Haneen
2014-06-03, 01:03 PM
في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
66 عاما على اغتصاب فلسطين
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
أي حق لتقرير مصير اليهود في الكيان؟
بقلم: د . فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
ذكرى نكبة فلسطين
بقلم: فاروق القدومي عن رأي اليوم اللندنية
فلسطين والصراع على الرواية التاريخيّة
بقلم: صالح النعامي عن العربي الجديد
رأي الوطن .. النكبة وتواصل محاولات استكمالها
بقلم: أسرة التحرير عن الوطن العمانية
إنهاء ظاهرة الانقلاب أهم إنجازات «الوحدة الفلسطينية»
بقلم: صالح القلاب عن الشرق الأوسط
عن السلطة والدولة والمنظمة
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الاردنية
«إسرائيل» .. واللعبة المُعقّدة !
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
العنصرية الإسرائيلية.. وخيار المواجهة
بقلم: جيمس زغبي عن السفير البيروتية
66 عاما على اغتصاب فلسطين
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
إسرائيل ليست دولة مثل باقي دول العالم، أي أنها لم تنشأ وفق السياق التاريخي وتطور الدول. جرى إنشاؤها قسرا نتيجة التحالف بين الحركة الصهيونية والاستعمار.. جرى إنشاؤها على أنقاض الوطن الفلسطيني واقتلاع شعبه وتهجيره من أرضه وترحيله إلى دول الجوار. 66 عاما مضت على اغتصاب فلسطين وانشاء الكيان الصهيوني. ما نراه بعد هذه المدة بعد تجارب عديدة في المفاوضات التي كان آخرها مفاوضات التسعة أشهر، نرى أن العدو الصهيوني يزداد تعنتا وصلفا وعنجهية واجراما. ذكرى النكبة لهذا العام تتميز في جملة من الحقائق الإسرائيلية على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، المستندة إلى خلفية أيديولوجية توراتية. هذه الحقائق لو أدركها الساسة الفلسطينيون والعرب لما طرحوا مبادرات سلام مع إسرائيل، ولصاغوا استراتيجية وتكتيكا سياسيا جديدين متوائمين مع هذه الحقائق من حيث مجابهتها، ولعل أبرزها يتخلص في ما يلي:
ان المشروع الصهيوني للمنطقة العربية وبفعل مستجدات واكبت تطور الصراع فيها، وبحكم حقيقة تتمثل في فشل إسرائيل في إقناع غالبية يهود العالم في الهجرة إليها، فإن مشروع إسرائيل في بناء دولتها من الفرات إلى النيل، وإن غاب عن أذهان الساسة (حاليا) باستبداله من الاحتلال الجغرافي إلى السيطرة الاقتصادية، وبالتالي السياسية، لكنه يتعمق في أذهان اليمين الإسرائيلي المرشح لازدياد قاعدة وهرم تأثيره في الحياة السياسية الإسرائيلية.
ان التحولات الجارية داخل إسرائيل مذهلة في استطلاعاتها وكلها تشي بارتفاع نسبة الأصوليين بين اليهود إلى مستويات قياسية عالية، فقد قال بحث أجرته جامعة حيفا ونُشرت نتائجه التي تقول: انه في عام 2025 ستصل نسبة المتدينين اليهود الى ما يزيد عن 50′ من نسبة السكان اليهود وستتراوح بين 62 – 65′ وهذا سيعد انقلاباً هائلاً في الحياة المدنية الإسرائيلية، ليس من حيث تأثيراته في الحياة الاجتماعية ولكن بالضرورة أيضاً بانعكاسه على التداعيات التأثيرية على السياستين الداخلية والخارجية، وتحديداً الصــراع الفلسطيني العربي- الصهيوني.
إن المتتبع لمسيرة الداخل الإسرائيلي يلحظ وبلا أدنى شك، أن إسرائيل تتفنن تماماً في المزاوجة بين القوننة والسياسة بما معناه، أدلجة السياسة الخارجية بقوانين في ما يتعلق بالصراع مع أعدائها، وأدلجة السياسة الداخلية بقوانين تعمل على تحصين إسرائيل من تأثيرات العرب بداخلها من جهة، ومن جهة أخرى تعبّد الأرضية لبقاء هيمنة يهودية، في محاولة استباقية للتغلب على إمكانية قيام أغلبية عربية في إسرائيل (مثلما تشير بعض الاستطلاعات التي تتنبأ بحصول ذلك عام 2025). بالتالي هي تفرض مجموعة من القوانين العنصرية (بقراءاتها الثلاث في الكنيست)، وكانت الأعوام من 2012 – 2014 مميزة في فرض القوانين (منع العرب من الاحتفال بذكرى النكبة، إمكانية سحب الجنسية منهم…الخ) إضافة إلى خلق واقع اقتصادي- اجتماعي في إسرائيل يصبح استمرار العربي في العيش في بلده مستحيلاً وبالتالي فليس أمامه سوى الهجرة.
تحقيق الاعتراف الدولي بـ(يهودية دولة إسرائيل) . الولايات المتحدة اعترفت بذلك، والعديد من الدول الأوروبية مهيأة لهذا الاعتراف ومنها من اعترف.
في ما يتعلق بسقف التسوية مع الفلسطينيين والعرب، جاء الشرط الإسرائيلي الجديد على الجانب الفلسطيني من أجل الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل كشرط مقابل الاعتراف الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية العتيدة، هذا في الوقت الذي تدرك فيه إسرائيل بالمعنيين النظري والعملي أن هذه الدولة (أو لو جرى تسميتها الإمبراطورية) ليست أكثر من حكم ذاتي على القضايا الحياتية لسكانها بعيداً عن أي مظهر من مظاهر السيادة. دولة كانتونات مقطعة الأوصال بلا قدس وبلا عودة للاجئين حتى إليها. أما بالنسبة للعرب فقد أقرت إسرائيل مبدأ السلام مقابل السلام، وليس السلام مقابل الأرض. معروف أن إسرائيل سبق أن رفضت ما يسمى ‘مبادرة السلام العربية’ التي اطلقتها قمة بيروت عام 2002. آخر خطوات نتنياهو أنه سيقونن ‘يهودية الدولة ‘ بقرار اساس في الكنيست.
ثبت بالملموس أن إسرائيل ترفض في صميم الأمر حل الدولتين، فهي ترى في وجود الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة (على شاكلة الدول كافة) نقيضاً لوجودها. من جانب آخــــر فإن تحقيق شعار يهـــودية الدولة يقطع الطريق على كافة الحلول المطروحة الأخــــرى، الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة، الدولة ثنائية القومية، وحتى حل الدولة لكل مواطنيها.
في الذكرى 66 للنكبة يمكن القول إن عودة الحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية من إسرائيل لن تتحقق ضمن الاعتراف الإسرائيلي بها، وإنما تصبح واقعاً عندما يجري فرضها على هذه الدولة الصهيونية المشبعة بالتعاليم التوراتية فرضاً! وهذا لن يتأتى الا بانتهاج خيار استراتيجي يعتمد عل القوة من قبل الفلسطينيين والعرب، فلقد ثبت بالشكل القاطع أن إسرائيل لا تستجيب للغة التفاهم والحوار والمفاوضات، وانما فقط للغة القوة.
أي حق لتقرير مصير اليهود في الكيان؟
بقلم: د . فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
تستوقف المرء عبارة "حق تقرير المصير للمجموع اليهودي في إسرائيل" . جاءت هذه الجملة في برنامج أحد الأحزاب العربية في فلسطين المحتلة . كما ترددت العبارة على ألسنة قادته وبخاصة عند الدفاع عن مواقف الحزب أمام القضاء "الإسرائيلي" والمحكمة المعنية بإجازة الكتل السياسية أو منعها من دخول الانتخابات التشريعية للكنيست .
بالنسبة للفلسطينيين فالحزب مع "تقرير المصير للشعب الفلسطيني في منطقة 1967" . وبغض النظر عن مدى قناعة الحزب بهذه السيادة المتعلقة بتقرير مصير المجموع اليهودي في منطقة ،1948 أو أنها جاءت كسبب من أجل دخول الانتخابات أسوة بالقوائم العربية الأخرى التي تدعو في معظمها إلى حل دولتين لشعبين، فإن السؤال الذي يبرز هل يجوز استعمال هذا التعبير فيما يتعلق باليهود في "إسرائيل"؟ وحقهم في تقرير مصيرهم؟
حق تقرير المصير كمفهوم استُهل في عام ،1526 لكنه لم يجد تطبيقه الفعلي إلا في بيان الاستقلال الأمريكي المعلن في 4 يوليو ،1776 وبعدها أقرّت به الثورة الفرنسية في عام ،1789 كما ضمنه الرئيس الأمريكي ولسون في نقاطه ال(14) التي أعلنها بعد الحرب العالمية الأولى، وأقرّت الدول المتقاتلة حينها بأهمية تأسيس دولة، أمة جديدة في أوروبا بعد انهيار الإمبراطورية النمساوية المجرية، والقيصرية الألمانية . تعزز هذا المفهوم في فترة لاحقة من القرن ال،20 كان هذا المبدأ في أساس سياسة إزالة الاستعمار التي سعت إلى تأسيس دولة مستقلة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية .
أما من حيث تعريف حق تقرير المصير وفقاً للمعاجم اللغوية ومن وجهة نظر القانون الدولي فهو "مصطلح في مجال السياسة الدولية والعلوم السياسية"، ويشير إلى حق كل مجتمع ذات هوية جماعية متميزة، مثل شعب أو مجموعة عرقية وغيرهما، بتحديد طموحاته السياسية وتبني النطاق السياسي المفضل له من أجل تحقيق هذه الطموحات، وإدارة حياة المجتمع اليومية، وهذا يتم من دون تدخل خارجي أو قهر من قبل دول وشعوب أو منظمات أجنبية أخرى .
الشيوع الفعلي لحق تقرير المصير كان بعد الحرب العالمية الأولى، فقد شاعت الفكرة أن المجتمع الذي يحق له تقرير المصير هو مجموعة من الناس الناطقين بلغة واحدة وذوي ثقافة مشتركة والعائشين في منطقة معينة ذات حدود واضحة . كذلك شاعت الفكرة أن ممارسة حق تقرير المصير عن طريق إقامة دولة، أمة فإذا عاش في منطقة مجموعة أناس ذات لغة وثقافة مشتركتين يمكن اعتبارها قوماً أو شعباً، ويمكن إعلان المنطقة دولة مستقلة أو محافظة حكم في إطار دولة فيدرالية .
وبإخضاع العبارة المعنية لمبدأ "حق تقرير المصير" فإنه لا يجوز لليهود "الإسرائيليين" حق تقرير المصير وإقامة دولة خاصة بهم، وذلك لجملة أسباب من أبرزها أن الأغلبية العظمى من "الإسرائيليين" لم يكونوا قد سكنوا فلسطين قبل الهجرات اليهودية المقصودة إليها، بعد المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في بازل عام ،1897 في بداية القرن العشرين بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين من مختلف بلدان العالم، من أوروبا بجزئيها الشرقي والغربي ومن الولايات المتحدة ومن آسيا ودول عديدة أخرى بما في ذلك دول عربية كالعراق واليمن ومصر والدول العربية في شمال إفريقيا ومن لبنان وسوريا وغيرهما . هؤلاء المهاجرين افتقدوا ولايزالون للثقافة الواحدة، والأصول الواحدة، وللغة الواحدة (التي يجري تعليمها لمعظم المهاجرين بعد هجرتهم إلى "إسرائيل") كما أن هؤلاء يفقتدون إلى التاريخ المشترك وهو العامل الضروري في وحدة المجتمع، والأصول الواحدة .
هذا عدا عن أن اليهودية هي دين ولا ينطبق عليها مفهوم الشعب، الأمة، القومية . (المجتمع) تشكل قسراً من مجموعات إثنية وعرقية مختلفة، ورغم مرور ما يقارب من السبعة عقود على إنشاء الكيان الصهيوني فإن هذه التجمعات لا تزال منفصلة بعضها عن بعض، فالروس على سبيل المثال لا الحصر يعيشون في مناطق خاصة بهم، والعراقيون في أحياء خاصة، وهناك أيضاً التمييز العنصري ضد الفلسطينيين العرب، وضد فئات معينة من اليهود كالفلاشا، واليهود القادمون من الدول العربية . أما بالنسبة ليهود أوروبا فهناك فارق بين اليهود الآتين من دول أوروبا الغربية والآخرين من دول أوروبا الشرقية . هذا ما لا نقوله نحن وإنما أيضاً مصادر "إسرائيلية" .
العبارة لا تنطبق على اليهود "الإسرائيليين" أيضاً، لأن دولة الكيان الصهيوني جاءت على حساب اقتلاع شعب آخر من أرض فلسطين هو الشعب الفلسطيني، وذلك بالقوة وارتكاب المجازر البشعة ضده في كل أنحاء فلسطين المحتلة عام ،1948 وإجبار الناس على ترك أراضيهم ومدنهم وقراهم، بالتالي لا يمكن ولا بأيّ شكل من الأشكال مجرد التفكير بإعطاء اليهود في منطقة 48 حق تقرير المصير . فهم الجلادون الذين يحتلون الأرض الفلسطينية، والذين ما زالوا يحتلونها، فكيف المساواة بين الجلادين وبين الضحية الذي هو أبناء الشعب الفلسطيني؟ السؤال الثاني هل استطاعت كافة القوائم الحزبية العربية تغيير أي جزءٍ فرعي من قانون من جملة القوانين "الإسرائيلية" منذ عام 1948 وحتى اللحظة؟ هذا يلقي الضوء على ما يعتقده البعض (جني فوائد) من المشاركة العربية في انتخابات الكنيست؟! العكس من ذلك الكيان الصهيوني يستغل وجود نواب عرب في الكنيست للتشدق "بديمقراطية" دولة الكيان، رغم كل أشكال التمييز العنصري البشع الممارس من قبل الكيان ضد أهلنا في منطقة 1948 .
إن الاعتقاد "بحق تقرير المصير للمجموع اليهودي في الكيان" هو مسألة خاطئة، والجملة بعيدة عن العملية السياسية . لقد أقرّت الأمم المتحدة للشعب الفلسطيني بحقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، من خلال قرارات كثيرة صدرت بهذا الشأن، ومن الخطأ المساواة بين الضحية والجلاد .
ذكرى نكبة فلسطين
بقلم: فاروق القدومي عن رأي اليوم اللندنية
في مثل هذا اليوم منذ ست وستين عاماً تعرّض شعبنا الفلسطيني لظلم تاريخي على يد الغزاة الصهاينة وبدعم سياسي ومادي وعسكري من بريطانيا والولايات المتحدة ودول أوروبية، بتشريده من وطنه فلسطين إلى الدول المجاورة، حيث ما زال يعيش الغربة وفي ظروف بالغة القسوة، ينتظر العودة إلى مدنه وقراه في وطنه فلسطين وفق ما أقرته الشرعية الدولية متجسداً في القرار 194، ومنذ ذلك التاريخ يمارس الكيان الصهيوني عدوانه المتواصل على ما تبقى من أرض فلسطين، وأراضي البلدان العربية المجاورة، ممّا أبقى المنطقة كلها في أجواء التوتر وعدم الاستقرار، وجسّد المشروع الصهيوني بصفته مشروعاً عنصرياً منافياً للسلام في هذه المنطقة.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونشوب حرب الخليج الثانية وتسلط الولايات المتحدة، رأت الإدارة الأمريكية آنذاك الوقت المناسب لبدء ما اصطلح عليه بالعملية السياسية للتسوية في الشرق الأوسط تحت شعار “الأرض مقابل السلام”، ممّا اقتضى إخماد الانتفاضة الفلسطينية الوطنية الأولى، فانعقد مؤتمر مدريد وما تلاه من مؤتمرات ولقاءات سرية متتالية تمخضت عنها اتفاقية “أوسلو” المشؤومة، رفضت إسرائيل وما تزال تنفيذها مستخدمة إياها لممارسة أبشع أشكال القمع والقهر، إضافة إلى إرهاب الدولة المنظم وابتلاع ما تبقى من أرض فلسطين، فارضة كل ذلك كأمر واقع.
على الرغم من عدم ثقة واطمئنان شعبنا لمصداقية العدو الإسرائيلي فقد أعطت القيادة الفلسطينية في الأرض المحتلة فرصة واسعة للنوايا الحسنة ورغبة دول عربية وأخرى صديقة باستمرار الحوار والمفاوضات التي أثبتت لاحقاً أنها وهم وسراب، ممّا أدى إلى نفاذ صبر شعبنا الفلسطيني، فباشر بإجماع وطني شامل في انتفاضته الوطنية الثانية معلناً إصراره الذي لا يتزعزع على دحر الاغتصاب والاحتلال البغيض وطرد قطعان المستوطنين من أرضه وعلى تجسيد ثوابته الوطنية وفي مقدمتها عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم فلسطين وحقهم في تقرير المصير بإقامة دولة فلسطين وعاصمتها مدينة القدس.
وهنا يقتضي من الإخوة العرب تجسيداً على الأرض لحقيقة وحدة الدم والمصير، ولشعار التضامن العربي ودعم المقاومة وصمود شعبنا الفلسطيني في وجه الغزاة، فلا يجوز أن يترك الشعب الفلسطيني وحيداً في مواجهة هذا العدو العنصري، بل اصبح من الضروري إيقاف كل العلاقات الدبلوماسية والتجارية وغيرها، وعدم التعاون والتنسيق معه لضرب وتدمير الحلم العربي، والقوى الوطنية الحية المؤمنة بالمقاومة والتحرير الكامل ولاستيلاب الأرض وتدنيس الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية.
لهذا نقولها بصراحة ليس أمامنا إلا الانتفاضة والمقاومة سبيلاً للخلاص والانعتاق والحرية، خاصة ان العدو الصهيوني ومساندته قد أغلقوا الأبواب الشرعية الدولية والقانون الدولية ومزقوا إرادة المجتمع الدولي، فمعكم يا جماهيرنا الصامدة أشقاءكم في كل الأقطار العربية، فأنتم لستم وحدكم في مقاومتكم للموجة الأخيرة من الغزوة الصهيونية الاستعمارية التي تستهدف أرضكم كما تستهدفكم، أهلكم في الشتات والمنافي معكم في خندق المواجهات، وأهلكم في الشطر المحتل من وطننا فلسطين أكدوا مشاركتهم لكم، فوحدة الدم والمصير والهوية لم تتمكن عقود الاغتصاب والاحتلال العجاف من طمسها، أو تفكيك نسيجنا الاجتماعي الخلاّق.
ونحن نعيش ذكرى النكبة المؤامرة الأليمة، وإخراج أهلنا قسراً بالترهيب والقتل وارتكاب هولوكوست جديد بأيدي عصابات الإرهاب الصهيونية، فإننا اليوم أشد عزماً وإصراراً على استرداد الأرض والحق وعودة كل الأهل إلى وطنهم المغتصب وديارهم واملاكهم، ويحذونا الأمل بتصفية الخلافات التي أدت إلى الانقسام اللاوطني من قبل بعض الأطراف التي أدركت أخيراً كِبَر المسؤولية الوطنية والخطر المحدق على قضية الأرض والشعب، ولعلهم يصدقون.
ندعو الله ان تصفى القلوب وتسود النوايا الحسنة لإعادة اللحمة الوطنية والسير معاً وأخذ زمام المبادرة بالمقاومة والنضال الشعبي لتحقيق التحرير والنصر.
وصدق شاعر تونس الكبير أبو القاسم الشابي حين قال:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ ان يستجيب القدر
ولا بّد لليل ان ينجلي ولا بّد للقيد أن ينكسر
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
الحرية والعزة لأسرانا البواسل
وعاشت فلسطين
فلسطين والصراع على الرواية التاريخيّة
بقلم: صالح النعامي عن العربي الجديد
تستعر الحرب التي يشنّها الصهاينة في محاولاتهم تحصين روايتهم التاريخية، وتزداد ضراوة، لا سيما مع احتفالهم بحلول الذكرى السادسة والستين لنكبة فلسطين وإعلان كيانهم. وكان جديد أدوات هذه الحرب مشروع قانون أساس "الدولة اليهودية" الذي تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتمريره في الكنيست خلال الصيف، وتنص مادته الأولى على أن "أرض إسرائيل هي الأرض التاريخية للشعب اليهودي"، أي نفي أي حق للشعب الفلسطيني على هذه الأرض، أو جزء منها. لكن محاولات تحصين الرواية لا تقف عند سَنّ هذا القانون، بل وصلت إلى حد اتخاذ وزير التعليم الإسرائيلي، الحاخام شاي بيرون، قبل أيام، قراراً بدعم من نتنياهو وتشجيعه، يقضي بـ"إحداث ثورة" في مجال تعليم "التناخ" (العهد القديم)، وتضمينه مناهج التعليم لكل المستويات التعليمية، لا سيما في مدارس التيار التعليمي العام، التي يؤمّها العلمانيون خصوصاً. ولم تفت بيرون الإشارة إلى أنه سيتم التركيز على تدريس مركبين أساسيين من مركبات "التناخ" الثلاثة، هما: "الأنبياء" و"الأدبيات"(خوتفيم)، اللذان يُعنيان، بشكل خاص، بسرد الرواية التاريخية التي استندت إليها الحركة الصهيونية في نسج مسوّغاتها لاغتصاب فلسطين.
ومن الواضح أن نتنياهو يأمل، في محاولته تحصين الرواية الصهيونية، إضفاء شرعية على الموقف الصهيوني من الصراع، ولتبرير رفضه مشاريع التسوية التي تطرح بين فينة وأخرى، والتي كان جديدها الخطة التي قدمها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري. ففي خطابه أمام مؤتمر "إيباك"، أخيراً، زعم نتنياهو أنه في كل ما يتعلق بالملكية على أرض فلسطين، وتحديداً في الضفة الغربية، هناك "حقيقة تاريخية واحدة". فحسب نتنياهو، الخليل هي: "مدينة الآباء التي اشترى فيها إبراهيم مغارة"، والقدس: "صخرة وجودنا التي حكم داود مملكته منها"، في حين أن "بيت إيل" (مستوطنة شمال رام الله) تمثّل: "المكان التي حلم فيها يعقوب حلمه". ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل تطالب إسرائيل علناً بفك الارتباط مع روايتهم التاريخية، وقبول الرواية الصهيونية.
وواضح أن حرص نتنياهو، ونُخَب الحكم في تل أبيب، على تكريس "الحقيقة التاريخية الواحدة"، لا يهدف إلى إبراز "حجم الثمن" الذي يبدون استعدادهم لدفعه من أجل تسوية سياسية للصراع، بل، تحديداً، لتبرير رفض إبداء أية تنازلات حقيقية. من هنا، يتعهّد نتنياهو، مجدداً، أمام نواب حزبه الليكود، بعدم إخلاء أية مستوطنة من المستوطنات المقامة في الضفة الغربية، ومواصلة الاحتفاظ بمنطقتي "القدس الكبرى"، و"غور الأردن"، في أية تسوية سياسية. وتبعات قبول الرواية التاريخية الصهيونية لا يتحملها الفلسطينيون، في الضفة الغربية وقطاع غزة واللاجئين في الشتات الذين يتوجب عليهم التنازل عن حقهم في العودة، بل إن نخب الحكم في إسرائيل ترى أن "الحقيقة التاريخية الواحدة" تبرّر السعي إلى تحقيق "النقاء العرقي" عبر التخلّص من فلسطينيي 48، وهو ما تعبّر عنه خطة "تبادل الأرض والسكان" التي يتشبّث بها وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، والذي يدّعي أن القانون الدولي يجيز نقل فلسطينيي 48 إلى مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة، حتى بدون موافقتهم (جيروزالم بوست،27/3/2014). والتسليم بـ"الحقيقة التاريخية الواحدة" يعني قبول واقع التمييز على أساس عنصري الذي يتعرض له فلسطينيو 48، بحجة أن "الدولة اليهودية" تسدي لهم معروفاً، لمجرد قبول بقائهم في تخومها. لذا، لا يفترض أن يحتج أحد، عندما تكشف دراسة إسرائيلية حديثة أن مستوى الخدمات التي يحصل عليها فلسطينيو 48 تقل بنسبة 60% عن التي يحصل عليها اليهود (ذي ماركر، 10/3/2014).
"
الإصرار على "الحقيقة التاريخية" يعني، بالنسبة للنخبة الإسرائيلية الحاكمة، صهينة الوعي الجمعي للفلسطينيين. فوزير الاستخبارات والعلاقات الدولية، يوفال شطاينتس، يرى أن إعادة صياغة مناهج التعليم الفلسطينية مطلب مهمّ حتى قبل مجرّد الشروع في بحث قضايا التسوية الرئيسة
"
الإصرار على "الحقيقة التاريخية" يعني، بالنسبة للنخبة الإسرائيلية الحاكمة، صهينة الوعي الجمعي للفلسطينيين. فوزير الاستخبارات والعلاقات الدولية، يوفال شطاينتس، يرى أن إعادة صياغة مناهج التعليم الفلسطينية مطلب مهم حتى قبل مجرد الشروع في بحث قضايا التسوية الرئيسة. ويضيق شطاينتس ذرعاً بمادة الجغرافيا، على وجه الخصوص، لأنها تكرس، لدى النشء الفلسطيني، الشعور بالحق المطلق على فلسطين من خلال دراسة خارطة فلسطين وتضاريسها. ويعدّ شطاينتس مناهج التعليم الفلسطينية "تحريضاً"، يجب أن يتوقف. والمفارقة أنه تمكن من إقناع لجنة الموازنة في مجلس الشيوخ الأميركي بالربط بين المساعدات الأميركية المالية للسلطة ووقف هذا "التحريض". من هنا، لم يخطئ المفكر اليهودي، زئيف شترينهال، عندما عدّ أي اعتراف فلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية "أوضح إقرار فلسطيني بالهزيمة التاريخية".
يشتد الصراع على الرواية التاريخية في الوقت الذي ينضمّ فيه تحديداً مزيدٌ من المؤرخين اليهود إلى أولئك الذين يفنّدون الرواية التاريخية الصهيونية. ففي كتابه الأخير: "نظرية سياسية للشعب اليهودي"، ينسف المؤرخ اليهودي، حاييم غانز، الرواية التاريخية الصهيونية، ويقدم حجة بسيطة، لكنها متماسكة ومنطقية، ويقول: "إذا غاب اليهود عن بلاد إسرائيل ألف عام وأكثر، حيث كانوا منشغلين أساساً في الحياة خارج حدودها، فكيف بإمكانهم أن يدّعوا أنهم كانوا أصحابها في الزمن العتيق، وظلوا كذلك حتى في زمن انقطاعهم عنها".
إن التشريع الذي يوشك نتنياهو على سنّه وجملة الإجراءات الهادفة لتحصين الرواية الصهيونية تشي، أكثر من أي شيء آخر، بتهافت الرواية التاريخية الصهيونية، وتفضح الإحساس العميق بغياب المشروعية، علاوة على أنها تعكس ضعفاً، وانعدام ثقة.
رأي الوطن .. النكبة وتواصل محاولات استكمالها
بقلم: أسرة التحرير عن الوطن العمانية
اليوم الخامس عشر من مايو، وفي مثل هذا اليوم من عام 1948م أرادت قوى الاستكبار والاستعمار العالمي أن تكتب تاريخًا مغايرًا للشعب الفلسطيني، تاريخًا ملطخًا بدماء العرب والكوارث والنكبات والتهجير والفصل العنصري، تاريخًا لم ترد تلك القوى أن تدخل منعرجات نكباته فلسطين وحدها فحسب، بل المنطقة بأسرها.
واليوم يحيي الفلسطينيون الذكرى السادسة والستين على النكبة التي رزئت بها الأمتان العربية والإسلامية باغتصاب أرض فلسطين وتدنيس مقدساتها، وإبادة شعبها العربي المسلم، وإقامة قوى الاستعمار كيان الاحتلال الإسرائيلي على أنقاضها، ففي مثل هذا اليوم شهدت هاتان الأمتان النكبة الفلسطينية التي كانت إيذانًا بالبدء في أكبر عملية تطهير عرقي وتدمير وطرد لشعب أعزل وإحلال قطعان جلبت من أوروبا والولايات المتحدة مكانه والتي أسست لها مؤامرة وعد بلفور المشؤوم عام 1917م.
وفي تفاصيل النكبة ـ حسب البيانات الرسمية الفلسطينية الموثقة ـ وما تلاها من تهجير وحتى احتلال ما تبقى من أراضي فلسطين في عام 1967م ويجري استكمال احتلالها، تم تشريد نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، فضلًا عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم رغم بقائهم داخل نطاق الأراضي التي أخضعت لسيطرة كيان الاحتلال الإسرائيلي، وذلك من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948م في 1.300 قرية ومدينة فلسطينية. وحسب البيانات الموثقة، سيطر المحتلون الصهاينة خلال النكبة على 774 قرية ومدينة، حيث قاموا بتدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية، كما اقترفت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من سبعين مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين وأدت إلى استشهاد ما يزيد عن خمسة عشر ألف فلسطيني خلال فترة النكبة.
وبعد مرور ستة وستين عامًا على هذه النكبة، فإن النهج الإسرائيلي القائم على التطهير والاقتلاع والتهجير والتهويد والتدنيس يمضي وفق ما هو مخطط له، بل إن وتيرته تسارعت ـ ولا تزال ـ في ظل المفاوضات الأخيرة التي خرجت من رحم مؤامرة ما سمي “الربيع العربي” حيث كانت الإرادة الصهيو ـ أميركية تتجه نحو استغلال حالة الفوضى والإرهاب المركبة في جسم مؤامرة “الربيع العربي”، وتوظيف العلاقة العضوية بين الصهيو ـ أميركي والجماعات الإرهابية المسلحة التي بلورتها هذه المؤامرة والتي تدمر الدول المحورية الكبرى، في تحقيق الأحلام التلمودية وفق المخطط القاضي بإعادة رسم خريطة المنطقة وتنصيب كيان الاحتلال الإسرائيلي شرطيًّا عليها، وبالتالي حق التحرر والاستقلال للشعب الفلسطيني وحقه في الوحدة وإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة أمر مرفوض صهيو ـ أميركيًّا، وبات من الخطوط الحمراء والمحرمات على الفلسطينيين. بل سعيًا لتكريس جميع أشكال الظلم والانتهاكات وجرائم الحرب، يستمر المحتلون الصهاينة في تقويض أساسات الدولة الفلسطينية وسرقة ما تبقى من الأرض الفلسطينية، رافضين كل الأعراف والقوانين الدولية، وقرارات الشرعية الدولية، ملوحين بما يسمى “يهودية كيانهم المحتل” في وجه الفلسطينيين لابتزازهم ولطمس الحق الفلسطيني وإلغاء الدور الصهيو ـ غربي التآمري لإنجاز مؤامرة اغتصاب فلسطين ومحو هذا الدور وجميع الممارسات الاحتلالية الاستعمارية من الذاكرة العربية والفلسطينية.
إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمل لا يزال يحدو الفلسطينيين والعرب جميعًا في إنجاز ما بدأته قيادات حركتي فتح وحماس بشأن المصالحة وتفعيل عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، فهذا هو الرد المناسب على مؤامرات المحتلين الصهاينة ومراوغاتهم وعلى المواقف السلبية الممالئة لحلفائهم وداعميهم.
إنهاء ظاهرة الانقلاب أهم إنجازات «الوحدة الفلسطينية»
بقلم: صالح القلاب عن الشرق الأوسط
رغم أن الوحدة الوطنية، بين منظمة التحرير وحركة «حماس»، حققت، فعلا، الكثير مما يحتاجه الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الصعبة والمصيرية فإن أهم إنجازاتها، حسب الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، هي أنها من المفترض أن تنهي أول ظاهرة انقسامية فلسطينية على كل هذا المستوى من الخطورة وهي بروز دولة في غزة إلى جانب السلطة الوطنية التي مقرها الآن مدينة رام الله في الضفة الغربية والتي كانت ولايتها قبل عام 2007 تمتد إلى «القطاع» بكل مؤسساتها وهيئاتها.. وكل شيء.
لقد بقيت الحالة الفلسطينية، وبخاصة بعد انفجار ظاهرة العمل الفدائي المسلح في أعقاب هزيمة يونيو (حزيران) عام 1967، تعاني من الانشقاقات الكثيرة ومن التعددية المربكة وهذا بقي سائدا ومستمرا حتى بعد الاعتراف العربي، في قمة الرباط الشهيرة عام 1974، بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، فبعض الأنظمة العربية «اخترعت» في ذلك الحين ما يسمى «جبهة الرفض» التي ضمت التنظيمات المحسوبة على العراق وعلى جماهيرية معمر القذافي وأيضا على سوريا حافظ الأسد وكان الهدف منع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) من التعاطي مع بوادر الحلول السلمية التي كانت ظهرت بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973.
كانت هذه الدول الثلاث، وفي مقدمتها سوريا، تخشى أشد الخشية من أن يلتحق عرفات بالمسار الذي اتخذه الرئيس المصري الأسبق أنور السادات وأن تنضم منظمة التحرير إلى توجهات كامب ديفيد وبعد ذلك إلى مفاوضات «مينا هاوس» الشهيرة بالقاهرة فبادرت إلى إنشاء جبهة الرفض هذه التي ضمت أساسا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (جورج حبش) والجبهة الشعبية - القيادة (أحمد جبريل) وجبهة التحرير العربية وتنظيمات ثانوية أخرى لا قيمة لها، كما أنها بادرت إلى الدعوة لعقد قمة بغداد الشهيرة التي كانت بمثابة «مظاهرة» احتجاج على العملية السلمية التي كانت بدأتها مصر بمفاوضات كامب ديفيد. ثم وإن المعروف أن حافظ الأسد بذل جهودا مضنية بعد خروج «المقاومة» من بيروت وأنه شارك في حصار (أبو عمار) في مخيمات طرابلس اللبنانية عام 1983 لاستبدال منظمة جديدة وبقيادة غير قيادة عرفات بمنظمة التحرير، وكل هذا كان بهدف منع الفلسطينيين من الذهاب إلى عملية السلام وترك سوريا وحيدة لا تملك أي أوراق ضاغطة على الإسرائيليين وبالطبع فإن أهم هذه الأوراق سابقا ولاحقا وحتى الآن هي الورقة الفلسطينية.
لقد فشلت محاولة حافظ الأسد تلك لأسباب كثيرة من بينها رفض الاتحاد السوفياتي (السابق) لها بل ومقاومتها من خلال الضغط على بعض الفصائل الفلسطينية التي تعتبر يسارية وتدور في فلك موسكو، ومن بينها أيضا أن الدول العربية كلها باستثناء جماهيرية القذافي ألقت بثقلها إلى جانب عرفات الذي كان تلقى دعما عربيا رئيسا في قمة فاس الثانية في سبتمبر (أيلول) 1982 بصدور خطة السلام التي صدرت عنها وبالعزلة التي فرضت على الرئيس السوري خلالها ثم بعد ذلك باحتضان الأردن للمجلس الوطني الذي انعقد في عمان نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1984.
وهكذا وبالعودة إلى الحديث عن خطوة الوحدة الوطنية التي أهم ما فيها، أنها ستضع حدا لأخطر انقسام ضرب العمل الوطني الفلسطيني منذ انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965، فالانقلاب الدموي والبشع الذي نفذته «حماس» في غزة في 2007 والذي أنهى الوجود العلني لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية وحركة «فتح» هناك كان انقلابا إيرانيا وسوريا تم تنفيذه تحت عنوان «فسطاط المقاومة والممانعة» والهدف هو منع الرئيس محمود عباس (أبو مازن) من الاستمرار بعملية السلام التي كانت بدأت في مفاوضات أوسلو الشهيرة وتنفيذ القرارات التي أسفرت عنها هذه المفاوضات.
كان بشار الأسد، على خطى أبيه حافظ الأسد، يخشى من التحاق الفلسطينيين بعملية السلام وإنجاز حل، يتركه يواجه الإسرائيليين وحده وكانت إيران، التي أعلنت قبل أيام قليلة على لسان أحد رموزها أن حدودها الغربية أصبحت على شواطئ المتوسط، تسعى لإنجاز هلال نفوذها في هذه المنطقة العربية بحاجة إلى رأس جسر في غزة يقابل رأس جسرها اللبناني فكان ذلك الانقلاب الخطير الذي نفذته حركة «حماس» بإشراف الحرس الثوري الإيراني والمخابرات السورية.
ولعل ما أعطى هذا الانقلاب، الذي دق إسفينا في الوحدة الفلسطينية، البعد الأكثر خطورة هو أنه حقق ما أراده الإيرانيون وأراده نظام بشار الأسد وأنه احتضن من قبل الإخوان المسلمين وفي مقدمتهم «الإخوان المصريون» وأنه احتضن من قطر وأيضا من قبل مصر في العام المظلم الذي أصبح فيه محمد مرسي (الإخواني) رئيسا لمصر.
لقد بذلت جهود مضنية لرأب هذا الصدع، الذي ضرب الساحة الفلسطينية في أسوأ الظروف وأخطرها والذي اتخذته إسرائيل حجة للتهرب من استحقاق العملية السلمية، وكانت هناك مفاوضات «ماراثونية» فلسطينية - فلسطينية تنقلت بين عواصم عربية كثيرة أسفرت عن اتفاق مكة المكرمة واتفاق القاهرة وبيان الدوحة.. لكن كل شيء بقي على ما هو عليه ولم يتم التقدم ولو بمقدار خطوة واحدة وذلك لأن القرار لم يكن لا بيد خالد مشعل ولا بيد إسماعيل هنية وإنما بيد قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وبيد بشار الأسد وكل هذا كان يتم تحت غطاء «فسطاط المقاومة والممانعة» الذي ما لبث أن عصفت به الرياح، أولا، باندلاع الثورة السورية المباركة، وثانيا، بسقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر وتحول هذه «الجماعة» إلى جماعة إرهابية باتت مطلوبة ومطاردة.
ولهذا فإن «حماس»، بعد ما فقدت جدارها الصلب، الذي كانت تتكئ عليه، بسقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر، وجدت أنها باتت مجبرة على الذهاب هرولة ودون شروطها التعجيزية السابقة إلى الوحدة الوطنية وعلى أساس اتفاق القاهرة وبيان الدوحة اللذين ينصان على فترة انتقالية تشرف عليها حكومة «تكنوقراط» غير «فصائلية» برئاسة محمود عباس تكون مهمتها الأساسية إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال الشهور الستة المقبلة بعد تشكيل هذه الحكومة الانتقالية مباشرة.
وحسب المعلومات المؤكدة فإن تشكيل هذه الحكومة، التي ستكون برئاسة محمود عباس حتما، سيكون خلال الأسبوع المقبل وعندها، فإن الانقسام بين الضفة الغربية وغزة يجب أن يعتبر منتهيا وإن رأس الجسر الإيراني على شواطئ «القطاع» من المفترض أن يزول فورا وأنه سيتم طي هذه الصفحة الحالكة السواد وسيتم نزع كل الحجج التي كان يتذرع بها الإسرائيليون للتهرب من عملية السلام ومن استحقاقات الدولة الفلسطينية المستقلة.
وهنا وفي النهاية فإنه لا بد من الإشارة إلى مسألتين مهمتين؛ الأولى، أن أبو مازن بصلابة موقفه ضد الإسرائيليين والأميركيين وبرفعه لشعار «إن الوحدة الوطنية يجب أن تجب ما قبلها.. وأنه لا ضرر ولا ضرار» هو عمليا وفعليا بطل هذه الوحدة، فهو من تحمل ما لا تتحمله رواسي الجبال من «تطاولات» بعض قادة «حماس» ومن تآمر إيران ونظام بشار الأسد وأيضا من ألاعيب الإخوان المسلمين ومعهم بعض الدول العربية، وهو من أصر ولا يزال على متابعة هذه الخطوة حتى النهاية. الثانية: إنه غير مطلوب لا من حركة «حماس» ولا من حركة «فتح» الاعتراف بإسرائيل وبيهودية الدولة الإسرائيلية فهذه هي مسؤولية منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني التي هي من يتولى المفاوضات مع الإسرائيليين ومع الولايات المتحدة والتي يعترف بها العالم بغالبية دوله كدولة لها ممثليات دبلوماسية (سفارات) في عواصم هذه الدول ولذلك وبالنتيجة فإنه يمكن الجزم حتى الآن بأنه لا تراجع عن هذه الخطوة لا من قبل الرئيس عباس ولا من قبل حركة «فتح» ومنظمة التحرير ولا أيضا من قبل «حماس» التي من المفترض أن تعود، بعد هذه الخطوة، عن هرولتها الأخيرة إلى إيران وأن تنهي علاقتها التنظيمية بالإخوان المسلمين وتنظيمهم العالمي وتتحول إلى حركة وطنية فلسطينية لا ارتباط لها إلا الارتباط الفلسطيني.
عن السلطة والدولة والمنظمة
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الاردنية
يُملي الاعتراف الأممي بفلسطين، دولة غير عضو في الأمم المتحدة، على الفلسطينيين إعادة التفكير في أمر الاستحقاق الانتخابي “المركب” المقبل ... فالانتخابات الرئاسية يجب أن تأخذ مضموناً جديداً، ينسجم مع منطوق القرار الأممي، لتصبح انتخابات لـ “رئاسة دولة فلسطين”، بدلاً عن “رئاسة السلطة الفلسطينية” ... والمجلس التشريعي هو برلمان الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال ... وشيئاً فشيئاً يتعين دفع مكانة السلطة إلى الخلف، لصالح الدولة، سيما في ضوء انسداد أفق التفاوض مع إسرائيل، وتراجع خيار “حل الدولتين”.
يبقى السؤال، عمّا إذا كانت إسرائيل ستسمح بذلك أم لا؟ ... لو ترك الأمر لإسرائيل، لما سمحت للفلسطينيين بشرب الماء واستنشاق الهواء ... العالم بغالبيته الساحقة، اعترف بالدولة الفلسطينية، ولم تخرج عن هذه القاعدة سوى دولة الاحتلال وحليفتها الاستراتيجية، وقلة قليلة من الدول التابعة والجزر المغمورة ... إذن، هي معركة، يتعين على الفلسطينيين خوضها بكل اقتدار وإصرار.
ويجب أن يكون واضحاً، اليوم، وليس غداً، أن ولاية هذه الدولة الديموغرافية، لا تقتصر على سكان الضفة والقطاع المحتلين والمحاصرين ... ولايتها الديموغرافية تمتد بامتداد الشتات واللجوء الفلسطينيين، وكل من يرغب من الفلسطينيين في حمل جنسية هذه الدولة وجواز سفرها، يجب أن يُمَكن من ذلك، حتى وإن كانت “الولاية الجغرافية” للدولة محصورة في حدود الرابع من حزيران عام 1967، فوحدة الشعب الفلسطيني في المحتل من وطنه وفي دنيا اللجوء والشتات، ثابت من ثوابت العمل الوطني الفلسطيني، لا يجوز التفريط بها بحال من الأحوال، حتى وإن اقتضت الضرورة، اعتماد “تكتيكات” تراعي بعض “الحساسيات” في عدد من الدول العربية أو الأجنبية.
هناك ملايين الفلسطينيين في خارج فلسطين، ما زالوا “بلا جنسية”، أو “بدون” ... لديهم وثائق سفر خاصة تصدر عن الدول المضيفة ... منهم مليون فلسطيني في سوريا ولبنان، وأكثر منهم (مليون وربع المليون) فلسطيني في الأردن من غير حملة الجنسية والأرقام الوطنية الأردنية ... وهناك مئات ألوف “الغزيين” في شتى أصقاع الأرض، ممن لم تتح لهم فرصة الحصول على جوازات السلطة الفلسطينية، فضلاً عن مئات ألوف الفلسطينيين الذين يحملون جوازات وجنسيات دول، لا تحظر ازدواج الجنسية، هؤلاء جميعاً، يجب أن يكونوا هدفاً مباشراً وفورياً، للدولة الفلسطينية العتيدة.
ويتعين على المنظمة والدولة، أن تشرعا من دون إبطاء، في إطلاق حملة لتكريس الاعتراف بالجنسية وجواز السفر الفلسطيني وتوسيعه، بالتوازي مع استكمال عضوية فلسطين في مختلف المحافل والمنظمات والمعاهدات الدولية ... هذا خيار استراتيجي، لا يجب أن يخضع لشروط المفاوضات ومساوماتها، ولا يجب أن يظل معلقاً على شرط استئنافها أو استمرارها ... ومثلما تنخرط إسرائيل في مفاوضات عبثية من دون توقف عن أعمالها الاستيطانية أحادية الجانب، على الفلسطينيين، أن يواصلوا استكمال عضوية دولتهم، وأن يجعلوا من حرية حركتهم على هذا الصعيد، شرطاً إضافياً، لاستئناف أية مفاوضات في المرحلة المقبلة، إلى جانب إطلاق سراح المعتقلين ووقف الاستيطان، وغيرهما من الشروط المتصلة بإجبار إسرائيل على الوفاء بالتزاماتها واستحقاقات عملية السلام والتفاوض.
مثل هذا التوجه، ينسجم مع الحاجة لإعادة توزين وتعريف مكانة السلطة في المنظمة الوطنية الفلسطينية، لقد انتفخت السلطة بأكثر مما ينبغي وكادت أن تأكل “أمها”: منظمة التحرير الفلسطينية ... هناك حاجة ماسّة الآن، لإعادة الأمور إلى نصابها، والتركيز على استكمال بناء الدولة تحت الاحتلال، وبناء مؤسساتها “المقاومة” ما أمكن لذلك سبيلا، من دون أي تخلٍّ عن منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
في هذا السياق، يمكن النظر للسلطة بوصفها واحدة من مؤسسات الدولة الفلسطينية الخدمية تحت الاحتلال ... تتحدد وظائفها في ضوء المصلحة الوطنية العليا لكفاح الشعب الفلسطيني في سبيل حريته واستقلاله ... وهي باقية طالما بقيت المصلحة، وإن انتفت، فلا فرق بين حل السلطة أو تسليم مفاتيحها للاحتلال، أو قيام إسرائيل بتجريفها كما تفعل ببيوت الفلسطينيين وأشجارهم.
«إسرائيل» .. واللعبة المُعقّدة !
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
عند قراءة وتحليل نتائج استطلاعات الرأي التي جرت خلال الفترات الأخيرة داخل «إسرائيل» على عينات عشوائية، قراءة سوسيولوجية فاحصة وعلمية، فإن ثمة دلالات صارخة حول مسار وحراكات الحياة السياسية والمجتمعية داخل كيان الدولة العبرية الصهيونية.
فنتائج إستطلاعات الرأي باتت تجُمع في نتائجها تقريباً بأن هناك أغلبية في «إسرائيل» تَعتقد بأن «الأمن وعملية السلام» ليسا أولوية أمام المجال الاقتصادي والاجتماعي، حيث رد «%53» من المُستطلعين اليهود في واحدٍ من تلك الاستطلاعات، بأن المجال الاقتصادي والاجتماعي أكثر تأثيراً.
ونسبة «36 %» قالوا إنه المجال الأمني. أما بالنسبة للمواقف الشخصية على المستوى الفكري الممتد بين اشتراكية الديمقراطية وبين الرأسمالية واقتصاد السوق، أشارت نتائج استطلاعات عينة ثانية أن نسبة «36 %» مع نهج الاشتراكية الديمقراطية، ونسبة «14 %» قالوا إنهم معه بدرجة كافية، أي أن مجموع المؤيدين لهذا النهج هم «50 %». في المقابل قال «%11» إنهم يؤيدون الرأسمالية بدرجة كافية، ونسبة «18 %» يؤيدونها، ونسبة «15 %» وضعوا أنفسهم في المنتصف بين النهجين.
لقد تواتر صدور التقارير المتتالية حول الوضع «الإسرائيلي» الداخلي من مُختلف مراكز الأبحاث «الإسرائيلية» بالذات، وهي تقارير بحثية على غاية من الأهمية، اعتبر فيها واضعوها أن وضع الطبقات الضعيفة «بعبارة ثانية ذوي الدخل المحدود» في «إسرائيل» آخذ في التفاقم، وأن الهوة الطبقية تتزايد في اتساعها داخل المجتمع «الإسرائيلي» من عامٍ لآخر بين مختلف مكونات المجتمع «الإسرائيلي» على أرض فلسطين المحتلة عام 1948.
ففي تقرير خاص صدر قبل فترة، يتبين أن العشريتين الأعلى «اقتصادياً» في الدولة العبرية الصهيونية تملكان ليس أقل من «44 %» من كعكة المداخيل للاقتصاد المنزلي في «إسرائيل». أما العشريتان السفليان بالمقابل فقد اضطرتا إلى الاكتفاء بـ «6 %» فقط، والهوة هنا ساحقة بين الرقمين، تُؤكد تُشيرُ ما أوردناه أعلاه.
وفي التقرير إياه، الذي ينشره كل عام مركز «أدف 1» وهو «مركز البحوث الاجتماعية في إسرائيل» ويشرف عليه الدكتور شلومو سبرسكي، نجد بوضوح كيف أن عملية النمو في السنوات الأخيرة أثّرت فقط على أجزاء من المجتمع «الإسرائيلي»، في الوقت الذي لم يتمتع بثماره معظم سكان وقاطني الدولة العبرية الصهيونية. فمثلاً يتضح من التقرير أن ليس فقط نصيب العشريتين العليتين بلغ نحو نصف إجمالي المداخيل، بل إنه يواصل الارتفاع بانتظام كلاً من نصيب العشرية العليا الذي نما بمعدل «3.4 %» فيما أن نصيب العشرية التاسعة ارتفع بمعدل «0.4 %». وبالمقابل فإن نصيب العشرية الثامنة لم يتغير، فيما أن مداخيل الاقتصادات المنزلية في كل العشريات المتدنية انخفضت. والانخفاض الأكثر حدة كان في مداخيل العشريتين الثانية والثالثة وهو يبلغ معدل «0.7 %»، وبالتالي في ازدياد نشوء واتساع شرائح طبقية مسحوقة في القاع الطبقي والاجتماعي.
إن تلك المعطيات تُشير في جانبها الهام، إلى الفارق الاقتصادي الشاسع القائم في «إسرائيل» بين اليهود الشرقيين «السفارديم» واليهود الغربيين «الإشكناز». ففي الوقت الذي يكسب الأجيرون من أصل اشكنازي «36 %» أكثر من المتوسط، يكتفي الأجيرون الشرقيون بأجر يساوي متوسط الأجر في الاقتصاد. أما الأجيرون من المواطنين العرب الفلسطينيين من أبناء الداخل المحتل عام 1948، أبناء الوطن الأصليين، فيكسبون أقل من ذلك، حيث تبلغ أجورهم «25 %» دون الحد الأدنى من الأجور العامة لمختلف الأعمال.
وعليه، إن اللعبة الطائفية بين الأطراف اليهودية نفسها ونقصد بين اليهود الشرقيين والغربيين «بين السفارديم والإشكناز.. » واللعبة بين قوى القرار في «إسرائيل» وماتبقى من فلسطينيين داخل حدود العام 1948، هي لعبة الهيمنة الطبقية التمييزية قبل غيرها، فضلاً عن تأثير امتدادها للوسط العربي بشكل أكبر، فهو الوسط الواقع تحت نير التمييز المزدوج: الطبقي الاقتصادي في مجالات العمل وغيره، والعنصري القومي، عدا عن التمييز الديني.
إن اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في «إسرائيل» أوجد مُتسع كبير من الفوارق الاجتماعية بين الناس فيها، إضافة لوجود هوة متزايدة يوماً بعد يوماً بين المجموعات الإثنية المُشكلة للدولة العبرية، وتحديداً بين اليهود من مختلف القوميات التي انحدروا منها أساساً. فاليهود الروس على سبيل المثال يرون نفسهم في ضائقة مستمرة اقتصادية واجتماعية بينما يرتع اليهود من الأصول المتأتية من غرب أوروبا والولايات المتحدة في نعيم من الامتيازات التي خَلقتها شروط المعيشة داخل «إسرائيل». فقد وصل يهود الغرب والولايات المتحدة في موجات الهجرات الاستيطانية الكولونيالية إلى فلسطين المحتلة في لحظات مغايرة للزمن الذي وصل فيه يهود روسيا والاتحاد السوفياتي السابق بعد تفكك الإمبراطورية السوفياتية، مُعتقدين بأن الرفاه الاجتماعي بانتظارهم في «إسرائيل» ليروا أنفسهم وقد باتوا في قاع المجتمع إلى جانب «يهود الفلاشا» الذي أتوا من وسط القارة الإفريقية من أثيوبيا وغيرها.
إن اللعبة التمييزية داخل الدولة الصهيونية التي طالت اليهود ذاتهم بين شرقيين وغربيين، خَلَقت مفهوم «أبناء الطوائف الشرقية»، وهي التي فَرضت على الشرقيين من اليهود قواعد اللعبة «الطائفية» تحت سطوة مايمكن أن نُسميه بـ «القمع الاقتصادي» الذي هو من إنتاج الرأسمالية الصهيونية الأشكنازية الغربية الراغبة في إدامة التمييز الطبقي والاجتماعي بين اليهود ذاتهم. فهناك اختلاف جماعات الهوية التي تعيش في المجتمع الصهيوني: إثيوبيين، روس ويهود دول الاتحاد السوفياتي السابق عموماً، يهود إيران وكردستان… الخ، وتتراكم في مسارها العلاقات المُعقّدة بين الهوية والدين والطبقة.
إن نتائج دراسات «مركز البحوث الاجتماعية في إسرائيل» السوسيولوجية تُكثف وتكشف سيرة محطة مفصلية من عمر الدولة العبرية الصهيونية، وتوضح حالة من التحول الملموس الذي بدأ يطفو على سطح الأحداث والتفاعلات الداخلية منذ زمن ليس بالقصير داخل «إسرائيل» مع تزايد الافتراق الطبقي وتعاظم قوة التمييز الطائفي، وتَقَدُم الهم الطبقي المعيشي، وكل ذلك يساهم في تراجع العوامل التي دفعت نحو انبثاق الدولة العبرية كما حَلِمَ بها مؤسس الحركة الصهيونية وصاحب كتاب «الدولة اليهودية» تيودور هرتزل منذ عام 1897.
عليه، نحن أمام واقع «إسرائيلي» مُتحرك سيكون فيه لحراكات الاحتجاج الاجتماعي نقلة نوعية في مسار التحولات المُتوقعة داخل دولة وكيان بُني بشكلٍ قَسري، وبتكوينات أثنية وقومية مُتباعدة، لم تَستطع أن تنهي الفوارق بينها تلك الأيديولوجية الصهيونية التي حاولت صناعة قالب واحد لتك المجموعات السكانية التي جاءت من تلك الإثنيات والقوميات المختلفة ومن أصقاع المعمورة.
العنصرية الإسرائيلية.. وخيار المواجهة
بقلم: جيمس زغبي عن السفير البيروتية
أحسست بانزعاج شديد الأسبوع الماضي عندما شعر وزير الخارجية الأميركي جون كيري، رداً على انتقادات زملائه السابقين في مجلس الشيوخ، بأنه مضطر للتراجع عن تحذيره من أن إسرائيل تخاطر بأن تصبح «دولة عنصرية» إذا ما أخفقت في صنع السلام مع الفلسطينيين.
ولكن أكثر شيء أصابني بالضجر هو أن كيري، بعد إقراره بأن كثيراً من الإسرائيليين قدموا التحذير ذاته، اعتذر عن استخدام كلمة «عنصرية»، موضحاً أن «هذه الكلمة من الأفضل أن تترك للنقاش في الداخل»، ومعنى هذا، بعبارة أخرى، أنه يمكن للإسرائيليين أن يخوضوا في هذا الجدال، ولكن لا يمكننا نحن فعل ذلك!
وقد ذكرني هذا الأمر بتعليق سمعته من عضو مجلس الشيوخ السابق جوزيف ليبرمان في العام 2000، أقرّ فيه بأن مناقشة قضايا مثل المستوطنات والقدس في الكنيست الإسرائيلي تكون أسهل من مناقشتها في مجلس الشيوخ الأميركي.
والسؤال المطروح الآن: كيف يمكن أن تقود الولايات المتحدة عملية صنع السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني بينما لا يمكنها انتقاد إسرائيل أو حتى إجراء نقاش صادق بشأن سياساتها؟
وعلى مدار أكثر من عقدين الآن، منحت الولايات المتحدة نفسها دوراً أحادي الجانب في عملية صنع السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وطوال هذه الفترة خضعت قيادتنا لاختبارات، وكثيراً أيضاً ما أخفقت.
وقد أفضى عجزنا عن السعي لإحلال السلام، بصورة مستقلة عن الاعتبارات السياسية الداخلية، إلى نتائج مأساوية، ليس لأننا أخفقنا في المساعدة على حل الصراع فقط، بل أيضاً لأننا أسهمنا في تدهور البيئة السياسية في كل من المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني، والإضرار بصورة دولتنا في كثير من دول العالم.
وعندما حاول رؤساء أميركيون إحداث نقلة، مثلما فعل كثيرون منذ الرئيس «فورد»، تعرضوا للتوبيخ من قبل أعضاء الكونغرس الذين طالما ركزوا على المواقف السياسية القصيرة الأجل بدلاً من حماية مصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل. وفي سعيهم إلى ذلك، قدموا تنازلات كثيرة في ما يتعلق بالتزام دولتنا المعلن تجاه حقوق الإنسان العالمية والديموقراطية.
وفي أعين كثيرين في أنحاء العالم، يبدو أننا لا نرى إلا ما نريد أن نراه، وننكر ما نجد من الصعب الاعتراف به. وعلى مدار عقود، تغافلنا عن الوقائع اليومية التي تواجه الفلسطينيين الذين يعيشون تحت احتلال وحشي وقمعي. وحتى عندما اعترفنا بهذه الانتهاكات لحقوق الإنسان، أخفقنا في الكشف عن الحل اللازم لتحدي السلوك الإسرائيلي.
ولا تكمن المشكلة في مجرد ضعفنا وعجزنا عن انتقاد إسرائيل علانية، إذ يبدو أننا لا نستطيع أن نحمل أنفسنا على أن نرى الفلسطينيين بشراً كاملين ومتساوين مع غيرهم وندافع عنهم ونقف إلى جانبهم عندما تنتهك حقوقهم انتهاكاً صارخاً.
وفي حين نشجب المستوطنات عندما يتم الإعلان عنها، إلا أننا نعتبرها «واقعاً» عندما يتم بناؤها، بينما في الصراعات الأخرى في أنحاء العالم، ندافع عن المدنيين الأبرياء الذين يقعون ضحايا لعقوبات جماعية، وندافع عن أولئك الذين يتم سجنهم بلا اتهام أو يتم طردهم من ديارهم من دون أي وجه حق، ونندد بـ«التطهير العرقي» وأي انتهاكات أخرى لقانون حقوق الإنسان الدولي، ونصر على حق اللاجئين بالعودة إلى أوطانهم واستعادة ممتلكاتهم. ولكننا لا نقبل الحقوق ذاتها للفلسطينيين، وقد وضعنا إسرائيل فوق القانون، وجعلناها استثناء لكل القواعد، وتعاملنا كما لو أن الفلسطينيين ليست لهم حقوق على الإطلاق.
وتلك الدول التي تشعر بالغضب من ازدواجية معاييرنا تجاه إسرائيل ترفض سياستنا، معربة عن حزنها ولسان حالها يقول: «حسناً.. هذه هي طريقة الولايات المتحدة». وتبدو نتائج هذا الخلل الشديد في تعاملنا مع الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني واضحة جلية في كل مكان، فقد أصبح المجتمعان الإسرائيلي والفلسطيني مدفوعين بأمراض، إما أننا شجعناها أو دعمناها بسياساتنا. فالإسرائيليون يتصرفون مثل أطفال مدللين، والفلسطينيون يتعاملون باعتبارهم معتدى عليهم.
ولعل الإنصات إلى النقاش داخل إسرائيل مفيدٌ ومثيرٌ للإحباط في الوقت ذاته. وبالطبع، هناك إسرائيليون يواصلون الدفاع عن احترام حقوق الإنسان الفلسطيني، لكنهم ليسوا أصحاب الكلمة العليا، إذ إن الاتجاه المهيمن في الائتلاف الحكومي الحاكم هو رفض أي اعتراف بحقوق الفلسطينيين، وأي قبول حتى بانسحاب ضئيل من الأراضي المحتلة. والإسرائيليون لا يختلفون عن الأطفال المدللين، حيث أدركوا حقيقة أنه لن تكون هناك عقوبات على سلوكهم الخاطئ، فالكونغرس يساندهم دائماً ويمنحهم ما يريدون.
وفي هذه الأثناء، تولدت لدى الفلسطينيين فكرة أن أي شيء يفعلونه لن يكون كافياً لكسب التأييد الأميركي. وبالنسبة لهم، ما من مكافأة على سلوكهم الجيد. ولأن الكونغرس لم يقف يوماً في صفهم، بات القادة الفلسطينيون المعتدلون يشعرون بالحرج والخطر، بينما قويت شوكة المتعصبين كي يظهروا غضبهم وخيبة أملهم، وفي بعض الأحيان بأساليب سلبية للغاية.
وعلى مدار عقود، حذر القادة العسكريون في الولايات المتحدة من أن إخفاقنا في الضغط من أجل التوصل إلى سلام عادل يسبب أضراراً جسيمة على مركزنا وقدرتنا على العمل مع الحلفاء العرب لحماية مصالحنا.
ومع وصول عملية السلام إلى طريق مسدود، على الولايات المتحدة أن تختار، وبدلاً من مجرد الدفع من أجل تمديد المفاوضات، فقد آن الأوان كي تقرر أن بمقدورها إخبار الإسرائيليين بالحقيقة حول سلوكهم وتبعاته، وربما أن الكونغرس سيعترض وأن بعض السياسيين سيمتعضون، ولكن إذا كنا جادين بشأن السلام، يجب أن نفسح الطريق أمام قيادتنا الحاسمة.
ولن يجدي تدليل اليمين الإسرائيلي سوى في تعزيز سطوته، فهم يعرفون كيف ينتهزون فرصة الانفتاح ويراهنون على تضييع الوقت. ولذا، فإن الضغط الحازم من الولايات المتحدة سيعزز الإسرائيليين التقدميين الذين يدركون الهوة العميقة التي حفرها قادتهم المتغطرسون.
لا بد من دعم الإسرائيليين التقدميين في جهودهم الرامية إلى التغيير، وبالطبع سيساعد التحدي القوي من الولايات المتحدة في إثارة الجدل والتغيير المطلوب داخل إسرائيل نفسها.
66 عاما على اغتصاب فلسطين
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
أي حق لتقرير مصير اليهود في الكيان؟
بقلم: د . فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
ذكرى نكبة فلسطين
بقلم: فاروق القدومي عن رأي اليوم اللندنية
فلسطين والصراع على الرواية التاريخيّة
بقلم: صالح النعامي عن العربي الجديد
رأي الوطن .. النكبة وتواصل محاولات استكمالها
بقلم: أسرة التحرير عن الوطن العمانية
إنهاء ظاهرة الانقلاب أهم إنجازات «الوحدة الفلسطينية»
بقلم: صالح القلاب عن الشرق الأوسط
عن السلطة والدولة والمنظمة
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الاردنية
«إسرائيل» .. واللعبة المُعقّدة !
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
العنصرية الإسرائيلية.. وخيار المواجهة
بقلم: جيمس زغبي عن السفير البيروتية
66 عاما على اغتصاب فلسطين
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
إسرائيل ليست دولة مثل باقي دول العالم، أي أنها لم تنشأ وفق السياق التاريخي وتطور الدول. جرى إنشاؤها قسرا نتيجة التحالف بين الحركة الصهيونية والاستعمار.. جرى إنشاؤها على أنقاض الوطن الفلسطيني واقتلاع شعبه وتهجيره من أرضه وترحيله إلى دول الجوار. 66 عاما مضت على اغتصاب فلسطين وانشاء الكيان الصهيوني. ما نراه بعد هذه المدة بعد تجارب عديدة في المفاوضات التي كان آخرها مفاوضات التسعة أشهر، نرى أن العدو الصهيوني يزداد تعنتا وصلفا وعنجهية واجراما. ذكرى النكبة لهذا العام تتميز في جملة من الحقائق الإسرائيلية على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، المستندة إلى خلفية أيديولوجية توراتية. هذه الحقائق لو أدركها الساسة الفلسطينيون والعرب لما طرحوا مبادرات سلام مع إسرائيل، ولصاغوا استراتيجية وتكتيكا سياسيا جديدين متوائمين مع هذه الحقائق من حيث مجابهتها، ولعل أبرزها يتخلص في ما يلي:
ان المشروع الصهيوني للمنطقة العربية وبفعل مستجدات واكبت تطور الصراع فيها، وبحكم حقيقة تتمثل في فشل إسرائيل في إقناع غالبية يهود العالم في الهجرة إليها، فإن مشروع إسرائيل في بناء دولتها من الفرات إلى النيل، وإن غاب عن أذهان الساسة (حاليا) باستبداله من الاحتلال الجغرافي إلى السيطرة الاقتصادية، وبالتالي السياسية، لكنه يتعمق في أذهان اليمين الإسرائيلي المرشح لازدياد قاعدة وهرم تأثيره في الحياة السياسية الإسرائيلية.
ان التحولات الجارية داخل إسرائيل مذهلة في استطلاعاتها وكلها تشي بارتفاع نسبة الأصوليين بين اليهود إلى مستويات قياسية عالية، فقد قال بحث أجرته جامعة حيفا ونُشرت نتائجه التي تقول: انه في عام 2025 ستصل نسبة المتدينين اليهود الى ما يزيد عن 50′ من نسبة السكان اليهود وستتراوح بين 62 – 65′ وهذا سيعد انقلاباً هائلاً في الحياة المدنية الإسرائيلية، ليس من حيث تأثيراته في الحياة الاجتماعية ولكن بالضرورة أيضاً بانعكاسه على التداعيات التأثيرية على السياستين الداخلية والخارجية، وتحديداً الصــراع الفلسطيني العربي- الصهيوني.
إن المتتبع لمسيرة الداخل الإسرائيلي يلحظ وبلا أدنى شك، أن إسرائيل تتفنن تماماً في المزاوجة بين القوننة والسياسة بما معناه، أدلجة السياسة الخارجية بقوانين في ما يتعلق بالصراع مع أعدائها، وأدلجة السياسة الداخلية بقوانين تعمل على تحصين إسرائيل من تأثيرات العرب بداخلها من جهة، ومن جهة أخرى تعبّد الأرضية لبقاء هيمنة يهودية، في محاولة استباقية للتغلب على إمكانية قيام أغلبية عربية في إسرائيل (مثلما تشير بعض الاستطلاعات التي تتنبأ بحصول ذلك عام 2025). بالتالي هي تفرض مجموعة من القوانين العنصرية (بقراءاتها الثلاث في الكنيست)، وكانت الأعوام من 2012 – 2014 مميزة في فرض القوانين (منع العرب من الاحتفال بذكرى النكبة، إمكانية سحب الجنسية منهم…الخ) إضافة إلى خلق واقع اقتصادي- اجتماعي في إسرائيل يصبح استمرار العربي في العيش في بلده مستحيلاً وبالتالي فليس أمامه سوى الهجرة.
تحقيق الاعتراف الدولي بـ(يهودية دولة إسرائيل) . الولايات المتحدة اعترفت بذلك، والعديد من الدول الأوروبية مهيأة لهذا الاعتراف ومنها من اعترف.
في ما يتعلق بسقف التسوية مع الفلسطينيين والعرب، جاء الشرط الإسرائيلي الجديد على الجانب الفلسطيني من أجل الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل كشرط مقابل الاعتراف الإسرائيلي بالدولة الفلسطينية العتيدة، هذا في الوقت الذي تدرك فيه إسرائيل بالمعنيين النظري والعملي أن هذه الدولة (أو لو جرى تسميتها الإمبراطورية) ليست أكثر من حكم ذاتي على القضايا الحياتية لسكانها بعيداً عن أي مظهر من مظاهر السيادة. دولة كانتونات مقطعة الأوصال بلا قدس وبلا عودة للاجئين حتى إليها. أما بالنسبة للعرب فقد أقرت إسرائيل مبدأ السلام مقابل السلام، وليس السلام مقابل الأرض. معروف أن إسرائيل سبق أن رفضت ما يسمى ‘مبادرة السلام العربية’ التي اطلقتها قمة بيروت عام 2002. آخر خطوات نتنياهو أنه سيقونن ‘يهودية الدولة ‘ بقرار اساس في الكنيست.
ثبت بالملموس أن إسرائيل ترفض في صميم الأمر حل الدولتين، فهي ترى في وجود الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة (على شاكلة الدول كافة) نقيضاً لوجودها. من جانب آخــــر فإن تحقيق شعار يهـــودية الدولة يقطع الطريق على كافة الحلول المطروحة الأخــــرى، الدولة الديمقراطية العلمانية الواحدة، الدولة ثنائية القومية، وحتى حل الدولة لكل مواطنيها.
في الذكرى 66 للنكبة يمكن القول إن عودة الحقوق الوطنية الفلسطينية والأخرى العربية من إسرائيل لن تتحقق ضمن الاعتراف الإسرائيلي بها، وإنما تصبح واقعاً عندما يجري فرضها على هذه الدولة الصهيونية المشبعة بالتعاليم التوراتية فرضاً! وهذا لن يتأتى الا بانتهاج خيار استراتيجي يعتمد عل القوة من قبل الفلسطينيين والعرب، فلقد ثبت بالشكل القاطع أن إسرائيل لا تستجيب للغة التفاهم والحوار والمفاوضات، وانما فقط للغة القوة.
أي حق لتقرير مصير اليهود في الكيان؟
بقلم: د . فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
تستوقف المرء عبارة "حق تقرير المصير للمجموع اليهودي في إسرائيل" . جاءت هذه الجملة في برنامج أحد الأحزاب العربية في فلسطين المحتلة . كما ترددت العبارة على ألسنة قادته وبخاصة عند الدفاع عن مواقف الحزب أمام القضاء "الإسرائيلي" والمحكمة المعنية بإجازة الكتل السياسية أو منعها من دخول الانتخابات التشريعية للكنيست .
بالنسبة للفلسطينيين فالحزب مع "تقرير المصير للشعب الفلسطيني في منطقة 1967" . وبغض النظر عن مدى قناعة الحزب بهذه السيادة المتعلقة بتقرير مصير المجموع اليهودي في منطقة ،1948 أو أنها جاءت كسبب من أجل دخول الانتخابات أسوة بالقوائم العربية الأخرى التي تدعو في معظمها إلى حل دولتين لشعبين، فإن السؤال الذي يبرز هل يجوز استعمال هذا التعبير فيما يتعلق باليهود في "إسرائيل"؟ وحقهم في تقرير مصيرهم؟
حق تقرير المصير كمفهوم استُهل في عام ،1526 لكنه لم يجد تطبيقه الفعلي إلا في بيان الاستقلال الأمريكي المعلن في 4 يوليو ،1776 وبعدها أقرّت به الثورة الفرنسية في عام ،1789 كما ضمنه الرئيس الأمريكي ولسون في نقاطه ال(14) التي أعلنها بعد الحرب العالمية الأولى، وأقرّت الدول المتقاتلة حينها بأهمية تأسيس دولة، أمة جديدة في أوروبا بعد انهيار الإمبراطورية النمساوية المجرية، والقيصرية الألمانية . تعزز هذا المفهوم في فترة لاحقة من القرن ال،20 كان هذا المبدأ في أساس سياسة إزالة الاستعمار التي سعت إلى تأسيس دولة مستقلة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية .
أما من حيث تعريف حق تقرير المصير وفقاً للمعاجم اللغوية ومن وجهة نظر القانون الدولي فهو "مصطلح في مجال السياسة الدولية والعلوم السياسية"، ويشير إلى حق كل مجتمع ذات هوية جماعية متميزة، مثل شعب أو مجموعة عرقية وغيرهما، بتحديد طموحاته السياسية وتبني النطاق السياسي المفضل له من أجل تحقيق هذه الطموحات، وإدارة حياة المجتمع اليومية، وهذا يتم من دون تدخل خارجي أو قهر من قبل دول وشعوب أو منظمات أجنبية أخرى .
الشيوع الفعلي لحق تقرير المصير كان بعد الحرب العالمية الأولى، فقد شاعت الفكرة أن المجتمع الذي يحق له تقرير المصير هو مجموعة من الناس الناطقين بلغة واحدة وذوي ثقافة مشتركة والعائشين في منطقة معينة ذات حدود واضحة . كذلك شاعت الفكرة أن ممارسة حق تقرير المصير عن طريق إقامة دولة، أمة فإذا عاش في منطقة مجموعة أناس ذات لغة وثقافة مشتركتين يمكن اعتبارها قوماً أو شعباً، ويمكن إعلان المنطقة دولة مستقلة أو محافظة حكم في إطار دولة فيدرالية .
وبإخضاع العبارة المعنية لمبدأ "حق تقرير المصير" فإنه لا يجوز لليهود "الإسرائيليين" حق تقرير المصير وإقامة دولة خاصة بهم، وذلك لجملة أسباب من أبرزها أن الأغلبية العظمى من "الإسرائيليين" لم يكونوا قد سكنوا فلسطين قبل الهجرات اليهودية المقصودة إليها، بعد المؤتمر الصهيوني الأول الذي انعقد في بازل عام ،1897 في بداية القرن العشرين بدأت الهجرة اليهودية إلى فلسطين من مختلف بلدان العالم، من أوروبا بجزئيها الشرقي والغربي ومن الولايات المتحدة ومن آسيا ودول عديدة أخرى بما في ذلك دول عربية كالعراق واليمن ومصر والدول العربية في شمال إفريقيا ومن لبنان وسوريا وغيرهما . هؤلاء المهاجرين افتقدوا ولايزالون للثقافة الواحدة، والأصول الواحدة، وللغة الواحدة (التي يجري تعليمها لمعظم المهاجرين بعد هجرتهم إلى "إسرائيل") كما أن هؤلاء يفقتدون إلى التاريخ المشترك وهو العامل الضروري في وحدة المجتمع، والأصول الواحدة .
هذا عدا عن أن اليهودية هي دين ولا ينطبق عليها مفهوم الشعب، الأمة، القومية . (المجتمع) تشكل قسراً من مجموعات إثنية وعرقية مختلفة، ورغم مرور ما يقارب من السبعة عقود على إنشاء الكيان الصهيوني فإن هذه التجمعات لا تزال منفصلة بعضها عن بعض، فالروس على سبيل المثال لا الحصر يعيشون في مناطق خاصة بهم، والعراقيون في أحياء خاصة، وهناك أيضاً التمييز العنصري ضد الفلسطينيين العرب، وضد فئات معينة من اليهود كالفلاشا، واليهود القادمون من الدول العربية . أما بالنسبة ليهود أوروبا فهناك فارق بين اليهود الآتين من دول أوروبا الغربية والآخرين من دول أوروبا الشرقية . هذا ما لا نقوله نحن وإنما أيضاً مصادر "إسرائيلية" .
العبارة لا تنطبق على اليهود "الإسرائيليين" أيضاً، لأن دولة الكيان الصهيوني جاءت على حساب اقتلاع شعب آخر من أرض فلسطين هو الشعب الفلسطيني، وذلك بالقوة وارتكاب المجازر البشعة ضده في كل أنحاء فلسطين المحتلة عام ،1948 وإجبار الناس على ترك أراضيهم ومدنهم وقراهم، بالتالي لا يمكن ولا بأيّ شكل من الأشكال مجرد التفكير بإعطاء اليهود في منطقة 48 حق تقرير المصير . فهم الجلادون الذين يحتلون الأرض الفلسطينية، والذين ما زالوا يحتلونها، فكيف المساواة بين الجلادين وبين الضحية الذي هو أبناء الشعب الفلسطيني؟ السؤال الثاني هل استطاعت كافة القوائم الحزبية العربية تغيير أي جزءٍ فرعي من قانون من جملة القوانين "الإسرائيلية" منذ عام 1948 وحتى اللحظة؟ هذا يلقي الضوء على ما يعتقده البعض (جني فوائد) من المشاركة العربية في انتخابات الكنيست؟! العكس من ذلك الكيان الصهيوني يستغل وجود نواب عرب في الكنيست للتشدق "بديمقراطية" دولة الكيان، رغم كل أشكال التمييز العنصري البشع الممارس من قبل الكيان ضد أهلنا في منطقة 1948 .
إن الاعتقاد "بحق تقرير المصير للمجموع اليهودي في الكيان" هو مسألة خاطئة، والجملة بعيدة عن العملية السياسية . لقد أقرّت الأمم المتحدة للشعب الفلسطيني بحقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، من خلال قرارات كثيرة صدرت بهذا الشأن، ومن الخطأ المساواة بين الضحية والجلاد .
ذكرى نكبة فلسطين
بقلم: فاروق القدومي عن رأي اليوم اللندنية
في مثل هذا اليوم منذ ست وستين عاماً تعرّض شعبنا الفلسطيني لظلم تاريخي على يد الغزاة الصهاينة وبدعم سياسي ومادي وعسكري من بريطانيا والولايات المتحدة ودول أوروبية، بتشريده من وطنه فلسطين إلى الدول المجاورة، حيث ما زال يعيش الغربة وفي ظروف بالغة القسوة، ينتظر العودة إلى مدنه وقراه في وطنه فلسطين وفق ما أقرته الشرعية الدولية متجسداً في القرار 194، ومنذ ذلك التاريخ يمارس الكيان الصهيوني عدوانه المتواصل على ما تبقى من أرض فلسطين، وأراضي البلدان العربية المجاورة، ممّا أبقى المنطقة كلها في أجواء التوتر وعدم الاستقرار، وجسّد المشروع الصهيوني بصفته مشروعاً عنصرياً منافياً للسلام في هذه المنطقة.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونشوب حرب الخليج الثانية وتسلط الولايات المتحدة، رأت الإدارة الأمريكية آنذاك الوقت المناسب لبدء ما اصطلح عليه بالعملية السياسية للتسوية في الشرق الأوسط تحت شعار “الأرض مقابل السلام”، ممّا اقتضى إخماد الانتفاضة الفلسطينية الوطنية الأولى، فانعقد مؤتمر مدريد وما تلاه من مؤتمرات ولقاءات سرية متتالية تمخضت عنها اتفاقية “أوسلو” المشؤومة، رفضت إسرائيل وما تزال تنفيذها مستخدمة إياها لممارسة أبشع أشكال القمع والقهر، إضافة إلى إرهاب الدولة المنظم وابتلاع ما تبقى من أرض فلسطين، فارضة كل ذلك كأمر واقع.
على الرغم من عدم ثقة واطمئنان شعبنا لمصداقية العدو الإسرائيلي فقد أعطت القيادة الفلسطينية في الأرض المحتلة فرصة واسعة للنوايا الحسنة ورغبة دول عربية وأخرى صديقة باستمرار الحوار والمفاوضات التي أثبتت لاحقاً أنها وهم وسراب، ممّا أدى إلى نفاذ صبر شعبنا الفلسطيني، فباشر بإجماع وطني شامل في انتفاضته الوطنية الثانية معلناً إصراره الذي لا يتزعزع على دحر الاغتصاب والاحتلال البغيض وطرد قطعان المستوطنين من أرضه وعلى تجسيد ثوابته الوطنية وفي مقدمتها عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم فلسطين وحقهم في تقرير المصير بإقامة دولة فلسطين وعاصمتها مدينة القدس.
وهنا يقتضي من الإخوة العرب تجسيداً على الأرض لحقيقة وحدة الدم والمصير، ولشعار التضامن العربي ودعم المقاومة وصمود شعبنا الفلسطيني في وجه الغزاة، فلا يجوز أن يترك الشعب الفلسطيني وحيداً في مواجهة هذا العدو العنصري، بل اصبح من الضروري إيقاف كل العلاقات الدبلوماسية والتجارية وغيرها، وعدم التعاون والتنسيق معه لضرب وتدمير الحلم العربي، والقوى الوطنية الحية المؤمنة بالمقاومة والتحرير الكامل ولاستيلاب الأرض وتدنيس الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية.
لهذا نقولها بصراحة ليس أمامنا إلا الانتفاضة والمقاومة سبيلاً للخلاص والانعتاق والحرية، خاصة ان العدو الصهيوني ومساندته قد أغلقوا الأبواب الشرعية الدولية والقانون الدولية ومزقوا إرادة المجتمع الدولي، فمعكم يا جماهيرنا الصامدة أشقاءكم في كل الأقطار العربية، فأنتم لستم وحدكم في مقاومتكم للموجة الأخيرة من الغزوة الصهيونية الاستعمارية التي تستهدف أرضكم كما تستهدفكم، أهلكم في الشتات والمنافي معكم في خندق المواجهات، وأهلكم في الشطر المحتل من وطننا فلسطين أكدوا مشاركتهم لكم، فوحدة الدم والمصير والهوية لم تتمكن عقود الاغتصاب والاحتلال العجاف من طمسها، أو تفكيك نسيجنا الاجتماعي الخلاّق.
ونحن نعيش ذكرى النكبة المؤامرة الأليمة، وإخراج أهلنا قسراً بالترهيب والقتل وارتكاب هولوكوست جديد بأيدي عصابات الإرهاب الصهيونية، فإننا اليوم أشد عزماً وإصراراً على استرداد الأرض والحق وعودة كل الأهل إلى وطنهم المغتصب وديارهم واملاكهم، ويحذونا الأمل بتصفية الخلافات التي أدت إلى الانقسام اللاوطني من قبل بعض الأطراف التي أدركت أخيراً كِبَر المسؤولية الوطنية والخطر المحدق على قضية الأرض والشعب، ولعلهم يصدقون.
ندعو الله ان تصفى القلوب وتسود النوايا الحسنة لإعادة اللحمة الوطنية والسير معاً وأخذ زمام المبادرة بالمقاومة والنضال الشعبي لتحقيق التحرير والنصر.
وصدق شاعر تونس الكبير أبو القاسم الشابي حين قال:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ ان يستجيب القدر
ولا بّد لليل ان ينجلي ولا بّد للقيد أن ينكسر
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
الحرية والعزة لأسرانا البواسل
وعاشت فلسطين
فلسطين والصراع على الرواية التاريخيّة
بقلم: صالح النعامي عن العربي الجديد
تستعر الحرب التي يشنّها الصهاينة في محاولاتهم تحصين روايتهم التاريخية، وتزداد ضراوة، لا سيما مع احتفالهم بحلول الذكرى السادسة والستين لنكبة فلسطين وإعلان كيانهم. وكان جديد أدوات هذه الحرب مشروع قانون أساس "الدولة اليهودية" الذي تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتمريره في الكنيست خلال الصيف، وتنص مادته الأولى على أن "أرض إسرائيل هي الأرض التاريخية للشعب اليهودي"، أي نفي أي حق للشعب الفلسطيني على هذه الأرض، أو جزء منها. لكن محاولات تحصين الرواية لا تقف عند سَنّ هذا القانون، بل وصلت إلى حد اتخاذ وزير التعليم الإسرائيلي، الحاخام شاي بيرون، قبل أيام، قراراً بدعم من نتنياهو وتشجيعه، يقضي بـ"إحداث ثورة" في مجال تعليم "التناخ" (العهد القديم)، وتضمينه مناهج التعليم لكل المستويات التعليمية، لا سيما في مدارس التيار التعليمي العام، التي يؤمّها العلمانيون خصوصاً. ولم تفت بيرون الإشارة إلى أنه سيتم التركيز على تدريس مركبين أساسيين من مركبات "التناخ" الثلاثة، هما: "الأنبياء" و"الأدبيات"(خوتفيم)، اللذان يُعنيان، بشكل خاص، بسرد الرواية التاريخية التي استندت إليها الحركة الصهيونية في نسج مسوّغاتها لاغتصاب فلسطين.
ومن الواضح أن نتنياهو يأمل، في محاولته تحصين الرواية الصهيونية، إضفاء شرعية على الموقف الصهيوني من الصراع، ولتبرير رفضه مشاريع التسوية التي تطرح بين فينة وأخرى، والتي كان جديدها الخطة التي قدمها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري. ففي خطابه أمام مؤتمر "إيباك"، أخيراً، زعم نتنياهو أنه في كل ما يتعلق بالملكية على أرض فلسطين، وتحديداً في الضفة الغربية، هناك "حقيقة تاريخية واحدة". فحسب نتنياهو، الخليل هي: "مدينة الآباء التي اشترى فيها إبراهيم مغارة"، والقدس: "صخرة وجودنا التي حكم داود مملكته منها"، في حين أن "بيت إيل" (مستوطنة شمال رام الله) تمثّل: "المكان التي حلم فيها يعقوب حلمه". ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل تطالب إسرائيل علناً بفك الارتباط مع روايتهم التاريخية، وقبول الرواية الصهيونية.
وواضح أن حرص نتنياهو، ونُخَب الحكم في تل أبيب، على تكريس "الحقيقة التاريخية الواحدة"، لا يهدف إلى إبراز "حجم الثمن" الذي يبدون استعدادهم لدفعه من أجل تسوية سياسية للصراع، بل، تحديداً، لتبرير رفض إبداء أية تنازلات حقيقية. من هنا، يتعهّد نتنياهو، مجدداً، أمام نواب حزبه الليكود، بعدم إخلاء أية مستوطنة من المستوطنات المقامة في الضفة الغربية، ومواصلة الاحتفاظ بمنطقتي "القدس الكبرى"، و"غور الأردن"، في أية تسوية سياسية. وتبعات قبول الرواية التاريخية الصهيونية لا يتحملها الفلسطينيون، في الضفة الغربية وقطاع غزة واللاجئين في الشتات الذين يتوجب عليهم التنازل عن حقهم في العودة، بل إن نخب الحكم في إسرائيل ترى أن "الحقيقة التاريخية الواحدة" تبرّر السعي إلى تحقيق "النقاء العرقي" عبر التخلّص من فلسطينيي 48، وهو ما تعبّر عنه خطة "تبادل الأرض والسكان" التي يتشبّث بها وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، والذي يدّعي أن القانون الدولي يجيز نقل فلسطينيي 48 إلى مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة، حتى بدون موافقتهم (جيروزالم بوست،27/3/2014). والتسليم بـ"الحقيقة التاريخية الواحدة" يعني قبول واقع التمييز على أساس عنصري الذي يتعرض له فلسطينيو 48، بحجة أن "الدولة اليهودية" تسدي لهم معروفاً، لمجرد قبول بقائهم في تخومها. لذا، لا يفترض أن يحتج أحد، عندما تكشف دراسة إسرائيلية حديثة أن مستوى الخدمات التي يحصل عليها فلسطينيو 48 تقل بنسبة 60% عن التي يحصل عليها اليهود (ذي ماركر، 10/3/2014).
"
الإصرار على "الحقيقة التاريخية" يعني، بالنسبة للنخبة الإسرائيلية الحاكمة، صهينة الوعي الجمعي للفلسطينيين. فوزير الاستخبارات والعلاقات الدولية، يوفال شطاينتس، يرى أن إعادة صياغة مناهج التعليم الفلسطينية مطلب مهمّ حتى قبل مجرّد الشروع في بحث قضايا التسوية الرئيسة
"
الإصرار على "الحقيقة التاريخية" يعني، بالنسبة للنخبة الإسرائيلية الحاكمة، صهينة الوعي الجمعي للفلسطينيين. فوزير الاستخبارات والعلاقات الدولية، يوفال شطاينتس، يرى أن إعادة صياغة مناهج التعليم الفلسطينية مطلب مهم حتى قبل مجرد الشروع في بحث قضايا التسوية الرئيسة. ويضيق شطاينتس ذرعاً بمادة الجغرافيا، على وجه الخصوص، لأنها تكرس، لدى النشء الفلسطيني، الشعور بالحق المطلق على فلسطين من خلال دراسة خارطة فلسطين وتضاريسها. ويعدّ شطاينتس مناهج التعليم الفلسطينية "تحريضاً"، يجب أن يتوقف. والمفارقة أنه تمكن من إقناع لجنة الموازنة في مجلس الشيوخ الأميركي بالربط بين المساعدات الأميركية المالية للسلطة ووقف هذا "التحريض". من هنا، لم يخطئ المفكر اليهودي، زئيف شترينهال، عندما عدّ أي اعتراف فلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية "أوضح إقرار فلسطيني بالهزيمة التاريخية".
يشتد الصراع على الرواية التاريخية في الوقت الذي ينضمّ فيه تحديداً مزيدٌ من المؤرخين اليهود إلى أولئك الذين يفنّدون الرواية التاريخية الصهيونية. ففي كتابه الأخير: "نظرية سياسية للشعب اليهودي"، ينسف المؤرخ اليهودي، حاييم غانز، الرواية التاريخية الصهيونية، ويقدم حجة بسيطة، لكنها متماسكة ومنطقية، ويقول: "إذا غاب اليهود عن بلاد إسرائيل ألف عام وأكثر، حيث كانوا منشغلين أساساً في الحياة خارج حدودها، فكيف بإمكانهم أن يدّعوا أنهم كانوا أصحابها في الزمن العتيق، وظلوا كذلك حتى في زمن انقطاعهم عنها".
إن التشريع الذي يوشك نتنياهو على سنّه وجملة الإجراءات الهادفة لتحصين الرواية الصهيونية تشي، أكثر من أي شيء آخر، بتهافت الرواية التاريخية الصهيونية، وتفضح الإحساس العميق بغياب المشروعية، علاوة على أنها تعكس ضعفاً، وانعدام ثقة.
رأي الوطن .. النكبة وتواصل محاولات استكمالها
بقلم: أسرة التحرير عن الوطن العمانية
اليوم الخامس عشر من مايو، وفي مثل هذا اليوم من عام 1948م أرادت قوى الاستكبار والاستعمار العالمي أن تكتب تاريخًا مغايرًا للشعب الفلسطيني، تاريخًا ملطخًا بدماء العرب والكوارث والنكبات والتهجير والفصل العنصري، تاريخًا لم ترد تلك القوى أن تدخل منعرجات نكباته فلسطين وحدها فحسب، بل المنطقة بأسرها.
واليوم يحيي الفلسطينيون الذكرى السادسة والستين على النكبة التي رزئت بها الأمتان العربية والإسلامية باغتصاب أرض فلسطين وتدنيس مقدساتها، وإبادة شعبها العربي المسلم، وإقامة قوى الاستعمار كيان الاحتلال الإسرائيلي على أنقاضها، ففي مثل هذا اليوم شهدت هاتان الأمتان النكبة الفلسطينية التي كانت إيذانًا بالبدء في أكبر عملية تطهير عرقي وتدمير وطرد لشعب أعزل وإحلال قطعان جلبت من أوروبا والولايات المتحدة مكانه والتي أسست لها مؤامرة وعد بلفور المشؤوم عام 1917م.
وفي تفاصيل النكبة ـ حسب البيانات الرسمية الفلسطينية الموثقة ـ وما تلاها من تهجير وحتى احتلال ما تبقى من أراضي فلسطين في عام 1967م ويجري استكمال احتلالها، تم تشريد نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، فضلًا عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم رغم بقائهم داخل نطاق الأراضي التي أخضعت لسيطرة كيان الاحتلال الإسرائيلي، وذلك من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948م في 1.300 قرية ومدينة فلسطينية. وحسب البيانات الموثقة، سيطر المحتلون الصهاينة خلال النكبة على 774 قرية ومدينة، حيث قاموا بتدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية، كما اقترفت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من سبعين مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين وأدت إلى استشهاد ما يزيد عن خمسة عشر ألف فلسطيني خلال فترة النكبة.
وبعد مرور ستة وستين عامًا على هذه النكبة، فإن النهج الإسرائيلي القائم على التطهير والاقتلاع والتهجير والتهويد والتدنيس يمضي وفق ما هو مخطط له، بل إن وتيرته تسارعت ـ ولا تزال ـ في ظل المفاوضات الأخيرة التي خرجت من رحم مؤامرة ما سمي “الربيع العربي” حيث كانت الإرادة الصهيو ـ أميركية تتجه نحو استغلال حالة الفوضى والإرهاب المركبة في جسم مؤامرة “الربيع العربي”، وتوظيف العلاقة العضوية بين الصهيو ـ أميركي والجماعات الإرهابية المسلحة التي بلورتها هذه المؤامرة والتي تدمر الدول المحورية الكبرى، في تحقيق الأحلام التلمودية وفق المخطط القاضي بإعادة رسم خريطة المنطقة وتنصيب كيان الاحتلال الإسرائيلي شرطيًّا عليها، وبالتالي حق التحرر والاستقلال للشعب الفلسطيني وحقه في الوحدة وإنهاء الانقسام وإتمام المصالحة أمر مرفوض صهيو ـ أميركيًّا، وبات من الخطوط الحمراء والمحرمات على الفلسطينيين. بل سعيًا لتكريس جميع أشكال الظلم والانتهاكات وجرائم الحرب، يستمر المحتلون الصهاينة في تقويض أساسات الدولة الفلسطينية وسرقة ما تبقى من الأرض الفلسطينية، رافضين كل الأعراف والقوانين الدولية، وقرارات الشرعية الدولية، ملوحين بما يسمى “يهودية كيانهم المحتل” في وجه الفلسطينيين لابتزازهم ولطمس الحق الفلسطيني وإلغاء الدور الصهيو ـ غربي التآمري لإنجاز مؤامرة اغتصاب فلسطين ومحو هذا الدور وجميع الممارسات الاحتلالية الاستعمارية من الذاكرة العربية والفلسطينية.
إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، فإن الأمل لا يزال يحدو الفلسطينيين والعرب جميعًا في إنجاز ما بدأته قيادات حركتي فتح وحماس بشأن المصالحة وتفعيل عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، فهذا هو الرد المناسب على مؤامرات المحتلين الصهاينة ومراوغاتهم وعلى المواقف السلبية الممالئة لحلفائهم وداعميهم.
إنهاء ظاهرة الانقلاب أهم إنجازات «الوحدة الفلسطينية»
بقلم: صالح القلاب عن الشرق الأوسط
رغم أن الوحدة الوطنية، بين منظمة التحرير وحركة «حماس»، حققت، فعلا، الكثير مما يحتاجه الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة الصعبة والمصيرية فإن أهم إنجازاتها، حسب الرئيس محمود عباس (أبو مازن)، هي أنها من المفترض أن تنهي أول ظاهرة انقسامية فلسطينية على كل هذا المستوى من الخطورة وهي بروز دولة في غزة إلى جانب السلطة الوطنية التي مقرها الآن مدينة رام الله في الضفة الغربية والتي كانت ولايتها قبل عام 2007 تمتد إلى «القطاع» بكل مؤسساتها وهيئاتها.. وكل شيء.
لقد بقيت الحالة الفلسطينية، وبخاصة بعد انفجار ظاهرة العمل الفدائي المسلح في أعقاب هزيمة يونيو (حزيران) عام 1967، تعاني من الانشقاقات الكثيرة ومن التعددية المربكة وهذا بقي سائدا ومستمرا حتى بعد الاعتراف العربي، في قمة الرباط الشهيرة عام 1974، بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني، فبعض الأنظمة العربية «اخترعت» في ذلك الحين ما يسمى «جبهة الرفض» التي ضمت التنظيمات المحسوبة على العراق وعلى جماهيرية معمر القذافي وأيضا على سوريا حافظ الأسد وكان الهدف منع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) من التعاطي مع بوادر الحلول السلمية التي كانت ظهرت بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973.
كانت هذه الدول الثلاث، وفي مقدمتها سوريا، تخشى أشد الخشية من أن يلتحق عرفات بالمسار الذي اتخذه الرئيس المصري الأسبق أنور السادات وأن تنضم منظمة التحرير إلى توجهات كامب ديفيد وبعد ذلك إلى مفاوضات «مينا هاوس» الشهيرة بالقاهرة فبادرت إلى إنشاء جبهة الرفض هذه التي ضمت أساسا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (جورج حبش) والجبهة الشعبية - القيادة (أحمد جبريل) وجبهة التحرير العربية وتنظيمات ثانوية أخرى لا قيمة لها، كما أنها بادرت إلى الدعوة لعقد قمة بغداد الشهيرة التي كانت بمثابة «مظاهرة» احتجاج على العملية السلمية التي كانت بدأتها مصر بمفاوضات كامب ديفيد. ثم وإن المعروف أن حافظ الأسد بذل جهودا مضنية بعد خروج «المقاومة» من بيروت وأنه شارك في حصار (أبو عمار) في مخيمات طرابلس اللبنانية عام 1983 لاستبدال منظمة جديدة وبقيادة غير قيادة عرفات بمنظمة التحرير، وكل هذا كان بهدف منع الفلسطينيين من الذهاب إلى عملية السلام وترك سوريا وحيدة لا تملك أي أوراق ضاغطة على الإسرائيليين وبالطبع فإن أهم هذه الأوراق سابقا ولاحقا وحتى الآن هي الورقة الفلسطينية.
لقد فشلت محاولة حافظ الأسد تلك لأسباب كثيرة من بينها رفض الاتحاد السوفياتي (السابق) لها بل ومقاومتها من خلال الضغط على بعض الفصائل الفلسطينية التي تعتبر يسارية وتدور في فلك موسكو، ومن بينها أيضا أن الدول العربية كلها باستثناء جماهيرية القذافي ألقت بثقلها إلى جانب عرفات الذي كان تلقى دعما عربيا رئيسا في قمة فاس الثانية في سبتمبر (أيلول) 1982 بصدور خطة السلام التي صدرت عنها وبالعزلة التي فرضت على الرئيس السوري خلالها ثم بعد ذلك باحتضان الأردن للمجلس الوطني الذي انعقد في عمان نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1984.
وهكذا وبالعودة إلى الحديث عن خطوة الوحدة الوطنية التي أهم ما فيها، أنها ستضع حدا لأخطر انقسام ضرب العمل الوطني الفلسطيني منذ انطلاق الثورة الفلسطينية عام 1965، فالانقلاب الدموي والبشع الذي نفذته «حماس» في غزة في 2007 والذي أنهى الوجود العلني لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية وحركة «فتح» هناك كان انقلابا إيرانيا وسوريا تم تنفيذه تحت عنوان «فسطاط المقاومة والممانعة» والهدف هو منع الرئيس محمود عباس (أبو مازن) من الاستمرار بعملية السلام التي كانت بدأت في مفاوضات أوسلو الشهيرة وتنفيذ القرارات التي أسفرت عنها هذه المفاوضات.
كان بشار الأسد، على خطى أبيه حافظ الأسد، يخشى من التحاق الفلسطينيين بعملية السلام وإنجاز حل، يتركه يواجه الإسرائيليين وحده وكانت إيران، التي أعلنت قبل أيام قليلة على لسان أحد رموزها أن حدودها الغربية أصبحت على شواطئ المتوسط، تسعى لإنجاز هلال نفوذها في هذه المنطقة العربية بحاجة إلى رأس جسر في غزة يقابل رأس جسرها اللبناني فكان ذلك الانقلاب الخطير الذي نفذته حركة «حماس» بإشراف الحرس الثوري الإيراني والمخابرات السورية.
ولعل ما أعطى هذا الانقلاب، الذي دق إسفينا في الوحدة الفلسطينية، البعد الأكثر خطورة هو أنه حقق ما أراده الإيرانيون وأراده نظام بشار الأسد وأنه احتضن من قبل الإخوان المسلمين وفي مقدمتهم «الإخوان المصريون» وأنه احتضن من قطر وأيضا من قبل مصر في العام المظلم الذي أصبح فيه محمد مرسي (الإخواني) رئيسا لمصر.
لقد بذلت جهود مضنية لرأب هذا الصدع، الذي ضرب الساحة الفلسطينية في أسوأ الظروف وأخطرها والذي اتخذته إسرائيل حجة للتهرب من استحقاق العملية السلمية، وكانت هناك مفاوضات «ماراثونية» فلسطينية - فلسطينية تنقلت بين عواصم عربية كثيرة أسفرت عن اتفاق مكة المكرمة واتفاق القاهرة وبيان الدوحة.. لكن كل شيء بقي على ما هو عليه ولم يتم التقدم ولو بمقدار خطوة واحدة وذلك لأن القرار لم يكن لا بيد خالد مشعل ولا بيد إسماعيل هنية وإنما بيد قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وبيد بشار الأسد وكل هذا كان يتم تحت غطاء «فسطاط المقاومة والممانعة» الذي ما لبث أن عصفت به الرياح، أولا، باندلاع الثورة السورية المباركة، وثانيا، بسقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر وتحول هذه «الجماعة» إلى جماعة إرهابية باتت مطلوبة ومطاردة.
ولهذا فإن «حماس»، بعد ما فقدت جدارها الصلب، الذي كانت تتكئ عليه، بسقوط نظام الإخوان المسلمين في مصر، وجدت أنها باتت مجبرة على الذهاب هرولة ودون شروطها التعجيزية السابقة إلى الوحدة الوطنية وعلى أساس اتفاق القاهرة وبيان الدوحة اللذين ينصان على فترة انتقالية تشرف عليها حكومة «تكنوقراط» غير «فصائلية» برئاسة محمود عباس تكون مهمتها الأساسية إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال الشهور الستة المقبلة بعد تشكيل هذه الحكومة الانتقالية مباشرة.
وحسب المعلومات المؤكدة فإن تشكيل هذه الحكومة، التي ستكون برئاسة محمود عباس حتما، سيكون خلال الأسبوع المقبل وعندها، فإن الانقسام بين الضفة الغربية وغزة يجب أن يعتبر منتهيا وإن رأس الجسر الإيراني على شواطئ «القطاع» من المفترض أن يزول فورا وأنه سيتم طي هذه الصفحة الحالكة السواد وسيتم نزع كل الحجج التي كان يتذرع بها الإسرائيليون للتهرب من عملية السلام ومن استحقاقات الدولة الفلسطينية المستقلة.
وهنا وفي النهاية فإنه لا بد من الإشارة إلى مسألتين مهمتين؛ الأولى، أن أبو مازن بصلابة موقفه ضد الإسرائيليين والأميركيين وبرفعه لشعار «إن الوحدة الوطنية يجب أن تجب ما قبلها.. وأنه لا ضرر ولا ضرار» هو عمليا وفعليا بطل هذه الوحدة، فهو من تحمل ما لا تتحمله رواسي الجبال من «تطاولات» بعض قادة «حماس» ومن تآمر إيران ونظام بشار الأسد وأيضا من ألاعيب الإخوان المسلمين ومعهم بعض الدول العربية، وهو من أصر ولا يزال على متابعة هذه الخطوة حتى النهاية. الثانية: إنه غير مطلوب لا من حركة «حماس» ولا من حركة «فتح» الاعتراف بإسرائيل وبيهودية الدولة الإسرائيلية فهذه هي مسؤولية منظمة التحرير بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني التي هي من يتولى المفاوضات مع الإسرائيليين ومع الولايات المتحدة والتي يعترف بها العالم بغالبية دوله كدولة لها ممثليات دبلوماسية (سفارات) في عواصم هذه الدول ولذلك وبالنتيجة فإنه يمكن الجزم حتى الآن بأنه لا تراجع عن هذه الخطوة لا من قبل الرئيس عباس ولا من قبل حركة «فتح» ومنظمة التحرير ولا أيضا من قبل «حماس» التي من المفترض أن تعود، بعد هذه الخطوة، عن هرولتها الأخيرة إلى إيران وأن تنهي علاقتها التنظيمية بالإخوان المسلمين وتنظيمهم العالمي وتتحول إلى حركة وطنية فلسطينية لا ارتباط لها إلا الارتباط الفلسطيني.
عن السلطة والدولة والمنظمة
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الاردنية
يُملي الاعتراف الأممي بفلسطين، دولة غير عضو في الأمم المتحدة، على الفلسطينيين إعادة التفكير في أمر الاستحقاق الانتخابي “المركب” المقبل ... فالانتخابات الرئاسية يجب أن تأخذ مضموناً جديداً، ينسجم مع منطوق القرار الأممي، لتصبح انتخابات لـ “رئاسة دولة فلسطين”، بدلاً عن “رئاسة السلطة الفلسطينية” ... والمجلس التشريعي هو برلمان الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال ... وشيئاً فشيئاً يتعين دفع مكانة السلطة إلى الخلف، لصالح الدولة، سيما في ضوء انسداد أفق التفاوض مع إسرائيل، وتراجع خيار “حل الدولتين”.
يبقى السؤال، عمّا إذا كانت إسرائيل ستسمح بذلك أم لا؟ ... لو ترك الأمر لإسرائيل، لما سمحت للفلسطينيين بشرب الماء واستنشاق الهواء ... العالم بغالبيته الساحقة، اعترف بالدولة الفلسطينية، ولم تخرج عن هذه القاعدة سوى دولة الاحتلال وحليفتها الاستراتيجية، وقلة قليلة من الدول التابعة والجزر المغمورة ... إذن، هي معركة، يتعين على الفلسطينيين خوضها بكل اقتدار وإصرار.
ويجب أن يكون واضحاً، اليوم، وليس غداً، أن ولاية هذه الدولة الديموغرافية، لا تقتصر على سكان الضفة والقطاع المحتلين والمحاصرين ... ولايتها الديموغرافية تمتد بامتداد الشتات واللجوء الفلسطينيين، وكل من يرغب من الفلسطينيين في حمل جنسية هذه الدولة وجواز سفرها، يجب أن يُمَكن من ذلك، حتى وإن كانت “الولاية الجغرافية” للدولة محصورة في حدود الرابع من حزيران عام 1967، فوحدة الشعب الفلسطيني في المحتل من وطنه وفي دنيا اللجوء والشتات، ثابت من ثوابت العمل الوطني الفلسطيني، لا يجوز التفريط بها بحال من الأحوال، حتى وإن اقتضت الضرورة، اعتماد “تكتيكات” تراعي بعض “الحساسيات” في عدد من الدول العربية أو الأجنبية.
هناك ملايين الفلسطينيين في خارج فلسطين، ما زالوا “بلا جنسية”، أو “بدون” ... لديهم وثائق سفر خاصة تصدر عن الدول المضيفة ... منهم مليون فلسطيني في سوريا ولبنان، وأكثر منهم (مليون وربع المليون) فلسطيني في الأردن من غير حملة الجنسية والأرقام الوطنية الأردنية ... وهناك مئات ألوف “الغزيين” في شتى أصقاع الأرض، ممن لم تتح لهم فرصة الحصول على جوازات السلطة الفلسطينية، فضلاً عن مئات ألوف الفلسطينيين الذين يحملون جوازات وجنسيات دول، لا تحظر ازدواج الجنسية، هؤلاء جميعاً، يجب أن يكونوا هدفاً مباشراً وفورياً، للدولة الفلسطينية العتيدة.
ويتعين على المنظمة والدولة، أن تشرعا من دون إبطاء، في إطلاق حملة لتكريس الاعتراف بالجنسية وجواز السفر الفلسطيني وتوسيعه، بالتوازي مع استكمال عضوية فلسطين في مختلف المحافل والمنظمات والمعاهدات الدولية ... هذا خيار استراتيجي، لا يجب أن يخضع لشروط المفاوضات ومساوماتها، ولا يجب أن يظل معلقاً على شرط استئنافها أو استمرارها ... ومثلما تنخرط إسرائيل في مفاوضات عبثية من دون توقف عن أعمالها الاستيطانية أحادية الجانب، على الفلسطينيين، أن يواصلوا استكمال عضوية دولتهم، وأن يجعلوا من حرية حركتهم على هذا الصعيد، شرطاً إضافياً، لاستئناف أية مفاوضات في المرحلة المقبلة، إلى جانب إطلاق سراح المعتقلين ووقف الاستيطان، وغيرهما من الشروط المتصلة بإجبار إسرائيل على الوفاء بالتزاماتها واستحقاقات عملية السلام والتفاوض.
مثل هذا التوجه، ينسجم مع الحاجة لإعادة توزين وتعريف مكانة السلطة في المنظمة الوطنية الفلسطينية، لقد انتفخت السلطة بأكثر مما ينبغي وكادت أن تأكل “أمها”: منظمة التحرير الفلسطينية ... هناك حاجة ماسّة الآن، لإعادة الأمور إلى نصابها، والتركيز على استكمال بناء الدولة تحت الاحتلال، وبناء مؤسساتها “المقاومة” ما أمكن لذلك سبيلا، من دون أي تخلٍّ عن منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
في هذا السياق، يمكن النظر للسلطة بوصفها واحدة من مؤسسات الدولة الفلسطينية الخدمية تحت الاحتلال ... تتحدد وظائفها في ضوء المصلحة الوطنية العليا لكفاح الشعب الفلسطيني في سبيل حريته واستقلاله ... وهي باقية طالما بقيت المصلحة، وإن انتفت، فلا فرق بين حل السلطة أو تسليم مفاتيحها للاحتلال، أو قيام إسرائيل بتجريفها كما تفعل ببيوت الفلسطينيين وأشجارهم.
«إسرائيل» .. واللعبة المُعقّدة !
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
عند قراءة وتحليل نتائج استطلاعات الرأي التي جرت خلال الفترات الأخيرة داخل «إسرائيل» على عينات عشوائية، قراءة سوسيولوجية فاحصة وعلمية، فإن ثمة دلالات صارخة حول مسار وحراكات الحياة السياسية والمجتمعية داخل كيان الدولة العبرية الصهيونية.
فنتائج إستطلاعات الرأي باتت تجُمع في نتائجها تقريباً بأن هناك أغلبية في «إسرائيل» تَعتقد بأن «الأمن وعملية السلام» ليسا أولوية أمام المجال الاقتصادي والاجتماعي، حيث رد «%53» من المُستطلعين اليهود في واحدٍ من تلك الاستطلاعات، بأن المجال الاقتصادي والاجتماعي أكثر تأثيراً.
ونسبة «36 %» قالوا إنه المجال الأمني. أما بالنسبة للمواقف الشخصية على المستوى الفكري الممتد بين اشتراكية الديمقراطية وبين الرأسمالية واقتصاد السوق، أشارت نتائج استطلاعات عينة ثانية أن نسبة «36 %» مع نهج الاشتراكية الديمقراطية، ونسبة «14 %» قالوا إنهم معه بدرجة كافية، أي أن مجموع المؤيدين لهذا النهج هم «50 %». في المقابل قال «%11» إنهم يؤيدون الرأسمالية بدرجة كافية، ونسبة «18 %» يؤيدونها، ونسبة «15 %» وضعوا أنفسهم في المنتصف بين النهجين.
لقد تواتر صدور التقارير المتتالية حول الوضع «الإسرائيلي» الداخلي من مُختلف مراكز الأبحاث «الإسرائيلية» بالذات، وهي تقارير بحثية على غاية من الأهمية، اعتبر فيها واضعوها أن وضع الطبقات الضعيفة «بعبارة ثانية ذوي الدخل المحدود» في «إسرائيل» آخذ في التفاقم، وأن الهوة الطبقية تتزايد في اتساعها داخل المجتمع «الإسرائيلي» من عامٍ لآخر بين مختلف مكونات المجتمع «الإسرائيلي» على أرض فلسطين المحتلة عام 1948.
ففي تقرير خاص صدر قبل فترة، يتبين أن العشريتين الأعلى «اقتصادياً» في الدولة العبرية الصهيونية تملكان ليس أقل من «44 %» من كعكة المداخيل للاقتصاد المنزلي في «إسرائيل». أما العشريتان السفليان بالمقابل فقد اضطرتا إلى الاكتفاء بـ «6 %» فقط، والهوة هنا ساحقة بين الرقمين، تُؤكد تُشيرُ ما أوردناه أعلاه.
وفي التقرير إياه، الذي ينشره كل عام مركز «أدف 1» وهو «مركز البحوث الاجتماعية في إسرائيل» ويشرف عليه الدكتور شلومو سبرسكي، نجد بوضوح كيف أن عملية النمو في السنوات الأخيرة أثّرت فقط على أجزاء من المجتمع «الإسرائيلي»، في الوقت الذي لم يتمتع بثماره معظم سكان وقاطني الدولة العبرية الصهيونية. فمثلاً يتضح من التقرير أن ليس فقط نصيب العشريتين العليتين بلغ نحو نصف إجمالي المداخيل، بل إنه يواصل الارتفاع بانتظام كلاً من نصيب العشرية العليا الذي نما بمعدل «3.4 %» فيما أن نصيب العشرية التاسعة ارتفع بمعدل «0.4 %». وبالمقابل فإن نصيب العشرية الثامنة لم يتغير، فيما أن مداخيل الاقتصادات المنزلية في كل العشريات المتدنية انخفضت. والانخفاض الأكثر حدة كان في مداخيل العشريتين الثانية والثالثة وهو يبلغ معدل «0.7 %»، وبالتالي في ازدياد نشوء واتساع شرائح طبقية مسحوقة في القاع الطبقي والاجتماعي.
إن تلك المعطيات تُشير في جانبها الهام، إلى الفارق الاقتصادي الشاسع القائم في «إسرائيل» بين اليهود الشرقيين «السفارديم» واليهود الغربيين «الإشكناز». ففي الوقت الذي يكسب الأجيرون من أصل اشكنازي «36 %» أكثر من المتوسط، يكتفي الأجيرون الشرقيون بأجر يساوي متوسط الأجر في الاقتصاد. أما الأجيرون من المواطنين العرب الفلسطينيين من أبناء الداخل المحتل عام 1948، أبناء الوطن الأصليين، فيكسبون أقل من ذلك، حيث تبلغ أجورهم «25 %» دون الحد الأدنى من الأجور العامة لمختلف الأعمال.
وعليه، إن اللعبة الطائفية بين الأطراف اليهودية نفسها ونقصد بين اليهود الشرقيين والغربيين «بين السفارديم والإشكناز.. » واللعبة بين قوى القرار في «إسرائيل» وماتبقى من فلسطينيين داخل حدود العام 1948، هي لعبة الهيمنة الطبقية التمييزية قبل غيرها، فضلاً عن تأثير امتدادها للوسط العربي بشكل أكبر، فهو الوسط الواقع تحت نير التمييز المزدوج: الطبقي الاقتصادي في مجالات العمل وغيره، والعنصري القومي، عدا عن التمييز الديني.
إن اتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء في «إسرائيل» أوجد مُتسع كبير من الفوارق الاجتماعية بين الناس فيها، إضافة لوجود هوة متزايدة يوماً بعد يوماً بين المجموعات الإثنية المُشكلة للدولة العبرية، وتحديداً بين اليهود من مختلف القوميات التي انحدروا منها أساساً. فاليهود الروس على سبيل المثال يرون نفسهم في ضائقة مستمرة اقتصادية واجتماعية بينما يرتع اليهود من الأصول المتأتية من غرب أوروبا والولايات المتحدة في نعيم من الامتيازات التي خَلقتها شروط المعيشة داخل «إسرائيل». فقد وصل يهود الغرب والولايات المتحدة في موجات الهجرات الاستيطانية الكولونيالية إلى فلسطين المحتلة في لحظات مغايرة للزمن الذي وصل فيه يهود روسيا والاتحاد السوفياتي السابق بعد تفكك الإمبراطورية السوفياتية، مُعتقدين بأن الرفاه الاجتماعي بانتظارهم في «إسرائيل» ليروا أنفسهم وقد باتوا في قاع المجتمع إلى جانب «يهود الفلاشا» الذي أتوا من وسط القارة الإفريقية من أثيوبيا وغيرها.
إن اللعبة التمييزية داخل الدولة الصهيونية التي طالت اليهود ذاتهم بين شرقيين وغربيين، خَلَقت مفهوم «أبناء الطوائف الشرقية»، وهي التي فَرضت على الشرقيين من اليهود قواعد اللعبة «الطائفية» تحت سطوة مايمكن أن نُسميه بـ «القمع الاقتصادي» الذي هو من إنتاج الرأسمالية الصهيونية الأشكنازية الغربية الراغبة في إدامة التمييز الطبقي والاجتماعي بين اليهود ذاتهم. فهناك اختلاف جماعات الهوية التي تعيش في المجتمع الصهيوني: إثيوبيين، روس ويهود دول الاتحاد السوفياتي السابق عموماً، يهود إيران وكردستان… الخ، وتتراكم في مسارها العلاقات المُعقّدة بين الهوية والدين والطبقة.
إن نتائج دراسات «مركز البحوث الاجتماعية في إسرائيل» السوسيولوجية تُكثف وتكشف سيرة محطة مفصلية من عمر الدولة العبرية الصهيونية، وتوضح حالة من التحول الملموس الذي بدأ يطفو على سطح الأحداث والتفاعلات الداخلية منذ زمن ليس بالقصير داخل «إسرائيل» مع تزايد الافتراق الطبقي وتعاظم قوة التمييز الطائفي، وتَقَدُم الهم الطبقي المعيشي، وكل ذلك يساهم في تراجع العوامل التي دفعت نحو انبثاق الدولة العبرية كما حَلِمَ بها مؤسس الحركة الصهيونية وصاحب كتاب «الدولة اليهودية» تيودور هرتزل منذ عام 1897.
عليه، نحن أمام واقع «إسرائيلي» مُتحرك سيكون فيه لحراكات الاحتجاج الاجتماعي نقلة نوعية في مسار التحولات المُتوقعة داخل دولة وكيان بُني بشكلٍ قَسري، وبتكوينات أثنية وقومية مُتباعدة، لم تَستطع أن تنهي الفوارق بينها تلك الأيديولوجية الصهيونية التي حاولت صناعة قالب واحد لتك المجموعات السكانية التي جاءت من تلك الإثنيات والقوميات المختلفة ومن أصقاع المعمورة.
العنصرية الإسرائيلية.. وخيار المواجهة
بقلم: جيمس زغبي عن السفير البيروتية
أحسست بانزعاج شديد الأسبوع الماضي عندما شعر وزير الخارجية الأميركي جون كيري، رداً على انتقادات زملائه السابقين في مجلس الشيوخ، بأنه مضطر للتراجع عن تحذيره من أن إسرائيل تخاطر بأن تصبح «دولة عنصرية» إذا ما أخفقت في صنع السلام مع الفلسطينيين.
ولكن أكثر شيء أصابني بالضجر هو أن كيري، بعد إقراره بأن كثيراً من الإسرائيليين قدموا التحذير ذاته، اعتذر عن استخدام كلمة «عنصرية»، موضحاً أن «هذه الكلمة من الأفضل أن تترك للنقاش في الداخل»، ومعنى هذا، بعبارة أخرى، أنه يمكن للإسرائيليين أن يخوضوا في هذا الجدال، ولكن لا يمكننا نحن فعل ذلك!
وقد ذكرني هذا الأمر بتعليق سمعته من عضو مجلس الشيوخ السابق جوزيف ليبرمان في العام 2000، أقرّ فيه بأن مناقشة قضايا مثل المستوطنات والقدس في الكنيست الإسرائيلي تكون أسهل من مناقشتها في مجلس الشيوخ الأميركي.
والسؤال المطروح الآن: كيف يمكن أن تقود الولايات المتحدة عملية صنع السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني بينما لا يمكنها انتقاد إسرائيل أو حتى إجراء نقاش صادق بشأن سياساتها؟
وعلى مدار أكثر من عقدين الآن، منحت الولايات المتحدة نفسها دوراً أحادي الجانب في عملية صنع السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وطوال هذه الفترة خضعت قيادتنا لاختبارات، وكثيراً أيضاً ما أخفقت.
وقد أفضى عجزنا عن السعي لإحلال السلام، بصورة مستقلة عن الاعتبارات السياسية الداخلية، إلى نتائج مأساوية، ليس لأننا أخفقنا في المساعدة على حل الصراع فقط، بل أيضاً لأننا أسهمنا في تدهور البيئة السياسية في كل من المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني، والإضرار بصورة دولتنا في كثير من دول العالم.
وعندما حاول رؤساء أميركيون إحداث نقلة، مثلما فعل كثيرون منذ الرئيس «فورد»، تعرضوا للتوبيخ من قبل أعضاء الكونغرس الذين طالما ركزوا على المواقف السياسية القصيرة الأجل بدلاً من حماية مصالح الولايات المتحدة على المدى الطويل. وفي سعيهم إلى ذلك، قدموا تنازلات كثيرة في ما يتعلق بالتزام دولتنا المعلن تجاه حقوق الإنسان العالمية والديموقراطية.
وفي أعين كثيرين في أنحاء العالم، يبدو أننا لا نرى إلا ما نريد أن نراه، وننكر ما نجد من الصعب الاعتراف به. وعلى مدار عقود، تغافلنا عن الوقائع اليومية التي تواجه الفلسطينيين الذين يعيشون تحت احتلال وحشي وقمعي. وحتى عندما اعترفنا بهذه الانتهاكات لحقوق الإنسان، أخفقنا في الكشف عن الحل اللازم لتحدي السلوك الإسرائيلي.
ولا تكمن المشكلة في مجرد ضعفنا وعجزنا عن انتقاد إسرائيل علانية، إذ يبدو أننا لا نستطيع أن نحمل أنفسنا على أن نرى الفلسطينيين بشراً كاملين ومتساوين مع غيرهم وندافع عنهم ونقف إلى جانبهم عندما تنتهك حقوقهم انتهاكاً صارخاً.
وفي حين نشجب المستوطنات عندما يتم الإعلان عنها، إلا أننا نعتبرها «واقعاً» عندما يتم بناؤها، بينما في الصراعات الأخرى في أنحاء العالم، ندافع عن المدنيين الأبرياء الذين يقعون ضحايا لعقوبات جماعية، وندافع عن أولئك الذين يتم سجنهم بلا اتهام أو يتم طردهم من ديارهم من دون أي وجه حق، ونندد بـ«التطهير العرقي» وأي انتهاكات أخرى لقانون حقوق الإنسان الدولي، ونصر على حق اللاجئين بالعودة إلى أوطانهم واستعادة ممتلكاتهم. ولكننا لا نقبل الحقوق ذاتها للفلسطينيين، وقد وضعنا إسرائيل فوق القانون، وجعلناها استثناء لكل القواعد، وتعاملنا كما لو أن الفلسطينيين ليست لهم حقوق على الإطلاق.
وتلك الدول التي تشعر بالغضب من ازدواجية معاييرنا تجاه إسرائيل ترفض سياستنا، معربة عن حزنها ولسان حالها يقول: «حسناً.. هذه هي طريقة الولايات المتحدة». وتبدو نتائج هذا الخلل الشديد في تعاملنا مع الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني واضحة جلية في كل مكان، فقد أصبح المجتمعان الإسرائيلي والفلسطيني مدفوعين بأمراض، إما أننا شجعناها أو دعمناها بسياساتنا. فالإسرائيليون يتصرفون مثل أطفال مدللين، والفلسطينيون يتعاملون باعتبارهم معتدى عليهم.
ولعل الإنصات إلى النقاش داخل إسرائيل مفيدٌ ومثيرٌ للإحباط في الوقت ذاته. وبالطبع، هناك إسرائيليون يواصلون الدفاع عن احترام حقوق الإنسان الفلسطيني، لكنهم ليسوا أصحاب الكلمة العليا، إذ إن الاتجاه المهيمن في الائتلاف الحكومي الحاكم هو رفض أي اعتراف بحقوق الفلسطينيين، وأي قبول حتى بانسحاب ضئيل من الأراضي المحتلة. والإسرائيليون لا يختلفون عن الأطفال المدللين، حيث أدركوا حقيقة أنه لن تكون هناك عقوبات على سلوكهم الخاطئ، فالكونغرس يساندهم دائماً ويمنحهم ما يريدون.
وفي هذه الأثناء، تولدت لدى الفلسطينيين فكرة أن أي شيء يفعلونه لن يكون كافياً لكسب التأييد الأميركي. وبالنسبة لهم، ما من مكافأة على سلوكهم الجيد. ولأن الكونغرس لم يقف يوماً في صفهم، بات القادة الفلسطينيون المعتدلون يشعرون بالحرج والخطر، بينما قويت شوكة المتعصبين كي يظهروا غضبهم وخيبة أملهم، وفي بعض الأحيان بأساليب سلبية للغاية.
وعلى مدار عقود، حذر القادة العسكريون في الولايات المتحدة من أن إخفاقنا في الضغط من أجل التوصل إلى سلام عادل يسبب أضراراً جسيمة على مركزنا وقدرتنا على العمل مع الحلفاء العرب لحماية مصالحنا.
ومع وصول عملية السلام إلى طريق مسدود، على الولايات المتحدة أن تختار، وبدلاً من مجرد الدفع من أجل تمديد المفاوضات، فقد آن الأوان كي تقرر أن بمقدورها إخبار الإسرائيليين بالحقيقة حول سلوكهم وتبعاته، وربما أن الكونغرس سيعترض وأن بعض السياسيين سيمتعضون، ولكن إذا كنا جادين بشأن السلام، يجب أن نفسح الطريق أمام قيادتنا الحاسمة.
ولن يجدي تدليل اليمين الإسرائيلي سوى في تعزيز سطوته، فهم يعرفون كيف ينتهزون فرصة الانفتاح ويراهنون على تضييع الوقت. ولذا، فإن الضغط الحازم من الولايات المتحدة سيعزز الإسرائيليين التقدميين الذين يدركون الهوة العميقة التي حفرها قادتهم المتغطرسون.
لا بد من دعم الإسرائيليين التقدميين في جهودهم الرامية إلى التغيير، وبالطبع سيساعد التحدي القوي من الولايات المتحدة في إثارة الجدل والتغيير المطلوب داخل إسرائيل نفسها.