يقوم بها رئيس دولة، وهي لا تقل عن إعلان الحرب. من أهم هذه العقوبات برأيي عزلها، أي قطر، عن دول الخليج تماماً عبر إغلاق الحدود البرية ومنع الطائرات القطرية أو أي طائرة أخرى يشتبه بها من التحليق فوق أجواء المملكة والإمارات. من العقوبات الأخرى إعادة النظر في جميع الاتفاقات التجارية الموقعة بين هذه الدول وقطر، ولعل أبرزها اتفاق السماح لخطوط طيران «المها» القطرية بخدمة النقل الجوي داخل المملكة. ومنها إقناع القوة الفاعلة في المجتمع الدولي بأن هذه الحكومة تمارس مراهقة خطرة قد تتجاوز آثارها أمن واستقرار المنطقة. وقبل كل هذا وذاك التفاهم مع إيران بأن التعاون مع قطر بما قد يضر مصالح دول الخليج يعتبر عدواناً موجهاً من إيران لهذه الدول.
أقول ذلك وأنا مدرك بأن السعودية والإمارات ومصر ربما اقتنعت اليوم وأكثر من أي وقت مضى بأن فرض مثل هذه العقوبات لم يعد مجرد خيار بل واجب فرضته الظروف العدائية الخطرة التي نعيشها بوضوح لا يقبل التشكيك أو التأويل كما أشرت. توقعاتي أن العمل بهذه العقوبات أصبح وشيكاً جداً إلا إذا تمكن الأمير الشاب تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني الأمير الحالي من تصحيح تلك الأوضاع والتوجهات وطرد من بلاده جماعات الغدر والتآمر وهم في الغالب أجانب وبادر بالاعتذار لأهله وعشيرته في الخليج. عندها فقط يمكن طي هذه الصفحة السيئة، وعندها فقط يمكن لقطر العودة لمكانتها والتركيز من جديد على التنمية والتنافس الخلاق واستعادة احترامها الذي يستحقه شعبها الطيب الكريم، هذا الشعب الذي أجزم وبلا تردد ومن معرفتي القريبة به، أنه مستاء بقدر استياء أي مواطن سعودي أو مصري أو إماراتي مما حدث.
لماذا يسقط الموهومون بوهم أنهم دولة عظمى
د. ناديا بوهنّاد – العرب اللندنية
يحكى أن هناك قطا يدعى “مينوش” هو جميل، يتباهى بشعره الأشقر الطويل، لكنه جبان إلى درجة أنه يتجنّب المشي على الأرض مثل باقي القطط، فتراه إما بين أغصان شجرة عالية نائما، أو فوق السطوح، يترنح بكسل غير عادي. وفي رواية أخرى يبحث في حدائق المنازل عن الفقع المتواجد في الخليج بكثرة.
المهم أن يكون بعيدا عن الناس والكلاب في الحي الذي يعيش فيه. ولكن على الرغم من الجبن الغريزي كان مينوش يتباهى بنرجسيته كل يوم أمام المرآة، فيخيل له تارة أنه أسد يرعب من حوله وتارة دنجوان زمانه يحلم بالعبث بقطط الجيران. وفي أحد الأيام وبعد أن أمضى يومه أمام المرآة متخيلا أنه أسد، خرج يترنح بكبرياء وهو لايزال يعيش ذلك الوهم الأسدي حتى تفاجأ بواقع أنه يقف وجها لوجه مع “بوبي” كلب الجيران الشرس فصار في خبر كان بسرعة لم يكن يتصورها، المسكين المتوهم. حكاية قرأتها قبل فترة من أحد المواقع وتذكرت الوهم الذي تعيشه قطر.
من خلال متابعة الأوضاع الحالية التي تمر بها قطر لا سيما مع جيرانها من دول الخليج نلاحظ أن قطر لاتزال موهومة وتعيش وهما لا حقيقة ولا واقع له على أنها دولة عظمى. قطر وقّعت آلية تضمن عدم التدخل في الشأن الداخلي وأن لا تضر سياستها الخارجية بدول مجلس التعاون، والآن دول المجلس بانتظار تنفيذ هذه الآلية. ودول مجلس التعاون في بداية إعادة العلاقات كما هي بناء على التزام قطر بالتنفيذ. وآلية التنفيذ هذه هي نفسها التي رفضت قطر تنفيذها سابقاً وأدى ذلك إلى أزمة سحب السفراء.
قطر لاتزال تلفّ وتدور في محاولة الخداع بالتمسك بطريقة أو بأخرى بدعم الإخوان الإرهابيين، فعوضاً عن طردهم من قطر والتوقف عن مساندتهم ها هي ترحّلهم بكرامة إلى دول تعجّ بالإرهاب في محاولة لإيجاد ملجأً آخر لهم يستمرون من خلاله في نشاطاتهم ضد العالم العربي وخاصة دول الخليج، هذا على افتراض أن قطر قامت بترحيلهم على أرض الواقع لأن هناك من يشكك في هذه الخطوة ويعتبرها إحدى وسائل المماطلة وشراء بعض الوقت.
يبدو أن قطر على قناعة تامة أن بقاءها يكمن في استمرارية بقاء ونشاط جماعات الإخوان الإرهابيين من أي مكان. وربما لا نبالغ إذا قلنا أن قطر على استعداد لإبادة شعوب بأكملها للتأكيد على استمرارية وجودهم الإخواني ولو لمدة محدودة، ذلك بسبب الوهم الذي تعيشه من أنها أصبحت دولة عظمى أو ربما في الطريق على السجادة العظمى لتصبح دولة عظمى وربما تقف يوماً جنبا إلى جنب مع حليفتها أميركا عند اتخاذ قرارات مصيرية عالمية.
المشكلة أن النرجسي لا يتصور بل ولا يقبل أن يكون هناك من يعارضه أو يقول خلاف ما يقوله أو يفعله فالنرجسي يعيش في حالة من الإنكار والرفض اللاشعوري لدرجة أن المعالج النفسي يعجز عن علاجه إلا إذا اعترف هو بدائه. هذا الوهم الذي تعيشه قطر والإصرار على دعم جماعة الإخوان الإرهابيين ربما يؤدي يوما ما إلى سقوطها بلا رجعة.
وربما من أهم الأسباب الوهمية التي قد تؤدي إلى سقوط قطر هي النرجسية التي تعتلي قادتها ممثلة في شهوة النفوذ والسيطرة ليس فقط في منطقة الخليج بل في العالم العربي. أما في الداخل فقد علم الكثير من الناس عن أنباء استياء الشعب القطري لمثل هذه الممارسات والتي كانت تكمم أفواههم بزيادة الرواتب إلى الأضعاف المضاعفة حتى لا تكبر هذه الاستياءات وتتحول إلى عصيان أو ثورات. وفي أسوأ الحالات يزج في السجون من يشتبه به أنه متآمر أو ضد الحكومة أو حتى إن عبّر عن استيائه من خلال قصيدة.
كل يوم نسمع عن محاولات بطولية فاشلة تقوم بها قطر لإيصال الأذى إلى جيرانها، سواء بطريقة مباشرة كما هو العدوان على البحرين أو عن طريق الحرب الأخلاقية والإعلامية ضد الإمارات، أو عبر عداء خفي غير مباشر من مراوغة وتأليب ومحاولة نشر الفتن كما هو الحال مع المملكة العربية السعودية.
يُقال إن “الرصاصة التي لا تصيب تدوش” وقطر من خلالها محاولاتها الفاشلة سببت الكثير من الإزعاج لجيرانها وللدول العربية المجاورة، ودول الخليج لا تزال صابرة وتسعى للصلح لكن لا فائدة مرجوة من ذلك، خاصة بعد تسريب شريط الفيديو لأمير قطر السابق الشيخ حمد وحديث المراهقين المغامراتي عن نواياه في الخليج والعالم العربي.
في مقال سابق ناديت بأن يتم استدعاء قطر إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، واليوم أتساءل ألم يحن الوقت لإيقاف قطر عند حدها ومحاكمتها وأن يتم ضمّها إلى ما كان يجب أن تكون عليه إمارة تحت قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة أو أن تتكرم المملكة العربية السعودية وتدمجها مع أحد مدنها الصغيرة، وبهذا تتخلص قطر من الوهم الذي تعيشه والذي لا محالة سيتسبب في سقوطها قريباً.
تنظيم «داعش» السعودي
عبد الله بن بجاد العتيبي – الشرق الأوسط
الخبر الذي أعلنته وزارة الداخلية يوم الثلاثاء الماضي 7 مايو (أيار) خبر يجب أن يثير ما يستحقه من جدل ونقاش، وملخص الخبر هو الإعلان عن اكتشاف تنظيم جديد بشبكة متكاملة فيها كل عناصر التنظيمات الإرهابية، من البيعة والسرية والهرمية والتمويل والتخطيط والتجنيد والتدريب، ولكنه هذه المرة لم يأت من تنظيم القاعدة الأم، الذي أصابه الكثير من الوهن، ولا مما كان يُعرف بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي قضت عليه السعودية، حتى ألجأته لليمن، وإنما من تنظيم فرعي جديد هو تنظيم دولة العراق والشام، المعروف بـ«داعش».
السؤال المهم اليوم هو كيف وصلنا إلى «داعش»؟ والجواب هو أن انتفاضات ما كان يُعرف بالربيع العربي كانت ربيعا أصوليا بامتياز، سواء لحركات الإسلام السياسي أم لحركات العنف الديني، وأن الأخيرة انتعشت تحت حكم الأولى سواء في مصر أم تونس أم في فوضى ليبيا واليمن، ولم تزل تنمو وتتوسع. وإن كانت مصر قد نجت من ذلك الربيع الأصولي، ولكنها ستظل أمدا غير قصير في مواجهة الأولويات الأصولية وخطاب الأصوليات بشكل عام.
في الحالة السورية، فإن السبب المباشر لخروج تنظيمات القاعدة كـ«النصرة» و«داعش» هو تقاعس القوى الكبرى في العالم عن أي دور ذي تأثير في وقف عنف النظام ضد شعبه، ولم تحرك ساكنا عندما تطور ذلك العنف لاحقا إلى حرب طائفية على نطاق واسع برعاية إيرانية كاملة، والصبغة الطائفية فاقعة اللون كان واضحا أنها ستلد ما يناقضها على الجهة الأخرى من الاصطفاف الطائفي، هذا بمنطق التاريخ، وقد ساعدت إيران على خلق ورعاية تنظيمات من هذا النقيض الطائفي في وجهه السني تكون مهمتها شق صفوف الجيش السوري الحر، ومساعدة النظام على البقاء بوعي أو من دونه، لا فرق، أقله لدى الشباب المغرر به.
كتب كاتب هذه السطور في بداية الأزمة السورية أن الصمت عما يجري في سوريا سيخلق بيئة مناسبة لخلق وتناسل تنظيمات العنف الديني، كتنظيمات القاعدة، وأنه ما لم يبادر العالم إلى حل سياسي يحسم الأزمة، فسوف يصطلون بنارها لاحقا، وهو ما نراه اليوم من استنفار كبير في الدول الغربية وتحذيرات عالية النبرة من عودة المقاتلين الأوروبيين إلى بلدانهم، أو من التخطيط لعمليات ضد الغرب تنطلق من سوريا التي أصبحت مرتعا وخيما لكل أنواع التنظيمات الإرهابية.
تنظيمات القاعدة بيادق إيران، من «القاعدة» الأم إلى التنظيمات الفرعية؛ القديم منها والجديد، فقد ظلت إيران منذ ما بعد 2001 ملجأ وملاذا للهاربين من أتون الحرب في أفغانستان، ولم تلبث إيران أن استغلت ذلك لتصبح بؤرة لقيادات التنظيم، تتحرك تحت عينها وبتخطيطها، وفي 2003 استطاعت أن تكون جسرا ينقل عناصر «القاعدة» من أفغانستان وباكستان إلى العراق، وهي اليوم تتحكم بتنظيمات القاعدة الجديدة في العراق وسوريا واليمن.
رغم اختلاف الآيديولوجيا، فقد جمع الطرفان العداء المستحكم لديهما للسعودية، ومعهما جماعة الإخوان المسلمين ورموزها وقيادتها، فها هو أول تنظيم فرعي لـ«داعش» يستهدف السعودية، وهو ما كانت تصنعه «القاعدة» منذ إنشائها، وفشلت فيه، وستفشل.
استشعارا للخطر المحدق، فقد استبقت السعودية ذلك بقانون مكافحة الإرهاب وتجريم المغررين بالشباب السعودي المستهدف، وإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وموقفها القوي سياسيا تجاه الأزمة السورية وتجاه حماية الدول العربية من محاولات الهيمنة وبسط النفوذ الإيرانية.
هذه المنظومة السعودية الجديدة من السياسات المعلنة إقليميا في سوريا واليمن ومصر، مع التشريعات النظامية الجديدة، مع القوة الأمنية الضاربة، كفيلة بإحداث فرق في مواجهة الخصوم، ومنها التنظيمات الإرهابية، وهي بحاجة لشيء من التكامل في الداخل للقضاء على أي جذور فكرية أو رموز تحريضية لاستنقاذ الأجيال السعودية الشابة من أن تكون وسيلة بيد أي أحد لتنفيذ أجندته بدماء أولئك الشباب.
كتبت الصحف تفاصيل الخبر المهم من التنظيمات النسائية إلى الأموال الخارجية، وكذلك الدور الإيراني، غير أن الإشارة الأخطر هي أن مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «تويتر» و«فيسبوك»، قد أصبحت تشكل مواطن للتجنيد وبناء التنظيمات واستقطاب العناصر، وجمع التبرعات، ونحوها، وهي خطيرة، لأن تلك المواقع يرتع فيها الراتعون بلا زمام ولا خطام من المتطرفين بكل أصنافهم وتوجهاتهم، وانتقال تلك التطرفات لتصبح مؤثرة في الواقع الحقيقي لا الافتراضي هو نذير شؤم يجب الحذر الشديد منه، وإيجاد الآليات المناسبة لمواجهته وتحجيمه.
من الحقائق المعروفة للمتابع أن «القاعدة» بكل تنظيماتها لم تقم بعملية واحدة ضد إيران، ولا ضد الأحزاب التابعة لها، كحزب الله في لبنان وحركة الحوثي في اليمن، ومنها أن داعية واحدا من المحرضين لم يذهب ليقاتل في مواضع الاضطرابات، كسوريا، بل وأبناؤهم كذلك؛ الداعية يذهب صيفا لسهول تركيا الخصبة أو سائحا لأوروبا، وابنه مبتعث في أرقى جامعات العالم، وأبناء الآخرين يذهبون حطبا في نار التحريض!
من «بلاي ستيشن» إلى «جبهة النصرة». قصة معبرة في هذا السياق تختصر التغرير بالشباب السعودي، رواها في برنامج الثامنة للإعلامي داود الشريان «الشاب مسفر» الذي أعادته لوطنه دموع والدته (أم محمد) في حلقة سابقة من البرنامج نفسه، تلك الدموع التي كان قد تندر بها دعاة التحريض والفتنة، واعتبرها أحدهم تمثيلية مدبرة!
ثمة «سوق نخاسة» للصغار من الشباب السعودي، تحت شعارات «الجهاد» بمعناه الجديد، الذي صنعه وأجاده من يُسمون بـ«الدعاة»، وليس بمعناه الديني، وأمثاله من المفاهيم المتطرفة والأساليب التحريضية التي تجعل من الشاب فريسة سهلة لتنظيمات الإرهاب، وما لم يتم تطبيق التشريعات الجديدة بصرامة على المحرضين، فإننا لن نستطيع كسر هذه الدائرة المغلقة من الإرهاب.
إن فضح ارتباطات تنظيمات العنف الديني، كتنظيم القاعدة وجماعات الإسلام السياسي، كجماعة الإخوان المسلمين، لم يكن غيا، بل وعي، بخطرها على الشباب والدول والأوطان. هذه جماعات إرهابية، وقياداتها إرهابيون بالتعريف والتوصيف.
أخيرا، فإن حرب السعودية ضد الإرهاب هي استراتيجية متواصلة لم تزل تطورها بتشريعات وأنظمة داخلية وبنجاحات متوالية، وكذلك بتحالفات خليجية وإقليمية ودولية، والتنظيمات الإرهابية تنجح في العمالة والتخريب، ولكنها لا تسقط الدول، خاصة تلك التي تعرفها جيدا وهزمتها من قبل.
يهودية إسرائيل وديمقراطيتها
د. فهد الفانك – الرأي الأردنية
مضى 29 إبريل …ثم ماذا بعد؟
د. فايز رشيد – الوطن العمانية
المصالحة الفلسطينية… والخلفية المصرية
خيرالله خيرالله – العرب اللندنية
الأسرى الفلسطينيون: لماذا ظاهرة استثنائية؟
د. اسعد عبد الرحمن – الرأي الأردنية
"مَيْ وملح"
حلمي الأسمر – الدستور الأردنية
التطور السياسي في الأردن ليس إيجابيا
د. أنيس الخصاونة – السبيل الأردنية
حزب الإخوان المسلمين الأردني
سميح المعايطة – الرأي الأردنية
على أبواب أوروبا!
د.رغداء مارديني – تشرين السورية
إلى متى يا قطر؟
فهد الدغيثر – الحياة اللندنية
لماذا يسقط الموهومون بوهم أنهم دولة عظمى
د. ناديا بوهنّاد – العرب اللندنية
تنظيم «داعش» السعودي
عبد الله بن بجاد العتيبي – الشرق الأوسط
يهودية إسرائيل وديمقراطيتها
د. فهد الفانك – الرأي الأردنية
هناك مقولة يرددها المحللون في محاولة لإقناع إسرائيل بقبول حل الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام.
هذه المقولة تقرر ما يبدو أنه بديهية وهي أن إسرائيل لا يمكن أن تظل ديمقراطية ويهودية في الوقت نفسه وهي تسيطر على ملايين الفلسطينيين تحت الاحتلال وتحرمهم من الحقوق المدنية والسياسية.
إذا أرادت إسرائيل أن تكون دولة ديمقراطية ، فعليها أن تعترف للفلسطينيين في الضفة والقطاع بنفس الحقوق التي تمنحها القوانين الإسرائيلية ، بما فيها حق التصويت. ولكنها في هذه الحالة لن تظل يهودية ، لأن العرب لا يقلون عن اليهود في إسرائيل كبرى تضم كل أراضي فلسطين التاريخية.
أما إذا أرادت إسرائيل أن تكون دولة يهودية ، فلا مناص من إعطاء الفلسطينيين دولتهم المستقلة ، بل إن قيام الدولة الفلسطينية يجب أن يكون مطلباً إسرائيلياً ، حفاظأً على يهودية الدولة التي يريد نتنياهو أن يحصل عليها من المفاوض الفلسطيني مجاناً.
إسرائيل تفهم هذه الحلقة المفرغة ، ومع ذلك تعتقد بإمكانية الجمع بين يهودية إسرائيل وديمقراطيتها ، بتكرار تجربة الفصل العنصري (أبرتايد) التي طبقت في جنوب إفريقيا ، ولديها حل على المدى البعيد هو وضع الفلسطينيين تحت الضغط لكي يهاجروا تدريجياً إلى بلدان عربية كما حصل بعد 1967 ، وخاصة إلى تلك البلدان التي يعتقد أنها ستقبل أي عدد من اللاجئين مقابل الثمن!. أما على المدى القريب فهو انتظار اللحظة المناسبة لتطبيق الترانسفير ، أي ترحيل السكان أو معظمهم من الضفة دفعة واحدة كما حدث في 1948 و1967.
إذا كانت رغبة إسرائيل في بقائها ديمقراطية ويهودية تفرض عليها القبول بحل الدولتين ، فلماذا لا تفعل ولو تحت الضغط الأميركي والعصا الصغيرة والجزرة الكبيرة اللتين يلوح بهما وزير الخارجية الاميركي جون كيري.
يكمن الجواب في اعتقاد حكام إسرائيل بأنها تستطيع أن تحصل على كل ما تريده لمجرد أنها قوية عسكرياً ومدعومة سياسياً من أميركا ، فقد قامت إسرائيل بالقوة ، وصمدت حتى الآن بالقوة ، فلماذا لا تسعى بالقوة إلى ما يظنه العالم مستحيلاً؟.
ميزان القوى الذي يميل لصالح إسرائيل عسكرياً لا يميل لصالحها تاريخياً. وسياستها الراهنة تشكل مقامرة بمصيرها وبقائها. وتعطي معنى للشعار الذي يثير أعصابها: زوال إسرائيل حتمية تاريخية.
مضى 29 إبريل …ثم ماذا بعد؟
د. فايز رشيد – الوطن العمانية
انتهت فترة التسعة أشهر المحددة للمفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني.انتهت دون أن تُسفر عن أيّ شيء سوى المزيد من التعنت الإسرائيلي في رفض الحقوق الوطنية الفلسطينية, ومزيد من الاشتراطات على الجانب الفلسطيني. انتهت كما كان متوقعاً لها بالفشل, فإذا كانت مباحثات عشرين عاماً من التفاوض لم تؤد إلى إقناع إسرائيل بأيٍّ من الحقوق الفلسطينية فهل ستكون فترة التسعة أشهر كافية؟ من قبل أعلن شامير رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق على هامش مؤتمر مدريد: بأننا سنطيل المفاوضات مع الفلسطينيين عشرين عاماً، وبالفعل طالت المفاوضات إلى هذا الزمن, وليس هناك من مؤشرٍّ ولو صغير بأن تنزاح دولة الكيان قيد أُنملةٍ عن تعنتها. لذا مطلوب من القيادة الفلسطينية الإجابة عن السؤال: ثم ماذا بعد؟. وبخاصة أنها حشرت ذاتها في استراتيجية خيار المفاوضات والمفاوضات وحدها! ثم عليها أن تستخلص الدروس والعبر من تجربة المفاوضات منذ اتفاقية أوسلو وحتى هذه اللحظة, ولعل من أبرز دروس المرحلة الطويلة المعنية ما يلي:
أولاً: سقوط خيار السلطة في المفاوضات, فالاستيطان الإسرائيلي زاد خلالها أضعافاً مضاعفة عمّا كان قبلها, وتوسعت عدوانية إسرائيل, وأعاد شارون احتلال الضفة الغربية, وزاد حجم الاشتراطات الإسرائيلية على الفلسطينيين وحتى على العالم العربي مقابل القبول بإجراء تسوية محدودة مع الطرفين. القيادة الفلسطينية مطالبة بإيجاد البديل للمفاوضات, فالشعب الفلسطيني يقع في خِضّم مرحلة التحرر الوطني, وأسئلة شعبية كثيرة بحاجة إلى ردود من قيادة السلطة الفلسطينية عليها. والوضع يحتم انتهاج استراتيجية جديدة وتكتيك سياسي أيضاً جديد, فلا يمكن للقيادة ترك شعبها معلقاً في حبال من الوهم عنوانها المفاوضات الفاشلة.نخشى ما نخشاه أن تتعرض السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس شخصياً لضغوطات دولية وبخاصة أميركية لاستئناف المفاوضات تحت وعودٍ جديدة. لن تنفذ هي الأخرى كما سابقاتها التي لم تنفذ.
ثانياً: سقوط الرهان على الولايات المتحدة في أن تكون وسيطاً نزيهاً محايداً بين الفلسطينيين والعرب وبين إسرائيل. كانت الولايات المتحدة في كل مواقفها حليفاً عضوياً للكيان الصهيوني, تدعمه في مختلف المجالات: العسكرية والاقتصادية والسياسية والعلمية التكنولوجية والمالية, لذا مخطئ من يراهن من القيادة الفلسطينية على أن تكون أميركا حكماً عادلاً بين العرب وإسرائيل.
لقد وعد الرئيس أوباما في بداية رئاسته الأولى: بوقف الاستيطان الإسرائيلي, وبإقامة دولة فلسطينية خلال عامين لكنه لم يفِ بأيٍّ من الوعدين بل تراجع عنهما, وأضحى يطالب الفلسطينيين بالتفاوض مع إسرائيل دون أن يرى في الاستيطان عائقاً أمام المفاوضات.أميركا شريكة لإسرائيل في كل خطواتها، وما أن أعلنت السلطة الفلسطينية عن بدء توجهها بالتسجيل في الهيئات والمنظمات التابعة للأمم المتحدة, وما أن أعلنت حركتا فتح وحماس عن اتفاق المصالحة, حتى انزعجت الإدارة الأميركية وتحرك الكونجرس لتفعيل ” قانون مكافحة الإرهاب الفلسطيني” الذي صدر من قبل, وينص على حظر المساعدات الأميركية لأية حكومة فلسطينية ناتجة عن مصالحة مع حماس. جون كيري وزير الخارجية الأميركي نفى ما تردد على لسانه من أن إسرائيل ستكون دولة أبارتهايد إذا فشل حل الدولتين. هذا غيض من فيض المواقف الأميركية فهل من شك لدى أحد من القيادة الفلسطينية في أن الولايات المتحدة تقف حتماً في صف الكيان الصهيوني؟.
ثالثاً: إن الإنجازات الوطنية الفلسطينية ومعرفة العالم بقضية الشعب الفلسطيني العادلة , ووقوف غالبية دول العالم معها, وتحقيق الهوية الفلسطينية , والاعتراف بالشعب الفلسطيني وتأييد قضاياه, وحتى اعتراف الكيان الصهيوني بوجود الشعب الفلسطيني وقد حاولت إسرائيل إنكاره، هذه وغيرها لم تكن لتتحقق لولا النضال الفلسطيني والكفاح بالمقاومة بكل أشكالها ووسائلها وعلى رأسها الكفاح المسلح, الذي أثبت جدّيته وفعله وتأثيره الإيجابي. بالمقابل فإن الانحدار وتراجع المشروع الوطني الفلسطيني والاستهانة بالحقوق الوطنية الفلسطينية فإنها في أحد أسبابها الرئيسية تعود إلى وقف المقاومة من قبل السلطة، واعتبارها”عنفاً”غير مبرر وصولاً إلى اعتبارها”إرهاباً” هذه الحقائق لا يجوز إهمالها والتهرب والتنصل منها تحت أي مبرر من المبررات. أثبت الكفاح جدواه في كل تجارب حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
رابعاً: أهمية ترتيب البيت الفلسطيني من داخله. لقد ثبت بالملموس أن الانقسام تماماً كما اقتقاد الوحدة الوطنية الفلسطينية وإهمال منظمة التحرير الفلسطينية, عوامل تؤدي إلى تراجع القضية الفلسطينية والمشروع الوطني عموماً, والعكس بالعكس هو الصحيح, فالوحدة الوطنية الفلسطينية, وتجاوز الانقسام وإعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات هي أوراق قوة تضاف لكل من فتح وحماس وكل فصيل فلسطيني من فصائل النضال الوطني والإسلامي على الساحة الفلسطينية. ولا يجوز أن يبقى الانقسام ولا بأي شكل من الأشكال, وليجرِ تنفيذ اتفاق المصالحة. ولتعد الوحدة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها.
خامساً: أهمية العمق الاستراتيجي العربي والدولي الصديق للقضية الفلسطينية. من دون التلاحم العضوي مع الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج ومن دون معسكر الأصدقاء فإن النضال الفلسطيني يظل ناقصاً. الاستقواء بالعاملين قضية ذات أهمية قصوى. في البداية من الضروري بلورة المشروع الوطني الفلسطيني والاستراتيجية الجديدة التي يتم وضعها. من الممكن بعدها تجميع العالم العربي من حول هذا المشروع وهذه الاستراتيجية.
إن كافة هذه المهمات الأسئلة بحاجة إلى إجابات شافية وافية من القيادات الفلسطينية كذلك هي المهمات الواردة.
المصالحة الفلسطينية… والخلفية المصرية
خيرالله خيرالله – العرب اللندنية
المشهد محزن ومؤلم وجارح ومحبط في الوقت ذاته. يُختصر المشهد في استغلال السيّد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس″، التي تمثّل تنظيم الإخوان المسلمين في فلسطين، اجتماعه بالسيّد محمود عبّاس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية كي تطلق “حماس″ عناصر “فتح” الموجودة في سجون قطاع غزّة.
هل “فتح” عدوّ كي تكون عناصر منها في السجون الحمساوية… أم إن الاستحواذ على السلطة والاحتفاظ بها يبرّران كلّ شيء، بما في ذلك تصرّف الفلسطيني تجاه الفلسطيني الآخر على الطريقة الإسرائيلية؟
يبدو أن “حماس″ لم تعد تميّز نفسها عن إسرائيل منذ قرّرت الاستيلاء على قطاع غزّة منتصف العام 2007 ومنذ قرّرت الاحتفاظ به بصفة كونه “إمارة إسلامية” على الطريقة الطالبانية.
كذلك، يبدو المشهد الفلسطيني سورياليا. يلتقي “أبو مازن” مشعل في الدوحة على هامش زيارة ذات طابع عائلي قام بها رئيس السلطة الوطنية للعاصمة القطرية. يحصل اللقاء مع رئيس المكتب السياسي لـ”حماس″ فيصدر السيّد إسماعيل هنيّة رئيس الوزراء في الحكومة المقالة أمرا بإطلاق الأسرى من حركة “فتح”. هؤلاء أسرى بكل معنى الكلمة وليسوا سجناء. إنهم ضحايا الشبق إلى السلطة والسعي إلى الاحتفاظ بها بغض النظر عن الثمن.
حسنا، تمّت قبل ما يزيد على أسبوعين مصالحة بين “فتح” و”حماس″ خلال زيارة قام بها للقطاع قياديون من الحركة الفلسطينية الأمّ. اتفق الجانبان على تشكيل حكومة وحدة وطنية في غضون خمسة أسابيع، أي بعد أقلّ من ثلاثة أسابيع من الآن. اتفق الجانبان أيضا على انتخابات رئاسية وتشريعية بعد ستة أشهر.
هل يمكن للاتفاق بين الجانبين تأجيل إعلان “حماس″ لإفلاسها في ضوء سقوط مشروعها الفلسطيني بداية والمصري في نهاية المطاف؟
معيب أن تحاول “حماس″ المتاجرة بالأسرى الفلسطينيين لإظهار أنّه لا تزال لديها أوراق تلعبها. ما هو معيب أكثر أن يعلن قياديون في الحركة، بينهم الدكتور محمود الزهّار، أن المصالحة لا تعني تخلي “حماس″ عن الميليشيا التي تسيطر بواسطتها على غزّة. من يؤكّد استقلال الميليشيا التابعة له عن القوى الشرعية الفلسطينية، إنّما لا يريد مصالحة حقيقية وفي العمق تنقل القضيّة الفلسطينية إلى مكان آخر بعيدا عن الشرخ القائم حاليا.
ما يريده من يتصرّف بهذه الطريقة هو كسب الوقت لا أكثر ولا أقلّ. الواضح أن “حماس″ ما زالت تراهن على الوقت وعلى أن السلطة الوطنية في حاجة بدورها إلى الذهاب إلى مصالحة ما لتغطية الفشل السياسي مع إسرائيل، وهو فشل تسببت به حكومة بنيامين نتانياهو التي لا ترى في التسوية مصلحة إسرائيلية. تبدو حكومة نتانياهو مستعدّة حتى لمواجهة مع الإدارة الأميركية لقطع الطريق على التسوية، أي تسوية تقوم على حدّ أدنى من المنطق والشرعية الدولية.
في خلفية المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية التطورات التي تشهدها مصر والتي ستكون لها أبعادها في المستقبل، خصوصا أن مصر لم تعد تربط القضية الفلسطينية بـ”حماس″.
يتبيّن، من خلال الكلام الأخير للفريق عبدالفتّاح السيسي، المتوقّع أن يكون الرئيس المقبل لمصر أنّ الرجل حزم أمره. في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، تبيّن أيضا أنّ السيسي يدرك تماما خطورة بقاء غزّة خارج السيطرة، سيطرة الشرعية الفلسطينية، وتمدّد فوضى السلاح السائدة فيها إلى سيناء. ولذلك، تحدّث المرشّح الأقوى للانتخابات الرئاسية المصرية بشكل صريح عن أهمّية إغلاق الأنفاق التي جعلت من الغزّاويين فلسطينيين يعيشون من التهريب. هل هذا هو الشعب الفلسطيني الذي تحلم به “حماس″؟
لعلّ أخطر ما في كلام السيسي إعلانه أنّ الشعب المصري طوى صفحة الإخوان المسلمين. وانتقل بعد ذلك للربط بين طيّ “ثورة الثلاثين من يونيو” حقبة الإخوان في مصر والوضع في غزّة.
يظهر أن “حماس″ فهمت الرسالة باكرا، فهمتها قبل المقابلة الأخيرة للسيسي. فهمتها مع الجهود الجدّية التي تبذلها المؤسسة العسكرية المصرية من أجل إغلاق أنفاق التهريب، التي هي في الواقع أنفاق تستخدم من أجل نشر الإرهاب في سيناء وصولا إلى كلّ منطقة مصرية، بما في ذلك القاهرة نفسها.
لن ينفع شراء الوقت “حماس″ كثيرا. ستظلّ المصالحة من دون نتائج على الأرض في حال لم تتحرّك الحركة، التي نفّذت انقلابا في غزة، بطريقة توحي بأنّها تمتلك ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بأخطائها. يفترض بها أن تعترف أوّلا بأنّها مفلسة على كلّ صعيد، خصوصا بعدما كشفت مصر دورها السلبي في مجال نقل تجربتها إلى أرض الكنانة.
بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع صيف العام 2005، كانت هناك فرصة أمام الفلسطينيين كي يؤكّدوا أن في استطاعتهم دحض الفكرة التي تستند إليها إسرائيل من أجل خوض مفاوضات جديّة مع الجانب الفلسطيني. تقوم الفكرة الإسرائيلية على عدم وجود “شريك فلسطيني” يمكن التفاوض معه. عملت “حماس″، التي باشرت بإطلاق الصواريخ من غزّة، على دعم الموقف الإسرائيلي. كانت تريد تحرير فلسطين بواسطة صواريخ مضحكة ـ مبكية في الوقت ذاته. بعد سنوات، اكتشفت أن هذه الصواريخ ليست نافعة وأنّه يمكن أن تجرّ إلى اجتياح آخر للقطاع المحاصر، على غرار ما حصل آخر العام 2008 وبداية العام 2009. بقدرة قادر، صار مطلوبا وقف الصواريخ التي اكتشفت “حماس″ أنها تخدم الاحتلال!
يفترض في أية مصالحة فلسطينية أن لا تكون مجرّد عملية هروب إلى أمام تصبّ في شراء الوقت في انتظار حصول تغيير في مصر لمصلحة الإخوان المسلمين. مثل هذا التغيير غير وارد، أقلّه في المستقبل المنظور. بات هناك فهم مصري في العمق لخطورة بقاء غزّة تحت سيطرة “حماس″ وشعبها تحت الحصار الظالم الذي يصبّ في عملية تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني بشكل جذري.
لن يكون معنى لأيّة مصالحة فلسطينية ـ فلسطينية من دون اعتراف “حماس″ بأنها أخطأت. معنى ذلك أن عليها إشهار إفلاسها علنا. في النهاية ليس لدى الإخوان المسلمين في القطاع ما يقدّمونه للشعب الفلسطيني غير تكريس الحصار الإسرائيلي الظالم من جهة وخدمة حكومة بنيامين نتانياهو من جهة أخرى.
فلتقل “حماس″ ماذا تريد قبل الاستمرار في المصالحة التي ليس إطلاق أسرى من “فتح” سوى دليل على مدى هشاشتها وكم هي مصطنعة…
الأسرى الفلسطينيون: لماذا ظاهرة استثنائية؟
د. اسعد عبد الرحمن – الرأي الأردنية
لا يقتصر الأسرى الفلسطينيون في معتقلات وسجون الاحتلال على شريحة معينة من الشعب الفلسطيني، فالكل مستهدف، والكل متهم، والأحكام والذرائع جاهزة وبغض النظر عن الجنس (أنثى أم ذكرا) والسن (أطفال أم كهول، صبايا أم شباب، أمهات أم آباء..الخ).
والأسرى، خاضوا أشرس وأشرف معارك الوطن قبل السجن، ويخوضون الآن أنبل معارك الكرامة داخل السجن، وهم من أصدق من يعبر عن جراحات الوطن وهموم الشعب، والأقدر على انتاج مواقف وطنية تقدم مصلحة الوطن على الحزب، ففيهم رجال السياسة والناشطون السياسيون، المثقفون والأكاديميون، رؤساء وأعضاء في المجلس التشريعي والمجالس البلدية. وبحديث الأرقام وليس العواطف، ما من عائلة فلسطينية لم يخض أفراد منها تجربة الاعتقال على مدى السنين.
الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال هم ظاهرة استثنائية بحق، وهم يتميزون بكونهم أصبحوا أسرى لأنهم مشاركون فاعلون في كافة أشكال النضال التي يعتمدها الشعب الفلسطيني كلما اقتضى الأمر، بل لا يمكننا إلا أن نعظم جانبا مهما في نضالهم ذلك أن منهم من قضى أكثر من ثلث قرن في سجون الاحتلال ولم ييأس بل استمر يناضل من أجل حريته، حتى بات أحدهم وهو سامر طارق العيساوي صاحب أطول إضراب عن الطعام في التاريخ، مع العلم أن قرار خوض الإضراب المفتوح عن الطعام يعتبر من أكثر القرارات صعوبة وقسوة ويحتاج إلى تفكير جاد وعميق، ويتطلب وجود قضايا تستدعي استخدام هذا الخيار.
ما يميز الأسرى كذلك، أنهم باتوا يشكلون نوعا من «الحزب المعنوي» في المجتمع الفلسطيني، رغم تأثيرات حالة الانقسام السياسي على واقع الحركة الأسيرة التي كانت وما زالت حادة، وكأني بالسجون تضطلع بدور محوري داعم وضاغط من أجل المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، وفي هذا الإطار كلنا يذكر وثيقة الوفاق الوطني التي توصل إليها قادة الأسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال في أيار/ مايو 2006، والتي صادق عليها المجلس التشريعي بالإجماع ونالت ثقة الشارع الفلسطيني، والتي لم ينجح – للأسف–قادة الخارج في ترجمتها على الأرض. وهي الوثيقة التي تضمنت خطوات عملية للحل، وقدمت نظرة شمولية ليس لتنفيذ المصالحة فقط، بل لتحقيق النهوض الوطني أيضاً، بعيدا عن المصالح وعن النظرة الحزبية الضيقة للأمور. فما أوسع عقولهم وصدورهم.
لقد بات «حزب» الأسرى «حزب الضمير» الوطني الذي يقدم له الشعب الفلسطيني أقصى ما يستطيع من دعم، وهو دعم يتصاعد ارتباطاً بتحرك الأسرى النضالي داخل السجون والمعتقلات. بل ربما لا يخلو الأمر من تفاعل بين أسرى وقوى سياسية وشخصيات ومؤسسات لبناء إستراتيجية عمل وطني. وفي هذا الإطار، تظهر قدرة ودور النخبة/ الصفوة داخل سجون ومعتقلات الاحتلال، فالحركة الأسيرة باتت تؤثر على أحزابها وعلى الشارع الفلسطيني رغم الإذلال والتعذيب ومحاولات النيل من معنوياتهم وتحطيم إرادتهم وتعطيل حركتهم السياسية والاجتماعية. ومما يؤكد ما سبق، أن الأسرى يصرون على رفض الإفراج عنهم مقابل أي تنازل عن الحقوق الوطنية.
الاستخفاف والاستهتار الإسرائيلي بوضع الأسرى والمعتقلين وتعاطيه معهم كمجرمين وإرهابيين أو مجرد أرقام ورهائن، هو دافع أساس لضرورة وأهمية تدويل القضية وفتح معركة قانونية مع المحتل الإسرائيلي لضمان حقوق الأسرى ومركزهم الشرعي القانوني والإنساني بصفتهم أسرى حركة تحرر وطني قاوموا المحتل. وعلينا اليوم جميعا أن ننصر الأسرى في إضرابهم الجديد، بالمسيرات والفعاليات التضامنية، بل لا ضير من مشاركتنا معهم في رحلة «الأمعاء الخاوية» حتى يصل صوتنا إليهم «بأننا معكم»، بعد أن كانوا وما زالوا معنا، فنرفع معنوياتهم في معركة الارادة ضد السجان، فيعلو صوت الأسرى ومعاناتهم وعدالة قضيتهم على امتداد العالم. كما لا بد من التركيز على ضرورة تفعيل قضية الأسرى إعلامياً، وحشد الزخم الإعلامي المناسب لإيصال هذه القضية إلى المحافل الدولية، وتجريم دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تمارس بحق الأسرى أشكال وألوان التعذيب النفسي والجسدي، دون أن ننسى أن القاعدة المركزية في عملية التدويل أن تكون الرسالة بين المستويين الرسمي الفلسطيني والشعبي الفلسطيني إلى العالم متجانسة، لضمان تأييد مؤسسات المجتمع المدني وحركات التضامن.
"مَيْ وملح"
حلمي الأسمر – الدستور الأردنية
- يمّهْ أبوي شو بوكل بالسجن ؟
-بياكل مي وملح
- وهذول زاكيين ؟
- آه زاكيين يمه، بس طعم الحرية أزكى !
(من حملة #مي_وملح)
حملة «مي وملح» تظاهرة إلكترونية دولية أطلقها ناشطون ليلة الجمعة بلغات دولية تضامنا مع الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال الإسرائيلي والذين يخوضون إضرابا مفتوحا عن الطعام لليوم الـ 17 على التوالي.
الحملة التي أعلن عنها على مواقع التواصل الاجتماعي بـ14 لغة حية تهدف لإبراز معاناة هؤلاء الأسرى، وحشد الدعم الدولي لهم ولقضيتهم وتشكيل ضغط دولي على الاحتلال الإسرائيلي للاستجابة لمطالبهم، وما أن دقّت الساعة العاشرة بتوقيت فلسطين حتى بدأ عدد كبير من النشطاء بالتغريد عبر موقع «توتير» للتواصل الاجتماعي عبر مجموعة من الرسائل المناصرة للأسرى والرافضة للاعتقال الإداري..
بدأ التغريد تحت شعار (أسقطوا الملف السرّي) في إشارة إلى الملف السري المجهول الذي تحتجز قوات الاحتلال الأسرى الإداريين بسببه، ووفق الإحصائيات، هناك 19 أسيرة، 150 طفلا، 185 معتقلا إداريا، 1400 أسير مريض بمرض مزمن، 120 أسيرا بحاجة لعمليات جراحية، 18 يقيمون بشكل دائم في عيادة السجن، (ثمة 205 شهداء سقطوا في سجون الاحتلال الإسرائيلى منذ عام 1967 بسبب التعذيب والإهمال الطبي) الأسرى ليس لديهم من وسائل للمقاومة غير إضرابهم عن الطعام، وتناول الماء والملح فقط، والتضامن معهم عبر حملة كتلك، هو أقل القليل، مما يمكن أن يفعله «الطلقاء» بعد تخلى عنهم أو كاد، الجميع!
وقد سجلت الحملة كما يبدو نجاحا باهرا، حيث تفيد بعض المصادر أن معدل التفاعل مع «الهاشتاج» للحملة (?#مي_وملح?) غير مسبوق فلسطينيا، فقد وصل عدد التغريدات على الوسم حتى مساء اليوم الجمعة إلى أكثر من 24 ألف تغريدة، منها 5 آلاف تغريدة في الساعة الأولى لإطلاق الهاشتاج، أي بمعدل أكثر من 80 تغريدة في الدقيقة الواحدة، ويبدو أن الإعداد الجيد للحملة اسهم في سرعة انتشارها، يحث يقول مهند العزة عضو مؤسسة الضمير وأحد القائمين على الحملة أنّ المعلومات التي نشرتها الحملة حول إضراب الأسرى الإداريين خلال الفترة السابقة هي معلومات دقيقة، وموثقة، وقد عمل مع فريق الحملة على جمعها، ومن ثم تمت صياغتها على شكل جمل قصيرة وبطاقات تعريفية وتصاميم وصور،
ولم تتعامل الحملة مع الأسرى كأرقام بل حاولت جلب معلومات شخصية عن كل أسير.
كما حرصت الحملة على أن تكون متكاملة وأن ترصد كافة الجوانب في حياة الأسير الإداري، حيث عملت على جلب الأرقام والاحصاءات حول الأسرى وأوضاعهم والمتابعة مع أهاليهم، وتوزيع هذه الأرقام والمعلومات على المؤسسات ووسائل الإعلام التي ترغب في تناول قضيتهم.
الحملة، كما يقول احد المغردين، لن تنقذ الأسرى .. ولن تحررهم، كما هي المظاهرات والوقفات .. لكنها أقل القليل تعمل على إحياء هذه القضية والتذكير بها، وهي نموذج حي لما يمكن ان يقدمه نشطاء شبكات التواصل الإجتماعي لهؤلاء المنكوبين بأمة غافلة عن مآسيها، ومآسي أبنائها، بمقاتلة نفسها، وتدمير ذاتها، بل توفير ما يلزم من تمويل لهذا التدمير!
أضم صوتي لصوت كل من يدعو لدعم هذه التظاهرة، التي تكتسب أهمية كبيرة لأنها تأتي في سياق تسليط الضوء على معاناة الأسرى المضربين من جهة وأهمية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام الإكتروني الأوسع والأسرع انتشارا لفضح الجرائم التي ترتكبها عصابات الاحتلال بحق الأسرى وفضح هذه الجرائم التي تمعن من خلالها ادارات السجون في انتهاكاتها الفظة للقانون الدولي والأعراف والمواثيق الدولية من جهة اخرى، وأهيب بالصحفيين الفلسطينيين والعرب وكل صاحب قلم لمساندة هذه الحملة بكل الطرق الممكنة، والتضامن مع الأسرى المضربين وتنظيم حملات إعلامية مفتوحة وتخصيص موجات وساعات بث محددة للإضراب البطولي المتواصل عن الطعام للأسرى الإداريين، خاصة من جانب الإذاعات الحرة التي تمتلك قرارها، أملا في إيجاد آليات دولية للضغط على عصابات الاحتلال للاستجابة للمطالب العادلة للأسرى المضربين، وهذا في النهاية هو جهد المقل، إن لم نقل المفلس، أما الجهد الحقيقي، فهو ينصب في طريق تحريرهم عنوة وجبرا وكف يد الاحتلال الصهيوني، بل كسرها!
التطور السياسي في الأردن ليس إيجابيا
د. أنيس الخصاونة – السبيل الأردنية
التطور السياسي في الدول النامية ليس دوما إيجابيا ولا يسير بالضرورة في اتجاه الديمقراطية والحرية وحكم الشعب للشعب. الحقيقة أن مراجعة لتجارب كثير من الدول النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية يخبرنا بأن هذا التطور قد يكون سلبيا وليس في صالح الديمقراطية، وفي أحيان كثيرة فإن من يصوغ مسارات التطور هي نفس القيادات الحاكمة أو بطاناتها؛ حيث تحرص هذه الأسر الحاكمة على استمرار هيمنتها وسيطرتها على مفاصل الدولة وإمكاناتها؛ فتهيمن على قيادة الجيش، والحرس الجمهوري أو الملكي، والمخابرات، والأمن العام، والدرك، وحتى الدفاع المدني لا يفلت من هذه السيطرة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل من المعقول أن تثق الشعوب المظلومة بقيادات تسببت بشقائها وحرمانها وبؤسها، أن تنهض لتصلح طواقم الدولة وتضع دستورا وقوانين تحد من صلاحياتها؟ هل من المعقول أن تثق هذه الشعوب بذات القيادات ليتغير وجه نظام الحكم الذي يمكن أن يجرد هذه النخب من قدرتها على نهب الشعوب والسيطرة عليها ؟ هل كان من المعقول أن يتنازل زين العابدين بن علي وحسني مبارك طوعا عن السلطة؟ وهل مجيء السيسي وانقلابه على السلطة الشرعية كان عبثا أم هو عودة لنظام مبارك؟ وماذا يفعل بشار الأسد في سوريا؟ حيث أباد شعبه ومقدرات بلده وشرد مواطنيه وأهان كرامة شعب كامل أليس من أجل الهيمنة واستمرار قمع الشعب، وها هو يترشح مرة أخرى ويتحدث عن الإصلاح السياسي؟ قولوا لي بربكم هل من المعقول أن يترشح عبدالعزيز بوتفليقة للمرة الرابعة لرئاسة الجزائر وهو في سن الثمانين من عمرة وفاقد الأهلية لدرجة أنه لم يقو على السير على قدميه لصناديق الاقتراع المزورة؟
أين نحن في الأردن من ذلك كله وهل يتطور النظام السياسي بشكل واتجاه إيجابيين؟ لا أعتقد ذلك حيث أن البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير. فنحن لم نلمس لغاية الان تطورا إيجابيا ملموسا على واقع الحياة السياسية، باستثناء بعض النتف هنا وهناك في الكلام والانتقاد دون اكتراث ودون حدوث تغيير حقيقي على الدستور والمنظومة التشريعية، التي تضع شكل الحياة السياسية في الدولة الأردنية.
قوانين كثيرة تسن وانتخابات شكلية تجرى، ومحاكم تنظر بقضايا فساد، وتقارير ترفع للقيادة السياسية، وتكليفات، وردود على كتب التكليف يمضي المذيع سويعات وهو يقرأها مع أنني متأكد أنه لا يؤمن بها. معظم الأشياء تتغير وتتطور الى الأسوأ؛ فالأسعار ارتفعت بشكل جنوني، والبطالة وصلت أرقاما فلكية، والفقر سجل أرقاما غير مسبوقة، ومستوى الجريمة ارتفع بشكل صارخ، والظلم في داخل الأجهزة الحكومية والوزارات منتشر، وتعيينات مستمرة في مواقع قيادية مستندة للنفاق السياسي والتسحيج، والضرائب مستمرة في ارتفاعها، وما زال كثير من الأشخاص يتم توقيفهم ويحاكمون أمام محكمة أمن الدولة المخصصة أصلا للعسكريين بتهم إطالة اللسان وتقويض نظام الحكم وقدح المقامات العليا. يا ترى أين التطور الإيجابي في النظام السياسي الأردني؟.
النظام السياسي الأردني ورغم ادعاءاته بالإصلاح ورغبته في التطوير والوصول الى حكومات برلمانية والولاية العامة للحكومة، فإن هذا النظام يفعل عكس ذلك ويعيق الإصلاح السياسي الذي يفقده القدرة على السيطرة والهيمنة على مقدرات الدولة ومحاور القوى السياسية والاجتماعية. ما زال النظام يسيطر على أداء النواب والأعيان والوزراء والأجهزة الأمنية والقيادات العشائرية، فهل من المعقول أن يتم تشريع أو تغيير دستوري أو سياسي يمكن أن يضحي بمصالح النخبة الحاكمة والعيش الرغيد الذي تعيشه والامتيازات الهائلة التي تنعم بها؟ سؤال يبقى برسم الإجابة من قبل السادة القراء الذين نثق بذكائهم.
حزب الإخوان المسلمين الأردني
سميح المعايطة – الرأي الأردنية
المسافة الزمنية بين ظهور زمزم ونشاطها العلني وقرارات الفصل لثلاثة من قياداتها تجاوزت العام، وهذه الفترة الطويلة تعود إلى أن الجماعة كانت محتارة في شكل التعامل، وفجأة تذكرت المحاكم والعقوبات، وكان واضحاً أن الوجبة الأولى لردع الآخرين، لأن قيادة الجماعة لا تريد الوصول إلى مرحلة عمليات فصل جماعي لمجموعات هم من النخبة الإخوانية، وكانت الفكرة تحويل زمزم إلى جسم خارج الجماعة، ومن أختار البقاء معه فسيواجه الفصل لكن كفرد ودون ضجيج إعلامي أو سياسي.
وخروج أفراد زمزم من الجماعة هو النهاية المرتقبة لأن الإنقسام أصبح كبيراً بين الطرفين، والمسافات تتسع، لكن الفصل أو الغاؤه من أدوات المعركة بين الطرفين وليس تعبيراً عن مصالحة، فالتباين أصبح أكبر من أي محاولات تقارب، ومن فكر بالفصل يحمل هذه القناعة، لكنه أراد القرارات ليقول أن الجماعة قوية، وأن زمزم مشكلة عارضة ستتحول إلى جسم خارج التنظيم حتى وإن خسرت الجماعة عدداً من الأفراد.
لكن ردود الفعل داخل الجماعة كانت أكبر مما توقعته قيادة الجماعة، وطريقة تعامل المفصولين كانت على أكثر من شكل لكنها مؤذية للقيادة، وحتى أولئك الذين لم يدعموا زمزم من القيادات الكبيرة أصابهم الحرج لأن الذهاب نحو هذه الأزمة تحولهم إلى جزء من ( القيادة ) وهم لا يريدون هذا وبخاصة أن الجماعة مقبلة على تعيينات جديدة في مواقع قيادة الحزب.
اليوم يبدو المشهد معقداً أمام قيادة الجماعة فاستمرار قرارات الفصل قد يعني تطور ردود الفعل الداخلية، ويمكن لقيادات زمزم التحول إلى نماذج لقمع القيادة وحربها على رموز التنوير.
فالخلاف على النهج وليس على مصلحة، وزمزم حتى وأن لم تحقق حضوراً متقدماً إلا أنها تملك أن تكون كذلك.
وعلى الصعيد الآخر فإن إلغاء القرار يحقق انتصاراً تنظيمياً لزمزم ولمن ناصروها، ويضعف المكتب التنفيذي، وسيفتح الباب أكبر لتكون ( زمزم ) تياراً قوياً داخل الجماعة والحزب، تيار ـ اذا توفرت له إدارة ذكية – يمكن أن يغير كثيراً من معادلات الإنتخابات الداخلية للجماعة وبخاصة بعد جرعة الجرأة والعلنية التي أكتسبها بعد قرارات الفصل.
قيادة الجماعة مثل ـ بالع الموس ـ فإلغاء الفصل له ثمنه والإصرار عليه له ثمن، وكانت تتمنى أن يقبل المفصولون بالإستئناف للمحكمة الداخلية لغايات تثبيت إنصياعهم، ولم يكن المنتظر إلغاء القرار بل أن تثبيت الفصل كان خياراً، لكن أن يتم التراجع عن القرار تحت ضغط ردود الفعل الداخلية فهذا كسر لإدارة المكتب التنفيذي الذي لن يأمن بعد ذلك أي تحرك في مجلس الشورى للذهاب لإنتخابات جديدة رغم المعيقات أمام هذا.
« زمزم « إن عادت للجماعة ستكون تياراً إصلاحياً مناقضاً للفكر والمسار للفريق الذي يقود الجماعة اليوم، وإن ذهبت خارج التنظيم فليس هناك ما يمنعها من أن تكون حزباً سياسياً يحمل أسم « حزب الإخوان المسلمين « يعمل تحت مظلة القانون ويتبنى المشروع الإسلامي على أرضية مراجعة للمسار الحالي للجماعة، علماً بأن قلقاً دولياً إخوانياً يسيطر خوفاً من إتساع دائرة قرارات الدول التي ترى في الإخوان تنظيماً إرهابياً، واللقاء الأخير بين قيادات إخوانية في فرع الأردن مع مسؤول ملف الإخوان في بريطانيا هو جزء من نشاط التنظيم الدولي، فالساحة الأردنية ما زالت – حتى اليوم – الرئة الإخوانية الهامة في التحرك العلني.
الفصل لم يحل مشكلة الجماعة، وربما لن يكون إلغاء الفصل بوابة للحل والمصالحة، وزمزم إذا تحركت برؤية وذكاء ستكون تحولاً حقيقياً في مسار الحركة في الأردن.
على أبواب أوروبا!
د.رغداء مارديني – تشرين السورية
في محاولة الاستهداف القريب وفق ما خططت دول القارة العجوز بإمرة شياطين البيت الأبيض, وما كانوا يعدون العدة فيه لضرب سورية, حتى قبل الأحداث التي بدأت فيها, كان اعتراف وزير الخارجية الفرنسي الأسبق رولان دوما الذي يؤكد فيه على لسان بعض أصدقائه من المسؤولين البريطانيين, أنهم فعلاً كانوا يعدّون شيئاً ما لسورية, والهدف طبعاً كان الإطاحة بالحكومة السورية لا لشيء وإنما لأنها كانت تعلن العداء لـ «إسرائيل» في تلك المنطقة, بمعنى أنها كانت ولاتزال بموقفها المقاوم والممانع الشوكة في حلق «إسرائيل» وكل من يدور بفلك صهيونيتها..
رئيس الوزراء الإسرائيلي ومنذ فترة طويلة: «سنحاول التفاهم مع الدول المجاورة من أجل ذلك والذين لن يتفقوا معنا سنضربهم» وفيما يظهر من ذلك أن الدول المجاورة، كما أثبتت مجريات الأحداث في سورية وتطورها، لم تخفِ اتفاقها العلني مع «إسرائيل» ولا آليات الاستنجاد بها والتخطيط معها كضرورة ميدانية تحتم السعي الكبير للاستمرار فيما تم البدء به من تلك الهجمة الاستعمارية المسعورة على واجهة المقاومة في الوطن العربي.. لكن الذي لم يحسب له حساب هو مدى قدرة سورية, شعباً وقيادة, وجيشاً, على الصمود والتحدي في وجه الصهيونية الإرهابية العالمية التي قدمت أدواتها المرتزقة واستدعت عصابات التكفير الوهابية المأجورة إلى الداخل السوري, وعملت بكل قوة النفوذ والسيطرة للحصول على «امتيازات» الدمار الذي خلفته عصاباتها وراءها بعد سقوطها المتتابع.. هذه القدرة التي تجلت في الوسط السوري, حمص العدية, والتي ضربت فيها كل الخطوط الهادفة على مدى سنتين إلى تغييرات في الواقع الميداني، لكن عصابات التدمير لم تفلح مع رعاتها من دول، وبكل ما أوتيت من إمكانات وطاقات إرهابية و«فوضاها الخلاقة», بأن تحصد شيئاً مما خططت له..
سلسلة خيبات.. وتقهقر.. في مواجهة سلاسل سيناريوهات، ولكن القلق والخوف ظلا في تزايد مستمر, ما استدعى دعوة مؤتمر بروكسل ليتربع على جدول أعماله السؤال الأكبر: ما الذي على أوروبا أن تفعله للحيلولة دون عودة الإرهابيين الأوروبيين إلى أوروبا؟ وما التدابير الواجب اتخاذها، وتأثير هذه الظاهرة «الإرهابية» على أمن العالم؟
خوف وزيرة داخلية بلجيكا مبرر جداً، في خلطة الإرهاب المتنقلة التي صنعتها أوروبا نفسها مع سيدتها أمريكا, لكنها فيما يبدو لم تدرك إلى أي مدى يمكن السيطرة على القمقم الوهابي «القاعدي» الذي أخرجوه من مكمنه, وصنعوا أجياله المتتالية بغية تحريك خيوطه في الدول التي تدور الأعين على تقسيمها وشرذمتها تنفيذاً للأهداف والمصالح الغربية الموضوعة التي تصب في مصلحة «إسرائيل» وأمنها أولاً وآخراً، أو إلى أي مدى يمكن إعادة شد الخيوط على المسرح العالمي, الذي بات يعرف أكثر من غيره أن الخيبة الإرهابية ارتدّت على مَواطن صانعيها, ومموليها, ومسلحيها, ومرتزقتها المعارضة في دروس وعبر يتحكم فيها التاريخ المستقبلي, بالذي جناه من دعم الإرهاب وصدّره وأطلقه في أرض المنطقة عامة وسورية خاصة.. وما الذي ستفعله «المعارضة» التي يستجدي الجربا فيها دعم أمريكا بعد الشعور بالخيبة، فلننظر في واقع الحال بعد ثلاث سنوات في الوقت الذي تسطر فيه سورية العِبَر والدروس, في كيفية صناعة أقواس النصر الميداني والنفسي على كل من سوّلت له نفسه محاولة تدنيس هذه الأرض الطاهرة, وتدمير أوابدها الأثرية والدينية, وتهجير أهلها وخلخلة نسيج فسيفسائها الاجتماعي والإنساني لأنها تسير بثبات إلى استحقاق رئاسي على أرضية التعددية والديمقراطية الحق التي ستضع أوروبا وأمريكا ومن في فلكهما بديمقراطياتهم الدموية المجرمة في عشرات مؤتمرات قادمة عنوانها العريض: سرّ سورية الحضارة والتاريخ والصمود.
إلى متى يا قطر؟
فهد الدغيثر – الحياة اللندنية
الأشرطة السمعية التي تسربت أخيراً، وتضمنت أحاديث خطرة بين أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني و«الهالك» معمر القذافي، لا يمكن أن تمر مرور الكرام على دولة بحجم ومكانة ومكتسبات المملكة العربية السعودية. جل ما دار في الحديث المسجل يشير إلى العمل بكل تخطيط وتصميم على إسقاط حكم آل سعود، وبالتالي تفتيت هذه الوحدة العظيمة، التي أسسها الراحل الملك عبدالعزيز، لذا فتوقعاتي تشير إلى اتخاذ المملكة قريباً إجراءات عملية قد تكون قاسية ضد قطر.
الواقع أن محتويات هذه الأشرطة، وأخيراً وليس آخر، فسّرت لنا كمتابعين، السر في سلوك حكومة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني منذ أن فاجأتنا قبل عقدين بهرولتها لاستضافة القوات الأميركية التي غادرت قاعدتها في مدينة الخرج السعودية، وقبلت بوجودها في منطقة العديد قرب الدوحة من دون أي شروط. فسّرت لنا مواقف تلك الحكومة السياسية الغامضة حول بعض القضايا العربية الشائكة، ومنها افتتاح مكتب التمثيل التجاري الإسرائيلي في الدوحة، في خطوة أثارت استغراب الأعداء قبل الأصدقاء. فسّرت لنا ما يتردد عن الدعم القطري للحوثيين في اليمن، وتمرد البعض في البحرين، وتخريبهم وأعمالهم الإرهابية ضد مكتسبات البحرين وحكومتها وملكها. فسّرت لنا التحريض الذي تقوده قناة «الجزيرة» والموجه في شكل كبير ضد السعودية منذ تأسيس هذه القناة. كنا في المملكة في حيرة من أمرنا، إذ إن هذه القناة تدار تحت نظر حكومة خليجية حكامها وشعبها من أقرب الناس إلينا وبكل القياسات الدينية والمذهبية والقبلية. لكن مع كل هذا استمر ذهولنا وصمتنا وتغليب حسن النوايا لعقود متعددة ولم نحرك ساكناً، على رغم تمادي هذه القناة للحد الذي وصل إلى الدعم اللوجستي لتنظيم «القاعدة»، واستضافة هذه القناة لأفراد لا قيمة لهم، إلا كونهم ينتقدون المملكة ورموزها في تبريراتهم لعمليات القاعدة. كلنا يعلم بالطبع أن المملكة قضت على هذا التنظيم في الداخل، على رغم قوته وانتشاره في غفلة من المتابعة الدقيقة قبل البدء في ممارسة الإرهاب في مدننا ومؤسساتنا. إذاً فما كان يُعتقد أنه سينجح فشل. على أن من صفات البشر قبول التغيير والتعايش معه عندما يتكرر كثيراً، ولهذا فأخبار وتحليلات «الجزيرة» الموجهة ضد المملكة أصبحت أموراً شبه عادية. نعم، فمع تكرار خطاب هذه القناة تولدت لدينا في المملكة مناعة جديدة ضد النقد بعد أن كنا نشعر بالحساسية المفرطة لأي كلمة نسمعها. ومع تقلص تأثير القناة وظهور قناة «العربية» وتألقها المبهر وصلابة وحدة المملكة كان لا بد من البحث عن وسيلة أخرى، فالجبل لم تهزه الرياح بعد. من دون أن أخوض في التفاصيل الأخرى المملة وصل تصميم الشيخ حمد إلى التحدث مباشرة مع رئيس عربي وجدوا لديه قبول الفكرة. كيف لا وقد تلقى القذافي تلك «التهزئة» المجلجلة في مؤتمر قمة عربية من فم خادم الحرمين الشريفين حفظه الله عقب تطاوله واستهتاره بمواقف المملكة. ولهذا التواصل سبب آخر بالطبع، فالشيخ حمد بن خليفة ووزير خارجيته السابق الشيخ حمد بن جاسم أيضاً يدركان كل الإدراك أنهما لن يجدا فرداً واحداً من أفراد آل سعود قد يقبل بالتعاون معهما ويحقق أهدافهما.
من هنا ففتح الموضوع مع القذافي لم يكن إلا مما لا بد منه. لكن وربما بسبب الاندفاع غير المحسوب لم يخطر ببال «الأشقاء» أن ذلك «الهالك» كان يسجل حديثهم في جهاز تسجيل مخفي في أحد جيوبه التي لا يمكن التنبوء بمكانها، خصوصاً عندما يرتدي الزي البلدي القديم.
خرج التسريب الأول قبل سنتين، وكان حديثاً يقوده الوزير حمد بن جاسم وزير الخارجية آنذاك في جلسة له مع الرئيس الليبي. قلنا إنها «غلطة» وتجاوزت المملكة عنها أو بعبارة أصح حاولت تناسيها. لكن خروج التسريب الأخير الذي دار فيه الحديث بين الشيخ حمد بن خليفة وهو أمير الدولة والقذافي كان «مزلزلاً» في خوضه في التفاصيل لما كان يخطط له. ففي مقتطفات منه كان الشيخ حمد، عفا الله عنه، يكرر أن المملكة والأسرة الحاكمة زائلون في زمن لن يتجاوز 12 عاماً وكان يقسم على ذلك.
لنعلم أن الأداة التي قد تنفذ أي مخطط كهذا لا بد أن تكون سعودية، أي من الداخل. وهنا نتذكر حماسة حكومة قطر في تضخيم «القاعدة» ورموزه السعوديين كما أشرت. قطر عملت أيضاً على استقطاب بعض السعوديين وإغرائهم بالمال بل ومنحهم الجنسية القطرية. كما أنها، أي قطر، حرصت على التقاط بعض «الرجيع» من القوميين العرب المشتبه بتاريخهم «النضالي» أمثال النائب في الكنيست الإسرائيلي عزمي بشارة وغيره ليعاونوها في إدارة ما يسمى بـ«التغيير»، والمقصود بذلك التدريب على قلب أنظمة الحكم. لكن الإطار الأكبر بالطبع لتحقيق هذه الأهداف هو توظيف جماعة «الإخوان المسلمين»، في مصر، خصوصاً بعد فوز مرشحهم محمد مرسي بالرئاسة أم توظيف كوادرها في المملكة ودول الخليج. استخدام «الإخوان المسلمين» يدغدغ مشاعر السذج ممن يعتقد أن هذا الرهط يمثل الإسلام ويطبق الشريعة. لكن من سوء طالع أصحاب هذه الخطة أن المصريين أسقطوا الجماعة، وأن الملك عبدالله كان أول المؤيدين والمهنئين لقائد الجيش المصري المشير عبدالفتاح السيسي الذي لم يتردد في الاستجابة لمطالب شعبه. ليس ذلك وحسب، فقد اضطر الشيخ حمد إلى ضم مصر والإمارات العربية والبحرين إلى قائمته بعد أن سارعوا أيضاً بتأييد سقوط «الإخوان» ودعم مصر مالياً لإنقاذ اقتصادها المنهار، ومما زاد الطين بلة بالنسبة إلى الشيخ أن حكومة أبو ظبي وبعد سقوط جماعة مصر مباشرة تمكنت من اكتشاف وتفكيك خلايا إخوانية في الدولة وأودعت قيادييها السجون بحزم وصرامة لافتين.
إذاً «القاعدة» تم دحره وجماعة «الإخوان المسلمين» تم القضاء عليهم كحزب سياسي، وزادت المملكة ومصر بأن تم تصنيفهما لهذه الجماعة كجماعة إرهابية. من تجنس بالجنسية القطرية أو من تعاطف مع خطاب قطر الإعلامي من أبناء المملكة وذهب إلى هناك لتلقي المحفزات انفضح شأنهم جميعاً، وأصبح المجتمع السعودي ينظر لهم باحتقار. شعبية الملك عبدالله بن عبدالعزيز صارخة يسمعها ويدركها القاصي والداني. المشير السيسي مرشح للفوز برئاسة مصر. المرشد ومرسي ورموز الجماعة يحاكمون علناً وهم وقوف خلف القضبان. الرئيس الأميركي أوباما الذي أيد فوز الإخوان وجد نفسه مضطراً لزيارة والدنا الكبير في مخيمه الشتوي بروضة خريم ليؤكد عمق العلاقات السعودية - الأميركية على رغم ما أصابها من فتور بسبب مواقف إدارته.
اليوم نجد تركيز الإخوة الأشقاء يتجه إلى تعزيز التعاون بين قطر وتركيا وهذا مشكوك في نجاحه. ويتجه أيضاً إلى النيل من دولة الإمارات التي شاركت المملكة والبحرين في قرار سحب السفراء من الدوحة. المراقب اليوم يلحظ جهود الأبواق القطرية في عزل الإمارات والبحرين عن المملكة في محاولة غير موفقة هي الأخرى لإضعاف الموقف، ذلك أن علاقة الود والمحبة بين السعودية والإمارات تحديداً اليوم هي في أقوى أوقاتها.
الخلاصة أن ما قامت به حكومة حمد بن خليفة وما تسرب إلينا من حديث سمعه القاصي والداني يعتبر خطراً جداً ولا يمارسه سوى الأعداء. اليوم وقد تكشفت كل الأوراق، ونفد الصبر، أجزم بأن حكومات المملكة والإمارات ومصر والبحرين ستفرض عقوبات أخرى على قطر بعد أن يتم بناء هذه الحال قانونياً وبكل القرائن المتوافرة على المستويين الإقليمي والدولي. يجب ألا «نقبل» أو «نعتاد» أو نتناسى ونصفح عن مواضيع تصل إلى هذا الحد من التآمر لإلحاق الأذى. نحن لا نتحدث عن تقرير مغرض بثته قناة إخبارية، بل عن خطة عدائية يقوم بها رئيس دولة، وهي لا تقل عن إعلان الحرب. من أهم هذه العقوبات برأيي عزلها، أي قطر، عن دول الخليج تماماً عبر إغلاق الحدود البرية ومنع الطائرات القطرية أو أي طائرة أخرى يشتبه بها من التحليق فوق أجواء المملكة والإمارات. من العقوبات الأخرى إعادة النظر في جميع الاتفاقات التجارية الموقعة بين هذه الدول وقطر، ولعل أبرزها اتفاق السماح لخطوط طيران «المها» القطرية بخدمة النقل الجوي داخل المملكة. ومنها إقناع القوة الفاعلة في المجتمع الدولي بأن هذه الحكومة تمارس مراهقة خطرة قد تتجاوز آثارها أمن واستقرار المنطقة. وقبل كل هذا وذاك التفاهم مع إيران بأن التعاون مع قطر بما قد يضر مصالح دول الخليج يعتبر عدواناً موجهاً من إيران لهذه الدول.
أقول ذلك وأنا مدرك بأن السعودية والإمارات ومصر ربما اقتنعت اليوم وأكثر من أي وقت مضى بأن فرض مثل هذه العقوبات لم يعد مجرد خيار بل واجب فرضته الظروف العدائية الخطرة التي نعيشها بوضوح لا يقبل التشكيك أو التأويل كما أشرت. توقعاتي أن العمل بهذه العقوبات أصبح وشيكاً جداً إلا إذا تمكن الأمير الشاب تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني الأمير الحالي من تصحيح تلك الأوضاع والتوجهات وطرد من بلاده جماعات الغدر والتآمر وهم في الغالب أجانب وبادر بالاعتذار لأهله وعشيرته في الخليج. عندها فقط يمكن طي هذه الصفحة السيئة، وعندها فقط يمكن لقطر العودة لمكانتها والتركيز من جديد على التنمية والتنافس الخلاق واستعادة احترامها الذي يستحقه شعبها الطيب الكريم، هذا الشعب الذي أجزم وبلا تردد ومن معرفتي القريبة به، أنه مستاء بقدر استياء أي مواطن سعودي أو مصري أو إماراتي مما حدث.
لماذا يسقط الموهومون بوهم أنهم دولة عظمى
د. ناديا بوهنّاد – العرب اللندنية
يحكى أن هناك قطا يدعى “مينوش” هو جميل، يتباهى بشعره الأشقر الطويل، لكنه جبان إلى درجة أنه يتجنّب المشي على الأرض مثل باقي القطط، فتراه إما بين أغصان شجرة عالية نائما، أو فوق السطوح، يترنح بكسل غير عادي. وفي رواية أخرى يبحث في حدائق المنازل عن الفقع المتواجد في الخليج بكثرة.
المهم أن يكون بعيدا عن الناس والكلاب في الحي الذي يعيش فيه. ولكن على الرغم من الجبن الغريزي كان مينوش يتباهى بنرجسيته كل يوم أمام المرآة، فيخيل له تارة أنه أسد يرعب من حوله وتارة دنجوان زمانه يحلم بالعبث بقطط الجيران. وفي أحد الأيام وبعد أن أمضى يومه أمام المرآة متخيلا أنه أسد، خرج يترنح بكبرياء وهو لايزال يعيش ذلك الوهم الأسدي حتى تفاجأ بواقع أنه يقف وجها لوجه مع “بوبي” كلب الجيران الشرس فصار في خبر كان بسرعة لم يكن يتصورها، المسكين المتوهم. حكاية قرأتها قبل فترة من أحد المواقع وتذكرت الوهم الذي تعيشه قطر.
من خلال متابعة الأوضاع الحالية التي تمر بها قطر لا سيما مع جيرانها من دول الخليج نلاحظ أن قطر لاتزال موهومة وتعيش وهما لا حقيقة ولا واقع له على أنها دولة عظمى. قطر وقّعت آلية تضمن عدم التدخل في الشأن الداخلي وأن لا تضر سياستها الخارجية بدول مجلس التعاون، والآن دول المجلس بانتظار تنفيذ هذه الآلية. ودول مجلس التعاون في بداية إعادة العلاقات كما هي بناء على التزام قطر بالتنفيذ. وآلية التنفيذ هذه هي نفسها التي رفضت قطر تنفيذها سابقاً وأدى ذلك إلى أزمة سحب السفراء.
قطر لاتزال تلفّ وتدور في محاولة الخداع بالتمسك بطريقة أو بأخرى بدعم الإخوان الإرهابيين، فعوضاً عن طردهم من قطر والتوقف عن مساندتهم ها هي ترحّلهم بكرامة إلى دول تعجّ بالإرهاب في محاولة لإيجاد ملجأً آخر لهم يستمرون من خلاله في نشاطاتهم ضد العالم العربي وخاصة دول الخليج، هذا على افتراض أن قطر قامت بترحيلهم على أرض الواقع لأن هناك من يشكك في هذه الخطوة ويعتبرها إحدى وسائل المماطلة وشراء بعض الوقت.
يبدو أن قطر على قناعة تامة أن بقاءها يكمن في استمرارية بقاء ونشاط جماعات الإخوان الإرهابيين من أي مكان. وربما لا نبالغ إذا قلنا أن قطر على استعداد لإبادة شعوب بأكملها للتأكيد على استمرارية وجودهم الإخواني ولو لمدة محدودة، ذلك بسبب الوهم الذي تعيشه من أنها أصبحت دولة عظمى أو ربما في الطريق على السجادة العظمى لتصبح دولة عظمى وربما تقف يوماً جنبا إلى جنب مع حليفتها أميركا عند اتخاذ قرارات مصيرية عالمية.
المشكلة أن النرجسي لا يتصور بل ولا يقبل أن يكون هناك من يعارضه أو يقول خلاف ما يقوله أو يفعله فالنرجسي يعيش في حالة من الإنكار والرفض اللاشعوري لدرجة أن المعالج النفسي يعجز عن علاجه إلا إذا اعترف هو بدائه. هذا الوهم الذي تعيشه قطر والإصرار على دعم جماعة الإخوان الإرهابيين ربما يؤدي يوما ما إلى سقوطها بلا رجعة.
وربما من أهم الأسباب الوهمية التي قد تؤدي إلى سقوط قطر هي النرجسية التي تعتلي قادتها ممثلة في شهوة النفوذ والسيطرة ليس فقط في منطقة الخليج بل في العالم العربي. أما في الداخل فقد علم الكثير من الناس عن أنباء استياء الشعب القطري لمثل هذه الممارسات والتي كانت تكمم أفواههم بزيادة الرواتب إلى الأضعاف المضاعفة حتى لا تكبر هذه الاستياءات وتتحول إلى عصيان أو ثورات. وفي أسوأ الحالات يزج في السجون من يشتبه به أنه متآمر أو ضد الحكومة أو حتى إن عبّر عن استيائه من خلال قصيدة.
كل يوم نسمع عن محاولات بطولية فاشلة تقوم بها قطر لإيصال الأذى إلى جيرانها، سواء بطريقة مباشرة كما هو العدوان على البحرين أو عن طريق الحرب الأخلاقية والإعلامية ضد الإمارات، أو عبر عداء خفي غير مباشر من مراوغة وتأليب ومحاولة نشر الفتن كما هو الحال مع المملكة العربية السعودية.
يُقال إن “الرصاصة التي لا تصيب تدوش” وقطر من خلالها محاولاتها الفاشلة سببت الكثير من الإزعاج لجيرانها وللدول العربية المجاورة، ودول الخليج لا تزال صابرة وتسعى للصلح لكن لا فائدة مرجوة من ذلك، خاصة بعد تسريب شريط الفيديو لأمير قطر السابق الشيخ حمد وحديث المراهقين المغامراتي عن نواياه في الخليج والعالم العربي.
في مقال سابق ناديت بأن يتم استدعاء قطر إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، واليوم أتساءل ألم يحن الوقت لإيقاف قطر عند حدها ومحاكمتها وأن يتم ضمّها إلى ما كان يجب أن تكون عليه إمارة تحت قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة أو أن تتكرم المملكة العربية السعودية وتدمجها مع أحد مدنها الصغيرة، وبهذا تتخلص قطر من الوهم الذي تعيشه والذي لا محالة سيتسبب في سقوطها قريباً.
تنظيم «داعش» السعودي
عبد الله بن بجاد العتيبي – الشرق الأوسط
الخبر الذي أعلنته وزارة الداخلية يوم الثلاثاء الماضي 7 مايو (أيار) خبر يجب أن يثير ما يستحقه من جدل ونقاش، وملخص الخبر هو الإعلان عن اكتشاف تنظيم جديد بشبكة متكاملة فيها كل عناصر التنظيمات الإرهابية، من البيعة والسرية والهرمية والتمويل والتخطيط والتجنيد والتدريب، ولكنه هذه المرة لم يأت من تنظيم القاعدة الأم، الذي أصابه الكثير من الوهن، ولا مما كان يُعرف بتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي قضت عليه السعودية، حتى ألجأته لليمن، وإنما من تنظيم فرعي جديد هو تنظيم دولة العراق والشام، المعروف بـ«داعش».
السؤال المهم اليوم هو كيف وصلنا إلى «داعش»؟ والجواب هو أن انتفاضات ما كان يُعرف بالربيع العربي كانت ربيعا أصوليا بامتياز، سواء لحركات الإسلام السياسي أم لحركات العنف الديني، وأن الأخيرة انتعشت تحت حكم الأولى سواء في مصر أم تونس أم في فوضى ليبيا واليمن، ولم تزل تنمو وتتوسع. وإن كانت مصر قد نجت من ذلك الربيع الأصولي، ولكنها ستظل أمدا غير قصير في مواجهة الأولويات الأصولية وخطاب الأصوليات بشكل عام.
في الحالة السورية، فإن السبب المباشر لخروج تنظيمات القاعدة كـ«النصرة» و«داعش» هو تقاعس القوى الكبرى في العالم عن أي دور ذي تأثير في وقف عنف النظام ضد شعبه، ولم تحرك ساكنا عندما تطور ذلك العنف لاحقا إلى حرب طائفية على نطاق واسع برعاية إيرانية كاملة، والصبغة الطائفية فاقعة اللون كان واضحا أنها ستلد ما يناقضها على الجهة الأخرى من الاصطفاف الطائفي، هذا بمنطق التاريخ، وقد ساعدت إيران على خلق ورعاية تنظيمات من هذا النقيض الطائفي في وجهه السني تكون مهمتها شق صفوف الجيش السوري الحر، ومساعدة النظام على البقاء بوعي أو من دونه، لا فرق، أقله لدى الشباب المغرر به.
كتب كاتب هذه السطور في بداية الأزمة السورية أن الصمت عما يجري في سوريا سيخلق بيئة مناسبة لخلق وتناسل تنظيمات العنف الديني، كتنظيمات القاعدة، وأنه ما لم يبادر العالم إلى حل سياسي يحسم الأزمة، فسوف يصطلون بنارها لاحقا، وهو ما نراه اليوم من استنفار كبير في الدول الغربية وتحذيرات عالية النبرة من عودة المقاتلين الأوروبيين إلى بلدانهم، أو من التخطيط لعمليات ضد الغرب تنطلق من سوريا التي أصبحت مرتعا وخيما لكل أنواع التنظيمات الإرهابية.
تنظيمات القاعدة بيادق إيران، من «القاعدة» الأم إلى التنظيمات الفرعية؛ القديم منها والجديد، فقد ظلت إيران منذ ما بعد 2001 ملجأ وملاذا للهاربين من أتون الحرب في أفغانستان، ولم تلبث إيران أن استغلت ذلك لتصبح بؤرة لقيادات التنظيم، تتحرك تحت عينها وبتخطيطها، وفي 2003 استطاعت أن تكون جسرا ينقل عناصر «القاعدة» من أفغانستان وباكستان إلى العراق، وهي اليوم تتحكم بتنظيمات القاعدة الجديدة في العراق وسوريا واليمن.
رغم اختلاف الآيديولوجيا، فقد جمع الطرفان العداء المستحكم لديهما للسعودية، ومعهما جماعة الإخوان المسلمين ورموزها وقيادتها، فها هو أول تنظيم فرعي لـ«داعش» يستهدف السعودية، وهو ما كانت تصنعه «القاعدة» منذ إنشائها، وفشلت فيه، وستفشل.
استشعارا للخطر المحدق، فقد استبقت السعودية ذلك بقانون مكافحة الإرهاب وتجريم المغررين بالشباب السعودي المستهدف، وإعلان جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وموقفها القوي سياسيا تجاه الأزمة السورية وتجاه حماية الدول العربية من محاولات الهيمنة وبسط النفوذ الإيرانية.
هذه المنظومة السعودية الجديدة من السياسات المعلنة إقليميا في سوريا واليمن ومصر، مع التشريعات النظامية الجديدة، مع القوة الأمنية الضاربة، كفيلة بإحداث فرق في مواجهة الخصوم، ومنها التنظيمات الإرهابية، وهي بحاجة لشيء من التكامل في الداخل للقضاء على أي جذور فكرية أو رموز تحريضية لاستنقاذ الأجيال السعودية الشابة من أن تكون وسيلة بيد أي أحد لتنفيذ أجندته بدماء أولئك الشباب.
كتبت الصحف تفاصيل الخبر المهم من التنظيمات النسائية إلى الأموال الخارجية، وكذلك الدور الإيراني، غير أن الإشارة الأخطر هي أن مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «تويتر» و«فيسبوك»، قد أصبحت تشكل مواطن للتجنيد وبناء التنظيمات واستقطاب العناصر، وجمع التبرعات، ونحوها، وهي خطيرة، لأن تلك المواقع يرتع فيها الراتعون بلا زمام ولا خطام من المتطرفين بكل أصنافهم وتوجهاتهم، وانتقال تلك التطرفات لتصبح مؤثرة في الواقع الحقيقي لا الافتراضي هو نذير شؤم يجب الحذر الشديد منه، وإيجاد الآليات المناسبة لمواجهته وتحجيمه.
من الحقائق المعروفة للمتابع أن «القاعدة» بكل تنظيماتها لم تقم بعملية واحدة ضد إيران، ولا ضد الأحزاب التابعة لها، كحزب الله في لبنان وحركة الحوثي في اليمن، ومنها أن داعية واحدا من المحرضين لم يذهب ليقاتل في مواضع الاضطرابات، كسوريا، بل وأبناؤهم كذلك؛ الداعية يذهب صيفا لسهول تركيا الخصبة أو سائحا لأوروبا، وابنه مبتعث في أرقى جامعات العالم، وأبناء الآخرين يذهبون حطبا في نار التحريض!
من «بلاي ستيشن» إلى «جبهة النصرة». قصة معبرة في هذا السياق تختصر التغرير بالشباب السعودي، رواها في برنامج الثامنة للإعلامي داود الشريان «الشاب مسفر» الذي أعادته لوطنه دموع والدته (أم محمد) في حلقة سابقة من البرنامج نفسه، تلك الدموع التي كان قد تندر بها دعاة التحريض والفتنة، واعتبرها أحدهم تمثيلية مدبرة!
ثمة «سوق نخاسة» للصغار من الشباب السعودي، تحت شعارات «الجهاد» بمعناه الجديد، الذي صنعه وأجاده من يُسمون بـ«الدعاة»، وليس بمعناه الديني، وأمثاله من المفاهيم المتطرفة والأساليب التحريضية التي تجعل من الشاب فريسة سهلة لتنظيمات الإرهاب، وما لم يتم تطبيق التشريعات الجديدة بصرامة على المحرضين، فإننا لن نستطيع كسر هذه الدائرة المغلقة من الإرهاب.
إن فضح ارتباطات تنظيمات العنف الديني، كتنظيم القاعدة وجماعات الإسلام السياسي، كجماعة الإخوان المسلمين، لم يكن غيا، بل وعي، بخطرها على الشباب والدول والأوطان. هذه جماعات إرهابية، وقياداتها إرهابيون بالتعريف والتوصيف.
أخيرا، فإن حرب السعودية ضد الإرهاب هي استراتيجية متواصلة لم تزل تطورها بتشريعات وأنظمة داخلية وبنجاحات متوالية، وكذلك بتحالفات خليجية وإقليمية ودولية، والتنظيمات الإرهابية تنجح في العمالة والتخريب، ولكنها لا تسقط الدول، خاصة تلك التي تعرفها جيدا وهزمتها من قبل.