Haneen
2014-07-17, 10:37 AM
اقلام عربي 11/06/2014
في هــــــــــــذا الملف:
حكومة التوافق الفلسطيني في مواجهة عقدة التنمية المستقلة
بقلم: نبيل السهلي عن الحياة اللندنية
كيف تنظر حماس لحكومة المصالحة؟
بقلم: فهد الخيطان عن الغد الأردنية
التوافق الفلسطيني يمهِّد للسلام مع إسرائيل
بقلم:آمال عربيد عن القبس الكويتية
تبويس اللحى لا ينصر قضية عادلة
بقلم: فيصل جلول عن الخليج الاماراتية
الشتات الفلسطيني في ذمة العرب
بقلم: أيمن خالد عن القدس العربي
هل سلمت حماس نفسها لشيطان التفاصيل؟؟
بقلم:عماد زقوت عن رأي اليوم اللندنية
القتل باسم الله: دراما دينية رائجة
بقلم: سعيد القرش عن العرب اللندنية
نهاية العرب؟!
بقلم: اياد ابو شقرا عن الشرق الاوسط
حكومة التوافق الفلسطيني في مواجهة عقدة التنمية المستقلة
بقلم: نبيل السهلي عن الحياة اللندنية
من أهم التحديات التي تواجه حكومة التوافق الفلسطيني التخطيط للتنمية المستقلة في ظل احتلال مديد، وارتفاع وتيرة الاستيطان بغية فرض الأمر الواقع التهويدي. لذلك يرى محللون اقتصاديون أن ثمة مخاوف حقيقية من عدم القدرة على تحقيق التنمية الاقتصادية الفلسطينية في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي.
وتؤكد دراسات أكاديمية بان هناك عدة عوامل تحول دون التنمية، في المقدمة منها سيطرة إسرائيل على أهم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني، حيث تهيمن على نحو 96% من إجمالي التجارة الخارجية الفلسطينية، وبات العجز في الميزان التجاري الفلسطيني عنوان العلاقة القسرية بين الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي. ونتيجة تراجع أداء الاقتصاد الفلسطيني بسبب سياسات الاحتلال الرامية إلى تهميش القطاعات الاقتصادية الفلسطينية المختلفة، اضطر الآلاف من قوة العمل الفلسطينية إلى العمل في الاقتصاد الإسرائيلي.
وما يعيق حكومة التوافق الفلسطيني التي يترأسها رامي الحمدالله، تحكم إسرائيل بعنصر الأرض، حيث تعتبر الأرض الفلسطينية من أهم عناصر الإنتاج لتحقيق تنمية مستقبلية، ولهذا تطرح أسئلة عديدة عن إمكانية التنمية من دون تفكيك معالم الاحتلال الإسرائيلي، ونقصد هنا المستوطنات الإسرائيلية الجاثمة على الأرض الفلسطينية، والتي أقيمت على أهم المناطق الفلسطينية، حيث تحقق أهدافاً إسرائيلية متعددة، وفي المقدمة منها محاولة فرض أمر واقع تهويدي يصعب الانفكاك عنه من جهة، ومنع التواصل الجغرافي الديموغرافي العربي من جهة أخرى. وتبعاً للحقائق الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، فإنه لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية من دون تفكيك معالم الاحتلال وبشكل خاص الاستيطان الإسرائيلي.
واللافت أنه رغم الحديث المتكرر عن مسار للتنمية والمفاوضات، يواجه الفلسطينيون ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة النشاط الاستيطاني في ظل قيادة «الليكود» بزعامة بنيامين نتانياهو لسدة الحكم في إسرائيل، حيث تشير المعطيات إلى ارتفاع عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية إلى نحو 550 ألف مستوطن إسرائيلي في عام 2014، منهم 350 ألفا يتمركزون في 151 مستوطنة في مناطق جغرافية إستراتيجية في الضفة الغربية، فضلاً عن 200 ألف مستوطن في الجزء الشرقي من مدينة القدس المحتلة، إضافة إلى طوقين من المستوطنات حول المدينة يصل عددها إلى 26 مستوطنة.
ولم تخف المؤسسة الإسرائيلية المخططات الإستراتيجية بشأن القدس، والتي تهدف إلى مصادرة القسم الأكبر من مساحتها وعقاراتها ومحالها التجارية، وجعل العرب أقلية في مدينتهم بحيث لا تتجاوز نسبتهم 12% من سكانها بحلول عام 2020. وتبعاً للحقائق الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، فإنه لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية من دون تفكيك معالم الاحتلال وبشكل خاص الاستيطان الإسرائيلي الذي شكل على الدوام حجر الزاوية لفرض يهودية الدولة عبر تغييب الجغرافيا العربية وخاصة في مدينة القدس.
تشير الدراسات إلى أن السياسات الاقتصادية الإسرائيلية أدت بعد احتلال مديد إلى رزمة من النتائج الكارثية على الاقتصاد الفلسطيني. وعلى الرغم من توقيع اتفاقات أوسلو في أيلول (سبتمبر) 1993 بقيت أهم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، فبات السوق الفلسطيني ثاني سوق للاقتصاد الإسرائيلي بعد السوق الأميركي، وتتحكم إسرائيل بنحو 96% من إجمالي التجارة الخارجية الفلسطينية بشقيها الصادرات والواردات، والعجز في الميزان التجاري الفلسطيني هو عنوان لعلاقة قسرية مع الاقتصاد الإسرائيلي.
وفي الوقت نفسه وعلى الرغم من الإغلاقات الإسرائيلية المتكررة بوجه قوة العمل الفلسطينية، فإن نحو عشرة آلاف عامل فلسطيني ما زالوا يعملون في الاقتصاد الإسرائيلي حالياً، في مقابل 120 ألف عامل قبل انتفاضة الأقصى عام 2000، الأمر الذي يؤكد تحكم إسرائيل في نسبة كبيرة من الدخل القومي الفلسطيني، وبذلك فإن المجتمع الفلسطيني عرضة لابتزازات سياسية دائمة. وما يزيد الوضع سوءاً سيطرة السلطات الإسرائيلية على نحو 100 مليون دولار شهرياً من الضرائب المفروضة على العمال العرب من الضفة والقطاع الذين يعملون في الاقتصاد الإسرائيلي وعلى حركة التجارة الفلسطينية عبر المعابر الإسرائيلية .
حكومة التوافق الفلسطينية ستواجه تحديات أخرى فرضتها سياسات الاحتلال، التي أدت إلى تراجع أداء كافة القطاعات الاقتصادية الفلسطينية، وظهور أزمات اقتصادية واكبت وتواكب تطور الاقتصاد الفلسطيني، وتشتد وطأتها مع ارتفاع وتيرة الحصار الإسرائيلي والعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والبنى التحتية للاقتصاد الفلسطيني. وتشير معطيات وتقارير البنك الدولي إلى تفاقم أزمة البطالة لتصل معدلاتها إلى نحو 40% في قطاع غزة و20% في الضفة الغربية، الأمر الذي أدى إلى انتشار الفقر المدقع بين ثلثي الأسر الفلسطينية في المنطقتين.
لمواجهة تحديات التنمية في ظل الاحتلال، لا بد من خطط وطنية فلسطينية بديلة، تأخذ في الاعتبار القدرات الاقتصادية لدى الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. وتبعاً لذلك يجب مشاركة القوة الفلسطينية الصامتة والفعاليات الاقتصادية المختلفة في رسم المستقبل الواعد للدولة الفلسطينية المنشودة، وإعطاء بعد عربي رسمي وشعبي من اجل التخطيط للتنمية، حيث يمتلك العرب مقدرات وطاقات اقتصادية، فالدول العربية تساهم بنحو 30% من إنتاج النفط في العالم سنوياً، وتستأثر في الوقت ذاته بحوالى 60% من احتياطه.
كما تحتم الضرورة العمل على إعادة توطين رأس المال الفلسطيني المهاجر والمقدر بنحو 60 بليون دولار، وهذا سوف يعزز فكرة دعم التنمية المستقلة تدريجياً بعد احتلال مديد، كما تمكن الإفادة من صناديق التمويل العربية، حيث بمقدورها تمويل مشاريع عربية في الأراضي الفلسطينية، وتهيئة الفرص لزيادة التجارة البينية بين الدول العربية والاقتصاد الفلسطيني بعيداً من الابتزاز والضغوط الإسرائيلية والدولية للفلسطينيين. وكذلك لا بد من تحسين أداء القائمين على المال العام الفلسطيني، والقيام بعملية إصلاح حقيقية في إدارة المال الذي هو للشعب الفلسطيني في المقام الأول وليس لأشخاص ومحسوبيات وفصائل بعينها.
ويبقى القول إنه ليس بمقدور حكومة التوافق الفلسطيني التخطيط للتنمية الفلسطينية المستقلة من دون إرادة سياسية صادقة في المقام الأول. بحيث تبدأ بتبني خطاب سياسي حقيقي جامع لجهة تفكيك معالم الاحتلال، من نشاطات استيطانية وسيطرة على مقدرات الشعب الفلسطيني، وهناك قرارات دولية أقرت بعدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي وضرورة تفكيك المستوطنات وترحيل المستوطنين وبطلان الأعمال كافة التي قامت بها إسرائيل لتغيير الطابع الجغرافي والديموغرافي وبشكل خاص في مدينة القدس التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمة دولتهم المنشودة، عندئذ يمكن الحديث عن إمكان التخطيط لتنمية فلسطينية مستقلة.
كيف تنظر حماس لحكومة المصالحة؟
بقلم: فهد الخيطان عن الغد الأردنية
من بين الأسباب التي دفعت بحركة حماس إلى السير في طريق المصالحة مع السلطة الفلسطينية، الكلفة المالية الباهظة لحكم قطاع غزة. وفي جلسة حوار مغلقة مع قيادات في حركة حماس، خُصصت لمناقشة دوافع قبول حماس بالمصالحة وتشكيل حكومة توافق وطني، تساءل أحد القادة: "هل سمعتم عن حزب يحكم بلدا ويدفع من ماله لخزينة الدولة؟ نحن كنا ندفع من جيوبنا رواتب ونفقات حكومة القطاع".
لكن حماس التي سعت إلى التخلص من عبء غزة المالي، لم تتوقع أن تمتنع حكومة المصالحة عن دفع رواتب موظفي الحكومة المؤقتة، وجلهم من المحسوبين على الحركة، فتفجرت أول أزمة في وجه الحكومة بعد أقل من أسبوعين على تشكيلها. وتبارى قادة حماس في غزة بكيل الاتهامات لحكومة رامي الحمدالله.
أزمة الرواتب طارئة، لكنها لن تكون الأخيرة في طريق حكومة التوافق. قبل أن تتشكل الحكومة بأيام، حرص زعماء في حماس على التأكيد، في ذات الجلسة المغلقة، بأن الحكومة الجديدة ليست حكومة حماس، "ولسنا مسؤولين عن قراراتها وسياساتها".
حكومة المصالحة في نظر حماس تعبير عن مأزق الخيارات لدى الطرفين؛ الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يعد لديه ما يفعله بعد فشل جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري، فلم يجد أمامه غير السير في طريق المصالحة لملء الفراغ السياسي، حسب تشخيص حماس. وحماس هي الأخرى، وباعتراف بعض قادتها، اصطدمت بالجدار في غزة، ولم تعد تحتمل، أخلاقيا وسياسيا، بقاء أكثر من مليون فلسطيني تحت حصار مزدوج؛ إسرائيلي ومصري، ناهيك عن الحصار السياسي الذي تعيشه الحركة بعد سقوط حكم الإسلاميين في مصر، والحملة الخليجية الشرسة على جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة.
ومن بين الأسباب "المهمة" التي دفعت أبو مازن إلى السير في طريق المصالحة، حسب تقدير قادة في حماس، الصراع المحتدم مع محمد دحلان؛ القيادي المفصول من حركة فتح، والمدعوم من دولة خليجية.
قبل أن تتفجر أزمة الرواتب في غزة، كان اعتقاد حماس أن الأمور في المرحلة الأولى ستسير على نحو حسن، ولن تواجه الحكومة مشاكل تعطل جهود المصالحة، فيما ستظهر المشاكل بقوة وتهدد عملية المصالحة، عندما يقترب الطرفان من الملف الأمني في الضفة الغربية؛ وهنا المعضلة الكبرى في نظر حماس. فالأجهزة الأمنية في الضفة الغربية ركن أساسي في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وقد وجدت لغاية أساسية هي حماية أمن إسرائيل، ولا يمكن للأخيرة ومن خلفها أميركا أن تسمح لحركة حماس بأن تكون جزءا من المؤسسة الأمنية.
إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية على غرار ما يحصل في قطاع غزة، لن تكون عملية سهلة، وقد تؤدي إلى فشل جهود المصالحة. يضاف إلى ذلك ملف إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية ودخول حماس إلى مؤسساتها، والذي تم التوافق بشأنه في اتفاق القاهرة قبل سنوات. لكن الاتفاق المذكور يخضع لتفسيرات شتى من الطرفين.
يُظهر زعيم حماس خالد مشعل إخلاصا شديدا لفكرة المصالحة، وهو أكثر قادة الحركة احتراما وثقة بمحمود عباس. لكن لا فتح كلها ولا حماس على شاكلة زعيميهما؛ فقد كشفت أزمة صغيرة كأزمة الرواتب أن حكومة المصالحة لا تحظى برعاية قطبي المعادلة الفلسطينية، فما قيمة المصالحة إذن؟
التوافق الفلسطيني يمهِّد للسلام مع إسرائيل
بقلم:آمال عربيد عن القبس الكويتية
• ما تحتاجه الحكومة الفلسطينية الجديدة التعاون الجدي لبناء دولة مستقلة، وبحدود آمنة.
إن إقرار «حماس» بتشكيل حكومة موحدة مع عباس يثبت أن التطرف بكل أشكاله الدينية والسياسية والعسكرية مصيره الفشل، مهما كانت القضية الوطنية التي يناضل من أجلها، وبناء على هذا جاء توافقها مع حكومة عباس ليؤسسا حكومة فلسطينية موحدة وواعدة تتطرق الى مفاوضات السلام من الأبواب الدولية الواسعة التي سارعت بدعم هذا التوافق سياسياً ومالياً (فرنسا وبريطانيا) وبمباركة أميركية حذرة، وسط دعم شعبي فلسطيني للحركتين فتح وحماس لانخراط الأخيرة في العمل السياسي على أن تضع عتادها العسكري تحت سلطة الحكومة فقط، لتضمن لها نظامها الأمني الشامل على كل الأراضي الفلسطينية، ووضعهما دستورا موحدا بعد انقطاع دام لأكثر من سبع سنوات، فتصبح شروط الحكومة أقوى في المفاوضات مع اسرائيل لوقف استيطانها وإعادة أراضي 67، في حال توصلا الى اتفاق بالاعتراف بإسرائيل وحل الدولتين!
بيد أن اسرائيل اعتبرت هذا التوافق بين «حماس» و«فتح» بمنزلة تغلغل إيراني داخل السلطة الفلسطينية عبر «حماس»، لتتحكم بأمور الدولة على غرار «حزب الله» في لبنان وتحكمها بقوة السلاح (إهود يعاري - معهد واشنطن للدراسات)، متناسية اسرائيل أن إسقاط عبدالفتاح السيسي لحكم «الاخوان» في مصر وتنصيبه رئيساً، وإضعاف الدول العربية لقوة المتطرفين الاسلاميين وتهميشهم، وأزمة الحرب السورية، قلّصت شعبية حركة حماس وداعميها وجعلتها تختار درب السلام على الحرب الدموية التي زادت نسبة الدمار والقتل من الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، بل عَزَلت إسرائيل عن العالمين العربي والدولي أكثر لمحاصرتها العسكرية لغزة أمداً طويلاً، فبدل ترحيب اسرائيل بهذا التوافق الفلسطيني كخطوة نحو السلام سعت إلى رفضه وضغطت عبر اللوبي الاسرائيلي داخل الكونغرس على الحكومة الأميركية لتهميشه، كما تحدت القرار الأميركي بإيقاف الاستيطان بزيادة توسعها بحوالي 1500 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية، عدا معارضتها للدعم الدولي والعربي للتوافق الفلسطيني!
رغم أن أميركا ما زالت تتخذ دور المراقب في المنطقة، فان موافقتها البراغماتية على الحكومة الجامعة بين «حماس» و«فتح» جاءت مشجعة لهما، للمضي في تشكيل حكومة تكنوقراطية، طالما أنها ستلتزم بالقرارات الدولية السابقة واللاحقة!
إن ما تحتاجه الحكومة الفلسطينية الجديدة التعاون الجدي لبناء دولة فلسطينية مستقلة وبحدود آمنة، بمشاركة شعبية متساوية من سكان الضفة الغربية وغزة لإجراء انتخابات وطنية حرة تضع أسسا عادلة في الحكم لتمنع أي إملاء خارجي دولي وعربي أو إيراني قد يوجهها نحو العنف، لمواجهة التحديات الإسرائيلية الصعبة التي تعرقل المفاوضات نحو السلام الحقيقي، متمنين نجاح صلوات البابا فرنسيس نحو السلام بعد قدرته على الجمع بين الرئيسين الفلسطيني والاسرائيلي في الفاتيكان، علّهما ينهيان صراعاً دام لأكثر من ستة عقود؟!
تبويس اللحى لا ينصر قضية عادلة
بقلم: فيصل جلول عن الخليج الاماراتية
لا يمكن للتعبير العامي الدارج "تبويس اللحى" أن يلتصق بشيء ويتناسب معه تماماً كتناسبه مع لقاء الفاتيكان الذي تم مؤخراً بين البابا فرنسيس الأول، والرئيسين الصهيوني شيمون بيريز، والفلسطيني محمود عباس . ذلك أن الصلاة المشتركة لممثلين مفترضين للأديان السماوية الثلاثة هي أقرب إلى "تبويس اللحى" منها لجلب السلام إلى الفلسطينيين، وهي لن تطرد الاحتلال "الإسرائيلي" عن أراضيهم، ولن توقف عمليات القصف الجوي لمواقعهم، ولن تضع حداً لاستيطان ممتلكاتهم، ولن توقف الهجرة اليهودية، ولن تعيد الأموال الفلسطينية المصادرة جزئياً للسلطة الفلسطينية، ولن تبلسم جراح الأسرى الفلسطينيين . ومن البديهي أنها لن تعيد اللاجئين إلى قراهم ومدنهم، ولن تأتي للشعب الفلسطيني بدولة حرة ومستقلة . وما دامت هذه الصلاة لن ترجع أياً من الحقوق الفلسطينية فلماذا قبلها محمود عباس، ولماذا قبل بالترويج لها بل ما الذي يكسبه من الوقوف جنباً إلى جنب مع سفاح شعبه الذي يتصرف كالحمل بعد أن شبع وهو في الثمانين قتلاً بالفلسطينيين وتحطيماً لأرزاقهم ومصاردة لأرضهم، بل تزويد بلاده بالسلاح النووي الذي يعد الفلسطينيين والعرب بالفناء؟
قبل الإجابة عن السؤال لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء، وبالتحديد إلى انتخاب البابا فرنسيس الأول قبل عامين بابا للفاتيكان، وهو الأول من خارج القارة الأوروبية منذ أكثر من ألف عام، وقد اختير في جلسة عدت الأقصر في انتخاب البابوات قاطبة، وقيل إن اختياره ناجم عن رغبة الكنيسة الكاثوليكية في لعب دور أكبر في القضايا السياسية، وتشجيع الحوار بين الحضارات والأديان، والالتفات أكثر إلى قضايا الفقراء والمهمشين، وقد عرف عنه، وهو الأرجنتيني الأصل، تعاطفه مع الحركات الشعبية في بلاده وفي العالم، ولعله اختار اسم فرنسيس الأول تيمناً بفرانسوا الاسيزي الذي كان مميزاً في هذا الحقل في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية .
اللافت في هذا الصدد هو اهتمام البابا بفلسطين، والضغط على البطريرك الماروني اللبناني بشارة الراعي لمرافقته في زيارته للأرض المحتلة، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها بطريرك الموارنة إلى فلسطين منذ تأسيس الكيان الصهيوني، ما يعني أن الكنيسة الكاثوليكية تريد لعب دور ما في القضية الفلسطينية، وأن تخطو خطوات أكبر في عهد فرنسيس الأول . ولعل هذا ما يفسر ذلك الضجيج غير المسبوق في وسائل الإعلام العالمية لزيارته الأخيرة لفلسطين وللكيان الصهيوني . ويفسر أيضاً إصراره على دعوة الطرفين "الإسرائيلي" والفلسطيني إلى الفاتيكان لإقامة صلاة السلام بواسطة ممثلين عن الأديان الثلاثة المسيحية واليهودية والمسلمة .
لكن المؤسف في هذه المبادرة هو تقديم الكنيسة الكاثوليكية بوصفها طرفاً محايداً في الصراع، أو في أحسن الأحوال طرفاً غير متضرر عبر رعاياها من الاحتلال، علماً بأن الصهاينة صادروا أراضي المسيحيين، كما المسلمين في فلسطين، وتسببوا بأضرار إنسانية لا تعوض بالنسبة للجميع، وليس للمسلمين وحدهم، وبالتالي لم يتركوا للمسيحيين خيار الحياد أو الكف عن النضال جنباً إلى جنب مع مواطنيهم المسلمين . والواضح أن البابوات الذين سبقوا فرنسيس ما كان بوسعهم كأوروبيين أن يبادروا إلى مثل هذا التحول، وبخاصة البابا السابق الذي خاض معركة فلسفية مع الإسلام في بداية عهده .
إن المدقق في عبارات شيمون بيريز في حفل "تبويس اللحى"، هذا لا يمكنه إلا أن يصاب بالذهول، فقد أشار إلى السلام "بين متساويين"، وعن "واجبنا المقدس في نقل السلام إلى أبنائنا" . لنتخيل لثوان معنى هذا الكلام الصهيوني . هل يتساوى المحتل مع الذين احتلت أرضهم . هل يتساوى مع ضحاياه؟ كيف يمكن لهذا النفاق أن يمر بوصفه قيمة أخلاقية يدافع عنها هذا القاتل الذي يفتخر بأنه جلب السلاح النووي لكيانه . هذا القاتل الذي تشهد جرائمه الكثيرة على ماضيه الدموي وآخرها مجزرة قانا عام 1996 . هل يتساوى بيريز مع ضحاياه في قانا وفي غزة وفي كل فلسطين؟ يجب أن يكون المرء غبياً أو متعامياً حتى ينطلي عليه منافق من هذا النوع .
أما البابا فرنسيس الأول فقد شدد على قبول التفاوض وعدم رفضه، وإلى احترام الاتفاقات الموقعة، وإلى الكف عن الحملات التي تدعو إلى العنف والسلاح "الذي ينبغي نزعه من اللسان واليدين" على حد تعبيره . يفصح هذا الكلام عن رغبة بابوية صريحة بالحياد بين الطرفين، وهذا حق للكنيسة الكاثوليكية ولكل الأطراف الراغبة بالحياد، وإن كان ذلك ينطوي على ظلم للشعب الفلسطيني المضطهد والمجرد من أرضه ومصيره، لكن الأخطر في هذا الكلام أنه يساوي في الحديث عن رفض التفاوض بين الطرفين، علماً أن استراتيجية محمود عباس منذ تسلمه السلطة في رام الله هي التفاوض ولا شيء غير التفاوض، فكيف يتساوى مع نتنياهو المتعجرف الذي يريد تفاوضاً للتفاوض ولكسب الوقت وليس لتوقيع "سلام الشجعان" العزيز على قلب الراحل ياسر عرفات . تبقى الإشارة إلى فك طوق العزلة الدولية عن "إسرائيل" عبر مبادرة الصلاة المشتركة، فمن المعروف أن أحداً لا يستقبل مبعوثي الحكومة "الإسرائيلية" في العالم بسبب إصرارها على الاستيطان وعدم جديتها في التفاوض وتحقيق السلام مع الفلسطينيين، وإذ يبادر البابا إلى منحها فرصة لفك طوق العزلة، فإنه بالمقابل لا يقدم خدمة جليلة للفلسطينيين الذي هم بأمسّ الحاجة لاستعادة أرضهم، وليس لصلاة تساوي بين الضحية والجلاد .
تبقى كلمة محمود عباس التي دعا فيها الله أن يحمل الرخاء لشعبه، وأن يزين مستقبله بوعود الحرية والدولة السيدة والمستقلة .
الشيء الوحيد الذي يمكن الجزم به هو أن عباس خرج من المولد البابوي بلا حمص، لأن حقوق الشعوب لا تمنح عبر "تبويس اللحى"، بل تؤخذ عنوة ممن اغتصبها، وكل كلام آخر لا يعول عليه .
الشتات الفلسطيني في ذمة العرب
بقلم: أيمن خالد عن القدس العربي
الحدث الفلسطيني الأبرز هذه الأيام يتمثل في حالة الرحيل والهجرة الجماعية، التي لم تحدث من قبل في تاريخ الشتات الفلسطيني، خصوصا مع بدء زوال ظاهرة المخيم بشكل فعلي، وبالطبع لم يكن البديل عربياً، فالعرب حظروا في غالبيتهم دخول الفلسطينيين الى اراضيهم، ليدرك الفلسطيني ان قصة بلاد العرب اوطاني كانت محض خيال شاعر فحسب. وتتمة القصة لا تكمن في تفسير المشهد وتحديد جغرافيا المعاناة والألم التي ألزمت الفلسطينيين بهذا الرحيل المر، ولكن بحالة الصمت الموجودة لدى كافة القوى والفصائل الفلسطينية، والصمت الذي نعنيه، أن أحداً لا يجرؤ على توصيف المشهد كما هو، أو التعامل معه بما يجب، فأهل غزة يشكون من سنوات الحصار، وسكان مخيم اليرموك يدعون ربهم قائلين «اللهم ارزقنا حصاراً مثل حصار غزة»، وأهل الضفة يشكون من الجدار العازل والفلسطينيون في شتاتهم، يدخلون في مقارنات تبكي القلوب، ويصعب توصيفها حتى نتمكن من تمرير الحروف بين الكلمات الضائعة.
لأول مرة في التاريخ، تتحقق نبوءة عجيبة، فاليهود يهاجرون من كل الدنيا الى فلسطين، والفلسطينيون أصحاب الوطن يساعدهم العرب بطرق شتى للرحيل إلى كل الدنيا، ولكن بميزان حكم ظالم، فهي مساعدة تختلط بالدم والموت، والجثث الطافية في بحر المتوسط، معاملة لا تليق بأي كائن بشري، فنحن اليوم تتبدل أزمتنا ومعاناتنا كفلسطينيين، ففي المخيمات، كان عنوان الأزمة واضحاً، وهو أن هناك مسؤولية اسرائيلية بحق اللاجئين الفلسطينيين، وفي زوال المخيمات، تحولت قضيتنا، كفلسطينيين، الى مواجهة مباشرة مع العرب، هي مواجهة غير متكافئة بتاتاً، فليس هناك كيانية يمكننا التشبث فيها أو الدفاع عنها، وكل ما نملكه عملياً هو تلك البيوت المنهكة، التي حاولنا ان نصنع منها مكاناً يوحي بآدميتنا، وظل العرب يحاولون تحويل المخيم الى غيتو، على شاكلة الغيتو اليهودي، لأن عزلة الفلسطينيين كانت تعني زوال قضيتهم، ولأن الفلسطينيين اندمجوا مع العرب، أصبحت فكرة جواز السفر وحمل الجنسية العربية من قبل الفلسطينيين مرفوضة عربيا ودوليا، لأن الوباء الفلسطيني يجب أن يزول، لذلك يعيش الفلسطيني سبعين عاما في دولة عربية ولا يحق له حمل جواز السفر الخاص بها، لأن مشكلة الفلسطيني أنه لم يرتبط بالجغرافيا العربية وينسى بلاده، وهو سر الأزمة بين النظام الرسمي العربي والفلسطينيين، باعتبار أن الوجود الفلسطيني في الجغرافيا العربية يربط الجغرافيا العربية بفلسطين، وهو جوهر الأزمة الحالية.
ليس المطلوب منا أن نحمل جنسية عربية، وليس المطلوب منا ان نبقي ظاهرة المخيم كما هي، ولكن المطلوب خلال السنوات القادمة، يتمثل بمغادرة الفلسطيني للجغرافيا العربية، والاكتفاء بأعداد محدودة من الفلسطينيين، وكلنا يعلم أن مخيم الازرق، بُني خصيصا لاستيعاب الظاهرة الفلسطينية المتبقية فحسب.
اليوم هناك تغيير كبير في قوانين الصراع بين الفلسطينيين واسرائيل، فالمواجهة أصبحت فلسطينية عربية وتجري بمباركة أو صمت فلسطيني، فالضفة وغزة لا تملكان غير الصمت لبقاء المال العربي يعمل على تسكين الجراح الداخلية، في ظل غياب قيادة جريئة تملك القدرة على اتخاذ قرار صائب، يحمي بالحدود الدنيا الشتات الفلسطيني الذي يواجه حالة تغييب كامل، وهذا يعني انهاء قصة حق العودة، بتقليص الشتات الفلسطيني الى الحدود الدنيا، التي يغيب فيها هذا الشتات من المشهد السياسي، وتصبح قصة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، هي قصة مساعدات انسانية لعائلات منكوبة، هذه هي ذاتها العائلات التي أطلقت الثورة ذات يوم، والتي كانت الى وقت قريب خزان هذه الثورة، هي ذاتها التي تحولت قضيتها الى الحصول على معونة محدودة تضمن قليلا من رمق الحياة.
هل يدرك القادة الفلسطينيون أنهم يساهمون بإنهاء ظاهرة المخيم والشتات بصمتهم، كما ساهمت من قبلهم النخب الفلسطينية بضياع فلسطين قبل النكبة، وهل يدرك القادة أنهم يتخلون عن فلسطينيي الشتات، لأجل الحفاظ على كيانية صغيرة في غزة والضفة، وأن هذا بحد ذاته كارثة التاريخ للأمة كلها، فجريمة الاستيطان، وحتى هدم المسجد الأقصى وفق العرف الاسلامي ليس أكثر أهمية من قوارب الموت، فأي فلسطين نريد لشعب نلقي به في البحر ونحن نتفرج، ومن حق العالم بالطبع أن يكون متفرجاً آثما.
اليوم يعيش الشتات الفلسطيني فصول النكبة الثانية، وهي أكبر نكبة يتعرض لها شعب، ولا يجد دولة عربية واحدة تحتضن جراحه. أما الفلسطينيون في الوطن المحتل، فهم يعيشون فرح انتخاب وزارة جديدة، ومشاركة في الأولمبياد، واحتفالات موسمية، وتفاصيل صغيرة في جرح كبير، فهل على الشتات الفلسطيني أن يفكر منعزلاً عن الساسة الفلسطينيين، ببناء وكالة تضمن ترحيل الفلسطينيين الى أي بلد مضيف، بشكل آمن، بدلاً من مغامرات الموت، واذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد أُنشئت لتحرير فلسطين، فقد اكتفى السادة بما حرروا، وعلينا أن نبني مؤسسة تحمي هؤلاء العالقين بين الارض والسماء، وليس لهم كوكب، واكتشفوا بعد عمر طويل، أن كل انتماءاتهم السياسية كانت من ورق، وأنهم الان فقط يحلمون بالحياة، والحياة فقط في أرض تكون.
هل سلمت حماس نفسها لشيطان التفاصيل؟؟
بقلم:عماد زقوت عن رأي اليوم اللندنية
رفضت حركة فتح تسليم مقاليد السلطة لحركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية وتشكيلها الحكومة عام 2006، وبل تمردت فتح على الحكومة، وافتعلت العديد من المشاكل والأزمات، ورفضت الأجهزة الأمنية الاحتكام لأوامر وزير الداخلية سعيد صيام، وبالتالي حاولت حركة فتح الانقلاب على صناديق الاقتراع التي شهد لها العالم.
وبدأت حينها جولات الحوار الفلسطيني في القاهرة ومكة، لكن أطرافاً متنفذة داخل حركة فتح أصرتعلى عدم تسليم الحكومة لحركة حماس وهددت (بالخمسة بلدي) وازدادت وتيرة الحوارات بعد حسم حركة حماس الأمور في قطاع غزة، وحدوث الانقسام الذي كان سببه الأساس تعنت حركة فتح، ورفضها لنتائج الانتخابات التشريعية، وانتهى قطار الحوارات والاتفاقيات في غزة وتحديداً مخيم الشاطئ، وتم التوقيع على المصالحة الوطنية وتبعها تشكيل حكومة توافق برئاسة د. رامي الحمد الله، والتي من أولى مهامها توحيد مؤسسات الشعب الفلسطيني، وتحقيق المصالحة المجتمعية، ولكن للأسف فشلت في أولى اختباراتها عندما رفضت صرف رواتب موظفي حكومة غزة السابقة، وبدأت تماطل في هذا الملف، حتى أوجدت انقساماً جديداً، وشرخاً كبيراً داخل المجتمع الفلسطيني، بين موظفين تم تشغيلهم بعد الانقسام بأوامر حكومة غزة، وموظفين تم تشغيلهم على مدار سنوات من قبل حكومات السلطة، والذين استنكفوا عن العمل بأوامر من الرئيس محمود عباس، ولكن ماذا بعد؟ وهل حركة حماس سلمت نفسها لشيطان التفاصيل، وفشلت في تقدير موقف ونية حركة فتح، التي أرادت فقط استلام مفاتيح الحكومة، وإشغال حركة حماس بملفات جديدة، والواضح أن أطرافاً بعينهاتريد إشغال حركة حماس عن العمل الجهادي،والقضايا الوطنية الكبيرة، كالأسرى،وخاصة المضربين عن الطعام، والقدس، واللاجئين، وذلك عبرادخالها في دوامة ملفات داخلية، كرواتب الموظفين، والهيكليات الإدارية، واللجان الادارية، والمالية، وهل سيقرر الرئيس تفعيل المجلس التشريعي أم لا، وهل سيدعو الإطار القيادي للاجتماع أم لا.. وكل ذلك يبقينا في “خلاط” الانقسام ولكن بحلته الجديدة.
ولكن نقول كمراقبين حذار من ذلك، لأن حركة حماس قد تلجأ إلى قلب الطاولة، وتوجيه صواريخها تجاه العدو الصهيوني، وربما نصحو على خبر أسر جندي صهيوني جديد، خاصة أن قضية الأسرى تشكل ضاغطاً كبيراً على قيادة حركة حماس، والتي هددت مراراً بأن الحل الوحيد للإفراج عن الأسرى هو سياسة خطف الجنود.
وفي هذا الإطار نشير إلى أن العدو الصهيوني يلعب بشكل واضح في ملف الانقسام الفلسطيني، ودائما يضع أمام حركة فتح والسلطة (فزاعة) أن حركة حماس ستسيطر على الضفة الغربية قريباً، وللأسف هذه الأقاويل تجد آذاناً صاغية عند حركة فتح، والتي تتخذها ذريعة في الهجوم على حماس، ومنع أي تحركات ونشاطات لها، وفي المقابل حركة حماس ترتاح ربما لتلك المعلومات التي يتحدث بها أركان العدو الصهيوني وعلى رأسهم نتنياهو، ويشعرها بأنها قوية في الضفة، ويكون دافعا لها في الكشف عن بعض أوراقها.
وبناءً عليه نقول لصناع القرار الفلسطيني لا تلجأوا للروايات الصهيونية، ولا تنصتوا لها،لأنها تحتوي الكثير من السم إلى جانب بعض العسل، وندعو أيضاً حركة فتح والاحتلال وبعض الأطراف العربية والدولية لا تضغطوا على حركة حماس، لأنكم تدفعونها إلى الانفجار في وجوهكم فانتبهوا..
القتل باسم الله: دراما دينية رائجة
بقلم: سعيد القرش عن العرب اللندنية
ليس من المروءة التطاول على ميّت أو سجين قليل الحيلة، ولكن من الواجب مراجعة أي فكر، لحيّ أو ميت أو سجين؛ فالأفكار أعمق أثرا وأطول عمرا من أصحابها، روح عابرة للأجيال، تلهم وأحيانا تقتل، وما أكثر القتل الفردي والجماعي باسم الله، في كثير من العصور وعلى أيدي أتباع كل دين. باسم الله وتحت راية الكتاب المقدس أُبيد الملايين وسُرق تاريخهم، حتى اسمهم نفسه تغير وأصبحوا «الهنود الحمر»، ولم يكونوا هنودا ولا حمرا، ولكن المنتصر كتب التاريخ، وأصبحت بلادهم تحمل اسما آخر.. أميركا.
تشغلني الدراما في مراجعتي لتاريخ الأفكار والشعوب والرجال. كان حسني مبارك بليدا رتيبا تخلو حياته من الدراما، أما محمد مرسي فأقرب إلى أبطال التراجيديا، ساقته الأقدار من حيث لا يدري إلى مصير ليس مسؤولا عنه، ولم يخطط له.
باستثناءات قليلة، تراجعت التراجيديا مع نشوء الدولة الحديثة بمؤسساتها المعقدة، ربما مثلما أصبح الاختراع عملا مؤسسيا لفريق بحثي، لا إلهاما شخصيا، بعد تفكير في دلالة “سقوط” تفاحة فوق رأس نيوتن.
ستظل التراجيديا مجرد استثناءات؛ بعد أن كان البطل التراجيدي رسول القدر لإنقاذ أمة متحديا قدرا آخر. وقد خرج مرسي من صفحات التراجيديا، ومن أزمنة العشائر. أخّرته الأقدار، ثم قذفت به إلى عصر “الدولة”، فارق توقيت حضاري لم يدركه ابن تنظيم سري ينتمي إلى ما قبل “الدولة”، ولا يؤمن بأن الوطنية لا تكتمل إلا بإيمان المواطن بالدولة، بشرا وجغرافيا وفلسفة ومصيرا، وهذا يتعارض مع عقيدة “إسلامجي” ينشأ على أن الجماعة هي الدين، وأنه بالإخلاص للتنظيم يكتمل إسلام المسلم. لا يجتمع خيال مع بيعة، فكرة البيعة نفسها تهين العقل، ومن أركانها «السمع والطاعة والثقة في القيادة». هنا لا وجود لمفهوم «الدولة».
يقول محمود الصباغ عضو التنظيم الخاص للإخوان، في كتابه «حقيقة التنظيم الخاص»، إن من نصوص لائحة التنظيم: «أية خيانة، أو إفشاء سر بحسن قصد، أو بسوء قصد، يعرض صاحبه للإعدام وإخلاء سبيل الجماعة منه، مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل، واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة».
«التنظيم الخاص، «الجهاز السري»، ميليشيا أسسها حسن البنا، ولم تستهدف بالقتل إلا مصريين. وتنص لائحة التنظيم على «إعدام» من يتهم بالخيانة أو إفشاء أسرار ولو بحسن نية. لا فرصة للدفاع عن النفس ولا نقض لحكم. يقول علي عشماوي العضو البارز في التنظيم، في كتابه «التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين» إن البنا كان «يعتبر أفراد النظام الخاص هم التعداد الحقيقي للإخوان المسلمين»، وبعد ثورة 1952 رأى الإخوان «كيف أنهم- أي رجال الثورة- بدأوا يخرجون على السمع والطاعة وأنهم حنثوا بوعدهم وخانوا بيعتهم».
أتوقف عند واقعتي قتل باسم الله، بينهما عشرات السنين وآلاف الأميال. الضحية ليس عدوا لله، بل كان يمكن أن توكل إليه مهمة قتل زميل في التنظيم نفسه، وباسم الله أيضا.
الواقعة الأولى بطلها المهندس سيد فايز مسؤول النظام الخاص عن مدينة القاهرة، “وقد تخصص في صناعة المفرقعات.. وكان أحد المخازن الرئيسية لإخوان القاهرة لحفظ الأسلحة والوثائق المهمة” على حد قول علي عشماوي. ويسجل الموقع الإلكتروني الرسمي للإخوان أنه قتل يوم الخميس 20 نوفمبر 1953، “بواسطة صندوق من الديناميت وصل إلى منزله على أنه هدية من الحلوى بمناسبة المولد النبوي، وقد قتل معه بسبب الحادث شقيقه الصغير البالغ من العمر تسع سنوات وطفلة صغيرة كانت تسير تحت الشرفة التي انهارت نتيجة الانفجار”.
قتل فايز على يد تنظيم سري هو أبرز أعضائه، مجرد خلاف إخواني/ إخواني بين الحرس الجديد للجهاز بقيادة يوسف طلعت، والحرس القديم بقيادة مؤسس الميليشيا عبد الرحمن السندي الذي رفض الإقالة. لا يستقر الموقع الإلكتروني للإخوان على مصطلح لما جرى، يتراوح الوصف بين “اغتيال”، و”استشهاد”، و”قتل”. شيعت جنازة فايز في اليوم الثاني، الجمعة 21 نوفمبر، وفي اليوم الثالث قرر مكتب الإرشاد فصل أربعة من قادة التنظيم الخاص (عبد الرحمن السندي وأحمد عادل كمال ومحمود الصباغ وأحمد زكي).
لم يتضمن قرار الفصل إدانة لهم بالتورط في الجريمة، ولكن محمود عبد الحليم في كتابه “الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ” يتهم السندي بالتخلص من سيد فايز “بأسلوب فقد فيه دينه وإنسانيته ورجولته وعقله.. وقد ثبت ثبوتا قاطعا أن هذه الجريمة الأثيمة الغادرة، كانت بتدبير هذا الرئيس.. وقد قامت مجموعة من كبار المسؤولين في هذا النظام بتقصي الأمور في شأن هذه الجريمة، وأخذوا في تضييق الخناق حول هذا الرئيس حتى صدر منه اعتراف ضمني”. في حين ينفي أحمد عادل كمال في كتابه “النقط فوق الحروف” تورط السندي في الجريمة.
أما الواقعة الثانية فهي العثور على مصطفى شلبي، بمسكنه في بروكلين (مارس 1991)، مقتولا بعدة طعنات نافذة ورصاصة في الرأس.
كان شلبي مقاول الكهرباء المصري ممثلا لعبد الله عزام في أميركا، وأسس في منتصف الثمانينات مركزا للجهاد في شارع أتلانتيك في بروكلين، لمساعدة المقاتلين في أفغانستان، ولكن الشيخ عمر عبد الرحمن، بعد أن سهلت له أميركا دخول أراضيها عام 1990، سعى “لتأسيس وإحكام السيطرة على مركز للقوة في الولايات المتحدة. رعى شلبي الشيخ منذ وصوله فأسس له شقة وأعطاه سيارة وسائقا وتليفونا. وجمع الرجلان أموالا كثيرة وجندا الشباب من المناطق المجاورة”، كما تروي الأميركية ماري آن ويفر في كتابها “صورة لمصر.. رحلة في عالم الجماعات الإسلامية المتشددة”. لم تدم صداقة الرجلين، فاختلفا بعد اتهام مسؤولين بمسجد الفاروق في بروكلين لشلبي باختلاس نحو مليوني دولار.
ظلت الجريمة لغزا غامضا، وتقول ماري آن ويفر إن الشيخ عمر يرفض دائما مناقشة علاقته بشلبي أو مقتله، بل قال: “أنا لا أعرف هذا الرجل”، وقال صديق مشترك بين القتيل والشيخ إنهما اختلفا بشأن السيطرة على تمويلات الجهاد والمقاتلين. ماري آن ويفر سألت سودانيا في مكتب الجهاد، عرف نفسه باسم “جلال”، عما أفسد صداقة الشيخ والقتيل، فأجاب: “لا تعليق”. سألته أيضا عن استمرار فتح المكتب، رغم انتهاء الحرب في أفغانستان، فقال: “البوسنة، العالم الإسلامي واحد، وأينما يكون هناك صراع فنحن جاهزون للقتال”.
الآن، أتساءل: أي جهاد في هذا الوحل؟
نهاية العرب؟!
بقلم: اياد ابو شقرا عن الشرق الاوسط
تردّدت كثيرا قبل اختيار هذا العنوان الدرامي، ربما لأنني أرجو أن أكون مخطئا، أو لأنني لا أودّ أن أبدو وكأنني أقلّد فرانسيس فوكوياما عندما وضع كتابه عن «نهاية التاريخ»... وأجرى فيما بعد مراجعات جوهريّة على مقولته.
كائنا ما كان السبب، أزعم أننا اليوم ندفن الهويّة العربيّة، سواء بعد وفاتها... أو نئدها حيّة قبل أن تموت.
هذا ما يحدث فعلا عندما تسقط الموصل «أم الربيعين»، إحدى حواضر العروبة والإسلام، أمام غزو تنظيم مسلح لا علاقة له لا بالعروبة ولا بالإسلام، وتتهدّد دير الزور والرّمادي والفلوجة والحسكة، بعد سقوط الرقّة - رقّة هارون الرشيد - قبل أشهر.
وهذا ما يحدث عندما يدمّر جيش عربي اللسان والشعارات، كان يزعم أنه «حامي الديار»، مدعوما بميليشيات طائفية مذهبية إمرتها خارج العالم العربي، مدنا من أعرق مدن الحضارة البشرية مثل حلب وحمص.
وهذا ما يحدث عندما يغدو القرار السياسي الفعلي في كل من العراق وسوريا ولبنان في أيدي غير العرب... وعندما ينهار اليمن بين «مطرقة» الحوثيين الإيرانية الزاحفة على صنعاء و«سندان» زمَر «القاعدة» المنتشرة في مناطق الجنوب بجانب وجود لإيران.
وهذا ما يحدث عندما تغدو فلسطين نِسيا مَنسيا و«أشلاء أرض» يقضمها غول الاستيطان الاحتلالي بانتظام... ويمزّق وحدتها الوطنية الصراع الداخلي المغذّى خارجيا، وتغيب «نكبتها» عن أولويّات عالم عربي ثقلت عليه همومه، وتكاثرت عليه «نكبات» كل مكوّن من مكوّناته. بل عندما تتراجع محوَرية فلسطين لأن بعض الفلسطينيين توهّموا ذات يوم أن لا معاناة إنسانية أخرى عند إخوتهم تستحق التعاطف معها، بل لا بأس من مسايرة طغاة العرب إذا كانت شعاراتهم الكاذبة تدّعي «التحرير» و«النضال» و«الممانعة» و«المقاومة».
وهذا ما يحدث عندما ينحرف بعض أدعياء الدين الحنيف، فيكفّرون كل من يخالفهم ذات اليمين وذات اليسار، فيشوّهون جوهره، ويسيئون إلى مكانته، ويحطّون من قدره، ويستعدُون عليه وعلى المسلمين القاصي والداني من قوى العالم الفاعلة... ومن ثم يتحوّلون إلى «حاضنة» لأسوأ أشكال التطرّف الحَرَكي الدموي المجنون، فيخدمون مشاريع المتآمرين على شعوبنا وأوطاننا وهويتنا ومصائرنا.
كالعادة، كثيرون يطرحون في مثل هذه الأيام المظلمة «نظرية المؤامرة»، إلا أنني أومن بضرورة إجادة قراءة التاريخ أولا. فنحن، كعرب، ما زلنا نجهل قراءة التاريخ، وبالتالي، لا غرابة والحال كهذه ألا نتّعظ منه ونستخلص الدروس الواجب استخلاصها.
لقد كان طبيعيا أن يُنتِج حكم الطغيان ومصادرة الحرّيّات على مرّ العقود سخطا شعبيا تطوّر لاحقا إلى أحقاد تيسّر لها رُعاة في الخارج استغلوها لترويج مصالحهم. كذلك، كان من الطبيعي في غياب الحياة الحزبية السليمة في دول ادّعت أنها جمهوريات ثوريّة طالما تشدّقت بالديمقراطية الجماهيرية أن يتكوّن نفور إزاء كل ما يرمز لمقولات أنظمتها وممارساتها. وهنا أقول إنه لا أحد أساء إلى فكرة الوحدة العربية مثل أولئك الذين تاجروا بها، ولا أحد أساء إلى الاشتراكية كالذين جمعوا، ومحاسيبهم وأزلامهم و«شبّيحتهم»، ثروات نهبوها من ثمرة كدّ الشعب وخيرات أراضيه، ولا أحد أساء إلى حلم «تحرير» فلسطين وغيرها من الأراضي المحتلة بقدر إساءة من ساوم على كل شيء... وفي النهاية جعل أرضه مستعمرات للغير.
سقوط خيار العروبة بعد سقوط حالة الصراع الطبقي، وفي ظل انعدام حرية الرأي والتجمّع والتنظيم ما حال دون نشوء مؤسّسات حزبية ونقابية جدّيّة، أسهم في الهروب نحو الملاذ الديني والمذهبي. وهنا، جاء دور القوى غير المَرئية التي استثمرت هذه الظاهرة، وتفنّنت في تظهيرها وتدويرها تحت تسميات مختلفة، ودرجات متفاوتة من المزايدة في التطرّف.
نعم، وجود حواضن سياسية آيديولوجية وثيولوجية أسهم إسهاما كبيرا في ظهور التنظيمات الجهادية التكفيرية التي شبّت الآن عن الطَوق وتعدّدت شراذمها و«مرجعياتها»، غير أن التعاطف الشخصي أو الجماعي عند أفراد، أو حتى عند بعض الأجهزة الحكومية في هذه الدولة أو تلك، لا يكفي لتمكين هذه التنظيمات من فعل ما تفعله اليوم في سوريا والعراق، كي لا نشير إلى اليمن، وأيضا إلى شمال أفريقيا. ذلك لأن عمليات هذه التنظيمات التي تجتاح راهنا المدن والأرياف تحتاج إلى بنى تحتية لوجيستية ضخمة أكبر بكثير مِن تبرّع يأتي من هنا ودعم يَرد من هناك. ثم يجب التذكير بأن ما تدفعه هذه التنظيمات من أجور للمقاتلين الذين يلتحقون بصفوفها يفوق بمراحل ما كان ينفق من مبالغ علنا على تشكيلات عسكرية محترفة كـ«الجيش السوري الحر»، كما أفادت التقارير الواردة من شمال سوريا.
أمرٌ آخر يجب تناوله بجدّيّة هو «مسرح عمليات» هذه التنظيمات. فلقد أمضى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) السنوات الأخيرة مُحاربا «الجيش السوري الحرّ» وباقي فصائل الثائرين على النظام السوري، ولم يستهدف أبدا جيش النظام. وفي المقابل، بينما لم يتردّد نظام دمشق في قصف مدن سوريا وقراها بمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، ومنها ما هو محظور دوليا، فإنه لم يستهدف مناطق تجمّعات أو مراكز إمرة «داعش» ولو مرّة واحدة.
وثمّة ناحية ثالثة لا مَهرب منها، هي أن «داعش» وغيرها من الفصائل المتطرّفة التي ترفع شعارات مشابهة، غدَت عبئا على القضايا التي تزعم أنها تناضل من أجلها. ولقد رأينا بأم العين كيف استخدمها الغرب، ومن خلفه المجتمع الدولي، ذريعة لتبرير خيانته ثورة الشعب السوري السِّلمية وخذلانها. ولا أحسب أنه إذا وُجِد عاقل في قيادات هذه التنظيمات تفوته هذه الحقيقة، ولكن رغم ذلك، تستمر التجاوزات والفظائع، وتستباح الأرواح والأرزاق، ويعصف التهجير المجرم بما كانت مدنا وبلدات عامرة.
اليوم التهجير الحاصل في القوس الجنوبي لمنطقة «الهلال الخصيب» ما عاد تهجيرا عَرَضيا... بل ينمّ عن وجود مؤامرة تتهدّد الوجود السنّي... لا تقل كارثية عن تطهير الأندلس من الوجودين العربي والإسلامي، أو اقتلاع الشعب الفلسطيني وتشريده.
واضحة جدا الغاية من تهجير سكان حمص وحلب والرقّة ودير الزّور والموصل والرمادي والفلوجة وسامراء... أيضا واضحة جدا هويّات أصحاب البصمات. المسألة ليست مصادفة ولا هي حالة عبثية، بل ثمّة استراتيجية - أحسب أنها معدّة على أعلى المستويات في كبريات العواصم العالمية - لإعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأدنى. والقضيّة أكبر بكثير من متطوّعين متحمّسين، أو مغسولي الدماغ، دفعتهم الحميّة أو استنفرهم الغضب ضد العربدة الإيرانية في المنطقة، أو ضاقوا ذرعا بالعجز العربي الطويل عن تحرير القدس.
هذا يفرض على العقلاء في عالمنا العربي أن يتنبهوا إلى الحقائق ولا تأخذهم الأوهام إلى المتاهات. فخيانة الشعب السوري حصلت بشبه إجماع دولي، وتدمير نسيج العراق أيضا تحقق عبر مطابخ السياسة الدولية، والقبول بـ«هلال خصيب» تمسك به إيران... مطلوب دوليا.
في هــــــــــــذا الملف:
حكومة التوافق الفلسطيني في مواجهة عقدة التنمية المستقلة
بقلم: نبيل السهلي عن الحياة اللندنية
كيف تنظر حماس لحكومة المصالحة؟
بقلم: فهد الخيطان عن الغد الأردنية
التوافق الفلسطيني يمهِّد للسلام مع إسرائيل
بقلم:آمال عربيد عن القبس الكويتية
تبويس اللحى لا ينصر قضية عادلة
بقلم: فيصل جلول عن الخليج الاماراتية
الشتات الفلسطيني في ذمة العرب
بقلم: أيمن خالد عن القدس العربي
هل سلمت حماس نفسها لشيطان التفاصيل؟؟
بقلم:عماد زقوت عن رأي اليوم اللندنية
القتل باسم الله: دراما دينية رائجة
بقلم: سعيد القرش عن العرب اللندنية
نهاية العرب؟!
بقلم: اياد ابو شقرا عن الشرق الاوسط
حكومة التوافق الفلسطيني في مواجهة عقدة التنمية المستقلة
بقلم: نبيل السهلي عن الحياة اللندنية
من أهم التحديات التي تواجه حكومة التوافق الفلسطيني التخطيط للتنمية المستقلة في ظل احتلال مديد، وارتفاع وتيرة الاستيطان بغية فرض الأمر الواقع التهويدي. لذلك يرى محللون اقتصاديون أن ثمة مخاوف حقيقية من عدم القدرة على تحقيق التنمية الاقتصادية الفلسطينية في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي.
وتؤكد دراسات أكاديمية بان هناك عدة عوامل تحول دون التنمية، في المقدمة منها سيطرة إسرائيل على أهم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني، حيث تهيمن على نحو 96% من إجمالي التجارة الخارجية الفلسطينية، وبات العجز في الميزان التجاري الفلسطيني عنوان العلاقة القسرية بين الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي. ونتيجة تراجع أداء الاقتصاد الفلسطيني بسبب سياسات الاحتلال الرامية إلى تهميش القطاعات الاقتصادية الفلسطينية المختلفة، اضطر الآلاف من قوة العمل الفلسطينية إلى العمل في الاقتصاد الإسرائيلي.
وما يعيق حكومة التوافق الفلسطيني التي يترأسها رامي الحمدالله، تحكم إسرائيل بعنصر الأرض، حيث تعتبر الأرض الفلسطينية من أهم عناصر الإنتاج لتحقيق تنمية مستقبلية، ولهذا تطرح أسئلة عديدة عن إمكانية التنمية من دون تفكيك معالم الاحتلال الإسرائيلي، ونقصد هنا المستوطنات الإسرائيلية الجاثمة على الأرض الفلسطينية، والتي أقيمت على أهم المناطق الفلسطينية، حيث تحقق أهدافاً إسرائيلية متعددة، وفي المقدمة منها محاولة فرض أمر واقع تهويدي يصعب الانفكاك عنه من جهة، ومنع التواصل الجغرافي الديموغرافي العربي من جهة أخرى. وتبعاً للحقائق الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، فإنه لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية من دون تفكيك معالم الاحتلال وبشكل خاص الاستيطان الإسرائيلي.
واللافت أنه رغم الحديث المتكرر عن مسار للتنمية والمفاوضات، يواجه الفلسطينيون ارتفاعاً ملحوظاً في وتيرة النشاط الاستيطاني في ظل قيادة «الليكود» بزعامة بنيامين نتانياهو لسدة الحكم في إسرائيل، حيث تشير المعطيات إلى ارتفاع عدد المستوطنين في الأراضي الفلسطينية إلى نحو 550 ألف مستوطن إسرائيلي في عام 2014، منهم 350 ألفا يتمركزون في 151 مستوطنة في مناطق جغرافية إستراتيجية في الضفة الغربية، فضلاً عن 200 ألف مستوطن في الجزء الشرقي من مدينة القدس المحتلة، إضافة إلى طوقين من المستوطنات حول المدينة يصل عددها إلى 26 مستوطنة.
ولم تخف المؤسسة الإسرائيلية المخططات الإستراتيجية بشأن القدس، والتي تهدف إلى مصادرة القسم الأكبر من مساحتها وعقاراتها ومحالها التجارية، وجعل العرب أقلية في مدينتهم بحيث لا تتجاوز نسبتهم 12% من سكانها بحلول عام 2020. وتبعاً للحقائق الاستيطانية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، فإنه لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية من دون تفكيك معالم الاحتلال وبشكل خاص الاستيطان الإسرائيلي الذي شكل على الدوام حجر الزاوية لفرض يهودية الدولة عبر تغييب الجغرافيا العربية وخاصة في مدينة القدس.
تشير الدراسات إلى أن السياسات الاقتصادية الإسرائيلية أدت بعد احتلال مديد إلى رزمة من النتائج الكارثية على الاقتصاد الفلسطيني. وعلى الرغم من توقيع اتفاقات أوسلو في أيلول (سبتمبر) 1993 بقيت أهم مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، فبات السوق الفلسطيني ثاني سوق للاقتصاد الإسرائيلي بعد السوق الأميركي، وتتحكم إسرائيل بنحو 96% من إجمالي التجارة الخارجية الفلسطينية بشقيها الصادرات والواردات، والعجز في الميزان التجاري الفلسطيني هو عنوان لعلاقة قسرية مع الاقتصاد الإسرائيلي.
وفي الوقت نفسه وعلى الرغم من الإغلاقات الإسرائيلية المتكررة بوجه قوة العمل الفلسطينية، فإن نحو عشرة آلاف عامل فلسطيني ما زالوا يعملون في الاقتصاد الإسرائيلي حالياً، في مقابل 120 ألف عامل قبل انتفاضة الأقصى عام 2000، الأمر الذي يؤكد تحكم إسرائيل في نسبة كبيرة من الدخل القومي الفلسطيني، وبذلك فإن المجتمع الفلسطيني عرضة لابتزازات سياسية دائمة. وما يزيد الوضع سوءاً سيطرة السلطات الإسرائيلية على نحو 100 مليون دولار شهرياً من الضرائب المفروضة على العمال العرب من الضفة والقطاع الذين يعملون في الاقتصاد الإسرائيلي وعلى حركة التجارة الفلسطينية عبر المعابر الإسرائيلية .
حكومة التوافق الفلسطينية ستواجه تحديات أخرى فرضتها سياسات الاحتلال، التي أدت إلى تراجع أداء كافة القطاعات الاقتصادية الفلسطينية، وظهور أزمات اقتصادية واكبت وتواكب تطور الاقتصاد الفلسطيني، وتشتد وطأتها مع ارتفاع وتيرة الحصار الإسرائيلي والعمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والبنى التحتية للاقتصاد الفلسطيني. وتشير معطيات وتقارير البنك الدولي إلى تفاقم أزمة البطالة لتصل معدلاتها إلى نحو 40% في قطاع غزة و20% في الضفة الغربية، الأمر الذي أدى إلى انتشار الفقر المدقع بين ثلثي الأسر الفلسطينية في المنطقتين.
لمواجهة تحديات التنمية في ظل الاحتلال، لا بد من خطط وطنية فلسطينية بديلة، تأخذ في الاعتبار القدرات الاقتصادية لدى الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. وتبعاً لذلك يجب مشاركة القوة الفلسطينية الصامتة والفعاليات الاقتصادية المختلفة في رسم المستقبل الواعد للدولة الفلسطينية المنشودة، وإعطاء بعد عربي رسمي وشعبي من اجل التخطيط للتنمية، حيث يمتلك العرب مقدرات وطاقات اقتصادية، فالدول العربية تساهم بنحو 30% من إنتاج النفط في العالم سنوياً، وتستأثر في الوقت ذاته بحوالى 60% من احتياطه.
كما تحتم الضرورة العمل على إعادة توطين رأس المال الفلسطيني المهاجر والمقدر بنحو 60 بليون دولار، وهذا سوف يعزز فكرة دعم التنمية المستقلة تدريجياً بعد احتلال مديد، كما تمكن الإفادة من صناديق التمويل العربية، حيث بمقدورها تمويل مشاريع عربية في الأراضي الفلسطينية، وتهيئة الفرص لزيادة التجارة البينية بين الدول العربية والاقتصاد الفلسطيني بعيداً من الابتزاز والضغوط الإسرائيلية والدولية للفلسطينيين. وكذلك لا بد من تحسين أداء القائمين على المال العام الفلسطيني، والقيام بعملية إصلاح حقيقية في إدارة المال الذي هو للشعب الفلسطيني في المقام الأول وليس لأشخاص ومحسوبيات وفصائل بعينها.
ويبقى القول إنه ليس بمقدور حكومة التوافق الفلسطيني التخطيط للتنمية الفلسطينية المستقلة من دون إرادة سياسية صادقة في المقام الأول. بحيث تبدأ بتبني خطاب سياسي حقيقي جامع لجهة تفكيك معالم الاحتلال، من نشاطات استيطانية وسيطرة على مقدرات الشعب الفلسطيني، وهناك قرارات دولية أقرت بعدم شرعية الاستيطان الإسرائيلي وضرورة تفكيك المستوطنات وترحيل المستوطنين وبطلان الأعمال كافة التي قامت بها إسرائيل لتغيير الطابع الجغرافي والديموغرافي وبشكل خاص في مدينة القدس التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمة دولتهم المنشودة، عندئذ يمكن الحديث عن إمكان التخطيط لتنمية فلسطينية مستقلة.
كيف تنظر حماس لحكومة المصالحة؟
بقلم: فهد الخيطان عن الغد الأردنية
من بين الأسباب التي دفعت بحركة حماس إلى السير في طريق المصالحة مع السلطة الفلسطينية، الكلفة المالية الباهظة لحكم قطاع غزة. وفي جلسة حوار مغلقة مع قيادات في حركة حماس، خُصصت لمناقشة دوافع قبول حماس بالمصالحة وتشكيل حكومة توافق وطني، تساءل أحد القادة: "هل سمعتم عن حزب يحكم بلدا ويدفع من ماله لخزينة الدولة؟ نحن كنا ندفع من جيوبنا رواتب ونفقات حكومة القطاع".
لكن حماس التي سعت إلى التخلص من عبء غزة المالي، لم تتوقع أن تمتنع حكومة المصالحة عن دفع رواتب موظفي الحكومة المؤقتة، وجلهم من المحسوبين على الحركة، فتفجرت أول أزمة في وجه الحكومة بعد أقل من أسبوعين على تشكيلها. وتبارى قادة حماس في غزة بكيل الاتهامات لحكومة رامي الحمدالله.
أزمة الرواتب طارئة، لكنها لن تكون الأخيرة في طريق حكومة التوافق. قبل أن تتشكل الحكومة بأيام، حرص زعماء في حماس على التأكيد، في ذات الجلسة المغلقة، بأن الحكومة الجديدة ليست حكومة حماس، "ولسنا مسؤولين عن قراراتها وسياساتها".
حكومة المصالحة في نظر حماس تعبير عن مأزق الخيارات لدى الطرفين؛ الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يعد لديه ما يفعله بعد فشل جهود وزير الخارجية الأميركي جون كيري، فلم يجد أمامه غير السير في طريق المصالحة لملء الفراغ السياسي، حسب تشخيص حماس. وحماس هي الأخرى، وباعتراف بعض قادتها، اصطدمت بالجدار في غزة، ولم تعد تحتمل، أخلاقيا وسياسيا، بقاء أكثر من مليون فلسطيني تحت حصار مزدوج؛ إسرائيلي ومصري، ناهيك عن الحصار السياسي الذي تعيشه الحركة بعد سقوط حكم الإسلاميين في مصر، والحملة الخليجية الشرسة على جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة.
ومن بين الأسباب "المهمة" التي دفعت أبو مازن إلى السير في طريق المصالحة، حسب تقدير قادة في حماس، الصراع المحتدم مع محمد دحلان؛ القيادي المفصول من حركة فتح، والمدعوم من دولة خليجية.
قبل أن تتفجر أزمة الرواتب في غزة، كان اعتقاد حماس أن الأمور في المرحلة الأولى ستسير على نحو حسن، ولن تواجه الحكومة مشاكل تعطل جهود المصالحة، فيما ستظهر المشاكل بقوة وتهدد عملية المصالحة، عندما يقترب الطرفان من الملف الأمني في الضفة الغربية؛ وهنا المعضلة الكبرى في نظر حماس. فالأجهزة الأمنية في الضفة الغربية ركن أساسي في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، وقد وجدت لغاية أساسية هي حماية أمن إسرائيل، ولا يمكن للأخيرة ومن خلفها أميركا أن تسمح لحركة حماس بأن تكون جزءا من المؤسسة الأمنية.
إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية على غرار ما يحصل في قطاع غزة، لن تكون عملية سهلة، وقد تؤدي إلى فشل جهود المصالحة. يضاف إلى ذلك ملف إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية ودخول حماس إلى مؤسساتها، والذي تم التوافق بشأنه في اتفاق القاهرة قبل سنوات. لكن الاتفاق المذكور يخضع لتفسيرات شتى من الطرفين.
يُظهر زعيم حماس خالد مشعل إخلاصا شديدا لفكرة المصالحة، وهو أكثر قادة الحركة احتراما وثقة بمحمود عباس. لكن لا فتح كلها ولا حماس على شاكلة زعيميهما؛ فقد كشفت أزمة صغيرة كأزمة الرواتب أن حكومة المصالحة لا تحظى برعاية قطبي المعادلة الفلسطينية، فما قيمة المصالحة إذن؟
التوافق الفلسطيني يمهِّد للسلام مع إسرائيل
بقلم:آمال عربيد عن القبس الكويتية
• ما تحتاجه الحكومة الفلسطينية الجديدة التعاون الجدي لبناء دولة مستقلة، وبحدود آمنة.
إن إقرار «حماس» بتشكيل حكومة موحدة مع عباس يثبت أن التطرف بكل أشكاله الدينية والسياسية والعسكرية مصيره الفشل، مهما كانت القضية الوطنية التي يناضل من أجلها، وبناء على هذا جاء توافقها مع حكومة عباس ليؤسسا حكومة فلسطينية موحدة وواعدة تتطرق الى مفاوضات السلام من الأبواب الدولية الواسعة التي سارعت بدعم هذا التوافق سياسياً ومالياً (فرنسا وبريطانيا) وبمباركة أميركية حذرة، وسط دعم شعبي فلسطيني للحركتين فتح وحماس لانخراط الأخيرة في العمل السياسي على أن تضع عتادها العسكري تحت سلطة الحكومة فقط، لتضمن لها نظامها الأمني الشامل على كل الأراضي الفلسطينية، ووضعهما دستورا موحدا بعد انقطاع دام لأكثر من سبع سنوات، فتصبح شروط الحكومة أقوى في المفاوضات مع اسرائيل لوقف استيطانها وإعادة أراضي 67، في حال توصلا الى اتفاق بالاعتراف بإسرائيل وحل الدولتين!
بيد أن اسرائيل اعتبرت هذا التوافق بين «حماس» و«فتح» بمنزلة تغلغل إيراني داخل السلطة الفلسطينية عبر «حماس»، لتتحكم بأمور الدولة على غرار «حزب الله» في لبنان وتحكمها بقوة السلاح (إهود يعاري - معهد واشنطن للدراسات)، متناسية اسرائيل أن إسقاط عبدالفتاح السيسي لحكم «الاخوان» في مصر وتنصيبه رئيساً، وإضعاف الدول العربية لقوة المتطرفين الاسلاميين وتهميشهم، وأزمة الحرب السورية، قلّصت شعبية حركة حماس وداعميها وجعلتها تختار درب السلام على الحرب الدموية التي زادت نسبة الدمار والقتل من الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، بل عَزَلت إسرائيل عن العالمين العربي والدولي أكثر لمحاصرتها العسكرية لغزة أمداً طويلاً، فبدل ترحيب اسرائيل بهذا التوافق الفلسطيني كخطوة نحو السلام سعت إلى رفضه وضغطت عبر اللوبي الاسرائيلي داخل الكونغرس على الحكومة الأميركية لتهميشه، كما تحدت القرار الأميركي بإيقاف الاستيطان بزيادة توسعها بحوالي 1500 وحدة سكنية جديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية، عدا معارضتها للدعم الدولي والعربي للتوافق الفلسطيني!
رغم أن أميركا ما زالت تتخذ دور المراقب في المنطقة، فان موافقتها البراغماتية على الحكومة الجامعة بين «حماس» و«فتح» جاءت مشجعة لهما، للمضي في تشكيل حكومة تكنوقراطية، طالما أنها ستلتزم بالقرارات الدولية السابقة واللاحقة!
إن ما تحتاجه الحكومة الفلسطينية الجديدة التعاون الجدي لبناء دولة فلسطينية مستقلة وبحدود آمنة، بمشاركة شعبية متساوية من سكان الضفة الغربية وغزة لإجراء انتخابات وطنية حرة تضع أسسا عادلة في الحكم لتمنع أي إملاء خارجي دولي وعربي أو إيراني قد يوجهها نحو العنف، لمواجهة التحديات الإسرائيلية الصعبة التي تعرقل المفاوضات نحو السلام الحقيقي، متمنين نجاح صلوات البابا فرنسيس نحو السلام بعد قدرته على الجمع بين الرئيسين الفلسطيني والاسرائيلي في الفاتيكان، علّهما ينهيان صراعاً دام لأكثر من ستة عقود؟!
تبويس اللحى لا ينصر قضية عادلة
بقلم: فيصل جلول عن الخليج الاماراتية
لا يمكن للتعبير العامي الدارج "تبويس اللحى" أن يلتصق بشيء ويتناسب معه تماماً كتناسبه مع لقاء الفاتيكان الذي تم مؤخراً بين البابا فرنسيس الأول، والرئيسين الصهيوني شيمون بيريز، والفلسطيني محمود عباس . ذلك أن الصلاة المشتركة لممثلين مفترضين للأديان السماوية الثلاثة هي أقرب إلى "تبويس اللحى" منها لجلب السلام إلى الفلسطينيين، وهي لن تطرد الاحتلال "الإسرائيلي" عن أراضيهم، ولن توقف عمليات القصف الجوي لمواقعهم، ولن تضع حداً لاستيطان ممتلكاتهم، ولن توقف الهجرة اليهودية، ولن تعيد الأموال الفلسطينية المصادرة جزئياً للسلطة الفلسطينية، ولن تبلسم جراح الأسرى الفلسطينيين . ومن البديهي أنها لن تعيد اللاجئين إلى قراهم ومدنهم، ولن تأتي للشعب الفلسطيني بدولة حرة ومستقلة . وما دامت هذه الصلاة لن ترجع أياً من الحقوق الفلسطينية فلماذا قبلها محمود عباس، ولماذا قبل بالترويج لها بل ما الذي يكسبه من الوقوف جنباً إلى جنب مع سفاح شعبه الذي يتصرف كالحمل بعد أن شبع وهو في الثمانين قتلاً بالفلسطينيين وتحطيماً لأرزاقهم ومصاردة لأرضهم، بل تزويد بلاده بالسلاح النووي الذي يعد الفلسطينيين والعرب بالفناء؟
قبل الإجابة عن السؤال لا بد من العودة قليلاً إلى الوراء، وبالتحديد إلى انتخاب البابا فرنسيس الأول قبل عامين بابا للفاتيكان، وهو الأول من خارج القارة الأوروبية منذ أكثر من ألف عام، وقد اختير في جلسة عدت الأقصر في انتخاب البابوات قاطبة، وقيل إن اختياره ناجم عن رغبة الكنيسة الكاثوليكية في لعب دور أكبر في القضايا السياسية، وتشجيع الحوار بين الحضارات والأديان، والالتفات أكثر إلى قضايا الفقراء والمهمشين، وقد عرف عنه، وهو الأرجنتيني الأصل، تعاطفه مع الحركات الشعبية في بلاده وفي العالم، ولعله اختار اسم فرنسيس الأول تيمناً بفرانسوا الاسيزي الذي كان مميزاً في هذا الحقل في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية .
اللافت في هذا الصدد هو اهتمام البابا بفلسطين، والضغط على البطريرك الماروني اللبناني بشارة الراعي لمرافقته في زيارته للأرض المحتلة، وهي الزيارة الأولى التي يقوم بها بطريرك الموارنة إلى فلسطين منذ تأسيس الكيان الصهيوني، ما يعني أن الكنيسة الكاثوليكية تريد لعب دور ما في القضية الفلسطينية، وأن تخطو خطوات أكبر في عهد فرنسيس الأول . ولعل هذا ما يفسر ذلك الضجيج غير المسبوق في وسائل الإعلام العالمية لزيارته الأخيرة لفلسطين وللكيان الصهيوني . ويفسر أيضاً إصراره على دعوة الطرفين "الإسرائيلي" والفلسطيني إلى الفاتيكان لإقامة صلاة السلام بواسطة ممثلين عن الأديان الثلاثة المسيحية واليهودية والمسلمة .
لكن المؤسف في هذه المبادرة هو تقديم الكنيسة الكاثوليكية بوصفها طرفاً محايداً في الصراع، أو في أحسن الأحوال طرفاً غير متضرر عبر رعاياها من الاحتلال، علماً بأن الصهاينة صادروا أراضي المسيحيين، كما المسلمين في فلسطين، وتسببوا بأضرار إنسانية لا تعوض بالنسبة للجميع، وليس للمسلمين وحدهم، وبالتالي لم يتركوا للمسيحيين خيار الحياد أو الكف عن النضال جنباً إلى جنب مع مواطنيهم المسلمين . والواضح أن البابوات الذين سبقوا فرنسيس ما كان بوسعهم كأوروبيين أن يبادروا إلى مثل هذا التحول، وبخاصة البابا السابق الذي خاض معركة فلسفية مع الإسلام في بداية عهده .
إن المدقق في عبارات شيمون بيريز في حفل "تبويس اللحى"، هذا لا يمكنه إلا أن يصاب بالذهول، فقد أشار إلى السلام "بين متساويين"، وعن "واجبنا المقدس في نقل السلام إلى أبنائنا" . لنتخيل لثوان معنى هذا الكلام الصهيوني . هل يتساوى المحتل مع الذين احتلت أرضهم . هل يتساوى مع ضحاياه؟ كيف يمكن لهذا النفاق أن يمر بوصفه قيمة أخلاقية يدافع عنها هذا القاتل الذي يفتخر بأنه جلب السلاح النووي لكيانه . هذا القاتل الذي تشهد جرائمه الكثيرة على ماضيه الدموي وآخرها مجزرة قانا عام 1996 . هل يتساوى بيريز مع ضحاياه في قانا وفي غزة وفي كل فلسطين؟ يجب أن يكون المرء غبياً أو متعامياً حتى ينطلي عليه منافق من هذا النوع .
أما البابا فرنسيس الأول فقد شدد على قبول التفاوض وعدم رفضه، وإلى احترام الاتفاقات الموقعة، وإلى الكف عن الحملات التي تدعو إلى العنف والسلاح "الذي ينبغي نزعه من اللسان واليدين" على حد تعبيره . يفصح هذا الكلام عن رغبة بابوية صريحة بالحياد بين الطرفين، وهذا حق للكنيسة الكاثوليكية ولكل الأطراف الراغبة بالحياد، وإن كان ذلك ينطوي على ظلم للشعب الفلسطيني المضطهد والمجرد من أرضه ومصيره، لكن الأخطر في هذا الكلام أنه يساوي في الحديث عن رفض التفاوض بين الطرفين، علماً أن استراتيجية محمود عباس منذ تسلمه السلطة في رام الله هي التفاوض ولا شيء غير التفاوض، فكيف يتساوى مع نتنياهو المتعجرف الذي يريد تفاوضاً للتفاوض ولكسب الوقت وليس لتوقيع "سلام الشجعان" العزيز على قلب الراحل ياسر عرفات . تبقى الإشارة إلى فك طوق العزلة الدولية عن "إسرائيل" عبر مبادرة الصلاة المشتركة، فمن المعروف أن أحداً لا يستقبل مبعوثي الحكومة "الإسرائيلية" في العالم بسبب إصرارها على الاستيطان وعدم جديتها في التفاوض وتحقيق السلام مع الفلسطينيين، وإذ يبادر البابا إلى منحها فرصة لفك طوق العزلة، فإنه بالمقابل لا يقدم خدمة جليلة للفلسطينيين الذي هم بأمسّ الحاجة لاستعادة أرضهم، وليس لصلاة تساوي بين الضحية والجلاد .
تبقى كلمة محمود عباس التي دعا فيها الله أن يحمل الرخاء لشعبه، وأن يزين مستقبله بوعود الحرية والدولة السيدة والمستقلة .
الشيء الوحيد الذي يمكن الجزم به هو أن عباس خرج من المولد البابوي بلا حمص، لأن حقوق الشعوب لا تمنح عبر "تبويس اللحى"، بل تؤخذ عنوة ممن اغتصبها، وكل كلام آخر لا يعول عليه .
الشتات الفلسطيني في ذمة العرب
بقلم: أيمن خالد عن القدس العربي
الحدث الفلسطيني الأبرز هذه الأيام يتمثل في حالة الرحيل والهجرة الجماعية، التي لم تحدث من قبل في تاريخ الشتات الفلسطيني، خصوصا مع بدء زوال ظاهرة المخيم بشكل فعلي، وبالطبع لم يكن البديل عربياً، فالعرب حظروا في غالبيتهم دخول الفلسطينيين الى اراضيهم، ليدرك الفلسطيني ان قصة بلاد العرب اوطاني كانت محض خيال شاعر فحسب. وتتمة القصة لا تكمن في تفسير المشهد وتحديد جغرافيا المعاناة والألم التي ألزمت الفلسطينيين بهذا الرحيل المر، ولكن بحالة الصمت الموجودة لدى كافة القوى والفصائل الفلسطينية، والصمت الذي نعنيه، أن أحداً لا يجرؤ على توصيف المشهد كما هو، أو التعامل معه بما يجب، فأهل غزة يشكون من سنوات الحصار، وسكان مخيم اليرموك يدعون ربهم قائلين «اللهم ارزقنا حصاراً مثل حصار غزة»، وأهل الضفة يشكون من الجدار العازل والفلسطينيون في شتاتهم، يدخلون في مقارنات تبكي القلوب، ويصعب توصيفها حتى نتمكن من تمرير الحروف بين الكلمات الضائعة.
لأول مرة في التاريخ، تتحقق نبوءة عجيبة، فاليهود يهاجرون من كل الدنيا الى فلسطين، والفلسطينيون أصحاب الوطن يساعدهم العرب بطرق شتى للرحيل إلى كل الدنيا، ولكن بميزان حكم ظالم، فهي مساعدة تختلط بالدم والموت، والجثث الطافية في بحر المتوسط، معاملة لا تليق بأي كائن بشري، فنحن اليوم تتبدل أزمتنا ومعاناتنا كفلسطينيين، ففي المخيمات، كان عنوان الأزمة واضحاً، وهو أن هناك مسؤولية اسرائيلية بحق اللاجئين الفلسطينيين، وفي زوال المخيمات، تحولت قضيتنا، كفلسطينيين، الى مواجهة مباشرة مع العرب، هي مواجهة غير متكافئة بتاتاً، فليس هناك كيانية يمكننا التشبث فيها أو الدفاع عنها، وكل ما نملكه عملياً هو تلك البيوت المنهكة، التي حاولنا ان نصنع منها مكاناً يوحي بآدميتنا، وظل العرب يحاولون تحويل المخيم الى غيتو، على شاكلة الغيتو اليهودي، لأن عزلة الفلسطينيين كانت تعني زوال قضيتهم، ولأن الفلسطينيين اندمجوا مع العرب، أصبحت فكرة جواز السفر وحمل الجنسية العربية من قبل الفلسطينيين مرفوضة عربيا ودوليا، لأن الوباء الفلسطيني يجب أن يزول، لذلك يعيش الفلسطيني سبعين عاما في دولة عربية ولا يحق له حمل جواز السفر الخاص بها، لأن مشكلة الفلسطيني أنه لم يرتبط بالجغرافيا العربية وينسى بلاده، وهو سر الأزمة بين النظام الرسمي العربي والفلسطينيين، باعتبار أن الوجود الفلسطيني في الجغرافيا العربية يربط الجغرافيا العربية بفلسطين، وهو جوهر الأزمة الحالية.
ليس المطلوب منا أن نحمل جنسية عربية، وليس المطلوب منا ان نبقي ظاهرة المخيم كما هي، ولكن المطلوب خلال السنوات القادمة، يتمثل بمغادرة الفلسطيني للجغرافيا العربية، والاكتفاء بأعداد محدودة من الفلسطينيين، وكلنا يعلم أن مخيم الازرق، بُني خصيصا لاستيعاب الظاهرة الفلسطينية المتبقية فحسب.
اليوم هناك تغيير كبير في قوانين الصراع بين الفلسطينيين واسرائيل، فالمواجهة أصبحت فلسطينية عربية وتجري بمباركة أو صمت فلسطيني، فالضفة وغزة لا تملكان غير الصمت لبقاء المال العربي يعمل على تسكين الجراح الداخلية، في ظل غياب قيادة جريئة تملك القدرة على اتخاذ قرار صائب، يحمي بالحدود الدنيا الشتات الفلسطيني الذي يواجه حالة تغييب كامل، وهذا يعني انهاء قصة حق العودة، بتقليص الشتات الفلسطيني الى الحدود الدنيا، التي يغيب فيها هذا الشتات من المشهد السياسي، وتصبح قصة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، هي قصة مساعدات انسانية لعائلات منكوبة، هذه هي ذاتها العائلات التي أطلقت الثورة ذات يوم، والتي كانت الى وقت قريب خزان هذه الثورة، هي ذاتها التي تحولت قضيتها الى الحصول على معونة محدودة تضمن قليلا من رمق الحياة.
هل يدرك القادة الفلسطينيون أنهم يساهمون بإنهاء ظاهرة المخيم والشتات بصمتهم، كما ساهمت من قبلهم النخب الفلسطينية بضياع فلسطين قبل النكبة، وهل يدرك القادة أنهم يتخلون عن فلسطينيي الشتات، لأجل الحفاظ على كيانية صغيرة في غزة والضفة، وأن هذا بحد ذاته كارثة التاريخ للأمة كلها، فجريمة الاستيطان، وحتى هدم المسجد الأقصى وفق العرف الاسلامي ليس أكثر أهمية من قوارب الموت، فأي فلسطين نريد لشعب نلقي به في البحر ونحن نتفرج، ومن حق العالم بالطبع أن يكون متفرجاً آثما.
اليوم يعيش الشتات الفلسطيني فصول النكبة الثانية، وهي أكبر نكبة يتعرض لها شعب، ولا يجد دولة عربية واحدة تحتضن جراحه. أما الفلسطينيون في الوطن المحتل، فهم يعيشون فرح انتخاب وزارة جديدة، ومشاركة في الأولمبياد، واحتفالات موسمية، وتفاصيل صغيرة في جرح كبير، فهل على الشتات الفلسطيني أن يفكر منعزلاً عن الساسة الفلسطينيين، ببناء وكالة تضمن ترحيل الفلسطينيين الى أي بلد مضيف، بشكل آمن، بدلاً من مغامرات الموت، واذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد أُنشئت لتحرير فلسطين، فقد اكتفى السادة بما حرروا، وعلينا أن نبني مؤسسة تحمي هؤلاء العالقين بين الارض والسماء، وليس لهم كوكب، واكتشفوا بعد عمر طويل، أن كل انتماءاتهم السياسية كانت من ورق، وأنهم الان فقط يحلمون بالحياة، والحياة فقط في أرض تكون.
هل سلمت حماس نفسها لشيطان التفاصيل؟؟
بقلم:عماد زقوت عن رأي اليوم اللندنية
رفضت حركة فتح تسليم مقاليد السلطة لحركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية وتشكيلها الحكومة عام 2006، وبل تمردت فتح على الحكومة، وافتعلت العديد من المشاكل والأزمات، ورفضت الأجهزة الأمنية الاحتكام لأوامر وزير الداخلية سعيد صيام، وبالتالي حاولت حركة فتح الانقلاب على صناديق الاقتراع التي شهد لها العالم.
وبدأت حينها جولات الحوار الفلسطيني في القاهرة ومكة، لكن أطرافاً متنفذة داخل حركة فتح أصرتعلى عدم تسليم الحكومة لحركة حماس وهددت (بالخمسة بلدي) وازدادت وتيرة الحوارات بعد حسم حركة حماس الأمور في قطاع غزة، وحدوث الانقسام الذي كان سببه الأساس تعنت حركة فتح، ورفضها لنتائج الانتخابات التشريعية، وانتهى قطار الحوارات والاتفاقيات في غزة وتحديداً مخيم الشاطئ، وتم التوقيع على المصالحة الوطنية وتبعها تشكيل حكومة توافق برئاسة د. رامي الحمد الله، والتي من أولى مهامها توحيد مؤسسات الشعب الفلسطيني، وتحقيق المصالحة المجتمعية، ولكن للأسف فشلت في أولى اختباراتها عندما رفضت صرف رواتب موظفي حكومة غزة السابقة، وبدأت تماطل في هذا الملف، حتى أوجدت انقساماً جديداً، وشرخاً كبيراً داخل المجتمع الفلسطيني، بين موظفين تم تشغيلهم بعد الانقسام بأوامر حكومة غزة، وموظفين تم تشغيلهم على مدار سنوات من قبل حكومات السلطة، والذين استنكفوا عن العمل بأوامر من الرئيس محمود عباس، ولكن ماذا بعد؟ وهل حركة حماس سلمت نفسها لشيطان التفاصيل، وفشلت في تقدير موقف ونية حركة فتح، التي أرادت فقط استلام مفاتيح الحكومة، وإشغال حركة حماس بملفات جديدة، والواضح أن أطرافاً بعينهاتريد إشغال حركة حماس عن العمل الجهادي،والقضايا الوطنية الكبيرة، كالأسرى،وخاصة المضربين عن الطعام، والقدس، واللاجئين، وذلك عبرادخالها في دوامة ملفات داخلية، كرواتب الموظفين، والهيكليات الإدارية، واللجان الادارية، والمالية، وهل سيقرر الرئيس تفعيل المجلس التشريعي أم لا، وهل سيدعو الإطار القيادي للاجتماع أم لا.. وكل ذلك يبقينا في “خلاط” الانقسام ولكن بحلته الجديدة.
ولكن نقول كمراقبين حذار من ذلك، لأن حركة حماس قد تلجأ إلى قلب الطاولة، وتوجيه صواريخها تجاه العدو الصهيوني، وربما نصحو على خبر أسر جندي صهيوني جديد، خاصة أن قضية الأسرى تشكل ضاغطاً كبيراً على قيادة حركة حماس، والتي هددت مراراً بأن الحل الوحيد للإفراج عن الأسرى هو سياسة خطف الجنود.
وفي هذا الإطار نشير إلى أن العدو الصهيوني يلعب بشكل واضح في ملف الانقسام الفلسطيني، ودائما يضع أمام حركة فتح والسلطة (فزاعة) أن حركة حماس ستسيطر على الضفة الغربية قريباً، وللأسف هذه الأقاويل تجد آذاناً صاغية عند حركة فتح، والتي تتخذها ذريعة في الهجوم على حماس، ومنع أي تحركات ونشاطات لها، وفي المقابل حركة حماس ترتاح ربما لتلك المعلومات التي يتحدث بها أركان العدو الصهيوني وعلى رأسهم نتنياهو، ويشعرها بأنها قوية في الضفة، ويكون دافعا لها في الكشف عن بعض أوراقها.
وبناءً عليه نقول لصناع القرار الفلسطيني لا تلجأوا للروايات الصهيونية، ولا تنصتوا لها،لأنها تحتوي الكثير من السم إلى جانب بعض العسل، وندعو أيضاً حركة فتح والاحتلال وبعض الأطراف العربية والدولية لا تضغطوا على حركة حماس، لأنكم تدفعونها إلى الانفجار في وجوهكم فانتبهوا..
القتل باسم الله: دراما دينية رائجة
بقلم: سعيد القرش عن العرب اللندنية
ليس من المروءة التطاول على ميّت أو سجين قليل الحيلة، ولكن من الواجب مراجعة أي فكر، لحيّ أو ميت أو سجين؛ فالأفكار أعمق أثرا وأطول عمرا من أصحابها، روح عابرة للأجيال، تلهم وأحيانا تقتل، وما أكثر القتل الفردي والجماعي باسم الله، في كثير من العصور وعلى أيدي أتباع كل دين. باسم الله وتحت راية الكتاب المقدس أُبيد الملايين وسُرق تاريخهم، حتى اسمهم نفسه تغير وأصبحوا «الهنود الحمر»، ولم يكونوا هنودا ولا حمرا، ولكن المنتصر كتب التاريخ، وأصبحت بلادهم تحمل اسما آخر.. أميركا.
تشغلني الدراما في مراجعتي لتاريخ الأفكار والشعوب والرجال. كان حسني مبارك بليدا رتيبا تخلو حياته من الدراما، أما محمد مرسي فأقرب إلى أبطال التراجيديا، ساقته الأقدار من حيث لا يدري إلى مصير ليس مسؤولا عنه، ولم يخطط له.
باستثناءات قليلة، تراجعت التراجيديا مع نشوء الدولة الحديثة بمؤسساتها المعقدة، ربما مثلما أصبح الاختراع عملا مؤسسيا لفريق بحثي، لا إلهاما شخصيا، بعد تفكير في دلالة “سقوط” تفاحة فوق رأس نيوتن.
ستظل التراجيديا مجرد استثناءات؛ بعد أن كان البطل التراجيدي رسول القدر لإنقاذ أمة متحديا قدرا آخر. وقد خرج مرسي من صفحات التراجيديا، ومن أزمنة العشائر. أخّرته الأقدار، ثم قذفت به إلى عصر “الدولة”، فارق توقيت حضاري لم يدركه ابن تنظيم سري ينتمي إلى ما قبل “الدولة”، ولا يؤمن بأن الوطنية لا تكتمل إلا بإيمان المواطن بالدولة، بشرا وجغرافيا وفلسفة ومصيرا، وهذا يتعارض مع عقيدة “إسلامجي” ينشأ على أن الجماعة هي الدين، وأنه بالإخلاص للتنظيم يكتمل إسلام المسلم. لا يجتمع خيال مع بيعة، فكرة البيعة نفسها تهين العقل، ومن أركانها «السمع والطاعة والثقة في القيادة». هنا لا وجود لمفهوم «الدولة».
يقول محمود الصباغ عضو التنظيم الخاص للإخوان، في كتابه «حقيقة التنظيم الخاص»، إن من نصوص لائحة التنظيم: «أية خيانة، أو إفشاء سر بحسن قصد، أو بسوء قصد، يعرض صاحبه للإعدام وإخلاء سبيل الجماعة منه، مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل، واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة».
«التنظيم الخاص، «الجهاز السري»، ميليشيا أسسها حسن البنا، ولم تستهدف بالقتل إلا مصريين. وتنص لائحة التنظيم على «إعدام» من يتهم بالخيانة أو إفشاء أسرار ولو بحسن نية. لا فرصة للدفاع عن النفس ولا نقض لحكم. يقول علي عشماوي العضو البارز في التنظيم، في كتابه «التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين» إن البنا كان «يعتبر أفراد النظام الخاص هم التعداد الحقيقي للإخوان المسلمين»، وبعد ثورة 1952 رأى الإخوان «كيف أنهم- أي رجال الثورة- بدأوا يخرجون على السمع والطاعة وأنهم حنثوا بوعدهم وخانوا بيعتهم».
أتوقف عند واقعتي قتل باسم الله، بينهما عشرات السنين وآلاف الأميال. الضحية ليس عدوا لله، بل كان يمكن أن توكل إليه مهمة قتل زميل في التنظيم نفسه، وباسم الله أيضا.
الواقعة الأولى بطلها المهندس سيد فايز مسؤول النظام الخاص عن مدينة القاهرة، “وقد تخصص في صناعة المفرقعات.. وكان أحد المخازن الرئيسية لإخوان القاهرة لحفظ الأسلحة والوثائق المهمة” على حد قول علي عشماوي. ويسجل الموقع الإلكتروني الرسمي للإخوان أنه قتل يوم الخميس 20 نوفمبر 1953، “بواسطة صندوق من الديناميت وصل إلى منزله على أنه هدية من الحلوى بمناسبة المولد النبوي، وقد قتل معه بسبب الحادث شقيقه الصغير البالغ من العمر تسع سنوات وطفلة صغيرة كانت تسير تحت الشرفة التي انهارت نتيجة الانفجار”.
قتل فايز على يد تنظيم سري هو أبرز أعضائه، مجرد خلاف إخواني/ إخواني بين الحرس الجديد للجهاز بقيادة يوسف طلعت، والحرس القديم بقيادة مؤسس الميليشيا عبد الرحمن السندي الذي رفض الإقالة. لا يستقر الموقع الإلكتروني للإخوان على مصطلح لما جرى، يتراوح الوصف بين “اغتيال”، و”استشهاد”، و”قتل”. شيعت جنازة فايز في اليوم الثاني، الجمعة 21 نوفمبر، وفي اليوم الثالث قرر مكتب الإرشاد فصل أربعة من قادة التنظيم الخاص (عبد الرحمن السندي وأحمد عادل كمال ومحمود الصباغ وأحمد زكي).
لم يتضمن قرار الفصل إدانة لهم بالتورط في الجريمة، ولكن محمود عبد الحليم في كتابه “الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ” يتهم السندي بالتخلص من سيد فايز “بأسلوب فقد فيه دينه وإنسانيته ورجولته وعقله.. وقد ثبت ثبوتا قاطعا أن هذه الجريمة الأثيمة الغادرة، كانت بتدبير هذا الرئيس.. وقد قامت مجموعة من كبار المسؤولين في هذا النظام بتقصي الأمور في شأن هذه الجريمة، وأخذوا في تضييق الخناق حول هذا الرئيس حتى صدر منه اعتراف ضمني”. في حين ينفي أحمد عادل كمال في كتابه “النقط فوق الحروف” تورط السندي في الجريمة.
أما الواقعة الثانية فهي العثور على مصطفى شلبي، بمسكنه في بروكلين (مارس 1991)، مقتولا بعدة طعنات نافذة ورصاصة في الرأس.
كان شلبي مقاول الكهرباء المصري ممثلا لعبد الله عزام في أميركا، وأسس في منتصف الثمانينات مركزا للجهاد في شارع أتلانتيك في بروكلين، لمساعدة المقاتلين في أفغانستان، ولكن الشيخ عمر عبد الرحمن، بعد أن سهلت له أميركا دخول أراضيها عام 1990، سعى “لتأسيس وإحكام السيطرة على مركز للقوة في الولايات المتحدة. رعى شلبي الشيخ منذ وصوله فأسس له شقة وأعطاه سيارة وسائقا وتليفونا. وجمع الرجلان أموالا كثيرة وجندا الشباب من المناطق المجاورة”، كما تروي الأميركية ماري آن ويفر في كتابها “صورة لمصر.. رحلة في عالم الجماعات الإسلامية المتشددة”. لم تدم صداقة الرجلين، فاختلفا بعد اتهام مسؤولين بمسجد الفاروق في بروكلين لشلبي باختلاس نحو مليوني دولار.
ظلت الجريمة لغزا غامضا، وتقول ماري آن ويفر إن الشيخ عمر يرفض دائما مناقشة علاقته بشلبي أو مقتله، بل قال: “أنا لا أعرف هذا الرجل”، وقال صديق مشترك بين القتيل والشيخ إنهما اختلفا بشأن السيطرة على تمويلات الجهاد والمقاتلين. ماري آن ويفر سألت سودانيا في مكتب الجهاد، عرف نفسه باسم “جلال”، عما أفسد صداقة الشيخ والقتيل، فأجاب: “لا تعليق”. سألته أيضا عن استمرار فتح المكتب، رغم انتهاء الحرب في أفغانستان، فقال: “البوسنة، العالم الإسلامي واحد، وأينما يكون هناك صراع فنحن جاهزون للقتال”.
الآن، أتساءل: أي جهاد في هذا الوحل؟
نهاية العرب؟!
بقلم: اياد ابو شقرا عن الشرق الاوسط
تردّدت كثيرا قبل اختيار هذا العنوان الدرامي، ربما لأنني أرجو أن أكون مخطئا، أو لأنني لا أودّ أن أبدو وكأنني أقلّد فرانسيس فوكوياما عندما وضع كتابه عن «نهاية التاريخ»... وأجرى فيما بعد مراجعات جوهريّة على مقولته.
كائنا ما كان السبب، أزعم أننا اليوم ندفن الهويّة العربيّة، سواء بعد وفاتها... أو نئدها حيّة قبل أن تموت.
هذا ما يحدث فعلا عندما تسقط الموصل «أم الربيعين»، إحدى حواضر العروبة والإسلام، أمام غزو تنظيم مسلح لا علاقة له لا بالعروبة ولا بالإسلام، وتتهدّد دير الزور والرّمادي والفلوجة والحسكة، بعد سقوط الرقّة - رقّة هارون الرشيد - قبل أشهر.
وهذا ما يحدث عندما يدمّر جيش عربي اللسان والشعارات، كان يزعم أنه «حامي الديار»، مدعوما بميليشيات طائفية مذهبية إمرتها خارج العالم العربي، مدنا من أعرق مدن الحضارة البشرية مثل حلب وحمص.
وهذا ما يحدث عندما يغدو القرار السياسي الفعلي في كل من العراق وسوريا ولبنان في أيدي غير العرب... وعندما ينهار اليمن بين «مطرقة» الحوثيين الإيرانية الزاحفة على صنعاء و«سندان» زمَر «القاعدة» المنتشرة في مناطق الجنوب بجانب وجود لإيران.
وهذا ما يحدث عندما تغدو فلسطين نِسيا مَنسيا و«أشلاء أرض» يقضمها غول الاستيطان الاحتلالي بانتظام... ويمزّق وحدتها الوطنية الصراع الداخلي المغذّى خارجيا، وتغيب «نكبتها» عن أولويّات عالم عربي ثقلت عليه همومه، وتكاثرت عليه «نكبات» كل مكوّن من مكوّناته. بل عندما تتراجع محوَرية فلسطين لأن بعض الفلسطينيين توهّموا ذات يوم أن لا معاناة إنسانية أخرى عند إخوتهم تستحق التعاطف معها، بل لا بأس من مسايرة طغاة العرب إذا كانت شعاراتهم الكاذبة تدّعي «التحرير» و«النضال» و«الممانعة» و«المقاومة».
وهذا ما يحدث عندما ينحرف بعض أدعياء الدين الحنيف، فيكفّرون كل من يخالفهم ذات اليمين وذات اليسار، فيشوّهون جوهره، ويسيئون إلى مكانته، ويحطّون من قدره، ويستعدُون عليه وعلى المسلمين القاصي والداني من قوى العالم الفاعلة... ومن ثم يتحوّلون إلى «حاضنة» لأسوأ أشكال التطرّف الحَرَكي الدموي المجنون، فيخدمون مشاريع المتآمرين على شعوبنا وأوطاننا وهويتنا ومصائرنا.
كالعادة، كثيرون يطرحون في مثل هذه الأيام المظلمة «نظرية المؤامرة»، إلا أنني أومن بضرورة إجادة قراءة التاريخ أولا. فنحن، كعرب، ما زلنا نجهل قراءة التاريخ، وبالتالي، لا غرابة والحال كهذه ألا نتّعظ منه ونستخلص الدروس الواجب استخلاصها.
لقد كان طبيعيا أن يُنتِج حكم الطغيان ومصادرة الحرّيّات على مرّ العقود سخطا شعبيا تطوّر لاحقا إلى أحقاد تيسّر لها رُعاة في الخارج استغلوها لترويج مصالحهم. كذلك، كان من الطبيعي في غياب الحياة الحزبية السليمة في دول ادّعت أنها جمهوريات ثوريّة طالما تشدّقت بالديمقراطية الجماهيرية أن يتكوّن نفور إزاء كل ما يرمز لمقولات أنظمتها وممارساتها. وهنا أقول إنه لا أحد أساء إلى فكرة الوحدة العربية مثل أولئك الذين تاجروا بها، ولا أحد أساء إلى الاشتراكية كالذين جمعوا، ومحاسيبهم وأزلامهم و«شبّيحتهم»، ثروات نهبوها من ثمرة كدّ الشعب وخيرات أراضيه، ولا أحد أساء إلى حلم «تحرير» فلسطين وغيرها من الأراضي المحتلة بقدر إساءة من ساوم على كل شيء... وفي النهاية جعل أرضه مستعمرات للغير.
سقوط خيار العروبة بعد سقوط حالة الصراع الطبقي، وفي ظل انعدام حرية الرأي والتجمّع والتنظيم ما حال دون نشوء مؤسّسات حزبية ونقابية جدّيّة، أسهم في الهروب نحو الملاذ الديني والمذهبي. وهنا، جاء دور القوى غير المَرئية التي استثمرت هذه الظاهرة، وتفنّنت في تظهيرها وتدويرها تحت تسميات مختلفة، ودرجات متفاوتة من المزايدة في التطرّف.
نعم، وجود حواضن سياسية آيديولوجية وثيولوجية أسهم إسهاما كبيرا في ظهور التنظيمات الجهادية التكفيرية التي شبّت الآن عن الطَوق وتعدّدت شراذمها و«مرجعياتها»، غير أن التعاطف الشخصي أو الجماعي عند أفراد، أو حتى عند بعض الأجهزة الحكومية في هذه الدولة أو تلك، لا يكفي لتمكين هذه التنظيمات من فعل ما تفعله اليوم في سوريا والعراق، كي لا نشير إلى اليمن، وأيضا إلى شمال أفريقيا. ذلك لأن عمليات هذه التنظيمات التي تجتاح راهنا المدن والأرياف تحتاج إلى بنى تحتية لوجيستية ضخمة أكبر بكثير مِن تبرّع يأتي من هنا ودعم يَرد من هناك. ثم يجب التذكير بأن ما تدفعه هذه التنظيمات من أجور للمقاتلين الذين يلتحقون بصفوفها يفوق بمراحل ما كان ينفق من مبالغ علنا على تشكيلات عسكرية محترفة كـ«الجيش السوري الحر»، كما أفادت التقارير الواردة من شمال سوريا.
أمرٌ آخر يجب تناوله بجدّيّة هو «مسرح عمليات» هذه التنظيمات. فلقد أمضى تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) السنوات الأخيرة مُحاربا «الجيش السوري الحرّ» وباقي فصائل الثائرين على النظام السوري، ولم يستهدف أبدا جيش النظام. وفي المقابل، بينما لم يتردّد نظام دمشق في قصف مدن سوريا وقراها بمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، ومنها ما هو محظور دوليا، فإنه لم يستهدف مناطق تجمّعات أو مراكز إمرة «داعش» ولو مرّة واحدة.
وثمّة ناحية ثالثة لا مَهرب منها، هي أن «داعش» وغيرها من الفصائل المتطرّفة التي ترفع شعارات مشابهة، غدَت عبئا على القضايا التي تزعم أنها تناضل من أجلها. ولقد رأينا بأم العين كيف استخدمها الغرب، ومن خلفه المجتمع الدولي، ذريعة لتبرير خيانته ثورة الشعب السوري السِّلمية وخذلانها. ولا أحسب أنه إذا وُجِد عاقل في قيادات هذه التنظيمات تفوته هذه الحقيقة، ولكن رغم ذلك، تستمر التجاوزات والفظائع، وتستباح الأرواح والأرزاق، ويعصف التهجير المجرم بما كانت مدنا وبلدات عامرة.
اليوم التهجير الحاصل في القوس الجنوبي لمنطقة «الهلال الخصيب» ما عاد تهجيرا عَرَضيا... بل ينمّ عن وجود مؤامرة تتهدّد الوجود السنّي... لا تقل كارثية عن تطهير الأندلس من الوجودين العربي والإسلامي، أو اقتلاع الشعب الفلسطيني وتشريده.
واضحة جدا الغاية من تهجير سكان حمص وحلب والرقّة ودير الزّور والموصل والرمادي والفلوجة وسامراء... أيضا واضحة جدا هويّات أصحاب البصمات. المسألة ليست مصادفة ولا هي حالة عبثية، بل ثمّة استراتيجية - أحسب أنها معدّة على أعلى المستويات في كبريات العواصم العالمية - لإعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأدنى. والقضيّة أكبر بكثير من متطوّعين متحمّسين، أو مغسولي الدماغ، دفعتهم الحميّة أو استنفرهم الغضب ضد العربدة الإيرانية في المنطقة، أو ضاقوا ذرعا بالعجز العربي الطويل عن تحرير القدس.
هذا يفرض على العقلاء في عالمنا العربي أن يتنبهوا إلى الحقائق ولا تأخذهم الأوهام إلى المتاهات. فخيانة الشعب السوري حصلت بشبه إجماع دولي، وتدمير نسيج العراق أيضا تحقق عبر مطابخ السياسة الدولية، والقبول بـ«هلال خصيب» تمسك به إيران... مطلوب دوليا.