المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 08/06/2014



Haneen
2014-07-17, 10:34 AM
اقلام عربي 08/06/2014

في هــــــــــــــــــــــذا الملف:
صلاة استسقاء من أجل السلام
عريب الرنتاوي – الدستور الأردنية
مروان البرغوثي، والاستطلاعات والمستقبل
د. اسعد عبد الرحمن – الرأي الأردنية
نتنياهو.. ويوم لن ينفع الندم !
صالح القلاب – الرأي الأردنية
هستيريا الاحتلال من التوافق الفلسطيني
أحمد مصطفى علي – الخليج الإماراتية
ما بعد إنهاء الانقسام
هاشم عبد العزيز – الخليج الإماراتية
حكومة توافقية …. ولكن
د. فايز رشيد – الوطن العمانية
الانتفاضة القادمة
علي الجرباوي – الوطن العمانية
حزيران الوجه الآخر!
خيري منصور – الدستور الأردنية
تنميط الفلسطينيين وحركة تحررهم الوطني
خالد الحروب – الحياة اللندنية
عيون وآذان (مصر ومستقبل أفضل)
جهاد الخازن – الحياة اللندنية
مفاوضات الشاشة بين كيري ونصر الله
جويس كرم – الحياة اللندنية
أزمة ليبيا والعجز المغاربي
محمد الأشهب – الحياة اللندنية

















صلاة استسقاء من أجل السلام
عريب الرنتاوي – الدستور الأردنية
هي خطوة رمزية، بدأها قداسة البابا من بيت لحم، استكمالاً لسلسلة الرسائل التي أطلقها من هناك: فلسطين المستقلة التي دخلها من أبوابها، وليس من البوابة الإسرائيلية ... إدانة جدار الفصل العنصري والصلاة من “خارج النص البرتوكولي” على نيّة إنهاء معاناة الفلسطينيين ... فضلاً عن رمزية ارتداء الكوفية الفلسطينية التي تلفع بها السيد المسيح طفلاً كما ظهر في الجدارية التي زيّنت الاحتفال الرئيس لقداسة البابا، وتماهي النشيد الوطني الفلسطيني، بالتراتيل والصلوات الكنسية التي صاحبت الحبر الأعظم ورافقته طوال المحطة الفلسطينية من جولته.
لا أثر سياسياً للزيارة، فالبابا أرادها “استراحة المحاربين” ... لا وساطة ولا توسط ... لا تفاوض ولا مبادرات ... كل ما في الأمر، أن قداسته رأى انهيار العملية التفاوضية، فآثر ان يعطيها دفعة معنوية رمزية لا أكثر ... ولأنها كذلك، لم يجد طرفا الصراع بُدّا من الاستجابة للدعوة البابوية ... حضر عباس وجاء بيريز ... وسيُرفع الآذان ويُتلى القرآن في الصرح البابوي، ولأول مرة في تاريخه.
على أن المبادرة البابوية، ليست قليلة الأهمية، فهي تعيد تذكير العالم بالملف المنسي، ملف القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، الذي يكاد يطويه النسيان، بعد أن تقدمت عليه مختلف ملفات المنطقة وأزماتها ... وبعد أن تعرض للترك والإهمال، في ضوء ما يواجه شعوب الأمة العربية ومجتمعاتها، من أولويات ضاغطة في لقمة العيش والأمن والاستقرار والعدالة والكرامة، وفي ظل ما يجتاح مجتمعاتنا من “تسونامي” العنف والتطرف والإرهاب والانقسامات الجهوية والمذهبية والدينية والقومية.
إنها “صلاة استسقاء” للسلام، والاستسقاء عادة ما يأتي بعد “المحل” والجفاف ... والسلام في فلسطين، يبدو بعيد المنال، وهو يفر من بين الأيادي الكثيرة التي تعبث به ... فلا سلام مع استمرار الاحتلال، لا سلام مع الاستيطان، لا سلام فيما ستة ملايين لاجئ فلسطيني، ما زالوا يهيمون على وجوههم في دنيا المنافي والشتات ... زعيم الكنيسة الكاثوليكية الأوسع انتشاراً في العالم، يدرك هذه الحقائق، ويريد أن يلفت أنظار العالم لها، وهو يفعل ذلك بالأدوات والوسائل الوحيدة المتوفرة لديه، كمرجع روحي لا سياسي، وأهمها على الإطلاق “الصلاة” على نيّة عودة السلام لأرض السلام والأنبياء.
ومن دون أن يقصد ذلك أو يخطط له، فإن توقيت إقامة الصلاة المشتركة، متعددة الأديان والطقوس والشعائر، يأتي في توقيت هام للفلسطينيين، الذين يواجهون اليوم، حملة إسرائيلية شعواء تستهدف “شيطنتهم” وعزلهم عن مجتمعهم الدولي، بعد أن نجحوا في “لملمة” شملهم، وإعادة ترتيب بيتهم الداخلي، وتشكيل أول حكومة وفاق وطني، بعد سنوات سبع عجاف من الانقسام والتراشق والتنابذ ... لكأن البابا وفاتيكانه، أرادا أن يبعثا برسالة للعالم: السلطة ورئيسها وحكومتها، كيان شرعي مائة بالمائة، وهم شركاء في التفاوض وصنع السلام على حد سواء، وبخلاف ذلك، تخريف في تخريف.
وبهذا المعنى، يعلن البابا، فشل حملة نتنياهو وأركان حكومته، في عزل السلطة والحكومة والرئيس ... ويكرس بدلاً عن ذلك، عزلة نتنياهو وحكومته، وهي عزلة تبلغ ذروتها، حين نرى أن الحليف الاستراتيجي الأوثق لدولة الاحتلال والاستيطان، يرفض مزاعمه وادعاءاته، فتعلن واشنطن أنها ستواصل دعم السلطة وستتعامل مع الحكومة الفلسطينية الجديدة، أما الاتحاد الأوروبي، فقد ذهب أبعد من ذلك، إذ واصل تعاونه مع السلطة، من دون التفات إلى المزاعم الإسرائيلية، ومن دون أن يبذل أي جهد في التوقف عندها أو الرد عليها.
عباس في حاضرة الفاتيكان، يستكمل ما بدأه قداسة البابا في بيت لحم ... ورسائل الشعب الفلسطيني، تطوف العالم وتجول في أرجائه الأربع، وإسرائيل تعاني العزلة والنبذ، بخلاف ما كان عليه الحال في معظم الجولات السابقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والمطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، معرفة كيف يمكن استثمار هذه العزلة وتعميقها، بهدف فضح دولة الاحتلال والعنصرية والاستيطان، ونزع الشرعية والغطاء الدوليين عنها ... فهل نحن فاعلون؟




مروان البرغوثي، والاستطلاعات والمستقبل
د. اسعد عبد الرحمن – الرأي الأردنية
في أحدث استطلاع للرأي نشره «المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي»، أعده الدكتور نبيل كوكالي، تبين أنه لربما قد آن أوان استمرار الإصرار على الإفراج عن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الأسير مروان البرغوثي حتى يتمكن من الترشح في الإنتخابات الرئاسية القادمة باعتباره المرشح الأكثر حظا، مع تقديرنا أن الأمر يحتاج – إسرائيليا – إلى معجزة!. وفي مقارنة لنتائج الاستطلاع في الضفة والقطاع عمن هو المرشح الأوفر للرئاسة، أجاب (44.3%) محمود عباس، (17.6%) إسماعيل هنية. أما إذا كانت المنافسة بين مروان البرغوثي وإسماعيل هنية، فالنتيجة (49.7%) لمروان البرغوثي، (16.0%) لإسماعيل هنية. وإذا ما كان الخيار بين الرئيس عباس ومروان البرغوثي، كانت النتيجة (26.9%) للرئيس، (33.2%) لمروان البرغوثي، في حين كان الحال بين خالد مشعل والبرغوثي (51.0%) للأخير و(16.2%) لخالد مشعل.
لا خلاف على أن ما تمثله حركة فتح لا يزال في نطاق الفكرة النضرة المقبولة من الشعب الفلسطيني رغم الخلافات والانقسامات. وبالفعل، ثمة فارق بين ما تمثله فتح وما هو واقعها، فالحركة تعاني عديد المشاكل الداخلية التنظيمية والبنيوية. وفي مسألة الاقتراحات المتداولة لتعيين البرغوثي نائبا للرئيس عباس، ومع تشجيع الشارع لذلك وفق ما تبينه استطلاعات الرأي، فإنها مسألة تثير الخلاف في صفوف أعضاء اللجنة المركزية للحركة، فهناك أصوات داخل اللجنة تعتبر الترشيح غير عملي وأن المصلحة الوطنية ومصلحة حركة فتح تقتضيان أن لا يكون نائب الرئيس معتقلا لدى إسرائيل. فهل يختار الرئيس عباس قياديا آخر؟ أو هل يقبل بالضغوط بتعيين البرغوثي نائباً له وذلك من أجل الضغط على إسرائيل لإخلاء سبيله من السجن؟ خاصة وأن الرئيس عباس يؤكد باستمرار على زهده بالمناصب بعد أن قارب الثمانين عاما، والمصالحة في طريقها للترسخ على الأرض، والمفاوضات تدور في حلقة فارغة وليس مفرغة فقط، علاوة على حالة هستيرية إسرائيلية قديمة/ جديدة ضد الرئيس عباس تقودها «النخبة» (بالأحرى الخمّة) الحاكمة الآن في الدولة الصهيونية.
بالعودة إلى الاستطلاع، نقول: صحيح أنه قد أكد نتائج استطلاعات سابقة من حيث شعبية فتح وحماس، لكن الملاحظ أن الاستطلاع أظهر تنامي نسبة الذين أعلنوا أنهم لن يشاركوا في الانتخابات بين (25 – 30%)، أو أولئك الذين لم يقرروا بعد (7 – 10%)، وهي نسبة لافتة للنظر تلعب دورا حاسما في النتيجة النهائية لأي انتخابات. ومسألة الذين لم يحسموا أمرهم بعد مسألة جد مهمة، ويجب البحث فيها لإيجاد تفسيرات مقنعة، ربما يكون على رأسها كون الانتخابات الفلسطينية أظهرت إفلاس أو هزال أداء معظم الفصائل والحركات، فضلا عن اتهامات بالفساد تواجهها السلطة منذ بداية تأسيسها. وبحسب آخر تقديرات «معهد العالم العربي للبحوث والتنمية» فإن «890 ألف شاب فلسطيني في القطاع والضفة، أعمارهم بين 17 و 26، لم يكونوا سجَّلوا لانتخابات 2006، ولم يُتَح لكثير منهم – وحتى الآن – فرصة فعلية للمشاركة في التسجيل للانتخابات، وخصوصاً في القطاع، حيث يبلغ عدد شبابها غير المسجَّلين في قوائم لجنة الانتخابات المركزية 360 ألفاً»، وهو رقم يكفي لحسم نتيجة أي انتخابات مقبلة سواءً كانت تشريعية أو رئاسية. فهل هذا نوع من الاحتجاج الصامت؟ وهل لذلك علاقة بفشل فتح وحماس في تحقيق أهدافهما، سواء بالكفاح المسلح او بالانتفاضة او بالطرق السلمية، في وجه المقارفات الإسرائيلية المستمرة لتهويد للقدس واتساع الاستعمار/ «الاستيطان»، فضلا عن ظهور ممارسات القيادات الفلسطينية السلبية على السطح، الأمر الذي ربما جعل الشباب الفلسطيني لا يرى أي أفق سياسي. والحال كذلك، بات ملحا توافق كافة الفصائل والقوى الفلسطينية الفاعلة على تسريع إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بانتخاب مجلس وطني جديد ينتخب لجنة تنفيذية جديدة تشرف على تنفيذ كافة بنود المصالحة واستحقاقاتها، كما تتولى – من خلال حكومة توافق وطني–إدارة شؤون الضفة والقطاع. كما بات أمرا ملحا أن تُبادر حركة فتح (وغيرها من الفصائل الجادة) إلى تنفيذ دعوتهم لإطلاق المقاومة الشعبية–أحد الروافد المهمة المتاحة لإنهاء الاحتلال. وفي السياق، هلاّ دفعنا أكثر باتجاه الإفراج عن البرغوثي؟

نتنياهو.. ويوم لن ينفع الندم !
صالح القلاب – الرأي الأردنية
وهو يتحدى العالم بأسره ويتمادى في إضطهاد الشعب الفلسطيني ويسعى لفرض شروط تعجيزية عليه لإلزامه بـ»إستسلام» جائر لا يمكن القبول به حتى إنْ إنطبقت السماء على الأرض فإن بنيامين نتنياهو ينسى أو يتناسى أن هناك شخصاً إسمه آرثر جيمس بلفور هو الذي قطع لِلُّورد ليونيل وولتر روتشيلد ذلك التعهد في ذروة استبداد الإمبراطورية في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
والمقصود هو أن هذه الدولة الإسرائيلية الذي يصر نتنياهو على إلزام الفلسطينيين بالإعتراف بيهوديتها هي صنيعة لحظة تاريخية مريضة وبائسة كانت الدولة الإستعمارية ،بريطانيا العظمى، مثلها مثل كل الدول الإستعمارية الأخرى تلغي كيانات ودولٍ وتقيم على أشلائها كيانات ودولٍ أخرى وحقيقة أن هذه الكيانات والدول المصطنعة و»المُفبركة» التي فُرضت على الأمم والشعوب المضطهدة والمستُعْمَرة فرضاً لا يمكن أن تستمر وأن تدوم مهما طال الزمن وبخاصة إذا بقي حكامها يتصرفون بالنزعة «الشوفينية» والإستعلائية والإستعمارية التي يتصرف بها حكام إسرائيل الآن على أساس أوهام أنَّ معادلات ما بعد إنهيار الدولة العثمانية ستبقى ثابتة بدون تغيير وإلى الأبد.
ولعل ما يجب أن يدركه غلاة الإسرائيليين أن الشعب الفلسطيني لا يمكن إذابته كما أذاب المستعمرون الأوروبيون والبريطانيون أهل أميركا الشمالية الأصليين.. «الهنود الحمر»!! وكما أذابوا السكان الأصليين لأستراليا «الأبوريجنال» فهذا الشعب ،أي الشعب الفلسطيني، ينتمي لأمةٍ عريقة شغلت جزءاً رئيسياً من المسيرة الحضارية الكونية وأنه عندما فقد وطنه نتيجة لعبة إستعمارية دنيئة فعلاً في لحظة تاريخية مريضة كان يتفوق على مستعمريه قيماً وحضارة وإنسانية وكفاءة وأيضاً على من أعْطى لهم وزير الخارجية البريطاني آرثر جيمس بلفور وعده الآنف الذكر الذي قيل فيه ،وهذا القول لا يزال صحيحاً وسيبقى صحيحاً إلى أبد الآبدين، :»إنه وعْدُ من لا يمْلك لمنْ لا يستحق».
ربما أنَّ بنيامين نتنياهو عندما يقرأ مثل هذا الكلام ويسمعه يبادر إلى «البرطعة» والضحك حتى يستلقي على ظهره فهو مثله مثل كلِّ من هُمْ على شاكلته من الإسرائيليين ومن العرب أيضاً يظن أنَّ حركة التاريخ قد توقفت عند لحظة الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1917 وأنَّ ما بُني بالقوة سيبقى قائماً وإلى الأبد بالقوة وأن إتفاقيات سايكس-بيكو ستبقى قَدَر بلاد الشام وقدر هذه المنطقة من الوطن العربي الكبير حتى يوم القيامة وأنَّ هذا التشرذم العربي ،الذي كان الألمان قد عاشوا مثله وأسوأ منه، سيستمر إلى يوم يبعثون.
إن هذه ليست أوهاماً ولا أماني وإنَّ ما لا يريد المستلبون من العرب العاربة والعرب المستعربة و»الواقعيون» أكثر من اللزوم وبالطبع قبلهم الإسرائيليون الإعتراف به هو أن هذا الذي تشهده هذه المنطقة هو بدايات الصحوة العربية المنتظرة وأن الإستحقاق التاريخي قادم لا محالة وأنه على بنيامين نتنياهو أن يتخلى عن كل ما في رأسه من أوهام وأن يدرك :أن من أراد كل شيء سيخسر في النهاية كل شيء ولهذا فإن المفترض أن يبادر الإسرائيليون إلى إستغلال فرصة تاريخية قد لا تتكرر ويلتزموا بخطة السلام العربية ،التي أساسها دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية إلى جانب الدولة الإسرائيلية.. إنها فرصة بالفعل وهي ستضمن للأطفال الفلسطينيين أن يعيشوا في وطن مستقر ودائم وستضمن أيضاً للأطفال الإسرائيليين أن يطمأنوا إلى مستقبلهم ومستقبل أجيالهم في هذه المنطقة التي هي منطقة عربية وستبقى عربية أمَّا إذا بقيت هذه المجموعة الحاكمة في إسرائيل تمارس السياسة على أساس الأوهام التي من غير الممكن أن تصمد أمام الحقائق التاريخية وعلى أساس أنها تريد كل شيء فإن النهاية ستكون ندماً ولكن يوم لن ينفع الندم.

هستيريا الاحتلال من التوافق الفلسطيني
أحمد مصطفى علي – الخليج الإماراتية
مع إعلان تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية، يكون الفلسطينيون، قد بددوا كل الشكوك حول قدرتهم على طي صفحة الانقسام المعيب، الذي لطخ تاريخهم النضالي بوصمة تحتاج إلى سنوات حتى تتلاشى آثارها الكارثية .
حكومة التكنوقراط الانتقالية هذه التي انهالت عليها التهاني من كل أصقاع العالم، بما فيها الولايات المتحدة، شكلت صدمة كبيرة للكيان الذي كان أشد حرصاً على إدامة وتغذية التفرقة الفلسطينية بكل وسائله الخبيثة، لأنه رأى فيها مصلحة حيوية لفرض سياساته الاستيطانية على أرض فلسطين المحتلة، متخذاً من مهزلة ما تسمى عملية السلام ستاراً لعدوانه الهمجي .
منذ انطلاق عملية المصالحة، والارتباك الشديد يبدو على "إسرائيل" التي أطلقت حملة حاولت تأليب المجتمع الدولي على القيادات الفلسطينية، إلا أن مصيرها كان الفشل الذريع، حتى من واشنطن نفسها، لأنها هي التي سدّت كافة الطرق نحو تحقيق تسوية مع الفلسطينيين، خاصة أن الرئيس الفلسطيني أعلن أكثر من مرة أن المصالحة ليست على حساب المفاوضات .
الحكومة الفلسطينية المستقلة أصابت "إسرائيل" بحالة من الهذيان وأفقدتها صوابها وباتت تتخبط يميناً وشمالاً، ولا تعرف كيف ترد على هذه الخطوة التي أعادت اللحمة إلى أبناء الشعب الفلسطيني، فما كان منها إلا أن شنت غارات همجية على غزة، وأن تعلن عن سرقة المزيد من أراضيهم في الضفة وتوسيع الاستيطان، فضلاً عن نيتها فرض عقوبات اقتصادية على الشعب المنهك أصلاً من سياساتها العدوانية .
السؤال البديهي الذي يطرح نفسه: لماذا يتخذ الكيان كل هذه العدائية تجاه الحكومة الجديدة؟ طالما أنها لا تتبنى سياسات حماس التي كثيراً ما اشتكى منها، بل هي تتبنى رؤية منظمة التحرير، والجواب عن هذا السؤال يكشف لنا إلى أي مدى كانت "إسرائيل" تتحجج بحماس وحكومتها في غزة للتهرب من التزامات واستحقاقات عملية التسوية وسعيها لمحاولة فرض رؤيتها للسلام والقائمة على ممارسة عدوانها الأعمى على الشعب الفلسطيني الأعزل ومصادرة أراضيه وتهويد قراه ومدنه، ولو أنها كانت جادة بالتسوية مع شريك فلسطيني حقيقي لما هاجت وماجت، على هذا النحو الفاضح .
عملية استكمال المصالحة الفلسطينية والوحدة، يجب أن تتم بأقصى سرعة ومن دون أي عقبات، وعلى حركتي فتح وحماس الاتعاظ من ممارسات الاحتلال إبان فترة الانقسام التي استمرت سبع سنوات، وتفويت الفرصة عليه بإعادة العجلة إلى الوراء، من خلال تصعيد عدوانه على القطاع ومحاولة جر الفصائل الفلسطينية إلى حرب، بهدف خلط الأوراق والتشويش على متطلبات المرحلة، الأمر الذي يتطلب درجة عالية من اليقظة والوعي والتصميم على إنجاح المصالحة مهما كان الثمن، بالترّفع عن الخلافات الثانوية لمصلحة القضية المحورية.

ما بعد إنهاء الانقسام
هاشم عبد العزيز – الخليج الإماراتية
بعد سبع سنوات أليمة وليس كما وصفها إسماعيل هنية ب"العظيمة"، طوى الفلسطينيون صفحة الانقسام السياسي السوداء والكئيبة بإطلاق أولى خطوات المصالحة الوطنية بتشكيل حكومة التوافق الوطني لتكون فاتحة إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس "إنهاء الانقسام الذي تسبب لقضيتنا بأضرار كارثية" .
ردود الفعل على هذه الخطوة كانت متسارعة وهي ما زالت متواصلة، وباستثناء الرفض الصهيوني لهذه الحكومة ومسارعتها في التهديد بمقاطعة السلطة الفلسطينية وحجز عوائدها الضريبية والإقدام على منع ثلاثة من الوزراء في غزة من الانتقال إلى الضفة لحضور أداء اليمين الدستورية، وهو مؤشر إلى ما ستتخذه تجاه وزراء الحكومة الجديدة في تنقلاتهم وأداء أعمالهم وبخاصة تلك المتعلقة بالإعداد للانتخابات البرلمانية والرئاسية، فقد جاءت ردود الفعل العربية والإقليمية والدولية بوجه عام مشجعة وإن أخذت مستويات متفاوتة . وهذا ما بدا جلياً بين حماس ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الذي التقى رئيس الوزراء الفلسطيني بمطالبته بدعم ومساندة الحكومة الفلسطينية الذي قال "إنها ملتزمة بالاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية وببرنامج رئيس السلطة الفلسطينية"، وبين الإعلان الأمريكي ب"إمكانية التعامل مع الحكومة الفلسطينية الجديدة" والذي اعتبر "إسرائيلياً" بمثابة "خيبة أمل"، لأنه يبقي الباب مفتوحاً أمام من ترى "إسرائيل" اللقاء معهم من خلف الجدران العازلة ومنصات الصواريخ .
معلوم أن الحكومة الفلسطينية الوليدة منوطة بمهام بموجب اتفاق المصالحة وهي تحددت آنذاك بمهمتين: الأولى الإعداد والتحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية، والثانية مواجهة قضايا المواطنين الحيوية، والأبرز تداعيات الحصار على غزة على حياة الناس في توفير الغذاء والدواء ومشاكل البنى التحتية والمياه والكهرباء وغيرها والبطالة المتفاقمة في صفوف الشباب والعثرات الكأداء التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني جراء السياسة الصهيونية المدمرة لقطاعاته الزراعية والصناعية، غير أن الأوضاع الفلسطينية وردود الفعل الصهيونية العدائية تجاه الحكومة الفلسطينية أو بالأصح تجاه الوفاق الوطني الفلسطيني تضع على هذه الحكومة مهامّ ليست أقل من أولوية .
في هذا الشأن أمام الحكومة الجديدة مهمة إزالة آثار الانقسام السياسي على السلطة بمؤسساتها وأنظمتها وتداعيات احتقاناته على المجتمع الفلسطيني بأسره، لأن عدم الإقدام على هذه الخطوة سيبقي الأوضاع قائمة على انقسامها، وفي أحسن الأحوال تجميدها في استراحة لجولة جديدة، وهذا يفرغ الاتفاق من محتواه في شأن إعادة بناء السلطة على أنقاض الانقسام بخطوات وإجراءات جادة حكيمة وسريعة تهيئ للحكومة ذاتها فرص وسبل القيام بمسؤولياتها . إلى هذا، أمام الحكومة الفلسطينية مواجهة التعاطي مع الموقف العدائي الصهيوني لها، والمسألة تبدأ من استيعاب هذا الموقف الهادف إلى إعادة الأمور إلى ذلك المربع الذي اتبعته "إسرائيل"، وقادته الإدارة الأمريكية لعزل حكومة ما بعد الانتخابات البرلمانية وهي سياسة قادت آنذاك إلى انحسار فلسطيني على مصير الحكومة، ومن هنا لم يكن القول: إن الانقسام أدخل الفلسطينيين متاهة تصفية قضيتهم مجاف للحقيقة .
هنا يمكن القول إن الفلسطينيين وليس حكومتهم فقط، لديهم الفرصة المناسبة للخروج من دوامة الابتزاز الصهيوني والضغوط الأمريكية التي أبقتهم منذ الاستفراد الأمريكي في شأن هذه الأزمة في أوضاع متداعية ومأساوية أخطرها إشاعة الإحباط الذي يتنافر مع إرادة هذا الشعب المتقاطر الأجيال في مقاومته من أجل استعادة حقوقه .
القضية هنا ليست مصير حكومة بل مستقبل العمل الوطني الفلسطيني وهذا لا يستدعي مجرد خطوة تكميل منظمة التحرير الفلسطينية بالفصائل غير المنضوية في إطارها فقط، بل إن الطريق إلى هذه النتيجة يجب أن تمر من خلال مؤتمر وطني جامع للفصائل والفعاليات وللشعب الفلسطيني بكافة مكوناته في الداخل والشتات، وفي الأهم الشباب الذين يملكون القدرة على التجديد والتغيير وإعادة الاعتبار للحركة الوطنية الفلسطينية في ظل الاحتلال التي أفسدتها الصراعات السياسية، وفي الأفدح كان الانقسام السياسي بوطأته الكارثية التي تلح على التوقف في هذه المحطة للخروج ببرنامج وآلية تواجه المصاعب القائمة، وتتصدى للتحديات الماثلة في مسيرة كفاح الشعب الفلسطيني واستعادة حقوقه المشروعة والعادلة.

حكومة توافقية …. ولكن
د. فايز رشيد – الوطن العمانية
وأخيرا تم تشكيل الحكومة التوافقية الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس تنفيذا للاتفاق الذي وقّع بين الجانبين في 23 أبريل الماضي في غزة لوضع حد للانقسام السياسي بين الضفة الغربية وغزة منذ عام 2007 . الاتفاق والحكومة خطوتان في الاتجاه الصحيح لكنهما ليستا كل شيء ولا تشكلان ضمانا أكيدا لاستمرار المصالحة , بالطبع سيستكملان بتحديد مواعيد الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال ستة أشهر, هذا وفقا للاتفاق . خلت الحكومة للأسف من وزارة شؤون الأسرى والمعتقلين, وهذه نقطة خلاف بين الحركتين , فحماس مع إبقاء الوزارة, والرئيس عباس مع إلغائها وتحويلها إلى هيئة مستقلة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية على شاكلة الكثير من المؤسسات, وقد أصدر مرسوما بذلك. للاسف يأتي هذا الإلغاء في ظل إضراب الأسرى الموقوفين في السجون والمعتقلات الصهيونية لليوم الخمسين على التوالي وفي ظل وجود 5200 معتقل ومعتقلة فلسطينيين في السجون والمعتقلات الصهيونية . لقد صرح رامي الحمدالله بعد تادية حكومة التوافق اليمين القانونية أمام عباس: بأن الحكومة قررت تحويل وزارة الأسرى إلى هيئة, وأوكلت مهام الإشراف عليها إلى وزير الشؤون الاجتماعية لحين انتمام إجراءاتها .
من ناحية ثانية قال الحمدالله ” نحن في الحكومة ملتزمون بشكل مطلق بالبرنامج السياسي للرئيس أبو مازن الذي هو برنامج منظمة التحرير الفلسطينية “. هذا الأمر يشي بأن إحدى مهام هذه الحكومة هي المهمة السياسية . المتحدث الرسمي باسم حركة حماس صلاح البردويل أشار في بيان أصدره: “إلى أن ثمة تدخلا سافرا من قبل الحمدالله في الشأن السياسي ” بما يشكل خروجا عما تم الاتفاق عليه بين فتح وحماس, لافتا إلى أن رئيس الحكومة الجديد” يدّعي بأن لحكومته برنامجا سياسيا علما بأن اتفاق المصالحة ينص على أنها حكومة مهمات وليس لها أي برنامج سياسي”. هذا الأمر يشكل نقطة خلاف أخرى بين حركة حماس في غزة من جهة والرئيس عباس باعتباره رئيسا لحركة فتح ورئيسا للسلطة. الذي يوضح البرنامج السياسي للحكومة ما قاله أبو مازن في خطابه المتلفز بشأن تشكيل الحكومة, مما قاله ” إن الحكومة التي تبدأ عملها اليوم هي حكومة انتقالية الطابع … وأنها تلتزم بالطبع كسابقاتها بالتزامات السلطة والاتفاقات الموقعة وبرنامجها السياسي”.
من أبرز المواضيع الخلافية بين الحركتين: التنسيق الأمني مع العدو والرئيس عباس اعتبره مقدسا وحماس ضد هذا التنسيق جملة وتفصيلا. في موضوع الأمن كذلك فإن إشكالات كثيرة بقيت معلقة على شاكلة: الأجهزة الأمنية في كل من غزة والضفة الغربية والتابعة للحركتين, وكيف سيجري التعامل معها, وهل ستتوحد هذه الأجهزة؟ بالمعنى الفعلي وكما قال أحد المعلقين السياسيين ” إن حماس غادرت الحكومة لكنها لم تغادر السلطة”. من ملفات الخلاف أيضا: الخمسون ألف موظف الذين عينتهم حماس في قطاع غزة, فما مصيرهم وقد ابتدأنا نشهد تبعات هذه الاشكالية. أيضا إسرائيل تهدد بوقف أموال الضرائب الفلسطينية فكيف سيكون الوضع المالي للسلطة المازوم أصلا ؟ بالطبع الحكومة ستكون محدودة الصلاحيات لأن هذه كلها بيد الرئيس!.
الاتفاق الذي جرى بين الحركتين تم بمعزل عن باقي الفصائل بغض النظر عن الادعاء بأنه تم بين منظمة التحرير وحركة حماس! أيضا فإن الاتفاق على الحكومة جرى بين الطرفين ولذلك جاءت الحكومة محاصصة بينهما.
أميركا أعلنت بأنها ستتعامل مع هذه الحكومة وستقوم بتمويلها وهناك دعوة للحمدالله لزيارة واشنطن خلال يونيو الحالي. تل أبيب استغربت الموقف الأميركي وطالبت بتشديد خطواته ضد الحكومة المعنية. إسرائيل أعلنت سخطها على الاتفاق منذ توقيعه. الموقف الصهيوني مع بقاء الانقسام الفلسطيني.
جملة القول: أننا وعندما نتطرق إلى النقاط التي لم يجر الاتفاق عليها بين الحركتين ونقاط الخلاف الأخرى الكثيرة فإننا نفعل ذلك حرصا على استمرار المصالحة, وكي لا نفاجأ مرة أخرى بفرط الحكومة التوافقية بينهما. شعبنا مل الانقسام, وهو يريد المصالحة ونتمنى أن تتعزز الأخيرة.

الانتفاضة القادمة
علي الجرباوي – الوطن العمانية
في هذه الأيام، تبدو الحياة تسير بشكل طبيعي بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع ذلك فيمكن ان تكون المظاهر مخادعة. فقبل انتفاضة عام 1987 ايضا كانت الامور تبدو طبيعية ـ حتى انفجرت الاوضاع بشكل مفاجئ بالنسبة للكل. لكن لا يجب ان يفاجأ أي احد اذا اندلعت انتفاضة جديدة خلال الاشهر القليلة المقبلة. ويتوقع كثير من الخبراء ذلك حتى اولئك الذين هم داخل الجهاز الامني الاسرائيلي، مثل رئيس الموساد السابق مائير داجان.
فنحن الفلسطينيون نعيش في أسوء وضع لنا على مدى سنوات. فعلى الرغم من المظاهر السطحية للحياة اليومية العادية والمألوفة تحت الاحتلال، الا ان هناك اربعة عوامل مهمة بدت في التفاعل والتي يمكن ان تقلب الوضع الراهن المستقر ظاهريا.
العامل الأول، والاكثر احتمالا، هو انهيار أي امل بأن الاحتلال سوف ينتهي وان الفلسطينيين سوف يحصلون على حريتهم واستقلالهم. وكان هذا الامل يسمح للفلسطينيين بتحمل الظلم اليومي للاحتلال على امل تحقيق مستقبل أفضل. وهذا هو نفس الامل الذي أدى بهم الى دعم المفاوضات مع اسرائيل وفكرة الحل القائم على دولتين.
ودائما ما يرتبط الامل بواقع ما يسمى بعملية السلام. فعندما تبدو الاخيرة واعدة، يتصاعد الأمل، وعندما تتراجع العملية يحدث نفس الشيء بالنسبة للشعور بالأمل. وكان الخطأ الاستراتيجي بالنسبة للفلسطينيين هو الاعتقاد بان التنازل عن 78% من اراضي فلسطين التاريخية في عام 1993 كان يمكن ان يكون كافيا. فلم يكن يظهر لهم ان اسرائيل ارادت تقسيم تلك الاراضي المتبقية مع اسرائيل، لتترك لهم الفتات عند احسن الاحوال.
ويمكن لشروط اسرائيل الحالية فيما يتعلق بدولة فلسطينية ان تطيح بمطالب الفلسطينيين الرئيسية بالحرية والاستقلال. فلن تكون الدولة الفلسطينية الموعودة سوى كيان ظل تحكمه اسرائيل بشكل كلي. وسوف يكون الثمن المطلوب من اجل هذه الدولة فادحا لدرجة ان السلطة الفلسطينية لن تستيطع دفعه او ترويجه كما ان الفلسطينيين لن يستطيعون قبوله.
فستكون هذه الجيوب من الاراضي منزوعة السلاح، وستسيطر اسرائيل على الحدود والفضاء الجوي والموارد الطبيعية. ومن اجل الحصول على ذلك، يتعين على الفلسطينيين التخلي عن حق عودة الفلسطينيين ويعلنون رسميا ان اسرائيل دولة يهودية. وهذا خليط مسمم تم مزجة بدقة لانتاج انتفاضة فلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي والسلطة الفلسطينية ايضا اذا قبلت بتلك المطالب الاسرائيلية واستسلمت للضغوط الاميركية.
العامل الثاني هو التصاعد في الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الفلسطينيين في انحاء الاراضي المحتلة. فقد بدا واضحا ان اسرائيل كانت تريد اجهاض نتائج المفاوضات عن طريق تعزيز وجودها وترسيخ الحقائق على الارض لصالحها. ولهذا السبب تهود اسرائيل بشكل محموم القدس، بما في ذلك المحاولات اليومية لفرض وجودها في المسجد الاقصى وزيادة الاستيطان داخل المدينة، وتدمير المنازل الفلسطينية وتحويل الفلسطينيين الى مقيمين مؤقتين في المدينة. وفي هذه الاثناء، تتسارع وتيرة مصادرة الاراضي والاستيطان في الضفة الغربية بشكل كبير، ويواكب كل ذلك زيادة في العنف وفي عمليات قتل واعتقال الفلسطينيين وفي المداهمات الليلية للقرى والمدن الفلسطينية من قبل الجيش الاسرائيلي، وفي اقتلاع الاشجار وحرق الحقول وفي القيود المفروضة على النقل وخنق الحياة الاقتصادية.
وفي غضون ذلك، يتم تحويل غزة الى سجن كبير بافقارها الى اهم المرافق الاساسية. فكميات الكهرباء غير متوفرة ومياه الامطار تختلط بمياه الصرف الصحي وتغرق المنازل ومستوى المعيشة بالغ السوء.
العامل الثالث هي الحالة المؤسفة للوضع الاقتصادي والمالي للسلطة الفلسطينية الامر الذي يضيف الى بؤس الفلسطينيين الذين يعيشون في الاراضي المحتلة. فالسلطة هي اكبر مشغل في الاراضي وتعاني حاليا من عجز كبير في الميزانية. وموظفو السلطة لم يعودوا متأكدين من الحصول على رواتبهم الشهرية بشكل منتظم، الامر الذي يزيد من القلق في المجتمع. فبدون المرتبات، سوف يتعرض الاقتصاد لحالة من الشلل.
ويزداد الوضع سوء تقليص المانحين العرب والدوليين معوناتهم المالية للسلطة، فبدون هذه المعونة، لا يمكن للسلطة ان تقوم وتستمر. وفي الواقع فان الاتحاد الاوروبي الذي يعد مصدر التمويل الاكبر للسلطة قد شرع في التلميح بانه يمكن ان يوقف كل تمويله مع انهيار عملية التسوية السياسية. وقد اضاف ذلك ضغط اكبر على القيادة التي تتآكل شرعيتها بشكل سريع بين السكان.
ان افلاس السلطة ماليا يخلق مزيدا من المشاكل بالنسبة للفلسطينيين في الاراضي المحتلة ولاسيما الشباب. ففرص العمل نادرة ومعدلات البحث عن عمل قفزت بشكل كبير جدا بين الشباب الفلسطيني. وحتى أولئك الذين لديهم عمل لم يعودوا متأكدين من تقاضيهم رواتبهم الشهرية الامر الذي يجعل من الصعب عليهم تسديد قروض البنوك التي يعتمد عليها كثيرون في تلبية كلفة المعيشة المتزايدة. وقد افرز هذا الغموض مصدر غضب جديد بين السكان المحبطين من الاساس.
العامل الاخير هو التغير وعدم الاستقرار الذي يشهده الفلسطينيون حولهم. فقد فجر الربيع العربي الاحساس بالإمكانية بين كثير من الشباب الفلسطيني. ويشاطرهم الشباب العربي هذه الامال والاحباطات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، واحد دعاويهم المتكررة هو ان الشباب العربي انتفض ضد حكامه العرب، ومن ثم فلماذا لا نكون قادررين على الانتفاض ضد محتل اجنبي؟
كل ذلك يضع الفلسطينيين على المحك. فحتى الان تدعو السلطة الى احتواء الغضب الظاهر لكنها لن تستطيع الاستمرار في ذلك طويلا.
واذا لم يتم عمل شيء لتهدئة القلق المتزايد والاحباط المتصاعد بين الفلسطينيين، فان الامر لن يكون سوى مسألة وقت حتى تنفجر الاراضي المحتلة.

حزيران الوجه الآخر!
خيري منصور – الدستور الأردنية
تزامن لا يخلو من دراماتيكية بين ذكرى الخامس من حزيران لهذا العام وما يجري سياسياً في العالم العربي، فلأول مرة ينصرف الإعلام عن المأتم الرسمي إلى رصد أحداث منها ما هو فارق وحاسم. ليس فقط على صعيد الانتخابات الرئاسية بل على عدة مستويات منها التهيؤ للدخول إلى حقبة سياسية لا يزال الحديث عنها في طور التبشير، وما يترتب على هذه المتغيرات يتعذر على أذكى الحواسيب السياسية رصده لأن المشهد لا يزال مضطرباً ويحتمل عدة مقاربات وقراءات بينها من التباين والتباعد ما لا يرجح واحدة على أخرى.
وربما كان حزيران بأيامه الستة الطوال الندبة الأعمق في الذاكرة القومية بحيث أصبح العرب يؤرخون لحياتهم السياسية والعسكرية بما قبله وما بعده ولتلك السداسية كما سماها الراحل اميل حبيبي ما يذكرنا بنجمة داوود، وأحياناً بالستة عميان الذين سقطوا على الفيل فوصف كل واحد منهم العضو الذي لامسه من جسده.
ولكن لدينا من القرائن ما يكفي لتقع متغيرات شبه جذرية في واقعنا بمختلف أبعاده، فلن تكون الليلة شبيهة بالبارحة حتى لو استمرت مراوغة الثعالب وحيل ضحاياها. فما انفجر من كبت مزمن يشبه النهر الذي لا يعود إلى منبعه، والرصاصات التي أطلقت حتى في الهواء لن تعود إلى الفوهات أو الأفواه التي أطلقتها، فالسؤال الخجول الذي تأجل لعقود تحول إلى مساءلة بصوت جهوري، وأصبح العربي بحاجة إلى من يجيبه عن ثلاثة أسئلة على الأقل هي على التوالي.
كيف تحول الفائض لديه إلى نقصان ومديونيات سواء تعلق بالثروة أو الديمغرافيا أو المواقع الاستراتيجية.
وكيف صودرت ثوراته وأصاب العطب بوصلاتها واختطفت أو تم امتطاؤها إلى شاطئ آخر غير آمن على الإطلاق.
وكيف سخرت تكنولوجيا فائقة للتجهيل والتضليل، بحيث أصبحت في خدمة الخرافة حيناً وفي خدمة الطائفة حينا؟
التغير حدث وما من سبيل للعودة عنه، لأنه اصطحب معه أدواته وأساليبه وشكوكه في كل ما مضى، لكن مجرد التغير لا يكفي! فقد يوظف سلبياً أو يتحول إلى خطوة للوراء أو قفزة إلى الأمام بحيث يسقط الراهن ولكن عن عمد هذه المرة وليس سهواً!
وانفعالات البشر سواء كانت غضباً أو فرحاً أو تمرداً ليست خاتمة المطاف، إنها مادة بشرية خام تصلح للشيء ونقيضه تماماً كما يصلح القماش الأبيض فستان زفاف أو كفناً أو راية استسلام!
وحين تطول المراحل الانتقالية تصبح أسباب التحول كلها في خطر، لأنها أشبه بالعدالة البطيئة التي تتحول إلى تواطؤ مع الظلم بمعزل عن النوايا!
لقد استبدل عرب العقد الثاني من هذا القرن بعض أعيادهم وتقاويم ثوراتهم فهل يستبدلون حُزيرانهم المزمن؟

تنميط الفلسطينيين وحركة تحررهم الوطني
خالد الحروب – الحياة اللندنية
يشتغل تنميط «الآخر» واختزاله في صور وتصورات مسبقة، غالباً ما تكون سلبية، في قلب سيرورات وعمليات وتفاعلات اجتماعية عدة، إن على مستوى الأفراد أو على مستوى المجتمعات. بعض تلك السيرورات متعارف عليها في سياقات العيش العادي، وبعضها يتفاعل في سياقات صراعية وتختلف درجات سوئها من جرح الشعور إلى التأسيس للإبادات الجماعية. كلنا يواجه مشاهدات من «التنميط» الاختزالي لمجموعات وشعوب معينة حيث يوصف شعب ما بأنه «كسول» أو «بخيل» أو «خشن» أو «لطيف»، وسوى ذلك. وضمن ذلك تندرج ممارسة بشرية أخرى تكاد تكون معولمة، وهي تركيز النكات والمقولات الساخرة على مجموعة ما، أو شعب ما، ووضعها محط التهكم المتنوع في مقدار إهانته.
بيد أن السمة التهكمية وربما التحقيرية التي تنطوي عليها الممارسات والتصورات التنميطية في سياقات العيش العادي للمجتمعات تتحول إلى سمة تدميرية مهولة في السياقات الصراعية. ينتقل «التنميط» هنا من لعب دوره الساخر والمهين لـ «الآخر» إلى لعب دور مركزي في الصراع مع هذا «الآخر» وفي تهيئة أرضية الاحتراب معه، وتوفير المبررات التفوقية، وتخفيض مستوى إنسانيته تحضيراً لحربه وقمعه وربما إبادته. المثال الأبرز والأكثر فداحة والذي يزداد جلاءً في ضوء معالجة هذا الموضوع في مدينة كراكوف في الجنوب البولندي التي اكتسحها النازيون في الحرب الثانية، هو مثال التنميط النازي لليهود. فهذا التنميط لم يستثمر فقط مناخات العداء للسامية في ألمانيا وأوروبا اللتين ظلتا تنظران إلى اليهود باعتبارهم مجموعة دينية - إثنية محتقرة، لكنه انحط بذلك التنميط إلى درجة نزع الإنسانية عن اليهود بالمطلق واعتبارهم إن كأفراد أم مجموعة أقل مرتبة من مرتبة البشر الآخرين. وهنا بالضبط تكمن النتيجة الكارثية والمدمرة لآليات التنميط في السياقات الصراعية حيث تتم «شيطنة» «الآخر» و «حيونته» ونزع سمة الانتماء الإنساني عنه بما يسهل عملية قمعه وإبادته وتحييد الجمهور العريض الذي يعترض على عملية القمع والإبادة ذاتها لو تمت بحق مجموعة لم تتعرض لتنميط مماثل. ثمة أمثلة أخرى راهنة وفي السياق الأوروبي والغربي أيضاً تشير إلى خطورة التنميط ونتائجه التدميرية، منها ما يتعلق بالصورة شبه المتأبدة عن العرب والمسلمين. فخلال عقود طويلة ومنذ ما قبل حقبة الاستعمار المباشر طغت صورة العربي المسلم البدائي والمتوحش والبليد على الخيال الغربي، وعملياً كانت أحد مبررات الاستعمار الأوروبي الذي أراد «إنقاذ المتخلفين من تخلفهم». استمرت هذه الصورة النمطية إلى الوقت الراهن، وتجذرت مع تطور وسائل الاتصال الجماهيري، بخاصة في السينما والتلفزيون. فهنا، وفي أفلام هوليوود على سبيل المثل الأكثر وطأة وبروزاً، ترسخت صورة العربي ذي الصفات الكريهة، والتي لا تستحق إلا الاحتقار. ومرة أخرى تنتقل آليات التنميط الطويل المدى إلى مرحلة مدمرة إن نشأت أية سياقات صراعية. وقد لعب التنميط السلبي المعادي للعرب والمسلمين دوراً هائلاً في تهيئة مناخات التأييد لكل الحروب والسياسات المضادة للعرب وبلدانهم، بدءاً من الصراع على فلسطين والتأييد المطلق للمشروع الصهيوني «المتحضر» ضد العرب «المتخلفين»، مروراً بسلسلة الحروب على العراق، وليس انتهاءً بعدم تأييد الثورة السورية وترك الشعب برمته عرضة للالتهام من جانب أنظمة البطش المحلي منها والدولي.
بالانتقال إلى فلسطين والفلسطينيين في إطار نقاش التنميط الجمعي للشعوب وقضاياها وآمالها من المهم هنا اختبار آليات اشتغال التنميط السلبي للعرب الفلسطينيين في دعم المشروع الصهيوني وفي إقامة دولة إسرائيل، ثم في توفير الاحتضان الدولي، الغربي خصوصاً، والمتواصل حتى هذه اللحظة. يعود ذلك التنميط إلى حقبة ما قبل قيام إسرائيل وتأسس جزء كبير منه في العصر الحديث انطلاقاً من كتابات الرحالة الغربيين، بخاصة الأميركيين، إلى الأراضي المقدسة ووصفهم أهلها والسكان فيها بكونهم، وفق الرحالة العنصري مارك توين، «قذرين بالطبعية، أو بالفطرة، أو بالتعلم»! لم يستحق أولئك السكان في حقب لاحقة، تحت حكم الاستعمار البريطاني، أن يعاملوا بالطريقة نفسها و»المدنية» التي عومل بها اليهود «المتحضرون» المهاجرون المقبلون من أوروبا «المتحضرة». فمثلاً، لم تحتوِ مناهج التعليم البريطانية في المدارس الفلسطينية آنذاك والمُسيرة من جانب الإدارة البريطانية على مساق تعليم الموسيقى وهو المساق الذي تضمنه المنهج المُطبق نفسه في المستعمرات اليهودية. ليس هناك من تفسير لهذا سوى اعتقاد المسؤولين البريطانيين أن الفلسطينيين أدنى مستوى من اليهود، وأنهم غير جديرين بتعلم الموسيقى التي ترتبط ذهنياً وتصورياً بالرقي والمدنية. ورث المشروع الصهيوني وخطاباته العنصرية والاحتقارية ضد عرب فلسطين التنميط الذي كان قد أسسه البريطانيون ورسخوه، وأضافوا إليه أبعاداً جديدة. فاليهود الهاربون من عنصرية أوروبا والمعبئين بمشاعر الاضطهاد الجمعي والضحية وجدوا في الفلسطينين عدواً سهلاً، أقرب إلى الفريسة، لتفريغ نزعات الانتقام فيه، ولإثبات الذات والثورة على سمة الضعف والاستضعاف التاريخي التي لاحقت اليهود في التاريخ والعالم وفق السردية المركزية للخطاب الصهيوني. بعد جريمة «الهولوكوست»، ثم قيام إسرائيل أصبح الفلسطينيون هم المحطة الأولى والأقرب لتطبيق شعار «لن يحدث مرة ثانية»، في إشارة مباشرة إلى «الهولوكوست»، لكن في تضمين مرمز وعميق يحيل إلى التصميم المطلق والمطبق على الانتفاض على حقبة الاستضعاف. وضمن سياق هذا الشعور الانتفاضي والذي تهيأت له ظافرية نادرة بسبب قيام الدولة، فإن مقاومة الفلسطينيين مشروع اغتصاب أرضهم وتهجيرهم منها، تم وضعها على الفور كأول اختبار لزمن جديد، زمن القطع مع حقب الاستضعاف. واحتل الفلسطينيون فجأة وعلى غير رغبة منهم موقع الطرف الذي يريد اليهود الذين تجمعوا وصارت لهم دولة أن يفرغوا ثأرهم التاريخي فيه، انتقاماً من الماضي، وإثباتاً لذات جديدة. ومن دون أن يكون لهم أي ذنب في تطور التاريخ المأسوي لليهود، وجد الفلسطينيون أنفسهم يدفعون فاتورة كل الاضطهادات التي تعرض لها اليهود في تواريخهم، خصوصاً في أوروبا. هكذا، أضيف تنميط تدميري جديد للفلسطينيين بكونهم خلاصة تجمع العداوات التاريخية لليهود بدليل أنهم لا يقبلون باليهود ولا بدولتهم ويطلقون مقاومة ضدهم. وهذا بالطبع يخرج الفلسطينيين من مربع النضال القومي والوطني ضد محتل أجنبي، إلى مربع العداوة المتأصلة واللاسامية لليهود. وقد تمت مأسسة أخرى لهذا التنميط وربطه بالعدو الأكثر إرهاباً في التاريخ اليهودي الحديث وهو النازية، وأصبحت الزيارة الساذجة للحاج أمين الحسيني إلى ألمانيا ولقاؤه بهتلر إبان الحرب العالمية الثانية، نكاية في بريطانيا وأملاً بدعم ألمانيا، العمود الفقري للتاريخ الفلسطيني والدليل الدامغ ليس فقط على «لا سامية» الفلسطينيين والعرب، بل على امتداد مشروع إبادة اليهود من ألمانيا إلى فلسطين وتكامل الاثنين. والمثير حقاً أن الدعاية الصهيونية لم تضخم فحسب تلك الزيارة إلى مستوى تكريس «علاقة استراتيجية» بين الوطنية الفلسطينية والنازية، بل «اكتشفت» أن فكرة إبادة اليهود إنما هي أصلاً فلسطينية، وقد تمكن أمين الحسيني من إقناع هتلر بتنفيذها! والغرابة هنا تكمن في مدى وقاحة هذه الدعاية التي تضرب بعرض الحائط كل ما له علاقة بالتاريخ ورغبة هتلر وتشجيعه اليهود على الهجرة إلى فلسطين والتخلص منهم.
بيد أن هذه الدعاية الرخيصة كانت وما زالت فعالة حقاً ليس فقط إزاء قضية الحسيني وعلاقته بالنازية، بل في خلق أنماط وصور اختزالية للفلسطينيين تسهل على الرأي العام العالمي قبول ممارسات إسرائيل. ويمكن هنا رؤية أن الاستراتيجية الصهيونية والإسرائيلية ومنذ اليوم الأول لقيام إسرائيل تنطلق على مسارين: الأول الانخراط في معركة على أرض الواقع لتغيير جغرافيا فلسطين، احتلالياً وعسكرياً، من خلال خلق وقائع استراتيجية وسياسية على الأرض، والثاني الانخراط في معركة مستميتة على مستوى الرطانة والخطاب تقوم على تنميط الفلسطينيين والعرب وتصويرهم بأنهم «النازيون الجدد» الذين يريدون إبادة إسرائيل، بالتالي لا ضير من قمعهم وإبادتهم «وقائياً»، وهذا يحتاج إلى تفصيل إضافي مكانه المقالة التالية.

عيون وآذان (مصر ومستقبل أفضل)
جهاد الخازن – الحياة اللندنية
ربما كنت أقدّم المهم على الأهم، إلا أنني والمشير عبدالفتاح السيسي ينصَّب اليوم رئيس مصر أجد نفسي أطالبه، من باب العشم، بأن يستدعي باسم يوسف ويطلب منه أن يعيد تقديم «البرنامج» فوراً، وبأن يأمر بإطلاق الصحافيين المعتقلين من «الجزيرة» الأسترالي بيتر غريست والمصري الكندي محمد عادل فهمي والمصري باهر محمد، وأيضاً عبدالله الشامي الذي أضرب عن الطعام.
هناك أيضاً نادر الفرجاني من «الأهرام» وآخرون.
المشير السيسي وَعَدَ المصريين بنظام جديد ديموقراطي وشفافيّة في الحكم، وأنا أصدّقه. ولعلّ أسهل طريقة لكسب الذين يشكّكون في كلامه أن يرفق هذا الكلام بأفعال سريعة جريئة تقطع ألسنة أعداء مصر.
هم كثر ولن أروّج لهم بتكرار مبالغاتهم وكذبهم ووقاحتهم هنا، ولكن أقول للمشير إن الردّ الأفضل هو أفعال يراها الناس جميعاً.
أنتقل إلى الأهم وهو الاقتصاد والإرهاب، والكلمة الأخيرة هذه من عندي فالمشير السيسي حدّثني عن العنف والحاجة إلى وقفه كخطوة أولى نحو وضع مصر على طريق المستقبل الموعود. أرجو استعمال كلّ الأساليب المتوافرة من دون خروج على القانون في التعامل مع التحريض والإرهاب، كما أدعو إلى تنفيذ الأحكام بمن تثبت عليهم جرائم، فالمهم، كما يقولون بالإنكليزيّة، ليس فقط أن يحكم بالعدل، بل أن يرى الناس أن العدالة نُفِّذت.
كسر ظهر العنف ضروري إذا كان لاقتصاد مصر أن يقف على قدميه، فالسياحة لن تعود من دون أمن وأمان في ربوع مصر كلّها، والمستثمرون من عرب وأجانب لن يغامروا بأموالهم في مشاريع مصرية، إلا إذا ضمنوا سلامتهم وسلامتها. وأقرأ نقلاً عن مؤسسة «فيتش» المالية أن اقتصاد مصر سيزيد بنسبة 3.2 في المئة، مع توقعات بتحسّنه. وكان آخر تقرير عن هذا الاقتصاد صدر في كانون الثاني (يناير) الماضي فننتظر التقرير التالي في أيلول (سبتمبر) لنرى هل أصابت توقعات الخبراء.
بعض التوقعات يعتمد على تدفق المساعدات والاستثمارات من الدول العربيّة القادرة، وقد رأينا المملكة العربية السعودية تدعو إلى مؤتمر للمانحين يظهر من يودّ الخير لمصر ومن يسعى للخراب. ولعل الدعوات إلى حضور احتفال مصر اليوم بتنصيب المشير السيسي رئيساً دليل طيّب فقد استثنيت قطر وتركيا وإسرائيل وتونس، والأخيرة بسبب علاقتها بـ «الإخوان المسلمين».
معلوماتي مباشرة من السعودية والإمارات والكويت، وكلّها إيجابيّ يرجّح توقّع أيام أفضل.
التعامل مع سدّ النهضة في إثيوبيا يحتاج إلى حكمة وقد سرّبت أخيراً معلومات مسجّلة عن جلسات مع رئيس «الإخوان» محمد مرسي تدعو إلى حرب أو تخريب السدّ، ونظامه غير قادر على هذا أو تلك. وقرأت أن محمد مرسي لا يزال يعتبر نفسه الرئيس الشرعي ويدعو إلى الثورة، وأقول إنه كانت هناك ثورتان: الأولى قام بها الشباب سنة 2011 وركب موجتها «الإخوان المسلمون»، والثانية سنة 2013 ضدّ حكم الجماعة.
«الإخوان المسلمون» في مصر «خبر أمس» كما تقول عبارة بالإنكليزيّة، وقد أثبتوا أنهم لا يتقنون الحكم ولا يتقنون المعارضة، وفشلوا في الاثنين، فندعو أن ترى مصر أياماً أفضل، والمستقبل العاجل لن يكون أسوأ من السنوات الثلاث الأخيرة. هذا مستحيل.
اليوم هناك رئيس مصري يجمع بين الخبرة والثقافة العالية، وهناك دستور 2013 الذي لا يستثني أحداً من المصريين بعكس دستور 2012 «الإخونجي»، وهناك شبه إجماع عربي على مساعدة مصر، فيحقّ لنا أن نتوقّع الخير.

مفاوضات الشاشة بين كيري ونصر الله
جويس كرم – الحياة اللندنية
حمل أثير بيروت الاعلامي محطتين بارزتين هذا الأسبوع بين واشنطن وخصمها اللبناني »حزب الله«. الأولى جاءت خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للعاصمة اللبنانية ودعوته أصدقاء النظام السوري وبينهم »حزب الله« الذي سماه الوزير بالاسم الى »الانخراط في العملية الشرعية لانهاء هذه الحرب«، والثانية جاءت على لسان الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله الذي لم يغلق الباب على امكان هكذا »انخراط« بل وضع شروطا له بينها القبول بشرعية الرئيس السوري بشار الأسد ووقف دعم »المتطرفين«.
كلام كيري ليس زلة لسان. ورغم توضيح مسؤول في الخارجية الأميركية لاحقا بأنه اعادة لموقف سابق، فهذه هي المرة الأولى التي يخاطب فيها الوزير »حزب الله« بهذا الشكل ومن قلب العاصمة اللبنانية والسراي الكبير. وللتذكير فإن »حزب الله« في نظر واشنطن منظمة ارهابية تم ادراجه رسميا على اللائحة الأميركية في 1997. وفي المرات السابقة كان كلام كيري حول »الانخراط« موجهاً الى روسيا، قبل وبعد جنيف 1 و 2 (اللذين رفضهما الحزب)، ولم تأت المفاوضات الروسية - الأميركية بنتيجة طوال ثلاث أعوام وانكمشت فرصها اليوم بسبب الخلاف حول أوكرانيا.
ويبدو مع هذا الانكماش، واقتراب انتهاء مهلة تدمير السلاح الكيماوي، أن الادارة تحاول طرق أبواب أخرى في سورية منها باب سياسي مع ايران، وآخر عسكري واقليمي مع بت الكونغرس في مشروع تدريب وتجهيز »الجيش الحر« بعد زيارة أحمد الجربا الى واشنطن واستقبال أوباما له الشهر الفائت.
مفاوضات الشاشة بين »الشيطان الأكبر« و »المنظمة الارهابية« تحيطها علامات استفهام كبيرة ونقاط تلاق وخلاف حول سورية، لكنها ليست خارج المعقول، خصوصا في ظل سياسة ادارة أوباما بالذات وسلوكها الاقليمي والدولي. اذ يرى البعض في العاصمة الأميركية نقاط تلاق ولو قليلة مع »حزب الله« في سورية، مثل محاربة تنظيم »القاعدة« والحد من امتداد »داعش« على الحدود العراقية وأيضا اللبنانية.
وهذه ليست المرة الأولى التي تبدي فيها ادارة أوباما مرونة في التعاطي مع »حزب الله« أو تنظيمات مسلحة اذا كان ذلك يلبي مصالحها السياسية. وفي هذا الأسبوع بالذات أتمت الادارة صفقة مع حركة »طالبان« الأفغانية للافراج عن رهينة أميركي مقابل أربعة معتقلين من الحركة، كما رصدت مواقع أميركية مفاوضات غير مباشرة لواشنطن مع »حماس« في الاشهر الستة الفائتة ساعدت في قبول الادارة بحكومة الوحدة الفلسطينية.
وفي الوقت نفسه، هناك هوة واسعة بين »حزب الله« وواشنطن بشأن مصالحهما في سورية. ففي حين يريد الحزب حماية المكاسب الاستراتيجية وتقوية حليفته ايران ضد اسرائيل، فان أمن اسرائيل والتعاون الاقليمي الأميركي هو أولوية لواشنطن. وفي حين طالب نصرالله الجانب الأميركي بالتحاور مع الأسد مباشرة، فهذا الأمر غير مطروح في الحسابات الأميركية، لكون الادارة ما زالت ترى في الأسد »مغنطيسا للارهاب« وعاملا مزعزعا للاستقرار الداخلي والاقليمي. فأوراق الحل بعد ثلاث سنوات من الحرب هي في أكثرها اقليمية، ويدرك كيري تحديدا وأكثر من أي مسؤول أميركي آخر في الادارة هذا البعد وضرورة تغيير المعطيات على الأرض قبل توقع أي حل سياسي.
وينتعش مع مفاوضات الشاشة وتنوع أطراف النزاع البازار السياسي والعسكري حول سورية، وربطه من ناحية بين »صفر« كيري و»ملايين« نصرالله، ومصالح »محاربة الارهاب« واطالة »حرب الاستنزاف« من ناحية أخرى.

أزمة ليبيا والعجز المغاربي
محمد الأشهب – الحياة اللندنية
أكثر من طرف بادر إلى احتواء أزمة مالي، بعد معاودة اندلاعها في طبعة الصراع بين الحكومة المركزية وفصائل حركة «أزواد» شمال البلاد. اهتم الوسطاء بوضع مسافات أبعد لإضفاء طابع الحياد على جهود المصالحة التي شملت وقف النار والبحث في مستقبل الإقليم.
إشارات دولية مشجعة صدرت قبل ذلك. عندما أجاز مجلس الأمن الدولي التدخل العسكري الفرنسي. لكن الحوار بين الفصائل المتناحرة، غير المصنفة كحركات إرهابية، يحتاج إلى وسطاء يعرفون جيداً تضاريس المنطقة وتشعبات انتماءاتها وخلفياتها العرقية والدينية. وليس مثل بلدان الشمال الإفريقي التي ارتبطت بعلاقات انصهار تاريخية مع دول الساحل جنوب الصحراء، أكثر تأهلاً لإنجاز مهمة صعبة بهذه الدرجة من التشابك والتعقيد.
أزمة ليبيا أشد خطورة. لكنها لم تحظ بالقدر ذاته من الاهتمام على الصعيد المغاربي. وشكل إرجاء اجتماع وزراء الخارجية المغاربيين في تونس علامة تردد وتململ. على اعتبار أن الخلاف القائم بين حكومتين تتنازعان الشرعية، لم يترك للشركاء المغاربيين فرصة محاورة الطرف الليبي الذي في إمكانه أن يجسد الشرعية. بهذا المعنى رغبت العواصم المغاربية أن يأتي الحل عبر اتفاق الليبيين أولاً. وماذا سيكون دورها إن تحقق هذا المسعى. ما دام أن أزمة الشرعية هي أصل وجوهر المشكل. وكي لا تبدو أكثر ميلاً لهذا الطرف أو ذاك اختارت الانتظار.
كما انقسمت الدول المغاربية في التعاطي مع الحراك الذي أطاح نظام العقيد معمر القذافي على مستوى التدخل الخارجي، ينسحب الموقف بدرجة أقل في رصدها تطورات الأحداث المتلاحقة. لا تعلن ذلك صراحة وتكتفي بالرصد. إنها تخشى فعلاً على أمنها واستقرارها، جراء تداعيات الانفلات القائم وتتمنى لو أن الليبيين ساعدوا أنفسهم، من دون الحاجة إلى تدخل أطراف خارجية. لكن الجزائر جربت القيام بوساطة بين أطراف المشهد السياسي في تونس، أدت إلى رحيل حكومة الترويكا في ظل معطيات مغايرة للواقع الليبي الراهن. كذلك فعل المغرب في الانشغال بتدهور الأوضاع في مالي. وتمكنت موريتانيا التي ترأس الاتحاد الإفريقي من جذب الماليين إلى طاولة المفاوضات.
القاسم المشترك بين كل هذه المبادرات أنها فردية. تقوم بها كل دولة على حدة، بعيداً عن الاتحاد المغاربي الذي يقف متفرجاً وعاجزاً عن الحركة. صدرت دعوات لناحية دخول الاتحاد المغاربي على خط أزمة بلدان الساحل والوضع المتدهور في مالي، لكنها لم تتجاوز التمنيات. وتردد صداها أيضا على مستوى البحث في حلحلة الأزمة الليبية، من دون جدوى. ما يرسخ الاعتقاد بوجود منافسات إقليمية تنطلق من حسابات غير إقليمية. والظاهر أنه كما طرحت إشكالات الحدود المشتركة في التعاطي مع أزمة مالي، حيث افترقت التوجهات والمسالك بين المغرب والجزائر تحديداً، فالموقف يرجح أن يشمل الحالة الليبية.
في ثمانينات القرن الماضي أبرمت الرباط وطرابلس اتفاق وحدة باسم «الاتحاد العربي – الإفريقي» وتذرع المغاربة والليبيون بأن لا مشكلات بين بلديهم، لأن الحدود الفاصلة تحول دون التماس الذي تنتج عنه صراعات. جاء ذلك رداً على محاولة شبه وحدوية ربطت بين تونس والجزائر وموريتانيا، وطرح الموقف ذاته، لأن هناك حدوداً فاصلة، أقلها بين الجزائر وموريتانيا، غير أن انغراس البعد الوحدوي في الفضاء المغاربي، دينياً ولغوياً وتاريخياً وجغرافياً، سيجعل العواصم المغاربية تتجاوز حساسياتها في اتجاه بناء اتحاد مغاربي بخمس دول. لكنه سرعان ما انهار أمام الكم الهائل من الخلافات المتنامية.
في حال استمر العجز المغاربي حيال تطورات الأوضاع في ليبيا، فهو دليل إضافي على أن دول المنطقة لم تتخلص من خلافاتها، ومن المستبعد أن تذهب للبحث عن حل أزمة ليبيا فيما ركام أزماتها البينية في تزايد.
يحاول التونسيون الإفادة من زخم الثورة لضخ دماء جديدة في شرايين البناء المغاربي الذي تعطل. إنهم يرغبون في استضافة القمة المغاربية المؤجلة قبل نهاية العام الجاري بأي ثمن. لأن ذلك سيمنح بلادهم دوراً إقليمياً، وإن لفترة محددة. من قبل كانت تونس واقعة تحت كماشة إكراهات جغرافية وسياسية بين ليبيا والجزائر، واليوم أصبحت الكماشة أقرب إلى مخاطر غياب الاستقرار. ويعكس رهانها على استضافة القمة رغبة في التخلص من الضغوط. لكن القرار ليس تونسياً. وطالما أن الحوار بين المغرب والجزائر عالق إلى أجل غير محدد، يصعب إحراز التقدم الكافي في مساعي الوفاق الإقليمي.
لم تقدر العواصم المغاربية على تجاوز تناقضاتها في أوضاع مغايرة، فكيف لها اليوم أن تسهم في حل الأزمة الليبية أو خلق الأجواء المغاربية الملائمة لالتقاط الأنفاس. وكم يبدو حظ دولة مالي أكثر اطمئناناً، من دون إغفال أن الأمر يتعلق بقرار دولي يقضي بمناهضة الإرهاب والتطرف، وفي الحالة الليبية لا تزال التوصيفات تراوح مكانها، ومحورها إبداء القلق لا أقل ولا أكثر.