Haneen
2014-06-03, 01:10 PM
في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
شعار “دفع الثمن” الصهيوني
بقلم: د . فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
هل ستفتح أبواب دمشق أمام حركة حماس؟
بقلم: جمال ايوب عن رأي اليوم
تفكيك الخطاب الديني للمشير السيسي
بقلم: خليل العناني عن الحياة اللندنية
30 يونيو ودول الربيع العربي
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط
رأي القدس: اليمين المتطرّف الأوروبي: «أممية الكره»
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
لماذا الرهان العربي على مصر
بقلم: خير الله خير الله عن العرب اللندنية
الوطن العربي ينتظر «قيامة» مصر: دول بلا رؤساء ورؤساء بلا دول
بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية
شعار “دفع الثمن” الصهيوني
بقلم: د . فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
ينتهج المستوطنون "الإسرائيليون" سياسة انتقامية منهجية مجرمة تُعرف باسم "دفع الثمن"، وأخرى تمجد الحاخام مئير كاهانا مؤسس حركة "كاخ" العنصرية المعادية للعرب في الضفة الغربية، وفي المناطق الفلسطينية المحتلة في عام 1948 . الهجمات تتم ضد أهداف فلسطينية مثل تخريب وتدمير الممتلكات، وإحراق سيارات، والاعتداء على دور العبادة المسيحية والإسلامية، وإتلاف أو اقتلاع أشجار وبخاصة الزيتون . الشرطة "الإسرائيلية" وفقاً لإذاعة الجيش "لم تنجح في اعتقال غالبية منفذي الاعتداءات المعادية للفلسطينيين في الأشهر الأخيرة" . غريب أمر هذه الشرطة التي تتصرف بسرعة هي والجيش، حيث يتجمعان لاعتقال وملاحقة من يلقي حجراً واحداً على حافلة "إسرائيلية" من الفلسطينيين في غضون ساعات قليلة . كان ذلك خلال الانتفاضتين الفلسطينيتين وما قبلهما وما بعدهما حتى هذه اللحظة .
الشرطة والجيش في "إسرائيل" يقفان عاجزين عندما يعتدي المستوطنون على الفلسطينيين . إن في هذا لأكبر دليل على أن اعتداءات المستوطنين كافة تتم بالتنسيق بينهم وبين الشرطة والجيش "الإسرائيلي"، وتتم برضى هذين الطرفين، حتى وإن أمسكت الشرطة بأحدهم من المستوطنين فإنها تقوم رأساً بإخلاء سبيله . هذا ما يقوله المحامي حسين أبو حسين رئيس مجلس إدارة المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في دولة الكيان (عدالة)، ففي مقالة له في صحيفة "هآرتس" يقول: "إن إحراق المساجد والكنائس، وتدنيس الكتب المقدسة والمقابر، وتخريب سيارات العرب أصبحت ظاهرة معتادة، ليس في الضفة الغربية (بما في ذلك القدس) وإنما أيضاً في منطقة ،48 واستطرد قائلاً: "يتساءل المجتمع العربي - خاصة الشباب بشك عبر وسائل الإعلام الاجتماعية: لماذا تختفي سعة حيلة وسرعة قوات الأمن عندما يتعلق الأمر بالإرهاب اليهودي، لماذا لا يقوم جهاز الشين بيت بالتدخل؟ هل لأن الضحايا عرب؟" .
حرّي القول أولاً، إن المستوطنين هم جزء أساسي في الشارع "الإسرائيلي"، ويتزايد عددهم بنموٍ مطرد، إلى الحد الذي تتوقع فيه مصادر عديدة أنه بعد عقدين من الزمن سيمثلون القسم الأكبر من بين اليهود في دولة الكيان الصهيوني . ما نراه من اعتداءات للمستوطنين هو حصيلة للتربية النازية الجديدة في مناهج الدراسة "الإسرائيلية"، بدءاً من رياض الأطفال مروراً بالمدارس الدينية وصولاً إلى الجامعات . ما نراه هو نتيجة لتعاليم الحاخامات المتطرفين القائلين: "إن العربي الجيد هو العربي الميت"، و"إن العرب ليسوا أكثر من أفاعٍ وصراصير"، و"يجوز قتل العرب حتى أطفالهم" . هذه هي نماذج مما يتعلمه الشباب "الإسرائيليون" في المدارس الدينية . المستوطنون يعتدون يومياً على المسجد الأقصى، وينتهكون حرمته ويهاجمونه على شكل موجات، والحكومة "الإسرائيلية" تقوم بحفريات حوله وأسفله من أجل هدمه وانهياره وبناء الهيكل مكانه . المستوطنون يعتدون على الكنائس المسيحية والإسلامية، ووفقاً للمتحدثة باسم الشرطة "الإسرائيلية" لوبا سمري: بأنه تم توجيه التهم لثلاث فتيات اتهمن بالبصق على كاهن مسيحي قرب البلدة القديمة في القدس، حيث وجدت في حقائبهن أعلام "إسرائيلية" كتب عليها بالعبرية شعارات "دفع الثمن" و"الانتقام" .
في بعض الأحيان وفي سبيل التمويه والإشادة "بديمقراطية" دولة الكيان الصهيوني يقوم القضاء بمحاكمة بعض الشباب اليهود، لكن هذه الأحكام تترواح بين الغرامة المالية والاعتقال في أماكن خاصة (هي أبعد ما تكون عن ظروف السجن وهي أقرب إلى الفنادق) لبضعة أيام، ثم تقوم السلطات بإطلاق سراحهم . هذا في الوقت الذي يجري فيه اعتقال الفتيان الفلسطينيين تحت السن القانونية، وحالياً وفقاً لإحصاءات وزارة شؤون الأسرى الفلسطينيين، ففي المعتقلات الصهيونية 137 طفلاً فلسطينياً دون السن القانونية، ويجري غالباً الحكم عليهم بأحكام سجن طويلة، إضافة إلى الغرامات المالية . يعتقلون بتهمة إلقاء حجارة على آليات جيش الاحتلال الصهيوني . "العدالة" الصهيونية حكمت على الضابط المسؤول عن مجزرة دير ياسين "الضابط شيدمي" بغرامة مالية قدرها بضعة قروش! هذه العدالة حكمت على قاتل الناشطة الأمريكية المؤيدة للفلسطينيين راشيل كوري (وهو سائق جرافة وقفت أمامه معترضة محاولة منع هدم أحد البيوت الفلسطينية) بأن أخلت سبيله وأجازت دهسه لها . هذه هي (العدالة) في (الديمقراطية) الصهيونية .
يزداد نفوذ المؤسسة الدينية في الكيان الصهيوني بالمعنى السياسي، فدور هذه المؤسسة أيضاً في نمو، وممثلو أحزابها أعضاء في الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة وآخرها الحكومة الحالية، وهم ثمناً لدخولهم وتأييدهم لرئيس الوزراء، يحققون الكثير من المكاسب السياسية والكثير من الاشتراطات تلبى لهم، حيث بتنا نشهد تأثيرات دخولهم في هذه الحكومات، إضافة إلى أنهم يفرضون في الكنيست الكثير من مشاريع القوانين التي تصعب على أية حكومة "إسرائيلية" حالية أو قادمة التخلي عن أية مستوطنات في الضفة الغربية، هذا إلى جانب تقديم مشاريع قرارات (قوانين) تحد من حقوق العرب في منطقة (48) وهي المقزّمة أساساً، لذلك فالقضاء الصهيوني منحاز وفقاً للقوانين لمنتمي هذه الأحزاب، وتبرير ما يقومون به ضد الفلسطينيين .
إن شعار "دفع الثمن" هو آخر تقليعات واختراعات المستوطنين، للانتقام من الفلسطينيين وهذا يشي بإمكانية نمو هذه السياسة وتطورها على المدى المنظور والآخر البعيد، إلى خطوات قد يكون القتل إحداها، الأمر الذي يفرض على أهلنا في كافة المناطق الفلسطينية المحتلة، الحيطة والحذر وامتلاك الوسائل الكفيلة بالدفاع عن أنفسهم، ومقاومة هذه السياسة العنصرية الصهيونية الحاقدة .
هل ستفتح أبواب دمشق أمام حركة حماس؟
بقلم: جمال ايوب عن رأي اليوم
حركة حماس أدارت ظهرها إلى سوريا التي آوتها حين تخلى عنها كل العرب , وإلى إيران التي مولتها ومدتها بالسلاح والمال ، ومكنتها من تحقيق نصر على العدو الصهيوني في حين حاربها كل حكام العرب , وإلى حزب الله الذي دربهم على القتال والمواجهة مع العدو , هل أدرك خالد مشعل عندما رفع علم الإنتداب الفرنسي السوري بأنه خدم العدو الصهيوني ؟ هل أدركوا بعد تدمير و إضعاف سوريا عسكرياً وإقتصادياً وبشرياً , بأنهم هم أنفسهم المستهدفون من المؤامرة ؟
أن حماس لا موارد لديها وتعمل على أن تعود إلى المحور الإيراني – السوري مع حزب الله ، ويدل ذلك على المأزق الذي تواجهه حماس في بحر الشرق الأوسط العاصف , بعد خسارات حقيقية لحقت بحركة حماس بيدها قبل أيدي الآخرين ، الذين حتما يوجد من لا يرجو لها الخير ويضمر لها الشر، ويتمنى لها خسارات كثيرة تؤدي في النهاية إلى إندثارها ، نحن لم نكن ممن تمنوا لها الخسارة ، بل إننا معها لأنها حركة مقاومة ، إختارت الكفاح المسلح ومضت على طريقه ، فحققت شعبية فلسطينية وعربية وإسلامية ، ولم نتوقف عند خطابها الإخواني .
خطأ فادح مارسته أنها خضعت لأوامر القيادة العالمية للإخوان المسلمين ، وتساوقت مع مخططاتهم في الهيمنة على ما يسمى ثورات الربيع العربي وأنها كانت من أكبر الخاسرين بعد عزل مرسى والحرب الدائرة في سوريا , ومع هذه التطورات بدأت الحركة تتطلع حديثاً لإصلاح العلاقات المتضررة مع الحلفاء التقليديين في الشرق الأوسط وهم سوريا وإيران وحزب الله اللبناني ، وبالمقابل وجد محور المقاومة نفسه أمام خيارين، إما ترك حماس لمصيرها وهو خيار فيه مصلحة للمعسكر الآخر، أما الثاني فهو العمل لإعادتها إلى موقعها الطبيعي كقوة مقاومة في المنطقة، أمام هذا الواقع الجديد والظروف المستجدة يبدو أن حماس تعيد تموضعها تدريجاً خشية من الإختناق ، وتخوض مفاوضات مع طهران بغية العودة إلى الحضن السوري ، حركة حماس بدأت تدرك الخطأ الإستراتيجي الذى وقعت فيه بعد أن راهنت بكل أوراقها على نظام جماعة الإخوان المسلمين في مصر ، وخسرت دعم إيران وسوريا وحزب الله ولذلك تحاول الآن العودة ، لكن الأمر لن يكون سهلاً أبداً. إن لقاءات جمعت قادة الحركة بمسؤولين إيرانيين مؤخراً في محاولة لإنقاذ حركة حماس من الإنهيار في ظل أزمة مالية وسياسية حادة ، وهي بحث إستئناف العلاقات بين إيران وحماس بعد فترة من القطيعة والتوتر على خلفية تطورات الأزمة السورية ، التي إنحازت فيها إيران وحزب الله إلى جانب سوريا ، فيما إنحازت حماس إلى جانب المعارضة السورية .
غادرت حماس سوريا وكان السيد خالد مشعل لم يكن وحده صاحب مشروع الطلاق مع محور المقاومة ، وإدارة الظهر للنظام السوري ، وخرج من دمشق بطريقة إعلامية صادمة جرى توظيفها في مصلحة مشروع أعدائها أعداء دمشق من حكام العرب , شاطره الموقف نفسه معظم أعضاء المكتب السياسي في الحركة ، ولكنه يتحمل اللوم الأكبر بإعتباره الرئيس والقائد والمتربع في دمشق لسنوات ، وحظي فيها بكل الدعم والمساندة في وقت أغلقت معظم العواصم العربية أبوابها في وجهه تهرباً من تحمل تبعات خيار المقاومة، والغضبين الأمريكي والصهيوني , ونقل عن مصادر إن الرد الإيراني على طلب حماس عودة الدعم المالي والعسكري لها كان واضحاً وحاداً ، حيث قال الإيرانيون إنهم لن يقطعوا علاقاتهم بحماس ، وإن إيران ستزود حماس بالمال والسلاح ، مقابل شرط واحد فقط وهو أن تعود حماس لدعم الرئيس بشار الأسد وحزب الله. التقارير تقول أن وفد حماس وافق على الطلب الإيراني فوراً ، وأشادة السيد مشعل بالرئيس الأسد ، وقوله صراحة أن حماس لا يمكن أن تنسى دعم الرئيس الأسد وشعب سوريا للمقاومة والقضية الفلسطينية ، وترحيبه بحل الأزمة عبر الحل السياسي ، وموقف إيران الذي يطالب بتوحيد جهود المعارضة إلى جانب الجيش السوري لمواجهة الإرهاب والتطرف لإعادة فتح أبواب دمشق أمام حركة حماس مجدداً ، المعلومات تقول أن الرئيس بشار الأسد وضع فيتو على هذه العودة , إلى حين يخرج من بين صفوف الحركة من يطلق لغة مرنة ويستخدم لهجة الدعوة إلى إيجاد حل سياسي لمنع المزيد من الدماء السورية العزيزة دون أن ينكر فضل سوريا الدولة في مضمار دعم المقاومة طيلة المرحلة الماضية .
يوجد أسئلة عدة منها هل الرئيس بشار الاسد سيغفر لحماس بالعودة إلى محور المقاومة ؟ ؟ هل خالد مشعل بعد رفع علم الإنتداب الفرنسي سيرفع علم سوريا ؟ ؟ هل حماس سترفض قرارات للإخوان المسلمين ؟ ؟ هل حماس ستكون مع الدولة السورية وتقف ضد الإرهاب والتطرف في سوريا ؟؟ هل حماس ستلتزم في خط محور المقاومة ؟؟.
نحن بحاجة إلى وقت أطول لإستيعاب الصدمة ونتمنى أن تعود حماس إلى محور المقاومة .
تفكيك الخطاب الديني للمشير السيسي
بقلم: خليل العناني عن الحياة اللندنية
يقوم المرشح الرئاسي المشير عبدالفتاح السيسي باستدعاء مكثف للدين في حواراته ولقاءته في شكل لافت ومكرر. ولا يكاد يخلو حديث أو تعليق للرجل من استحضار وتكرار للآيات القرآنية والأحاديث النبوية من أجل دعم موقفه السياسي، أو إبراز وجهة نظره في قضايا بعينها كالمرأة والسياحة وغيرها. بيد أن ما يسترعي الانتباه ليس فقط استدعاء السيسي الدينَ قولاً واستشهاداً، وإنما ما يبدو وكأنه «مشروع» ديني ضامر ذو نزعة أيديولوجية تعكس رؤية معينة للحياة والكون ربما يحاول السيسي تطبيقها أو فرضها على المجتمع إذا أصبح رئيساً.
تفكيك الخطاب الديني للسيسي وفهم محتواه ودلالاته يتطلب إلقاء نظرة سريعة على نشأة الرجل ومعرفة تأثيرها في تكوينه المعرفي والفكري. وفي ضوء ما هو متاح من معلومات حول السنوات الأولى من حياة السيسي، وهي معلومات قليلة، سنكتشف أنه نشأ في منطقة الجمالية (حارة البروقية) القريبة من حي الحسين الذي يعد من أبرز المعالم الدينية في القاهرة، والذي تحيط به مجموعة كبيرة من المساجد والزوايا التي يمارس فيها الكثير من الشعائر والطقوس الدينية.
ومن الواضح أن نشأة السيسي داخل هذه الحاضنة الاجتماعية قد صاغت أفكاره ورؤيته الدينية في شكل أو في آخر. ومن الملفت أن السيسي ينتمي للعائلة نفسها التي جاء منها عباس السيسي، أحد القادة التاريخيين لجماعة «الإخوان المسلمين» والذي لعب دوراً مهماً في إعادة إحيائها في السبعينات. وقد حاول البعض الربط بين الرجلين (عبدالفتاح وعباس السيسي) بعد أن اختاره الرئيس محمد مرسي وزيراً للدفاع في آب (أغسطس) 2012 وهو ما نفاه نجل عباس السيسي.
تخرج السيسي في الكلية الحربية عام 1977 في وقت كانت الجماعات الإسلامية في أوج نشاطها الحركي والدعوي في الجامعات والمعاهد المصرية، وكان لها مؤيدون ومتعاطفون داخل الكليات العسكرية.
وقد بدأت أولى ملامح الخطاب والسلوك الديني للسيسي أثناء سفره إلى الولايات المتحدة عام 2004 للحصول على زمالة كلية الحرب العليا الأميركية في بنسلفانيا. وقد بدت ميوله الدينية بوضوح ليس فقط من خلال سلوكه المحافظ، والذي تشير إليه إحدى أساتذته في الجامعة، وإنما أيضاً من خلال مضمون أطروحته البحثية التي حملت عنوان «الديموقراطية في الشرق الأوسط»، والتي يشدّد فيها السيسي على أهمية الثقافة والدين في الحياة العامة وتأثيرهما في مسألة الديموقراطية في العالم العربي. وهو ما جعل البروفيسور روبرت سبرنغ بورغ، المختص في دراسة العلاقات المدنية - العسكرية في مصر، يتوقع أن يحاول السيسي إقامة نظام خليط ما بين الإسلاموية والعسكريتارية. في حين تشير خطابات السيسي ولقاءاته منذ أن أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية، إلى احتلال الدين مكانة رئيسية في الرسائل التي يحاول إيصالها إلى الجمهور.
وبوجه عام، فإن تحليل الخطاب الديني للسيسي وتفكيكه يكشفان أموراً عدة:
أولاً: أن تدين السيسي يتجاوز النزعة التدينية المحافظة التي تسم شريحة معتبرة من المصريين المعروفين بنزوعهم التقليدي نحو الدين إلى نوع من التدين «التنظيمي». ونقصد بذلك أن المعرفة الدينية للسيسي ليست مجرد معرفة سطحية، أو اختزالية كما هي الحال مع غالبية المصريين والتي جاءت نتيجة لموجة «السلفنة» والتدين الشعبي التي حدثت خلال العقد الماضي، وإنما هي معرفة تنظيمية تعكس مقداراً واضحاً من التنشئة الدينية داخل المحاضن الإسلاموية.
ثانياً: خطاب السيسي يكشف أن لديه رؤية دينية متماسكة تتجاوز الشعارات العامة ومغازلة الجمهور المتدين المحافظ في مصر للحصول على تأييده، إلى العمل على فرض تصور ونمط معين للحياة. وهو ما أكده السيسي في تصريح له أخيراً يشير فيه إلى ضرورة أن يكون للدولة وقائدها دور في حماية الدين والقيم والمبادئ في المجتمع.
ثالثاً: الخطاب الديني للسيسي فيه مقدار عال جداً من التسييس وهو ما يتضح على مستويين. الأول هو مستوى التوظيف السياسي للدين من خلال التشديد على دوره في الحياة العامة وصياغة سلوك الناس وأفعالهم، والثاني كأداة في الصراع مع جماعة «الإخوان المسلمين». لذا، لم يكن غريباً أن يصرح السيسي أنه قام بانقلاب 3 تموز (يوليو) «من أجل إنقاذ الإسلام ومصر من الإخوان». ومن المفارقات أن السيسي يبدو كأنه قد وقع في الإشكالية نفسها التي ينتقد بها جماعة «الإخوان» وهي استخدام الدين في الصراع السياسي.
رابعاً: الفهم الديني للسيسي يغلب عليه الطابع الأرثوذكسي التقليدي مع مسحة شعبوية تستبطن النزعة الصوفية (الرؤى والأحلام والبشارات) من جهة، والمحتوى السلفي من جهة أخرى. وهو ينتمي إلى مدرسة العقل الإحالي وليس التأويلي في فهم النصوص وإنزالها على الواقع.
خامساً: الخطاب الديني للسيسي هو خطاب دولتي فوقي بامتياز. فنشر الوعي الديني هو مسؤولية الدولة وأجهزتها. وهنا يشير السيسي إلى أن الدولة مسؤولة عن نشر «الوعي الديني الصحيح» بين المواطنين وذلك من أجل مواجهة الفكر المتطرف وفق قوله. وهو يكرر دائماً مقولة ضرورة تجديد الخطاب الديني، واستخدامه كأداة لنزع الشرعية عن الجماعات الإسلامية، خصوصاً «الإخوان».
من الواضح أن استخدام السيسي الخطاب الديني يتم في شكل ذكي. ويبدو أن جزءاً مهماً من الصراع بينه وبين «الإخوان» يدور حول الدين ليس فقط أنطولوجيا وأيديولوجيا (أي الفهم والتصورات والرؤى الذهنية) وإنما أيضاً لما يمثله من رأسمال اجتماعي ورمزي وروحي في الصراع السياسي والاجتماعي ومحاولات الهيمنة على المجال العام. لذا، ربما يحاول السيسي بناء كتلة اجتماعية مضادة لكتلة «الإخوان» يستثمر فيها تدينه ورؤيته المحافظة لشكل الدولة والمجتمع ومنظومة القيم الحاكمة. في حين يشير الالتزام الديني للسيسي بأن ثمة أخطاراً حقيقية ستواجه الحريات الشخصية، بخاصة فيما يتعلق بالحريات الدينية وحرية الاعتقاد. ولن يكون مفاجئاً أن يتبنى السيسي خطاباً متشدداً تجاه الأقليات الدينية الأخرى. كذلك من شأن بروز الخطاب الديني للسيسي أن يزيد الصراع مع الجماعات الإسلامية المتشددة التي ستضيف إلى أسباب خلافها معه الخلاف العقائدي وهو ما قد يزيد فرص عدم الاستقرار في البلاد.
وتظل المفارقة الأبرز في ما يخص ظاهرة تدين السيسي، هي موقف القوى الليبرالية والعلمانية، والتي يبدو أن بعضها قد أصيب بحالة من الإحباط والصدمة من الحضور الطاغي للدين في خطاب السيسي وأحاديثه. ويبدو أن صراعهم مع «الإخوان» قد منعهم من التعبير عن هذه الصدمة حتى لا يعطوا هذه الأخيرة فرصة للتشفي بهم. فكثير من أولئك الذين دعموا انقلاب 3 يوليو قد فعلوا ذلك تحت ذريعة التخوف من قيام «الإخوان» بتحويل مصر إلى دولة ثيوقراطية، ناهيك عن انتقاداتهم لما اعتبروه تضييقاً على الحريات الشخصية والدينية في عهد الرئيس محمد مرسي.
ربما لن يسعى السيسي، إذا أصبح رئيساً وهو المرجح، إلى تحويل مصر إلى دولة دينية على غرار النمط الإيراني، أو الباكستاني كما حدث في عهد الجنرال محمد ضياء الحق أواخر السبعينات وطيلة الثمانينات، لكنه قطعاً لن يبني دولة مدنية ديموقراطية حرة يتمتع فيها الأفراد بحرياتهم الشخصية من دون وصاية من الدولة ورئيسها.
30 يونيو ودول الربيع العربي
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط
الثورة التصحيحية في مصر التي قادها الشعب المصري 30 يونيو، يبدو أنها تلهم الآن آخرين في مواقع مختلفة، عدا أنها كانت ضمانة من تعملق مدّ «الإسلام السياسي» موجات الصعود في بلدان الربيع العربي وأبرزها ليبيا وفي العمق ثمة بلدان ربيعية تعمل المؤسسة العسكرية بواجهة مدنية، وهي قصّة تعكس صعود «العسكرة» في مقابل الإسلام السياسي حيث لا تقوى أي كتلة سياسية أخرى على مجابهته منفردة لأسباب طويلة متصلة بفترة صعود «الأصولية» ونشأتها.
الإشكالية ليست في صعود العسكرة، وإنما باعتبارها حالة قابلة للقياس والمقارنة وإعادة التكرار دون فهم الدوافع الكامنة خلف صعودها، وأبرزها كتل اجتماعية يمكن حشدها تجاه «الاستقرار» لكن لا يعني ذلك ضمانة ولائها السياسي بالمطلق، وإنما هو ولاء مشروط بالجانب الأمني والإحساس بالأمان يتجاوز أي دوافع نحو تغيير سياسي أو اقتصادي أو فيما يتصل بمسائل الحريات وحقوق الإنسان، فتلك قضايا تستلزم وعيا سياسيا تفقده هذه الجماهير العريضة التي منحت ثقتها لتجربة جديدة وهي الثورة، ثم لاحقا ارتدت عنها بعد اشتباكها مع أسلوب وممارسة الإسلام السياسي/ الإخوان وليس ضد المفاهيم العامة أيضا كما يتصور بعض الليبراليين، فالسياق العام والأفكار المؤسسة والمفاهيم ذات الامتداد الجماهيري أقرب إلى الإسلام السياسي في المجمل، ولذلك بدا الأمر مفاجئا باعتباره انقلابا ضد الذات.
الإرهاب الحقيقي الذي واجهته مصر بدءا من عمليات سيناء المبكرة التي أثبتت أن المواجهة السياسية عادة ما يترافق معها صعود موجات العنف والإرهاب الفوضوي، كان سببا رئيسا في تحول كتل اجتماعية بالكامل نحو خيار العسكرة وأهم كتلتين مؤثرتين هما «السلفيون» ولا أعني هنا فقط النخبة السلفية علماء ودعاة وكوادر فاعلة، وإنما الجماهير العريضة التي تقف وراءها والتي تتجاوز رقما وتأثيرا أي كتلة سياسية في طول العالم الإسلامي وعرضه، وبالطبع هناك كتل أقل تأثيرا لكنها في النهاية «سلفية» سياسيا كالمتصوفة والأقباط الذين كان لهم دور في ترسيخ مفهوم أولوية الأمن بدعمهم للجيش، وللحقيقة فحتى الأحزاب السياسية الفاعلة الليبرالية واليسارية وشباب الثورة رغم موقفهم تجاه الجيش فإن يقينهم بانهيار الجماعة الأم دفعهم للسطو على الفراغ الكبير في مقعد المعارضة والذي هو جزء من عملية التدافع السياسي الطبيعية والتي يجب أن لا تزعج صناع القرار.
التحالف «السلفي» السياسي الكبير الذي تحول إلى كتلة شعبية لها تأثيرها في مصر قد لا يتكرر في موقع آخر بسبب تفهم الإخوان خارج مصر للدرس جيدا ومحاولتهم العمل بالحد الأدنى من المطالب كما هو الحال في تونس واليمن.. إلخ.
والحال أن كل إمكانات وقدرات السيسي ومن ورائه الجيش المصري الوطني لم تكن لتؤتي أكلها لولا التحالف والدعم المطلق غير المشروط الذي حصل عليه من الكتل الاجتماعية التي وقفت وراءه في 30 يونيو، وهي من ساهمت في خلق حالة جديدة من الشرعية السياسية للجيش، ولا يمكن أن تنجح التجربة في موقع آخر دون الشروط الموضوعية، وبالتالي لا يمكن استخدام كارت «الحرب على الإرهاب» كسلاح لتصفية المعارضة السياسية.
من جهة ثانية، لا يمكن استدامة «الحرب على الإرهاب» بعد فترة استقرار أمني نسبية متوقعة في الفترة القادمة في مصر، فالأوضاع الاقتصادية مقلقة للغاية؛ العجز والإنهاك المالي يرتفع بصورة مفزعة 14 في المائة من الناتج المحلي وبنسبة دين عام مائة في المائة، في حين يعيش أكثر من 25 في المائة من المواطنين المصريين دون خط الفقر.
هذه الأرقام تبدو متشائمة لكنها أيضا محفزة إذا ما قورن حجم التوافق الشعبي على السيسي ومنسوب العنف بمعطيات وأسباب تدوير الأزمات السياسية عادة، فأمام المشير السيسي فرصة ذهبية صعبة، لكنها غير مستحيلة وإذا كان خصومه يترصدون لفشله فبالتأكيد أن نجاحه سيغير معادلات سياسية كبيرة في المنطقة.
رأي القدس: اليمين المتطرّف الأوروبي: «أممية الكره»
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
الصعود العام للأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية يدلّ على وجود «وحدة حال» أوروبية ومزاج متشابه بين الناخبين فيها، لكن المثير للسخرية أن ما جمع الأحزاب الأوروبية تلك هو كره هذه الوحدة الأوروبية نفسها. صار حزب «يوكيب» البريطاني (24 مقعداً) و»الجبهة الوطنية» الفرنسية (25 مقعداً) وأمثالهما في الدنمارك والنمسا واليونان، قادرين على تأسيس «أممية» أوروبية جديدة يجمعها كره اجتماعهم معاً تحت راية «اليورو» المظفرة، وكذلك كرههم لبعضهم البعض. لكنّ «أممية الكره» هذه تضمّ أيضاً وبالتسلسل، بغض المهاجرين من أوروبا الشرقية، مثل بلغاريا ورومانيا وبولندا، ويتصدّر العرب والمسلمون رأس قائمة الكره بجدارة، وخصوصاً في بلد المساواة والحرية والعدالة: فرنسا.
ذهبت إذن أيام أحزاب أوروبا اليسارية التي قادت العالم وهي تتغنى بنشيد الكومونة الفرنسية (المارسيليز) «هبوا ضحايا الاضطهاد» حيث «غد الأممية يوحد البشر» والذي أضحى نشيد مئات الأحزاب الشيوعية في العالم (وكان النشيد الوطني السوفييتي بين أعوام 1917 و1944) وصارت البروليتاريات الأوروبية المتضامنة تحت شعار «يا عمّال العالم اتحدوا» تصوّت لليمين المتطرّف كاره الغرباء، وخصوصاً منهم العمّال! والحقيقة تقال أن الظاهرة ليست أوروبية محضة بل هي حصيلة اعتمال عناصر التغيّر العميقة في العالم الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. هذا التغير بدأ عملياً مع تفكّك الإتحاد السوفييتي وانهيار جدار برلين واتخاذ الجمهوريات التي كانت خاضعة للاتحاد السوفييتي لخطّ الالتحاق بأوروبا.
شكّلت روسيا، قائدة الاتحاد السوفييتي، وأمريكا، قائدة العالم الغربي، عملياً، نوعاً من التوازن الزرادشتي بين الخير والشرّ (بحسب موقع الناظر)، وحين هوت روسيا المتحوّلة امبريالية في افغانستان، فتحت الباب لاختلال العالم، سلميّاً، مع انضمام بلدان اوروبية الى اوروبا الغربية سياسيا واقتصاديا وعسكريا، او عسكرياً مع أحداث البوسنة وكوسوفو. بعد الاختلال العالمي الذي قادته أوروبا الشرقية كان على العرب انتظار ما يقرب من عشرين عاماً لتصلهم موجة التغييرات، ولكنهم كانوا أثناءها قد اكتووا بآثار عودة «العرب الأفغان»، وكانت تلك «مكافأة نهاية الخدمة» من أمريكا للعرب الذين موّلوا عملية اسقاط الاتحاد السوفييتي؛ ثم اكتوى العرب بمفاعيل احتلال العراق عام 2003 وكان الاختلال الإقليمي الكبير لديهم هو تسليمه لإيران، وإذا أضيف كل ذلك الى وجود «اسرائيل» استحال الفتق صدعاً استراتيجياً هائلاً لن يستطيع العرب ولا العالم الخروج منه دون كلفة باهظة.
رفع الربيع العربي آمال العرب بالخروج من المأزق الوجودي الاستراتيجي، وبعد تأييد عالمي خجول لهذه الآمال في مصر وتونس وليبيا واليمن، فتحت الإنعزالية الأمريكية الباب على مصراعيه لذئاب التطرّف العالمية الجائعة: روسيا القومية المجروحة الكرامة والمعتدّة بثروتها المتزايدة وأراضيها الشاسعة وديناميكية قواتها العسكرية الواقفة بالمرصاد في سوريا ثم اوكرانيا، والعملاق الصيني، حليف روسيا، الذي يريد أن يحصّن عسكرياً ما زرعه اقتصادياً، وإيران التي استفاقت فجأة على إمبراطورية تحاذي البحر المتوسط، واحتمت بظلال العملاقين، اللذين يجمعهما بها تأييد الدكتاتوريات في العالم، ومحاربة «الإرهاب» – السنّي منه تحديداً -.
في خلفيّة كل ذلك يتجوّل شبح الإسلام السلفيّ المسلح على طريقة «القاعدة» والذي عاش مخاض أحداث افغانستان والعراق وفلسطين والجزائر وسوريا، وغدا موضوعا لتدمير الآخرين والذات، وللتلاعب السياسي المتعدد، بحيث غدا قوة تدميرية هائلة تصيب صورة المسلمين في الصميم وتصنع الخراب العام، ولا يواجهها العالم كله إلا بخراب عميم مماثل أساسه القمع والبطش اللذان يعيدان توليد المأساة لا حلّها. يغوص العالم في الاستقطابات، وتنتهز أحزاب اليمين الأوروبي هذه الفرصة لتنغمس أيضا في حمأة التطرّف المتصاعد في العالم، تساندها موجات الكراهية والتنميطات في وسائل إعلامها الجبارة، مما يعمم أيديولوجيا تحميل الغرباء مسؤولية كل ترد اقتصادي او سياسي او اجتماعيّ ويبرر النكوص الى حالة من المرضيّة العنصرية الموجّهة ضد الجميع. وفي بلاد العرب، يختصر الصراع المعقّد الجاري بين الثورات العربية والثورات المضادّة، خلاصة كل ذلك، وبالتالي تتنجدل المعركة ضد التحامل على العروبة والاسلام، بالضرورة، مع المعركة ضد الاستبداد.
لماذا الرهان العربي على مصر
بقلم: خير الله خير الله عن العرب اللندنية
من إيجابيات الانتخابات الرئاسية المصرية، إقبال المواطنين على صناديق الاقتراع بشكل عفوي. كان الإقبال، رغم أنّه بقي في حدود المتوسط، دليلا على أن الانتخابات جاءت نتيجة منطقية لثورة شعبية حقيقية أكّدت رفض المصريين لحكم الإخوان المسلمين من جهة، وسعيهم إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة تعيد مصر إلى المصريين من جهة أخرى.
عاجلا أم آجلا، سيتبيّن ما إذا كانت الانتخابات ستشكّل علامة فارقة في التاريخ المصري الحديث. سيتبيّن ما إذا كان المصريون سيربحون رهانهم على مستقبل أفضل. سيتبيّن خصوصا ما إذا كانت مشاكل مصر، وهي مشاكل ضخمة، قابلة للحلّ، أمّ أن مصر ستغرق في هذه المشاكل وسيظلّ النمو السكاني ذو الطابع العشوائي يلتهم، مسبقا، كلّ تقدّم يمكن أن يتحقّق في مجال النموّ الاقتصادي.
قبل كلّ شيء، ومن أجل أن يكون الرهان على تحسّن الوضع المصري ممكنا، كان لابدّ من التخلص من حكم الإخوان المسلمين. فعل المصريون ذلك عندما نزلوا إلى الشارع بالملايين في الثلاثين من يونيو الماضي.
حملت ثورتهم اسم «الثلاثين من يونيو» وكانت تعبيرا عن وعي سياسي للمخاطر المحدقة بخطف الإخوان لـ”ثورة الخامس والعشرين من يناير” من أجل الاستيلاء على السلطة، ولا شيء آخر غير السلطة.
وضع المصريون حدّا لنظام لا يمتلك أي مشروع سياسي متطوّر أو أيّة رؤية اقتصادية من أي نوع. لم يكن لدى القيّمين على النظام، الذين وضعوا الرئيس المخلوع محمّد مرسي في الواجهة، من همّ آخر غير السلطة. كان هناك استعداد حتّى للدخول في صفقات مشبوهة مع إيران وغير إيران من أجل ضمان البقاء في السلطة. ليس معروفا، إلى اليوم، ما الذي جاء يفعله في القاهرة محمود أحمدي نجاد الرئيس الإيراني، وقتذاك. لماذا أصرّ أيضا على زيارة الأزهر؟ كانت زيارته للأزهر، ثم بدْءُ مجيء «السيّاح» الإيرانيين، بداية وعي لدى المصريين إلى أن شيئا ما يعد لهم في الخفاء بين القاهرة وطهران.
لم تكن العلاقة الغامضة مع طهران وحدها التي أثارت التساؤلات. كانت هناك تصرّفات مريبة كثيرة من بينها العلاقة مع «حماس» التي أقامت «إمارة إسلامية» على الطريق الطالبانية في غزّة، فضلا، في طبيعة الحال، عن نشر الإرهاب في سيناء. كان الهدف من نشر الإرهاب، الذي في أساسه العلاقة بين الإخوان في مصر وقيادة «حماس» في غزّة، ضرب المؤسسة العسكرية والأمنية المصرية وإلهاءها بما يدور في منطقة صحراوية شاسعة تصعب السيطرة عليها.
فوق ذلك كلّه، كان ذلك الدور المشبوه للنظام الإخواني الساعي إلى التقرّب من الإدارة الأميركية، ومحاولة طمأنتها إلى أن أمن اسرائيل مضمون في ظلّ المصلحة المشتركة القائمة بين القاهرة الإخوانية وغزة الحمساوية.
أسقط المصريون نظام الإخوان. ساعدتهم المؤسسة العسكرية في تلبية هذا الطموح. ترافق ذلك مع استيعاب عربي لأهمّية استعادة مصر وتفادي سقوطها في الفخّ الذي ينصبه الإخوان لها. كان هذا الدعم العربي الذي بدأ سعوديا- إماراتيا- كويتيا- أردنيا بمثابة دليل على أنّ هناك بين العرب من هو على استعداد لتقديم مصلحة الإقليم على كلّ ما عداها. كان هناك استعداد عربي من هذا النوع، بغض النظر عمّا تريده أو تفكّر فيه أو تخطّط له إدارة أميركية مستعدة لغزل في العمق مع الإخوان من جهة، ولإعطاء الأولوية للملف النووي الإيراني، متجاهلة ما تقوم به طهران في الإقليم من جهة أخرى.
هناك عوامل عدّة، في مقدّمها “ثورة الثلاثين من يونيو”، أوصلت إلى الانتخابات الرئاسية المصرية. هذه الانتخابات قد تشكّل منعطفا، خصوصا أن المشير عبد الفتّاح السيسي المرجح أن يفوز في الانتخابات، يمتلك رؤية واضحة على الصعيدين الداخلي والإقليمي. تكمن أهمّية المشير السيسي في استيعابه لضخامة المشاكل المصرية أوّلا، وفي إدراكه أن هناك مسؤوليات تقع على عاتق مصر في محيطها ثانيا وأخيرا. هذه المسؤوليات ليست من نوع البذخ ولا تندرج في مجال البحث عن دور يذكّر بمصر الماضي، مصر الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. على العكس من ذلك، تندرج هذه المسؤوليات في صلب حماية الأمن المصري، أمن المواطن المصري وسلامة الأراضي المصرية ومياه النيل، شريان الحياة لأرض الكنانة.
بكلام أوضح لن يكون العبء الذي سيتحمله السيسي مقتصرا على الداخل. فمصر لا يمكنها البقاء مكتوفة أمام ما يجري في ليبيا. في النهاية، أمن مصر من أمن ليبيا. هذا لا يعني إيجاد مبررات لدخول مصر طرفا في المواجهة الدائرة بين قطاعات واسعة من الشعب الليبي والمتطرّفين من الإخوان المسلمين والمنتمين إلى مدرستهم. لكنّ مصر لن تستطيع في أي شكل أن تصبح حدودها مع ليبيا مصدرا لانتقال الإرهابيين إليها، مع كمّيات كبيرة من الأسلحة المخزنة في كلّ البلد وفق خطة مدروسة اعتمدها السعيد الذكر العقيد معمّر القذّافي طوال عهده الذي تجاوز عمره العقود الأربعة.
ما ينطبق على ليبيا التي تشكّل تهديدا للمنطقة كلها، من تونس، إلى الجزائر إلى منطقة الساحل الأفريقي وصولا إلى مصر، ينطبق على غزّة. لا يمكن لمصر التفرّج، إلى ما لا نهاية، على ما يدور في القطاع، حتّى لو هربت «حماس» إلى المصالحة الفلسطينية تفاديا منها لتحمّل مسؤولياتها تجاه الأمن في سيناء، وتجاه تصدير الإرهاب إلى داخل البلد العربي الأكبر.
يمكن الاسترسال في تعداد التحدّيات التي تواجه مصر على الصعيد الإقليمي. لكنّ الملفت في الأمر أنّه لم يعد بالإمكان فصل المشاكل الداخلية لمصر عن التحديات الإقليمية. لاشكّ أن الانتخابات الرئاسية خطوة في الطريق الصحيح، لكنّ الأكيد في الوقت ذاته أنّه ثمة حاجة إلى بقاء مصر موضع احتضان عربي. فمن دون مصر التي تتمتّع بحد أدنى من الاستقرار في الداخل ومن دون دور خارجي لمصر، يبدو التوازن الإقليمي مهدّدا أكثر من أي وقت.
إنّه توازن تحتاج إليه كلّ دولة عربية في ظلّ الهجمة الإيرانية في كلّ الاتجاهات، وفي ظلّ وجود إدارة أميركية ليس لديها ما تقدّمه سوى الاستمتاع بقتل النظام في دمشق ما يزيد على مئتي ألف سوري، وتدميره للبنية التحتية لهذا البلد وكلّ مدينة وقرية فيه. هذا ما يجعل الرهان العربي على مصر خيارا لم يكن هناك بديل منه، كما كان خيارا لابدّ منه في الوقت ذاته.
الوطن العربي ينتظر «قيامة» مصر: دول بلا رؤساء ورؤساء بلا دول
بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية
بينما تستكمل مصر بنيان دولتها العريقة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية تتبدى «دول» عربية أخرى متصدعة، متهاوية البنيان، مهددة في وجودها ذاته.
i. ففي سوريا الآن «رئيس» للجمهورية يعتزم التجديد لنفسه بولاية ثالثة بينما «الدولة»، الجمهورية العربية السورية، ممزقة الأوصال:
شمالها تحت النهب التركي في ظل سيطرة ميليشيات جبهات الإسلام السياسي متعددة الرايات والأهداف، أما في الجنوب، الذي طالما شكل جبهة الصد لاحتمالات توغل العدو الإسرائيلي في الداخل السوري، فأرض صراع بين جيش الدولة وميليشيات عسكرية وإسلامية أخرى تحظى بالرعاية السعودية في ظل إشراف أميركي مهمته تأمين استمرار الاضطراب من دون التورط في المسؤولية المباشرة عن تقسيم الدولة.
فأما الشرق العراقي فقد جمع الهدف الواحد، وهو مقاومة إرهاب التنظيمات الإسلامية المتفرعة عن «القاعدة»، «السلطتان المركزيتان» في كل من بغداد ودمشق، فتم التلاقي الاضطراري لمواجهة الخطر المشترك على النظامين القائمين في العراق وسوريا.
أما الغرب اللبناني فقد تكفل «حزب الله» بتأمينه بعد سلسلة معارك ضارية شملت الحدود اللبنانية السورية حتى أبواب حمص، وتأمين الطريق الدولية بين دمشق والساحل السوري، انطلاقاً من أن «المعركة ضد الإرهاب ذي الشعار الإسلامي واحدة»، إضافة إلى رد الجميل لسوريا التي دعمت معركة التحرير لإجلاء العدو الإسرائيلي عن الأرض اللبنانية التي كان يحتلها بين 1978 والعام ألفين، ثم استضاف مئات آلاف اللبنانيين الذين شردتهم الحرب الإسرائيلية صيف العام 2006 عن ديارهم بينما المقاومة تواصل صد العدو الذي لا يُقهر حتى هزمته واضطرته إلى الانسحاب من كامل الأرض اللبنانية، محققة نصراً عسكرياً مبيناً قبل ثماني سنوات.
ii. فإذا ما تأملنا خريطة العراق لوجدناها قد شهدت تقسيماً أخرج منها الشمال الكردي إلى «إقليم» تحاول قيادته استكمال بناء «دولة» لها فيه، تحت ستار الحكم «الكونفدرالي» بقيادة المركز، بغداد... وها هي الآن تهدد بالانفصال وإقامة «دولتها» المستقلة، متذرعة بديكتاتورية نوري المالكي، وبالانقسام الشيعي - السني في العراق الذي تجاوز حدود الخلاف السياسي عائداً إلى تراث «الفتنة الكبرى» كتبرير جديد - قديم لتقسيم أرض الرافدين على قاعدة مذهبية، إضافة إلى القاعدة العنصرية المستجدة: عرب وكرد وأقليات أخرى.
باختصار: لا دولة مركزية في العراق الآن، ومن الصعب افتراض النجاح في إعادة بنائها واستحضارها كقوة استقرار ومنعة في المدى المنظور، وهذه أقبح «ثمار» الاحتلال الأميركي للعراق بذريعة إسقاط طغيان صدام.
iii. فإذا ما انتقلنا إلى أقصى الشرق نحو اليمن السعيد لواجهتنا حروب الانفصال تنهش الدولة المركزية التي استولدت قيصرياً فظلت أضعف مما يجب.. وها هي تتعرض، وفي وقت واحد، لصراعات قبلية ومذهبية تستبطن مشاريع سياسية متناقضة تتصارع فيها وعليها دول المحيط، السعودية أساساً وإيران، في غياب سائر العرب، وأبرزهم وأقواهم تأثيراً مصر، التي يحجبها انشغالها بذاتها عن ممارسة دورها القومي باتساع الوطن العربي الكبير.
....
قبل الانتقال إلى المغرب العربي لا بد من وقفات سريعة أمام أوضاع ما تبقى من دول المشرق، ولو بشكل مختصر سريع:
÷ فأما المملكة العربية السعودية فتعيش أجواء مرحلة انتقالية وتشهد عملية تبديل في المواقع الحاكمة من شأنها تعديل ميزان القوى بين ذرية أبناء المؤسس عبد العزيز آل سعود، اذ يتراجع نفوذ «السديريين»، الذين كانوا يحكمون المملكة بمواقع السلطة فيها (فهد ملكاً، سلطان في الدفاع، نايف في الداخلية، سلمان أمير الرياض ـ العاصمة، نواف أميراً على المنطقة الشرقية النفطية إلخ..).
÷ وأما دولة الإمارات العربية المتحدة فقد اختارت حليفها الأكبر، السعودية، فوطدت العلاقات معها من خارج إطار مجلس التعاون الخليجي.. وكان لافتاً أن يزور الأمير سعود الفيصل الإمارات مؤخراً، وأن يصدر بيان مشترك بين السعودية والإمارات يتمايز في نصه وفي مضمونه عن بيانات مجلس التعاون الخليجي باتخاذ مصر نقطة لقاء مشترك سياسة موحدة، وكأنها تمهد لمحور ثلاثي: القاهرة ـ الرياض ـ أبو ظبي..
÷ بينما اختارت الكويت تعزيز موقفها «المستقل» نسبياً، محافظة على هامش للحركة، أوسع من الإطار الذي حدده مجلس التعاون الخليجي..
÷ وتبقى قطر خارجة على البيت الخليجي، وعلى الموقف العربي الهش عموماً، عبر توطيد علاقاتها بـ«الإخوان المسلمين»، سواء عبر «مرشدهم» الشيخ القرضاوي، أو عبر التنظيم الدولي الذي نزل إلى الميدان بعد انتكاسة «الإخوان» بخسارتهم الفادحة في مصر..
÷ قبل أن نغادر المشرق لا بد من الإشارة إلى أن الأردن يبدو الآن وكأنه «الدولة الوحيدة» في المشرق، والمحصنة بالتأييد الأميركي ـ الغربي ـ الإسرائيلي المطلق، وبالدعم النفطي (السعودية والإمارات...وقطر)، من دون أن يتورط مباشرة في الحرب على سوريا وفيها، فهو يقدم «الخدمات» للطرفين.
هكذا هي خريطة المشرق إذن: لبنان دولة بلا رئيس، والانتخابات الرئاسية ثم النيابية معلقة على تفاهم دولي لما يحصل بعد،
سوريا رئيس بلا دولة، كالتي كانت متماسكة وقوية ومؤثرة في خارجها القريب والبعيد،
العراق: بلا دولة، بل إن دولته القديمة مهددة بتقاسم على قواعد مذهبية وعنصرية تكاد تذهب إلى فتنة لا ضابط لها لأن المستفيدين منها أقوى من ضحاياها.
فإذا ما انتقلنا إلى مغرب الأرض العربية، فلسوف يطالعنا المشهد التالي:
÷ في مصر: دولة عريقة وعتيقة تحتاج تجديداً وتحديثاً.. وكل ذلك يتطلب إمكانات هائلة غير متوفرة فيها، وهي تطلبها من دول الخليج (السعودية والإمارات أساساً) ثم من المؤسسات الدولية (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، الاتحاد الأوروبي)... وكل هذه الصناديق والهيئات الدولية تخضع للقرار الأميركي، بما في ذلك دول الخليج. ولا أحد يمنح مجاناً، فلكل هبة ثمنها السياسي، ولكل قرض شروطه السياسية.
ودور مصر العربي معطل حالياً بسبب النقص في قدراتها وانشغالها بتأمين دولتها والتزاماتها تجاه حاجيات شعبها أولاً، وهذا سيشغلها لفترة من الزمن قد تطول.
÷ في السودان: تقطعت أوصال الدولة، بانفصال الجنوب، وثمة حرب مفتوحة في الشرق والغرب مع قوى انفصالية تجد من يدعهما لأسباب مختلفة أخطرها النفط.. وهكذا يتحول السودان إلى عبء على مصر، لا سيما في قضية مياه النيل بدل أن يكون حليفها من موقع الشريك في الضرر كما في الفوائد.
÷ فإذا ما وصلنا إلى ليبيا، تبدت الكارثة بحجمها الحقيقي المخيف: انهارت الدولة، التي كانت تتجسد في شخص واحد لا شريك له، هو الراحل معمر القذافي، وتوزعت قدراتها العسكرية والنفطية والجيوسياسية أيدي سبأ. السلاح الذي كان دائماً يفوق حاجتها، «منهبة» مفتوحة لكل قادر على أخذه، والكل راغب في استخدامه خارج حدودها.. والقوى السياسية فيها «رمزية» الوجود، ما عدا التيارات الإسلامية، التي «توزع» السلاح حسب أغراضها، فترسل ما تيسر منه إلى مصر عبر الصحراء الغربية أو عبر السودان إلى سيناء، أو إلى سوريا عبر لبنان... أما في الداخل فتسود فوضى السلاح مهددة تونس والجزائر التي علت فيها صيحات الحرب على الفوضى الليبية..
وطبيعي أن هذا الفلتان المسلح في ليبيا يهدد جيرانها جميعاً، وبالذات الانتفاضة في تونس، ثم إن الحذر الجزائري قد يتجاوز»السياسة» إلى الفعل العسكري، لا سيما وأن الدولة الجزائرية برئيسها الذي تم التجديد له برغم عجزه الفاضح، لا تتحمل المغامرات السياسية التي قد تنقلب إلى مواجهات بالسلاح في أي لحظة... تحت الرعاية الأميركية.
هكذا تنقسم البلاد العربية بين دول بلا رؤساء، ورؤساء بلا دول... وهي بالإجمال تفتقر إلى البنيان المتماسك والصلب، ومعظمها يعيش في ظلال حرب أهلية معلنة أو مرجأة.
ويظل الأمل في أن تنهض دولة مصر، برغم الصعاب وأسباب الضعف، اقتصادياً على الأقل، وأن تباشر دورها الذي لا بديل منه، فهي ـ بداية وانتهاءً ـ «الدولة» ذات الشرعية التاريخية وذات الركائز الثابتة على اختلاف العصور.
أما حديث الديموقراطية في البلاد العربية فلا بد من إرجائه في انتظار أن تقوم فيها «دول» بحق وحقيق.
شعار “دفع الثمن” الصهيوني
بقلم: د . فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
هل ستفتح أبواب دمشق أمام حركة حماس؟
بقلم: جمال ايوب عن رأي اليوم
تفكيك الخطاب الديني للمشير السيسي
بقلم: خليل العناني عن الحياة اللندنية
30 يونيو ودول الربيع العربي
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط
رأي القدس: اليمين المتطرّف الأوروبي: «أممية الكره»
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
لماذا الرهان العربي على مصر
بقلم: خير الله خير الله عن العرب اللندنية
الوطن العربي ينتظر «قيامة» مصر: دول بلا رؤساء ورؤساء بلا دول
بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية
شعار “دفع الثمن” الصهيوني
بقلم: د . فايز رشيد عن الخليج الاماراتية
ينتهج المستوطنون "الإسرائيليون" سياسة انتقامية منهجية مجرمة تُعرف باسم "دفع الثمن"، وأخرى تمجد الحاخام مئير كاهانا مؤسس حركة "كاخ" العنصرية المعادية للعرب في الضفة الغربية، وفي المناطق الفلسطينية المحتلة في عام 1948 . الهجمات تتم ضد أهداف فلسطينية مثل تخريب وتدمير الممتلكات، وإحراق سيارات، والاعتداء على دور العبادة المسيحية والإسلامية، وإتلاف أو اقتلاع أشجار وبخاصة الزيتون . الشرطة "الإسرائيلية" وفقاً لإذاعة الجيش "لم تنجح في اعتقال غالبية منفذي الاعتداءات المعادية للفلسطينيين في الأشهر الأخيرة" . غريب أمر هذه الشرطة التي تتصرف بسرعة هي والجيش، حيث يتجمعان لاعتقال وملاحقة من يلقي حجراً واحداً على حافلة "إسرائيلية" من الفلسطينيين في غضون ساعات قليلة . كان ذلك خلال الانتفاضتين الفلسطينيتين وما قبلهما وما بعدهما حتى هذه اللحظة .
الشرطة والجيش في "إسرائيل" يقفان عاجزين عندما يعتدي المستوطنون على الفلسطينيين . إن في هذا لأكبر دليل على أن اعتداءات المستوطنين كافة تتم بالتنسيق بينهم وبين الشرطة والجيش "الإسرائيلي"، وتتم برضى هذين الطرفين، حتى وإن أمسكت الشرطة بأحدهم من المستوطنين فإنها تقوم رأساً بإخلاء سبيله . هذا ما يقوله المحامي حسين أبو حسين رئيس مجلس إدارة المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في دولة الكيان (عدالة)، ففي مقالة له في صحيفة "هآرتس" يقول: "إن إحراق المساجد والكنائس، وتدنيس الكتب المقدسة والمقابر، وتخريب سيارات العرب أصبحت ظاهرة معتادة، ليس في الضفة الغربية (بما في ذلك القدس) وإنما أيضاً في منطقة ،48 واستطرد قائلاً: "يتساءل المجتمع العربي - خاصة الشباب بشك عبر وسائل الإعلام الاجتماعية: لماذا تختفي سعة حيلة وسرعة قوات الأمن عندما يتعلق الأمر بالإرهاب اليهودي، لماذا لا يقوم جهاز الشين بيت بالتدخل؟ هل لأن الضحايا عرب؟" .
حرّي القول أولاً، إن المستوطنين هم جزء أساسي في الشارع "الإسرائيلي"، ويتزايد عددهم بنموٍ مطرد، إلى الحد الذي تتوقع فيه مصادر عديدة أنه بعد عقدين من الزمن سيمثلون القسم الأكبر من بين اليهود في دولة الكيان الصهيوني . ما نراه من اعتداءات للمستوطنين هو حصيلة للتربية النازية الجديدة في مناهج الدراسة "الإسرائيلية"، بدءاً من رياض الأطفال مروراً بالمدارس الدينية وصولاً إلى الجامعات . ما نراه هو نتيجة لتعاليم الحاخامات المتطرفين القائلين: "إن العربي الجيد هو العربي الميت"، و"إن العرب ليسوا أكثر من أفاعٍ وصراصير"، و"يجوز قتل العرب حتى أطفالهم" . هذه هي نماذج مما يتعلمه الشباب "الإسرائيليون" في المدارس الدينية . المستوطنون يعتدون يومياً على المسجد الأقصى، وينتهكون حرمته ويهاجمونه على شكل موجات، والحكومة "الإسرائيلية" تقوم بحفريات حوله وأسفله من أجل هدمه وانهياره وبناء الهيكل مكانه . المستوطنون يعتدون على الكنائس المسيحية والإسلامية، ووفقاً للمتحدثة باسم الشرطة "الإسرائيلية" لوبا سمري: بأنه تم توجيه التهم لثلاث فتيات اتهمن بالبصق على كاهن مسيحي قرب البلدة القديمة في القدس، حيث وجدت في حقائبهن أعلام "إسرائيلية" كتب عليها بالعبرية شعارات "دفع الثمن" و"الانتقام" .
في بعض الأحيان وفي سبيل التمويه والإشادة "بديمقراطية" دولة الكيان الصهيوني يقوم القضاء بمحاكمة بعض الشباب اليهود، لكن هذه الأحكام تترواح بين الغرامة المالية والاعتقال في أماكن خاصة (هي أبعد ما تكون عن ظروف السجن وهي أقرب إلى الفنادق) لبضعة أيام، ثم تقوم السلطات بإطلاق سراحهم . هذا في الوقت الذي يجري فيه اعتقال الفتيان الفلسطينيين تحت السن القانونية، وحالياً وفقاً لإحصاءات وزارة شؤون الأسرى الفلسطينيين، ففي المعتقلات الصهيونية 137 طفلاً فلسطينياً دون السن القانونية، ويجري غالباً الحكم عليهم بأحكام سجن طويلة، إضافة إلى الغرامات المالية . يعتقلون بتهمة إلقاء حجارة على آليات جيش الاحتلال الصهيوني . "العدالة" الصهيونية حكمت على الضابط المسؤول عن مجزرة دير ياسين "الضابط شيدمي" بغرامة مالية قدرها بضعة قروش! هذه العدالة حكمت على قاتل الناشطة الأمريكية المؤيدة للفلسطينيين راشيل كوري (وهو سائق جرافة وقفت أمامه معترضة محاولة منع هدم أحد البيوت الفلسطينية) بأن أخلت سبيله وأجازت دهسه لها . هذه هي (العدالة) في (الديمقراطية) الصهيونية .
يزداد نفوذ المؤسسة الدينية في الكيان الصهيوني بالمعنى السياسي، فدور هذه المؤسسة أيضاً في نمو، وممثلو أحزابها أعضاء في الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة وآخرها الحكومة الحالية، وهم ثمناً لدخولهم وتأييدهم لرئيس الوزراء، يحققون الكثير من المكاسب السياسية والكثير من الاشتراطات تلبى لهم، حيث بتنا نشهد تأثيرات دخولهم في هذه الحكومات، إضافة إلى أنهم يفرضون في الكنيست الكثير من مشاريع القوانين التي تصعب على أية حكومة "إسرائيلية" حالية أو قادمة التخلي عن أية مستوطنات في الضفة الغربية، هذا إلى جانب تقديم مشاريع قرارات (قوانين) تحد من حقوق العرب في منطقة (48) وهي المقزّمة أساساً، لذلك فالقضاء الصهيوني منحاز وفقاً للقوانين لمنتمي هذه الأحزاب، وتبرير ما يقومون به ضد الفلسطينيين .
إن شعار "دفع الثمن" هو آخر تقليعات واختراعات المستوطنين، للانتقام من الفلسطينيين وهذا يشي بإمكانية نمو هذه السياسة وتطورها على المدى المنظور والآخر البعيد، إلى خطوات قد يكون القتل إحداها، الأمر الذي يفرض على أهلنا في كافة المناطق الفلسطينية المحتلة، الحيطة والحذر وامتلاك الوسائل الكفيلة بالدفاع عن أنفسهم، ومقاومة هذه السياسة العنصرية الصهيونية الحاقدة .
هل ستفتح أبواب دمشق أمام حركة حماس؟
بقلم: جمال ايوب عن رأي اليوم
حركة حماس أدارت ظهرها إلى سوريا التي آوتها حين تخلى عنها كل العرب , وإلى إيران التي مولتها ومدتها بالسلاح والمال ، ومكنتها من تحقيق نصر على العدو الصهيوني في حين حاربها كل حكام العرب , وإلى حزب الله الذي دربهم على القتال والمواجهة مع العدو , هل أدرك خالد مشعل عندما رفع علم الإنتداب الفرنسي السوري بأنه خدم العدو الصهيوني ؟ هل أدركوا بعد تدمير و إضعاف سوريا عسكرياً وإقتصادياً وبشرياً , بأنهم هم أنفسهم المستهدفون من المؤامرة ؟
أن حماس لا موارد لديها وتعمل على أن تعود إلى المحور الإيراني – السوري مع حزب الله ، ويدل ذلك على المأزق الذي تواجهه حماس في بحر الشرق الأوسط العاصف , بعد خسارات حقيقية لحقت بحركة حماس بيدها قبل أيدي الآخرين ، الذين حتما يوجد من لا يرجو لها الخير ويضمر لها الشر، ويتمنى لها خسارات كثيرة تؤدي في النهاية إلى إندثارها ، نحن لم نكن ممن تمنوا لها الخسارة ، بل إننا معها لأنها حركة مقاومة ، إختارت الكفاح المسلح ومضت على طريقه ، فحققت شعبية فلسطينية وعربية وإسلامية ، ولم نتوقف عند خطابها الإخواني .
خطأ فادح مارسته أنها خضعت لأوامر القيادة العالمية للإخوان المسلمين ، وتساوقت مع مخططاتهم في الهيمنة على ما يسمى ثورات الربيع العربي وأنها كانت من أكبر الخاسرين بعد عزل مرسى والحرب الدائرة في سوريا , ومع هذه التطورات بدأت الحركة تتطلع حديثاً لإصلاح العلاقات المتضررة مع الحلفاء التقليديين في الشرق الأوسط وهم سوريا وإيران وحزب الله اللبناني ، وبالمقابل وجد محور المقاومة نفسه أمام خيارين، إما ترك حماس لمصيرها وهو خيار فيه مصلحة للمعسكر الآخر، أما الثاني فهو العمل لإعادتها إلى موقعها الطبيعي كقوة مقاومة في المنطقة، أمام هذا الواقع الجديد والظروف المستجدة يبدو أن حماس تعيد تموضعها تدريجاً خشية من الإختناق ، وتخوض مفاوضات مع طهران بغية العودة إلى الحضن السوري ، حركة حماس بدأت تدرك الخطأ الإستراتيجي الذى وقعت فيه بعد أن راهنت بكل أوراقها على نظام جماعة الإخوان المسلمين في مصر ، وخسرت دعم إيران وسوريا وحزب الله ولذلك تحاول الآن العودة ، لكن الأمر لن يكون سهلاً أبداً. إن لقاءات جمعت قادة الحركة بمسؤولين إيرانيين مؤخراً في محاولة لإنقاذ حركة حماس من الإنهيار في ظل أزمة مالية وسياسية حادة ، وهي بحث إستئناف العلاقات بين إيران وحماس بعد فترة من القطيعة والتوتر على خلفية تطورات الأزمة السورية ، التي إنحازت فيها إيران وحزب الله إلى جانب سوريا ، فيما إنحازت حماس إلى جانب المعارضة السورية .
غادرت حماس سوريا وكان السيد خالد مشعل لم يكن وحده صاحب مشروع الطلاق مع محور المقاومة ، وإدارة الظهر للنظام السوري ، وخرج من دمشق بطريقة إعلامية صادمة جرى توظيفها في مصلحة مشروع أعدائها أعداء دمشق من حكام العرب , شاطره الموقف نفسه معظم أعضاء المكتب السياسي في الحركة ، ولكنه يتحمل اللوم الأكبر بإعتباره الرئيس والقائد والمتربع في دمشق لسنوات ، وحظي فيها بكل الدعم والمساندة في وقت أغلقت معظم العواصم العربية أبوابها في وجهه تهرباً من تحمل تبعات خيار المقاومة، والغضبين الأمريكي والصهيوني , ونقل عن مصادر إن الرد الإيراني على طلب حماس عودة الدعم المالي والعسكري لها كان واضحاً وحاداً ، حيث قال الإيرانيون إنهم لن يقطعوا علاقاتهم بحماس ، وإن إيران ستزود حماس بالمال والسلاح ، مقابل شرط واحد فقط وهو أن تعود حماس لدعم الرئيس بشار الأسد وحزب الله. التقارير تقول أن وفد حماس وافق على الطلب الإيراني فوراً ، وأشادة السيد مشعل بالرئيس الأسد ، وقوله صراحة أن حماس لا يمكن أن تنسى دعم الرئيس الأسد وشعب سوريا للمقاومة والقضية الفلسطينية ، وترحيبه بحل الأزمة عبر الحل السياسي ، وموقف إيران الذي يطالب بتوحيد جهود المعارضة إلى جانب الجيش السوري لمواجهة الإرهاب والتطرف لإعادة فتح أبواب دمشق أمام حركة حماس مجدداً ، المعلومات تقول أن الرئيس بشار الأسد وضع فيتو على هذه العودة , إلى حين يخرج من بين صفوف الحركة من يطلق لغة مرنة ويستخدم لهجة الدعوة إلى إيجاد حل سياسي لمنع المزيد من الدماء السورية العزيزة دون أن ينكر فضل سوريا الدولة في مضمار دعم المقاومة طيلة المرحلة الماضية .
يوجد أسئلة عدة منها هل الرئيس بشار الاسد سيغفر لحماس بالعودة إلى محور المقاومة ؟ ؟ هل خالد مشعل بعد رفع علم الإنتداب الفرنسي سيرفع علم سوريا ؟ ؟ هل حماس سترفض قرارات للإخوان المسلمين ؟ ؟ هل حماس ستكون مع الدولة السورية وتقف ضد الإرهاب والتطرف في سوريا ؟؟ هل حماس ستلتزم في خط محور المقاومة ؟؟.
نحن بحاجة إلى وقت أطول لإستيعاب الصدمة ونتمنى أن تعود حماس إلى محور المقاومة .
تفكيك الخطاب الديني للمشير السيسي
بقلم: خليل العناني عن الحياة اللندنية
يقوم المرشح الرئاسي المشير عبدالفتاح السيسي باستدعاء مكثف للدين في حواراته ولقاءته في شكل لافت ومكرر. ولا يكاد يخلو حديث أو تعليق للرجل من استحضار وتكرار للآيات القرآنية والأحاديث النبوية من أجل دعم موقفه السياسي، أو إبراز وجهة نظره في قضايا بعينها كالمرأة والسياحة وغيرها. بيد أن ما يسترعي الانتباه ليس فقط استدعاء السيسي الدينَ قولاً واستشهاداً، وإنما ما يبدو وكأنه «مشروع» ديني ضامر ذو نزعة أيديولوجية تعكس رؤية معينة للحياة والكون ربما يحاول السيسي تطبيقها أو فرضها على المجتمع إذا أصبح رئيساً.
تفكيك الخطاب الديني للسيسي وفهم محتواه ودلالاته يتطلب إلقاء نظرة سريعة على نشأة الرجل ومعرفة تأثيرها في تكوينه المعرفي والفكري. وفي ضوء ما هو متاح من معلومات حول السنوات الأولى من حياة السيسي، وهي معلومات قليلة، سنكتشف أنه نشأ في منطقة الجمالية (حارة البروقية) القريبة من حي الحسين الذي يعد من أبرز المعالم الدينية في القاهرة، والذي تحيط به مجموعة كبيرة من المساجد والزوايا التي يمارس فيها الكثير من الشعائر والطقوس الدينية.
ومن الواضح أن نشأة السيسي داخل هذه الحاضنة الاجتماعية قد صاغت أفكاره ورؤيته الدينية في شكل أو في آخر. ومن الملفت أن السيسي ينتمي للعائلة نفسها التي جاء منها عباس السيسي، أحد القادة التاريخيين لجماعة «الإخوان المسلمين» والذي لعب دوراً مهماً في إعادة إحيائها في السبعينات. وقد حاول البعض الربط بين الرجلين (عبدالفتاح وعباس السيسي) بعد أن اختاره الرئيس محمد مرسي وزيراً للدفاع في آب (أغسطس) 2012 وهو ما نفاه نجل عباس السيسي.
تخرج السيسي في الكلية الحربية عام 1977 في وقت كانت الجماعات الإسلامية في أوج نشاطها الحركي والدعوي في الجامعات والمعاهد المصرية، وكان لها مؤيدون ومتعاطفون داخل الكليات العسكرية.
وقد بدأت أولى ملامح الخطاب والسلوك الديني للسيسي أثناء سفره إلى الولايات المتحدة عام 2004 للحصول على زمالة كلية الحرب العليا الأميركية في بنسلفانيا. وقد بدت ميوله الدينية بوضوح ليس فقط من خلال سلوكه المحافظ، والذي تشير إليه إحدى أساتذته في الجامعة، وإنما أيضاً من خلال مضمون أطروحته البحثية التي حملت عنوان «الديموقراطية في الشرق الأوسط»، والتي يشدّد فيها السيسي على أهمية الثقافة والدين في الحياة العامة وتأثيرهما في مسألة الديموقراطية في العالم العربي. وهو ما جعل البروفيسور روبرت سبرنغ بورغ، المختص في دراسة العلاقات المدنية - العسكرية في مصر، يتوقع أن يحاول السيسي إقامة نظام خليط ما بين الإسلاموية والعسكريتارية. في حين تشير خطابات السيسي ولقاءاته منذ أن أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية، إلى احتلال الدين مكانة رئيسية في الرسائل التي يحاول إيصالها إلى الجمهور.
وبوجه عام، فإن تحليل الخطاب الديني للسيسي وتفكيكه يكشفان أموراً عدة:
أولاً: أن تدين السيسي يتجاوز النزعة التدينية المحافظة التي تسم شريحة معتبرة من المصريين المعروفين بنزوعهم التقليدي نحو الدين إلى نوع من التدين «التنظيمي». ونقصد بذلك أن المعرفة الدينية للسيسي ليست مجرد معرفة سطحية، أو اختزالية كما هي الحال مع غالبية المصريين والتي جاءت نتيجة لموجة «السلفنة» والتدين الشعبي التي حدثت خلال العقد الماضي، وإنما هي معرفة تنظيمية تعكس مقداراً واضحاً من التنشئة الدينية داخل المحاضن الإسلاموية.
ثانياً: خطاب السيسي يكشف أن لديه رؤية دينية متماسكة تتجاوز الشعارات العامة ومغازلة الجمهور المتدين المحافظ في مصر للحصول على تأييده، إلى العمل على فرض تصور ونمط معين للحياة. وهو ما أكده السيسي في تصريح له أخيراً يشير فيه إلى ضرورة أن يكون للدولة وقائدها دور في حماية الدين والقيم والمبادئ في المجتمع.
ثالثاً: الخطاب الديني للسيسي فيه مقدار عال جداً من التسييس وهو ما يتضح على مستويين. الأول هو مستوى التوظيف السياسي للدين من خلال التشديد على دوره في الحياة العامة وصياغة سلوك الناس وأفعالهم، والثاني كأداة في الصراع مع جماعة «الإخوان المسلمين». لذا، لم يكن غريباً أن يصرح السيسي أنه قام بانقلاب 3 تموز (يوليو) «من أجل إنقاذ الإسلام ومصر من الإخوان». ومن المفارقات أن السيسي يبدو كأنه قد وقع في الإشكالية نفسها التي ينتقد بها جماعة «الإخوان» وهي استخدام الدين في الصراع السياسي.
رابعاً: الفهم الديني للسيسي يغلب عليه الطابع الأرثوذكسي التقليدي مع مسحة شعبوية تستبطن النزعة الصوفية (الرؤى والأحلام والبشارات) من جهة، والمحتوى السلفي من جهة أخرى. وهو ينتمي إلى مدرسة العقل الإحالي وليس التأويلي في فهم النصوص وإنزالها على الواقع.
خامساً: الخطاب الديني للسيسي هو خطاب دولتي فوقي بامتياز. فنشر الوعي الديني هو مسؤولية الدولة وأجهزتها. وهنا يشير السيسي إلى أن الدولة مسؤولة عن نشر «الوعي الديني الصحيح» بين المواطنين وذلك من أجل مواجهة الفكر المتطرف وفق قوله. وهو يكرر دائماً مقولة ضرورة تجديد الخطاب الديني، واستخدامه كأداة لنزع الشرعية عن الجماعات الإسلامية، خصوصاً «الإخوان».
من الواضح أن استخدام السيسي الخطاب الديني يتم في شكل ذكي. ويبدو أن جزءاً مهماً من الصراع بينه وبين «الإخوان» يدور حول الدين ليس فقط أنطولوجيا وأيديولوجيا (أي الفهم والتصورات والرؤى الذهنية) وإنما أيضاً لما يمثله من رأسمال اجتماعي ورمزي وروحي في الصراع السياسي والاجتماعي ومحاولات الهيمنة على المجال العام. لذا، ربما يحاول السيسي بناء كتلة اجتماعية مضادة لكتلة «الإخوان» يستثمر فيها تدينه ورؤيته المحافظة لشكل الدولة والمجتمع ومنظومة القيم الحاكمة. في حين يشير الالتزام الديني للسيسي بأن ثمة أخطاراً حقيقية ستواجه الحريات الشخصية، بخاصة فيما يتعلق بالحريات الدينية وحرية الاعتقاد. ولن يكون مفاجئاً أن يتبنى السيسي خطاباً متشدداً تجاه الأقليات الدينية الأخرى. كذلك من شأن بروز الخطاب الديني للسيسي أن يزيد الصراع مع الجماعات الإسلامية المتشددة التي ستضيف إلى أسباب خلافها معه الخلاف العقائدي وهو ما قد يزيد فرص عدم الاستقرار في البلاد.
وتظل المفارقة الأبرز في ما يخص ظاهرة تدين السيسي، هي موقف القوى الليبرالية والعلمانية، والتي يبدو أن بعضها قد أصيب بحالة من الإحباط والصدمة من الحضور الطاغي للدين في خطاب السيسي وأحاديثه. ويبدو أن صراعهم مع «الإخوان» قد منعهم من التعبير عن هذه الصدمة حتى لا يعطوا هذه الأخيرة فرصة للتشفي بهم. فكثير من أولئك الذين دعموا انقلاب 3 يوليو قد فعلوا ذلك تحت ذريعة التخوف من قيام «الإخوان» بتحويل مصر إلى دولة ثيوقراطية، ناهيك عن انتقاداتهم لما اعتبروه تضييقاً على الحريات الشخصية والدينية في عهد الرئيس محمد مرسي.
ربما لن يسعى السيسي، إذا أصبح رئيساً وهو المرجح، إلى تحويل مصر إلى دولة دينية على غرار النمط الإيراني، أو الباكستاني كما حدث في عهد الجنرال محمد ضياء الحق أواخر السبعينات وطيلة الثمانينات، لكنه قطعاً لن يبني دولة مدنية ديموقراطية حرة يتمتع فيها الأفراد بحرياتهم الشخصية من دون وصاية من الدولة ورئيسها.
30 يونيو ودول الربيع العربي
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط
الثورة التصحيحية في مصر التي قادها الشعب المصري 30 يونيو، يبدو أنها تلهم الآن آخرين في مواقع مختلفة، عدا أنها كانت ضمانة من تعملق مدّ «الإسلام السياسي» موجات الصعود في بلدان الربيع العربي وأبرزها ليبيا وفي العمق ثمة بلدان ربيعية تعمل المؤسسة العسكرية بواجهة مدنية، وهي قصّة تعكس صعود «العسكرة» في مقابل الإسلام السياسي حيث لا تقوى أي كتلة سياسية أخرى على مجابهته منفردة لأسباب طويلة متصلة بفترة صعود «الأصولية» ونشأتها.
الإشكالية ليست في صعود العسكرة، وإنما باعتبارها حالة قابلة للقياس والمقارنة وإعادة التكرار دون فهم الدوافع الكامنة خلف صعودها، وأبرزها كتل اجتماعية يمكن حشدها تجاه «الاستقرار» لكن لا يعني ذلك ضمانة ولائها السياسي بالمطلق، وإنما هو ولاء مشروط بالجانب الأمني والإحساس بالأمان يتجاوز أي دوافع نحو تغيير سياسي أو اقتصادي أو فيما يتصل بمسائل الحريات وحقوق الإنسان، فتلك قضايا تستلزم وعيا سياسيا تفقده هذه الجماهير العريضة التي منحت ثقتها لتجربة جديدة وهي الثورة، ثم لاحقا ارتدت عنها بعد اشتباكها مع أسلوب وممارسة الإسلام السياسي/ الإخوان وليس ضد المفاهيم العامة أيضا كما يتصور بعض الليبراليين، فالسياق العام والأفكار المؤسسة والمفاهيم ذات الامتداد الجماهيري أقرب إلى الإسلام السياسي في المجمل، ولذلك بدا الأمر مفاجئا باعتباره انقلابا ضد الذات.
الإرهاب الحقيقي الذي واجهته مصر بدءا من عمليات سيناء المبكرة التي أثبتت أن المواجهة السياسية عادة ما يترافق معها صعود موجات العنف والإرهاب الفوضوي، كان سببا رئيسا في تحول كتل اجتماعية بالكامل نحو خيار العسكرة وأهم كتلتين مؤثرتين هما «السلفيون» ولا أعني هنا فقط النخبة السلفية علماء ودعاة وكوادر فاعلة، وإنما الجماهير العريضة التي تقف وراءها والتي تتجاوز رقما وتأثيرا أي كتلة سياسية في طول العالم الإسلامي وعرضه، وبالطبع هناك كتل أقل تأثيرا لكنها في النهاية «سلفية» سياسيا كالمتصوفة والأقباط الذين كان لهم دور في ترسيخ مفهوم أولوية الأمن بدعمهم للجيش، وللحقيقة فحتى الأحزاب السياسية الفاعلة الليبرالية واليسارية وشباب الثورة رغم موقفهم تجاه الجيش فإن يقينهم بانهيار الجماعة الأم دفعهم للسطو على الفراغ الكبير في مقعد المعارضة والذي هو جزء من عملية التدافع السياسي الطبيعية والتي يجب أن لا تزعج صناع القرار.
التحالف «السلفي» السياسي الكبير الذي تحول إلى كتلة شعبية لها تأثيرها في مصر قد لا يتكرر في موقع آخر بسبب تفهم الإخوان خارج مصر للدرس جيدا ومحاولتهم العمل بالحد الأدنى من المطالب كما هو الحال في تونس واليمن.. إلخ.
والحال أن كل إمكانات وقدرات السيسي ومن ورائه الجيش المصري الوطني لم تكن لتؤتي أكلها لولا التحالف والدعم المطلق غير المشروط الذي حصل عليه من الكتل الاجتماعية التي وقفت وراءه في 30 يونيو، وهي من ساهمت في خلق حالة جديدة من الشرعية السياسية للجيش، ولا يمكن أن تنجح التجربة في موقع آخر دون الشروط الموضوعية، وبالتالي لا يمكن استخدام كارت «الحرب على الإرهاب» كسلاح لتصفية المعارضة السياسية.
من جهة ثانية، لا يمكن استدامة «الحرب على الإرهاب» بعد فترة استقرار أمني نسبية متوقعة في الفترة القادمة في مصر، فالأوضاع الاقتصادية مقلقة للغاية؛ العجز والإنهاك المالي يرتفع بصورة مفزعة 14 في المائة من الناتج المحلي وبنسبة دين عام مائة في المائة، في حين يعيش أكثر من 25 في المائة من المواطنين المصريين دون خط الفقر.
هذه الأرقام تبدو متشائمة لكنها أيضا محفزة إذا ما قورن حجم التوافق الشعبي على السيسي ومنسوب العنف بمعطيات وأسباب تدوير الأزمات السياسية عادة، فأمام المشير السيسي فرصة ذهبية صعبة، لكنها غير مستحيلة وإذا كان خصومه يترصدون لفشله فبالتأكيد أن نجاحه سيغير معادلات سياسية كبيرة في المنطقة.
رأي القدس: اليمين المتطرّف الأوروبي: «أممية الكره»
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
الصعود العام للأحزاب اليمينية المتطرفة في الانتخابات البرلمانية الأوروبية يدلّ على وجود «وحدة حال» أوروبية ومزاج متشابه بين الناخبين فيها، لكن المثير للسخرية أن ما جمع الأحزاب الأوروبية تلك هو كره هذه الوحدة الأوروبية نفسها. صار حزب «يوكيب» البريطاني (24 مقعداً) و»الجبهة الوطنية» الفرنسية (25 مقعداً) وأمثالهما في الدنمارك والنمسا واليونان، قادرين على تأسيس «أممية» أوروبية جديدة يجمعها كره اجتماعهم معاً تحت راية «اليورو» المظفرة، وكذلك كرههم لبعضهم البعض. لكنّ «أممية الكره» هذه تضمّ أيضاً وبالتسلسل، بغض المهاجرين من أوروبا الشرقية، مثل بلغاريا ورومانيا وبولندا، ويتصدّر العرب والمسلمون رأس قائمة الكره بجدارة، وخصوصاً في بلد المساواة والحرية والعدالة: فرنسا.
ذهبت إذن أيام أحزاب أوروبا اليسارية التي قادت العالم وهي تتغنى بنشيد الكومونة الفرنسية (المارسيليز) «هبوا ضحايا الاضطهاد» حيث «غد الأممية يوحد البشر» والذي أضحى نشيد مئات الأحزاب الشيوعية في العالم (وكان النشيد الوطني السوفييتي بين أعوام 1917 و1944) وصارت البروليتاريات الأوروبية المتضامنة تحت شعار «يا عمّال العالم اتحدوا» تصوّت لليمين المتطرّف كاره الغرباء، وخصوصاً منهم العمّال! والحقيقة تقال أن الظاهرة ليست أوروبية محضة بل هي حصيلة اعتمال عناصر التغيّر العميقة في العالم الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية. هذا التغير بدأ عملياً مع تفكّك الإتحاد السوفييتي وانهيار جدار برلين واتخاذ الجمهوريات التي كانت خاضعة للاتحاد السوفييتي لخطّ الالتحاق بأوروبا.
شكّلت روسيا، قائدة الاتحاد السوفييتي، وأمريكا، قائدة العالم الغربي، عملياً، نوعاً من التوازن الزرادشتي بين الخير والشرّ (بحسب موقع الناظر)، وحين هوت روسيا المتحوّلة امبريالية في افغانستان، فتحت الباب لاختلال العالم، سلميّاً، مع انضمام بلدان اوروبية الى اوروبا الغربية سياسيا واقتصاديا وعسكريا، او عسكرياً مع أحداث البوسنة وكوسوفو. بعد الاختلال العالمي الذي قادته أوروبا الشرقية كان على العرب انتظار ما يقرب من عشرين عاماً لتصلهم موجة التغييرات، ولكنهم كانوا أثناءها قد اكتووا بآثار عودة «العرب الأفغان»، وكانت تلك «مكافأة نهاية الخدمة» من أمريكا للعرب الذين موّلوا عملية اسقاط الاتحاد السوفييتي؛ ثم اكتوى العرب بمفاعيل احتلال العراق عام 2003 وكان الاختلال الإقليمي الكبير لديهم هو تسليمه لإيران، وإذا أضيف كل ذلك الى وجود «اسرائيل» استحال الفتق صدعاً استراتيجياً هائلاً لن يستطيع العرب ولا العالم الخروج منه دون كلفة باهظة.
رفع الربيع العربي آمال العرب بالخروج من المأزق الوجودي الاستراتيجي، وبعد تأييد عالمي خجول لهذه الآمال في مصر وتونس وليبيا واليمن، فتحت الإنعزالية الأمريكية الباب على مصراعيه لذئاب التطرّف العالمية الجائعة: روسيا القومية المجروحة الكرامة والمعتدّة بثروتها المتزايدة وأراضيها الشاسعة وديناميكية قواتها العسكرية الواقفة بالمرصاد في سوريا ثم اوكرانيا، والعملاق الصيني، حليف روسيا، الذي يريد أن يحصّن عسكرياً ما زرعه اقتصادياً، وإيران التي استفاقت فجأة على إمبراطورية تحاذي البحر المتوسط، واحتمت بظلال العملاقين، اللذين يجمعهما بها تأييد الدكتاتوريات في العالم، ومحاربة «الإرهاب» – السنّي منه تحديداً -.
في خلفيّة كل ذلك يتجوّل شبح الإسلام السلفيّ المسلح على طريقة «القاعدة» والذي عاش مخاض أحداث افغانستان والعراق وفلسطين والجزائر وسوريا، وغدا موضوعا لتدمير الآخرين والذات، وللتلاعب السياسي المتعدد، بحيث غدا قوة تدميرية هائلة تصيب صورة المسلمين في الصميم وتصنع الخراب العام، ولا يواجهها العالم كله إلا بخراب عميم مماثل أساسه القمع والبطش اللذان يعيدان توليد المأساة لا حلّها. يغوص العالم في الاستقطابات، وتنتهز أحزاب اليمين الأوروبي هذه الفرصة لتنغمس أيضا في حمأة التطرّف المتصاعد في العالم، تساندها موجات الكراهية والتنميطات في وسائل إعلامها الجبارة، مما يعمم أيديولوجيا تحميل الغرباء مسؤولية كل ترد اقتصادي او سياسي او اجتماعيّ ويبرر النكوص الى حالة من المرضيّة العنصرية الموجّهة ضد الجميع. وفي بلاد العرب، يختصر الصراع المعقّد الجاري بين الثورات العربية والثورات المضادّة، خلاصة كل ذلك، وبالتالي تتنجدل المعركة ضد التحامل على العروبة والاسلام، بالضرورة، مع المعركة ضد الاستبداد.
لماذا الرهان العربي على مصر
بقلم: خير الله خير الله عن العرب اللندنية
من إيجابيات الانتخابات الرئاسية المصرية، إقبال المواطنين على صناديق الاقتراع بشكل عفوي. كان الإقبال، رغم أنّه بقي في حدود المتوسط، دليلا على أن الانتخابات جاءت نتيجة منطقية لثورة شعبية حقيقية أكّدت رفض المصريين لحكم الإخوان المسلمين من جهة، وسعيهم إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة تعيد مصر إلى المصريين من جهة أخرى.
عاجلا أم آجلا، سيتبيّن ما إذا كانت الانتخابات ستشكّل علامة فارقة في التاريخ المصري الحديث. سيتبيّن ما إذا كان المصريون سيربحون رهانهم على مستقبل أفضل. سيتبيّن خصوصا ما إذا كانت مشاكل مصر، وهي مشاكل ضخمة، قابلة للحلّ، أمّ أن مصر ستغرق في هذه المشاكل وسيظلّ النمو السكاني ذو الطابع العشوائي يلتهم، مسبقا، كلّ تقدّم يمكن أن يتحقّق في مجال النموّ الاقتصادي.
قبل كلّ شيء، ومن أجل أن يكون الرهان على تحسّن الوضع المصري ممكنا، كان لابدّ من التخلص من حكم الإخوان المسلمين. فعل المصريون ذلك عندما نزلوا إلى الشارع بالملايين في الثلاثين من يونيو الماضي.
حملت ثورتهم اسم «الثلاثين من يونيو» وكانت تعبيرا عن وعي سياسي للمخاطر المحدقة بخطف الإخوان لـ”ثورة الخامس والعشرين من يناير” من أجل الاستيلاء على السلطة، ولا شيء آخر غير السلطة.
وضع المصريون حدّا لنظام لا يمتلك أي مشروع سياسي متطوّر أو أيّة رؤية اقتصادية من أي نوع. لم يكن لدى القيّمين على النظام، الذين وضعوا الرئيس المخلوع محمّد مرسي في الواجهة، من همّ آخر غير السلطة. كان هناك استعداد حتّى للدخول في صفقات مشبوهة مع إيران وغير إيران من أجل ضمان البقاء في السلطة. ليس معروفا، إلى اليوم، ما الذي جاء يفعله في القاهرة محمود أحمدي نجاد الرئيس الإيراني، وقتذاك. لماذا أصرّ أيضا على زيارة الأزهر؟ كانت زيارته للأزهر، ثم بدْءُ مجيء «السيّاح» الإيرانيين، بداية وعي لدى المصريين إلى أن شيئا ما يعد لهم في الخفاء بين القاهرة وطهران.
لم تكن العلاقة الغامضة مع طهران وحدها التي أثارت التساؤلات. كانت هناك تصرّفات مريبة كثيرة من بينها العلاقة مع «حماس» التي أقامت «إمارة إسلامية» على الطريق الطالبانية في غزّة، فضلا، في طبيعة الحال، عن نشر الإرهاب في سيناء. كان الهدف من نشر الإرهاب، الذي في أساسه العلاقة بين الإخوان في مصر وقيادة «حماس» في غزّة، ضرب المؤسسة العسكرية والأمنية المصرية وإلهاءها بما يدور في منطقة صحراوية شاسعة تصعب السيطرة عليها.
فوق ذلك كلّه، كان ذلك الدور المشبوه للنظام الإخواني الساعي إلى التقرّب من الإدارة الأميركية، ومحاولة طمأنتها إلى أن أمن اسرائيل مضمون في ظلّ المصلحة المشتركة القائمة بين القاهرة الإخوانية وغزة الحمساوية.
أسقط المصريون نظام الإخوان. ساعدتهم المؤسسة العسكرية في تلبية هذا الطموح. ترافق ذلك مع استيعاب عربي لأهمّية استعادة مصر وتفادي سقوطها في الفخّ الذي ينصبه الإخوان لها. كان هذا الدعم العربي الذي بدأ سعوديا- إماراتيا- كويتيا- أردنيا بمثابة دليل على أنّ هناك بين العرب من هو على استعداد لتقديم مصلحة الإقليم على كلّ ما عداها. كان هناك استعداد عربي من هذا النوع، بغض النظر عمّا تريده أو تفكّر فيه أو تخطّط له إدارة أميركية مستعدة لغزل في العمق مع الإخوان من جهة، ولإعطاء الأولوية للملف النووي الإيراني، متجاهلة ما تقوم به طهران في الإقليم من جهة أخرى.
هناك عوامل عدّة، في مقدّمها “ثورة الثلاثين من يونيو”، أوصلت إلى الانتخابات الرئاسية المصرية. هذه الانتخابات قد تشكّل منعطفا، خصوصا أن المشير عبد الفتّاح السيسي المرجح أن يفوز في الانتخابات، يمتلك رؤية واضحة على الصعيدين الداخلي والإقليمي. تكمن أهمّية المشير السيسي في استيعابه لضخامة المشاكل المصرية أوّلا، وفي إدراكه أن هناك مسؤوليات تقع على عاتق مصر في محيطها ثانيا وأخيرا. هذه المسؤوليات ليست من نوع البذخ ولا تندرج في مجال البحث عن دور يذكّر بمصر الماضي، مصر الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي. على العكس من ذلك، تندرج هذه المسؤوليات في صلب حماية الأمن المصري، أمن المواطن المصري وسلامة الأراضي المصرية ومياه النيل، شريان الحياة لأرض الكنانة.
بكلام أوضح لن يكون العبء الذي سيتحمله السيسي مقتصرا على الداخل. فمصر لا يمكنها البقاء مكتوفة أمام ما يجري في ليبيا. في النهاية، أمن مصر من أمن ليبيا. هذا لا يعني إيجاد مبررات لدخول مصر طرفا في المواجهة الدائرة بين قطاعات واسعة من الشعب الليبي والمتطرّفين من الإخوان المسلمين والمنتمين إلى مدرستهم. لكنّ مصر لن تستطيع في أي شكل أن تصبح حدودها مع ليبيا مصدرا لانتقال الإرهابيين إليها، مع كمّيات كبيرة من الأسلحة المخزنة في كلّ البلد وفق خطة مدروسة اعتمدها السعيد الذكر العقيد معمّر القذّافي طوال عهده الذي تجاوز عمره العقود الأربعة.
ما ينطبق على ليبيا التي تشكّل تهديدا للمنطقة كلها، من تونس، إلى الجزائر إلى منطقة الساحل الأفريقي وصولا إلى مصر، ينطبق على غزّة. لا يمكن لمصر التفرّج، إلى ما لا نهاية، على ما يدور في القطاع، حتّى لو هربت «حماس» إلى المصالحة الفلسطينية تفاديا منها لتحمّل مسؤولياتها تجاه الأمن في سيناء، وتجاه تصدير الإرهاب إلى داخل البلد العربي الأكبر.
يمكن الاسترسال في تعداد التحدّيات التي تواجه مصر على الصعيد الإقليمي. لكنّ الملفت في الأمر أنّه لم يعد بالإمكان فصل المشاكل الداخلية لمصر عن التحديات الإقليمية. لاشكّ أن الانتخابات الرئاسية خطوة في الطريق الصحيح، لكنّ الأكيد في الوقت ذاته أنّه ثمة حاجة إلى بقاء مصر موضع احتضان عربي. فمن دون مصر التي تتمتّع بحد أدنى من الاستقرار في الداخل ومن دون دور خارجي لمصر، يبدو التوازن الإقليمي مهدّدا أكثر من أي وقت.
إنّه توازن تحتاج إليه كلّ دولة عربية في ظلّ الهجمة الإيرانية في كلّ الاتجاهات، وفي ظلّ وجود إدارة أميركية ليس لديها ما تقدّمه سوى الاستمتاع بقتل النظام في دمشق ما يزيد على مئتي ألف سوري، وتدميره للبنية التحتية لهذا البلد وكلّ مدينة وقرية فيه. هذا ما يجعل الرهان العربي على مصر خيارا لم يكن هناك بديل منه، كما كان خيارا لابدّ منه في الوقت ذاته.
الوطن العربي ينتظر «قيامة» مصر: دول بلا رؤساء ورؤساء بلا دول
بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية
بينما تستكمل مصر بنيان دولتها العريقة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية تتبدى «دول» عربية أخرى متصدعة، متهاوية البنيان، مهددة في وجودها ذاته.
i. ففي سوريا الآن «رئيس» للجمهورية يعتزم التجديد لنفسه بولاية ثالثة بينما «الدولة»، الجمهورية العربية السورية، ممزقة الأوصال:
شمالها تحت النهب التركي في ظل سيطرة ميليشيات جبهات الإسلام السياسي متعددة الرايات والأهداف، أما في الجنوب، الذي طالما شكل جبهة الصد لاحتمالات توغل العدو الإسرائيلي في الداخل السوري، فأرض صراع بين جيش الدولة وميليشيات عسكرية وإسلامية أخرى تحظى بالرعاية السعودية في ظل إشراف أميركي مهمته تأمين استمرار الاضطراب من دون التورط في المسؤولية المباشرة عن تقسيم الدولة.
فأما الشرق العراقي فقد جمع الهدف الواحد، وهو مقاومة إرهاب التنظيمات الإسلامية المتفرعة عن «القاعدة»، «السلطتان المركزيتان» في كل من بغداد ودمشق، فتم التلاقي الاضطراري لمواجهة الخطر المشترك على النظامين القائمين في العراق وسوريا.
أما الغرب اللبناني فقد تكفل «حزب الله» بتأمينه بعد سلسلة معارك ضارية شملت الحدود اللبنانية السورية حتى أبواب حمص، وتأمين الطريق الدولية بين دمشق والساحل السوري، انطلاقاً من أن «المعركة ضد الإرهاب ذي الشعار الإسلامي واحدة»، إضافة إلى رد الجميل لسوريا التي دعمت معركة التحرير لإجلاء العدو الإسرائيلي عن الأرض اللبنانية التي كان يحتلها بين 1978 والعام ألفين، ثم استضاف مئات آلاف اللبنانيين الذين شردتهم الحرب الإسرائيلية صيف العام 2006 عن ديارهم بينما المقاومة تواصل صد العدو الذي لا يُقهر حتى هزمته واضطرته إلى الانسحاب من كامل الأرض اللبنانية، محققة نصراً عسكرياً مبيناً قبل ثماني سنوات.
ii. فإذا ما تأملنا خريطة العراق لوجدناها قد شهدت تقسيماً أخرج منها الشمال الكردي إلى «إقليم» تحاول قيادته استكمال بناء «دولة» لها فيه، تحت ستار الحكم «الكونفدرالي» بقيادة المركز، بغداد... وها هي الآن تهدد بالانفصال وإقامة «دولتها» المستقلة، متذرعة بديكتاتورية نوري المالكي، وبالانقسام الشيعي - السني في العراق الذي تجاوز حدود الخلاف السياسي عائداً إلى تراث «الفتنة الكبرى» كتبرير جديد - قديم لتقسيم أرض الرافدين على قاعدة مذهبية، إضافة إلى القاعدة العنصرية المستجدة: عرب وكرد وأقليات أخرى.
باختصار: لا دولة مركزية في العراق الآن، ومن الصعب افتراض النجاح في إعادة بنائها واستحضارها كقوة استقرار ومنعة في المدى المنظور، وهذه أقبح «ثمار» الاحتلال الأميركي للعراق بذريعة إسقاط طغيان صدام.
iii. فإذا ما انتقلنا إلى أقصى الشرق نحو اليمن السعيد لواجهتنا حروب الانفصال تنهش الدولة المركزية التي استولدت قيصرياً فظلت أضعف مما يجب.. وها هي تتعرض، وفي وقت واحد، لصراعات قبلية ومذهبية تستبطن مشاريع سياسية متناقضة تتصارع فيها وعليها دول المحيط، السعودية أساساً وإيران، في غياب سائر العرب، وأبرزهم وأقواهم تأثيراً مصر، التي يحجبها انشغالها بذاتها عن ممارسة دورها القومي باتساع الوطن العربي الكبير.
....
قبل الانتقال إلى المغرب العربي لا بد من وقفات سريعة أمام أوضاع ما تبقى من دول المشرق، ولو بشكل مختصر سريع:
÷ فأما المملكة العربية السعودية فتعيش أجواء مرحلة انتقالية وتشهد عملية تبديل في المواقع الحاكمة من شأنها تعديل ميزان القوى بين ذرية أبناء المؤسس عبد العزيز آل سعود، اذ يتراجع نفوذ «السديريين»، الذين كانوا يحكمون المملكة بمواقع السلطة فيها (فهد ملكاً، سلطان في الدفاع، نايف في الداخلية، سلمان أمير الرياض ـ العاصمة، نواف أميراً على المنطقة الشرقية النفطية إلخ..).
÷ وأما دولة الإمارات العربية المتحدة فقد اختارت حليفها الأكبر، السعودية، فوطدت العلاقات معها من خارج إطار مجلس التعاون الخليجي.. وكان لافتاً أن يزور الأمير سعود الفيصل الإمارات مؤخراً، وأن يصدر بيان مشترك بين السعودية والإمارات يتمايز في نصه وفي مضمونه عن بيانات مجلس التعاون الخليجي باتخاذ مصر نقطة لقاء مشترك سياسة موحدة، وكأنها تمهد لمحور ثلاثي: القاهرة ـ الرياض ـ أبو ظبي..
÷ بينما اختارت الكويت تعزيز موقفها «المستقل» نسبياً، محافظة على هامش للحركة، أوسع من الإطار الذي حدده مجلس التعاون الخليجي..
÷ وتبقى قطر خارجة على البيت الخليجي، وعلى الموقف العربي الهش عموماً، عبر توطيد علاقاتها بـ«الإخوان المسلمين»، سواء عبر «مرشدهم» الشيخ القرضاوي، أو عبر التنظيم الدولي الذي نزل إلى الميدان بعد انتكاسة «الإخوان» بخسارتهم الفادحة في مصر..
÷ قبل أن نغادر المشرق لا بد من الإشارة إلى أن الأردن يبدو الآن وكأنه «الدولة الوحيدة» في المشرق، والمحصنة بالتأييد الأميركي ـ الغربي ـ الإسرائيلي المطلق، وبالدعم النفطي (السعودية والإمارات...وقطر)، من دون أن يتورط مباشرة في الحرب على سوريا وفيها، فهو يقدم «الخدمات» للطرفين.
هكذا هي خريطة المشرق إذن: لبنان دولة بلا رئيس، والانتخابات الرئاسية ثم النيابية معلقة على تفاهم دولي لما يحصل بعد،
سوريا رئيس بلا دولة، كالتي كانت متماسكة وقوية ومؤثرة في خارجها القريب والبعيد،
العراق: بلا دولة، بل إن دولته القديمة مهددة بتقاسم على قواعد مذهبية وعنصرية تكاد تذهب إلى فتنة لا ضابط لها لأن المستفيدين منها أقوى من ضحاياها.
فإذا ما انتقلنا إلى مغرب الأرض العربية، فلسوف يطالعنا المشهد التالي:
÷ في مصر: دولة عريقة وعتيقة تحتاج تجديداً وتحديثاً.. وكل ذلك يتطلب إمكانات هائلة غير متوفرة فيها، وهي تطلبها من دول الخليج (السعودية والإمارات أساساً) ثم من المؤسسات الدولية (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، الاتحاد الأوروبي)... وكل هذه الصناديق والهيئات الدولية تخضع للقرار الأميركي، بما في ذلك دول الخليج. ولا أحد يمنح مجاناً، فلكل هبة ثمنها السياسي، ولكل قرض شروطه السياسية.
ودور مصر العربي معطل حالياً بسبب النقص في قدراتها وانشغالها بتأمين دولتها والتزاماتها تجاه حاجيات شعبها أولاً، وهذا سيشغلها لفترة من الزمن قد تطول.
÷ في السودان: تقطعت أوصال الدولة، بانفصال الجنوب، وثمة حرب مفتوحة في الشرق والغرب مع قوى انفصالية تجد من يدعهما لأسباب مختلفة أخطرها النفط.. وهكذا يتحول السودان إلى عبء على مصر، لا سيما في قضية مياه النيل بدل أن يكون حليفها من موقع الشريك في الضرر كما في الفوائد.
÷ فإذا ما وصلنا إلى ليبيا، تبدت الكارثة بحجمها الحقيقي المخيف: انهارت الدولة، التي كانت تتجسد في شخص واحد لا شريك له، هو الراحل معمر القذافي، وتوزعت قدراتها العسكرية والنفطية والجيوسياسية أيدي سبأ. السلاح الذي كان دائماً يفوق حاجتها، «منهبة» مفتوحة لكل قادر على أخذه، والكل راغب في استخدامه خارج حدودها.. والقوى السياسية فيها «رمزية» الوجود، ما عدا التيارات الإسلامية، التي «توزع» السلاح حسب أغراضها، فترسل ما تيسر منه إلى مصر عبر الصحراء الغربية أو عبر السودان إلى سيناء، أو إلى سوريا عبر لبنان... أما في الداخل فتسود فوضى السلاح مهددة تونس والجزائر التي علت فيها صيحات الحرب على الفوضى الليبية..
وطبيعي أن هذا الفلتان المسلح في ليبيا يهدد جيرانها جميعاً، وبالذات الانتفاضة في تونس، ثم إن الحذر الجزائري قد يتجاوز»السياسة» إلى الفعل العسكري، لا سيما وأن الدولة الجزائرية برئيسها الذي تم التجديد له برغم عجزه الفاضح، لا تتحمل المغامرات السياسية التي قد تنقلب إلى مواجهات بالسلاح في أي لحظة... تحت الرعاية الأميركية.
هكذا تنقسم البلاد العربية بين دول بلا رؤساء، ورؤساء بلا دول... وهي بالإجمال تفتقر إلى البنيان المتماسك والصلب، ومعظمها يعيش في ظلال حرب أهلية معلنة أو مرجأة.
ويظل الأمل في أن تنهض دولة مصر، برغم الصعاب وأسباب الضعف، اقتصادياً على الأقل، وأن تباشر دورها الذي لا بديل منه، فهي ـ بداية وانتهاءً ـ «الدولة» ذات الشرعية التاريخية وذات الركائز الثابتة على اختلاف العصور.
أما حديث الديموقراطية في البلاد العربية فلا بد من إرجائه في انتظار أن تقوم فيها «دول» بحق وحقيق.