Haneen
2014-06-03, 01:01 PM
في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
على الفلسطينيين الاستمرار في التضحية!
سركيس نعوم (http://www.annahar.com/author/12-%D8%B3%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%B3-%D9%86%D8%B9%D9%88%D9%85) – النهار اللبنانية
“البروبوغاندا”.. العصا السحرية للقوة الإعلامية الصهيونية
محمد بن سعيد الفطيسي – الوطن العمانية
ما وراء الأخبار.. تطهير حمص.. والعبرة لمن يعتبر
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image006.jpg (http://tishreen.news.sy/tishreen/public/editor/81)محي الدين المحمد (http://tishreen.news.sy/tishreen/public/editor/81) – تشرين السورية
بلا مجاملات.. حمص القديمة بلا إرهاب
جمال حمامة – تشرين السورية
الانتخابات الرئاسية في سوريا
عريب الرنتاوي – الدستور الأردنية
رسالة 'السيسي' للإخوان وحلفائهم
محمد أبو الفضل – العرب اللندنية
ما الذي يريـده (الإخوان) المصريون؟!
صالح القلاب – الرأي الأردنية
يوم أن قالوا: «الإخوان وطنيون»
سعيد الشحات – اليوم السابع المصرية
عندما تنبأ الغنوشي بسقوط إخوان مصر
سليمان جودة – الشرق الأوسط
في معنى سقوط الإسلام السياسي
عبد الله بن عمارة – السفير اللبنانية
انقلاب مسيحي على «حزب الله»
حسان حيدر – الحياة اللندنية
غياب التغيير في صناعة الحكم بالعراق
د. ماجد أحمد السامرائي – العرب اللندنية
على الفلسطينيين الاستمرار في التضحية!
سركيس نعوم (http://www.annahar.com/author/12-%D8%B3%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%B3-%D9%86%D8%B9%D9%88%D9%85) – النهار اللبنانية
قال الباحث والناشط اليهودي الأميركي، المؤمن بـ"حل الدولتين" للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والمنتقد الدائم ليمين إسرائيل بينيامين نتنياهو، في بداية اللقاء: "لا يزال رأيي الذي تعرفه كما هو. نتنياهو لا يريد حل الدولتين. ولا يرى أي ضغط عليه لقبول هذا الحل. فأميركا لا تضغط عليه، لكنها تتحرك، وتحركها قد لا ينتج عنه شيء. أنا لا أزال على موقفي، وهو ضرورة إقفال السلطة الوطنية الفلسطينية أبوابها، وتحويل الحركة الفلسطينية إلى حركة مناهضة للتمييز العنصري، ومطالبة دولة إسرائيل بحقوق للفلسطينيين، مساوية لحقوق مواطنيها اليهود". علّقت: لكن رئيس السلطة محمود عباس، وقيادات أخرى فلسطينية، لا يحبّذون ذلك. وقد كرر الرفض مرات عدة، كانت آخرها في آخر زيارة له لبيروت، وفي لقاء له مع صحافيين لبنانيين. ردّ: "صحيح ما قلت. هذا هو موقفه، وربما لا يزال متمسّكاً به. لكنني أثرت أخيراً هذا الموضوع، في لقاء معه فوافق على عدد من الطروحات التي قدمتها وليس عليها كلها. وعنده منطلقات لموقفه تختلف عن منطلقات موقفي. اجتمعت أيضاً بقيادات من عنده، وكانت الاجتماعات ثنائية كلها. فحصلت على موافقة كل منهم على الفكرة. لكن هؤلاء كانوا يتهرّبون عندما يُسألون إذا كانوا سيدعمون توجهاً كالذي طرحتُه، أو يَدعون إلى تأييده، وكانوا يعطون أعذاراً وحججاً. يقولون في إسرائيل أن الرأي العام فيها يريد حل الدولتين بأكثرية 70 في المئة. ولكن عندما تأتي إلى السياسة، ترى أن غالبية المواطنين ينتخبون أناساً يرفضون هذا الحل. لا بد من وصول شخصية قوية إلى الحكم في إسرائيل، مؤمنة بدولتها ومصالحها على المدى البعيد، وقادرة على اتخاذ قرار بتنفيذ حل الدولتين. وهذه الشخصية ليست موجودة الآن. لكنني لن أصاب باليأس، وسأستمر في السعي إلى أن أجدها".
سألت: ماذا عن موقف "حماس" من مشروعك، وهو إما حل الدولتين، وإما حل السلطة الفلسطينية؟ أجاب: "التقيت خالد مشعل مرتين. الأولى في دمشق، والثانية قبل ستة أشهر، وكانت في قطر على الأرجح. قال لي: لا نستطيع أن نكون مواطنين في دولة إسرائيل أي إسرائيليين. لكن لا بد من وضع هذا المشروع على الطاولة، ومن شرحه ومعرفة آراء الفلسطينيين فيه، والاستفادة منه إذا كان ذلك ممكناً. ذهبت إلى غزّة منذ أشهر، وأُعِدّ لقاء لي مع إسماعيل هنية، رئيس حكومة "حماس"، صُدِمْت عندما رأيته حاضراً ومعه كل أركان حربه وأعضاء حكومته. في جو كهذا لا تستطيع أن تخوض نقاشاً، أو أن تجري محادثة جدية. طبعاً هنية لم يقل شيئاً طوال الاجتماع، وعندما عرضت مشروعي، رأيت الصدمة على وجوه الجميع. ثم قال الناطق الرسمي باسم الحركة: "كيف تُطلِق مبادرتك"؟ أميركا لن تضغط على إسرائيل، ولا المجتمع الدولي من أجل العودة إلى حل الدولتين، وإسرائيل وشعبها لن يقبلا أن يصبح الفلسطينيون مواطنين في دولة إسرائيل، يطالبون بحقوق المواطنة كاملة. إذاً على الشعب الفلسطيني أن يفعل شيئاً، وهذا ما أقترحه".
علّقت: هذا الأمر حصل سابقاً وفشل. قام الشعب الفلسطيني بثورة مسلّحة أو بكفاح مسلّح، ولكن من الخارج ولم ينجح في تحقيق مطالبه. ثم قام بانتفاضات شعبية في الداخل، ولم ينجح أيضاً. تحرك المجتمع الدولي ومعه إسرائيل، وقالوا نحن نفعل. وبدأت عملية السلام عام 1991. وهي تحتضر الآن. وكل ما سينجزه كيري وزير خارجيتكم الآن، إذا نجح، هو تمديد المفاوضات بين حكومة نتنياهو وسلطة عباس، وليس أي شيء آخر. إذ نسي أنه بدأ سعيه بطرح التفاوض على قضايا الحل النهائي، ثم على اتفاق إطار، وبعد فشله مرتين صار يسعى الى تمديد المفاوضات. فكيف تطلبون في حال كهذه من الفلسطينيين التحرّك، أجاب: "يجب أن يتحرّكوا ولو اضطروا إلى تقديم التضحيات. قمنا بدراسة موَّلتها جهة على علاقة بوزارة الخارجية في دولة النروج، وقد نفّذ الدراسة شخص من آل الشقاقي، بمساعدة فلسطينيين، واستطلعت آراء عشرة قطاعات مختلفة من شعب فلسطين. تركّزت الأسئلة على ماذا سيخسر الفلسطينيون إذا اعتمدوا خيار التحوّل داخل دولة إسرائيل، التي تحتل أرضهم وتصادر حقوق شعبهم، إلى مقاومين للتمييز العنصري؟ فتبين أنهم سيخسرون على صعيد الصحة والتعليم والأمن والاقتصاد. ويعني ذلك طبعاً أنهم سيضحّون. لكن عندهم وبواسطة مجتمعهم المدني القدرة على الصمود والمواجهة". ماذا قال أيضاً عن هذا الموضوع؟
“البروبوغاندا”.. العصا السحرية للقوة الإعلامية الصهيونية
محمد بن سعيد الفطيسي – الوطن العمانية
تعتبر وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها من أهم الوسائل الحديثة للاتصال بين الأمم والشعوب في مختلف أرجاء الأرض، وبالتالي فإن تلك الوسائل ومن ذلك المنظور، لها من القوة والإمكانية ما يجعلها قادرة على الدخول واختراق أصعب الأماكن التي تعجز الوسائل التكنولوجية الحديثة الأخرى بشتى أنواعها من الدخول إليها بتلك السهولة والسلاسة، وعليه فإن تلك الوسائل تتحول تدريجيًّا في حياتنا اليومية إلى نوع من عوامل البناء أو الهدم، وبمعنى آخر تستطيع أن تكون وسيلة إنسانية وأخلاقية لخلق توازن بناء بين العلم والتعليم والإسماع والاستماع في مختلف المجالات والميادين الحياتية، أو التحول إلى نوع من الوسائل الظلامية الهدامة لتفتيت العقول وتشتيت الأفكار، وذلك بحسب الهدف المراد من ورائها.
وقد تنبهت الصهيونية إلى تلك القوة الهائلة لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها في ممارسة اللعبة السياسية من خلال استغلال فن الخداع البصري والسمعي ـ الدعاية السياسية ـ على المشاهدين والمستمعين بمختلف مستوياتهم التعليمية والاجتماعية والسياسية، بحيث تم استغلال تلك الوسائل ـ التي يفترض أن تكون وسائل موضوعية وحيادية لنقل الحقائق بكل مصداقية ـ لتزييف الحقائق وتشويه الصور على أرض الواقع، وذلك من خلال إعلام مضاد ودعاية سياسية موجهة لقلب الواقع وتغيير ملامحه الحقيقية لتوازي وتواكب الهدف الصهيوني المراد توصيله إلى المشاهد والمستمع في مختلف أرجاء المعمورة.
وفي هذا السياق يقول الكاتب اليهودي ويليام تسوكرمان (في رأيي إن قوة البروبوغاندا الحديثة المخيفة والمرعبة والقادرة على احتلال أذهان الناس وحياتهم، وعلى التلاعب بعواطفهم، وتحويلهم إلى حيوانات، وليست في أي مكان على هذا الوضوح كما هي في البروبوغاندا الصهيونية… فقد نجحت هذه البروبوغاندا حرفيا في تحويل الأسود إلى ابيض، والأكاذيب إلى حقيقة، والظلم الاجتماعي الخطير إلى عمل عادل يمتدحه الكثيرون، كما حولت أناسا قادرين من ذوي الألباب إلى مغفلين وأغبياء).
لذلك جند الإعلام الإسرائيلي لخدمة القضايا الإسرائيلية الرسمية بشكل عام، ووجه ليقف مع الأهداف السياسية والقومية التاريخية للصهيونية بشكل خاص، ومن هذه الرؤية الإسرائيلية لقوة الإعلام في التأثير على المتلقي في العالمين العربي والغربي، انطلقت “البروبوغاندا” الصهيونية لتلعب دور (الحاوي السياسي) الذي يعرف كيف يتلاعب بالألفاظ السياسية والمصطلحات الإعلامية بهدف خدمة الأجندة الصهيونية، وخصوصا على مستوى القضايا الحساسة كقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي لعبت الدعاية الصهيونية الإسرائيلية دورا كبيرا في تشويه معالمها وصورها الجميلة والنضالية.
وعليه فإننا نستطيع أن نطلق على ذلك الإعلام الإسرائيلي بأنه إعلام رسمي موجه، يعتمد الموقف الرسمي في كل تحركاته وسكناته، وكأنه موقف لا جدال عليه، والرأي الآخر يأتي على شكل موقف مشكوك بمصداقيته (ولهذا الأمر عدة أمثلة، فلم يشكك الإعلام الإسرائيلي أبدا في رواية واحدة من تلك التي يرويها الجيش الإسرائيلي، ـ في وقت تعتبر فيه ـ الرواية الفلسطينية هي رواية مشكوك بها، فالجيش مثلا (يقول) أما المصادر الفلسطينية فإنها (تزعم)، والجيش (يطلق النار ردا على اعتداء)، والفلسطينيون (معتدون)، بحيث تتحول الحقيقة فيه إلى كذبة، والواقع إلى خيال، وبمعنى آخر تكون الضحية هي الجزار والإرهابي، والمحتل المستعمر هو الضحية البريئة المغلوب على أمرها، وبالتالي تتغير صور الحوار وواقع الحال وكل ما يكون من آثار ومشاهد إلى مصطلحات محورة ومزيفة، ومنطق عذب يخفي وراءه عنقاء الانتقام وغول الحقد والكراهية وأسوأ مظاهر الكذب والخداع الإعلامي السياسي على الأذقان واللحى.
كما امتدت تلك الرؤية الإسرائيلية التي استغلت من خلالها “البروبوغاندا”السياسية الإعلامية لخدمة المصالح الصهيونية في الخارج الإسرائيلي، وذلك في عدة قضايا دولية، وخصوصا تلك التي تخص العالم العربي وتدخل من ضمن خصوصياته أو سيادته الإقليمية، كاللعب على وتر الطائفية السياسية في العراق من اجل إثارة الفوضى والبلبلة وعدم الاستقرار، وبالطبع فإن الهدف من وراء ذلك معروف، وعلى رأس تلك الأهداف بقاء الاحتلال الاميركي الإسرائيلي في ذلك الجزء الغالي من وطننا العربي إلى أطول أمد ممكن، كذلك من خلال إثارة الفتنة والعداوة ما بين الشقيقين العربيين الجارين الجمهورية العربية السورية ولبنان، وتأجيج الملف النووي الإيراني، وغيره من الملفات العربية الحساسة.
نعم… لذلك تميز اغلب الإعلام الإسرائيلي الصهيوني الموجه ـ مع الاحترام للمبدأ ـ الذي ترتكز عليه الأيديولوجية الإعلامية القائمة على الوقوف مع جل القضايا الإسرائيلية بكل قوة وشراسة بتلك الميزة السابقة، تلك الميزة الوطنية القومية التي يفتقدها الكثيرون في عصرنا هذا، وذلك من خلال ممارسة إعلامية مشوهة المعالم والصور، واستغلال تلك الوسائل بطرق مقززة يغلب عليها التشويه الإعلامي والدعاية السياسية أو “البروبوغاندا” والتي بطبيعتها تتميز بنقص الحقائق وربما معدوميتها في كثير من الأحيان، وقد شاهدنا كثيرا من معالم تلك الدعاية السياسية الإعلامية الصهيونية الخاوية من الموضوعية والحيادية في العديد من المواقف التي مرت بهذه التي يطلقون عليها اسم الدولة الإسرائيلية في عصرنا الحديث.
كما برز ذلك من خلال قضية اللاجئين الفلسطينيين، وانتفاضة الأقصى الشريف، وغيرها من القضايا التي برع في تشويهها الإعلام الإسرائيلي الصهيوني، في وقت لم يجد فيه إلا القليل من الإعلام العربي المضاد، والذي كرس نفسه لمواجهة تلك “البروبوغاندا” الصهيونية، لدرجة أننا نستطيع أن نصورها ـ أي إسرائيل ـ بأنها قائمة على قوة الإعلام المزيف بالدرجة الأولى، وان قوة الكيان الإسرائيلي الراهنة ومعالم هيمنته وسيطرتها الكرتونية، ما هي سوى قبضة لذراع إعلامي عالمي حديدي تقوده الصهيونية العالمية ومنظمات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا بشكل عام وفي إسرائيل بشكل خاص.
وفي حقيقة الأمر ليست البروبوغاندا الإعلامية الصهيونية بما تحتويه في مضمونها من خداع وأكاذيب وتشويه لمعنى ومضمون حقيقة الإعلام، نتاج الوجود الصهيوني الإسرائيلي الحالي في عالمنا العربي، أو نتاج الصراع العربي الإسرائيلي على وجه التحديد، وإنما هو نتاج وامتداد تاريخي لأيديولوجيا بشرية غريزية مبنية على الكراهية والحقد والكذب وفن الخداع على الآخرين منذ الأزل، وقد ورد في كثير من الكتب التاريخية السماوية اليهودية كإصحاح اشعيا وعاموس وارميا وغيرها من الكتب والأصاحيح اليهودية ما يدل على هذه الحقيقة التي طالما تنصل منها اليهود الصهاينة، فهذا ارميا يتحدث عن غضب الله ورفضه جيلا بكامله من اليهود لأن الحق قد باد وتمزق بسببهم فيقول: (فتكلمهم بكل هذه الكلمات ولا يسمعون لك، وتدعوهم ولا يجيبونك، فتقول لهم هذه الأمة التي لم تسمع لصوت الرب ولم تقبل تأديبا، باد الحق وقطع عن أفواههم، جزي شعرك واطرحيه وارفعي على الهضاب مرثاة، لأن الرب قد رفض ورذل جيل رجزه) (ارميا 7: 28 ـ 29).
وبالتالي فإن “البروبوغاندا”الإعلامية السياسية الصهيونية الحالية هي جزء لا يمكن فصله عن التاريخ اليهودي الصهيوني القديم والحديث، كما أنها من أسس بناء المشروع القومي الصهيوني العالمي القائم على بناء وتأسيس إسرائيل الكبرى أو إسرائيل التاريخية، الذي يتم توجيهه وإدارته من الولايات المتحدة الاميركية، وعلى وجه التحديد من قبل اللوبي الصهيوني الذي استطاع أن يسيطر على العديد من المراكز الحساسة في تلك الإمبراطورية، بل ان ينشأ فيها المركز الرئيسي للدعاية الإعلامية السياسية الصهيونية، و “البروبوغاندا” الإعلامية الصهيونية في العالم، وذلك من خلال ذلك الكم الهائل من الصحف والدوريات والقنوات الإعلامية الفضائية ومراكز البحث والدعاية وغيرها الكثير من وسائل الإعلام الحديثة.
ختاما فإننا لا بد أن ندرك وتدرك أجيالنا القادمة، بأن هذا الوطن العربي وطن عظيم بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وبأن ما يحدث في الوقت الراهن من تشويه إعلامي عالمي مستمر لمعالمه الخالدة، وقيمه النبيلة الفاضلة، وبطولات أبنائه في العراق وفلسطين على سبيل المثال ولقضاياه العربية والإسلامية، والزج بها دائما في دائرة الإرهاب والعنف والطائفية، وتغيير معاييرها الوطنية والقومية، وتشويه صورها الجميلة والبطولية، وتحوير وتزييف قيمها النضالية، ما هو سوى فصل من فصول اللعبة الإعلامية الصهيونية العالمية التي تسمى “البروبوغاندا”، واستمرار لفكرة أيديولوجية صهيونية مريضة تعاني من الحقد والكراهية تجاه عالمنا الإسلامي والعربي ودون استثناء، وهذا ما نلاحظه على امتداد الأفق العربي الذي لم يسلم جزء منه من ذلك التشويه والتزييف الإعلامي الصهيوني.
لذا وجب أن يبرز إعلامنا العربي كأحد الخطوط المناعية الدفاعية عن قضايانا العربية الإسلامية، وان يجند الإعلام بكل فئاته وأشكاله لخدمة تلك القيم الفاضلة النبيلة، وأن يبتعد قدر المستطاع عن دائرة النقل الأعمى للمواضيع والأفكار والأطروحات القادمة لنا من الخارج، ولن يكون ذلك ممكنا سوى بإعلام عربي خالص يحمل بين طياته هموم هذا الوطن العظيم، ويرفع شعار الوحدة والتراحم والتآخي والعدالة والمساواة بين أبنائه، وان يقوم بنبذ الطائفية والعرقية والخلافات المذهبية، وان يقوم بالتصدي لتلك الحملات الصهيونية الغربية الحاقدة تجاه هذا الوطن العربي الغالي، وبهذا فقط سنستطيع أن نخلق إعلاما حقيقيا نابعا من قيمنا الإسلامية العربية، إعلام إنساني قومي عالمي له كلمته وقيمته بين ملايين الأطياف الإعلامية الدولية.
تنويه: سنطرح ما تبقى من مقالنا قراءة في منتدى الدوحة الرابع عشر، ومؤتمر المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط (1-2) والذي تم نشره بتاريخ 5/5/2014م بعد عودتنا من المؤتمر، وتحديدا بتاريخ 19/5/2014م.
ما وراء الأخبار.. تطهير حمص.. والعبرة لمن يعتبر
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image006.jpg (http://tishreen.news.sy/tishreen/public/editor/81)محي الدين المحمد (http://tishreen.news.sy/tishreen/public/editor/81) – تشرين السورية
كثيرة هي الدروس المستفادة من تطهير مدينة حمص من الإرهابيين وعودة عشرات الآلاف من أهلها الذين تم تهجيرهم منذ بداية الأزمة ولعل من أهم تلك الدروس:
أولاً: حوالي ألفي إرهابي كانوا المسؤولين مباشرة عن اختطاف مدينة بأكملها، وإن هؤلاء استخدموا سكان المدينة كدروع بشرية لفترة طويلة وسرقوا متاجرها وأحرقوا كنائسها ومساجدها ومواقعها الأثرية.
ثانياً: المدنيون لم يتركوا ديارهم وينزحوا عنها إلا هرباً من هؤلاء، حيث ذهبت الأعداد العظمى منهم إلى المناطق التي تسيطر عليها الدولة، وأن هؤلاء عادوا إلى ديارهم بمجرد طرد المسلحين.
ثالثاً: من كان يتباكى على المحاصرين في حمص لم يكن يتباكى إلا على هؤلاء الإرهابيين الذين روّعوا الآمنين في حمص القديمة وفي الأحياء المجاورة وحاولوا أن يسوقوا أنفسهم كـ«ثوار» يمثلون الشعب السوري الذي لا يطيق العيش بكنفهم أو جوارهم لحظة واحدة.
رابعاً: عملية المصالحة التي جرت في حمص لم تكن الأولى، حيث سبقتها العديد من المصالحات الوطنية في ريف دمشق، لكنها تعتبر الأهم لأنها ستتيح المجال لعودة أكثر من 700 ألف مهجر من وقع الإرهاب إلى ديارهم، كما أنها المدينة الأكبر التي يعود إليها الأمن والأمان في أحضان الدولة، وهذا ما سيجعلها قدوة لأحياء بعض المدن التي يختطفها المسلحون وخاصة في درعا وحلب ودير الزور وفي مدن غوطة دمشق.
خامساً: تبيّن بما لا يرقى إليه الشك أن «ائتلاف الدوحة» الذي ذهب رئيسه الجربا إلى واشنطن لاستجداء التدخل العسكري الأمريكي والحصول على الأسلحة النوعية لقتل الشعب السوري بأنه لا علاقة له بما يجري على الأرض، وأنه لا يمون على أحد فوق الأرض السورية، وأنه مجرد واجهة قبح توظفه بعض الدول الإقليمية لتنفيذ رغباتها التي عجز عن تنفيذها الإرهابيون أنفسهم.
سادساً: كفة الموازين الراجحة لمصلحة الجيش العربي السوري باتت تعطي مؤشرات واقعية على أن نهاية وجود الإرهابيين قد اقتربت، وأن المناطق التي كانوا يسيطرون عليها هي في انحسار مستمر في ضوء الانتصارات الاستراتيجية التي حققها الجيش والشعب والقيادة في الأشهر الأخيرة.
سابعاً: الشعب السوري بكل أطيافه متمسك بالدولة التي تستطيع الحفاظ على كرامة المواطن – الموالي والمعارض – على حد سواء، وأن الإرهاب ومواجهة الدولة بالسلاح لا يخدمان أحداً سوى أعداء الشعب السوري وخاصة «إسرائيل» ومن يدعمها.. وهنا يكمن السر في صمود سورية وانتصارها على منظومة العدوان المتحالفة مع الإرهاب العالمي.
بلا مجاملات.. حمص القديمة بلا إرهاب
جمال حمامة – تشرين السورية
عريقة التاريخ، نشأت فيها حضارات منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، ويعود السبب في ذلك لموقعها المتوسط لبلاد الشام وخصوبة أراضيها ومناخها المعتدل، إضافة إلى موقعها العسكري المهم، إذ تشكل صلة الوصل بين مختلف مدن المنطقة... إنها حمص القديمة التي عانت من الإرهاب عادت اليوم إلى حضن الوطن آمنة بعد أن أذاقها الإرهاب مرارات القتل والخوف والدمار..
مشهد عودتها إلى موقعها الطبيعي هو ثمرة لجهود السوريين وحدهم، جاء في إطار المصالحات الوطنية التي تدعم الدولة مسيرتها في جميع المناطق السورية، وانطلاقاً من حرصها على وقف نزيف الدم وإيماناً منها بأن حل الأزمة التي نواجهها لا يمكن أن يأتي عبر أطراف خارجية
حمص القديمة نفضت غبار الإرهاب عن أحيائها، ولم يستطع الإرهاب طمس عراقتها، وهو انجاز ننحني أمامه بكل احترام جاء نتيجة لتضحيات وبسالة رجال القوات المسلحة حماة الديار، وتقديراً لدورهم في حماية أمن واستقرار الوطن وتصديهم للمؤامرة التي تتعرض لها سورية، فهم الذين صانوا الحرية والسيادة بالنضال والتضحيات، ورووها بدمائهم الزكية العطرة.. فقد أظهروا الروح والوطنية في كل شبر من أرض الوطن ودافع رجال الجيش العربي السوري بكبرياء وشرف عن وحدة بلادهم في مواجهة قوى الغدر وكل من تربص شراً بسورية.
حماة الديار عليكم سلام..
أبت أن تذل النفوس الكرام..
إنهم حماة الديار حملة الراية التي تضيء فضاءات الوطن بمشاعل النور والركيزة الحقيقية للحرية والوحدة الوطنية.. السوريون كما هم على الدوام بوصلتهم واضحة لا لبس فيها، هي الوطن بكل ما يعنيه من استقرار وأمان ووحدة، لكونه المظلة الحامية والضامنة لمستقبل أجيالنا، في مواجهة أعداء الأمة لثنيها عن مواقفها، وبناء ذاتها، واغتيال تاريخ ومستقبل أجيالها.
إن مشهد خروج المسلحين من حمص القديمة والذي امتد صداه ليغطي جهات الوطن الأربع.. أعاد الأمل إليها وأكد الصورة الراسخة في وجدان الأمة وضميرها.. والتي عنوانها – سورية الوطن الواحد الآمن المستقر – حيث عبّر المشهد الذي اتسع ليتجاوز مساحة الوطن الجغرافية، وتغلغل في الوجدان حقيقة ساطعة كشمس وضاءة، عن التفاف الشعب حول حماة الديار..
فمن أجل ذلك كله، وتمسكاً بالمنجز والآتي، وحماية لهذا الفضاء الوطني الخلاق، واستقلالية القرار الوطني.. انتصرت إرادة الحياة، وطنياً وأخلاقياً، على قوى الحقد والإرهاب.
الانتخابات الرئاسية في سوريا
عريب الرنتاوي – الدستور الأردنية
بدأت يوم أمس الأول، الحملات الانتخابية الرئاسية في سوريا ... النظام يتنافس مع “نفسه” في هذه المعركة ... لا وجود للمعارضات، داخلية أو خارجية، على حلبة المنافسة ... انتخابات ستجرى في نصف سوريا، فنصفها الآخر ما زال يقبع تحت سيطرة المعارضات المختلفة، خاصة داعش والنصرة ... نصف الهيئة الناخبة، خارج ولاية النظام الديموغرافية والجغرافية، هناك ثلاثة ملايين لاجئ سوري على الأقل، في دول الجوار القريب والبعيد، ولا نعرف بالضبط، كم من السوريين، ما زالوا يعيشون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
في البدء، انعقد رهان النظام، على “تنظيف” المدن الكبيرة من المعارضات المسلحة، قبل موعد الاستحقاق الانتخابي ... يبدو أن هذا الرهان، قد خاب، فحلب، ثاني المدن السورية، ما زالت في قلب دائرة النار ... أما حمص، ثالثة المدن السورية، فما زالت في قلب دائرة الخراب، وأهلها بالكاد عاد بعضهم لتفقد الأضرار وإحصاء الخسائر، وهيهات أن يتمكنوا من الاستقرار فيها، قبل مرور عدة أشهر ... وثمة مدن أقل أهمية، ما زالت تحت قبضة “داعش والنصرة” أو في مرمى نيرانهما.
في بلد منقسم، ومحترب داخلياً، تكون الانتخابات عادة، تتويجاً لمسار توافقي، بين مختلف اللاعبين والأطراف الفاعلة ... وفي أحيان قليلة، تكون مدخلاً لهذا المسار وتدشيناً له ... المسألة تبدو مختلفة تماماً في الحالة السورية ... الانتخابات تجرى في ظل مقاطعة شاملة من قبل المعارضين، بمن فيهم معارضة الداخل ... والانتخابات ستصبح صبيحة اليوم التالي لإعلان نتائجها، مجرد “تفصيل” صغير في يوميات الأزمة السورية، لن يقدم ولن يؤخر.
من منظور النظام، الانتخابات مهمة بذاتها، وهي محمّلة بكثير من الرسائل ... هي “برهان” على أن المؤسسات في سوريا، ما زالت تعمل كالمعتاد، برغم فاتورة الحرب وأكلافها ويومياتها الدامية ... وهي بمثابة تجديد لـ “شرعية” النظام، ومن خلال آلية انتخابية ... وهي تعبير سياسي مكثف عن المكاسب الميدانية التي سجلها النظام في ملاعب خصومه الكثر، خاصة المعارضة، التي تزداد تهالكاً وتفسخاً، يوماً إثر آخر.
أما بالنسبة لخصوم النظام، فقد قالوا فيها ما لم يقله مالك في الخمر ... مهزلة تحاكي الديمقراطيات، دون أن ترتقي إلى معاييرها، جزء من المشكلة بدل أن تكون جزءاً من الحل، وعقبة إضافية على طريق “جنيف 3” المتعثر أصلاً ... هؤلاء جميعاً ما كان منتظراً منهم مواقف غير تلك التي صدرت عنهم ... أما حلفاء النظام في الإقليم والعالم، فهم يشاطرون النظام، بعضاَ من رسائله الانتخابية، وليس جميعها على أية حال.
انتخابات جرى تفصيل قانونها الخاص، على مقاس النظام ورئيسه، تماماً مثلما جرت إعادة تفصيل الدستور على مقاس الرئيس وهو يخطو صوب ولايته الأولى، خلفاً لوالده ... المرشح الرئاسي يجب أن يكون مقيماً إقامة دائمة في سوريا في السنوات العشر الأخيرة، ما يسقط جميع المعارضة في الخارج، دفعة واحدة، وبجرة قلم ... والمرشح يتعين عليه الحصول على تأييد 35 نائباً في مجلس الشعب السوري، ذي اللون الواحد أصلاً، والذي نشأ وأخضع لهيمنة “الحزب القائد للدولة والمجتمع”، ما يعني “صك حرمان” من المشاركة، لمعارضة الداخل إن تجرّأ بعضها على التفكير بخوض غمار المنافسة.
لم يبق سوى مرشح الحزب والنظام الأوحد: الرئيس بشار حافظ الأسد، أمَّا منافساه الآخران، فالأرجح أن النظام أمَّن لهما ما يمكنهما من استكمال شروط المنافسة، والأرجح أن توزيعاً “مركزياً” للأصوات داخل مجلس الشعب، قد جرى مسبقاً، بحيث ينال الرئيس الأسد حصة الأسد من تأييد أعضاء المجلس، وتترك للمرشَّحين الآخرين الأصوات المطلوبة، ودائماً لغايات القول، أننا أمام انتخابات ومنافسة ديمقراطية حرة ونزيهة، وليس بصدد استفتاء على الرئاسة، من النوع الذي اعتادته سوريا، والذي غالباً ما كان ينتهي بنسبة 99.99 بالمائة من الأصوات لصالح المرشح الأوحد، تلك الاستفتاءات التي مُنِح فيها المواطن السوري الحق في قول “نعم” أو “لا بأس”، ولا خيار ثالث بينهما.
انتخابات يجريها النظام، بتنظيمه وتحت إشرافه، من دون رقابة مجتمع مدني أو قضاء مستقل، من دون مراقبة دولية، ومن دون احترام للحد الأدنى من المعايير الدولية لنزاهة الانتخابات وشفافيتها ... انتخابات كهذه، من السهل الطعن بنتائجها، واحتسابها على “مألوف” الانتخابات في العالم العربي، قبل أن يدخل ربيعه.
ستجرى الانتخابات، وستشارك بها نسبة “معتبرة” من السوريين الباقين في مناطق تواجد النظام وسيطرته، ومن دون حاجة للتزوير الفظ، سيفوز الرئيس السوري بشار الأسد بولاية ثالثة، إما خوفاً من النظام وآلته القمعية من حزبية وأمنية، وإما خوفاً على سوريا، وأملاً في الاستقرار وعودة الأمن والأمان، ودائماً “قرفاً” من المعارضات المسلحة، الأصولية منها على نحو خاص، والتي يمكن القول من الآن، ومن دون تردد، إنها ستكون “الناخب الأكبر” في الانتخابات المقبلة.
وتفتح الانتخابات المقبلة الباب على سؤال: هل يُتمَّ الرئيس الأسد ولايته الثالثة؟ ... الجواب نعم، إن ظل الحال في سوريا رهناً بتطورات الميدان، وتآكل المعارضة، وانتشار المد الجهادي والإرهابي ... وربما يكون “لا”، إن أمكن للمجتمع الدولي توفير شبكة أمان لمرحلة انتقالية في سوريا، تنتهي بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وتعددية، يشترك فيها الجميع، بمن فيهم الأسد، وتكون فيها الكلمة الفصل للناخب السوري ... مثل هذا السيناريو المتفائل، يبدو خيالياً وطوباوياً في ضوء تطورات الأزمة السورية وتداعياتها، فما يلوح في الأفق، هو استمرار هذه الأزمة لسنوات قادمة، ربما تستهلك الولاية الثالثة للرئيس السوري، ودائماً وفقاً لأكثر السيناريوهات تفاؤلاً.
رسالة 'السيسي' للإخوان وحلفائهم
محمد أبو الفضل – العرب اللندنية
الرسائل التي حملها الخطاب السياسي للمرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي مؤخرا، بدت متعددة وتحمل معاني للداخل والخارج، وكشفت رؤيته لقضايا كثيرة، لكن أهم رسالة سأقف عندها تتعلق بقوله “لن يكون هناك شيء اسمه الإخوان في مدة رئاستي”، حيث فسرها البعض بعدم وجود مصالحة معهم، وقال آخرون أن الإقصاء سيكون منهجا في عهده، وبالغت فئة ثالثة في شططها، وألمحت إلى أن المشير سوف يتخلص منهم نهائيا.
في كل الحالات كان التفسير مصدر ارتياح لقطاع كبير من المواطنين، لازالوا يحملون غضبا تجاه الجماعة التي هددت الأمن القومي للبلاد، وكادت أن تتسبب سياساتها الخاطئة في تفتيت وحدة المصريين. لكن فريقا آخر شعر بالتناقض الذي ينطوي عليه الكلام السابق، لأن في صفوف المحسوبين على الإخوان فئة مسالمة لم ترتكب عنفا وأدانت من ارتكبوه، كما أن المشير السيسي أكد أنه يفتح ذراعيه لكل المصريين، الذين لم يمارسوا الإرهاب، ولم تتم إدانتهم لجرائم متعلقة به.
التقدير عندي أن السيسي أراد بعبارته السابقة توصيل رسالة مزدوجة، إلى الإخوان والمتحالفين معهم، مفادها ضرورة التكيف مع الأوضاع الجديدة، والالتزام بقواعد اللعب السياسي النظيف، خاصة أن الدستور أشار إلى منع الأحزاب على أساس ديني، وأن المصالحة- الصفقة التي يراهن عليها البعض- لن تحدث أبدا، ومن ثمة عليهم الإذعان للمحاكمات القضائية، والكف عن الشوشرة التي يقومون بها في قاعات المحاكم، لأنها لن تسمن أو تغني من جوع.
أما رسالته للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، التي تضغط من أجل استيعاب الإخوان ضمن الواقع السياسي الجديد، تقول إذا كانت واشنطن وغالبية الدول الأوروبية استسلمت للتغيير الذي حدث في مصر، وقبلت على مضض عزل الرئيس الإخواني، فعليها وقف محاولات البحث عن مكان سياسي للجماعة مستقبلا، حتى تبدو واشنطن والغرب عموما، وكأنهما لم يتخليا عن أصدقائهما الإخوان، ويخففا من أي عنف محتمل يمارسه هؤلاء ضد المصالح الغربية، والأهم أن يتحول الإخوان إلى شوكة في خاصرة الحكم الجديد وورقة للمناكفة، لوقف طموحات الرئيس المحتمل المشير السيسي.
عندما أكد السيسي أنه لن يكون هناك شيء اسمه الإخوان في عهده، أراد أن يقطع الطريق على المساعي التي تبذل لانخراطهم في العمل السياسي رسميا، وأراد تحدي المحاولات الرامية إلى جرح منهج الاستقلال الوطني الذي يتبناه الرجل، وظهرت معالمه في قضايا متعددة، آخرها ما كشفه لي مصدر رفيع المستوى، بشأن إعلان أميركا (عبر عالم وسيط) استعدادها تمويل المشروع العملاق "ممر التنمية"، الذي يربط الصحراء الغربية من البحر المتوسط حتى أسوان، وإقامة كل ما يلزمه من شبكات طرق وكباري وسكك حديدية ومصانع ومساكن واستصلاح للأراضي، شريطة أن تكون لها حصة مادية في المشروع.
الأمر الذي رفضه السيسي، وأكد أن المشروع القومي سيتم برأس مال مصري وعربي وبالتدريج، فكانت صفعة جديدة يوجهها المشير إلى واشنطن، بعد سلسلة من الصفعات، لم يكن رفض القبول بمشاركة الإخوان السياسية آخرها، بل سبقتها جهود مضنية لإثناء السيسي عن الترشح لانتخابات الرئاسة مقابل مكافأة مغرية، وعندما فشلت أميركا، اتجهت إلى غرس منغصاتها في الجسد المصري التي قوبلت بمقاومة شديدة.
رسالة السيسي الحادة إلى الإخوان وحلفائهم، استندت إلى جملة من المحددات الرئيسية، أهمها العنف الذي تمارسه الجماعات المتشددة الملتحفة برداء إخواني خفي، وهو ما يعزز عدم الوثوق في الجماعة، مهما تحدثت عن سلمية مظاهراتها في الشوارع والجامعات، فضلا عن الغضب الشعبي العارم ضد الإخوان، يقابله حب جارف للمشير السيسي، حتى تحول إلى بطل شعبي وعربي لتصديه لأفعال الإخوان، بالتالي لابد أن يظهر موقفا صارما ضدهم، حتى تستقر الأمور، لأن مراحل التحول لا تتحمل مجازفة، لذلك آثر قطع الطريق نهائيا على أية محاولات للالتفاف لدخول الإخوان البرلمان القادم، حيث تتهيأ الجماعة لنشر عناصرها في قوائم بعض الأحزاب الصغيرة.
من جهة ثانية، جاء موقف السيسي في وقت حققت فيه أجهزة الأمن تقدما ضد العناصر الإرهابية المؤيدة للإخوان، ومن ثم انكشف ظهيرها المسلح، ولم تعد قادرة على الوصول إلى هدفها في بث الفوضى، وتزامن مع ذلك إصرار السيسي على تقديم صيغة معتدلة للإسلام ورفض الاحتكار، والاستعانة بالأزهر لنشر الإسلام الوسطي، علاوة على إحكام وزارة الأوقاف سيطرتها على المساجد التي أصبحت بابا خلفيا للإخوان.
سياسات تجفيف المنابع، أسهمت في وضع الجماعة وحلفائها في موقف بالغ الحرج، لا تستطيع معه التصميم على التقدم بصورة مسلحة خوفا من أن تحترق، ولا تستطيع الضغط سياسيا، خشية كشف المستور عن أشياء يمكن أن تحرج جهات كانت لها أصابع في الجرائم التي مست المصريين، وكانت صيغة عدم وجود الإخوان، مناسبة لتوصيل الرسالة المطلوبة في هذه المرحلة، وقد يكون للمرحلة المقبلة حديث آخر.
ما الذي يريـده (الإخوان) المصريون؟!
صالح القلاب – الرأي الأردنية
مع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية في مصر أصدر الإخوان المسلمون ،الذين باتوا يُعتبرون تنظيماً ارهابياً، بياناً ومذكرة يطفحان غموضاً فالبعض رأى أنهما معاً بمثابة محاولة للتقرب من مستجدات الوضع المصري والتمهيد لخوض معركة الإنتخابات النيابية في حين أن البعض الآخر اعتبر أن إصدار هذا البيان وهذه الوثيقة هو من أجل الإعلان عن الوجود ودعوةً للمناوئين والمعارضين للمشير عبد الفتاح السيسي ،الذي بالإمكان القول وبيقين راسخ أنه هو وليس غيره سيكون رئيس مصر الجديد، لتشكيل جبهة معارضة سيكون مصيرها الفشل بالتأكيد.
في بيانهم الذي أصدروه قبل يومين كرروا المعزوفة إياها المنادية بتصحيح الأوضاع في مصر ،بعد ما يعتبرونه انقلاباً عسكريا، «.. ليعود الشعب هو السيد وهو مالك الدولة ومؤسساتها وهو الذي يحكم نفسه بنفسه عن طريق نوابه ويختار حاكمه وبرلمانه بحرية ونزاهة كاملة لتعود مؤسسة الجيش إلى ثكناتها لتمارس تخصصها ودورها في الدفاع والحماية وتبتعد عن السياسة والحكم».
وهكذا فإنَّ بيت القصيد في هذه الحكاية كلها هو التركيز على الجيش الذي لولاه ولولا أميركا لما وصلوا إلى الحكم فالمعروف أنَّ القيادة العسكرية في ذلك الحين وعلى رأسها المشير الطنطاوي قد سلمت مقاليد الأمور إلى الإخوان المسلمين تسليماً وأنَّ هؤلاء في الفترة القصيرة التي حكموا فيها دون أن يكونوا مؤهلين للحكم لم يتذكروا حكمة أن الشعب يجب أن يحكم نفسه بنفسه بل ولكانوا الآن ،لولا إنتفاضة «يونيو» المجيدة التي يعتبرها المصريون الثورة الثانية، يُهيْمِنون على كل شيء في مصر.. من الجيش إلى السلك الدبلوماسي إلى الإعلام إلى الأمن إلى الإقتصاد إلى الإدارة والجامعات والأزهر والإفتاء!!.
لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله
عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
وحقيقة وبدل كل هذه المناورات والألاعيب وبدل سياسة الإختباء وراء الأصابع والإستقواء ببعض الفضائيات وبـ»رجب طيب أردوغان» وبالطريقة التي بات يتعامل فيها مع الداخل والخارج وحتى مع بعض رموز حزبه.. وبدل الإمعان بعيداً في العنف والإرهاب فإنه كان على الإخوان المسلمين ،إخوان مصر، أن يستحضروا كل تجارب التاريخ وأن يعترفوا بهزيمتهم ويقروا بعدم أهليتهم للحكم وأن يراجعوا وبسرعة مسيرتهم وان يغيروا مسارهم السابق ويخطوا نحو الواقع الجديد ليس خطوة واحدة وإنما ألف خطوة ليتم قبولهم ليس من قبل المشير السيسي فقط بل من قبل الأغلبية المصرية التي هي من أسقطهم في إنتفاضة (يونيو) وليس لا الجيش ولا الأجهزة الأمنية.
إنه لا يعيب الحزب وأي حزب التراجع عن مواقفه الخاطئة بعد الإعتراف علناً وعلى رؤوس الأشهاد بهذه المواقف الخاطئة ويقيناً أن أكبر خطأ ارتكبه «الإخوان» المصريون هو أنهم تراجعوا عن قرار المشاركة في الإنتخابات البرلمانية فقط تحت ضغط نزوات بعض قادتهم الذين كانوا يتضورون جوعاً إلى الحكم والسلطة والإندفاع نحو الرئاسة فكان أنْ إنكشفت أوراقهم كلها وكان أن ثبت أنهم ذاهبون لتصفية كل معارضيهم ومناوئيهم والتحكم بمقاليد الأمور كلها.. وبالبلاد والعباد.
والأسوأ أنَّ هؤلاء بدل أن يبادروا إلى إعادة النظر بحساباتهم كلها وببرامجهم وسياساتهم بعد إنتفاضة (يونيو) سارعوا إلى ركوب موجة الإرهاب والعنف لإسقاط ما اعتبروه إنقلاباً عسكرياً بالقوة فكان أن اعتُبروا منظمة إرهابية وكان أنْ فقدوا باقي ما تبقى لهم من شعبية وكان أنْ حشروا حاضرهم وما ضيهم في دائرة «القاعدة» و»أنصار بيت المقدس» وكل هذه التنظيمات الوهمية الأخرى التي إستخدموها واجهة لعملياتهم الدموية المشينة.
يوم أن قالوا: «الإخوان وطنيون»
سعيد الشحات – اليوم السابع المصرية
أعدت أمس ما كتبته من قبل عن علاقة القوى السياسية مع الإخوان بعد ثورة 25 يناير، والتى يتعامل البعض معها الآن بادعاء الحكمة بأثر رجعى، وأستكمل..
يعانى البعض الآن من مرض «الحول السياسى»، وأهم أعراضه تصويب قذائف اللهب على ذاكرة المصريين لمحو الكثير مما كان يتم أمامهم، غير أن أرشيف الذكريات يتحدى تلك القذائف التى يفجرها البعض كل ليلة فى برامج «التوك شو»، ومن حكايات الأرشيف ما كتبته أمس على سبيل المثال لا الحصر، عما ذكره الفريق أحمد شفيق بمباهاة وفخر عن إفراجه عن «خيرت الشاطر» و«حسن مالك»، وبوصفه رئيساً للوزراء استعجل النائب العام لإنهاء الإجراءات الخاصة بهما، وذكر «شفيق»، أن الاثنين تعرضا لتدبير قضية غسيل الأموال من نظام مبارك، وبسببها حصلا على أحكام بالسجن.
علينا أن نتأمل قيمة هذا القرار، وفوائده الكبيرة لجماعة الإخوان، والمثير أن «مرضى الحول السياسى» يتجاهلون هذه القصة عن عمد، ولا يقتربون منها من بعيد أو قريب.
تتسع الصورة فى هذه القضية لتشمل آخرين منهم الدكتور محمد أبوالغار الذى تحدث وقتئذ عن أن جماعة الإخوان «فصيل وطنى»، وطالبهم بتشكيل الحكومة بعد انتخابات مجلس الشعب لحصولهم على الأغلبية، وكان هذا رأى الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل، والذى قال فى أحد حواراته مع «لميس الحديدى»، إنه نصح المشير طنطاوى رئيس المجلس العسكرى الذى قاد المرحلة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير، بإسناد رئاسة الحكومة إلى الدكتور محمد مرسى، باعتباره رئيس حزب الحرية والعدالة الفائز بالأغلبية البرلمانية، لكن «طنطاوى» وحسب رواية هيكل خبط على يده قائلاً: «أنت عاوزنى أسلم البلد للإخوان».
لم يخرج الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد عن هذا السرب، وقال إن جماعة الإخوان «فصيل وطنى»، حتى الكاتب الروائى المبدع الدكتور محمد المخزنجى، لم يخرج عن هذه القاعدة فى حوار له مع الإعلامى محمود سعد على «قناة النهار» بعد انتخابات مجلس الشعب، الذى سأله «سعد» على خلفية أن «الشاطر» كان زميل دراسته فى المنصورة.
تتسع الصورة لتشمل عمرو موسى الذى لم يتهم «الإخوان» بعدم الوطنية، بل أشاد بهم وقت أن كان مرشحا لرئاسة الجمهورية، وليس سراً أن بعض قيادات الإخوان ناقشت إمكانية تأييده فى انتخابات الرئاسة، كما أنه قابل خيرت الشاطر فى بيت أيمن نور وقت أن كان مرسى رئيساً للجمهورية، وتلك قصة معروفة حدثت وقت شدة استقطاب المصريين ضد حكم مرسى، ووقت أن كان «موسى» ضمن قادة جبهة الإنقاذ، واستكملها بقوله الشهير، إنه مع استكمال «محمد مرسى» لفترة حكمه «أربع سنوات»، وقال إن «حمدين صباحى» هو الذى يرفض هذا الرأى، ويصمم على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
صحيح أن هؤلاء كانت لهم انتقادات للمشروع السياسى لجماعة الإخوان، لكنه النقد الذى لم يكن تحت سقف تخوين الإخوان، وعليه فإن ادعاء البعض الحكمة فى رفض الإخوان بعد ثورة 25 يناير هو قول مغلوط، فهو ادعاء ينطبق عليه المثل الشعبى: «اللى بيته من زجاج ميحدفش الناس بالطوب».
عندما تنبأ الغنوشي بسقوط إخوان مصر
سليمان جودة – الشرق الأوسط
سوف يتأكد لنا، يوما بعد يوم، أن بعض الحكمة المُتاح لإخوان تونس، ليس متاحا بأي مقدار للحركة الأم في مصر، وأن التعقل الذي يغلِّف كلام الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية، في أكثر من مناسبة، لا أثر له في دماغ محمد بديع، مرشد الجماعة في القاهرة، الذي قادها إلى هلاك كانت في غنى عنه تماما!
ثبت هذا لنا مرات، على مدى شهور مضت، قبل أن يجدد الغنوشي نفسه، إثباته، الأسبوع الماضي، مرتين؛ واحدة في إسطنبول والثانية في بلاده!.. وإن كان قد عاد سريعا لينفي بعض ما قاله، لا كله، في المرة الأولى، وهو نفي أفهمه على طريقة ما تعرفه الصحافة، في بعض حالاتها، من أنه النفي الذي يأتي أحيانا ليؤكد الخبر!
وفيما قبل، فإن الأمر قد تجلى على أنصع ما يكون، عند سقوط حكومة علي العريض السابقة في تونس، وتشكيل حكومة مهدي جمعة الحالية.
ذلك أن العريض كان واحدا من قيادات «النهضة»، وكانت حكومته، بالتالي، محسوبة على هذه الحركة الإسلامية، هناك، في كل حالاتها، ولم تكن المشكلة في أنها كانت منذ مجيئها إلى مقاعد الحكم، حكومة يهيمن عليها وزراء نهضويون، إذا صح التعبير، ولكن المشكلة كانت في أنها كانت تعمل في أجواء محلية معارضة لها، وتكاد تكون معادية، ثم في أجواء إقليمية تنطق بأن هذا ليس أوان وجود الإسلاميين في الحكم، وأنه من الأفضل لهم، إذا كانوا يتمتعون بالحد الأدنى من العقلانية في التفكير، أن يأخذوا خطوة، بل خطوات، إلى الوراء، وأن يتيحوا الطريق لمَنْ هم أقدر منهم على العمل، وعلى الإدارة، وعلى الحكم، ليديروا الشأن العام، وأن يتصدوا لقضاياه.
شيء من هذا، استطاعت «النهضة» أن تعيه، وأن تستوعبه، ثم تعمل به، فقبلت أن يأتي رئيس حكومة لا علاقة له بها، وأن يأتي معه وزراء ليست بينهم وبينها، صلة، وأن يذهب العريض، رغم قصر المدة التي قضاها على كرسيه، وأن يأتي جمعة في مكانه، لعله يكون أقدر، وهو ما حدث!
وكان أهم ما في خطوة كهذه، أنها تقول، إن الغنوشي يدرك أن هناك فرقا بين العمل الدعوي، والعمل السياسي، وأن حركته إذا كانت قد أنجزت شيئا، في الأول، فليس معناه أن تنجز في الثاني بالضرورة، وأن الواقع في تونس، وفي عالمنا العربي عموما، في حاجة منذ بداية ما صار يُعرف بالربيع العربي، إلى مَنْ يجيد قراءته، ثم يشتبك معه، بناء على هذه القراءة التي أخفق فيها إخوان مصر بامتياز!
لم يستوقفني شيء، في كلام الرجل، في إسطنبول، حيث انعقد مؤتمر هناك مؤخرا، قدر ما استوقفني كلامه عن أنه كان في لحظة من لحظات عام 2012، في اجتماع مع مجلس شورى النهضة، وأنه في أثناء الاجتماع قد جاء خبر يقول إن إخوان مصر، قد قرروا خوض انتخابات الرئاسة التي انعقدت في مايو (أيار) من ذلك العام، وأنه عندما طالع الخبر، صارح مجتمعيه فقال: «الله يعوض عليكم في إخوانكم في مصر، لقد قرروا بهذه السرعة نهاية تجربتهم».. وهذه العبارة بالمناسبة، لم يتطرق إليها النفي إياه، الصادر عنه، الاثنين الماضي.
هنا، يضع الشيخ راشد يده على أصل المشكلة وجوهرها، وهو أصل لا يعود فقط إلى أن الإخوان فشلوا خلال عام قضوه في الحكم، ولا إلى أنهم فشلوا بالدرجة ذاتها في التعامل مع ما بعد فشلهم ممثلا في ثورة 30 يونيو (حزيران)، وإنما في أنهم خاضوا السباق من الأصل.. فلم يكن السباق سباقهم، بأي تقدير، ولا كان هذا هو وقته، أو توقيته، بأي ميزان.. ولذلك، فكل ما جاء بعد قرار الخوض، إلى اليوم، ثم إلى الغد، إنما هو حصيلة لقرار خاطئ مائة في المائة، اتخذوه، ثم عجزوا ليس فقط عن التراجع عنه، وإنما عن التعامل مع عواقبه!
هذا هو جوهر الأمر، وكل ما عداه تفاصيل ابتداء من رفضهم الإنصات للنصح الذي قدمه لهم الغنوشي، ذات يوم، متطوعا، ومرورا بإصرارهم، دون سبب مقنع، على أن يظهروا في كل موقف، على أنهم يقولون الشيء، ويفعلون عكسه على طول الخط، وانتهاء بعدم إدراكهم، حتى الآن، وبعد مرور عشرة شهور على 30 يونيو، أن الطريق الذي يمضون فيه، ينال منهم، ولا يضيف إليهم، إذا كان لا يزال هناك حقا، شيء يضاف لهم، أو يُنال منهم!
شيء واحد يحيرني وهو أن ما قال به رئيس حركة النهضة، في إسطنبول أمر بديهي منذ شهور، كما أن عبارة «يعوض الله عليكم في إخوان مصر» قديمة كما نرى، ومضى عليها عامان، فلماذا تأخر صاحبها في إعلانها علينا، كل هذا الوقت، وهل كان الغنوشي في حاجة إلى شهور، بل إلى عامين، ليعلن علينا ما قاله، من قبل، في غرفة مغلقة؟!.. ثم لماذا الآن، على وجه التحديد؟!
أمر آخر، هو أن الغنوشي يقول في حديثه الثاني، في تونس، إنهم في «النهضة» اختاروا أن يتخلوا عن السلطة، حتى لا يقع البيت التونسي فوق رؤوس أبنائه، وهو كلام يُحسب له، لولا أنه صحيح جزئيا، لا كليا، لأنه تخلى عن الحكومة، وليس عن السلطة، بدليل أغلبيته في البرلمان، ثم إنه هو نفسه قال صراحة، عند تشكيل حكومة جمعة، إنهم، كحركة نهضة، خرجوا من الحكومة، ولم يخرجوا من السلطة!
للناس ذاكرة يا شيخ راشد!
في معنى سقوط الإسلام السياسي
عبد الله بن عمارة – السفير اللبنانية
كان لافتا أن يتزامن، حديث السيد نصر الله مع جريدة «السفير» الذي أبدى فيه تحفظا على مصطلح «الإسلام السياسي» في معرض رده على سؤال للجريدة عن المشروع السياسي للإخوان المسلمين، مع تصريح نقل عن الرئيس بشار الأسد أمام كوادر حزب البعث عن سقوط الإسلام السياسي، هذا التزامن الذي بدا لأول وهلة للبعض انه تناقض في قراءة الواقع الراهن بين حليفين متكاملين، استلزم توضيحا يعالج ما ظهر من لبس، وفق منهج يستوفي الجانب المعرفي والفكري في موضوع السقوط، أو الإخفاق أكثر من الجانب السياسي، والخروج من حالة توصيف الواقع السياسي، إلى حالة القراءة المعرفية للبنية الفكرية المحركة لهذا الواقع السياسي.
تحفظ السيد على مصطلح الإسلام السياسي كان مفهوما، بل ومبررا على اعتبار انطلاقه من خلال إطاره العقائدي الذي يعتبر الإسلام كلا متكاملا لا يقبل تجزيئا، إلى ما هو سياسي أو اجتماعي، أو ثقافي... إلا أن استطراده في الإجابة عن السؤال، نمّ عن معرفة تامة بمضمون الموضوع - تتجاوز ما هو شكلي أي الخلاف حول التسمية - و بإرادة واضحة للإشارة لـ«حركات إسلامية « بعينها تتحمل المسؤولية عن أدائها، وعدم إلحاق تداعيات إخفاقها بباقي الحركات.
فالأصل أن مصطلح «الإسلام السياسي» لم يكن ضمن دائرة التداول في التراث العربي - الإسلامي، فهو بهذا المعنى مصطلح معاصر، كما انه وبالرغم من انه متداول في الدوائر الثقافية والسياسية غير المنتمية لهذا الإطار الذي ينعت بحركات الإسلام السياسي، إلا انه لا يحمل معنى قدحيا اتجاهها، ويختلف من حيث تحرير المصطلح، كما المضمون مع مصطلح «النهضة الإسلامية»، الذي يعبر عن الحركة الثقافية والسياسية والفكرية التي قادها جمال الدين الأفغاني في العالم الإسلامي، وبالخصوص في إيران ومصر، والتي شكلت الإطار المرجعي لحركة الإصلاح الديني التي تأمل منها أن تقود الأمة نحو النهضة والتحرر من الاستعمار، ومن خلال العلاقة بهذا الإطار المرجعي، يتحدد المسار الفكري لحركات الإسلام السياسي، أي مدى قربها أو بعدها من البنية المعرفية الأصلية لهذا الإطار.
لقد أثمرت بذرة حركة الأفغاني في إيران ومصر، وعيا وطنيا تحرريا ضد السيطرة الاستعمارية من جهة، ورفضا للاستبداد والتسلط، وما يرافقهما من تخلف عن الركب الحضاري من جهة أخرى، وتأكيدا على الهوية الوطنية الجامعة الرافضة لشـرخ النسيج الوطني على أسس دينية أو طائفية، وعلى ترسيخ آليات النقد والتجديد في منظومة التراث الثقافي والفكري الإسلامي، بما يؤهلها لنـسف رواسب الجمود والتعصب المذهبي، ولتشكيل رافد للمشروع النهضوي، فشكل النائيني تلميذ الأفغاني في إيران، إطارا معرفيا اجتهاديا رائدا في مجال تشكيل الوعي بضرورة التجديد داخل الحقل الفكري السياسي الإسلامي «الشيعي» لتقبل فكرة الاحتكام إلى الدستور، والفصل بين المؤسسات والوقوف ضد الاستبداد، ومقاومة النفوذ الاستعماري الأجنبي بالمحافظة على السيادة الوطنية، والحق في استثمار الثروة الوطنية بعيدا عن قوة الاحتكار الرأسمالية الاستعمارية (الثورة الدستورية في إيران أو الثورة المشروطة). وفي مصر قاد تلامذة الأفغاني الوعي التحرري الثوري المعادي للاستعمار (ثورة عرابي نموذجا) والمواجه للاستبداد، واستمرت سيرورة النضال والوعي إلى تأسيس الأحزاب الوطنية التحررية، والوصول إلى دستور 1923 في مصر الذي يعد رائدا، بالنظر إلى معيار الظرف المكاني والزماني الذي كتب فيه.
إلا أن الانعطافة المفصلية التي عرفها المسار التجديدي والإصلاحي لتراث الأفغاني في مصر، هو الارتداد العام الذي قاده رشيد رضا، الذي شكل نكوصا فكريا ومعرفيا عن التراث العقلاني والتجديدي لمحمد عبده وللأفغاني، وصل حد إحداث القطيعة الابستمولوجية مع كل ما أسست له مدرسة الأفغاني معرفيا، من نسف أسس التعصب المذهبي والطائفي وإصلاح آليات التفكير، لتأهيلها لقبول النقد الذاتي لأركان التخلف الماضوية في التراث الديـني، ولترسـيخ الالتفاف حول الهوية الجامعة، ولاستيعاب المنتوج الفكري الحداثي التحرري في كل المجالات في مواضيع الاستبداد، والتحرر من الاستعمار والمرأة... الخ.
كان هذا النكوص مرتبطا أساسا بإعادة بعث السلفية بوجهها الوهابي المستند إلى رؤى دوغمائية، ترتبط بحرفية النص وتمنع أي نزوع نحو التجديد أو النقد، وترفض الاختلاف، وتكرس التعصب الديني والمذهبي، بما أسس لبروز عقل طائفي مغلق، هذا الارتداد الذي تأطر في بنية تنظيمية اسمها جماعة «الإخوان المسلمين»، كأبرز حركات الإسلام السياسي، على يد حسن البنا تلميذ رشيد رضا، كان تأسيسها أصلا يعد تناقضا بنيويا مع مفهوم الوطنية المصرية الحديثة، ثم مع فكرة العروبة بالنظر إلى أن أدبياتها تشير إلى ارتباط التأسيس، مع ما أسمته بانهيار «الخلافة الإسلامية « في اسطنبول.
ابتدءا من لحظة النكوص التاريخية هذه، حدث الافتراق في المسار في سياق سيرورة التطور الفكري للإسلام السياسي في إيران ومصر، وهو ما سيكون له تداعيات على العالم العربي والإسلامي، على اعتبار المدى الأوسع العابر للحدود للأفكار المرتبطة بهذا المسار، وهنا وجب التأكيد على أن هذا الافتراق لا يتعلق، كما يمكن أن يتوهم البعـض بالمرجعـية الفقهية المختلفة: الشيعية في إيران والسنية في مصر، ذلك أن الذي حدث في إيران هو أن الإسلام السياسي الذي تأسس لم يترك المجال لأي ردة فكرية عن تراث النائيني - الأفغاني - من حركة «فدائيان إسلام» إلى حركة الخميني -، مشابهة لردة رشيد رضا، بل على العكس من ذلك، قطع مع التيارات الدينية الجامدة المرتبطة بالنص المقدس (المدرسة الإخبارية نموذجا)، التي توازي المدرسة السلفية الوهابية عند السنة، ولم يتـرك لها مجـالا للـبروز أمام حجم المنتوج الفكري، الذي شكل إرهاصات سبقت الثورة الإيرانية، واعتبرت مرجعيتها الفكرية من كتابات علي شريعتي، مرتضى مطهري، إلى كتابات الخميني نفسه في إيران، ومحمد باقر الصدر في العراق، كان الإطار العام لهذه الكتابات، هو التشديد على التناقض مع الاستعمار وتفعيل «الفكرة الإسلامية الثورية» القائمة على الاستقلال، ومواجهة الاستعمار وعلى التناقض الوجودي مع مشاريعه الوظيفية، وترسيخ الهوية الجامعة في إيران المتصالحة مع تراثها الثقافي، والإثني المتعدد، فكان هذا السياق التحرري كافيا لهذا المسار كي ينظر إلى ظاهرة محمد مصدق بايجابية، رغم الخلاف الإيديولوجي معها.
في مقابل كل هذا، استمر النكوص الذي ورثه «الإخوان» من رشيد رضا وأسسوا له، في هيئة حراك فكري لكتابات زادت من عمق النزوع السلفي والانغلاقي المصطدم مع المجتمع، والأقرب إلى منطق الإقصاء والطائفية والتكفير، كما نلمس ذلك في كتابات سيد قطب (كتاب معالم في الطريق نموذجا). لقد عجز هذا الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون تحديدا)، من تكوين مرجعية فكرية بديلة للوضع القائم ولنا أن نعرف بأن ثمانين سنة من الوجود لم تكن «كافية» للتنظير لطبيعة النظام السياسي البديل والإشكاليات المرتبطة به كالموقف من الديموقراطية أو سلطة الشعب، والعلاقة بين السلطات، كما افتعل صراعا وهميا مع القومية العربية والفكرة التحررية، ومع جوهر الدولة الوطنية المستقلة عن النفوذ الاستعماري، فاصطدم مع رائدها جمال عبد الناصر (محمد مصدق العربي)، وتموضع مبكرا في الموقع الرجعي المرتبط بالاستعمار، بتحالفه مع أدواته في الخليج، وبالتالي اختار لنفسه خندق الارتهان للمشروع الامبريالي بتبني أطروحات نيوليبرالية في الاقتصاد، خلقت قابلية لديه للتحالف معه كما ظهر ذلك في انخراطه في الصراع ضد الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي، في الفترة نفسها التي انطلق فيها «حزب الله» في مقاومته ضد المشروع الاستعماري الأميركي، وأداته الوظيفية الصهيونية محددا أولوياته في سياق الخندق الاستقلالي المعادي للاستعمار، مما قربه من تيارات سياسية وفكرية تلتقي معه في الأهداف نفسها، وإن اختلفت معه إيديولوجيا. كان على رأس هذا الخندق سوريا كرائدة للنسق الاستقلالي في المشرق العربي. إن البنية الفكرية ذات المضمون التحرري الاستقلالي المعادي للاستعمار والمنفتحة على باقي التيارات، هي التي تجعل من «حزب الله» ومن النظام المنبثق في إيران من ثورة شعبية معادية للامبريالية، حليفا طبيعيا لكل القوى التي تلتقي معه في الأهداف التحررية سواء في المشرق العربي، أم في العالم وعلى رأسهـا سوريـا التي تحكـمها الفكرة القوميـة العربـية العلمانية، كناظم يوحد الفسيفساء السورية في هوية جامعة واحدة. معنى هذا المضمون، هو الذي تحدث عنه السيد في حواره مع «السفير»، وهو الذي يخوض معركة وجودية ضد قوى تكفيرية تصف نفسها بالإسلامية بقوله: «أنا برأيي ان الأميركيين ليست لديهم مشكلة في أي مكان في العالم الإسلامي أن تحكم حركة اسمها حركة إسلامية، وإسرائيل أيضاً ليس لديها مانع. لا مشكلة أن تكون إسلامياً وملتحياً، وزوجتك محجبة وتصلي الصلوات الخمس، وأن تحج وتعتمر وتعمل ما بدا لك... لكن قل لي ما هو موقفك من إسرائيل؟ ما هو رأيك بالنفط؟ كيف تتعاطى مع الثروات، وما هو موقفك من أميركا ومشروعها في المنطقة؟». الخطر الوهابي متلازم مع الخطر الصهيوني ولا بـد من إحداث القطيعة المطلوبة معه، ومن دون هـذه القطيعة لا يمكننا الحديث إلا عن سقوط مدوٍّ للإسلام السياسي.
انقلاب مسيحي على «حزب الله»
حسان حيدر – الحياة اللندنية
يخوض البطريرك بشارة الراعي معركة مزدوجة لكسر هيمنة «حزب الله» على قرار الطائفة المارونية السياسي، محليا واقليميا، ويأمل في ان تؤدي الى اخراج طائفته من حال التشرذم التي فرضها عليها الحزب بتحالفه مع احد اقطابها (ميشال عون) الذي يؤمّن منذ العام 2005، بموجب اتفاق عودته من المنفى، غطاء مسيحياً لتفرد الحزب بالقرار اللبناني، واقحام البلد في محور «الممانعة» بقيادة ايران.
والشق الاول في معركة البطريرك، دفاعه المستميت عن موقع رئاسة الجمهورية، حصة المسيحيين في ترويكا الدولة الى جانب رئاستي مجلسي النواب والوزراء، وتشديده على انتخاب رئيس في الموعد الدستوري قبل نهاية الشهر الحالي، وضرورة تجنب الفراغ الذي يعني بالنسبة اليه حرمان الموارنة من المشاركة في الحكم بطريقة صحيحة، و«قطع رأسهم» على حد تعبيره.
اما الشق الثاني، فيتعلق بالزيارة التي ينوي الراعي القيام بها الى الاراضي المقدسة ومناطق فلسطينية واقعة تحت السيادة الاسرائيلية، برغم ما تشكله من ضربة قاسية لمبدأ المقاطعة الذي يرفعه «حزب الله» شعارا ويستخدمه وسيلة سياسية للنيل من خصومه في الداخل والخارج، على رغم ان كلاهما يقف اقليميا، مباشرة او تلميحا، الى جانب النظام السوري في معركته للبقاء، ولو من منظورين مختلفين.
وفي موضوع الرئاسة، يحول «حزب الله» وحلفاؤه، بمن فيهم كتلة عون، دون اكتمال النصاب القانوني في مجلس النواب حتى الآن، ما لم يتم التفاهم على رئيس من فريقهم، او مقبول منه على الأقل. ويضعه ذلك في مواجهة مفتوحة مع البطريرك الذي كان سعى الى استباق هذا الوضع عندما جمع اقطاب الموارنة في بكركي قبل شهرين تقريباً ودعاهم الى تأكيد التزامهم انتخاب رئيس في المهلة الدستورية، لكن عون اغضب الراعي عندما خرق هذا الاجماع بعدما تبين له انه لا يخدم وصوله الى قصر بعبدا.
ويعتبر البطريرك ان الشيعة والسنة يختارون قياداتهم وممثليهم في الدولة، اما المسيحيون فمحرومون من هذا الحق الذي تمارسه الطائفتان المسلمتان بالنيابة عنهم، بسبب انقساماتهم التي تجعلهم يلتحقون بخيارات الآخرين. لكنه يعرف ان السنة حريصون، قولا وفعلا، على المحافظة على حقوق المسيحيين، واثبتوا ذلك منذ اتفاق الطائف، فيبقى «حزب الله" هو المتهم الوحيد بمنع الاجماع المسيحي، والمعني بالمواجهة الحالية معه.
اما بالنسبة الى زيارة الاراضي المقدسة والمدن والبلدات المسيحية في شمال اسرائيل، فيبدو البطريرك متمسكا بقوة بحرية خياره. ومع انه ساق للزيارة تبريرات كنسية، الا انه لا يخفى انها تعبير آخر عن رفض استمرار خضوع قرار المسيحيين اللبنانيين، سياسيا كان او دينيا، لاعتبارات الطوائف الاخرى، وخصوصاً «حزب الله» الذي يجاهر بتبنيه سياسات ايران وخضوعه لمرجعيتها. كما تشمل الزيارة لقاء المسيحيين الذين فروا مع عائلاتهم الى اسرائيل بعد انسحابها من جنوب لبنان خوفا من عمليات انتقامية، وهو ملف يشغل الكنيسة التي ترى ان بنود المصالحة الوطنية يجب ان تنطبق على هؤلاء، بينما يصر الحزب على محاكمتهم وادانتهم.
لكن من الواضح ان رغبة البطريرك في توحيد كلمة الموارنة خصوصا والمسيحيين عموما، واستعادة استقلالية قرارهم، وتعزيز دورهم ورأيهم في السياسات اللبنانية، تصطدم اساسا بالثغرة الواسعة التي يشكلها التحالف بين «حزب الله» وعون، فهل تستطيع بكركي تحييد هذا الاخير لكف يد الحزب، ام تشمله بمعركتها؟
غياب التغيير في صناعة الحكم بالعراق
د. ماجد أحمد السامرائي – العرب اللندنية
مرشحو الانتخابات الباحثون عن الأصوات ما زالوا على محطات الانتظار في مهرجان لم تألفه تجارب الديمقراطيات في العالم، وسط أحاديث من قبل الكتل المناوئة لقائمة نوري المالكي عن احتمالات للتزوير بعد أن زودت مفوضية الانتخابات العراقية بأحدث التقنيات التي تخفف من احتمالات التزوير، وكان يفترض أن تختزل ساعات الفرز والعد إلى أدنى الحدود وليس إلى 25 يوما مثلما أعلنت المفوضية، حيث من المقرر إعلان النتائج في الـ25 من هذا الشهر.
والمهم في هذا التاريخ تحويل المشاورات السرية للتحالفات إلى العلن، ولكن ما هي طبيعة تلك التحالفات، وهل هناك اختراق للمنتج الذي قدمته انتخابات عام 2010؟ وهل للشعارات الإعلامية التي تتحدث عن “التغيير” والتي سادت مؤخرا بين أوساط المعارضين للمالكي داخل البيت الشيعي وكذلك في البيتين العربي السني والكردي من دلالات خارج دلالة عدم التجديد لولاية ثالثة للمالكي؟ الأحاديث والتسريبات جميعها مؤقتة وافتراضية، مع أن المواطن العراقي الذي تحمل مخاطر الذهاب إلى صناديق الاقتراع للمرة الثالثة خلال عشر سنوات لم يضع في ذهنه من يكون رئيس حكومته المنتخبة، المالكي أو غيره، ما يهمه من يحقق له الأمن والخدمات وأضيف إليها هذه المرة حل أزمة الأنبار ومحاربة الفساد.
شعار التغيير الذي يتحدث به الخطاب الإعلامي لمعارضي زعامة المالكي لولاية ثالثة ليس حقيقيا أو ليس المقصود به تغيير مسار العملية السياسية، لأن من يطرحه اليوم هي ذات القوى الانتخابية وذات الزعامات الشيعية والسنية والكردية التي فازت في انتخابات 2010 مع هامش بسيط وغير مؤثر لبعض الكتل الصغيرة والوجوه الجديدة التي دخلت المنافسة الانتخابية الحالية، وهي ليست ذات تأثير في اللعبة، وإنما ستسد نقصا في استحقاقات الحصص. ولو أن دعاة شعار “التغيير” جادون في ما أعلنوا لقبلوا بلعبة المعارضة المعروفة داخل البرلمان “حكومة الظل” فحينما تكون هناك معارضة قوية ناجحة تكون هناك حكومة قوية ناجحة.
وسبب عدم تبني ذلك ليس جهل العراقيين وإنما لأن من بنى مرتكزات السلطة والنظام السياسي في العراق والذي صمم الدستور هو الاحتلال الأميركي بمبايعة أحزاب الإسلام السياسي الشيعي والكردي، التي سبق أن دخلت قبل عام 2003 في ما سمي (التحالف الكردي الشيعي) حيث قرر الدستور تقسيم العراق إلى مكونات وليس وفق المواطنة والوطن الواحد. كما وزعت وفق تفاهمات هذا التحالف القوي الرئاسات الثلاث (الحكومة شيعية والبرلمان سني ورئاسة الجمهورية كردية) وهذا التحالف ظل قويا في إدارته للعملية السياسية حتى اليوم رغم الاختلالات التي حصلت بين بعض أطرافه بسبب مفردات تفصيلية يمكن الاتفاق على تجاوزها بسهولة.
ما حصل وفق المنظور السياسي داخل البيت الشيعي في السنوات الأربع الأخيرة هو انعدام التوازن بين إدارة العملية السياسية المتمثلة في قوى التحالف الوطني، وبين الإطار الاداري التنظيمي المتمثل في دولة القانون التي يتزعمها المالكي. أي بمعنى أكثر وضوحا هو ادعاء تجاوز المالكي لحاضنته في البيت الشيعي، سواء في صلاحياته أو في هيمنته التي أزعجت أركان ذلك البيت، ولذلك اندفع إلى تنفيذ سياسات لإثبات ولائه لطائفته، إلى درجة خروج بعض عناوين تلك الأركان عن همسها إلى العلن، مما وجد ترحيبا لدى الكتل السياسية المناوئة للمالكي من خارج البيت الشيعي، ولأسباب تكتيكية قد تزول وفقا لمتغيرات الحصيلة الانتخابية.
والجميع يعلم أن مثل هذا التنافس داخل أروقة البيت الشيعي حول ترشيح رئيس الوزراء حصل مرات عديدة خلال عامي 2006 و2010 قبيل كل عملية ترشيح حظي بها المالكي. فالخصومة تتعلق بزعامة الأشخاص وليس بزعامة المشروع من عدمه، ولهذا فإن مرجعيات الإسلام السياسي الشيعي الداخلية وكذلك الخارجية التي لديها الكلمة النهائية وفق حسابات المصالح في المنطقة، هي التي ستحسم نتائج الصراع والاسم النهائي لزعامة رئاسة الوزراء. وفقا لعوامل عديدة تتعلق بالمنظومة الداخلية لهذا البيت، ولن يكون للتحالفات الهامشية أي تأثير في حسم الاسم النهائي حتى وإن كان المالكي ذاته.
أما على صعيد القوائم التي تنسب لنفسها تمثيل العرب السنة، فإن صراعاتها حول الأحجام الأقل، وهي لا تتجاوز بعض الوزارات غير السيادية التي يتمسك بها الأكراد والشيعة، رغم ما يتم تداوله بالحصول على منصب رئيس الجمهورية أمام إصرار الأكراد عليه وتداول اسم هوشيار زيباري لهذه المهمة.
وتتكئ القوى العربية السنية على القيادة الكردية التي تمتلك جميع أوراق المناورة لمن يقدم لها الأفضل في مطالباتها المعلنة في الثروة والسيادة على الأرض. ولهذا فالطرف الأضعف في اللعبة هم العرب السنة الذين وضعوا مصالحهم الخاصة في مقدمة استراتيجيتهم في الحوار مع الأطراف الأخرى، وتظل القوى العابرة للطائفية متواضعة في حجمها لسبب رئيسي هو أن هذا الخط يهدد مصالح القوى الطائفية.
إن معطيات الحاضر وعشر سنوات من فشل العملية السياسية لم تقد إلى تبني مشروع تصحيحي جذري لتغيير مسار تلك العملية، كان يمكن لمهمة التغيير تلك أن تدور حول مقومات بناء الوطن، ومحاربة المنظومة الطائفية التي أنتجت الانتقام والقتل والإقصاء السياسي والطائفي، إلى دولة المواطنة ودولة المؤسسات، تحرّم الطائفية وتشيع السلم بإجراءات وقوانين واضحة. وهذا لم يحدث، فأي تغيير يتحدثون عنه؟
نأت القوى الخيرة داخل العملية السياسية بنفسها عن الدخول في مغامرة الإصلاح لأنها تعرف النتائج ولا تريد فقدان مواقعها. والذي سيحصل بعد تصديق نتائج الانتخابات هو تجديد لون الخيمة لا أعمدتها، أو نقلها ساحة بناء رحب يتسع لجميع الكفاءات والنخب السياسية الوطنية العراقية لخدمة المواطنين دون أي اعتبار مذهبي أو عرقي. المناورات ستكون داخل تلك الخيمة التي لم يتمكن الشعب من تمزيقها واختيار بدائل وطنية لأن القانون المستحكم هو “نظام المحاصصة” والذين يسمونه “نظام الشراكة” وهو نظام فاشل بجميع المعايير.
لا تغيير في الحكم والسلطة في العراق، قادة الفشل سيظلون في مواقعهم رغم تغيير الألوان، وهناك خوف من بقاء مافيات الفساد، عدا استثناءات قليلة للمصلحين وحاملي الهم الوطني، وهم غير قادرين على التغيير.
على الفلسطينيين الاستمرار في التضحية!
سركيس نعوم (http://www.annahar.com/author/12-%D8%B3%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%B3-%D9%86%D8%B9%D9%88%D9%85) – النهار اللبنانية
“البروبوغاندا”.. العصا السحرية للقوة الإعلامية الصهيونية
محمد بن سعيد الفطيسي – الوطن العمانية
ما وراء الأخبار.. تطهير حمص.. والعبرة لمن يعتبر
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image006.jpg (http://tishreen.news.sy/tishreen/public/editor/81)محي الدين المحمد (http://tishreen.news.sy/tishreen/public/editor/81) – تشرين السورية
بلا مجاملات.. حمص القديمة بلا إرهاب
جمال حمامة – تشرين السورية
الانتخابات الرئاسية في سوريا
عريب الرنتاوي – الدستور الأردنية
رسالة 'السيسي' للإخوان وحلفائهم
محمد أبو الفضل – العرب اللندنية
ما الذي يريـده (الإخوان) المصريون؟!
صالح القلاب – الرأي الأردنية
يوم أن قالوا: «الإخوان وطنيون»
سعيد الشحات – اليوم السابع المصرية
عندما تنبأ الغنوشي بسقوط إخوان مصر
سليمان جودة – الشرق الأوسط
في معنى سقوط الإسلام السياسي
عبد الله بن عمارة – السفير اللبنانية
انقلاب مسيحي على «حزب الله»
حسان حيدر – الحياة اللندنية
غياب التغيير في صناعة الحكم بالعراق
د. ماجد أحمد السامرائي – العرب اللندنية
على الفلسطينيين الاستمرار في التضحية!
سركيس نعوم (http://www.annahar.com/author/12-%D8%B3%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%B3-%D9%86%D8%B9%D9%88%D9%85) – النهار اللبنانية
قال الباحث والناشط اليهودي الأميركي، المؤمن بـ"حل الدولتين" للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والمنتقد الدائم ليمين إسرائيل بينيامين نتنياهو، في بداية اللقاء: "لا يزال رأيي الذي تعرفه كما هو. نتنياهو لا يريد حل الدولتين. ولا يرى أي ضغط عليه لقبول هذا الحل. فأميركا لا تضغط عليه، لكنها تتحرك، وتحركها قد لا ينتج عنه شيء. أنا لا أزال على موقفي، وهو ضرورة إقفال السلطة الوطنية الفلسطينية أبوابها، وتحويل الحركة الفلسطينية إلى حركة مناهضة للتمييز العنصري، ومطالبة دولة إسرائيل بحقوق للفلسطينيين، مساوية لحقوق مواطنيها اليهود". علّقت: لكن رئيس السلطة محمود عباس، وقيادات أخرى فلسطينية، لا يحبّذون ذلك. وقد كرر الرفض مرات عدة، كانت آخرها في آخر زيارة له لبيروت، وفي لقاء له مع صحافيين لبنانيين. ردّ: "صحيح ما قلت. هذا هو موقفه، وربما لا يزال متمسّكاً به. لكنني أثرت أخيراً هذا الموضوع، في لقاء معه فوافق على عدد من الطروحات التي قدمتها وليس عليها كلها. وعنده منطلقات لموقفه تختلف عن منطلقات موقفي. اجتمعت أيضاً بقيادات من عنده، وكانت الاجتماعات ثنائية كلها. فحصلت على موافقة كل منهم على الفكرة. لكن هؤلاء كانوا يتهرّبون عندما يُسألون إذا كانوا سيدعمون توجهاً كالذي طرحتُه، أو يَدعون إلى تأييده، وكانوا يعطون أعذاراً وحججاً. يقولون في إسرائيل أن الرأي العام فيها يريد حل الدولتين بأكثرية 70 في المئة. ولكن عندما تأتي إلى السياسة، ترى أن غالبية المواطنين ينتخبون أناساً يرفضون هذا الحل. لا بد من وصول شخصية قوية إلى الحكم في إسرائيل، مؤمنة بدولتها ومصالحها على المدى البعيد، وقادرة على اتخاذ قرار بتنفيذ حل الدولتين. وهذه الشخصية ليست موجودة الآن. لكنني لن أصاب باليأس، وسأستمر في السعي إلى أن أجدها".
سألت: ماذا عن موقف "حماس" من مشروعك، وهو إما حل الدولتين، وإما حل السلطة الفلسطينية؟ أجاب: "التقيت خالد مشعل مرتين. الأولى في دمشق، والثانية قبل ستة أشهر، وكانت في قطر على الأرجح. قال لي: لا نستطيع أن نكون مواطنين في دولة إسرائيل أي إسرائيليين. لكن لا بد من وضع هذا المشروع على الطاولة، ومن شرحه ومعرفة آراء الفلسطينيين فيه، والاستفادة منه إذا كان ذلك ممكناً. ذهبت إلى غزّة منذ أشهر، وأُعِدّ لقاء لي مع إسماعيل هنية، رئيس حكومة "حماس"، صُدِمْت عندما رأيته حاضراً ومعه كل أركان حربه وأعضاء حكومته. في جو كهذا لا تستطيع أن تخوض نقاشاً، أو أن تجري محادثة جدية. طبعاً هنية لم يقل شيئاً طوال الاجتماع، وعندما عرضت مشروعي، رأيت الصدمة على وجوه الجميع. ثم قال الناطق الرسمي باسم الحركة: "كيف تُطلِق مبادرتك"؟ أميركا لن تضغط على إسرائيل، ولا المجتمع الدولي من أجل العودة إلى حل الدولتين، وإسرائيل وشعبها لن يقبلا أن يصبح الفلسطينيون مواطنين في دولة إسرائيل، يطالبون بحقوق المواطنة كاملة. إذاً على الشعب الفلسطيني أن يفعل شيئاً، وهذا ما أقترحه".
علّقت: هذا الأمر حصل سابقاً وفشل. قام الشعب الفلسطيني بثورة مسلّحة أو بكفاح مسلّح، ولكن من الخارج ولم ينجح في تحقيق مطالبه. ثم قام بانتفاضات شعبية في الداخل، ولم ينجح أيضاً. تحرك المجتمع الدولي ومعه إسرائيل، وقالوا نحن نفعل. وبدأت عملية السلام عام 1991. وهي تحتضر الآن. وكل ما سينجزه كيري وزير خارجيتكم الآن، إذا نجح، هو تمديد المفاوضات بين حكومة نتنياهو وسلطة عباس، وليس أي شيء آخر. إذ نسي أنه بدأ سعيه بطرح التفاوض على قضايا الحل النهائي، ثم على اتفاق إطار، وبعد فشله مرتين صار يسعى الى تمديد المفاوضات. فكيف تطلبون في حال كهذه من الفلسطينيين التحرّك، أجاب: "يجب أن يتحرّكوا ولو اضطروا إلى تقديم التضحيات. قمنا بدراسة موَّلتها جهة على علاقة بوزارة الخارجية في دولة النروج، وقد نفّذ الدراسة شخص من آل الشقاقي، بمساعدة فلسطينيين، واستطلعت آراء عشرة قطاعات مختلفة من شعب فلسطين. تركّزت الأسئلة على ماذا سيخسر الفلسطينيون إذا اعتمدوا خيار التحوّل داخل دولة إسرائيل، التي تحتل أرضهم وتصادر حقوق شعبهم، إلى مقاومين للتمييز العنصري؟ فتبين أنهم سيخسرون على صعيد الصحة والتعليم والأمن والاقتصاد. ويعني ذلك طبعاً أنهم سيضحّون. لكن عندهم وبواسطة مجتمعهم المدني القدرة على الصمود والمواجهة". ماذا قال أيضاً عن هذا الموضوع؟
“البروبوغاندا”.. العصا السحرية للقوة الإعلامية الصهيونية
محمد بن سعيد الفطيسي – الوطن العمانية
تعتبر وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وأنواعها من أهم الوسائل الحديثة للاتصال بين الأمم والشعوب في مختلف أرجاء الأرض، وبالتالي فإن تلك الوسائل ومن ذلك المنظور، لها من القوة والإمكانية ما يجعلها قادرة على الدخول واختراق أصعب الأماكن التي تعجز الوسائل التكنولوجية الحديثة الأخرى بشتى أنواعها من الدخول إليها بتلك السهولة والسلاسة، وعليه فإن تلك الوسائل تتحول تدريجيًّا في حياتنا اليومية إلى نوع من عوامل البناء أو الهدم، وبمعنى آخر تستطيع أن تكون وسيلة إنسانية وأخلاقية لخلق توازن بناء بين العلم والتعليم والإسماع والاستماع في مختلف المجالات والميادين الحياتية، أو التحول إلى نوع من الوسائل الظلامية الهدامة لتفتيت العقول وتشتيت الأفكار، وذلك بحسب الهدف المراد من ورائها.
وقد تنبهت الصهيونية إلى تلك القوة الهائلة لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها في ممارسة اللعبة السياسية من خلال استغلال فن الخداع البصري والسمعي ـ الدعاية السياسية ـ على المشاهدين والمستمعين بمختلف مستوياتهم التعليمية والاجتماعية والسياسية، بحيث تم استغلال تلك الوسائل ـ التي يفترض أن تكون وسائل موضوعية وحيادية لنقل الحقائق بكل مصداقية ـ لتزييف الحقائق وتشويه الصور على أرض الواقع، وذلك من خلال إعلام مضاد ودعاية سياسية موجهة لقلب الواقع وتغيير ملامحه الحقيقية لتوازي وتواكب الهدف الصهيوني المراد توصيله إلى المشاهد والمستمع في مختلف أرجاء المعمورة.
وفي هذا السياق يقول الكاتب اليهودي ويليام تسوكرمان (في رأيي إن قوة البروبوغاندا الحديثة المخيفة والمرعبة والقادرة على احتلال أذهان الناس وحياتهم، وعلى التلاعب بعواطفهم، وتحويلهم إلى حيوانات، وليست في أي مكان على هذا الوضوح كما هي في البروبوغاندا الصهيونية… فقد نجحت هذه البروبوغاندا حرفيا في تحويل الأسود إلى ابيض، والأكاذيب إلى حقيقة، والظلم الاجتماعي الخطير إلى عمل عادل يمتدحه الكثيرون، كما حولت أناسا قادرين من ذوي الألباب إلى مغفلين وأغبياء).
لذلك جند الإعلام الإسرائيلي لخدمة القضايا الإسرائيلية الرسمية بشكل عام، ووجه ليقف مع الأهداف السياسية والقومية التاريخية للصهيونية بشكل خاص، ومن هذه الرؤية الإسرائيلية لقوة الإعلام في التأثير على المتلقي في العالمين العربي والغربي، انطلقت “البروبوغاندا” الصهيونية لتلعب دور (الحاوي السياسي) الذي يعرف كيف يتلاعب بالألفاظ السياسية والمصطلحات الإعلامية بهدف خدمة الأجندة الصهيونية، وخصوصا على مستوى القضايا الحساسة كقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي لعبت الدعاية الصهيونية الإسرائيلية دورا كبيرا في تشويه معالمها وصورها الجميلة والنضالية.
وعليه فإننا نستطيع أن نطلق على ذلك الإعلام الإسرائيلي بأنه إعلام رسمي موجه، يعتمد الموقف الرسمي في كل تحركاته وسكناته، وكأنه موقف لا جدال عليه، والرأي الآخر يأتي على شكل موقف مشكوك بمصداقيته (ولهذا الأمر عدة أمثلة، فلم يشكك الإعلام الإسرائيلي أبدا في رواية واحدة من تلك التي يرويها الجيش الإسرائيلي، ـ في وقت تعتبر فيه ـ الرواية الفلسطينية هي رواية مشكوك بها، فالجيش مثلا (يقول) أما المصادر الفلسطينية فإنها (تزعم)، والجيش (يطلق النار ردا على اعتداء)، والفلسطينيون (معتدون)، بحيث تتحول الحقيقة فيه إلى كذبة، والواقع إلى خيال، وبمعنى آخر تكون الضحية هي الجزار والإرهابي، والمحتل المستعمر هو الضحية البريئة المغلوب على أمرها، وبالتالي تتغير صور الحوار وواقع الحال وكل ما يكون من آثار ومشاهد إلى مصطلحات محورة ومزيفة، ومنطق عذب يخفي وراءه عنقاء الانتقام وغول الحقد والكراهية وأسوأ مظاهر الكذب والخداع الإعلامي السياسي على الأذقان واللحى.
كما امتدت تلك الرؤية الإسرائيلية التي استغلت من خلالها “البروبوغاندا”السياسية الإعلامية لخدمة المصالح الصهيونية في الخارج الإسرائيلي، وذلك في عدة قضايا دولية، وخصوصا تلك التي تخص العالم العربي وتدخل من ضمن خصوصياته أو سيادته الإقليمية، كاللعب على وتر الطائفية السياسية في العراق من اجل إثارة الفوضى والبلبلة وعدم الاستقرار، وبالطبع فإن الهدف من وراء ذلك معروف، وعلى رأس تلك الأهداف بقاء الاحتلال الاميركي الإسرائيلي في ذلك الجزء الغالي من وطننا العربي إلى أطول أمد ممكن، كذلك من خلال إثارة الفتنة والعداوة ما بين الشقيقين العربيين الجارين الجمهورية العربية السورية ولبنان، وتأجيج الملف النووي الإيراني، وغيره من الملفات العربية الحساسة.
نعم… لذلك تميز اغلب الإعلام الإسرائيلي الصهيوني الموجه ـ مع الاحترام للمبدأ ـ الذي ترتكز عليه الأيديولوجية الإعلامية القائمة على الوقوف مع جل القضايا الإسرائيلية بكل قوة وشراسة بتلك الميزة السابقة، تلك الميزة الوطنية القومية التي يفتقدها الكثيرون في عصرنا هذا، وذلك من خلال ممارسة إعلامية مشوهة المعالم والصور، واستغلال تلك الوسائل بطرق مقززة يغلب عليها التشويه الإعلامي والدعاية السياسية أو “البروبوغاندا” والتي بطبيعتها تتميز بنقص الحقائق وربما معدوميتها في كثير من الأحيان، وقد شاهدنا كثيرا من معالم تلك الدعاية السياسية الإعلامية الصهيونية الخاوية من الموضوعية والحيادية في العديد من المواقف التي مرت بهذه التي يطلقون عليها اسم الدولة الإسرائيلية في عصرنا الحديث.
كما برز ذلك من خلال قضية اللاجئين الفلسطينيين، وانتفاضة الأقصى الشريف، وغيرها من القضايا التي برع في تشويهها الإعلام الإسرائيلي الصهيوني، في وقت لم يجد فيه إلا القليل من الإعلام العربي المضاد، والذي كرس نفسه لمواجهة تلك “البروبوغاندا” الصهيونية، لدرجة أننا نستطيع أن نصورها ـ أي إسرائيل ـ بأنها قائمة على قوة الإعلام المزيف بالدرجة الأولى، وان قوة الكيان الإسرائيلي الراهنة ومعالم هيمنته وسيطرتها الكرتونية، ما هي سوى قبضة لذراع إعلامي عالمي حديدي تقوده الصهيونية العالمية ومنظمات الضغط اليهودية في الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا بشكل عام وفي إسرائيل بشكل خاص.
وفي حقيقة الأمر ليست البروبوغاندا الإعلامية الصهيونية بما تحتويه في مضمونها من خداع وأكاذيب وتشويه لمعنى ومضمون حقيقة الإعلام، نتاج الوجود الصهيوني الإسرائيلي الحالي في عالمنا العربي، أو نتاج الصراع العربي الإسرائيلي على وجه التحديد، وإنما هو نتاج وامتداد تاريخي لأيديولوجيا بشرية غريزية مبنية على الكراهية والحقد والكذب وفن الخداع على الآخرين منذ الأزل، وقد ورد في كثير من الكتب التاريخية السماوية اليهودية كإصحاح اشعيا وعاموس وارميا وغيرها من الكتب والأصاحيح اليهودية ما يدل على هذه الحقيقة التي طالما تنصل منها اليهود الصهاينة، فهذا ارميا يتحدث عن غضب الله ورفضه جيلا بكامله من اليهود لأن الحق قد باد وتمزق بسببهم فيقول: (فتكلمهم بكل هذه الكلمات ولا يسمعون لك، وتدعوهم ولا يجيبونك، فتقول لهم هذه الأمة التي لم تسمع لصوت الرب ولم تقبل تأديبا، باد الحق وقطع عن أفواههم، جزي شعرك واطرحيه وارفعي على الهضاب مرثاة، لأن الرب قد رفض ورذل جيل رجزه) (ارميا 7: 28 ـ 29).
وبالتالي فإن “البروبوغاندا”الإعلامية السياسية الصهيونية الحالية هي جزء لا يمكن فصله عن التاريخ اليهودي الصهيوني القديم والحديث، كما أنها من أسس بناء المشروع القومي الصهيوني العالمي القائم على بناء وتأسيس إسرائيل الكبرى أو إسرائيل التاريخية، الذي يتم توجيهه وإدارته من الولايات المتحدة الاميركية، وعلى وجه التحديد من قبل اللوبي الصهيوني الذي استطاع أن يسيطر على العديد من المراكز الحساسة في تلك الإمبراطورية، بل ان ينشأ فيها المركز الرئيسي للدعاية الإعلامية السياسية الصهيونية، و “البروبوغاندا” الإعلامية الصهيونية في العالم، وذلك من خلال ذلك الكم الهائل من الصحف والدوريات والقنوات الإعلامية الفضائية ومراكز البحث والدعاية وغيرها الكثير من وسائل الإعلام الحديثة.
ختاما فإننا لا بد أن ندرك وتدرك أجيالنا القادمة، بأن هذا الوطن العربي وطن عظيم بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وبأن ما يحدث في الوقت الراهن من تشويه إعلامي عالمي مستمر لمعالمه الخالدة، وقيمه النبيلة الفاضلة، وبطولات أبنائه في العراق وفلسطين على سبيل المثال ولقضاياه العربية والإسلامية، والزج بها دائما في دائرة الإرهاب والعنف والطائفية، وتغيير معاييرها الوطنية والقومية، وتشويه صورها الجميلة والبطولية، وتحوير وتزييف قيمها النضالية، ما هو سوى فصل من فصول اللعبة الإعلامية الصهيونية العالمية التي تسمى “البروبوغاندا”، واستمرار لفكرة أيديولوجية صهيونية مريضة تعاني من الحقد والكراهية تجاه عالمنا الإسلامي والعربي ودون استثناء، وهذا ما نلاحظه على امتداد الأفق العربي الذي لم يسلم جزء منه من ذلك التشويه والتزييف الإعلامي الصهيوني.
لذا وجب أن يبرز إعلامنا العربي كأحد الخطوط المناعية الدفاعية عن قضايانا العربية الإسلامية، وان يجند الإعلام بكل فئاته وأشكاله لخدمة تلك القيم الفاضلة النبيلة، وأن يبتعد قدر المستطاع عن دائرة النقل الأعمى للمواضيع والأفكار والأطروحات القادمة لنا من الخارج، ولن يكون ذلك ممكنا سوى بإعلام عربي خالص يحمل بين طياته هموم هذا الوطن العظيم، ويرفع شعار الوحدة والتراحم والتآخي والعدالة والمساواة بين أبنائه، وان يقوم بنبذ الطائفية والعرقية والخلافات المذهبية، وان يقوم بالتصدي لتلك الحملات الصهيونية الغربية الحاقدة تجاه هذا الوطن العربي الغالي، وبهذا فقط سنستطيع أن نخلق إعلاما حقيقيا نابعا من قيمنا الإسلامية العربية، إعلام إنساني قومي عالمي له كلمته وقيمته بين ملايين الأطياف الإعلامية الدولية.
تنويه: سنطرح ما تبقى من مقالنا قراءة في منتدى الدوحة الرابع عشر، ومؤتمر المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط (1-2) والذي تم نشره بتاريخ 5/5/2014م بعد عودتنا من المؤتمر، وتحديدا بتاريخ 19/5/2014م.
ما وراء الأخبار.. تطهير حمص.. والعبرة لمن يعتبر
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image006.jpg (http://tishreen.news.sy/tishreen/public/editor/81)محي الدين المحمد (http://tishreen.news.sy/tishreen/public/editor/81) – تشرين السورية
كثيرة هي الدروس المستفادة من تطهير مدينة حمص من الإرهابيين وعودة عشرات الآلاف من أهلها الذين تم تهجيرهم منذ بداية الأزمة ولعل من أهم تلك الدروس:
أولاً: حوالي ألفي إرهابي كانوا المسؤولين مباشرة عن اختطاف مدينة بأكملها، وإن هؤلاء استخدموا سكان المدينة كدروع بشرية لفترة طويلة وسرقوا متاجرها وأحرقوا كنائسها ومساجدها ومواقعها الأثرية.
ثانياً: المدنيون لم يتركوا ديارهم وينزحوا عنها إلا هرباً من هؤلاء، حيث ذهبت الأعداد العظمى منهم إلى المناطق التي تسيطر عليها الدولة، وأن هؤلاء عادوا إلى ديارهم بمجرد طرد المسلحين.
ثالثاً: من كان يتباكى على المحاصرين في حمص لم يكن يتباكى إلا على هؤلاء الإرهابيين الذين روّعوا الآمنين في حمص القديمة وفي الأحياء المجاورة وحاولوا أن يسوقوا أنفسهم كـ«ثوار» يمثلون الشعب السوري الذي لا يطيق العيش بكنفهم أو جوارهم لحظة واحدة.
رابعاً: عملية المصالحة التي جرت في حمص لم تكن الأولى، حيث سبقتها العديد من المصالحات الوطنية في ريف دمشق، لكنها تعتبر الأهم لأنها ستتيح المجال لعودة أكثر من 700 ألف مهجر من وقع الإرهاب إلى ديارهم، كما أنها المدينة الأكبر التي يعود إليها الأمن والأمان في أحضان الدولة، وهذا ما سيجعلها قدوة لأحياء بعض المدن التي يختطفها المسلحون وخاصة في درعا وحلب ودير الزور وفي مدن غوطة دمشق.
خامساً: تبيّن بما لا يرقى إليه الشك أن «ائتلاف الدوحة» الذي ذهب رئيسه الجربا إلى واشنطن لاستجداء التدخل العسكري الأمريكي والحصول على الأسلحة النوعية لقتل الشعب السوري بأنه لا علاقة له بما يجري على الأرض، وأنه لا يمون على أحد فوق الأرض السورية، وأنه مجرد واجهة قبح توظفه بعض الدول الإقليمية لتنفيذ رغباتها التي عجز عن تنفيذها الإرهابيون أنفسهم.
سادساً: كفة الموازين الراجحة لمصلحة الجيش العربي السوري باتت تعطي مؤشرات واقعية على أن نهاية وجود الإرهابيين قد اقتربت، وأن المناطق التي كانوا يسيطرون عليها هي في انحسار مستمر في ضوء الانتصارات الاستراتيجية التي حققها الجيش والشعب والقيادة في الأشهر الأخيرة.
سابعاً: الشعب السوري بكل أطيافه متمسك بالدولة التي تستطيع الحفاظ على كرامة المواطن – الموالي والمعارض – على حد سواء، وأن الإرهاب ومواجهة الدولة بالسلاح لا يخدمان أحداً سوى أعداء الشعب السوري وخاصة «إسرائيل» ومن يدعمها.. وهنا يكمن السر في صمود سورية وانتصارها على منظومة العدوان المتحالفة مع الإرهاب العالمي.
بلا مجاملات.. حمص القديمة بلا إرهاب
جمال حمامة – تشرين السورية
عريقة التاريخ، نشأت فيها حضارات منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد، ويعود السبب في ذلك لموقعها المتوسط لبلاد الشام وخصوبة أراضيها ومناخها المعتدل، إضافة إلى موقعها العسكري المهم، إذ تشكل صلة الوصل بين مختلف مدن المنطقة... إنها حمص القديمة التي عانت من الإرهاب عادت اليوم إلى حضن الوطن آمنة بعد أن أذاقها الإرهاب مرارات القتل والخوف والدمار..
مشهد عودتها إلى موقعها الطبيعي هو ثمرة لجهود السوريين وحدهم، جاء في إطار المصالحات الوطنية التي تدعم الدولة مسيرتها في جميع المناطق السورية، وانطلاقاً من حرصها على وقف نزيف الدم وإيماناً منها بأن حل الأزمة التي نواجهها لا يمكن أن يأتي عبر أطراف خارجية
حمص القديمة نفضت غبار الإرهاب عن أحيائها، ولم يستطع الإرهاب طمس عراقتها، وهو انجاز ننحني أمامه بكل احترام جاء نتيجة لتضحيات وبسالة رجال القوات المسلحة حماة الديار، وتقديراً لدورهم في حماية أمن واستقرار الوطن وتصديهم للمؤامرة التي تتعرض لها سورية، فهم الذين صانوا الحرية والسيادة بالنضال والتضحيات، ورووها بدمائهم الزكية العطرة.. فقد أظهروا الروح والوطنية في كل شبر من أرض الوطن ودافع رجال الجيش العربي السوري بكبرياء وشرف عن وحدة بلادهم في مواجهة قوى الغدر وكل من تربص شراً بسورية.
حماة الديار عليكم سلام..
أبت أن تذل النفوس الكرام..
إنهم حماة الديار حملة الراية التي تضيء فضاءات الوطن بمشاعل النور والركيزة الحقيقية للحرية والوحدة الوطنية.. السوريون كما هم على الدوام بوصلتهم واضحة لا لبس فيها، هي الوطن بكل ما يعنيه من استقرار وأمان ووحدة، لكونه المظلة الحامية والضامنة لمستقبل أجيالنا، في مواجهة أعداء الأمة لثنيها عن مواقفها، وبناء ذاتها، واغتيال تاريخ ومستقبل أجيالها.
إن مشهد خروج المسلحين من حمص القديمة والذي امتد صداه ليغطي جهات الوطن الأربع.. أعاد الأمل إليها وأكد الصورة الراسخة في وجدان الأمة وضميرها.. والتي عنوانها – سورية الوطن الواحد الآمن المستقر – حيث عبّر المشهد الذي اتسع ليتجاوز مساحة الوطن الجغرافية، وتغلغل في الوجدان حقيقة ساطعة كشمس وضاءة، عن التفاف الشعب حول حماة الديار..
فمن أجل ذلك كله، وتمسكاً بالمنجز والآتي، وحماية لهذا الفضاء الوطني الخلاق، واستقلالية القرار الوطني.. انتصرت إرادة الحياة، وطنياً وأخلاقياً، على قوى الحقد والإرهاب.
الانتخابات الرئاسية في سوريا
عريب الرنتاوي – الدستور الأردنية
بدأت يوم أمس الأول، الحملات الانتخابية الرئاسية في سوريا ... النظام يتنافس مع “نفسه” في هذه المعركة ... لا وجود للمعارضات، داخلية أو خارجية، على حلبة المنافسة ... انتخابات ستجرى في نصف سوريا، فنصفها الآخر ما زال يقبع تحت سيطرة المعارضات المختلفة، خاصة داعش والنصرة ... نصف الهيئة الناخبة، خارج ولاية النظام الديموغرافية والجغرافية، هناك ثلاثة ملايين لاجئ سوري على الأقل، في دول الجوار القريب والبعيد، ولا نعرف بالضبط، كم من السوريين، ما زالوا يعيشون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
في البدء، انعقد رهان النظام، على “تنظيف” المدن الكبيرة من المعارضات المسلحة، قبل موعد الاستحقاق الانتخابي ... يبدو أن هذا الرهان، قد خاب، فحلب، ثاني المدن السورية، ما زالت في قلب دائرة النار ... أما حمص، ثالثة المدن السورية، فما زالت في قلب دائرة الخراب، وأهلها بالكاد عاد بعضهم لتفقد الأضرار وإحصاء الخسائر، وهيهات أن يتمكنوا من الاستقرار فيها، قبل مرور عدة أشهر ... وثمة مدن أقل أهمية، ما زالت تحت قبضة “داعش والنصرة” أو في مرمى نيرانهما.
في بلد منقسم، ومحترب داخلياً، تكون الانتخابات عادة، تتويجاً لمسار توافقي، بين مختلف اللاعبين والأطراف الفاعلة ... وفي أحيان قليلة، تكون مدخلاً لهذا المسار وتدشيناً له ... المسألة تبدو مختلفة تماماً في الحالة السورية ... الانتخابات تجرى في ظل مقاطعة شاملة من قبل المعارضين، بمن فيهم معارضة الداخل ... والانتخابات ستصبح صبيحة اليوم التالي لإعلان نتائجها، مجرد “تفصيل” صغير في يوميات الأزمة السورية، لن يقدم ولن يؤخر.
من منظور النظام، الانتخابات مهمة بذاتها، وهي محمّلة بكثير من الرسائل ... هي “برهان” على أن المؤسسات في سوريا، ما زالت تعمل كالمعتاد، برغم فاتورة الحرب وأكلافها ويومياتها الدامية ... وهي بمثابة تجديد لـ “شرعية” النظام، ومن خلال آلية انتخابية ... وهي تعبير سياسي مكثف عن المكاسب الميدانية التي سجلها النظام في ملاعب خصومه الكثر، خاصة المعارضة، التي تزداد تهالكاً وتفسخاً، يوماً إثر آخر.
أما بالنسبة لخصوم النظام، فقد قالوا فيها ما لم يقله مالك في الخمر ... مهزلة تحاكي الديمقراطيات، دون أن ترتقي إلى معاييرها، جزء من المشكلة بدل أن تكون جزءاً من الحل، وعقبة إضافية على طريق “جنيف 3” المتعثر أصلاً ... هؤلاء جميعاً ما كان منتظراً منهم مواقف غير تلك التي صدرت عنهم ... أما حلفاء النظام في الإقليم والعالم، فهم يشاطرون النظام، بعضاَ من رسائله الانتخابية، وليس جميعها على أية حال.
انتخابات جرى تفصيل قانونها الخاص، على مقاس النظام ورئيسه، تماماً مثلما جرت إعادة تفصيل الدستور على مقاس الرئيس وهو يخطو صوب ولايته الأولى، خلفاً لوالده ... المرشح الرئاسي يجب أن يكون مقيماً إقامة دائمة في سوريا في السنوات العشر الأخيرة، ما يسقط جميع المعارضة في الخارج، دفعة واحدة، وبجرة قلم ... والمرشح يتعين عليه الحصول على تأييد 35 نائباً في مجلس الشعب السوري، ذي اللون الواحد أصلاً، والذي نشأ وأخضع لهيمنة “الحزب القائد للدولة والمجتمع”، ما يعني “صك حرمان” من المشاركة، لمعارضة الداخل إن تجرّأ بعضها على التفكير بخوض غمار المنافسة.
لم يبق سوى مرشح الحزب والنظام الأوحد: الرئيس بشار حافظ الأسد، أمَّا منافساه الآخران، فالأرجح أن النظام أمَّن لهما ما يمكنهما من استكمال شروط المنافسة، والأرجح أن توزيعاً “مركزياً” للأصوات داخل مجلس الشعب، قد جرى مسبقاً، بحيث ينال الرئيس الأسد حصة الأسد من تأييد أعضاء المجلس، وتترك للمرشَّحين الآخرين الأصوات المطلوبة، ودائماً لغايات القول، أننا أمام انتخابات ومنافسة ديمقراطية حرة ونزيهة، وليس بصدد استفتاء على الرئاسة، من النوع الذي اعتادته سوريا، والذي غالباً ما كان ينتهي بنسبة 99.99 بالمائة من الأصوات لصالح المرشح الأوحد، تلك الاستفتاءات التي مُنِح فيها المواطن السوري الحق في قول “نعم” أو “لا بأس”، ولا خيار ثالث بينهما.
انتخابات يجريها النظام، بتنظيمه وتحت إشرافه، من دون رقابة مجتمع مدني أو قضاء مستقل، من دون مراقبة دولية، ومن دون احترام للحد الأدنى من المعايير الدولية لنزاهة الانتخابات وشفافيتها ... انتخابات كهذه، من السهل الطعن بنتائجها، واحتسابها على “مألوف” الانتخابات في العالم العربي، قبل أن يدخل ربيعه.
ستجرى الانتخابات، وستشارك بها نسبة “معتبرة” من السوريين الباقين في مناطق تواجد النظام وسيطرته، ومن دون حاجة للتزوير الفظ، سيفوز الرئيس السوري بشار الأسد بولاية ثالثة، إما خوفاً من النظام وآلته القمعية من حزبية وأمنية، وإما خوفاً على سوريا، وأملاً في الاستقرار وعودة الأمن والأمان، ودائماً “قرفاً” من المعارضات المسلحة، الأصولية منها على نحو خاص، والتي يمكن القول من الآن، ومن دون تردد، إنها ستكون “الناخب الأكبر” في الانتخابات المقبلة.
وتفتح الانتخابات المقبلة الباب على سؤال: هل يُتمَّ الرئيس الأسد ولايته الثالثة؟ ... الجواب نعم، إن ظل الحال في سوريا رهناً بتطورات الميدان، وتآكل المعارضة، وانتشار المد الجهادي والإرهابي ... وربما يكون “لا”، إن أمكن للمجتمع الدولي توفير شبكة أمان لمرحلة انتقالية في سوريا، تنتهي بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة وتعددية، يشترك فيها الجميع، بمن فيهم الأسد، وتكون فيها الكلمة الفصل للناخب السوري ... مثل هذا السيناريو المتفائل، يبدو خيالياً وطوباوياً في ضوء تطورات الأزمة السورية وتداعياتها، فما يلوح في الأفق، هو استمرار هذه الأزمة لسنوات قادمة، ربما تستهلك الولاية الثالثة للرئيس السوري، ودائماً وفقاً لأكثر السيناريوهات تفاؤلاً.
رسالة 'السيسي' للإخوان وحلفائهم
محمد أبو الفضل – العرب اللندنية
الرسائل التي حملها الخطاب السياسي للمرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي مؤخرا، بدت متعددة وتحمل معاني للداخل والخارج، وكشفت رؤيته لقضايا كثيرة، لكن أهم رسالة سأقف عندها تتعلق بقوله “لن يكون هناك شيء اسمه الإخوان في مدة رئاستي”، حيث فسرها البعض بعدم وجود مصالحة معهم، وقال آخرون أن الإقصاء سيكون منهجا في عهده، وبالغت فئة ثالثة في شططها، وألمحت إلى أن المشير سوف يتخلص منهم نهائيا.
في كل الحالات كان التفسير مصدر ارتياح لقطاع كبير من المواطنين، لازالوا يحملون غضبا تجاه الجماعة التي هددت الأمن القومي للبلاد، وكادت أن تتسبب سياساتها الخاطئة في تفتيت وحدة المصريين. لكن فريقا آخر شعر بالتناقض الذي ينطوي عليه الكلام السابق، لأن في صفوف المحسوبين على الإخوان فئة مسالمة لم ترتكب عنفا وأدانت من ارتكبوه، كما أن المشير السيسي أكد أنه يفتح ذراعيه لكل المصريين، الذين لم يمارسوا الإرهاب، ولم تتم إدانتهم لجرائم متعلقة به.
التقدير عندي أن السيسي أراد بعبارته السابقة توصيل رسالة مزدوجة، إلى الإخوان والمتحالفين معهم، مفادها ضرورة التكيف مع الأوضاع الجديدة، والالتزام بقواعد اللعب السياسي النظيف، خاصة أن الدستور أشار إلى منع الأحزاب على أساس ديني، وأن المصالحة- الصفقة التي يراهن عليها البعض- لن تحدث أبدا، ومن ثمة عليهم الإذعان للمحاكمات القضائية، والكف عن الشوشرة التي يقومون بها في قاعات المحاكم، لأنها لن تسمن أو تغني من جوع.
أما رسالته للغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، التي تضغط من أجل استيعاب الإخوان ضمن الواقع السياسي الجديد، تقول إذا كانت واشنطن وغالبية الدول الأوروبية استسلمت للتغيير الذي حدث في مصر، وقبلت على مضض عزل الرئيس الإخواني، فعليها وقف محاولات البحث عن مكان سياسي للجماعة مستقبلا، حتى تبدو واشنطن والغرب عموما، وكأنهما لم يتخليا عن أصدقائهما الإخوان، ويخففا من أي عنف محتمل يمارسه هؤلاء ضد المصالح الغربية، والأهم أن يتحول الإخوان إلى شوكة في خاصرة الحكم الجديد وورقة للمناكفة، لوقف طموحات الرئيس المحتمل المشير السيسي.
عندما أكد السيسي أنه لن يكون هناك شيء اسمه الإخوان في عهده، أراد أن يقطع الطريق على المساعي التي تبذل لانخراطهم في العمل السياسي رسميا، وأراد تحدي المحاولات الرامية إلى جرح منهج الاستقلال الوطني الذي يتبناه الرجل، وظهرت معالمه في قضايا متعددة، آخرها ما كشفه لي مصدر رفيع المستوى، بشأن إعلان أميركا (عبر عالم وسيط) استعدادها تمويل المشروع العملاق "ممر التنمية"، الذي يربط الصحراء الغربية من البحر المتوسط حتى أسوان، وإقامة كل ما يلزمه من شبكات طرق وكباري وسكك حديدية ومصانع ومساكن واستصلاح للأراضي، شريطة أن تكون لها حصة مادية في المشروع.
الأمر الذي رفضه السيسي، وأكد أن المشروع القومي سيتم برأس مال مصري وعربي وبالتدريج، فكانت صفعة جديدة يوجهها المشير إلى واشنطن، بعد سلسلة من الصفعات، لم يكن رفض القبول بمشاركة الإخوان السياسية آخرها، بل سبقتها جهود مضنية لإثناء السيسي عن الترشح لانتخابات الرئاسة مقابل مكافأة مغرية، وعندما فشلت أميركا، اتجهت إلى غرس منغصاتها في الجسد المصري التي قوبلت بمقاومة شديدة.
رسالة السيسي الحادة إلى الإخوان وحلفائهم، استندت إلى جملة من المحددات الرئيسية، أهمها العنف الذي تمارسه الجماعات المتشددة الملتحفة برداء إخواني خفي، وهو ما يعزز عدم الوثوق في الجماعة، مهما تحدثت عن سلمية مظاهراتها في الشوارع والجامعات، فضلا عن الغضب الشعبي العارم ضد الإخوان، يقابله حب جارف للمشير السيسي، حتى تحول إلى بطل شعبي وعربي لتصديه لأفعال الإخوان، بالتالي لابد أن يظهر موقفا صارما ضدهم، حتى تستقر الأمور، لأن مراحل التحول لا تتحمل مجازفة، لذلك آثر قطع الطريق نهائيا على أية محاولات للالتفاف لدخول الإخوان البرلمان القادم، حيث تتهيأ الجماعة لنشر عناصرها في قوائم بعض الأحزاب الصغيرة.
من جهة ثانية، جاء موقف السيسي في وقت حققت فيه أجهزة الأمن تقدما ضد العناصر الإرهابية المؤيدة للإخوان، ومن ثم انكشف ظهيرها المسلح، ولم تعد قادرة على الوصول إلى هدفها في بث الفوضى، وتزامن مع ذلك إصرار السيسي على تقديم صيغة معتدلة للإسلام ورفض الاحتكار، والاستعانة بالأزهر لنشر الإسلام الوسطي، علاوة على إحكام وزارة الأوقاف سيطرتها على المساجد التي أصبحت بابا خلفيا للإخوان.
سياسات تجفيف المنابع، أسهمت في وضع الجماعة وحلفائها في موقف بالغ الحرج، لا تستطيع معه التصميم على التقدم بصورة مسلحة خوفا من أن تحترق، ولا تستطيع الضغط سياسيا، خشية كشف المستور عن أشياء يمكن أن تحرج جهات كانت لها أصابع في الجرائم التي مست المصريين، وكانت صيغة عدم وجود الإخوان، مناسبة لتوصيل الرسالة المطلوبة في هذه المرحلة، وقد يكون للمرحلة المقبلة حديث آخر.
ما الذي يريـده (الإخوان) المصريون؟!
صالح القلاب – الرأي الأردنية
مع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية في مصر أصدر الإخوان المسلمون ،الذين باتوا يُعتبرون تنظيماً ارهابياً، بياناً ومذكرة يطفحان غموضاً فالبعض رأى أنهما معاً بمثابة محاولة للتقرب من مستجدات الوضع المصري والتمهيد لخوض معركة الإنتخابات النيابية في حين أن البعض الآخر اعتبر أن إصدار هذا البيان وهذه الوثيقة هو من أجل الإعلان عن الوجود ودعوةً للمناوئين والمعارضين للمشير عبد الفتاح السيسي ،الذي بالإمكان القول وبيقين راسخ أنه هو وليس غيره سيكون رئيس مصر الجديد، لتشكيل جبهة معارضة سيكون مصيرها الفشل بالتأكيد.
في بيانهم الذي أصدروه قبل يومين كرروا المعزوفة إياها المنادية بتصحيح الأوضاع في مصر ،بعد ما يعتبرونه انقلاباً عسكريا، «.. ليعود الشعب هو السيد وهو مالك الدولة ومؤسساتها وهو الذي يحكم نفسه بنفسه عن طريق نوابه ويختار حاكمه وبرلمانه بحرية ونزاهة كاملة لتعود مؤسسة الجيش إلى ثكناتها لتمارس تخصصها ودورها في الدفاع والحماية وتبتعد عن السياسة والحكم».
وهكذا فإنَّ بيت القصيد في هذه الحكاية كلها هو التركيز على الجيش الذي لولاه ولولا أميركا لما وصلوا إلى الحكم فالمعروف أنَّ القيادة العسكرية في ذلك الحين وعلى رأسها المشير الطنطاوي قد سلمت مقاليد الأمور إلى الإخوان المسلمين تسليماً وأنَّ هؤلاء في الفترة القصيرة التي حكموا فيها دون أن يكونوا مؤهلين للحكم لم يتذكروا حكمة أن الشعب يجب أن يحكم نفسه بنفسه بل ولكانوا الآن ،لولا إنتفاضة «يونيو» المجيدة التي يعتبرها المصريون الثورة الثانية، يُهيْمِنون على كل شيء في مصر.. من الجيش إلى السلك الدبلوماسي إلى الإعلام إلى الأمن إلى الإقتصاد إلى الإدارة والجامعات والأزهر والإفتاء!!.
لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله
عارٌ عليك إذا فعلت عظيمُ
وحقيقة وبدل كل هذه المناورات والألاعيب وبدل سياسة الإختباء وراء الأصابع والإستقواء ببعض الفضائيات وبـ»رجب طيب أردوغان» وبالطريقة التي بات يتعامل فيها مع الداخل والخارج وحتى مع بعض رموز حزبه.. وبدل الإمعان بعيداً في العنف والإرهاب فإنه كان على الإخوان المسلمين ،إخوان مصر، أن يستحضروا كل تجارب التاريخ وأن يعترفوا بهزيمتهم ويقروا بعدم أهليتهم للحكم وأن يراجعوا وبسرعة مسيرتهم وان يغيروا مسارهم السابق ويخطوا نحو الواقع الجديد ليس خطوة واحدة وإنما ألف خطوة ليتم قبولهم ليس من قبل المشير السيسي فقط بل من قبل الأغلبية المصرية التي هي من أسقطهم في إنتفاضة (يونيو) وليس لا الجيش ولا الأجهزة الأمنية.
إنه لا يعيب الحزب وأي حزب التراجع عن مواقفه الخاطئة بعد الإعتراف علناً وعلى رؤوس الأشهاد بهذه المواقف الخاطئة ويقيناً أن أكبر خطأ ارتكبه «الإخوان» المصريون هو أنهم تراجعوا عن قرار المشاركة في الإنتخابات البرلمانية فقط تحت ضغط نزوات بعض قادتهم الذين كانوا يتضورون جوعاً إلى الحكم والسلطة والإندفاع نحو الرئاسة فكان أنْ إنكشفت أوراقهم كلها وكان أن ثبت أنهم ذاهبون لتصفية كل معارضيهم ومناوئيهم والتحكم بمقاليد الأمور كلها.. وبالبلاد والعباد.
والأسوأ أنَّ هؤلاء بدل أن يبادروا إلى إعادة النظر بحساباتهم كلها وببرامجهم وسياساتهم بعد إنتفاضة (يونيو) سارعوا إلى ركوب موجة الإرهاب والعنف لإسقاط ما اعتبروه إنقلاباً عسكرياً بالقوة فكان أن اعتُبروا منظمة إرهابية وكان أنْ فقدوا باقي ما تبقى لهم من شعبية وكان أنْ حشروا حاضرهم وما ضيهم في دائرة «القاعدة» و»أنصار بيت المقدس» وكل هذه التنظيمات الوهمية الأخرى التي إستخدموها واجهة لعملياتهم الدموية المشينة.
يوم أن قالوا: «الإخوان وطنيون»
سعيد الشحات – اليوم السابع المصرية
أعدت أمس ما كتبته من قبل عن علاقة القوى السياسية مع الإخوان بعد ثورة 25 يناير، والتى يتعامل البعض معها الآن بادعاء الحكمة بأثر رجعى، وأستكمل..
يعانى البعض الآن من مرض «الحول السياسى»، وأهم أعراضه تصويب قذائف اللهب على ذاكرة المصريين لمحو الكثير مما كان يتم أمامهم، غير أن أرشيف الذكريات يتحدى تلك القذائف التى يفجرها البعض كل ليلة فى برامج «التوك شو»، ومن حكايات الأرشيف ما كتبته أمس على سبيل المثال لا الحصر، عما ذكره الفريق أحمد شفيق بمباهاة وفخر عن إفراجه عن «خيرت الشاطر» و«حسن مالك»، وبوصفه رئيساً للوزراء استعجل النائب العام لإنهاء الإجراءات الخاصة بهما، وذكر «شفيق»، أن الاثنين تعرضا لتدبير قضية غسيل الأموال من نظام مبارك، وبسببها حصلا على أحكام بالسجن.
علينا أن نتأمل قيمة هذا القرار، وفوائده الكبيرة لجماعة الإخوان، والمثير أن «مرضى الحول السياسى» يتجاهلون هذه القصة عن عمد، ولا يقتربون منها من بعيد أو قريب.
تتسع الصورة فى هذه القضية لتشمل آخرين منهم الدكتور محمد أبوالغار الذى تحدث وقتئذ عن أن جماعة الإخوان «فصيل وطنى»، وطالبهم بتشكيل الحكومة بعد انتخابات مجلس الشعب لحصولهم على الأغلبية، وكان هذا رأى الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل، والذى قال فى أحد حواراته مع «لميس الحديدى»، إنه نصح المشير طنطاوى رئيس المجلس العسكرى الذى قاد المرحلة الانتقالية بعد ثورة 25 يناير، بإسناد رئاسة الحكومة إلى الدكتور محمد مرسى، باعتباره رئيس حزب الحرية والعدالة الفائز بالأغلبية البرلمانية، لكن «طنطاوى» وحسب رواية هيكل خبط على يده قائلاً: «أنت عاوزنى أسلم البلد للإخوان».
لم يخرج الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد عن هذا السرب، وقال إن جماعة الإخوان «فصيل وطنى»، حتى الكاتب الروائى المبدع الدكتور محمد المخزنجى، لم يخرج عن هذه القاعدة فى حوار له مع الإعلامى محمود سعد على «قناة النهار» بعد انتخابات مجلس الشعب، الذى سأله «سعد» على خلفية أن «الشاطر» كان زميل دراسته فى المنصورة.
تتسع الصورة لتشمل عمرو موسى الذى لم يتهم «الإخوان» بعدم الوطنية، بل أشاد بهم وقت أن كان مرشحا لرئاسة الجمهورية، وليس سراً أن بعض قيادات الإخوان ناقشت إمكانية تأييده فى انتخابات الرئاسة، كما أنه قابل خيرت الشاطر فى بيت أيمن نور وقت أن كان مرسى رئيساً للجمهورية، وتلك قصة معروفة حدثت وقت شدة استقطاب المصريين ضد حكم مرسى، ووقت أن كان «موسى» ضمن قادة جبهة الإنقاذ، واستكملها بقوله الشهير، إنه مع استكمال «محمد مرسى» لفترة حكمه «أربع سنوات»، وقال إن «حمدين صباحى» هو الذى يرفض هذا الرأى، ويصمم على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
صحيح أن هؤلاء كانت لهم انتقادات للمشروع السياسى لجماعة الإخوان، لكنه النقد الذى لم يكن تحت سقف تخوين الإخوان، وعليه فإن ادعاء البعض الحكمة فى رفض الإخوان بعد ثورة 25 يناير هو قول مغلوط، فهو ادعاء ينطبق عليه المثل الشعبى: «اللى بيته من زجاج ميحدفش الناس بالطوب».
عندما تنبأ الغنوشي بسقوط إخوان مصر
سليمان جودة – الشرق الأوسط
سوف يتأكد لنا، يوما بعد يوم، أن بعض الحكمة المُتاح لإخوان تونس، ليس متاحا بأي مقدار للحركة الأم في مصر، وأن التعقل الذي يغلِّف كلام الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية، في أكثر من مناسبة، لا أثر له في دماغ محمد بديع، مرشد الجماعة في القاهرة، الذي قادها إلى هلاك كانت في غنى عنه تماما!
ثبت هذا لنا مرات، على مدى شهور مضت، قبل أن يجدد الغنوشي نفسه، إثباته، الأسبوع الماضي، مرتين؛ واحدة في إسطنبول والثانية في بلاده!.. وإن كان قد عاد سريعا لينفي بعض ما قاله، لا كله، في المرة الأولى، وهو نفي أفهمه على طريقة ما تعرفه الصحافة، في بعض حالاتها، من أنه النفي الذي يأتي أحيانا ليؤكد الخبر!
وفيما قبل، فإن الأمر قد تجلى على أنصع ما يكون، عند سقوط حكومة علي العريض السابقة في تونس، وتشكيل حكومة مهدي جمعة الحالية.
ذلك أن العريض كان واحدا من قيادات «النهضة»، وكانت حكومته، بالتالي، محسوبة على هذه الحركة الإسلامية، هناك، في كل حالاتها، ولم تكن المشكلة في أنها كانت منذ مجيئها إلى مقاعد الحكم، حكومة يهيمن عليها وزراء نهضويون، إذا صح التعبير، ولكن المشكلة كانت في أنها كانت تعمل في أجواء محلية معارضة لها، وتكاد تكون معادية، ثم في أجواء إقليمية تنطق بأن هذا ليس أوان وجود الإسلاميين في الحكم، وأنه من الأفضل لهم، إذا كانوا يتمتعون بالحد الأدنى من العقلانية في التفكير، أن يأخذوا خطوة، بل خطوات، إلى الوراء، وأن يتيحوا الطريق لمَنْ هم أقدر منهم على العمل، وعلى الإدارة، وعلى الحكم، ليديروا الشأن العام، وأن يتصدوا لقضاياه.
شيء من هذا، استطاعت «النهضة» أن تعيه، وأن تستوعبه، ثم تعمل به، فقبلت أن يأتي رئيس حكومة لا علاقة له بها، وأن يأتي معه وزراء ليست بينهم وبينها، صلة، وأن يذهب العريض، رغم قصر المدة التي قضاها على كرسيه، وأن يأتي جمعة في مكانه، لعله يكون أقدر، وهو ما حدث!
وكان أهم ما في خطوة كهذه، أنها تقول، إن الغنوشي يدرك أن هناك فرقا بين العمل الدعوي، والعمل السياسي، وأن حركته إذا كانت قد أنجزت شيئا، في الأول، فليس معناه أن تنجز في الثاني بالضرورة، وأن الواقع في تونس، وفي عالمنا العربي عموما، في حاجة منذ بداية ما صار يُعرف بالربيع العربي، إلى مَنْ يجيد قراءته، ثم يشتبك معه، بناء على هذه القراءة التي أخفق فيها إخوان مصر بامتياز!
لم يستوقفني شيء، في كلام الرجل، في إسطنبول، حيث انعقد مؤتمر هناك مؤخرا، قدر ما استوقفني كلامه عن أنه كان في لحظة من لحظات عام 2012، في اجتماع مع مجلس شورى النهضة، وأنه في أثناء الاجتماع قد جاء خبر يقول إن إخوان مصر، قد قرروا خوض انتخابات الرئاسة التي انعقدت في مايو (أيار) من ذلك العام، وأنه عندما طالع الخبر، صارح مجتمعيه فقال: «الله يعوض عليكم في إخوانكم في مصر، لقد قرروا بهذه السرعة نهاية تجربتهم».. وهذه العبارة بالمناسبة، لم يتطرق إليها النفي إياه، الصادر عنه، الاثنين الماضي.
هنا، يضع الشيخ راشد يده على أصل المشكلة وجوهرها، وهو أصل لا يعود فقط إلى أن الإخوان فشلوا خلال عام قضوه في الحكم، ولا إلى أنهم فشلوا بالدرجة ذاتها في التعامل مع ما بعد فشلهم ممثلا في ثورة 30 يونيو (حزيران)، وإنما في أنهم خاضوا السباق من الأصل.. فلم يكن السباق سباقهم، بأي تقدير، ولا كان هذا هو وقته، أو توقيته، بأي ميزان.. ولذلك، فكل ما جاء بعد قرار الخوض، إلى اليوم، ثم إلى الغد، إنما هو حصيلة لقرار خاطئ مائة في المائة، اتخذوه، ثم عجزوا ليس فقط عن التراجع عنه، وإنما عن التعامل مع عواقبه!
هذا هو جوهر الأمر، وكل ما عداه تفاصيل ابتداء من رفضهم الإنصات للنصح الذي قدمه لهم الغنوشي، ذات يوم، متطوعا، ومرورا بإصرارهم، دون سبب مقنع، على أن يظهروا في كل موقف، على أنهم يقولون الشيء، ويفعلون عكسه على طول الخط، وانتهاء بعدم إدراكهم، حتى الآن، وبعد مرور عشرة شهور على 30 يونيو، أن الطريق الذي يمضون فيه، ينال منهم، ولا يضيف إليهم، إذا كان لا يزال هناك حقا، شيء يضاف لهم، أو يُنال منهم!
شيء واحد يحيرني وهو أن ما قال به رئيس حركة النهضة، في إسطنبول أمر بديهي منذ شهور، كما أن عبارة «يعوض الله عليكم في إخوان مصر» قديمة كما نرى، ومضى عليها عامان، فلماذا تأخر صاحبها في إعلانها علينا، كل هذا الوقت، وهل كان الغنوشي في حاجة إلى شهور، بل إلى عامين، ليعلن علينا ما قاله، من قبل، في غرفة مغلقة؟!.. ثم لماذا الآن، على وجه التحديد؟!
أمر آخر، هو أن الغنوشي يقول في حديثه الثاني، في تونس، إنهم في «النهضة» اختاروا أن يتخلوا عن السلطة، حتى لا يقع البيت التونسي فوق رؤوس أبنائه، وهو كلام يُحسب له، لولا أنه صحيح جزئيا، لا كليا، لأنه تخلى عن الحكومة، وليس عن السلطة، بدليل أغلبيته في البرلمان، ثم إنه هو نفسه قال صراحة، عند تشكيل حكومة جمعة، إنهم، كحركة نهضة، خرجوا من الحكومة، ولم يخرجوا من السلطة!
للناس ذاكرة يا شيخ راشد!
في معنى سقوط الإسلام السياسي
عبد الله بن عمارة – السفير اللبنانية
كان لافتا أن يتزامن، حديث السيد نصر الله مع جريدة «السفير» الذي أبدى فيه تحفظا على مصطلح «الإسلام السياسي» في معرض رده على سؤال للجريدة عن المشروع السياسي للإخوان المسلمين، مع تصريح نقل عن الرئيس بشار الأسد أمام كوادر حزب البعث عن سقوط الإسلام السياسي، هذا التزامن الذي بدا لأول وهلة للبعض انه تناقض في قراءة الواقع الراهن بين حليفين متكاملين، استلزم توضيحا يعالج ما ظهر من لبس، وفق منهج يستوفي الجانب المعرفي والفكري في موضوع السقوط، أو الإخفاق أكثر من الجانب السياسي، والخروج من حالة توصيف الواقع السياسي، إلى حالة القراءة المعرفية للبنية الفكرية المحركة لهذا الواقع السياسي.
تحفظ السيد على مصطلح الإسلام السياسي كان مفهوما، بل ومبررا على اعتبار انطلاقه من خلال إطاره العقائدي الذي يعتبر الإسلام كلا متكاملا لا يقبل تجزيئا، إلى ما هو سياسي أو اجتماعي، أو ثقافي... إلا أن استطراده في الإجابة عن السؤال، نمّ عن معرفة تامة بمضمون الموضوع - تتجاوز ما هو شكلي أي الخلاف حول التسمية - و بإرادة واضحة للإشارة لـ«حركات إسلامية « بعينها تتحمل المسؤولية عن أدائها، وعدم إلحاق تداعيات إخفاقها بباقي الحركات.
فالأصل أن مصطلح «الإسلام السياسي» لم يكن ضمن دائرة التداول في التراث العربي - الإسلامي، فهو بهذا المعنى مصطلح معاصر، كما انه وبالرغم من انه متداول في الدوائر الثقافية والسياسية غير المنتمية لهذا الإطار الذي ينعت بحركات الإسلام السياسي، إلا انه لا يحمل معنى قدحيا اتجاهها، ويختلف من حيث تحرير المصطلح، كما المضمون مع مصطلح «النهضة الإسلامية»، الذي يعبر عن الحركة الثقافية والسياسية والفكرية التي قادها جمال الدين الأفغاني في العالم الإسلامي، وبالخصوص في إيران ومصر، والتي شكلت الإطار المرجعي لحركة الإصلاح الديني التي تأمل منها أن تقود الأمة نحو النهضة والتحرر من الاستعمار، ومن خلال العلاقة بهذا الإطار المرجعي، يتحدد المسار الفكري لحركات الإسلام السياسي، أي مدى قربها أو بعدها من البنية المعرفية الأصلية لهذا الإطار.
لقد أثمرت بذرة حركة الأفغاني في إيران ومصر، وعيا وطنيا تحرريا ضد السيطرة الاستعمارية من جهة، ورفضا للاستبداد والتسلط، وما يرافقهما من تخلف عن الركب الحضاري من جهة أخرى، وتأكيدا على الهوية الوطنية الجامعة الرافضة لشـرخ النسيج الوطني على أسس دينية أو طائفية، وعلى ترسيخ آليات النقد والتجديد في منظومة التراث الثقافي والفكري الإسلامي، بما يؤهلها لنـسف رواسب الجمود والتعصب المذهبي، ولتشكيل رافد للمشروع النهضوي، فشكل النائيني تلميذ الأفغاني في إيران، إطارا معرفيا اجتهاديا رائدا في مجال تشكيل الوعي بضرورة التجديد داخل الحقل الفكري السياسي الإسلامي «الشيعي» لتقبل فكرة الاحتكام إلى الدستور، والفصل بين المؤسسات والوقوف ضد الاستبداد، ومقاومة النفوذ الاستعماري الأجنبي بالمحافظة على السيادة الوطنية، والحق في استثمار الثروة الوطنية بعيدا عن قوة الاحتكار الرأسمالية الاستعمارية (الثورة الدستورية في إيران أو الثورة المشروطة). وفي مصر قاد تلامذة الأفغاني الوعي التحرري الثوري المعادي للاستعمار (ثورة عرابي نموذجا) والمواجه للاستبداد، واستمرت سيرورة النضال والوعي إلى تأسيس الأحزاب الوطنية التحررية، والوصول إلى دستور 1923 في مصر الذي يعد رائدا، بالنظر إلى معيار الظرف المكاني والزماني الذي كتب فيه.
إلا أن الانعطافة المفصلية التي عرفها المسار التجديدي والإصلاحي لتراث الأفغاني في مصر، هو الارتداد العام الذي قاده رشيد رضا، الذي شكل نكوصا فكريا ومعرفيا عن التراث العقلاني والتجديدي لمحمد عبده وللأفغاني، وصل حد إحداث القطيعة الابستمولوجية مع كل ما أسست له مدرسة الأفغاني معرفيا، من نسف أسس التعصب المذهبي والطائفي وإصلاح آليات التفكير، لتأهيلها لقبول النقد الذاتي لأركان التخلف الماضوية في التراث الديـني، ولترسـيخ الالتفاف حول الهوية الجامعة، ولاستيعاب المنتوج الفكري الحداثي التحرري في كل المجالات في مواضيع الاستبداد، والتحرر من الاستعمار والمرأة... الخ.
كان هذا النكوص مرتبطا أساسا بإعادة بعث السلفية بوجهها الوهابي المستند إلى رؤى دوغمائية، ترتبط بحرفية النص وتمنع أي نزوع نحو التجديد أو النقد، وترفض الاختلاف، وتكرس التعصب الديني والمذهبي، بما أسس لبروز عقل طائفي مغلق، هذا الارتداد الذي تأطر في بنية تنظيمية اسمها جماعة «الإخوان المسلمين»، كأبرز حركات الإسلام السياسي، على يد حسن البنا تلميذ رشيد رضا، كان تأسيسها أصلا يعد تناقضا بنيويا مع مفهوم الوطنية المصرية الحديثة، ثم مع فكرة العروبة بالنظر إلى أن أدبياتها تشير إلى ارتباط التأسيس، مع ما أسمته بانهيار «الخلافة الإسلامية « في اسطنبول.
ابتدءا من لحظة النكوص التاريخية هذه، حدث الافتراق في المسار في سياق سيرورة التطور الفكري للإسلام السياسي في إيران ومصر، وهو ما سيكون له تداعيات على العالم العربي والإسلامي، على اعتبار المدى الأوسع العابر للحدود للأفكار المرتبطة بهذا المسار، وهنا وجب التأكيد على أن هذا الافتراق لا يتعلق، كما يمكن أن يتوهم البعـض بالمرجعـية الفقهية المختلفة: الشيعية في إيران والسنية في مصر، ذلك أن الذي حدث في إيران هو أن الإسلام السياسي الذي تأسس لم يترك المجال لأي ردة فكرية عن تراث النائيني - الأفغاني - من حركة «فدائيان إسلام» إلى حركة الخميني -، مشابهة لردة رشيد رضا، بل على العكس من ذلك، قطع مع التيارات الدينية الجامدة المرتبطة بالنص المقدس (المدرسة الإخبارية نموذجا)، التي توازي المدرسة السلفية الوهابية عند السنة، ولم يتـرك لها مجـالا للـبروز أمام حجم المنتوج الفكري، الذي شكل إرهاصات سبقت الثورة الإيرانية، واعتبرت مرجعيتها الفكرية من كتابات علي شريعتي، مرتضى مطهري، إلى كتابات الخميني نفسه في إيران، ومحمد باقر الصدر في العراق، كان الإطار العام لهذه الكتابات، هو التشديد على التناقض مع الاستعمار وتفعيل «الفكرة الإسلامية الثورية» القائمة على الاستقلال، ومواجهة الاستعمار وعلى التناقض الوجودي مع مشاريعه الوظيفية، وترسيخ الهوية الجامعة في إيران المتصالحة مع تراثها الثقافي، والإثني المتعدد، فكان هذا السياق التحرري كافيا لهذا المسار كي ينظر إلى ظاهرة محمد مصدق بايجابية، رغم الخلاف الإيديولوجي معها.
في مقابل كل هذا، استمر النكوص الذي ورثه «الإخوان» من رشيد رضا وأسسوا له، في هيئة حراك فكري لكتابات زادت من عمق النزوع السلفي والانغلاقي المصطدم مع المجتمع، والأقرب إلى منطق الإقصاء والطائفية والتكفير، كما نلمس ذلك في كتابات سيد قطب (كتاب معالم في الطريق نموذجا). لقد عجز هذا الإسلام السياسي (الإخوان المسلمون تحديدا)، من تكوين مرجعية فكرية بديلة للوضع القائم ولنا أن نعرف بأن ثمانين سنة من الوجود لم تكن «كافية» للتنظير لطبيعة النظام السياسي البديل والإشكاليات المرتبطة به كالموقف من الديموقراطية أو سلطة الشعب، والعلاقة بين السلطات، كما افتعل صراعا وهميا مع القومية العربية والفكرة التحررية، ومع جوهر الدولة الوطنية المستقلة عن النفوذ الاستعماري، فاصطدم مع رائدها جمال عبد الناصر (محمد مصدق العربي)، وتموضع مبكرا في الموقع الرجعي المرتبط بالاستعمار، بتحالفه مع أدواته في الخليج، وبالتالي اختار لنفسه خندق الارتهان للمشروع الامبريالي بتبني أطروحات نيوليبرالية في الاقتصاد، خلقت قابلية لديه للتحالف معه كما ظهر ذلك في انخراطه في الصراع ضد الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي، في الفترة نفسها التي انطلق فيها «حزب الله» في مقاومته ضد المشروع الاستعماري الأميركي، وأداته الوظيفية الصهيونية محددا أولوياته في سياق الخندق الاستقلالي المعادي للاستعمار، مما قربه من تيارات سياسية وفكرية تلتقي معه في الأهداف نفسها، وإن اختلفت معه إيديولوجيا. كان على رأس هذا الخندق سوريا كرائدة للنسق الاستقلالي في المشرق العربي. إن البنية الفكرية ذات المضمون التحرري الاستقلالي المعادي للاستعمار والمنفتحة على باقي التيارات، هي التي تجعل من «حزب الله» ومن النظام المنبثق في إيران من ثورة شعبية معادية للامبريالية، حليفا طبيعيا لكل القوى التي تلتقي معه في الأهداف التحررية سواء في المشرق العربي، أم في العالم وعلى رأسهـا سوريـا التي تحكـمها الفكرة القوميـة العربـية العلمانية، كناظم يوحد الفسيفساء السورية في هوية جامعة واحدة. معنى هذا المضمون، هو الذي تحدث عنه السيد في حواره مع «السفير»، وهو الذي يخوض معركة وجودية ضد قوى تكفيرية تصف نفسها بالإسلامية بقوله: «أنا برأيي ان الأميركيين ليست لديهم مشكلة في أي مكان في العالم الإسلامي أن تحكم حركة اسمها حركة إسلامية، وإسرائيل أيضاً ليس لديها مانع. لا مشكلة أن تكون إسلامياً وملتحياً، وزوجتك محجبة وتصلي الصلوات الخمس، وأن تحج وتعتمر وتعمل ما بدا لك... لكن قل لي ما هو موقفك من إسرائيل؟ ما هو رأيك بالنفط؟ كيف تتعاطى مع الثروات، وما هو موقفك من أميركا ومشروعها في المنطقة؟». الخطر الوهابي متلازم مع الخطر الصهيوني ولا بـد من إحداث القطيعة المطلوبة معه، ومن دون هـذه القطيعة لا يمكننا الحديث إلا عن سقوط مدوٍّ للإسلام السياسي.
انقلاب مسيحي على «حزب الله»
حسان حيدر – الحياة اللندنية
يخوض البطريرك بشارة الراعي معركة مزدوجة لكسر هيمنة «حزب الله» على قرار الطائفة المارونية السياسي، محليا واقليميا، ويأمل في ان تؤدي الى اخراج طائفته من حال التشرذم التي فرضها عليها الحزب بتحالفه مع احد اقطابها (ميشال عون) الذي يؤمّن منذ العام 2005، بموجب اتفاق عودته من المنفى، غطاء مسيحياً لتفرد الحزب بالقرار اللبناني، واقحام البلد في محور «الممانعة» بقيادة ايران.
والشق الاول في معركة البطريرك، دفاعه المستميت عن موقع رئاسة الجمهورية، حصة المسيحيين في ترويكا الدولة الى جانب رئاستي مجلسي النواب والوزراء، وتشديده على انتخاب رئيس في الموعد الدستوري قبل نهاية الشهر الحالي، وضرورة تجنب الفراغ الذي يعني بالنسبة اليه حرمان الموارنة من المشاركة في الحكم بطريقة صحيحة، و«قطع رأسهم» على حد تعبيره.
اما الشق الثاني، فيتعلق بالزيارة التي ينوي الراعي القيام بها الى الاراضي المقدسة ومناطق فلسطينية واقعة تحت السيادة الاسرائيلية، برغم ما تشكله من ضربة قاسية لمبدأ المقاطعة الذي يرفعه «حزب الله» شعارا ويستخدمه وسيلة سياسية للنيل من خصومه في الداخل والخارج، على رغم ان كلاهما يقف اقليميا، مباشرة او تلميحا، الى جانب النظام السوري في معركته للبقاء، ولو من منظورين مختلفين.
وفي موضوع الرئاسة، يحول «حزب الله» وحلفاؤه، بمن فيهم كتلة عون، دون اكتمال النصاب القانوني في مجلس النواب حتى الآن، ما لم يتم التفاهم على رئيس من فريقهم، او مقبول منه على الأقل. ويضعه ذلك في مواجهة مفتوحة مع البطريرك الذي كان سعى الى استباق هذا الوضع عندما جمع اقطاب الموارنة في بكركي قبل شهرين تقريباً ودعاهم الى تأكيد التزامهم انتخاب رئيس في المهلة الدستورية، لكن عون اغضب الراعي عندما خرق هذا الاجماع بعدما تبين له انه لا يخدم وصوله الى قصر بعبدا.
ويعتبر البطريرك ان الشيعة والسنة يختارون قياداتهم وممثليهم في الدولة، اما المسيحيون فمحرومون من هذا الحق الذي تمارسه الطائفتان المسلمتان بالنيابة عنهم، بسبب انقساماتهم التي تجعلهم يلتحقون بخيارات الآخرين. لكنه يعرف ان السنة حريصون، قولا وفعلا، على المحافظة على حقوق المسيحيين، واثبتوا ذلك منذ اتفاق الطائف، فيبقى «حزب الله" هو المتهم الوحيد بمنع الاجماع المسيحي، والمعني بالمواجهة الحالية معه.
اما بالنسبة الى زيارة الاراضي المقدسة والمدن والبلدات المسيحية في شمال اسرائيل، فيبدو البطريرك متمسكا بقوة بحرية خياره. ومع انه ساق للزيارة تبريرات كنسية، الا انه لا يخفى انها تعبير آخر عن رفض استمرار خضوع قرار المسيحيين اللبنانيين، سياسيا كان او دينيا، لاعتبارات الطوائف الاخرى، وخصوصاً «حزب الله» الذي يجاهر بتبنيه سياسات ايران وخضوعه لمرجعيتها. كما تشمل الزيارة لقاء المسيحيين الذين فروا مع عائلاتهم الى اسرائيل بعد انسحابها من جنوب لبنان خوفا من عمليات انتقامية، وهو ملف يشغل الكنيسة التي ترى ان بنود المصالحة الوطنية يجب ان تنطبق على هؤلاء، بينما يصر الحزب على محاكمتهم وادانتهم.
لكن من الواضح ان رغبة البطريرك في توحيد كلمة الموارنة خصوصا والمسيحيين عموما، واستعادة استقلالية قرارهم، وتعزيز دورهم ورأيهم في السياسات اللبنانية، تصطدم اساسا بالثغرة الواسعة التي يشكلها التحالف بين «حزب الله» وعون، فهل تستطيع بكركي تحييد هذا الاخير لكف يد الحزب، ام تشمله بمعركتها؟
غياب التغيير في صناعة الحكم بالعراق
د. ماجد أحمد السامرائي – العرب اللندنية
مرشحو الانتخابات الباحثون عن الأصوات ما زالوا على محطات الانتظار في مهرجان لم تألفه تجارب الديمقراطيات في العالم، وسط أحاديث من قبل الكتل المناوئة لقائمة نوري المالكي عن احتمالات للتزوير بعد أن زودت مفوضية الانتخابات العراقية بأحدث التقنيات التي تخفف من احتمالات التزوير، وكان يفترض أن تختزل ساعات الفرز والعد إلى أدنى الحدود وليس إلى 25 يوما مثلما أعلنت المفوضية، حيث من المقرر إعلان النتائج في الـ25 من هذا الشهر.
والمهم في هذا التاريخ تحويل المشاورات السرية للتحالفات إلى العلن، ولكن ما هي طبيعة تلك التحالفات، وهل هناك اختراق للمنتج الذي قدمته انتخابات عام 2010؟ وهل للشعارات الإعلامية التي تتحدث عن “التغيير” والتي سادت مؤخرا بين أوساط المعارضين للمالكي داخل البيت الشيعي وكذلك في البيتين العربي السني والكردي من دلالات خارج دلالة عدم التجديد لولاية ثالثة للمالكي؟ الأحاديث والتسريبات جميعها مؤقتة وافتراضية، مع أن المواطن العراقي الذي تحمل مخاطر الذهاب إلى صناديق الاقتراع للمرة الثالثة خلال عشر سنوات لم يضع في ذهنه من يكون رئيس حكومته المنتخبة، المالكي أو غيره، ما يهمه من يحقق له الأمن والخدمات وأضيف إليها هذه المرة حل أزمة الأنبار ومحاربة الفساد.
شعار التغيير الذي يتحدث به الخطاب الإعلامي لمعارضي زعامة المالكي لولاية ثالثة ليس حقيقيا أو ليس المقصود به تغيير مسار العملية السياسية، لأن من يطرحه اليوم هي ذات القوى الانتخابية وذات الزعامات الشيعية والسنية والكردية التي فازت في انتخابات 2010 مع هامش بسيط وغير مؤثر لبعض الكتل الصغيرة والوجوه الجديدة التي دخلت المنافسة الانتخابية الحالية، وهي ليست ذات تأثير في اللعبة، وإنما ستسد نقصا في استحقاقات الحصص. ولو أن دعاة شعار “التغيير” جادون في ما أعلنوا لقبلوا بلعبة المعارضة المعروفة داخل البرلمان “حكومة الظل” فحينما تكون هناك معارضة قوية ناجحة تكون هناك حكومة قوية ناجحة.
وسبب عدم تبني ذلك ليس جهل العراقيين وإنما لأن من بنى مرتكزات السلطة والنظام السياسي في العراق والذي صمم الدستور هو الاحتلال الأميركي بمبايعة أحزاب الإسلام السياسي الشيعي والكردي، التي سبق أن دخلت قبل عام 2003 في ما سمي (التحالف الكردي الشيعي) حيث قرر الدستور تقسيم العراق إلى مكونات وليس وفق المواطنة والوطن الواحد. كما وزعت وفق تفاهمات هذا التحالف القوي الرئاسات الثلاث (الحكومة شيعية والبرلمان سني ورئاسة الجمهورية كردية) وهذا التحالف ظل قويا في إدارته للعملية السياسية حتى اليوم رغم الاختلالات التي حصلت بين بعض أطرافه بسبب مفردات تفصيلية يمكن الاتفاق على تجاوزها بسهولة.
ما حصل وفق المنظور السياسي داخل البيت الشيعي في السنوات الأربع الأخيرة هو انعدام التوازن بين إدارة العملية السياسية المتمثلة في قوى التحالف الوطني، وبين الإطار الاداري التنظيمي المتمثل في دولة القانون التي يتزعمها المالكي. أي بمعنى أكثر وضوحا هو ادعاء تجاوز المالكي لحاضنته في البيت الشيعي، سواء في صلاحياته أو في هيمنته التي أزعجت أركان ذلك البيت، ولذلك اندفع إلى تنفيذ سياسات لإثبات ولائه لطائفته، إلى درجة خروج بعض عناوين تلك الأركان عن همسها إلى العلن، مما وجد ترحيبا لدى الكتل السياسية المناوئة للمالكي من خارج البيت الشيعي، ولأسباب تكتيكية قد تزول وفقا لمتغيرات الحصيلة الانتخابية.
والجميع يعلم أن مثل هذا التنافس داخل أروقة البيت الشيعي حول ترشيح رئيس الوزراء حصل مرات عديدة خلال عامي 2006 و2010 قبيل كل عملية ترشيح حظي بها المالكي. فالخصومة تتعلق بزعامة الأشخاص وليس بزعامة المشروع من عدمه، ولهذا فإن مرجعيات الإسلام السياسي الشيعي الداخلية وكذلك الخارجية التي لديها الكلمة النهائية وفق حسابات المصالح في المنطقة، هي التي ستحسم نتائج الصراع والاسم النهائي لزعامة رئاسة الوزراء. وفقا لعوامل عديدة تتعلق بالمنظومة الداخلية لهذا البيت، ولن يكون للتحالفات الهامشية أي تأثير في حسم الاسم النهائي حتى وإن كان المالكي ذاته.
أما على صعيد القوائم التي تنسب لنفسها تمثيل العرب السنة، فإن صراعاتها حول الأحجام الأقل، وهي لا تتجاوز بعض الوزارات غير السيادية التي يتمسك بها الأكراد والشيعة، رغم ما يتم تداوله بالحصول على منصب رئيس الجمهورية أمام إصرار الأكراد عليه وتداول اسم هوشيار زيباري لهذه المهمة.
وتتكئ القوى العربية السنية على القيادة الكردية التي تمتلك جميع أوراق المناورة لمن يقدم لها الأفضل في مطالباتها المعلنة في الثروة والسيادة على الأرض. ولهذا فالطرف الأضعف في اللعبة هم العرب السنة الذين وضعوا مصالحهم الخاصة في مقدمة استراتيجيتهم في الحوار مع الأطراف الأخرى، وتظل القوى العابرة للطائفية متواضعة في حجمها لسبب رئيسي هو أن هذا الخط يهدد مصالح القوى الطائفية.
إن معطيات الحاضر وعشر سنوات من فشل العملية السياسية لم تقد إلى تبني مشروع تصحيحي جذري لتغيير مسار تلك العملية، كان يمكن لمهمة التغيير تلك أن تدور حول مقومات بناء الوطن، ومحاربة المنظومة الطائفية التي أنتجت الانتقام والقتل والإقصاء السياسي والطائفي، إلى دولة المواطنة ودولة المؤسسات، تحرّم الطائفية وتشيع السلم بإجراءات وقوانين واضحة. وهذا لم يحدث، فأي تغيير يتحدثون عنه؟
نأت القوى الخيرة داخل العملية السياسية بنفسها عن الدخول في مغامرة الإصلاح لأنها تعرف النتائج ولا تريد فقدان مواقعها. والذي سيحصل بعد تصديق نتائج الانتخابات هو تجديد لون الخيمة لا أعمدتها، أو نقلها ساحة بناء رحب يتسع لجميع الكفاءات والنخب السياسية الوطنية العراقية لخدمة المواطنين دون أي اعتبار مذهبي أو عرقي. المناورات ستكون داخل تلك الخيمة التي لم يتمكن الشعب من تمزيقها واختيار بدائل وطنية لأن القانون المستحكم هو “نظام المحاصصة” والذين يسمونه “نظام الشراكة” وهو نظام فاشل بجميع المعايير.
لا تغيير في الحكم والسلطة في العراق، قادة الفشل سيظلون في مواقعهم رغم تغيير الألوان، وهناك خوف من بقاء مافيات الفساد، عدا استثناءات قليلة للمصلحين وحاملي الهم الوطني، وهم غير قادرين على التغيير.