Haneen
2014-07-17, 10:32 AM
اقلام عربي 04/06/2014
في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
المصالحة وآمالها
بقلم: أمجد عرار عن البيان الاماراتية
ليست تكنوقراط ولا وحدة.. وإنما حكومة فتح وحماس
بقلم: رشيد شاهين عن رأي اليوم اللندنية
غزة ومعبرها ... أول امتحانات «الوفاق الوطني»
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
إسرائيل والأرقام القياسية
بقلم: محمد كريشان عن القدس العربي
في ملف المصالحة التركية الإسرائيلية؟
بقلم: سمير صالحة عن الشرق الأوسط
دعوة إلى اليأس!
بقلم: موسى برهومة عن الحياة اللندنية
الحرب على "الإخوان"
بقلم: زهير أبو شايب عن العربي الجديد
الانتخابات السورية: البراميل بدل الصناديق
بقلم: خير الله خير الله عن العرب اللندنية
المصالحة وآمالها
بقلم: أمجد عرار عن البيان الاماراتية
حتى لا تكون المصالحة الفلسطينية التقاء سائلين مختلفين في الكثافة، و«بينهما برزخ لا يبغيان»، يجب أن تكون متصّلة في أسسها وقواعدها، حتى وإن تباعدت في ذُراها. هذا معناه بلغة السياسة، الوحدة مع الاختلاف، حتى لا نقولها بلغة الفلسفة «وحدة وصراع الأضداد»، فتنزع المقولة من سياقها الفلسفي، وتُفهم خطأ لدى بعض الناس البسطاء.
قد تكون دوافع وخلفيات المصالحة المفاجئة بين حركتي فتح، وحماس، متشابهة من حيث الظروف، والطرق المسدودة، والصنابير المقفلة، لكن هذا لا يهم كثيراً، أو أن مفعوله سيبقى ـ بلغة أدق ـ محكوماً مع وقف التنفيذ، في انتظار تكريس ما سيأتي على حساب ما مضى، وما سيبنى على أنقاض ما هدم، وما سيصعد بديلاً لما تهاوى. هذا كلّه يحتاج قبل كل شيء إلى إرادة صلبة، وقرار حر، واعتبارات بريئة من كل ما هو غريب ودخيل على جوهر القضية، ومسار المشروع الوطني الفلسطيني، كونه ضلعاً يكمل الضلعين القومي، والأممي لمثلث القضية.
كثيرون كانوا يترقبون ولادة حكومة التوافق، مع أنها الخطوة الأسهل في الطريق واللبنة الأقرب لأرض البناء. مع هذا فهي خطوة جيدة، على أن يتلاشى الارتباك المتبخّر من حولها، وأن يعلن أصحاب القرار، وأولو أمر المصالحة بوضوح ما هي مهماتها وصلاحياتها، وقبل كل ذلك ماهيّتها هي ذاتها.
قيل بداية، إن هدفها هو التحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية، وليس لها دور سياسي، ولتفادي ضغوط الغرب وتهديدات إسرائيل، قيل، إنها تلتزم برنامج الرئيس والاتفاقات الموقّعة مع إسرائيل. هذا يعيدنا إلى نقطة الانطلاق، فالمضمون السياسي سواء التصق بالحكومة ،أو أحاط بها، أو أفرغت منه، سيقولب التوقّعات والآمال.
سيجد الطرفان نفسيهما بعد حين أمام الاستحقاق السياسي، ذلك أن الطبيعة لا تعرف الفراغ، كما أن المراوحة في المكان لا تدوم، فضلاً عن أنها من الناحية العملية تعني التراجع، طالما أن الحركة مطلقة.
بناء على التجربة المحيطة بهذا المشهد كلّه، من المنطقي الافتراض أن واشنطن، صاحبة الملكية الحصرية لرعاية عملية التسوية، ستوفد بعد حين مبعوثاً إلى المنطقة لاستئناف «عملية السلام»، وهي أصلاً كانت أشبه بعجلات تدور، والمركبة مرفوعة، حيث إن القضايا الجوهرية خارج الحسابات. سيكون من المنطقي أيضاً التساؤل عن موقف حركة حماس من استئناف عملية التسوية، وفق أسس معروفة ومن المستحيل أن تتحسّن، إن لم تصبح أسوأ.
لهذا يجب ألا يكون الأساس السياسي غامضاً حتى لا يكون التفجير مؤجّلاً، ولأن خلافاً على وضوح خير من اتفاق على غموض.
ليست تكنوقراط ولا وحدة.. وإنما حكومة فتح وحماس
بقلم: رشيد شاهين عن رأي اليوم اللندنية
بعد سبعة أعوام عجاف، تم الإعلان عن تشكيل الحكومة الفلسطينية، التي يطلق عليها البعض حكومة الوحدة، ويسميها البعض الآخر تكنوقراط، وقد أعلنت فتح وحماس “برغم ما نسمعه من تهويش من قبل حماس حول بعض المسائل التي رافقت الإعلان” عن السعادة وكثير التمنيات للحكومة الجديدة.
ما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهذا التسارع في ما قيل انه عملية الاتفاق على “إنهاء الانقسام”، وتوقيع اتفاق المصالحة في مخيم الشاطئ، يعيدنا إلى التساؤل الأهم، لماذا طال عمر الانقسام ليترسخ على الأرض ليكون أسوأ ما عرفه الشعب الفلسطيني عبر قرن من الزمان.
الواقع يقول، إن التوصل إلى الاتفاق، جاء على خلفية الأزمة التي تعيشها كل من الحركتين، فحركة فتح التي تقود السلطة الفلسطينية، لم تستطع تحقيق الحد الأدنى المطلوب من خلال الحياة مفاوضات، وسياسة التنسيق الأمني “المقدس″، وفشلت في إقناع دولة الكيان في تغيير أو تليين مواقفها في مختلف القضايا، بما في ذلك موضوع التجميد المؤقت للاستيطان، أو حتى الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، هذا الإفراج الذي كان استحقاقا منذ أوسلو.
أما حركة حماس، فهي تعيش أزمة مركبة ومتعددة الأوجه، فهي بسياساتها العشوائية، وبربطها نفسها بحركة الإخوان المسلمين، وبممارساتها غير المقبولة في قطاع غزة، وبتبعيتها لدولة قطر، وبعقرها لسوريا وإيران وحزب الله، وبالسقوط والتراجع الملحوظ لحركة الإخوان، وقعت في “حيص بيص”، وصارت على استعداد للتوقيع على أي اتفاق مع فتح من اجل الخروج من كل هذه الأزمات، لا بل يعتقد البعض انها رمت بنفسها في أحضان فتح راضية مرضية، وسوف “تنام في عسل” تلك الأحضان، بغض النظر عن كل ما قالته عن تلك الحركة، حيث وصلت الأمور في القطاع، إلى حد لا يمكن تحمله.
الحكومة التي يقال عنها حكومة وحدة، تشكلت دون استشارة أي من الشركاء والحلفاء في منظمة التحرير، ولم يكن يعلم بما يجري من حوارات حول تشكيلها وتشكيلتها، سوى نفر محدود جدا في حركة فتح، لا بل إن الغالبية العظمى إن لم يكن جميع أعضاء اللجنة التنفيذية لم يكن يعلم بأي من الأسماء المرشحة، وذهب هؤلاء لحضور مراسم التكليف دون أن تكون لديهم أدنى فكرة عن التشكيلة الأخيرة للحكومة، إلا ما يتردد في وسائل الإعلام.
ما جرى خلال السنوات الماضية، والتي اتسمت بالجفاف، وحتى تشكيل الحكومة، كان من صنع حركتي فتح وحماس، وهو الأمر الذي دفعت فيه القضية والشعب الفلسطيني، ثمنا باهظا، لم تدفعه خلال عشرات السنين من الصراع مع دولة العدوان، والآن ومع تشكيل الحكومة “الثنائية”، يحاولان وضع حد لما تسببا به من انقسام، لكن بطريقة لا تشي بأنهما تعلما من التجربة، حيث ما زال هناك تهميش مقصود لمختلف الفصائل والقوى والفعاليات في الساحة الفلسطينية.
الحكومة الحالية التي نتمنى لها النجاح، عليها من الأعباء والمسؤوليات ليس فقط التحضير للانتخابات غير المضمونة تنظيمها في ظل واقع احتلالي بغيض، ويلزمها الكثير من الجهد والنوايا الطيبة، وكذلك الأموال، لكي تحقق الأهداف التي قيل انها عينت من اجلها، وهنالك الكثير من الشكوك حول فترة الأشهر الستة الممنوحة لها لكي تنجز إعمار الخراب الذي استجلبته سنوات الانقسام، أو حتى التحضير للانتخابات التي سيتم تنظيمها، وهي ستكون اقرب إلى حكومة إدارة الانقسام أكثر منها حكومة لحل الانقسام.
الانقسام تجذر في الساحة الفلسطينية، وكان من أهم أسباب تجذره، هو الانقسام الجغرافي بين الضفة والقطاع، وليس من السهل ردم الهوة التي تسبب بها، كذلك فان موضوعة المصالحة المجتمعية، تعتبر من أهم القضايا التي لا زال البعض لا يعطيها من الاهتمام الكثير، علما بأنها أساس المصالحة.
الرهان الذي يراهن عليه الكثير من المتابعين، هو على “شخوص” هذه الحكومة، ومدى قدرتهم على المراوغة والتصدي لما سيتعرضون له من “مناورات والأعيب ومطبات” ستوضع في طريق تحقيق الأهداف، لكن التجارب أثبتت ان من غير السهل لحكومة لا يسندها تنظيم أو حزب قوي وجماهيري ان تحقق الغايات المرجوة.
أخيرا، فانه وفي ظل عدم حل الكثير من الملفات، وكذلك صعوبة حل الكثير من القضايا بسبب ما جرى خلال سنوات الانقسام، وكذلك فان ما جرى خلال الساعات الأخيرة التي تلت تشكيل الحكومة، وما قيل عن تجاوزات للاتفاقات، وخاصة فيما يتعلق بوزارة الأسرى، والردود التي جاءت من حركة حماس، تشير إلى ان الحال لن يكون أفضل مما كان، وان الساحة متجهة إلى نظام هو أقرب إلى الفدرالية من أي شيء آخر.
غزة ومعبرها ... أول امتحانات «الوفاق الوطني»
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
يتعين على الرئيس الفلسطيني أن يقضي جزءاً غير يسير من وقته في غزة، وكذا الحكومة التي يجب أن تعقد اجتماعاتها مداورة ما بين الضفة والقطاع ... يجب أن يشعر أهل القطاع، بأنهم ليسوا منسيين أبداً، مثلما يجب على المسؤولين الفلسطينيين أن يستشعروا بأشخاصهم، آلام أهل القطاع وآماله، فتلكم هي البداية، لتفكيك أطواق العزلة التي عاشها الغزيّون طوال سنوات الانقسام السبع العجاف.
وأحسب أن أول الملفات التي تحتاج إلى معالجة فورية وعاجلة، هو ملف معبر رفح، سيما مع وجود اتفاق بين فتح وحماس على نشر ثلاثة الاف عنصر من الحرس الرئاسي في غزة، وهو عدد كافٍ لتأمين المعبر، وامتداداً على طول خط الحدود، الضيقة أصلاً، ما بين مصر والقطاع، أقله لبعث الطمأنينة في نفوس الأشقاء المصريين، الذين تميل غالبيتهم العظمى للربط بين إرهاب سيناء وبعض ما يجري في القطاع المحاصر، وإن كانت أعداد “الحرس الرئاسي” غير كافية لإنجاز هذه المهمة، فلا مناص من تدعيمها وزيادتها، وربما الاستعانة بجهات أمنية وعسكرية فلسطينية رسمية أخرى.
لن تفلح السلطة في معالجة ملف المعبر من دون أن تنجح ابتداء في إقناع المصريين، بأن ما سيأتيهم من غزة، ومن سيأتيهم منها، لا يحمل لهم شراً أبداً ... وسواء أكانت السلطات محقة أم متطيرة في تقدير حجم التهديد الآتي من القطاع، فإن المطلوب أولاً وقبل كل شيء، ومن الفلسطينيين ابتداءً، هو تأكيد رسائل الطمأنينة والثقة، على الأرض قبل موائد الحوار والتفاوض ... وفي ظني أن مصر التي نجحت في إحكام أطواق الحصار حول حماس في غزة، ليست مرتاحة أبداً لاستمرار هذا الوضع بعد أن بات يحاصرها كذلك، وأن ثمة مصلحة مشتركة في طي هذه الصفحة.
وقد لا تقتصر قضية المعبر على مصر والفلسطينيين وحدهم، فهناك من يجادل بأن المسألة تتخطى الإطار الثنائي إلى الدولي، بوجود الاتحاد الأوروبي كطرف في اتفاقية المعبر، وهناك إسرائيل القادرة على إغلاق المعبر من البر والجو، في أية ساعة تشاء ... لذا يتعين على الدبلوماسية الفلسطينية أن تتحرك بقوة، بدءاً بتحريك الدبلوماسية المصرية، بعد إنجاز التوافقات والتفاهمات والترتيبات على الأرض، من أجل رفع هذا الحصار الجائر، وتمهيد الطريق لإعادة إعمار القطاع، وتمكين الشعب الفلسطيني من تلمس ثمار المصالحة.
وثمة في أفق المشهد الدولي ما يدعو للتفاؤل، بأن تحركاً من هذا القبيل، قد يجد طريقه للنجاح ... فإسرائيل التي أرادت أن تفرض على حكومة الحمد الله الثالثة، حكومة الوفاق الوطني، أطواق العزلة الدولية والحصار الخانق والعقوبات الاقتصادية، تجد نفسها معزولة لا يصغي إليها أحد، وتقف وحيدة أمام مجتمع دولي يتجه نحو الاعتراف بالحكومة واستمرار التعامل معها، والمضي في تقديم المساعدات لها، ولقد كانت التصريحات الأمريكية في هذا المجال أكثر من واضحة، أما أوروبا، فلا تخفي ارتياحها، وأحياناً شماتتها بالجانب الإسرائيلي، وفي كل الأحول، فإن رئيس الحكومة الجديدة، سيكون ضيفاً على واشنطن في القريب العاجل، وربما في واحدة من أولى زياراته بصفته الجديدة هذه، وهذا ما أشعل الهستيريا وأثار نوبات الغضب في إسرائيل.
في ظني أن النظام المصري، وهو يسعى في ترميم أوضاع مصر داخلياً، واستعادة دورها المتآكل إقليمياً، يدرك تمام الإدراك، أن القضية الفلسطينية، هي مفتاح الدور الإقليمي لمصر، وأن عودة الدور المصري إلى الساحة الفلسطينية، سواء على مسار استكمال المصالحة أو استئناف المفاوضات، يشترط إيجاد حلول لاستعصاءات غزة والمعبر والحصار وإشكالية العلاقة مع حماس.
لقد فقدت الحملة المصرية على حماس “دافعيتها” بعد أن أنجزت أغراضها أو تكاد، وفي صدارة هذه الأغراض، تهميش جماعة الإخوان وتحطيم قلاعها ... الآن، وبعد أن دانت السلطة للمشير، لا يبدو أن في استمرار التصعيد ضد حماس، أية مصلحة لمصر أو نظامها الجديد.
وإذا كانت القطيعة بين القطاع ومصر، قد خدمت أهدافاً تكتيكية للسلطة وفتح في صراعها مع حماس، فإن استمرار هذا القطع والقطيعة، سيصبح سلاحاً ذا حدين، قد يقص بأحدهما أجنحة حماس، بيد أنه قد يقص بالحد الآخر، عنق فتح والسلطة والمنظمة، فالمسؤولية الآن عن القطاع، باتت في رقبة الرئيس وحكومته، وهو المُلام عن أي تقصير أو تأخير في إخراج القطاع من عنق الزجاجة، وهو المُقدّر والمعزز والمكرم، إن نجح في إخراج أهله من ظلمات الحصار والتجويع إلى فضاء الحرية والكرامة والعيش الأفضل.
إسرائيل والأرقام القياسية
بقلم: محمد كريشان عن القدس العربي
«السذاجة الأمريكية سجلت أرقاما قياسية» … قائل هذا الكلام ليس مناضلا متشنجا ضد سياسات واشنطن بل وزير في الحكومة الإسرائيلية هو غلعاد أردان العضو في المجلس الوزاري المضيق للشؤون السياسية والأمنية.
أما المناسبة فلا تعدو أن تكون الموقف الأمريكي بالتعامل مع حكومة التوافق الفلسطينية ومواصلة تقديم الدعم للسلطة الوطنية مع مراقبة سياستها. حتى السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرم لم يجد حرجا هو الآخر في تبيان ما يراه غباء أمريكيا في الموقف من حكومة رامي الحمد الله لأن «حكومة الوحدة الفلسطينية هي حكومة تكنوقراط مدعومة من قبل إرهابيين ويجب أن تتم معاملتها على هذا الأساس (…) فمع وجود مسؤولين يرتدون البدلات في المكاتب الأمامية وإرهابيين في المكاتب الخلفية، فإنه لا يجب أن يتم التعامل معها كالمعتاد».
إذن المسألة بدأت تتجاوز مجرد الإعراب عن «خيبة الأمل الشديدة» من موقف إدارة أوباما تجاه الحكومة الفلسطينية الجديدة لتصل إلى التقريع وإعطاء الدروس.
لا أحد يدري حاليا إلى أين يمكن أن يصل الخلاف الإسرائيلي الأمريكي في هذا الشأن لكن الأكيد أن ما جرى فرصة يمكن لواشنطن أن تعي من خلالها المدى الذي وصلته إسرائيل في تجاوز كل الحدود إلى حد التهجم على ولي نعمتها نفسه. لو كان في الحكومة الإسرائيلية بعض عقل لاعتبرت، مثلما كتبت «هآرتس» في افتتاحيتها الإثنين، أن هوية الحكومة الفلسطينية وتركيبتها شأن فلسطيني خالص، وكما أن إسرائيل أو أي دولة أخرى لا تستطيع فرض حكومة معينة على مصر أو الأردن كذلك كان يجب أن يكون التعامل مع الحكومة الفلسطينية.
كما لم يفت الصحيفة التنبيه إلى أن إسرائيل كان يفترض أن تكون من الشاكرين لعدم اضطرارها، كقوة إحتلال، إلى تقديم وتمويل كل هذه الخدمات المختلفة التي تقدمها الحكومة الفلسطينية إلى جموع السكان في الضفة الغربية وغزة.
الموقف الإسرائيلي تجاه حكومة التوافق والصلف الذي اتسم به في تلقي الموقف الأمريكي منها أوضح دليل لواشنطن وللعالم كله على من هو الجاد فعلا في العمل من أجل إنجاح المفاوضات والوصول إلى تسوية متوازنة ومن يحاول التذاكي على الجميع بمحاولة فرض شروطه وتصوراته على الجميع. لقاء الرئيس أبو مازن اليوم بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري فرصة جيدة لتأكيد هذا المعنى وترسيخه ودفع واشنطن للتحرك لتجاوزه إن كانت هي بدورها جادة طبعا.
لا يمكن لإسرائيل أن تبقي المفاوضات التي بدأت قبل عشرين عاما عملية مفتوحة إلى الأبد ولا أن تحاول أن تفرض على حليفها الأول وعلى بقية العالم رؤيتها القاصرة لما يجب أن تكون عليه الأشياء. ما فعلته واشنطن وقبلها أوروبا بخصوص عدم الرضوخ للابتزاز الإسرائيلي في النظر إلى حكومة التوافق وإنهاء الإنقسام الفلسطيني بداية تبدو واعدة في هذا الاتجاه. بإمكان الساسة الإسرائيليين أن يواصلوا إدمان التسويف واختلاق الأعذار لإنهاء احتلالهم عبر التهرب من أي التزامات في هذا الاتجاه، مهما بدت محدودة أو متواضعة، لكن ما لم يعد مقبولا بالمرة أن تظل واشنطن أو العالم رهينة أجندة تريد إسرائيل رسمها بمفردها ورغم أنف كل العالم.
تحية للرئيس عباس على صبره وتحمل الأذى من أجل الوصول إلى هذه الحكومة، تحية لحماس على مرونتها واستيعاب ما كان يفترض أن تستوعبه قبل سنوات، وتحية لهما معا لأنهما جعلا العالم كله يقف بالمكشوف كيف بلغت العنجهية الإسرائيلية أرقاما قياسية.
في ملف المصالحة التركية الإسرائيلية؟
بقلم: سمير صالحة عن الشرق الأوسط
ألغت السفارة الإسرائيلية في أنقرة وبعد ساعات على فاجعة منجم الفحم التركي حفل استقبال كانت تعدّ له. وأعلنت تل أبيب استعدادها لتقديم أية مساعدات تقنية أو طبية تحتاجها أنقرة خلال عمليات الإنقاذ، وذلك احتراما لمشاعر الشعب التركي وردا للجميل الذي قدمته أنقرة قبل سنوات خلال اندلاع حرائق الغابات في إسرائيل.
بعد أسبوع تقريبا ردت حكومة إردوغان غاضبة على محاولات بعض وسائل الإعلام المقربة من جماعة العلامة فتح الله غولن نقل عبارات مهينة لإسرائيل نسبت إلى إردوغان مما اضطر العدالة والتنمية لنفي وتكذيب المعلومة وتوجيه الشكر مباشرة للحكومة الإسرائيلية على تضامنها وعرض خدماتها خلال المحنة الصعبة التي كانت تمر بها تركيا.
كثر هم الذين يعرفون أن الرئيس الأميركي أوباما كان المشجع الأول باتجاه تفعيل وتسريع المصالحة التركية الإسرائيلية بعد إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بأخذ السماعة والاعتذار الرسمي في حادثة مهاجمة أسطول الحرية رغم أن تل أبيب تملك تقارير دولية بينها تقرير بالمير تبرر لها قانونيا مهاجمة سفينة مرمرة واعتقال ركابها ونقلهم إلى الداخل الإسرائيلي.
فلماذا تتخلى تل أبيب عن كل ما وصلت إليه من دعم وتأييد دولي وتغامر به من خلال قبول اقتراح الاتصال برجب طيب إردوغان والاعتذار لو لم تكن تعرف أنها ستحصل على أكثر مما تقدمه هنا من تنازلات لأنقرة؟
أشهر طويلة من المفاوضات البعيدة عن الأنظار قادها نيابة عن الجانب التركي هاقان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات والأمين العام لوزارة الخارجية فريدون سنرلي أوغلو بإشراف مباشر من نائب رئيس الوزراء التركي بولنت ارينش وفي الجانب الإسرائيلي ديفيد مايدن مستشار رئيس الوزراء ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي يوسي كوهين بتنسيق كامل مع نتنياهو نفسه.
لو لم تكن هناك رغبة حقيقية في إيصال الأمور هذه المرة إلى بر السلام لما كان ارينش قال إن «تركيا تتحدث عن تطبيع كامل وإعادة العلاقات بين الدولتين إلى سابق عهدها» .
لكن ما لم يقله ارينش الذي لمح فقط إلى أن التطبيع سيحسن من فرص الوصول إلى سلام في المنطقة أن تركيا وإسرائيل باتتا تملكان قناعة مشتركة شبه محسومة أنهما يدفعان باهظا ثمن تدهور العلاقات التي تصب في خانة حماية مصالح بعض اللاعبين الإقليميين وعلى رأسهم النظام السوري وإيران وحكومة المالكي في العراق وحزب الله في لبنان.
الرغبة في إنهاء هذه القطيعة لها أسبابها الإقليمية قبل البحث عن الدوافع الثنائية في المصالحة والتطبيع.
هي تندرج في إطار جردة طويلة من حسابات الربح والخسارة التي قد تبدأ بمحاولات إعادة رسم خرائط التحالفات التي تتقدم على حسابهما أولا، ثم حاجتهما إلى التنسيق الملزم واللابد منه «Sine Qua non» في المنطقة والتي تقودهما نحو إعادة إحياء التحالف الاستراتيجي القديم.
هناك قناعة لدى تركيا وإسرائيل أنهما دفعا ثمنا باهظا بسبب تدهور علاقاتهما وأن المصالحة ستشمل التنسيق في أكثر من ملف إقليمي مثل الملف السوري والإيراني والقبرصي.
المصالحة ستعيد فتح الأجواء التركية أمام الطائرات الإسرائيلية للتدريب على قطع المسافات الطويلة وتسريع مشروع خطوط الطاقة بين البلدين ابتداء من العام المقبل لنقل الغاز الإسرائيلي عبر تركيا إلى القارة الأوروبية وتخفيف ارتباط أنقرة غازيا بروسيا وإيران.
الترجمة العملية الأولى للتوقيع لا بد أن تتضمن زيارة رسمية يقوم بها إردوغان إلى إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة كان يعد لها ويريدها قبل تدهور العلاقات وهي رسالة تحية سياسية لا بد منها باتجاه قواعد العدالة والتنمية وسكان غزة والإسرائيليين أيضا.
وسط أجواء التفاؤل هذه دخل فجأة على الخط ما يهدد بالعرقلة والتجميد ويقلق البلدين فمن يفعل ذلك؟
محكمة الجزاء التركية التي تتابع ملف دعوى أسطول مرمرة أصدرت قبل أسبوع قرارا بمطالبة منظمة الإنتربول الدولي مساعدتها على توقيف واعتقال أربعة من كبار الضباط الإسرائيليين بتهم الوقوف وراء عملية استهداف أسطول الحرية. «قرار فيه الكثير من الغرابة لناحية التوقيت والمضمون بعد سنوات على القضية ووسط جهود المصالحة ورغم معرفة الجميع أن خطوة من هذا النوع لن تغير كثيرا في ملف الدعوى»، كما نقل عن أوساط حكومية ودبلوماسية تركية رفيعة المستوى.
تل أبيب اكتفت بوصف القرار بالتحريض المضحك لكن أنقرة ورغم تجاهلها العلني له فهي تبحث عن احتمال وجود أصابع تتحرك باسم الكيان الموازي، وهي التسمية التي تطلق على جماعة فتح الله غولن، تقف وراء صدوره في محاولة لعرقلة هذا التقارب الذي سينعكس سلبا على علاقات الجماعة بواشنطن ومن خلالها بتل أبيب كما تقول مصادر محسوبة على الحكومة التركية.
خطوة تستحق التوقف عندها طالما أن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو كان قبل أيام يتحدث عن الاقتراب من النهاية واحتمالات الوصول إلى الاتفاق النهائي فهل هي مجرد خطوة عدلية لا بد منها أم أنها رسالة من الجماعة لإردوغان وحكومته أن المصالحة مع إسرائيل ليست بمثل هذه البساطة ولن تكون على حسابها؟ ليس سرا أن نقول هنا إن المعادلات الإقليمية وتحديدا في علاقات تركيا بإسرائيل تحولت إلى قاعدة تقول إنه كلما تحسنت أو تراجعت علاقات دولة منهما بدول أخرى انعكس ذلك إيجابا أو سلبا على علاقاتهما الثنائية ودون شك لدى البلدين أكثر من سبب للإضرار بعلاقات بعضهما البعض. لكن حقيقة أخرى باتت شبه محسومة بالنسبة لهما وأمام أكثر من تحول إقليمي وشرق أوسطي، وهي وكما نفهم من تصريحات ومواقف أنقرة وتل أبيب في الأسابيع الأخيرة، قرار الاستفادة من دروس وتجارب الماضي ومحاولة ترجمتها هدنة عملية على الأرض.
دعوة إلى اليأس!
بقلم: موسى برهومة عن الحياة اللندنية
ما برح المثقف أو السياسي المنخرط في الشأن العمومي مسيّجاً بالكثير من الصور النمطية والإكراهات التي تحول دون أن يكون صورة ذاته الحقيقية في تقلباتها وتحولاتها وانكساراتها.
المطلوب من هذا الشخص أن يكون رائياً وبشيراً وهادياً ورائداً. وإذّاك، لا يجوز له أن يكتئب، أو يتراجع، أو أن يصاب بعارض اليأس أو فقدان الأمل.
إن ثمة تصوراً رسولياً صاغته الأدوار التي تنكّبها هذا الشخص على مدى التاريخ، فهو المخالف والمعارض والمقاوم والمناضل، والشهيد. وهو النزيه، والخالي من النزوات، والمملوء باليقين بانتصار الخير، وانبثاق الحق من لجج الظلم والظلام، ومنوط به، بالتالي، معالجة الأرواح المعطوبة، وتطبيب النفوس التي أصابها القنوط، ورفع معنويات أولئك الذين يتوقفون في منتصف الطريق، وحضهم على مواصلة المسير، حتى لو تهرّأت الأقدام!
وقد أنتج هذا التصور المحايث لهذا الشخص كائناً انفصامياً، منعزلاً عن حرارة الحياة، ومنفصلاً عن الواقع. وصار يقدم خطابه وفي ذهنه الجماهير التي لا ترضى منه إلا أن يكون المثال المحتذى، والأنموذج الذي لا يعرف اليأس، ولا حتى مراجعة الذات أو الأفكار أو التصوّرات. أضحى هذا الشخص المطوّق بـ «الرسالة» يكتب ويفكر ويتحدث ويبتسم ويحزن، وفق إيقاع الجماهير، وما يطلبونه. و «الجماهير» بطبعها متطلّبة!
ومع ازدياد مساحة البؤس، وأخص هنا العالم العربي، ومع تراجع فسحة اليقين بتحرير أي شيء، ومع سيطرة الدهماء على الفضاء العام، وهزيمة العقلانيين، ودعاة التنوير في مواجهة قوى الظلام، وكذلك ذهاب المجتمعات العربية إلى مزيد من الضيق، والانشطار المذهبي والسياسي، وتراجع الحريات، وتآكل حقوق الإنسان وفي مقدمها المرأة والطفل، وسوى ذلك من الكوارث والقتل المجاني، وارتفاع منسوب الطغاة حتى لو جاؤوا عبر صناديق الاقتراع... مع كل ذلك أضحى من العبث أن يمارس ذلك الشخص الدورَ المعتاد الموكول له، لأنه إن فعل ذلك فسيكون تائهاً في الشوارع والأزقة، أو من سكان «العصفورية»!
فماذا بمقدره أن يفعل حينذاك، حتى يحافظ على ما تبقى من توازنه النفسي؟
ليس عليه سوى أن يتخلى عن دوره التبشيري، وأن يكون إنساناً طبيعياً يحب ويكره ويخطئ ويداهمه الملل واليأس، ويتحلّل من عقدة الجماهير، لأن الجماهير، في المحصلة النهائية، مجرد وهم، فهي كتل غير متجانسة، ولا متفقة على رأي. إنها ذاتها الجماهير التي تصفق للطاغية، وترفع صور قتلة الأطفال، وترقص في الشوارع ابتهاجاً بانتصار الجنرالات المدجّجين بالأوسمة، رغم أنهم لم يخوضوا أي حرب إلا ضد شعوبهم!
ماذا لو أصاب ذلك الشخصَ اليأسُ. ماذا لو أعلن للناس/ الجماهير أنه لم يعد يحتمل الكذب وتزييف الوقائع، وأن مستقبل العرب معتم، وأن النفق الذي هم فيه لا ضوء في آخره، وأن عليهم أن يغيّروا المنكرات بقلوبهم بعد أن شُلّت أياديهم، وانعقدت ألسنتهم؟!
ولماذا لا يكون مثلَ الطبيب المحترف الذي يبلغ مريضه بعلّته، لا أن يوهمه بمعسول الكلام، بذريعة رفع معنوياته، ثم ما يلبث أن يسير في جنازته، ويترحّم عليه، ويقول: لقد كان شجاعاً في مواجهة الموت. فأي مديح قد يفيد امرأً قتله الأمل الزائف، والوعود الجوفاء بأن صحته «عال العال»، وأن مرضه العضال عبارة عن وعكة صحية عارضة يعالجها «الإسبرين»؟!
«الشعوب» العربية مخدّرة، ويراودها الحلم المستحيل، وتأخذها الأغاني الحماسية، والأناشيد الأيديولوجية إلى تخوم بعيدة، فتظن نفسها على أسوار القدس، أو على ضفاف نهر يلهو الناس على جنباته بحب وتسامح، فلا فقراء ولا متسولين، ولا تعذيب، ولا سجون، ولا اختطاف سلطة، ولا دعوات إلى حجر حرية الإنسان والتفكير نيابة عنه، أو النطق بلسان الله.
الأحلام المجدّفة يلزمها اليأس العاقل الذي يلجم النفس الأمارة بالأمل الغزير، ويدفع باتجاه الحفاظ على منسوب التوقعات المتفائلة، كي تعتني «الجماهير» بما هو أجدى وأنفع وأكثر إثماراً: الحديقة المنزلية، تربية أبناء سعداء، الاستمتاع بما تبقى من هواء طلق، والقهقهة في شكل هستيري حين سماع نشرة الأخبار!
الحرب على "الإخوان"
بقلم: زهير أبو شايب عن العربي الجديد
من المفارقات المذهلة أنّ الأنظمة العربيّة، التي لم تتّفق من قبل على معاداة إسرائيل، باتت تتّفق على معاداة الإخوان المسلمين، بحجّة دعمهم الإرهاب؛ وأنّ جماعات اليسار العربيّ، التي كانت تتّهم الإخوان بالعمالة لأميركا والتحالف مع الأنظمة الرجعيّة، باتت تتّفق مع تلك الأنظمة على معاداة الإخوان، وتتحالف معها ضدّهم، من دون أن تعتبر ذلك عمالة أو مهادنة.
إنّ الإخوان، إذن، عملاء لأميركا وإرهابيّون في الوقت ذاته، وذلك يعني أنّ أميركا متحالفة مع الإرهاب الذي تزعم أنّها تحاربه، وأنّ الأنظمة العربيّة، التي تدور في فلك أميركا، متحالفة مع الإخوان الذين تحاربهم، وذلك ما لا يقبله منطق أبداً. ولذا، فإمّا أن تكون تهمة الإرهاب باطلة، أو أن تكون تهمة العمالة لأميركا باطلة، فإذا سقطت تهمة الإرهاب، فلماذا يستمرّ النظام العربيّ في محاربة الإخوان؟ وإذا سقطت تهمة العمالة لأميركا فلماذا يستمرّ اليسار العربيّ في محاربتهم؟
وبغضّ النظر عن كلّ ما يقال عن الإخوان، فإنّنا أمام جسم تنظيميّ ضخم، يقدّر عدد المؤازرين والمريدين والمنتمين إليه بما يربو على عشرة ملايين شخص، منتشرين على امتداد الخارطة العربيّة، وذلك ما من شأنه أن يثير هلع النظام الاستبداديّ العربيّ، وهلع (اليسار) الأيديولوجيّ، وهلع الغرب وإسرائيل. وبغضّ النظر ـ مرّة أخرى ـ عن كلّ ما يقال، فإنّ أحدًا لا يستطيع أن ينكر أنّ هذا التنظيم لم يغب أبدًا، منذ أن ولد في الإسماعيليّة سنة 1928، عن الساحة المصريّة، ولم يقف خارج الأحداث قطّ، بدءاً من انتفاضة الشعب المصريّ بعد الحرب العالميّة الثانية، وإضرابات عامي 1947 و1948، وامتداداً إلى الكفاح المسلّح في قناة السويس، وحرب فلسطين عام 1948، وصولاً إلى ثورة يوليو 1952، وما تلاها من أحداث حتّى يومنا هذا. وبموازاة ذلك، فإنّ هذا التنظيم لم يرضخ قطّ لشروط القطريّة العربيّة، الّتي كانت تسعى إلى حصر العمل السياسيّ العربيّ في نطاق القطر، بل تحوّل من تنظيم مصريّ محليّ إلى تنظيم عربيّ وأمميّ فاعل، ولا يعترف بالحدود الجغرافيّة، شأن أيّ تنظيم أمميّ آخر.
في الحقبة الملكيّة، اتّهم الإخوان بالموالاة للنظام، مع أنّ الأمر انتهى إلى اتّهامهم باغتيال رئيس الوزراء، محمود فهمي النقراشي، عام 1948، وقيام القصر الملكيّ والحكومة باغتيال حسن البنّا عام 1949. وفي الحقبة الناصريّة، اتّهموا بمعاداة الثورة والعمالة للإنجليز، مع أنّهم حاربوا الإنجليز وساهموا في الثورة على نظام فاروق، ثمّ دفعوا ثمناً كبيراً لتناقضهم مع النظام الناصريّ. وفي الحقبة الساداتيّة، اتّهموا بقتل السادات، بعد أن كانوا متّهمين بالتواطؤ معه.
أمّا في حقبة مبارك، فقد اتّهموا بأنّهم معارضة ديكوريّة لتزيين صورة النظام، مع أنّه كان يتّهمهم ـ بدوره ـ بالإرهاب، ولم يكفّ عن اضطهادهم وإقصائهم وزجّهم في السجون؛ وفي 25 يناير اتّهموا بتأخّرهم يومين عن الالتحاق بركب الثورة، رغم الاعتراف بأنّ الثورة ما كانت لتستمرّ، لو أنّ شباب الإخوان لم يشقّوا عصا الطاعة، وينزلوا إلى ميدان التحرير منذ اليوم الأوّل بأعدادهم الضخمة، وقدراتهم التنظيميّة العالية. وفي الفترة الانتقاليّة، تحالف اليساريّون والناصريّون والأقباط ضدّهم، في كلّ الاستحقاقات الانتخابيّة الّتي تلت سقوط مبارك، لا بل إنّ هدى جمال عبد الناصر ـ بنت الزعيم الذي أقدّسه ـ لم تتورّع عن التحالف مع الفلول، حين انتخبت أحمد شفيق، مثلما أنّ الأستاذ محمّد حسنين هيكل لم يتورّع عن التحالف مع العسكر، حين ارتضى لنفسه بأن يكون عرّاباً لانقلاب عبد الفتاح السيسي. إزاء هذا المشهد الواضح، الذي لا لبس فيه، تتحوّل القراءة إلى فعل أخلاقيّ، من أفعال الضمير، ويتعيّن على المثقّف العربيّ أن يؤجّل انحيازاته الأيديولوجيّة والسياسيّة لصالح انحيازه الأخلاقيّ، وأن يكون شاهد حقّ في هذه القضيّة التي يسعى النظام العربيّ الاستبداديّ إلى أن يكسبها ضدّ ضحيّته.
إنّ الحديث عن الإرهاب حديث ملتوٍ ومشبوه، إذ يكفي أن نرى النظام الاستبداديّ العربيّ من المحيط إلى الخليج وهو يعلكه، لنعرف أنّه جزء من خطاب اجتثاثيّ، يهدف إلى أكل الثور الإسلاميّ الضخم، مثلما سبق أن أكل الثور القوميّ في العراق. ومن عجائب الأمور، مثلًا، أن يصطفّ النظام السعوديّ إلى جانب النظام السوريّ في محاربة الإخوان المسلمين، بحجّة الإرهاب، مع أنّ كلاّ منهما يتّهم الآخر بدعم الإرهاب؛ وأن تجد في بلد كالسنغال باحثاً (محمّد بامبا نداية) يقول: إنّ الإخوان المسلمين هم مرض القرن. إنّ عمليّات الشيطنة المنظّمة، التي تديرها الأنظمة العربيّة، وتساهم فيها بعض قوى اليسار الخائفة، جزء من حرب واسعة، تطمح إلى اجتثاث الإخوان كلياً وهم الأكبر حجماً وتجربةً، والأكثر تأهيلاً ونضجاً من بين الجماعات السياسيّة العربيّة. ومن المؤكّد أنّ ذلك سيؤدّي إلى فقدان النواة الصلبة التي يحتاج إليها العرب، من أجل ولاداتهم القادمة. إنّ جماعة الإخوان المسلمين ـ كما يقول شادي حامد (الخبير في مركز بروكنجز) ـ ليست مجرّد جماعة دينيّة أو سياسيّة، بل هي أشبه بدولة الظلّ في مصر الحديثة، وهو ما ظهر من خلال نجاحها في كسب المؤيّدين على مدار العقود السابقة. إنّها أمّ الجماعات الإسلاميّة، ولو أردنا أن نكون منصفين لقلنا: إنّ الجماعات السياسيّة العربيّة كلّها ستفقد ظلّها، من دون وجود شقيقتها الكبرى، وستغرق في ظلام الأنظمة البهيم الذي لا نهاية له.
الانتخابات السورية: البراميل بدل الصناديق
بقلم: خير الله خير الله عن العرب اللندنية
أصرّ النظام السوري على إجراء انتخابات رئاسية. الحقيقة الوحيدة في الانتخابات، ذات النتيجة المعروفة سلفا، التي أُجريت أمس هو البراميل المتفجّرة التي تُلقى على المدن وأهلها بديلا من صناديق الاقتراع.
يصرّ النظام على القراءة من كتاب قديم عفا عليه الزمن وأكل الدهر عليه وشرب. عنوان الكتاب أنّ الهرب إلى الخارج، أي إلى لبنان خصوصا، حيث كان التمهيد للانتخابات، ضمانة للنظام ولاستمراره.
منذ ولد، قبل ما يزيد على أربعة عقود، ليس لدى النظام السوري، الباحث دائما عن شرعيّة ما، سوى لعبة الهرب إلى خارج البلد. يمارس اللعبة من أجل المحافظة على نفسه، أو هكذا يعتقد، فيما يبقى القمع لعبته المفضلة، داخليا.
يندرج «إقناع» «حزب الله» وتوابعه عشرات الآلاف من المواطنين السوريين، المقيمين في المناطق اللبنانية التي يسيطر عليها، بالتوجه إلى مقر السفارة السورية من أجل الإدلاء بأصواتهم في سياق الهرب إلى الخارج بحثا عن شرعية لا وجود لها في الداخل أصلا.
ما حدث يتمثل باختصار في أنّ هناك نظاما سوريا تسيطر عليه عائلة، تنتمي إلى أقلّية معيّنة، قرّرت أن تكون سوريا ملكا لها. يصرّ النظام على إجراء انتخابات في لبنان، قبل سوريا، حتّى لو تبيّن أن الطريقة التي توجّه بها السوريون إلى السفارة ليست سوى مسرحية هزلية، من أجل إثبات أنه لا يزال قويا في سوريا.
نعم، النظام ما زال قويّا في لبنان وليس في سوريا. إنه قوي في لبنان بفضل إيران. ولذلك ليس ما يمنع “حزب الله”، بصفة كونه أداة إيرانية، من تلبية ما يطلبه منه النظام السوري. هل هذا منطق على علاقة بأي شكل من المنطق؟ هل هذا ممكن بعد كلّ ما تشهده سوريا من مآس يقف خلفها النظام؟ هل يمكن لإيران توفير شرعية للنظام السوري؟
كانت هذه اللعبة تمر في الماضي. كانت تنطلي حتى على بعض السوريين. لم يعد مكان لهذه اللعبة الآن وذلك لسبب في غاية البساطة. يعود السبب إلى أن مشكلة النظام السوري في سوريا وليست في لبنان. هذه المشكلة مع السوريين أولا الذين كان مطلوبا في كل وقت إذلالهم، إلى أن جاء اليوم الذي قالوا فيه أن كفى تعني كفى. قال الشاب السوري لوالده أنّه يفضل الموت على حياة الذلّ التي قبل بها الوالد.
في الواقع، سقط هذا النظام في سوريا. سقط عندما لم يستطع في أيّ يوم تقديم شيء للسوريين. اللهمّ إلا إذا استثنينا القتل والبؤس والتجويع والتعذيب والممارسات الطائفية التي كانت مجزرة حماة في العام 1982 خير دليل عليها.
لابدّ من الاعتراف بأن النظام السوري وجد لنفسه وظيفة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. كانت هذه الوظيفة تتمثّل في الاستفادة إلى أبعد حدود من تصدّيه لنظام بعثي- عائلي في العراق لا يختلف عنه في شيء، إلّا إذا استثنينا الفائض في الغباء والثروات التي لدى العراق والتي بددها صدّام حسين في حربه مع إيران بين العامين 1980 و1988، ثم في غزوة الكويت في العام 1990.
كان النظام السوري يعتقد، في كلّ وقت، أن خلاصه في لبنان، وأنه يستطيع ممارسة اللعبة اللبنانية إلى ما لا نهاية من أجل البقاء في سوريا. ولذلك شارك في حرب تحرير الكويت وعينه على لبنان. كان ثمن مشاركته في تلك الحرب، إلى جانب القوات الأميركية والقوات الدولية والعربية، الحصول على جائزة كبرى اسمها التمديد لوجوده العسكري والأمني في لبنان.. والمتاجرة في الوقت نفسه بالفلسطينيين وما بقي من قضيّتهم في طبيعة الحال.
حصل على هذه الجائزة، التي اسمها لبنان، بالفعل وحافظ عليها برموش العين، إلى أن ارتكب جريمة، أو على الأصحّ شارك مع آخرين في جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه. تبيّن أنّ هذه الجريمة في حجم الاجتياح العراقي للكويت واحتلال البلد المستقل الذي فيه قسم لا بأس به من الاحتياط النفطي العالمي.
لم يفهم النظام السوري أن جريمة اغتيال الحريري ورفاقه كانت نقطة تحوّل. لم يفهم أنّه خرج نهائيا من لبنان. لم يفهم ماذا يعني خروجه من لبنان في شهر أبريل من العام 2005 بعد شهرين وأسبوعين من تفجير موكب رفيق الحريري. لم يستوعب أنّه منذ تلك اللحظة، لم يعد قادرا على الهرب إلى لبنان كما كان يفعل في الماضي من دون إذن من إيران التي باتت تتحكّم بلبنان واللبنانيين، أمنيا، عبر ميليشيا تابعة لها اسمها «حزب الله».
ما فعله النظام السوري، عندما أوعز إلى «حزب الله» بأن يرتّب له تدفّق عشرات آلاف السوريين من الموجودين في لبنان على السفارة السورية للتصويت لبشّار الأسد دليل ضعف أكثر مما هو دليل قوة. إنّه دليل إفلاس يكشف النظام الذي صار في حاجة إلى من يصوّت له في لبنان. لو كان أولئك الذين أدلوا بأصواتهم على استعداد لأن يفدوا بشّار بـ«الروح والدمّ» حقيقة، لكانوا بقوا في سوريا.
هذا كلام مكرّر إلى حد كبير. لكنّ من الضروري التذكير به للقول أنّ النظام السوري الذي هو وليد انقلاب عسكري باسم حزب البعث، ما لبث أن استولى عليه الضباط العلويون ثمّ شخص واحد اسمه حافظ الأسد، قرّر توريث سوريا لابنه، لم يمتلك النظام يوما أية شرعيّة من أي نوع كان. مشكلة هذا النظام لا تزال نفسها منذ اليوم الأوّل لانقلاب 1963 ثم انقلاب حافظ الأسد على رفاقه العلويين والبعثيين. المشكلة مع السوريين ومع سوريا أوّلا وأخيرا.
كلّ ما في الأمر أن لكلّ شيء نهاية، كما لكلّ مغامرة هروب نهاية. الهرب إلى لبنان دام طويلا. دام أكثر مما يجب. جاء يوم العودة إلى سوريا. هل سوريا تقبل النظام؟ الجواب بكلّ بساطة أنّ ما يزيد على ثلاث سنوات من ثورة مستمرّة جواب أكثر من كاف على أن النظام صار في مزبلة التاريخ، وليس في أي مكان آخر.
كيف يمكن لنظام ليس لديه ما يقدّمه لشعبه سوى البراميل المتفجّرة أن يستمرّ في حكم بلد، حتّى لو قدّمت له إيران كلّ الخدمات المطلوبة، بما في ذلك «إقناعه» بأنّه لا يزال قويّا في لبنان ولا يزال قويّا في سوريا؟ هل الاستعانة بإيران وتسليمه لها بكلّ شيء، بما في ذلك سوريا نفسها، يوفّر لنظام طائفي، مرفوض من شعبه، شرعية ما؟
في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
المصالحة وآمالها
بقلم: أمجد عرار عن البيان الاماراتية
ليست تكنوقراط ولا وحدة.. وإنما حكومة فتح وحماس
بقلم: رشيد شاهين عن رأي اليوم اللندنية
غزة ومعبرها ... أول امتحانات «الوفاق الوطني»
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
إسرائيل والأرقام القياسية
بقلم: محمد كريشان عن القدس العربي
في ملف المصالحة التركية الإسرائيلية؟
بقلم: سمير صالحة عن الشرق الأوسط
دعوة إلى اليأس!
بقلم: موسى برهومة عن الحياة اللندنية
الحرب على "الإخوان"
بقلم: زهير أبو شايب عن العربي الجديد
الانتخابات السورية: البراميل بدل الصناديق
بقلم: خير الله خير الله عن العرب اللندنية
المصالحة وآمالها
بقلم: أمجد عرار عن البيان الاماراتية
حتى لا تكون المصالحة الفلسطينية التقاء سائلين مختلفين في الكثافة، و«بينهما برزخ لا يبغيان»، يجب أن تكون متصّلة في أسسها وقواعدها، حتى وإن تباعدت في ذُراها. هذا معناه بلغة السياسة، الوحدة مع الاختلاف، حتى لا نقولها بلغة الفلسفة «وحدة وصراع الأضداد»، فتنزع المقولة من سياقها الفلسفي، وتُفهم خطأ لدى بعض الناس البسطاء.
قد تكون دوافع وخلفيات المصالحة المفاجئة بين حركتي فتح، وحماس، متشابهة من حيث الظروف، والطرق المسدودة، والصنابير المقفلة، لكن هذا لا يهم كثيراً، أو أن مفعوله سيبقى ـ بلغة أدق ـ محكوماً مع وقف التنفيذ، في انتظار تكريس ما سيأتي على حساب ما مضى، وما سيبنى على أنقاض ما هدم، وما سيصعد بديلاً لما تهاوى. هذا كلّه يحتاج قبل كل شيء إلى إرادة صلبة، وقرار حر، واعتبارات بريئة من كل ما هو غريب ودخيل على جوهر القضية، ومسار المشروع الوطني الفلسطيني، كونه ضلعاً يكمل الضلعين القومي، والأممي لمثلث القضية.
كثيرون كانوا يترقبون ولادة حكومة التوافق، مع أنها الخطوة الأسهل في الطريق واللبنة الأقرب لأرض البناء. مع هذا فهي خطوة جيدة، على أن يتلاشى الارتباك المتبخّر من حولها، وأن يعلن أصحاب القرار، وأولو أمر المصالحة بوضوح ما هي مهماتها وصلاحياتها، وقبل كل ذلك ماهيّتها هي ذاتها.
قيل بداية، إن هدفها هو التحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية، وليس لها دور سياسي، ولتفادي ضغوط الغرب وتهديدات إسرائيل، قيل، إنها تلتزم برنامج الرئيس والاتفاقات الموقّعة مع إسرائيل. هذا يعيدنا إلى نقطة الانطلاق، فالمضمون السياسي سواء التصق بالحكومة ،أو أحاط بها، أو أفرغت منه، سيقولب التوقّعات والآمال.
سيجد الطرفان نفسيهما بعد حين أمام الاستحقاق السياسي، ذلك أن الطبيعة لا تعرف الفراغ، كما أن المراوحة في المكان لا تدوم، فضلاً عن أنها من الناحية العملية تعني التراجع، طالما أن الحركة مطلقة.
بناء على التجربة المحيطة بهذا المشهد كلّه، من المنطقي الافتراض أن واشنطن، صاحبة الملكية الحصرية لرعاية عملية التسوية، ستوفد بعد حين مبعوثاً إلى المنطقة لاستئناف «عملية السلام»، وهي أصلاً كانت أشبه بعجلات تدور، والمركبة مرفوعة، حيث إن القضايا الجوهرية خارج الحسابات. سيكون من المنطقي أيضاً التساؤل عن موقف حركة حماس من استئناف عملية التسوية، وفق أسس معروفة ومن المستحيل أن تتحسّن، إن لم تصبح أسوأ.
لهذا يجب ألا يكون الأساس السياسي غامضاً حتى لا يكون التفجير مؤجّلاً، ولأن خلافاً على وضوح خير من اتفاق على غموض.
ليست تكنوقراط ولا وحدة.. وإنما حكومة فتح وحماس
بقلم: رشيد شاهين عن رأي اليوم اللندنية
بعد سبعة أعوام عجاف، تم الإعلان عن تشكيل الحكومة الفلسطينية، التي يطلق عليها البعض حكومة الوحدة، ويسميها البعض الآخر تكنوقراط، وقد أعلنت فتح وحماس “برغم ما نسمعه من تهويش من قبل حماس حول بعض المسائل التي رافقت الإعلان” عن السعادة وكثير التمنيات للحكومة الجديدة.
ما حدث خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهذا التسارع في ما قيل انه عملية الاتفاق على “إنهاء الانقسام”، وتوقيع اتفاق المصالحة في مخيم الشاطئ، يعيدنا إلى التساؤل الأهم، لماذا طال عمر الانقسام ليترسخ على الأرض ليكون أسوأ ما عرفه الشعب الفلسطيني عبر قرن من الزمان.
الواقع يقول، إن التوصل إلى الاتفاق، جاء على خلفية الأزمة التي تعيشها كل من الحركتين، فحركة فتح التي تقود السلطة الفلسطينية، لم تستطع تحقيق الحد الأدنى المطلوب من خلال الحياة مفاوضات، وسياسة التنسيق الأمني “المقدس″، وفشلت في إقناع دولة الكيان في تغيير أو تليين مواقفها في مختلف القضايا، بما في ذلك موضوع التجميد المؤقت للاستيطان، أو حتى الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، هذا الإفراج الذي كان استحقاقا منذ أوسلو.
أما حركة حماس، فهي تعيش أزمة مركبة ومتعددة الأوجه، فهي بسياساتها العشوائية، وبربطها نفسها بحركة الإخوان المسلمين، وبممارساتها غير المقبولة في قطاع غزة، وبتبعيتها لدولة قطر، وبعقرها لسوريا وإيران وحزب الله، وبالسقوط والتراجع الملحوظ لحركة الإخوان، وقعت في “حيص بيص”، وصارت على استعداد للتوقيع على أي اتفاق مع فتح من اجل الخروج من كل هذه الأزمات، لا بل يعتقد البعض انها رمت بنفسها في أحضان فتح راضية مرضية، وسوف “تنام في عسل” تلك الأحضان، بغض النظر عن كل ما قالته عن تلك الحركة، حيث وصلت الأمور في القطاع، إلى حد لا يمكن تحمله.
الحكومة التي يقال عنها حكومة وحدة، تشكلت دون استشارة أي من الشركاء والحلفاء في منظمة التحرير، ولم يكن يعلم بما يجري من حوارات حول تشكيلها وتشكيلتها، سوى نفر محدود جدا في حركة فتح، لا بل إن الغالبية العظمى إن لم يكن جميع أعضاء اللجنة التنفيذية لم يكن يعلم بأي من الأسماء المرشحة، وذهب هؤلاء لحضور مراسم التكليف دون أن تكون لديهم أدنى فكرة عن التشكيلة الأخيرة للحكومة، إلا ما يتردد في وسائل الإعلام.
ما جرى خلال السنوات الماضية، والتي اتسمت بالجفاف، وحتى تشكيل الحكومة، كان من صنع حركتي فتح وحماس، وهو الأمر الذي دفعت فيه القضية والشعب الفلسطيني، ثمنا باهظا، لم تدفعه خلال عشرات السنين من الصراع مع دولة العدوان، والآن ومع تشكيل الحكومة “الثنائية”، يحاولان وضع حد لما تسببا به من انقسام، لكن بطريقة لا تشي بأنهما تعلما من التجربة، حيث ما زال هناك تهميش مقصود لمختلف الفصائل والقوى والفعاليات في الساحة الفلسطينية.
الحكومة الحالية التي نتمنى لها النجاح، عليها من الأعباء والمسؤوليات ليس فقط التحضير للانتخابات غير المضمونة تنظيمها في ظل واقع احتلالي بغيض، ويلزمها الكثير من الجهد والنوايا الطيبة، وكذلك الأموال، لكي تحقق الأهداف التي قيل انها عينت من اجلها، وهنالك الكثير من الشكوك حول فترة الأشهر الستة الممنوحة لها لكي تنجز إعمار الخراب الذي استجلبته سنوات الانقسام، أو حتى التحضير للانتخابات التي سيتم تنظيمها، وهي ستكون اقرب إلى حكومة إدارة الانقسام أكثر منها حكومة لحل الانقسام.
الانقسام تجذر في الساحة الفلسطينية، وكان من أهم أسباب تجذره، هو الانقسام الجغرافي بين الضفة والقطاع، وليس من السهل ردم الهوة التي تسبب بها، كذلك فان موضوعة المصالحة المجتمعية، تعتبر من أهم القضايا التي لا زال البعض لا يعطيها من الاهتمام الكثير، علما بأنها أساس المصالحة.
الرهان الذي يراهن عليه الكثير من المتابعين، هو على “شخوص” هذه الحكومة، ومدى قدرتهم على المراوغة والتصدي لما سيتعرضون له من “مناورات والأعيب ومطبات” ستوضع في طريق تحقيق الأهداف، لكن التجارب أثبتت ان من غير السهل لحكومة لا يسندها تنظيم أو حزب قوي وجماهيري ان تحقق الغايات المرجوة.
أخيرا، فانه وفي ظل عدم حل الكثير من الملفات، وكذلك صعوبة حل الكثير من القضايا بسبب ما جرى خلال سنوات الانقسام، وكذلك فان ما جرى خلال الساعات الأخيرة التي تلت تشكيل الحكومة، وما قيل عن تجاوزات للاتفاقات، وخاصة فيما يتعلق بوزارة الأسرى، والردود التي جاءت من حركة حماس، تشير إلى ان الحال لن يكون أفضل مما كان، وان الساحة متجهة إلى نظام هو أقرب إلى الفدرالية من أي شيء آخر.
غزة ومعبرها ... أول امتحانات «الوفاق الوطني»
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
يتعين على الرئيس الفلسطيني أن يقضي جزءاً غير يسير من وقته في غزة، وكذا الحكومة التي يجب أن تعقد اجتماعاتها مداورة ما بين الضفة والقطاع ... يجب أن يشعر أهل القطاع، بأنهم ليسوا منسيين أبداً، مثلما يجب على المسؤولين الفلسطينيين أن يستشعروا بأشخاصهم، آلام أهل القطاع وآماله، فتلكم هي البداية، لتفكيك أطواق العزلة التي عاشها الغزيّون طوال سنوات الانقسام السبع العجاف.
وأحسب أن أول الملفات التي تحتاج إلى معالجة فورية وعاجلة، هو ملف معبر رفح، سيما مع وجود اتفاق بين فتح وحماس على نشر ثلاثة الاف عنصر من الحرس الرئاسي في غزة، وهو عدد كافٍ لتأمين المعبر، وامتداداً على طول خط الحدود، الضيقة أصلاً، ما بين مصر والقطاع، أقله لبعث الطمأنينة في نفوس الأشقاء المصريين، الذين تميل غالبيتهم العظمى للربط بين إرهاب سيناء وبعض ما يجري في القطاع المحاصر، وإن كانت أعداد “الحرس الرئاسي” غير كافية لإنجاز هذه المهمة، فلا مناص من تدعيمها وزيادتها، وربما الاستعانة بجهات أمنية وعسكرية فلسطينية رسمية أخرى.
لن تفلح السلطة في معالجة ملف المعبر من دون أن تنجح ابتداء في إقناع المصريين، بأن ما سيأتيهم من غزة، ومن سيأتيهم منها، لا يحمل لهم شراً أبداً ... وسواء أكانت السلطات محقة أم متطيرة في تقدير حجم التهديد الآتي من القطاع، فإن المطلوب أولاً وقبل كل شيء، ومن الفلسطينيين ابتداءً، هو تأكيد رسائل الطمأنينة والثقة، على الأرض قبل موائد الحوار والتفاوض ... وفي ظني أن مصر التي نجحت في إحكام أطواق الحصار حول حماس في غزة، ليست مرتاحة أبداً لاستمرار هذا الوضع بعد أن بات يحاصرها كذلك، وأن ثمة مصلحة مشتركة في طي هذه الصفحة.
وقد لا تقتصر قضية المعبر على مصر والفلسطينيين وحدهم، فهناك من يجادل بأن المسألة تتخطى الإطار الثنائي إلى الدولي، بوجود الاتحاد الأوروبي كطرف في اتفاقية المعبر، وهناك إسرائيل القادرة على إغلاق المعبر من البر والجو، في أية ساعة تشاء ... لذا يتعين على الدبلوماسية الفلسطينية أن تتحرك بقوة، بدءاً بتحريك الدبلوماسية المصرية، بعد إنجاز التوافقات والتفاهمات والترتيبات على الأرض، من أجل رفع هذا الحصار الجائر، وتمهيد الطريق لإعادة إعمار القطاع، وتمكين الشعب الفلسطيني من تلمس ثمار المصالحة.
وثمة في أفق المشهد الدولي ما يدعو للتفاؤل، بأن تحركاً من هذا القبيل، قد يجد طريقه للنجاح ... فإسرائيل التي أرادت أن تفرض على حكومة الحمد الله الثالثة، حكومة الوفاق الوطني، أطواق العزلة الدولية والحصار الخانق والعقوبات الاقتصادية، تجد نفسها معزولة لا يصغي إليها أحد، وتقف وحيدة أمام مجتمع دولي يتجه نحو الاعتراف بالحكومة واستمرار التعامل معها، والمضي في تقديم المساعدات لها، ولقد كانت التصريحات الأمريكية في هذا المجال أكثر من واضحة، أما أوروبا، فلا تخفي ارتياحها، وأحياناً شماتتها بالجانب الإسرائيلي، وفي كل الأحول، فإن رئيس الحكومة الجديدة، سيكون ضيفاً على واشنطن في القريب العاجل، وربما في واحدة من أولى زياراته بصفته الجديدة هذه، وهذا ما أشعل الهستيريا وأثار نوبات الغضب في إسرائيل.
في ظني أن النظام المصري، وهو يسعى في ترميم أوضاع مصر داخلياً، واستعادة دورها المتآكل إقليمياً، يدرك تمام الإدراك، أن القضية الفلسطينية، هي مفتاح الدور الإقليمي لمصر، وأن عودة الدور المصري إلى الساحة الفلسطينية، سواء على مسار استكمال المصالحة أو استئناف المفاوضات، يشترط إيجاد حلول لاستعصاءات غزة والمعبر والحصار وإشكالية العلاقة مع حماس.
لقد فقدت الحملة المصرية على حماس “دافعيتها” بعد أن أنجزت أغراضها أو تكاد، وفي صدارة هذه الأغراض، تهميش جماعة الإخوان وتحطيم قلاعها ... الآن، وبعد أن دانت السلطة للمشير، لا يبدو أن في استمرار التصعيد ضد حماس، أية مصلحة لمصر أو نظامها الجديد.
وإذا كانت القطيعة بين القطاع ومصر، قد خدمت أهدافاً تكتيكية للسلطة وفتح في صراعها مع حماس، فإن استمرار هذا القطع والقطيعة، سيصبح سلاحاً ذا حدين، قد يقص بأحدهما أجنحة حماس، بيد أنه قد يقص بالحد الآخر، عنق فتح والسلطة والمنظمة، فالمسؤولية الآن عن القطاع، باتت في رقبة الرئيس وحكومته، وهو المُلام عن أي تقصير أو تأخير في إخراج القطاع من عنق الزجاجة، وهو المُقدّر والمعزز والمكرم، إن نجح في إخراج أهله من ظلمات الحصار والتجويع إلى فضاء الحرية والكرامة والعيش الأفضل.
إسرائيل والأرقام القياسية
بقلم: محمد كريشان عن القدس العربي
«السذاجة الأمريكية سجلت أرقاما قياسية» … قائل هذا الكلام ليس مناضلا متشنجا ضد سياسات واشنطن بل وزير في الحكومة الإسرائيلية هو غلعاد أردان العضو في المجلس الوزاري المضيق للشؤون السياسية والأمنية.
أما المناسبة فلا تعدو أن تكون الموقف الأمريكي بالتعامل مع حكومة التوافق الفلسطينية ومواصلة تقديم الدعم للسلطة الوطنية مع مراقبة سياستها. حتى السفير الإسرائيلي في واشنطن رون ديرم لم يجد حرجا هو الآخر في تبيان ما يراه غباء أمريكيا في الموقف من حكومة رامي الحمد الله لأن «حكومة الوحدة الفلسطينية هي حكومة تكنوقراط مدعومة من قبل إرهابيين ويجب أن تتم معاملتها على هذا الأساس (…) فمع وجود مسؤولين يرتدون البدلات في المكاتب الأمامية وإرهابيين في المكاتب الخلفية، فإنه لا يجب أن يتم التعامل معها كالمعتاد».
إذن المسألة بدأت تتجاوز مجرد الإعراب عن «خيبة الأمل الشديدة» من موقف إدارة أوباما تجاه الحكومة الفلسطينية الجديدة لتصل إلى التقريع وإعطاء الدروس.
لا أحد يدري حاليا إلى أين يمكن أن يصل الخلاف الإسرائيلي الأمريكي في هذا الشأن لكن الأكيد أن ما جرى فرصة يمكن لواشنطن أن تعي من خلالها المدى الذي وصلته إسرائيل في تجاوز كل الحدود إلى حد التهجم على ولي نعمتها نفسه. لو كان في الحكومة الإسرائيلية بعض عقل لاعتبرت، مثلما كتبت «هآرتس» في افتتاحيتها الإثنين، أن هوية الحكومة الفلسطينية وتركيبتها شأن فلسطيني خالص، وكما أن إسرائيل أو أي دولة أخرى لا تستطيع فرض حكومة معينة على مصر أو الأردن كذلك كان يجب أن يكون التعامل مع الحكومة الفلسطينية.
كما لم يفت الصحيفة التنبيه إلى أن إسرائيل كان يفترض أن تكون من الشاكرين لعدم اضطرارها، كقوة إحتلال، إلى تقديم وتمويل كل هذه الخدمات المختلفة التي تقدمها الحكومة الفلسطينية إلى جموع السكان في الضفة الغربية وغزة.
الموقف الإسرائيلي تجاه حكومة التوافق والصلف الذي اتسم به في تلقي الموقف الأمريكي منها أوضح دليل لواشنطن وللعالم كله على من هو الجاد فعلا في العمل من أجل إنجاح المفاوضات والوصول إلى تسوية متوازنة ومن يحاول التذاكي على الجميع بمحاولة فرض شروطه وتصوراته على الجميع. لقاء الرئيس أبو مازن اليوم بوزير الخارجية الأمريكي جون كيري فرصة جيدة لتأكيد هذا المعنى وترسيخه ودفع واشنطن للتحرك لتجاوزه إن كانت هي بدورها جادة طبعا.
لا يمكن لإسرائيل أن تبقي المفاوضات التي بدأت قبل عشرين عاما عملية مفتوحة إلى الأبد ولا أن تحاول أن تفرض على حليفها الأول وعلى بقية العالم رؤيتها القاصرة لما يجب أن تكون عليه الأشياء. ما فعلته واشنطن وقبلها أوروبا بخصوص عدم الرضوخ للابتزاز الإسرائيلي في النظر إلى حكومة التوافق وإنهاء الإنقسام الفلسطيني بداية تبدو واعدة في هذا الاتجاه. بإمكان الساسة الإسرائيليين أن يواصلوا إدمان التسويف واختلاق الأعذار لإنهاء احتلالهم عبر التهرب من أي التزامات في هذا الاتجاه، مهما بدت محدودة أو متواضعة، لكن ما لم يعد مقبولا بالمرة أن تظل واشنطن أو العالم رهينة أجندة تريد إسرائيل رسمها بمفردها ورغم أنف كل العالم.
تحية للرئيس عباس على صبره وتحمل الأذى من أجل الوصول إلى هذه الحكومة، تحية لحماس على مرونتها واستيعاب ما كان يفترض أن تستوعبه قبل سنوات، وتحية لهما معا لأنهما جعلا العالم كله يقف بالمكشوف كيف بلغت العنجهية الإسرائيلية أرقاما قياسية.
في ملف المصالحة التركية الإسرائيلية؟
بقلم: سمير صالحة عن الشرق الأوسط
ألغت السفارة الإسرائيلية في أنقرة وبعد ساعات على فاجعة منجم الفحم التركي حفل استقبال كانت تعدّ له. وأعلنت تل أبيب استعدادها لتقديم أية مساعدات تقنية أو طبية تحتاجها أنقرة خلال عمليات الإنقاذ، وذلك احتراما لمشاعر الشعب التركي وردا للجميل الذي قدمته أنقرة قبل سنوات خلال اندلاع حرائق الغابات في إسرائيل.
بعد أسبوع تقريبا ردت حكومة إردوغان غاضبة على محاولات بعض وسائل الإعلام المقربة من جماعة العلامة فتح الله غولن نقل عبارات مهينة لإسرائيل نسبت إلى إردوغان مما اضطر العدالة والتنمية لنفي وتكذيب المعلومة وتوجيه الشكر مباشرة للحكومة الإسرائيلية على تضامنها وعرض خدماتها خلال المحنة الصعبة التي كانت تمر بها تركيا.
كثر هم الذين يعرفون أن الرئيس الأميركي أوباما كان المشجع الأول باتجاه تفعيل وتسريع المصالحة التركية الإسرائيلية بعد إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بأخذ السماعة والاعتذار الرسمي في حادثة مهاجمة أسطول الحرية رغم أن تل أبيب تملك تقارير دولية بينها تقرير بالمير تبرر لها قانونيا مهاجمة سفينة مرمرة واعتقال ركابها ونقلهم إلى الداخل الإسرائيلي.
فلماذا تتخلى تل أبيب عن كل ما وصلت إليه من دعم وتأييد دولي وتغامر به من خلال قبول اقتراح الاتصال برجب طيب إردوغان والاعتذار لو لم تكن تعرف أنها ستحصل على أكثر مما تقدمه هنا من تنازلات لأنقرة؟
أشهر طويلة من المفاوضات البعيدة عن الأنظار قادها نيابة عن الجانب التركي هاقان فيدان رئيس جهاز الاستخبارات والأمين العام لوزارة الخارجية فريدون سنرلي أوغلو بإشراف مباشر من نائب رئيس الوزراء التركي بولنت ارينش وفي الجانب الإسرائيلي ديفيد مايدن مستشار رئيس الوزراء ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي يوسي كوهين بتنسيق كامل مع نتنياهو نفسه.
لو لم تكن هناك رغبة حقيقية في إيصال الأمور هذه المرة إلى بر السلام لما كان ارينش قال إن «تركيا تتحدث عن تطبيع كامل وإعادة العلاقات بين الدولتين إلى سابق عهدها» .
لكن ما لم يقله ارينش الذي لمح فقط إلى أن التطبيع سيحسن من فرص الوصول إلى سلام في المنطقة أن تركيا وإسرائيل باتتا تملكان قناعة مشتركة شبه محسومة أنهما يدفعان باهظا ثمن تدهور العلاقات التي تصب في خانة حماية مصالح بعض اللاعبين الإقليميين وعلى رأسهم النظام السوري وإيران وحكومة المالكي في العراق وحزب الله في لبنان.
الرغبة في إنهاء هذه القطيعة لها أسبابها الإقليمية قبل البحث عن الدوافع الثنائية في المصالحة والتطبيع.
هي تندرج في إطار جردة طويلة من حسابات الربح والخسارة التي قد تبدأ بمحاولات إعادة رسم خرائط التحالفات التي تتقدم على حسابهما أولا، ثم حاجتهما إلى التنسيق الملزم واللابد منه «Sine Qua non» في المنطقة والتي تقودهما نحو إعادة إحياء التحالف الاستراتيجي القديم.
هناك قناعة لدى تركيا وإسرائيل أنهما دفعا ثمنا باهظا بسبب تدهور علاقاتهما وأن المصالحة ستشمل التنسيق في أكثر من ملف إقليمي مثل الملف السوري والإيراني والقبرصي.
المصالحة ستعيد فتح الأجواء التركية أمام الطائرات الإسرائيلية للتدريب على قطع المسافات الطويلة وتسريع مشروع خطوط الطاقة بين البلدين ابتداء من العام المقبل لنقل الغاز الإسرائيلي عبر تركيا إلى القارة الأوروبية وتخفيف ارتباط أنقرة غازيا بروسيا وإيران.
الترجمة العملية الأولى للتوقيع لا بد أن تتضمن زيارة رسمية يقوم بها إردوغان إلى إسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة كان يعد لها ويريدها قبل تدهور العلاقات وهي رسالة تحية سياسية لا بد منها باتجاه قواعد العدالة والتنمية وسكان غزة والإسرائيليين أيضا.
وسط أجواء التفاؤل هذه دخل فجأة على الخط ما يهدد بالعرقلة والتجميد ويقلق البلدين فمن يفعل ذلك؟
محكمة الجزاء التركية التي تتابع ملف دعوى أسطول مرمرة أصدرت قبل أسبوع قرارا بمطالبة منظمة الإنتربول الدولي مساعدتها على توقيف واعتقال أربعة من كبار الضباط الإسرائيليين بتهم الوقوف وراء عملية استهداف أسطول الحرية. «قرار فيه الكثير من الغرابة لناحية التوقيت والمضمون بعد سنوات على القضية ووسط جهود المصالحة ورغم معرفة الجميع أن خطوة من هذا النوع لن تغير كثيرا في ملف الدعوى»، كما نقل عن أوساط حكومية ودبلوماسية تركية رفيعة المستوى.
تل أبيب اكتفت بوصف القرار بالتحريض المضحك لكن أنقرة ورغم تجاهلها العلني له فهي تبحث عن احتمال وجود أصابع تتحرك باسم الكيان الموازي، وهي التسمية التي تطلق على جماعة فتح الله غولن، تقف وراء صدوره في محاولة لعرقلة هذا التقارب الذي سينعكس سلبا على علاقات الجماعة بواشنطن ومن خلالها بتل أبيب كما تقول مصادر محسوبة على الحكومة التركية.
خطوة تستحق التوقف عندها طالما أن وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو كان قبل أيام يتحدث عن الاقتراب من النهاية واحتمالات الوصول إلى الاتفاق النهائي فهل هي مجرد خطوة عدلية لا بد منها أم أنها رسالة من الجماعة لإردوغان وحكومته أن المصالحة مع إسرائيل ليست بمثل هذه البساطة ولن تكون على حسابها؟ ليس سرا أن نقول هنا إن المعادلات الإقليمية وتحديدا في علاقات تركيا بإسرائيل تحولت إلى قاعدة تقول إنه كلما تحسنت أو تراجعت علاقات دولة منهما بدول أخرى انعكس ذلك إيجابا أو سلبا على علاقاتهما الثنائية ودون شك لدى البلدين أكثر من سبب للإضرار بعلاقات بعضهما البعض. لكن حقيقة أخرى باتت شبه محسومة بالنسبة لهما وأمام أكثر من تحول إقليمي وشرق أوسطي، وهي وكما نفهم من تصريحات ومواقف أنقرة وتل أبيب في الأسابيع الأخيرة، قرار الاستفادة من دروس وتجارب الماضي ومحاولة ترجمتها هدنة عملية على الأرض.
دعوة إلى اليأس!
بقلم: موسى برهومة عن الحياة اللندنية
ما برح المثقف أو السياسي المنخرط في الشأن العمومي مسيّجاً بالكثير من الصور النمطية والإكراهات التي تحول دون أن يكون صورة ذاته الحقيقية في تقلباتها وتحولاتها وانكساراتها.
المطلوب من هذا الشخص أن يكون رائياً وبشيراً وهادياً ورائداً. وإذّاك، لا يجوز له أن يكتئب، أو يتراجع، أو أن يصاب بعارض اليأس أو فقدان الأمل.
إن ثمة تصوراً رسولياً صاغته الأدوار التي تنكّبها هذا الشخص على مدى التاريخ، فهو المخالف والمعارض والمقاوم والمناضل، والشهيد. وهو النزيه، والخالي من النزوات، والمملوء باليقين بانتصار الخير، وانبثاق الحق من لجج الظلم والظلام، ومنوط به، بالتالي، معالجة الأرواح المعطوبة، وتطبيب النفوس التي أصابها القنوط، ورفع معنويات أولئك الذين يتوقفون في منتصف الطريق، وحضهم على مواصلة المسير، حتى لو تهرّأت الأقدام!
وقد أنتج هذا التصور المحايث لهذا الشخص كائناً انفصامياً، منعزلاً عن حرارة الحياة، ومنفصلاً عن الواقع. وصار يقدم خطابه وفي ذهنه الجماهير التي لا ترضى منه إلا أن يكون المثال المحتذى، والأنموذج الذي لا يعرف اليأس، ولا حتى مراجعة الذات أو الأفكار أو التصوّرات. أضحى هذا الشخص المطوّق بـ «الرسالة» يكتب ويفكر ويتحدث ويبتسم ويحزن، وفق إيقاع الجماهير، وما يطلبونه. و «الجماهير» بطبعها متطلّبة!
ومع ازدياد مساحة البؤس، وأخص هنا العالم العربي، ومع تراجع فسحة اليقين بتحرير أي شيء، ومع سيطرة الدهماء على الفضاء العام، وهزيمة العقلانيين، ودعاة التنوير في مواجهة قوى الظلام، وكذلك ذهاب المجتمعات العربية إلى مزيد من الضيق، والانشطار المذهبي والسياسي، وتراجع الحريات، وتآكل حقوق الإنسان وفي مقدمها المرأة والطفل، وسوى ذلك من الكوارث والقتل المجاني، وارتفاع منسوب الطغاة حتى لو جاؤوا عبر صناديق الاقتراع... مع كل ذلك أضحى من العبث أن يمارس ذلك الشخص الدورَ المعتاد الموكول له، لأنه إن فعل ذلك فسيكون تائهاً في الشوارع والأزقة، أو من سكان «العصفورية»!
فماذا بمقدره أن يفعل حينذاك، حتى يحافظ على ما تبقى من توازنه النفسي؟
ليس عليه سوى أن يتخلى عن دوره التبشيري، وأن يكون إنساناً طبيعياً يحب ويكره ويخطئ ويداهمه الملل واليأس، ويتحلّل من عقدة الجماهير، لأن الجماهير، في المحصلة النهائية، مجرد وهم، فهي كتل غير متجانسة، ولا متفقة على رأي. إنها ذاتها الجماهير التي تصفق للطاغية، وترفع صور قتلة الأطفال، وترقص في الشوارع ابتهاجاً بانتصار الجنرالات المدجّجين بالأوسمة، رغم أنهم لم يخوضوا أي حرب إلا ضد شعوبهم!
ماذا لو أصاب ذلك الشخصَ اليأسُ. ماذا لو أعلن للناس/ الجماهير أنه لم يعد يحتمل الكذب وتزييف الوقائع، وأن مستقبل العرب معتم، وأن النفق الذي هم فيه لا ضوء في آخره، وأن عليهم أن يغيّروا المنكرات بقلوبهم بعد أن شُلّت أياديهم، وانعقدت ألسنتهم؟!
ولماذا لا يكون مثلَ الطبيب المحترف الذي يبلغ مريضه بعلّته، لا أن يوهمه بمعسول الكلام، بذريعة رفع معنوياته، ثم ما يلبث أن يسير في جنازته، ويترحّم عليه، ويقول: لقد كان شجاعاً في مواجهة الموت. فأي مديح قد يفيد امرأً قتله الأمل الزائف، والوعود الجوفاء بأن صحته «عال العال»، وأن مرضه العضال عبارة عن وعكة صحية عارضة يعالجها «الإسبرين»؟!
«الشعوب» العربية مخدّرة، ويراودها الحلم المستحيل، وتأخذها الأغاني الحماسية، والأناشيد الأيديولوجية إلى تخوم بعيدة، فتظن نفسها على أسوار القدس، أو على ضفاف نهر يلهو الناس على جنباته بحب وتسامح، فلا فقراء ولا متسولين، ولا تعذيب، ولا سجون، ولا اختطاف سلطة، ولا دعوات إلى حجر حرية الإنسان والتفكير نيابة عنه، أو النطق بلسان الله.
الأحلام المجدّفة يلزمها اليأس العاقل الذي يلجم النفس الأمارة بالأمل الغزير، ويدفع باتجاه الحفاظ على منسوب التوقعات المتفائلة، كي تعتني «الجماهير» بما هو أجدى وأنفع وأكثر إثماراً: الحديقة المنزلية، تربية أبناء سعداء، الاستمتاع بما تبقى من هواء طلق، والقهقهة في شكل هستيري حين سماع نشرة الأخبار!
الحرب على "الإخوان"
بقلم: زهير أبو شايب عن العربي الجديد
من المفارقات المذهلة أنّ الأنظمة العربيّة، التي لم تتّفق من قبل على معاداة إسرائيل، باتت تتّفق على معاداة الإخوان المسلمين، بحجّة دعمهم الإرهاب؛ وأنّ جماعات اليسار العربيّ، التي كانت تتّهم الإخوان بالعمالة لأميركا والتحالف مع الأنظمة الرجعيّة، باتت تتّفق مع تلك الأنظمة على معاداة الإخوان، وتتحالف معها ضدّهم، من دون أن تعتبر ذلك عمالة أو مهادنة.
إنّ الإخوان، إذن، عملاء لأميركا وإرهابيّون في الوقت ذاته، وذلك يعني أنّ أميركا متحالفة مع الإرهاب الذي تزعم أنّها تحاربه، وأنّ الأنظمة العربيّة، التي تدور في فلك أميركا، متحالفة مع الإخوان الذين تحاربهم، وذلك ما لا يقبله منطق أبداً. ولذا، فإمّا أن تكون تهمة الإرهاب باطلة، أو أن تكون تهمة العمالة لأميركا باطلة، فإذا سقطت تهمة الإرهاب، فلماذا يستمرّ النظام العربيّ في محاربة الإخوان؟ وإذا سقطت تهمة العمالة لأميركا فلماذا يستمرّ اليسار العربيّ في محاربتهم؟
وبغضّ النظر عن كلّ ما يقال عن الإخوان، فإنّنا أمام جسم تنظيميّ ضخم، يقدّر عدد المؤازرين والمريدين والمنتمين إليه بما يربو على عشرة ملايين شخص، منتشرين على امتداد الخارطة العربيّة، وذلك ما من شأنه أن يثير هلع النظام الاستبداديّ العربيّ، وهلع (اليسار) الأيديولوجيّ، وهلع الغرب وإسرائيل. وبغضّ النظر ـ مرّة أخرى ـ عن كلّ ما يقال، فإنّ أحدًا لا يستطيع أن ينكر أنّ هذا التنظيم لم يغب أبدًا، منذ أن ولد في الإسماعيليّة سنة 1928، عن الساحة المصريّة، ولم يقف خارج الأحداث قطّ، بدءاً من انتفاضة الشعب المصريّ بعد الحرب العالميّة الثانية، وإضرابات عامي 1947 و1948، وامتداداً إلى الكفاح المسلّح في قناة السويس، وحرب فلسطين عام 1948، وصولاً إلى ثورة يوليو 1952، وما تلاها من أحداث حتّى يومنا هذا. وبموازاة ذلك، فإنّ هذا التنظيم لم يرضخ قطّ لشروط القطريّة العربيّة، الّتي كانت تسعى إلى حصر العمل السياسيّ العربيّ في نطاق القطر، بل تحوّل من تنظيم مصريّ محليّ إلى تنظيم عربيّ وأمميّ فاعل، ولا يعترف بالحدود الجغرافيّة، شأن أيّ تنظيم أمميّ آخر.
في الحقبة الملكيّة، اتّهم الإخوان بالموالاة للنظام، مع أنّ الأمر انتهى إلى اتّهامهم باغتيال رئيس الوزراء، محمود فهمي النقراشي، عام 1948، وقيام القصر الملكيّ والحكومة باغتيال حسن البنّا عام 1949. وفي الحقبة الناصريّة، اتّهموا بمعاداة الثورة والعمالة للإنجليز، مع أنّهم حاربوا الإنجليز وساهموا في الثورة على نظام فاروق، ثمّ دفعوا ثمناً كبيراً لتناقضهم مع النظام الناصريّ. وفي الحقبة الساداتيّة، اتّهموا بقتل السادات، بعد أن كانوا متّهمين بالتواطؤ معه.
أمّا في حقبة مبارك، فقد اتّهموا بأنّهم معارضة ديكوريّة لتزيين صورة النظام، مع أنّه كان يتّهمهم ـ بدوره ـ بالإرهاب، ولم يكفّ عن اضطهادهم وإقصائهم وزجّهم في السجون؛ وفي 25 يناير اتّهموا بتأخّرهم يومين عن الالتحاق بركب الثورة، رغم الاعتراف بأنّ الثورة ما كانت لتستمرّ، لو أنّ شباب الإخوان لم يشقّوا عصا الطاعة، وينزلوا إلى ميدان التحرير منذ اليوم الأوّل بأعدادهم الضخمة، وقدراتهم التنظيميّة العالية. وفي الفترة الانتقاليّة، تحالف اليساريّون والناصريّون والأقباط ضدّهم، في كلّ الاستحقاقات الانتخابيّة الّتي تلت سقوط مبارك، لا بل إنّ هدى جمال عبد الناصر ـ بنت الزعيم الذي أقدّسه ـ لم تتورّع عن التحالف مع الفلول، حين انتخبت أحمد شفيق، مثلما أنّ الأستاذ محمّد حسنين هيكل لم يتورّع عن التحالف مع العسكر، حين ارتضى لنفسه بأن يكون عرّاباً لانقلاب عبد الفتاح السيسي. إزاء هذا المشهد الواضح، الذي لا لبس فيه، تتحوّل القراءة إلى فعل أخلاقيّ، من أفعال الضمير، ويتعيّن على المثقّف العربيّ أن يؤجّل انحيازاته الأيديولوجيّة والسياسيّة لصالح انحيازه الأخلاقيّ، وأن يكون شاهد حقّ في هذه القضيّة التي يسعى النظام العربيّ الاستبداديّ إلى أن يكسبها ضدّ ضحيّته.
إنّ الحديث عن الإرهاب حديث ملتوٍ ومشبوه، إذ يكفي أن نرى النظام الاستبداديّ العربيّ من المحيط إلى الخليج وهو يعلكه، لنعرف أنّه جزء من خطاب اجتثاثيّ، يهدف إلى أكل الثور الإسلاميّ الضخم، مثلما سبق أن أكل الثور القوميّ في العراق. ومن عجائب الأمور، مثلًا، أن يصطفّ النظام السعوديّ إلى جانب النظام السوريّ في محاربة الإخوان المسلمين، بحجّة الإرهاب، مع أنّ كلاّ منهما يتّهم الآخر بدعم الإرهاب؛ وأن تجد في بلد كالسنغال باحثاً (محمّد بامبا نداية) يقول: إنّ الإخوان المسلمين هم مرض القرن. إنّ عمليّات الشيطنة المنظّمة، التي تديرها الأنظمة العربيّة، وتساهم فيها بعض قوى اليسار الخائفة، جزء من حرب واسعة، تطمح إلى اجتثاث الإخوان كلياً وهم الأكبر حجماً وتجربةً، والأكثر تأهيلاً ونضجاً من بين الجماعات السياسيّة العربيّة. ومن المؤكّد أنّ ذلك سيؤدّي إلى فقدان النواة الصلبة التي يحتاج إليها العرب، من أجل ولاداتهم القادمة. إنّ جماعة الإخوان المسلمين ـ كما يقول شادي حامد (الخبير في مركز بروكنجز) ـ ليست مجرّد جماعة دينيّة أو سياسيّة، بل هي أشبه بدولة الظلّ في مصر الحديثة، وهو ما ظهر من خلال نجاحها في كسب المؤيّدين على مدار العقود السابقة. إنّها أمّ الجماعات الإسلاميّة، ولو أردنا أن نكون منصفين لقلنا: إنّ الجماعات السياسيّة العربيّة كلّها ستفقد ظلّها، من دون وجود شقيقتها الكبرى، وستغرق في ظلام الأنظمة البهيم الذي لا نهاية له.
الانتخابات السورية: البراميل بدل الصناديق
بقلم: خير الله خير الله عن العرب اللندنية
أصرّ النظام السوري على إجراء انتخابات رئاسية. الحقيقة الوحيدة في الانتخابات، ذات النتيجة المعروفة سلفا، التي أُجريت أمس هو البراميل المتفجّرة التي تُلقى على المدن وأهلها بديلا من صناديق الاقتراع.
يصرّ النظام على القراءة من كتاب قديم عفا عليه الزمن وأكل الدهر عليه وشرب. عنوان الكتاب أنّ الهرب إلى الخارج، أي إلى لبنان خصوصا، حيث كان التمهيد للانتخابات، ضمانة للنظام ولاستمراره.
منذ ولد، قبل ما يزيد على أربعة عقود، ليس لدى النظام السوري، الباحث دائما عن شرعيّة ما، سوى لعبة الهرب إلى خارج البلد. يمارس اللعبة من أجل المحافظة على نفسه، أو هكذا يعتقد، فيما يبقى القمع لعبته المفضلة، داخليا.
يندرج «إقناع» «حزب الله» وتوابعه عشرات الآلاف من المواطنين السوريين، المقيمين في المناطق اللبنانية التي يسيطر عليها، بالتوجه إلى مقر السفارة السورية من أجل الإدلاء بأصواتهم في سياق الهرب إلى الخارج بحثا عن شرعية لا وجود لها في الداخل أصلا.
ما حدث يتمثل باختصار في أنّ هناك نظاما سوريا تسيطر عليه عائلة، تنتمي إلى أقلّية معيّنة، قرّرت أن تكون سوريا ملكا لها. يصرّ النظام على إجراء انتخابات في لبنان، قبل سوريا، حتّى لو تبيّن أن الطريقة التي توجّه بها السوريون إلى السفارة ليست سوى مسرحية هزلية، من أجل إثبات أنه لا يزال قويا في سوريا.
نعم، النظام ما زال قويّا في لبنان وليس في سوريا. إنه قوي في لبنان بفضل إيران. ولذلك ليس ما يمنع “حزب الله”، بصفة كونه أداة إيرانية، من تلبية ما يطلبه منه النظام السوري. هل هذا منطق على علاقة بأي شكل من المنطق؟ هل هذا ممكن بعد كلّ ما تشهده سوريا من مآس يقف خلفها النظام؟ هل يمكن لإيران توفير شرعية للنظام السوري؟
كانت هذه اللعبة تمر في الماضي. كانت تنطلي حتى على بعض السوريين. لم يعد مكان لهذه اللعبة الآن وذلك لسبب في غاية البساطة. يعود السبب إلى أن مشكلة النظام السوري في سوريا وليست في لبنان. هذه المشكلة مع السوريين أولا الذين كان مطلوبا في كل وقت إذلالهم، إلى أن جاء اليوم الذي قالوا فيه أن كفى تعني كفى. قال الشاب السوري لوالده أنّه يفضل الموت على حياة الذلّ التي قبل بها الوالد.
في الواقع، سقط هذا النظام في سوريا. سقط عندما لم يستطع في أيّ يوم تقديم شيء للسوريين. اللهمّ إلا إذا استثنينا القتل والبؤس والتجويع والتعذيب والممارسات الطائفية التي كانت مجزرة حماة في العام 1982 خير دليل عليها.
لابدّ من الاعتراف بأن النظام السوري وجد لنفسه وظيفة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. كانت هذه الوظيفة تتمثّل في الاستفادة إلى أبعد حدود من تصدّيه لنظام بعثي- عائلي في العراق لا يختلف عنه في شيء، إلّا إذا استثنينا الفائض في الغباء والثروات التي لدى العراق والتي بددها صدّام حسين في حربه مع إيران بين العامين 1980 و1988، ثم في غزوة الكويت في العام 1990.
كان النظام السوري يعتقد، في كلّ وقت، أن خلاصه في لبنان، وأنه يستطيع ممارسة اللعبة اللبنانية إلى ما لا نهاية من أجل البقاء في سوريا. ولذلك شارك في حرب تحرير الكويت وعينه على لبنان. كان ثمن مشاركته في تلك الحرب، إلى جانب القوات الأميركية والقوات الدولية والعربية، الحصول على جائزة كبرى اسمها التمديد لوجوده العسكري والأمني في لبنان.. والمتاجرة في الوقت نفسه بالفلسطينيين وما بقي من قضيّتهم في طبيعة الحال.
حصل على هذه الجائزة، التي اسمها لبنان، بالفعل وحافظ عليها برموش العين، إلى أن ارتكب جريمة، أو على الأصحّ شارك مع آخرين في جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه. تبيّن أنّ هذه الجريمة في حجم الاجتياح العراقي للكويت واحتلال البلد المستقل الذي فيه قسم لا بأس به من الاحتياط النفطي العالمي.
لم يفهم النظام السوري أن جريمة اغتيال الحريري ورفاقه كانت نقطة تحوّل. لم يفهم أنّه خرج نهائيا من لبنان. لم يفهم ماذا يعني خروجه من لبنان في شهر أبريل من العام 2005 بعد شهرين وأسبوعين من تفجير موكب رفيق الحريري. لم يستوعب أنّه منذ تلك اللحظة، لم يعد قادرا على الهرب إلى لبنان كما كان يفعل في الماضي من دون إذن من إيران التي باتت تتحكّم بلبنان واللبنانيين، أمنيا، عبر ميليشيا تابعة لها اسمها «حزب الله».
ما فعله النظام السوري، عندما أوعز إلى «حزب الله» بأن يرتّب له تدفّق عشرات آلاف السوريين من الموجودين في لبنان على السفارة السورية للتصويت لبشّار الأسد دليل ضعف أكثر مما هو دليل قوة. إنّه دليل إفلاس يكشف النظام الذي صار في حاجة إلى من يصوّت له في لبنان. لو كان أولئك الذين أدلوا بأصواتهم على استعداد لأن يفدوا بشّار بـ«الروح والدمّ» حقيقة، لكانوا بقوا في سوريا.
هذا كلام مكرّر إلى حد كبير. لكنّ من الضروري التذكير به للقول أنّ النظام السوري الذي هو وليد انقلاب عسكري باسم حزب البعث، ما لبث أن استولى عليه الضباط العلويون ثمّ شخص واحد اسمه حافظ الأسد، قرّر توريث سوريا لابنه، لم يمتلك النظام يوما أية شرعيّة من أي نوع كان. مشكلة هذا النظام لا تزال نفسها منذ اليوم الأوّل لانقلاب 1963 ثم انقلاب حافظ الأسد على رفاقه العلويين والبعثيين. المشكلة مع السوريين ومع سوريا أوّلا وأخيرا.
كلّ ما في الأمر أن لكلّ شيء نهاية، كما لكلّ مغامرة هروب نهاية. الهرب إلى لبنان دام طويلا. دام أكثر مما يجب. جاء يوم العودة إلى سوريا. هل سوريا تقبل النظام؟ الجواب بكلّ بساطة أنّ ما يزيد على ثلاث سنوات من ثورة مستمرّة جواب أكثر من كاف على أن النظام صار في مزبلة التاريخ، وليس في أي مكان آخر.
كيف يمكن لنظام ليس لديه ما يقدّمه لشعبه سوى البراميل المتفجّرة أن يستمرّ في حكم بلد، حتّى لو قدّمت له إيران كلّ الخدمات المطلوبة، بما في ذلك «إقناعه» بأنّه لا يزال قويّا في لبنان ولا يزال قويّا في سوريا؟ هل الاستعانة بإيران وتسليمه لها بكلّ شيء، بما في ذلك سوريا نفسها، يوفّر لنظام طائفي، مرفوض من شعبه، شرعية ما؟