Haneen
2014-07-17, 10:41 AM
اقلام عربي 18/06/2014
في هــــــــــــذا الملف:
أمة في مخيمات اللجوء
طلال سلمان – الشروق المصرية
عمليّةُ الخليل: صاعقةٌ في سماءٍ صافية
هاني المصري – السفير البيروتية
حرب البعثين في العراق والشام
ربيع بركات _ السفير البيروتية
العقيدة ...والعقلية
بقلم لؤي خليل _ توب نيوز
ليسوا "معارضين" بل هم خونة
جاك خزمو – توب نيوز
خيارات العراق في ظل هيمنة التناقضات الداخلية والإقليمية (http://www.raialyoum.com/?p=106895)
ناصر العبدلي – رأي اليوم
قضايا فلسطين المسكوت عنها.. الاستيطان
عمرو حمزاوي – الشروق
داعش تحولت في يوم وليلة من عميلة للنظام السوري إلى قائدة للثورة
ربيع الحسن _ القدس العربي
عمليّةُ الخليل: صاعقةٌ في سماءٍ صافية
هاني المصري – السفير البيروتية
في الوقت الذي اعتقدت فيه حكومة نتنياهو أنّها وصلت إلى أفضل وضع أمنيّ منذ احتلالها برغم استمرارها في تطبيق المشروع، الاستعماريّ الاستيطانيّ الاحتلاليّ العنصريّ العدوانيّ، وبمعدلات غير مسبوقة؛ جاءت العمليّة النوعيّة باختطاف ثلاثة مستوطنين من وسط منطقة «غوش عتصيون» في الخليل، المحميّة أمنيًا من قوات الاحتلال، كصاعقةٍ وقعت على رأسها في سماء صافية، لتعيدها إلى الواقع من خلال تذكيرها أنّ الاحتلال يولّد المقاومة ضده.
ليس مهمًا من ولماذا نفذت العمليّة؟ لأنها رد فعل طبيعي. وكما قال جدعون ليفي، الكاتب الإسرائيلي، في مقال له حمل عنوان «الاختطاف استدعته إسرائيل»: «الذين يرفضون في عناد الإفراج عن سجناء فلسطينيين، وما زال عدد منهم سجناء منذ عشرات السنين، حتى منذ الفترة التي سبقت «اتفاقات أوسلو»، وعدد منهم التزمت إسرائيل بالإفراج عنهم؛ والذين يسجنون منذ سنين معتقلين من دون محاكمة؛ والذين يتجاهلون إضرابًا عن الطعام لـ 125 معتقلا «إداريًا»، يحتضر بعضهم في المستشفيات؛ والذين ينوون إطعامهم بالقوة، والذين يريدون أن يسنوا قوانين جائرة تعارض الإفراج عنهم ـ ينبغي ألا يُظهروا أنهم فوجئوا أو زُعزعوا بسبب عمل الاختطاف فهم الذين استدعوه».
ويضيف ليفي «مع قتل المسيرة السياسيّة وإنزال الستار على آخر أمل فلسطيني بالإفراج عن السجناء بمسيرة سياسيّة؛ يكون الطريق الوحيد المفتوح أمام الفلسطينيين، ليذكّروا الإسرائيليين بوجودهم ومشكلتهم هو طريق الكفاح العنيف، لأن كل طريق آخر أغلق في وجوههم. فغزة إذا لم تطلق صواريخ القسام غير موجودة. وتغيب الضفة عن وعي الإسرائيليين، إذا لم يختطف طلاب معهد ديني».
إضافة إلى ما ذكره ليفي، أورد أن الذي يكثف الاستيطان، بحيث وصل عدد المستوطنين إلى أكثر من 700 ألف مستوطن ويخطط لكي يصل العدد إلى مليون خلال سنوات قليلة، والذي يواصل تهويد وأسرلة القدس، ويقسّم الحرم الإبراهيمي مكانيًا وزمانيًا، ويحمي الاعتداءات اليوميّة ضد المقدسات، وخصوصًا الأقصى، وسط دعوات معلنة لتقسيمه زمانيًا ومكانيًا تمهيدًا لهدمه وبناء «هيكل سليمان» الثالث المزعوم على أنقاضه، والذي يطلق قطعان المستوطنين ليعيثوا في الأرض الفلسطينيّة فسادًا في سلسلة اعتداءات يوميّة منهجيّة تستهدف إبقاء عيش الفلسطينيين في جحيم لدفعهم إلى الهجرة القسريّة داخل وطنهم وخارجه، والذي يواصل تقطيع أوصال الأرض الفلسطينيّة واستكمال بناء جدار الضم والتوسع العنصري، ويفرض الحصار على قطاع غزة والعدوان المستمر ضدها؛ ليس من حقه أن يستغرب وأن يستنكر عمليّة الاختطاف، وما سبقها من عمليات مماثلة تم إحباطها وفق زعم موشيه يعلون، وزير الحرب الإسرائيلي، الذي قال «إنه تم إحباط ثلاثين عمليّة اختطاف خلال العام 2013، و14 عمليّة منذ بداية هذا العام.
ردة الفعل الإسرائيليّة أكبر بكثير من الرد على عمليّة الاختطاف، ما يدل على أن الحكومة مرتكبة وغاضبة، وتريد أن تتهرب من المسؤوليّة عن الفشل والقصور الفادح، وتصدر أزمتها إلى السلطة الفلسطينيّة لأنها تصالحت مع «حماس»، من خلال الادّعاء بأنها لم تقم بالتزاماتها التي تفرض عليها التعاون التام مع إسرائيل في محاربة الإرهاب ومنفذيه ومنع وقوعه، متجاهلة أن العمليّة وقعت في منطقة (ج) الخاضعة كليًا للسيطرة الإسرائيليّة.
فإسرائيل منذ سنوات طويلة أنهت التصنيفات (أ، ب، ج)، وتقوم بشكل يومي باقتحام المدن واعتقال من تشاء ومتى تشاء، وبعد أن تجاوزت الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة التزاماتها بـ«اتفاق أوسلو» وإزاء ما يسمى «عمليّة السلام»، وتريد التزامًا كاملا بالالتزامات الفلسطينيّة؛ فهذا الأمر من المفترض أن يكون ليس معقولاً ولا مقبولاً، ومن غير الممكن استمراره حتى لو أعلن الرئيس أبو مازن أن التنسيق الأمني «مقدّس».
إن التجربة الماضية تدل على أن الحملات العسكريّة التي نظمت على إثر عمليات الاختطاف السابقة، بما فيها «من بيت إلى بيت» لم تؤد إلى تحرير المخطوفين، إلا أن الحكومة الإسرائيليّة أعلنت حربًا شعواء ضد الخليل، ونظمت حملة بمشاركة آلاف الجنود بعد استدعاء جزء من قوات الاحتياط وزج الوحدات المختارة، وتم اعتقال أكثر من 150 فلسطينيًا، معظمهم من كوادر ونواب «حماس»، وإغلاق الضفة، وترويع السكان، وتنفيذ عمليات اغتيال وقصف ضد غزة، والتهديد بشن عدوان واسع على القطاع، وتدفيع «حماس» ثمنًا باهظًا وشن «عمليّة السور الواقي 2»؛ ما يعنيه ذلك من إفلاس وتغطية على الفشل في تحديد هويّة ومكان الخاطفين رغم الادّعاءات بقرب إنهاء هذه القضيّة. كل ذلك استعراض قوة ومحاولة لطمأنة الإسرائيليين الذين قدرتهم على الاحتمال محدودة، ولممارسة أقصى ضغط نفسي على الفلسطينيين حتى يضيقوا ذرعًا بالخاطفين ويضغطوا عليهم وعلى من يقف وراءهم قبل تصاعد المواجهات إلى نقطة اللاعودة.
وفي ذات السياق، صرح مسؤول إسرائيلي بأن حصار الخليل مستمر والحملة ستطال الجميع، وطالب وزير شؤون الاستخبارات الإسرائيلي الأسرة الدوليّة بتحميل السلطة مسؤوليّة الاختطاف، لأنها شكلت حكومة وفاق مع «حماس». أما رئيس المعارضة، زعيم «حزب العمل»، فتوقع أن يؤدي تنشيط التنسيق الأمني بعد العمليّة إلى زعزعة، وربما انهيار، المصالحة الفلسطينيّة، بينما دعا وزير الإسكان إلى تطبيق حكم الإعدام ضد المخربين المعتقلين في السجون الإسرائيليّة، وطاب عضو كنيست بقتل بعض الأسرى. كما هناك تهديد بهدم منازل قيادات «حماس» وإبعادهم إلى غزة. ونظمت حملة على «الفايسبوك» تطالب بقتل فلسطيني كل ساعة حتى عودة المخطوفين، وانضم لها خلال ساعات أكثر من 10 آلاف شخص، وطالبت منظمة «بيتار» العالميّة - وهي حركة شباب صهيونيّة - في رسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيليّة بقتل إسماعيل هنيّة ومروان البرغوثي.
هل ستؤدي العمليّة إلى تغيير إستراتيجي في القواعد التي تحكم العلاقات الفلسطينيّة - الإسرائيليّة منذ تولي أبو مازن سدة الحكم وحتى الآن؟.
يمكن أن تؤدي العمليّة إلى تصعيد إسرائيلي لا تحتمله السلطة، ما قد يدفعها إلى وقف التنسيق الأمني وإطلاق يد أفراد الأجهزة الأمنيّة للدفاع عن شعبهم، أو لتمرد هؤلاء كما حصل مع أحد الأفراد الذي أطلق النار على قوات الاحتلال. وقد تؤدي إلى تقوية الوحدة الفلسطينيّة أو إلى إضعاف وانهيار المصالحة الوطنيّة، خصوصًا أنها لا تزال في البداية وهشّة وتتعرض لمعارضة إسرائيليّة واسعة، وقد تتمكن قوات الاحتلال من الوصول إلى مكان المخطوفين وإطلاق سراحهم، أو إلى قتلهم مع الخاطفين وعدد من أفراد القوات المهاجِمة.
إن الوضع مفتوح على كل الاحتمالات، والفلسطينيون رغم حكومة الوفاق الوطني ليسوا مستعدين لمواجهة هذا الموقف الجديد، ما يطرح الحاجة مجددًا إلى بلورة رؤيا وإستراتيجيات جديدة بأسرع وقت وقبل فوات الأوان، أو الندم حين لا ينفع الندم.
العقيدة ...والعقلية
بقلم لؤي خليل _ توب نيوز
مع بدايات مايسمى الربيع المستعرب كثرة المصطلحات والمفردات التي تداعب عقول مختلف المستويات الثقافية والبيئات المختلفة. حتى طرقت ابواب اﻻمم واصبحت ألسنة العواصم تتحدث بها مع بدايات اﻻزمة السورية. فمن عقلية النصرة الى دولة اﻻسﻻم التي سخرت لها طاقات اﻻسﻻم الوهابي واستخباراته واعﻻمه البعيدعن العقيدة هذاماقامت جماعة برنار ليفي بتسويقه ضرب العقلية سواء الدينية اوالقومية داخل المجتمع المتنوع لتشويه العقيدة والعكس كان ثابت في عدة مجتمعات. فقلب المجتمعات المعتدلة في تونس ومصر وسوريا بالعقائد الوهابية هذه العقليات المتذرعة بالعقائد الاجتهادية البعيدةعن العقليات الصحية لدين اﻻسﻻم والتي هي اقرب الى العقلية المخابراتية المتصهينة هكذا فصلو الدين والعقيدة عن العقلية والثقافة.
هذه كانت محاولتهم لضرب ثقافة المقاومة وعقيدةالشهادة بفلسفات دينية حاقدة تشرع افﻻم اﻻباحة في جهادهم المفترس للشرع والمناهض للاخلاق والبشرية. فالجهاد اصبح نكاح والمقاومة اصبحت نصرة قتل كل حامل سﻻح في وجه اسرائيل في حجة الخلاف في الدين..هذا الخنوع الذي بدا في وجوههم منذ حرب العراق وتشويه القران ومبادئ رسوله..نعم لعبها ليفي واعوانه العرب المتصهينين هذا جناهم المتصهين لعبوها بالعقيدة والعقلية .. لعبوها في الدم والفضاء .لكنهم نسوا ان هناك في اﻻرض اصحاب دين وعقيدة مجتمعة اصحاب ثقافة المقاومة اصحاب انتصارات تعانق الفضاء وتتكلم في اﻻرض شهادة. فمن جمع العقيدة والعقلية استبسل في حقه. سيستيقظ هذا العالم ليلقى اصحاب العقيدة المتصهينة والعقلية المشوهة قد لفظهم التاريخ بين شوارعهم ممزقين .عطشى لدماء الغدر بينما ستتفتح اعينهم على جيل مقاوم سوري يعانق اخاه اللبناني والمصري . جيل اعار جمجمته لله وامن بعقيدته نصرا لله. فثقافة العدو تجسدت من جديد في عقليات المواطن واكثرفي عقيدة الجيوش العربية فادرك الجميع ان هذا العدوالجديد /اﻻرهاب/ ايضا بعقلية صهيونية. وسيكتشف هؤﻻء الشباب المبرمج انهم كانوا ضحية العقائد المفبركة باخونة بغيضة ووهابية متامركة رسمت لها مهمتين تامين وجوداسرائيل كبديل اول لطرق وانتاج الطاقة في العالم ﻻوروبا والثاني تامين وجودها كدولة عظمى يهودية بين دويﻻت متدينة صغيرة الدين والديانات فكل حساباتهم كانت ستصب في احﻻم .
نعم هذا ماافرزوه فينا اجيال تعشق الشهادة بعقيدة وتحتفل بالنصر بعقلية البطولة هذا ماتراه فقط عند شعب اﻻنتصارت ..
ليسوا "معارضين" بل هم خونة
جاك خزمو – توب نيوز
بعد فوزه بمنصب رئيس دولة الكيان الاسرائيلي في الانتخابات التي جرت في البرلمان (الكنيست) الاسرائيلي يوم الثلاثاء الموافق 10 حزيران 2014، تلقى الرئيس اليميني والمتطرف روبين ريفلين برقيات واتصالات هاتفية مهنئته بهذا الفوز، ومن بينها تهاني من الذين يسمون أنفسهم بأنهم معارضون "سوريون". وقد أبدوا فيها سرورهم لفوز ريفلين وتَطّلعهم لتعاون أكبر لتدمير سورية.
وسائل الاعلام الاسرائيلية طبلت وزمرت لهذه التهاني الآتية من عملاء كشفوا المزيد من تواطئهم مع عدو بلدهم الأول وعدو الأمة العربية، وعروا أنفسهم أكثر وأكثر أمام كل شعوب العالم.
وكان أحد أعضاء ما تسمى بالمعارضة "السورية"، والذي يقيم خارج سورية، وفي فنادق الخمس نجوم قد أدلى بتصريح وعد فيه باستعداد "المعارضة" على التنازل عن حق سورية في الجولان المحتل مقابل تعاون اسرائيل مع "المعارضة" لاسقاط الدولة السورية، وخاصة الرئيس الشرعي الدكتور بشار الأسد.. وهؤلاء "المعارضون" ما زالوا يتحدثون بصورة شبه يومية مع وسائل الاعلام في اسرائيل طالبين الدعم الاسرائيلي لمشروعهم التآمري على سورية، القلب النابض للأمة العربية.
قد لا يستحق هؤلاء تناولهم في أي مقال أو موضوع لأنهم خونة وعملاء، ولكن من الواجب على كل كاتب شريف أن يدافع عن سورية، وان يعري هؤلاء المتآمرين، ويكشف لأبناء الشعب السوري، بأن هدف هؤلاء الخونة هو تدمير سورية، والدخول اليها عبر الدبابات الاسرائيلية، فهم لا يبغون الاصلاح بل يسعون الى تدمير سورية وتسليمها لاعدائها، وهذا الهدف لن يتحقق بالطبع لان سورية قلعة حصينة قوية صلبة، كسرت وتكسر كل الأيادي التي امتدت وتمتد اليها.
وهؤلاء أكدوا بشكل قاطع أن رئيسهم هو ريفلين لانهم يؤكدون الولاء له عبر تقديم التهاني له، وعبر استعدادهم لتقديم كل شيء يطلبه منهم مقابل مساعدتهم لتدمير سورية واسقاط الدولة، وضرب الوحدة الوطنية فيها.
ويؤكد هؤلاء أنهم "نموذج" حي على طبيعة وشكل ونوعية "المعارضة" في الخارج، فهي بالواقع ليست معارضة بل مجموعات متآمرة، فولاؤها الأول والأخير هو لعدو سورية ولكل المتآمرين عليها.
الشعب السوري واع ويعرف هؤلاء منذ فترة طويلة، لكن تهاني بعضهم للرئيس الاسرائيلي اليميني المتطرف الذي يشجع الاستيطان، ويرفض انهاء الاحتلال، ويرفض حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الكاملة، عرّتهم وأكدت لنا جميعاً على أنهم أعداء سورية، وأعداء فلسطين وأعداء العروبة.. وهم خونة عملاء عبيد، وهم ليسوا سوريين أو عرباً لانهم موالون واتباع وأذناب لاعداء الامة العربية وفي مقدمتهم اسرائيل.. ومصيرهم مزابل التاريخ.
خيارات العراق في ظل هيمنة التناقضات الداخلية والإقليمية (http://www.raialyoum.com/?p=106895)
ناصر العبدلي – رأي اليوم
على وقع التطورات الدامية أجريت الإنتخابات البرلمانية العراقية في شهر أبريل وأعلن عنها في منتصف شهر مايو الماضي، غير أن هناك “حزمة” من الأسئلة ظلت تتزاحم خلف المشهدين الأمني “الدموي” أولا ثم السياسي ثانيا.. بعضها يتساءل حولجدوى الديمقراطية إذا لم يكن هناك من يؤمن بها، وبعضها يتساءل حول وجود من يؤمن بالعنف طريقا للوصول إلى السلطة، وهناك من يتساءل عن جدواها إذا كانت الحلول والتسويات إقليمية ومحملة بملايين الدولارات ، كل تلك الأسئلة وغيرها تدور في خلد العراقيين لكن لاتجد من يجيب عليه .
المشهد السياسي العراقي خليط من كل تلك الأسباب التي يطرحها العراقيين كاسئلة وهي بالطبع لن تؤدي إلى قيام مشروع ديمقراطي حقيقي، لأن الجميع كما يبدو في الطريق إلى القبول بالأمر الواقع، والإعتراف بتداعياته الحالية وبينها تقسيم العراق بين الشرائح الإجتماعية والطائفية والسياسية وفقا للصيغة اللبنانية وهذا يمثل إنتكاسة كبيرة لطموحات المواطن العراقي في أن يكون بلده جزءا من المشاريع الديمقراطية لا جزءا من نماذج العالم المتخلف الذي تقوده التناقضات الداخلية، والمصالح الضيقة.
لن تجدماهو أدق من ذلك المشهد في حال أردت قياس قدرة القوى الإقليمية في التأثير على الأحداث الداخلية فقراءة نتائج الإنتخابات البرلمانية ستخبرك أن جيران العراق شركاء في تلك الإنتخابات (إيران، تركيا ، دول الخليج)، بل يمكن القول دون تردد أن الناخب الحقيقي هم جيرانه وليس شعبه إلى حد ما بالطبع فلا يمكن بأي حال من الأحوال إستبعاد العامل المحلي وقدرته على المناورة في مثل تلك الأحداث لكنه يبقى ضعيفا مقارنة بالعامل الخارجي، وإن بدت بعض الأطرف كما لو أنها تمتلك زمام المبادرة.
التغيير ليس كبيرا، وليس هناك مفاجآت أيضا، فقد حصلت القوى نفسها على حصة الأسد فهذا التحالف الوطني الشيعي الذي يتكون من ثلاث كتل رئيسية (دولة القانون والأحرار والمواطن) حصل على مايقارب 157 مقعدا في البرلمان الجديد وهي تتوزع على 92 مقعدا للقانون “نوري المالكي” والأحرار “مقتدى الصدر “34 مقعدا والمواطن “عمار الحكيم” 31 مقعدا، وهذه القوى وإن ظهرت بأنها قوى سياسية إلا أن الحقيقة المحزنة أنها تقوم على أسس غير سياسية كما يفترض بالقوى السياسية أن تكون فهي خليط من قوى إجتماعية يغلب عليها الطابع المذهبي أكثر من أن تمتلك مشروعا سياسيا يستمد مشروعيته من فكرة المواطنة، ومع ذلك فأن تلك الأغلبية لاتكفي لتكوين الكتلة الأكبر في البرلمان كما يقضي بذلك حكم المحكمة الدستورية العليا في العراق الخاص بتفسير المادة (76) من الدستور، ولابد من إستكمال المقاعد لتصل إلى 165 على الأقل ( نصف + 1 (.
هناك الكتلة الكردية وقد حصلت على 62 مقعدا ( الاتحاد الكردستاني ، الحزب الديمقراطي الكردستاني ) الأول يقوده ( الطالباني ) حصل على 21 مقعدا، والثاني يقوده ( البارزاني ) وحصل على 25 مقعدا، وهناك حركة التغيير وحصلت على 9 مقاعد، والاتحاد الاسلامي الكردستاني وحصل على 4 مقاعد، بالإضافة إلى الجماعة الاسلامية الكردستانية ولها 3 مقاعد، وهناك ائتلاف “متحدون للإصلاح” الذي يتزعمه رئيس البرلمان الحالي، أسامة النجيفي، (سني) وحصل على 23 مقعدا ، فيما حصل ائتلاف “القائمة العربية” (سني) بزعامة صالح المطلك على 9 مقاعد ، وحصل ائتلاف “الوطنية” بزعامة إياد علاوي (علماني) على 22 مقعدا.
سنجد أن هناك ثلاث مستجدات عند قراءة الساحة أبرزها إعتراف السنة والأكراد بحق التحالف الوطني والكتل الشيعية الثلاث المنضوية تحت جناحه بتحديد من هو رئيس الوزراء المقبل، وهو أمر يحدث للمرة الأولى عكس ماجرى في الإنتخابات الماضية عندما حاول السنة اللعب على الخلافات الشيعية من خلال ترشيح رئيس الوزراء السابق أياد علاوي لهذا المنصب، لكن ذلك منح المالكي فرصة تسويق نفسه على أنه الأجدر بهذا المنصب بحكم دوره في الحفاظ على الجسد الشيعي متماسكا.
كما أن وجود قوى كردية جديدة على الساحة هي حركة التغيير بزعامة نيوشران مصطفى كطرف ثالث في المعادلة الكردية وتداعيات ذلك على الفصيلين الكرديين الأكبر منذ أكثر من عشرين عاما (الإتحاد الوطني، الديمقراطي الكردستاني)، وتحالف الأخير معها لترتيب البيت الداخلي في كردستان العراق أضفى جواء من التنافس ربما يستفيد منه التحالف الوطني في مرحلة لاحقة.
يبدو أن ضعف الدور المرجعي أو عدم رغبته في الخوض في العملية الإنتخابية والتريث ربما حتى نضوج التحالفات من أجل تشكيل الحكومة الجديدة أو في حالة عدم التوافق على مرشح وحيد لمنصب رئيس الوزراء بين التحالف الوطني، هو أحد المتغيرات في الساحة فلطالما كانت المرجعية عاملا حاسما ، لكنها تدخلت هذه المرة لدعم مرشح دون آخر ضمن التحالف الوطني، وكانت ردة الفعل الشعبية في أوساط ناخبي التحالف عكس ماشجعت عليه المرجعية وكانت الإستجابة متواضعة.
يمكن أن تكون أجواء الإرتباك في معسكر المعارضين للتجديد للمالكي لولاية ثالثة عاملا جديدا يضاف إلى الساحة فلم تكن ساحتهم بمثل هذا الإرتباك من قبل حتى أن بعض القوى السنية تبرأت من فكرة إنشاء كتلة تسمى “إتحاد القوى” بعدما ظهر حجم الفوضى والتردد داخلها، ويقال أن ثمرة هذه الفوضى والتردد تأييد محتمل لثلاثين نائبا سنيا وهو رقم يتناقض مع المعركة السابقة تجاه المالكي، ورغم المحاولات لإضفاء شرعية وطنية على مثل تلك الإنتخابات على إعتبار أن هناك دعما سنيا للمالكي إلا أن الحقيقة تقول أن الترتيبات السياسية في الدول الديمقراطية لاتقوم على مثل تلك المبررات وكان يفترض ان يكون هناك مؤسسات سياسية تقوم على جميع مكونات المجتمع العراقي وتتنافس فيما بينها على طرح المشاريع الوطنية.
حتى فكرة القائمة الوطنية يترتيب كتلة “عابرة للطوائف”، ليست فكرة مثالية وفقا للمعطيات الديمقراطية الحقيقية فقد نشأت ضمن تطورات غير ديمقراطية ، لذا فأنها لامحالة ستواجه المصير الذي واجهته تنظيمات مشابهة لإن إمكانية تجميع تلك التناقضات القومية والمذهبية والعرقية أشبه بالمحال فلا يمكن بأي حال من الأحوال ضم التحالف الكردستاني وتياري مقتدى الصدر وعمار الحكيم وعلاوي والنجيفي والعلمانيين بعد ظهور النتائج الإنتخابية على مشروع وطني لأن منطلقاتهم التي قاموا عليها تتعارض مع فكرة الجسد الوطني الشامل، فهم نتاج إقصاء وتهجير ظل لسنوات طوال أو نتائج للتدخل في شؤونهم الداخلية كما حدث عند غزو العراق وإحتلاله من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وتلك بالتأكيد ليست ظواهر صحية ، لذا لن يكون أمام الجميع إلا خيار وحيد هو العمل على تحديد بديل للمالكي من خلال التحالف الوطني نفسه، وطرح خلالها مشروع وطني شامل يتناول بالمراجعة كل الهياكل القائمة بدءا بمؤسسات الدولة وإنتهاءا بالأحزاب، خاصة في ظل التطورات السياسية والأمنية الأخيرة، على أن يضع في إعتباره أن تضخم القطاع العام نذير شؤم على التجارب الديمقراطية في العالم.
قضايا فلسطين المسكوت عنها.. الاستيطان
عمرو حمزاوي – الشروق
فى 5 يونيو 2014، أعلنت الحكومة الإسرائيلية ـ حكومة بنيامين نتنياهو ـ عن خطط لمواصلة توسعها الاستيطانى الإجرامى فى الضفة الغربية والقدس بإضافة 3300 وحدة سكنية خلال العام الجارى للمستوطنات القائمة. الإعلان الإسرائيلى، والذى جاء بعد أقل من أسبوع من تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية بمشاركة السلطة وحماس، ينقل التوسع الاستيطانى فى الأراضى المحتلة إلى مستويات غير مسبوقة منذ تسعينيات القرن العشرين بل ويتجاوز عدد الوحدات السكنية المستهدف إضافتها العدد الكارثى الذى سجل فى 2013 وكان 2534 وحدة سكنية (ضعف عدد الوحدات التى أضيفت فى 2012).
الإعلان الإسرائيلى، والذى لم يواجه لفظية إلا بإدانات عربية وإسلامية وغربية، يثبت ما أشرت إليه من قبل بشأن استغلال حكومة نتنياهو لانصراف الدول العربية عن قضايا فلسطين وانشغال الكثير منها بأزماتها وتوتراتها الداخلية أو بتصفية حلم الديمقراطية فى بلاد العرب أو بالأوضاع الإقليمية بعيدا عن القدس والضفة وغزة لكى تكثف توسعها الاستيطانى الإجرامى على نحو يقضى عملا على الإمكانيات الواقعية لتطبيق حل الدولتين.
الإعلان الإسرائيلى، والذى لم ينتبه إليه العدد الأكبر من الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان فى العالم العربى وكان واجبها الإدانة القاطعة وتجديد خلايا مبادرات مقاطعة إسرائيل شعبيا ومنتجات الأخيرة الصناعية والزراعية يتواصل تسربها إلى بعض الأسواق العربية والتعاون الاقتصادى والتجارى بينها وبين بعض الدول العربية إما على حال السنوات الماضية أو فى تنامى مطرد، يأتى فى سياق توجهات للرأى العام الإسرائيلى تتشكك فى «جدوى مفاوضات السلام مع الفلسطينيين» وفى «حل الدولتين» ويسهل من ثم التلاعب بها من قبل حكومة نتنياهو (التى يغلب عليها اليمين المحافظ والديني) لتمرير التوسع الاستيطانى الإجرامى دون معارضة داخلية كبيرة.
ففى استطلاع رأى أجرته مؤخرا مراكز أبحاث إسرائيلية على عينة من المواطنين البالغين (نشرت نتائجه صحيفة هاآرتس وصحف أخرى وأشارت إليه بعض الصحف المصرية على نحو غير دقيق)، سجلت نسبة 59 بالمائة من العينة المستطلع رأيها قناعتها بأن الاستيطان يضر بعلاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة الامريكية وفضلت نسبة 50 بالمائة توجيه الأموال المستثمرة فى بناء المستوطنات إلى التعليم والخدمات الاجتماعية، بينما قرر 40 بالمائة أن الاستيطان يضيع موارد البلاد. فى المقابل، أيد 12 بالمائة استمرار الأوضاع الحالية فى القدس والضفة الغربية دون تغيير ورفضوا التنازل عن سيطرة إسرائيل على الأراضى المحتلة (وقطاعات واسعة من الرأى العام الإسرائيلى لا تنظر لها كذلك، تماما كما لا تنظر للاستيطان كعمل مجرم دوليا صدرت بحقه أحكام قانونية دولية ملزمة وعديد القرارات الدولية)، بل أيد 31 بالمائة ضم القدس بالكامل وأجزاء واسعة من الضفة وغزة إلى إسرائيل على نحو نهائى. وإذا كان 51 بالمائة من العينة المستطلعة عبروا عن موافقتهم على «التنازل الجزئي» عن بعض الأراضى فى الضفة إلا أنهم ربطوا ذلك بتوقف «الإرهاب الفلسطيني»، وادعاء وجود الأخير توظفه حكومة نتنياهو لمواصلة سياستها العدوانية وحشد التأييد العام لتوسعها الاستيطانى.
إزاء عدوانية الحكومة الإسرائيلية والعجز العربى على مستوى الحكومات وآليات العمل الجماعى (جامعة الدول العربية) واكتفاء الدبلوماسية الدولية (أمريكية وأوروبية وروسية وصينية) بالإدانة اللفظية، يتعين على منظمات المجتمع المدنى العربية والأصوات الفكرية والثقافية والفنية (وربما السياسية) الملتزمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وبالدفاع عن الحق الفلسطينى فى تقرير المصير والدولة المستقلة أن تعيد إحياء مبادرات المقاطعة الشعبية الكاملة لإسرائيل والمطالبة بتجميد جميع أشكال التعاون الاقتصادى والصناعى والتجارى والعلمى معها إلى أن يتم إيقاف التوسع الاستيطانى الإجرامى تماما وتبدأ مفاوضات جادة لتمكين الفلسطينيين من بناء دولتهم وعودة اللاجئين وتعويض ضحايا العدوانية الإسرائيلية التى تتواصل يوميا.
دعونا نرفض تحويل قضايا فلسطين إلى مسكوت عنه، وندرك أن ملفاتنا الداخلية فى مصر ترتبط عضويا بمجمل الأوضاع العربية وأن العمل على بناء الديمقراطية هنا لن ينفصل عن نضال الشعب الفلسطينى من أجل الحق والحرية ولا عن نضال الشعوب العربية الأخرى.
داعش تحولت في يوم وليلة من عميلة للنظام السوري إلى قائدة للثورة
ربيع الحسن _ القدس العربي
تحدثت في مقال سابق منذ حوالي العام (بعنوان الفتنة المذهبية ليست وليدة الأزمة السورية 25- 6- 2013) على أن بذور الفتنة المذهبية بدأت مع احتلال العراق 2003 حيث كان الهدف تدمير العراق وتقسيمه على أساس طائفي تمهيدا لتقسيم سورية ودول الخليج ، حتى تطل إسرائيل وتقول ما الضير في أن أكون دولة يهودية باعتبار أن كل المحيط عبارة عن دويلات من لون واحد، وبهذا يتم تصفية القضية الفلسطينية وتصبح القضية المركزية لكل دويلة كيفية الرد والهجوم على الدويلة المجاورة .
لم تنجح أمريكا في إثارة الفتن الطائفية خلال احتلال العراق بالشكل المطلوب (لأسباب يطول شرحها) ، لذلك لجأت للعدوان على لبنان في تموز (يوليو) 2006 للقضاء على حزب الله القوة الرئيسية المعادية لإسرائيل والتي حررت أرض لبنان المحتلة في عام 2000، كان القضاء على حزب الله ضروريا باعتباره سوف يقف في وجه تكوين الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به رايس عندما بدأ العدوان على لبنان، فكان الهدف بعد القضاء على الحزب السيطرة على قرار المنطقة بأكملها ودعم حلفاء أمريكا في المنطقة ليكونوا هم من يقود عملية التقسيم بأوامر من أمريكا. صمود وانتصار حزب الله أجل المشروع الأمريكي عدة سنوات حتى 2011 عندما استغلت أمريكا الاحتجاجات التي اندلعت في عدد من الدول العربية لصالحها معتمدة على حلفائها في المنطقة فتم تحويل المطالب المحقة للشعوب العربية في كل البلدان لتصبح بابا للتدخل الأجنبي العلني بحيث أصبحت ليبيا واليمن وسورية ومصر وقبلهم العراق نموذجا للبلدان التي تنتهك سيادتها بسبب التدخلات الدولية والإقليمية والعربية .
بدأ الخطاب الطائفي يتصاعد مع انطلاق الاحتجاجات في سورية على الفضائيات الخليجية بشكل خاص والعربية عموما، هذا الخطاب منذ البداية كان يستهدف تفتيت المجتمعات العربية واستغلال مطالب الناس المحقة وتشويهها. لاشك أن هذا الإعلام مع وسائل التواصل الاجتماعي في ظل عدم وجود حلول حقيقية من قبل الأنظمة الحاكمة ساهم خلال الأعوام السابقة بزيادة التوتر الطائفي في المنطقة، ومع استمرار الأزمة السورية وتحويل الصراع إلى صراع مسلح منذ البداية تعزز التطرف في المنطقة، ففي السنة الأولى من الأزمة السورية تم الإعلان عن تشكيل ما سمي “الجيش الحر” الذي يمثل جيش السنة (الدم السني واحد) الذي يقاتل الجيش السوري الذي أطلقوا عليه اسم الجيش النصيري، فقدما روج الغرب ومعظم الإعلام العربي بأن ما يجري في سورية هو حرب طائفية بين السنة والعلويين ولكل منهم جيشه المستقل المدعوم من أطراف إقليمية ودولية بحيث أصبح يطلق على المحور الروسي الإيراني السوري مع حزب الله باسم المحور الشيعي مقابل المحور الأمريكي الخليجي التركي الحمساوي مع “الجيش الحر” .
هذه الفكرة حاولوا زرعها في عقل المواطن السوري والعربي مع بداية الأزمة السورية وقد نجحوا تحت هذا العنوان في استقطاب المجاهدين من كل العالم للقتال في سورية فلم نعد نسمع سوى عبارات التحرير والتطهير والتعقيم وتسوية المدن في الأرض …الخ.
مع بداية 2012 وجدت الدول التي أسست “الجيش الحر” أنه لم يستقطب الكثير من السنة كما كان يريدون وبقي الجيش السوري متماسكا، لذلك عملوا على تشكيل قوى رديفة للحر وتكون ذات طابع إسلامي علني، فتم الإعلان عن تشكيل جبهة النصرة المكونة من المجاهدين السنة الأشداء الذين سوف يطهرون سورية من العلويين وباقي الأقليات.
عندها بدأت التفجيرات والمجازر في سورية اتهمت السلطة بأنها هي من تقوم بهذه الأفعال، حيث كان الهدف في هذه المرحلة(بداية 2012) التعبئة واستقطاب المزيد من المتعاطفين للانضمام للجماعات الإسلامية التي تقاتل “الجيش النصيري” الكافر الذي يرتكب المجازر والتفجيرات.. فقد وجدت الدول الاستعمارية في تسهيل مرور المتطرفين عبر تركيا بشكل خاص فرصة كبيرة للقضاء عليهم وإضعاف الجيش السوري بالإضافة إلى زرع في نفسية المواطن العربي السني العداء تجاه المواطن الشيعي وبالعكس مما يهدد كل المنطقة بما فيها دول الخليج وبدرجة اقل إيران وبهذا تصبح إسرائيل مرتاحة لوضعها لأبعد الحدود دون أي تكلفة.
قد يقول قائل أن أمريكا وضعت جبهة النصرة على لوائح الإرهاب، لكن ماذا يفيد ذلك وهي تغض النظر عن كل أنشطتها وتمويلها من قبل الدول الخليجية وبخاصة قطر بالإضافة لتسهيل تنقل المتطرفين من كل دول العالم نحو سورية. وبالنسبة للمعارضة السورية التي ناشدت التدخل الأمريكي في سورية اعتبرت جبهة النصرة من أهم القوى المقاتلة التي تعمل لصالح “الثورة السورية”. عندما بدأت داعش بالظهور على الأرض السورية وعرفت على نفسها بأنها تنتمي لتنظيم القاعدة أحرج هذا الأمر الائتلاف ومجلس اسطنبول لذلك قفوا منها موقفا حذرا، وعندما بدأ الصراع المسلح بين النصرة و داعش اتفق المعارضون والمؤيدون “للثورة” على أن داعش هي من صنيعة المخابرات السورية وقد زرعها النظام لتشويه صورة المعارضة لكي يبرر مقولته أنه يقاتل في سورية ضد إرهابيين قدموا من كل الدول. فكلنا يتذكر عندما بدأت عمليات القتل بحق عناصر الجيش في بداية الأزمة اتهموا الأمن والشبيحة بإطلاق النار على عناصر الجيش ، وعندما أصبح الجيش السوري بنظرهم هو “الجيش النصيري” اتهموه بأنه هو من يقوم بتفخيخ السيارات وهو من يرتكب المجازر، وعندما لم يستطيعوا الاستمرار باتهام السلطة بأنها وراء التفجيرات اتهموا عناصر زرعها النظام في جسم المعارضة بأنها هي وراء هذه التفجيرات حتى ظهور داعش واقتتالها مع بقية الفصائل المسلحة ألقوا كل ما تقوم به المعارضة المسلحة من مجازر على عاتق داعش باعتبارها صنيعة المخابرات السورية. مع استمرار الصراع دخل حزب الله إلى سورية في ظل دعم إيراني معلن للسلطة السورية علما أن اتهام الحزب بمقاتلة السوريين “السنة” قد بدأ منذ الأسابيع الأولى للأزمة.
المشكلة أن المحور المحسوب على أنه يمثل السنة في حقيقة الأمر أول ما يسيء للسنة قبل الآخرين، ويهدف الغرب من هذا المحور إظهار أن السنة في العالم العربي متطرفون ويؤيدون الجماعات الجهادية وقطع الرؤوس والذبح، لأنهم يعلمون الفرق الكبير بين الجماعات المتطرفة وبين حزب الله فالأخير حزب منظم وله ضوابط صارمة ولا يقتل أبرياء وليس هدفه إقامة دولة شيعية في سورية ولم يتدخل في سورية إلا بعد أن دخلها كل الجهاديين واستهدفوا مناطق الحزب في لبنان وطرق الإمداد من الأراضي السورية . لذلك فإن ما يقوم به الحزب سيكون موضع ترحيب كبير من قبل الشيعة وحتى السنة في حين أن أعمال الجماعات المتطرفة التي تدعو علنا لقتل الشيعة والروافض وتذبح كل من يخالفها في الرأي حتى لو كان سنيا سوف تسيء لأهل السنة في المقام الأول خاصة بأنه بدأ الترويج لهذه الجماعات على أنها المدافعة عن حقوق السنة المسلوبة خاصة في سورية ولبنان والعراق.
ويحاول الإعلام الخليجي والشخصيات المعارضة لإيران في الوطن العربي إقناع العرب أن إيران هي العدو الأخطر منذ عدة سنوات ، فقد تحدثوا علنا على أن الشيعة في الوطن العربي كلهم رأي واحد ويد واحدة من إيران إلى العراق فسورية مروا بلبنان حتى اليمن و الخليج في حين أن السنة في الوطن العربي يحاربون بعضهم ويتآمرون على بعضهم وضربوا مثلا على ذلك تآمر حكام الخليج السنة على حكم الاخوان في مصر ، حتى أن بعضهم حذر السنة في الوطن العربي بأن استمرارهم على هذا الحال سوف يؤدي في النهاية إلى أن يصبحوا عبيدا عند إيران.
مما يؤكد مشروع التقسيم الطائفي ما يحدث في العراق فبعد أن هاجمت داعش المدن العراقية وتوعدت الشيعة في هذا البلد وقامت بعمليات قتل وذبح للشيعة الذين ألقت القبض عليهم، تحول مقاتلي داعش في يوم وليلة من عملاء للمخابرات السورية إلى ثوار أشداء يقاتلون في سبيل الله ونصرة للشعوب المظلومة. هكذا وبدون مقدمات تغير خطاب الذين كانوا يتهمون داعش بالعمالة للسلطة السورية. لكن البعض منهم (والحق يقال) يدعو للتريث والتفكير جيدا فقد تكون داعش من صنع إيران وتهدف لتحقيق غاية معينة من هذا الفعل (ينتقدون السلطة السورية عندما تتحدث عن المؤامرة وهم أساتذة في هذا المجال). فإذا بعد أن هاجمت داعش العراق ودعت لمقاتلة الشيعة أصبحت حركة ثورية.. هذا يعني لو أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة- تحولت لقتال الشيعة وأعلنت ذلك لتجد مئات المقالات لنفس الأشخاص الذين ينتقدون الجبهة يشكرونها ويعتبرونها حركة ثورية.
والشيء المضحك المبكي أننا عندما نتقاتل فيما بيننا كل منا يستدعي العم سام ليخلصه من الآخر، فكيف يمكن أن ندين طلب المعارضة التدخل الأجنبي بشؤون سورية أو العراق ولكن عندما تصل داعش إلى مدننا نطلب من أمريكا المساعدة كما حصل في العراق.
نستطيع القول أن مشروع تفتيت المجتمع السوري على أسس طائفية لم ينجح بالشكل المخطط له، والدليل بقاء الجيش السوري متماسكا وهو مكون من كل السوريين على اختلاف مذاهبهم، كما أن رفض غالبية السنة في سورية للمشروع الوهابي ومحاربته أدى لمنع تقسيم البلد حتى الآن، فلو لقيت المجموعات المتطرفة قبولا لدى ثلث السنة في سورية فقط لوجدنا الدماء تسيل في سورية أكثر مما هي عليه الآن بأضعاف، لذلك فإن محاولة إثارة الفتنة المذهبية اليوم في العراق ستكون نتائجها كارثية على الشعب العراقي بكل طوائفه ومذاهبه وأعراقه وسوف تنتقل هذه الفتنة إذا ما نجحت لتصيب كل دول المنطقة والخليجية منها على وجه الخصوص، ومن هنا على رجال الدين من الشيعة والسنة العمل على إخماد هذه الفتنة بدلا من اعتلاء المنابر والدعوات للجهاد فالكل مخطىء فلا يمكن لمؤامرة أن تنجح في بلد لو أن نظام الحكم في هذا البلد قوي ويهمه المواطن في بلده في المقام الأول، لذلك على الجميع التنازل ومحاربة التطرف من أي طرف جاء وضرورة العمل على تكوين عقد بين السنة والشيعة يحرم قتل المسلم لأخيه وتشكيل قوى مشتركة يكون هدفها حماية البلد لا اقتسام ثرواته.
أمة في مخيمات اللجوء
طلال سلمان – الشروق المصرية
تنتثر مخيمات اللجوء في أربع رياح الأرض العربية من أقصى مغربها إلى أدنى مشرقها: لكأن الأمة جميعاً في العراء!
تتفاوت الأرقام، من بلد إلى آخر، لكنها بالملايين رجالاً ونساءً، شيوخاً وشباباً وأطفالا، بعضهم ينطوي على نفسه مستغرقاً في تهاويم ذكرياته يتابع بنظره اندثار دخان سجائره في الهواء، بينما النساء منهمكات في كنس الرمل، (ومن قبل في جرف الثلج)، وتنظيف محيط الخيمة، ما أمكن، فإذا ما أطلت شاحنات المساعدات والصدقات الدولية أو العربية ازدحم الجميع من حولها لينال كلٌ حصته، قبل أن يسبقه غيره...
في وعي «العرب» عموماً، أن مشاهد اللجوء بطوابير المقتلعين من بيوتهم المرميين في المجهول من الأمكنة، انتظاراً للمجهول من المقادير، كانت من اختصاص «الفلسطينيين»، باعتبارهم أول شعب عربي طرده الاحتلال الإسرائيلي ووحشية عصاباته المسلحة من أرضه إلى خارجها، هائماً على وجهه لا يعرف أي شيء عن غده، يراد منه أن ينسى وطنه واسمه وهويته وأهله جميعاً.
أما اليوم فطرد «العرب» الذين كانوا حتى الأمس مواطنين من مدنهم والقرى والدساكر، بات شاملاً وليس «ميزة» للشعب الفلسطيني وحده، يندرج في جداوله معظم «العرب»، إذ يشمل السوريين والعراقيين والليبيين واليمنيين والموريتانيين والسودانيين و«الصحراويين» وبعض التوانسة من أهل الجنوب.. وما دامت الثروات الوطنية منهوبة فلا فرق بين رعايا دولة غنية بالنفط وأخرى فقيرة لا يجد الناس فيها قوت يومهم.
لا ضرورة للسؤال عن أسباب الخروج الجماعي لهذه العائلات، بمئات الآلاف، وأحياناً بالملايين، من ديارهم إلى خيام التبرعات والصدقات والذل وهدر الكرامة الإنسانية والتحسر على الوطن وزمان الأمن في ظل الدولة التي كانت «قوية» جداً عليهم، ثم تكشف ضعفها، فجأة، أمام الخارجين عليها، فانهارت وصارت إقامتهم في مدنهم وقراهم مصدر خطر على حياة أسرهم في ظل رياح القتل والتهديم والجوع.
إنهم يهربون من الموت بالقصف المدفعي أو بغارات الطيران أو بالعبوات الناسفة أو برصاص القنص أو بسيوف هؤلاء الذين نبتوا فجأة في الأرض، وفوضوا أنفسهم بهداية المؤمنين، مسلمين أساساً، ومعهم بعض المسيحيين، إلى دين الحق... يهربون وقد غطت الدموع عيونهم حزناً على بيوتهم المهدمة وأكواخهم الفقيرة التي كانوا قد ألفوها فأمنتهم ووفرت لهم ولأطفالهم المأوى.
في المخيمات التي تم تركيبها، على عجل، خارج حدود وطنهم، ولكن على مقربة منه، أو داخل هذه الحدود، ولكن في ما اعتبر «مناطق آمنة»، يجيء إليهم من يحصيهم ويسجل أسماءهم الكاملة، غالباً بواسطة مترجم.. ثم يفاجأون بمشاهير من نجوم السينما ومن كبار المسؤولين في السياسة الدولية وعنها يأتون إليهم ليلتقطوا صوراً تذكارية معهم! هذا يداعب طفلة، بل إنه قد يحملها، وذلك يحاور طفلاً بلغة لا يفهمها إلا عبر المترجم. وبعد التحقيق والتدقيق يعطون أرقاماً بدلاً من أسمائهم، تسجل على بطاقات يذهبون بها إلى «مسؤولين»، يوزعون عليهم بعض الأغذية والشاي والسكر والبطانيات، ويحددون لهم رقم خيمتهم التي سوف يتناسلون ـ بعد اليوم- فيها.
تصير المخيمات بديلاً مؤقتاً من الوطن، وتصبح «الهيئات الدولية» بديلاً مفوضاً من «الدولة»، وتتهاوى الرايات التي كانت تجسد الأحلام بإزالة الحدود، تمهيداً لقيام دولة الوحدة العتيدة أمام «الرايات السوداء» المنقوش عليها آيات التوحيد والشهادة بأن الله اكبر وبأن محمداً هو رسوله بالدين الحق... يدعى المؤمنون إلى تأكيد إيمانهم الذي رضعوه جيلا بعد جيل، حتى من دون معرفة بالقراءة والكتابة، والذين ـ تطبيقا لشعائره - يصلون في المواقيت الخمسة، كل يوم. يكفّر من يشك «المبشرون الجدد» بإسلامهم، كالشيعة والعلويين والإسماعيليين والدروز. ثم إنهم يكفّرون «مسلمي النظام» ويحاولون اقتلاع المسيحيين من أرضهم التي كانوا فيها قبل الإسلام واستمروا فيها بعده وبرعايته، فلم يُكرهوا على الخروج من دينهم إليه.
تتبدل خرائط التحالفات السياسية. تتهاوى بواقي الأحزاب العلمانية في مختلف إرجاء الوطن الكبير. ينتشر الرعب في أوساط الحاكمين فيزيدهم شراسة، وفي أوساط المحكومين فيكتشفون أنهم في العراء، لا من يحميهم ولا من يؤويهم، فدوافع الإخوة اضعف من أن تتحمل أثقال هذه الألوف المؤلفة من النازحين والمهجرين.
الخيام الزرقاء في كل مكان، إعلاناً بتهاوي «الدولة» في معظم إرجاء المشرق العربي، من دمشق الأمويين إلى بغداد العباسيين وصولاً إلى صنعاء مملكة بلقيس وسد مأرب.. بينما الخيام الملكية المكيفة تستمتع بإنجازها: لقد أنجزت فأسقطت دول الخصوم سياسياً وطائفياً ومذهبياً، ويمكنها الآن أن تعيش بأمان في ظلال إسلام يقوم على حراسته الأميركيون بطائراتهم «المن» دون طيارين أو بأسلحة اشد فتكاً، إذا لزم الأمر.
تتهاوى روابط العروبة، بالمصالح المشتركة والمصير المشترك.
تخرج جميع العصبيات من جحورها: الطائفية، المذهبية، الجهوية، القبلية،...
يتبدى «الطغيان» مكشوفاً: هو مصدر هذا الانهيار الشامل، سياسياً وفكرياً واجتماعياً. ينشطر الإسلام «أدياناً» مقتتلة.
تنتشر «الرايات السوداء» في كل مكان. كيفما التفتَّ تطالعك صور هؤلاء الملتحين الآتين من قلب الجاهلية بوهم هداية المسلمين إلى الدين الحنيف.
يتحول ملايين العرب الذين كانوا آمنين في ديارهم، بغض النظر عن رأيهم في حكامهم الظالمين، إلى مشردين يتوزعون على آلاف الخيام الزرقاء ينتظرون سيارات الهيئات الدولية المسؤولة ـ بعد اليوم- عن حياتهم، والتي تعطي كلاً منهم رقماً سجّل محل اسمه وعائلته، ونسبه سيصير رقم خيمته، أما الإعاشة فحسب أعداد عائلته.
يسهل القول: إن هذا المشهد يلخص نتائج الديكتاتورية التي مارستها أنظمة العسكر أو التعصب المذهبي...
ولكن حملة «الرايات السوداء»، قتلة الشباب والرجال رمياً بالرصاص أمام الكاميرات الدولية، هادمي المنازل، مدمري مواقع الإدارة وحتى المستشفيات، لا يملكون برنامجاً أو خطة أو مشروعاً لإعادة البناء. إنهم يهدمون فقط. إنهم يدمرون أسباب العمران..
ومع الاحترام للمسلمين في أربع رياح الأرض فإن الحقيقة الواضحة أن المسلمين العرب لم يكونوا ناقصي الإيمان بحيث يتطوع الشيشان والخزر والترك والكرد والتتار والمغول وغيرهم ليتكبدوا مشاقّ السفر إليهم في «دار الإسلام» لهدايتهم. فإن كان ثمة نقص في الإيمان فليس بالإعدامات الجماعية، وليس بتهديم أسباب العمران تكون الهداية ويتم نشر الدين الحق.
ثم إن أحكام الإعدام لا تطال الحكام المتهمين في خروجهم على الدين الحق، بل إنها لا تصيب إلا الناس الطيبين، الساعين إلى رزق عيالهم، وهم غالباً أبناء مناطق لم تصلهم خيرات «السلطان» والمنتفعين بعطاياه.
التعصب يخرج أتباعه من الدين الحق... والتطرف يدمر جوهر الرسالة.
وها هي النتائج تعلن الحقائق الموجعة: الحكام المعنيون في مواقعهم أما الضحايا فهم الناس الطيبون، المؤمنون، الساعون وراء رزقهم، والمتروكون الآن للريح في خيام اللجوء، بينما الحكام في قصورهم التي لم تلحق بها نار الاقتتال.
إن العرب يعيشون «نكبة» اخطر ألف مرة من نكبتهم في فلسطين. بل هي اخطر من حصيلة «النكبة» و«النكسة» و«الصلح المنفرد».
لقد انفرط عقدهم، وانصرف بعضهم إلى قتال بعضهم الآخر بشعار الإسلام، فكانت الضحية الأولى الهوية القومية الجامعة، أي العروبة بمضامينها الأصلية، أي وحدة الهدف المرتجى في مستقبل أفضل، وفي تكاتف وتلاقٍ وتوحد حول «القضية المقدسة» فلسطين، وحول حماية حق هذه الأمة في أن تقرر مصيرها بإرادتها، متخطية الضغوط وإرهابها بتهمة «الإرهاب»، وفي أن تستخلص حقوقها وتبني أوطانها لتكون دولاً تليق بكرامة إنسانها وبحقه في حياة كريمة.
إن هذه العاصفة المدمرة لا تميز بين بلد غني، كالعراق مثلاً، وبلاد فقيرة كسوريا، بين ليبيا الغنية واليمن السعيد بفقره... والأعجب أن الأعظم شراسة في القتال هم أبناء بلاد في غاية الغنى ولكنهم محرومون من ثروتها، ثم إنهم الأشد تعصباً لأنهم نشأوا وتربوا في بيئة لا تقبل الآخر ولا تعترف به لأنه «كافر» أو «مشرك» أو «مرتد».
لقد أسقطت الديكتاتوريات العروبة كرباط جامع بين العرب، بأكثرياتهم الفقيرة وأقلياتهم الأغنى من المقدر أو المأمول..
ثم إن الديكتاتوريات قد امتهنت إنسانية الشعوب التي حكمتها فجعلتهم رعايا يعيشون في قلب الخوف ولا يملكون القرار في شأن يومهم وغدهم، وجرّدتهم من مناعتهم الوطنية (والقومية) إذ حولتهم إلى أتباع للسلطان من خرج عليه اتهم في دينه وفي وطنيته وفي عروبته، فحوسب محاسبة الكافر- المرتد - الخارج من الدين وعليه ومن دائرة المواطنة ومن البديهي أن يلقى جزاءه.
صار الخيار بين الديكتاتورية الشرسة وبين المكفر القاتل باسم الدين... وهكذا ينتهي المواطن بلا دنيا ولا دين، لا يملك حياته على الأرض ثم ينبري له من يحرمه حقه في الحلم بالدنيا الآخرة ومباهجها.
والسؤال: إلى متى سيُفرض على الشعوب العربية أن تعيش أسيرة الخوف من سيف السلطان أو الخوف من سيف من عين نفسه المفوض من الله سبحانه وتعالى في أن يعاقب المؤمنين على إيمانهم والناس الطيبين بأعناقهم قبل أرزاقهم؟!
إن الجواب: لو أن مصر موجودة ومعافاة وقادرة لما شهدنا هذه المآسي التي تهدد بتدمير الأمة!
حرب البعثين في العراق والشام
ربيع بركات _ السفير البيروتية
«... وبهذا الصدد، ندعو أبناء شعبنا العراقي بكل أطيافه ومكوناته إلى التكاتف والتلاحم والثورة على ظلم وديكتاتورية الحكومة الطائفية الصفوية العميلة، ونقول لأهلنا وإخواننا من أبناء العشائر والفصائل المجاهدة في الأنبار، لستم وحدكم في ميدان المنازلة» (بيان عن الموقع الرسمي لـ«رجال جيش الطريقة النقشبندية» ـ 1/1/2014).
بعد بضعة أشهر من البيان المذكور أعلاه، في نيسان 2014 تحديداً، طلب «جيش الطريقة النقشبندية» من مقاتليه الاستعداد لدخول العاصمة العراقية بغداد. والجماعة التي يقودها عزت الدوري، نائب الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كانت قد تأسست العام 2007، وخاضت، شأنها شأن فصائل إسلامية عدة، بعضها سني وبعضها الآخر شيعي، مواجهات مع قوات الاحتلال. وقد اعتبر البعض هذه الجماعة أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطة العراقية بعد الانسحاب الأميركي، نظراً لإفادتها من بقايا البنى التحتية لحزب «البعث» الذي حكم البلاد طوال خمسة وثلاثين عاماً. ففي أيار 2010 مثلاً، أي قبيل خروج القوات الأميركية من العراق، نقلت خدمة «نيويورك تايمز» لصحيفة «الشرق الأوسط» عن مصادر في الاستخبارات العسكرية الأميركية قولها إن «رجال الطريقة النقشبندية» يطرحون تهديداً لاستقرار البلاد على المدى الطويل يفوق تهديد تنظيم «القاعدة».
على أن الهجمة الأخيرة على مدن الشمال العراقي ووسطه جاءت بتدبير مجموعة فصائل، بحيث لا يمكن اختزال الصورة بفعل تنظيم من دون آخر، علماً أن متصدر الهجمة الذي يُنتظر أن يباشر عملية تصفية القوى الأخرى في حال طول أمد الأزمة، هو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، «داعش».
وقد أثبت التنظيم فعاليته في السيطرة على الأرض، حيث شكلت مجموعاته قوات الصدم، أي طلائع المسلحين الذين أطلقوا عملية الاجتياح الواسع والمنسق مع عدد من ضباط الجيش، الذين أخلوا مراكزهم وأعطوا الأوامر بإلقاء السلاح. كما حصدت الجماعة جراء غزوة الموصل وحدها غنائم تقدر بنحو خمسمئة مليار دينار عراقي (أربعمئة وثلاثين مليون دولار) نقداً، فضلاً عن كميات ضخمة من الذخائر والأعتدة والآليات العسكرية.
وبالرغم من لعب «داعش» دوراً رئيسياً في مناطق سيطرة المسلحين، فإن ذلك لا يلغي حقيقة مفادها أن بعض أبرز ضباط هذا التنظيم هم من بقايا الجيش العراقي السابق، أي بعثيون سابقون، سلفيون حاليون.
وضباط الجيش السابق يمثلون العمود الفقري لمعظم التنظيمات المقاتلة في العراق. بعضهم حافظ على «بعثيته» (الولاء التنظيمي أكثر من أي شيء آخر)، فيما انفض بعضهم الآخر عنها تماماً وآثر الانضواء تحت مظلة أخرى. غير أن الصنفين على السواء، وجدا ملاذاً في جماعات ما دون الدولة بعد خروجهما منها. وقد اكتسب هذان النمطان زخماً مع سلوك حكومات ما بعد الاحتلال نهحاً إقصائياً، دفع جل ضحايا «اجتثاث البعث» إلى الارتماء في أحضان الجماعات الأهلية بتعريفها البدائي، فكان أن حمل بعضهم راية «السلفية الجهادية» (مثل «داعش» و«أنصار السنة» و«الجيش الإسلامي») وبعضهم الآخر عنوان «الإسلام الوسطي» (مثل «كتائب ثورة العشرين» و«جيش المجاهدين») فيما آثر ثالثهم البقاء تحت قيادة «البعث» بصيغة يصفها أنصاره بالـ«صوفية» («جيش الطريقة النقشبندية»).
والانتماء إلى الجماعات الأهلية بمعناها البدائي (الطائفي)، له صلة بسيرورة حزب «البعث» بشقيه العراقي والسوري، بمثل ما يتصل بقضية انهيار الدولة ومؤسساتها.
فقد كان «البعث» في العراق، نظرياً، جلباباً يتسع للأقلية العربية السنية في البلاد، ولقوى غير إسلامية في الوسط الشيعي الغالب ديموغرافياً، خصوصاً مع نمو الإسلام الحركي الشيعي بعد الثورة في إيران. وكان الأمر مشابهاً إلى حد بعيد في سوريا، حيث شكلت خيمة البعث ملاذاً لخصوم الإسلام الحركي السني، من «العلمانيين» السنة والأقليات على السواء، تحديداً بعد تمدد ظاهرة «الإخوان المسلمين» أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي.
بمعنى آخر، فقد شكل «البعث» في القـُطرين حلاً نظرياً (مع التشديد على الكلمة) لهواجس أقلوية، فيما هو اليوم يعكس هذه الهواجس بشكل فج، سواء عن طريق انخراطه في «الحراك السني» في العراق، أو تسويقه لحماية «الأقليات» في سوريا.
وقد بدأ الصراع بين البعثين، السوري والعراقي، تنظيمياً أكثر منه أي شيء آخر. فكان مطلعه بانفجار الخلاف بين القيادتين القطرية (العسكر) والقومية (المدنيين) لحزب «البعث» في سوريا، وبانقلاب العسكر على «القيادة القومية» المنتخبة العام 1966، واختفاء عدد من قياديي الحزب البارزين وهرب مؤسسه ميشال عفلق إلى لبنان فالبرازيل... قبل عودته راعياً رمزياً لحكم «البعث» في العراق.
ثم ما لبث أن انخرط الجناحان في معارك قاسية، ظهرت فيها الهواجس الطائفية التي يعبر عنها كل منهما بشكل أكثر وضوحاً. وتمثل أبرزها بدعم النظام العراقي جماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا في صراعها على السلطة في الثمانينيات، بينما احتضن النظام السوري جماعات الإسلام الشيعي («الدعوة» و«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»...) التي خاضت حربها مع «بعث» العراق كامتداد لحرب إيران مع بغداد.
بيد أن اجتثاث الدولة ومؤسساتها في العراق، حشر بقايا «البعث» في زوايا الانتماء الطائفي، بشكل يفوق ما يحصل في سوريا راهناً، حيث حافظ شعار «الدولة» (في مقابل الفوضى أو «الإمارات الإسلامية») على قدر من الجاذبية التي تفسر، مثلاً، قتال قسم معتبر من السنة في مدينة حلب إلى جانب النظام في تشكيلات «لواء القدس» وكتائب البعث».
أما في العراق، فقد أخذ الاستقطاب الطائفي شكلاً أكثر رادكالية، والسبب هو انهيار الدولة بالذات. إذ إن تفكيك أجهزتها لم يسفر عن إعادة صياغة علاقات القوة في البلاد تلقائياً. وما زال عصياً على الفهم كيف ظن بعض «المثقفين» العرب أن الأمر وارد بمجرد حصول الفراغ، وأن شكلاً من أشكال الهندسة الاجتماعية ممكن بمجرد إسقاط قوالب نظرية حول الديموقراطية المفروضة قسراً، على ظروف مادية غريبة عنها.
لقد ظل إرث عقود حكم «البعث» الثلاثة مسيطراً على مناطق واسعة في العراق، خصوصاً في الوسط والشمال، أو في أوساط «العرب السنة». وكان نتاج تفكيك الدولة لجوء هذا «البعث» إلى ما دونها. وفي حالة «البعثين» المعنيين، يعني ذلك العودة إلى الهواجس الأصلية التي عبر عنها الجناحان، كل في بلده، بكثير من المواربة سابقاً.
...أما اليوم، فاتساع رقعة الحرب في عموم المشرق يوحي بأن حرب «البعثين» لم تنته قط. وحرب «البعثين» ما هي إلا شكل من أشكال «الحروب الأهلية القومية»، مع ذوبان الحدود الفاصلة بين القطرين، ومع انهيار الدولة الحاضنة لإحدى التجربتين، ووقوف التجرية الثانية بدولتها على حافة الانهيار.
في هــــــــــــذا الملف:
أمة في مخيمات اللجوء
طلال سلمان – الشروق المصرية
عمليّةُ الخليل: صاعقةٌ في سماءٍ صافية
هاني المصري – السفير البيروتية
حرب البعثين في العراق والشام
ربيع بركات _ السفير البيروتية
العقيدة ...والعقلية
بقلم لؤي خليل _ توب نيوز
ليسوا "معارضين" بل هم خونة
جاك خزمو – توب نيوز
خيارات العراق في ظل هيمنة التناقضات الداخلية والإقليمية (http://www.raialyoum.com/?p=106895)
ناصر العبدلي – رأي اليوم
قضايا فلسطين المسكوت عنها.. الاستيطان
عمرو حمزاوي – الشروق
داعش تحولت في يوم وليلة من عميلة للنظام السوري إلى قائدة للثورة
ربيع الحسن _ القدس العربي
عمليّةُ الخليل: صاعقةٌ في سماءٍ صافية
هاني المصري – السفير البيروتية
في الوقت الذي اعتقدت فيه حكومة نتنياهو أنّها وصلت إلى أفضل وضع أمنيّ منذ احتلالها برغم استمرارها في تطبيق المشروع، الاستعماريّ الاستيطانيّ الاحتلاليّ العنصريّ العدوانيّ، وبمعدلات غير مسبوقة؛ جاءت العمليّة النوعيّة باختطاف ثلاثة مستوطنين من وسط منطقة «غوش عتصيون» في الخليل، المحميّة أمنيًا من قوات الاحتلال، كصاعقةٍ وقعت على رأسها في سماء صافية، لتعيدها إلى الواقع من خلال تذكيرها أنّ الاحتلال يولّد المقاومة ضده.
ليس مهمًا من ولماذا نفذت العمليّة؟ لأنها رد فعل طبيعي. وكما قال جدعون ليفي، الكاتب الإسرائيلي، في مقال له حمل عنوان «الاختطاف استدعته إسرائيل»: «الذين يرفضون في عناد الإفراج عن سجناء فلسطينيين، وما زال عدد منهم سجناء منذ عشرات السنين، حتى منذ الفترة التي سبقت «اتفاقات أوسلو»، وعدد منهم التزمت إسرائيل بالإفراج عنهم؛ والذين يسجنون منذ سنين معتقلين من دون محاكمة؛ والذين يتجاهلون إضرابًا عن الطعام لـ 125 معتقلا «إداريًا»، يحتضر بعضهم في المستشفيات؛ والذين ينوون إطعامهم بالقوة، والذين يريدون أن يسنوا قوانين جائرة تعارض الإفراج عنهم ـ ينبغي ألا يُظهروا أنهم فوجئوا أو زُعزعوا بسبب عمل الاختطاف فهم الذين استدعوه».
ويضيف ليفي «مع قتل المسيرة السياسيّة وإنزال الستار على آخر أمل فلسطيني بالإفراج عن السجناء بمسيرة سياسيّة؛ يكون الطريق الوحيد المفتوح أمام الفلسطينيين، ليذكّروا الإسرائيليين بوجودهم ومشكلتهم هو طريق الكفاح العنيف، لأن كل طريق آخر أغلق في وجوههم. فغزة إذا لم تطلق صواريخ القسام غير موجودة. وتغيب الضفة عن وعي الإسرائيليين، إذا لم يختطف طلاب معهد ديني».
إضافة إلى ما ذكره ليفي، أورد أن الذي يكثف الاستيطان، بحيث وصل عدد المستوطنين إلى أكثر من 700 ألف مستوطن ويخطط لكي يصل العدد إلى مليون خلال سنوات قليلة، والذي يواصل تهويد وأسرلة القدس، ويقسّم الحرم الإبراهيمي مكانيًا وزمانيًا، ويحمي الاعتداءات اليوميّة ضد المقدسات، وخصوصًا الأقصى، وسط دعوات معلنة لتقسيمه زمانيًا ومكانيًا تمهيدًا لهدمه وبناء «هيكل سليمان» الثالث المزعوم على أنقاضه، والذي يطلق قطعان المستوطنين ليعيثوا في الأرض الفلسطينيّة فسادًا في سلسلة اعتداءات يوميّة منهجيّة تستهدف إبقاء عيش الفلسطينيين في جحيم لدفعهم إلى الهجرة القسريّة داخل وطنهم وخارجه، والذي يواصل تقطيع أوصال الأرض الفلسطينيّة واستكمال بناء جدار الضم والتوسع العنصري، ويفرض الحصار على قطاع غزة والعدوان المستمر ضدها؛ ليس من حقه أن يستغرب وأن يستنكر عمليّة الاختطاف، وما سبقها من عمليات مماثلة تم إحباطها وفق زعم موشيه يعلون، وزير الحرب الإسرائيلي، الذي قال «إنه تم إحباط ثلاثين عمليّة اختطاف خلال العام 2013، و14 عمليّة منذ بداية هذا العام.
ردة الفعل الإسرائيليّة أكبر بكثير من الرد على عمليّة الاختطاف، ما يدل على أن الحكومة مرتكبة وغاضبة، وتريد أن تتهرب من المسؤوليّة عن الفشل والقصور الفادح، وتصدر أزمتها إلى السلطة الفلسطينيّة لأنها تصالحت مع «حماس»، من خلال الادّعاء بأنها لم تقم بالتزاماتها التي تفرض عليها التعاون التام مع إسرائيل في محاربة الإرهاب ومنفذيه ومنع وقوعه، متجاهلة أن العمليّة وقعت في منطقة (ج) الخاضعة كليًا للسيطرة الإسرائيليّة.
فإسرائيل منذ سنوات طويلة أنهت التصنيفات (أ، ب، ج)، وتقوم بشكل يومي باقتحام المدن واعتقال من تشاء ومتى تشاء، وبعد أن تجاوزت الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة التزاماتها بـ«اتفاق أوسلو» وإزاء ما يسمى «عمليّة السلام»، وتريد التزامًا كاملا بالالتزامات الفلسطينيّة؛ فهذا الأمر من المفترض أن يكون ليس معقولاً ولا مقبولاً، ومن غير الممكن استمراره حتى لو أعلن الرئيس أبو مازن أن التنسيق الأمني «مقدّس».
إن التجربة الماضية تدل على أن الحملات العسكريّة التي نظمت على إثر عمليات الاختطاف السابقة، بما فيها «من بيت إلى بيت» لم تؤد إلى تحرير المخطوفين، إلا أن الحكومة الإسرائيليّة أعلنت حربًا شعواء ضد الخليل، ونظمت حملة بمشاركة آلاف الجنود بعد استدعاء جزء من قوات الاحتياط وزج الوحدات المختارة، وتم اعتقال أكثر من 150 فلسطينيًا، معظمهم من كوادر ونواب «حماس»، وإغلاق الضفة، وترويع السكان، وتنفيذ عمليات اغتيال وقصف ضد غزة، والتهديد بشن عدوان واسع على القطاع، وتدفيع «حماس» ثمنًا باهظًا وشن «عمليّة السور الواقي 2»؛ ما يعنيه ذلك من إفلاس وتغطية على الفشل في تحديد هويّة ومكان الخاطفين رغم الادّعاءات بقرب إنهاء هذه القضيّة. كل ذلك استعراض قوة ومحاولة لطمأنة الإسرائيليين الذين قدرتهم على الاحتمال محدودة، ولممارسة أقصى ضغط نفسي على الفلسطينيين حتى يضيقوا ذرعًا بالخاطفين ويضغطوا عليهم وعلى من يقف وراءهم قبل تصاعد المواجهات إلى نقطة اللاعودة.
وفي ذات السياق، صرح مسؤول إسرائيلي بأن حصار الخليل مستمر والحملة ستطال الجميع، وطالب وزير شؤون الاستخبارات الإسرائيلي الأسرة الدوليّة بتحميل السلطة مسؤوليّة الاختطاف، لأنها شكلت حكومة وفاق مع «حماس». أما رئيس المعارضة، زعيم «حزب العمل»، فتوقع أن يؤدي تنشيط التنسيق الأمني بعد العمليّة إلى زعزعة، وربما انهيار، المصالحة الفلسطينيّة، بينما دعا وزير الإسكان إلى تطبيق حكم الإعدام ضد المخربين المعتقلين في السجون الإسرائيليّة، وطاب عضو كنيست بقتل بعض الأسرى. كما هناك تهديد بهدم منازل قيادات «حماس» وإبعادهم إلى غزة. ونظمت حملة على «الفايسبوك» تطالب بقتل فلسطيني كل ساعة حتى عودة المخطوفين، وانضم لها خلال ساعات أكثر من 10 آلاف شخص، وطالبت منظمة «بيتار» العالميّة - وهي حركة شباب صهيونيّة - في رسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيليّة بقتل إسماعيل هنيّة ومروان البرغوثي.
هل ستؤدي العمليّة إلى تغيير إستراتيجي في القواعد التي تحكم العلاقات الفلسطينيّة - الإسرائيليّة منذ تولي أبو مازن سدة الحكم وحتى الآن؟.
يمكن أن تؤدي العمليّة إلى تصعيد إسرائيلي لا تحتمله السلطة، ما قد يدفعها إلى وقف التنسيق الأمني وإطلاق يد أفراد الأجهزة الأمنيّة للدفاع عن شعبهم، أو لتمرد هؤلاء كما حصل مع أحد الأفراد الذي أطلق النار على قوات الاحتلال. وقد تؤدي إلى تقوية الوحدة الفلسطينيّة أو إلى إضعاف وانهيار المصالحة الوطنيّة، خصوصًا أنها لا تزال في البداية وهشّة وتتعرض لمعارضة إسرائيليّة واسعة، وقد تتمكن قوات الاحتلال من الوصول إلى مكان المخطوفين وإطلاق سراحهم، أو إلى قتلهم مع الخاطفين وعدد من أفراد القوات المهاجِمة.
إن الوضع مفتوح على كل الاحتمالات، والفلسطينيون رغم حكومة الوفاق الوطني ليسوا مستعدين لمواجهة هذا الموقف الجديد، ما يطرح الحاجة مجددًا إلى بلورة رؤيا وإستراتيجيات جديدة بأسرع وقت وقبل فوات الأوان، أو الندم حين لا ينفع الندم.
العقيدة ...والعقلية
بقلم لؤي خليل _ توب نيوز
مع بدايات مايسمى الربيع المستعرب كثرة المصطلحات والمفردات التي تداعب عقول مختلف المستويات الثقافية والبيئات المختلفة. حتى طرقت ابواب اﻻمم واصبحت ألسنة العواصم تتحدث بها مع بدايات اﻻزمة السورية. فمن عقلية النصرة الى دولة اﻻسﻻم التي سخرت لها طاقات اﻻسﻻم الوهابي واستخباراته واعﻻمه البعيدعن العقيدة هذاماقامت جماعة برنار ليفي بتسويقه ضرب العقلية سواء الدينية اوالقومية داخل المجتمع المتنوع لتشويه العقيدة والعكس كان ثابت في عدة مجتمعات. فقلب المجتمعات المعتدلة في تونس ومصر وسوريا بالعقائد الوهابية هذه العقليات المتذرعة بالعقائد الاجتهادية البعيدةعن العقليات الصحية لدين اﻻسﻻم والتي هي اقرب الى العقلية المخابراتية المتصهينة هكذا فصلو الدين والعقيدة عن العقلية والثقافة.
هذه كانت محاولتهم لضرب ثقافة المقاومة وعقيدةالشهادة بفلسفات دينية حاقدة تشرع افﻻم اﻻباحة في جهادهم المفترس للشرع والمناهض للاخلاق والبشرية. فالجهاد اصبح نكاح والمقاومة اصبحت نصرة قتل كل حامل سﻻح في وجه اسرائيل في حجة الخلاف في الدين..هذا الخنوع الذي بدا في وجوههم منذ حرب العراق وتشويه القران ومبادئ رسوله..نعم لعبها ليفي واعوانه العرب المتصهينين هذا جناهم المتصهين لعبوها بالعقيدة والعقلية .. لعبوها في الدم والفضاء .لكنهم نسوا ان هناك في اﻻرض اصحاب دين وعقيدة مجتمعة اصحاب ثقافة المقاومة اصحاب انتصارات تعانق الفضاء وتتكلم في اﻻرض شهادة. فمن جمع العقيدة والعقلية استبسل في حقه. سيستيقظ هذا العالم ليلقى اصحاب العقيدة المتصهينة والعقلية المشوهة قد لفظهم التاريخ بين شوارعهم ممزقين .عطشى لدماء الغدر بينما ستتفتح اعينهم على جيل مقاوم سوري يعانق اخاه اللبناني والمصري . جيل اعار جمجمته لله وامن بعقيدته نصرا لله. فثقافة العدو تجسدت من جديد في عقليات المواطن واكثرفي عقيدة الجيوش العربية فادرك الجميع ان هذا العدوالجديد /اﻻرهاب/ ايضا بعقلية صهيونية. وسيكتشف هؤﻻء الشباب المبرمج انهم كانوا ضحية العقائد المفبركة باخونة بغيضة ووهابية متامركة رسمت لها مهمتين تامين وجوداسرائيل كبديل اول لطرق وانتاج الطاقة في العالم ﻻوروبا والثاني تامين وجودها كدولة عظمى يهودية بين دويﻻت متدينة صغيرة الدين والديانات فكل حساباتهم كانت ستصب في احﻻم .
نعم هذا ماافرزوه فينا اجيال تعشق الشهادة بعقيدة وتحتفل بالنصر بعقلية البطولة هذا ماتراه فقط عند شعب اﻻنتصارت ..
ليسوا "معارضين" بل هم خونة
جاك خزمو – توب نيوز
بعد فوزه بمنصب رئيس دولة الكيان الاسرائيلي في الانتخابات التي جرت في البرلمان (الكنيست) الاسرائيلي يوم الثلاثاء الموافق 10 حزيران 2014، تلقى الرئيس اليميني والمتطرف روبين ريفلين برقيات واتصالات هاتفية مهنئته بهذا الفوز، ومن بينها تهاني من الذين يسمون أنفسهم بأنهم معارضون "سوريون". وقد أبدوا فيها سرورهم لفوز ريفلين وتَطّلعهم لتعاون أكبر لتدمير سورية.
وسائل الاعلام الاسرائيلية طبلت وزمرت لهذه التهاني الآتية من عملاء كشفوا المزيد من تواطئهم مع عدو بلدهم الأول وعدو الأمة العربية، وعروا أنفسهم أكثر وأكثر أمام كل شعوب العالم.
وكان أحد أعضاء ما تسمى بالمعارضة "السورية"، والذي يقيم خارج سورية، وفي فنادق الخمس نجوم قد أدلى بتصريح وعد فيه باستعداد "المعارضة" على التنازل عن حق سورية في الجولان المحتل مقابل تعاون اسرائيل مع "المعارضة" لاسقاط الدولة السورية، وخاصة الرئيس الشرعي الدكتور بشار الأسد.. وهؤلاء "المعارضون" ما زالوا يتحدثون بصورة شبه يومية مع وسائل الاعلام في اسرائيل طالبين الدعم الاسرائيلي لمشروعهم التآمري على سورية، القلب النابض للأمة العربية.
قد لا يستحق هؤلاء تناولهم في أي مقال أو موضوع لأنهم خونة وعملاء، ولكن من الواجب على كل كاتب شريف أن يدافع عن سورية، وان يعري هؤلاء المتآمرين، ويكشف لأبناء الشعب السوري، بأن هدف هؤلاء الخونة هو تدمير سورية، والدخول اليها عبر الدبابات الاسرائيلية، فهم لا يبغون الاصلاح بل يسعون الى تدمير سورية وتسليمها لاعدائها، وهذا الهدف لن يتحقق بالطبع لان سورية قلعة حصينة قوية صلبة، كسرت وتكسر كل الأيادي التي امتدت وتمتد اليها.
وهؤلاء أكدوا بشكل قاطع أن رئيسهم هو ريفلين لانهم يؤكدون الولاء له عبر تقديم التهاني له، وعبر استعدادهم لتقديم كل شيء يطلبه منهم مقابل مساعدتهم لتدمير سورية واسقاط الدولة، وضرب الوحدة الوطنية فيها.
ويؤكد هؤلاء أنهم "نموذج" حي على طبيعة وشكل ونوعية "المعارضة" في الخارج، فهي بالواقع ليست معارضة بل مجموعات متآمرة، فولاؤها الأول والأخير هو لعدو سورية ولكل المتآمرين عليها.
الشعب السوري واع ويعرف هؤلاء منذ فترة طويلة، لكن تهاني بعضهم للرئيس الاسرائيلي اليميني المتطرف الذي يشجع الاستيطان، ويرفض انهاء الاحتلال، ويرفض حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه الكاملة، عرّتهم وأكدت لنا جميعاً على أنهم أعداء سورية، وأعداء فلسطين وأعداء العروبة.. وهم خونة عملاء عبيد، وهم ليسوا سوريين أو عرباً لانهم موالون واتباع وأذناب لاعداء الامة العربية وفي مقدمتهم اسرائيل.. ومصيرهم مزابل التاريخ.
خيارات العراق في ظل هيمنة التناقضات الداخلية والإقليمية (http://www.raialyoum.com/?p=106895)
ناصر العبدلي – رأي اليوم
على وقع التطورات الدامية أجريت الإنتخابات البرلمانية العراقية في شهر أبريل وأعلن عنها في منتصف شهر مايو الماضي، غير أن هناك “حزمة” من الأسئلة ظلت تتزاحم خلف المشهدين الأمني “الدموي” أولا ثم السياسي ثانيا.. بعضها يتساءل حولجدوى الديمقراطية إذا لم يكن هناك من يؤمن بها، وبعضها يتساءل حول وجود من يؤمن بالعنف طريقا للوصول إلى السلطة، وهناك من يتساءل عن جدواها إذا كانت الحلول والتسويات إقليمية ومحملة بملايين الدولارات ، كل تلك الأسئلة وغيرها تدور في خلد العراقيين لكن لاتجد من يجيب عليه .
المشهد السياسي العراقي خليط من كل تلك الأسباب التي يطرحها العراقيين كاسئلة وهي بالطبع لن تؤدي إلى قيام مشروع ديمقراطي حقيقي، لأن الجميع كما يبدو في الطريق إلى القبول بالأمر الواقع، والإعتراف بتداعياته الحالية وبينها تقسيم العراق بين الشرائح الإجتماعية والطائفية والسياسية وفقا للصيغة اللبنانية وهذا يمثل إنتكاسة كبيرة لطموحات المواطن العراقي في أن يكون بلده جزءا من المشاريع الديمقراطية لا جزءا من نماذج العالم المتخلف الذي تقوده التناقضات الداخلية، والمصالح الضيقة.
لن تجدماهو أدق من ذلك المشهد في حال أردت قياس قدرة القوى الإقليمية في التأثير على الأحداث الداخلية فقراءة نتائج الإنتخابات البرلمانية ستخبرك أن جيران العراق شركاء في تلك الإنتخابات (إيران، تركيا ، دول الخليج)، بل يمكن القول دون تردد أن الناخب الحقيقي هم جيرانه وليس شعبه إلى حد ما بالطبع فلا يمكن بأي حال من الأحوال إستبعاد العامل المحلي وقدرته على المناورة في مثل تلك الأحداث لكنه يبقى ضعيفا مقارنة بالعامل الخارجي، وإن بدت بعض الأطرف كما لو أنها تمتلك زمام المبادرة.
التغيير ليس كبيرا، وليس هناك مفاجآت أيضا، فقد حصلت القوى نفسها على حصة الأسد فهذا التحالف الوطني الشيعي الذي يتكون من ثلاث كتل رئيسية (دولة القانون والأحرار والمواطن) حصل على مايقارب 157 مقعدا في البرلمان الجديد وهي تتوزع على 92 مقعدا للقانون “نوري المالكي” والأحرار “مقتدى الصدر “34 مقعدا والمواطن “عمار الحكيم” 31 مقعدا، وهذه القوى وإن ظهرت بأنها قوى سياسية إلا أن الحقيقة المحزنة أنها تقوم على أسس غير سياسية كما يفترض بالقوى السياسية أن تكون فهي خليط من قوى إجتماعية يغلب عليها الطابع المذهبي أكثر من أن تمتلك مشروعا سياسيا يستمد مشروعيته من فكرة المواطنة، ومع ذلك فأن تلك الأغلبية لاتكفي لتكوين الكتلة الأكبر في البرلمان كما يقضي بذلك حكم المحكمة الدستورية العليا في العراق الخاص بتفسير المادة (76) من الدستور، ولابد من إستكمال المقاعد لتصل إلى 165 على الأقل ( نصف + 1 (.
هناك الكتلة الكردية وقد حصلت على 62 مقعدا ( الاتحاد الكردستاني ، الحزب الديمقراطي الكردستاني ) الأول يقوده ( الطالباني ) حصل على 21 مقعدا، والثاني يقوده ( البارزاني ) وحصل على 25 مقعدا، وهناك حركة التغيير وحصلت على 9 مقاعد، والاتحاد الاسلامي الكردستاني وحصل على 4 مقاعد، بالإضافة إلى الجماعة الاسلامية الكردستانية ولها 3 مقاعد، وهناك ائتلاف “متحدون للإصلاح” الذي يتزعمه رئيس البرلمان الحالي، أسامة النجيفي، (سني) وحصل على 23 مقعدا ، فيما حصل ائتلاف “القائمة العربية” (سني) بزعامة صالح المطلك على 9 مقاعد ، وحصل ائتلاف “الوطنية” بزعامة إياد علاوي (علماني) على 22 مقعدا.
سنجد أن هناك ثلاث مستجدات عند قراءة الساحة أبرزها إعتراف السنة والأكراد بحق التحالف الوطني والكتل الشيعية الثلاث المنضوية تحت جناحه بتحديد من هو رئيس الوزراء المقبل، وهو أمر يحدث للمرة الأولى عكس ماجرى في الإنتخابات الماضية عندما حاول السنة اللعب على الخلافات الشيعية من خلال ترشيح رئيس الوزراء السابق أياد علاوي لهذا المنصب، لكن ذلك منح المالكي فرصة تسويق نفسه على أنه الأجدر بهذا المنصب بحكم دوره في الحفاظ على الجسد الشيعي متماسكا.
كما أن وجود قوى كردية جديدة على الساحة هي حركة التغيير بزعامة نيوشران مصطفى كطرف ثالث في المعادلة الكردية وتداعيات ذلك على الفصيلين الكرديين الأكبر منذ أكثر من عشرين عاما (الإتحاد الوطني، الديمقراطي الكردستاني)، وتحالف الأخير معها لترتيب البيت الداخلي في كردستان العراق أضفى جواء من التنافس ربما يستفيد منه التحالف الوطني في مرحلة لاحقة.
يبدو أن ضعف الدور المرجعي أو عدم رغبته في الخوض في العملية الإنتخابية والتريث ربما حتى نضوج التحالفات من أجل تشكيل الحكومة الجديدة أو في حالة عدم التوافق على مرشح وحيد لمنصب رئيس الوزراء بين التحالف الوطني، هو أحد المتغيرات في الساحة فلطالما كانت المرجعية عاملا حاسما ، لكنها تدخلت هذه المرة لدعم مرشح دون آخر ضمن التحالف الوطني، وكانت ردة الفعل الشعبية في أوساط ناخبي التحالف عكس ماشجعت عليه المرجعية وكانت الإستجابة متواضعة.
يمكن أن تكون أجواء الإرتباك في معسكر المعارضين للتجديد للمالكي لولاية ثالثة عاملا جديدا يضاف إلى الساحة فلم تكن ساحتهم بمثل هذا الإرتباك من قبل حتى أن بعض القوى السنية تبرأت من فكرة إنشاء كتلة تسمى “إتحاد القوى” بعدما ظهر حجم الفوضى والتردد داخلها، ويقال أن ثمرة هذه الفوضى والتردد تأييد محتمل لثلاثين نائبا سنيا وهو رقم يتناقض مع المعركة السابقة تجاه المالكي، ورغم المحاولات لإضفاء شرعية وطنية على مثل تلك الإنتخابات على إعتبار أن هناك دعما سنيا للمالكي إلا أن الحقيقة تقول أن الترتيبات السياسية في الدول الديمقراطية لاتقوم على مثل تلك المبررات وكان يفترض ان يكون هناك مؤسسات سياسية تقوم على جميع مكونات المجتمع العراقي وتتنافس فيما بينها على طرح المشاريع الوطنية.
حتى فكرة القائمة الوطنية يترتيب كتلة “عابرة للطوائف”، ليست فكرة مثالية وفقا للمعطيات الديمقراطية الحقيقية فقد نشأت ضمن تطورات غير ديمقراطية ، لذا فأنها لامحالة ستواجه المصير الذي واجهته تنظيمات مشابهة لإن إمكانية تجميع تلك التناقضات القومية والمذهبية والعرقية أشبه بالمحال فلا يمكن بأي حال من الأحوال ضم التحالف الكردستاني وتياري مقتدى الصدر وعمار الحكيم وعلاوي والنجيفي والعلمانيين بعد ظهور النتائج الإنتخابية على مشروع وطني لأن منطلقاتهم التي قاموا عليها تتعارض مع فكرة الجسد الوطني الشامل، فهم نتاج إقصاء وتهجير ظل لسنوات طوال أو نتائج للتدخل في شؤونهم الداخلية كما حدث عند غزو العراق وإحتلاله من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وتلك بالتأكيد ليست ظواهر صحية ، لذا لن يكون أمام الجميع إلا خيار وحيد هو العمل على تحديد بديل للمالكي من خلال التحالف الوطني نفسه، وطرح خلالها مشروع وطني شامل يتناول بالمراجعة كل الهياكل القائمة بدءا بمؤسسات الدولة وإنتهاءا بالأحزاب، خاصة في ظل التطورات السياسية والأمنية الأخيرة، على أن يضع في إعتباره أن تضخم القطاع العام نذير شؤم على التجارب الديمقراطية في العالم.
قضايا فلسطين المسكوت عنها.. الاستيطان
عمرو حمزاوي – الشروق
فى 5 يونيو 2014، أعلنت الحكومة الإسرائيلية ـ حكومة بنيامين نتنياهو ـ عن خطط لمواصلة توسعها الاستيطانى الإجرامى فى الضفة الغربية والقدس بإضافة 3300 وحدة سكنية خلال العام الجارى للمستوطنات القائمة. الإعلان الإسرائيلى، والذى جاء بعد أقل من أسبوع من تشكيل حكومة التوافق الفلسطينية بمشاركة السلطة وحماس، ينقل التوسع الاستيطانى فى الأراضى المحتلة إلى مستويات غير مسبوقة منذ تسعينيات القرن العشرين بل ويتجاوز عدد الوحدات السكنية المستهدف إضافتها العدد الكارثى الذى سجل فى 2013 وكان 2534 وحدة سكنية (ضعف عدد الوحدات التى أضيفت فى 2012).
الإعلان الإسرائيلى، والذى لم يواجه لفظية إلا بإدانات عربية وإسلامية وغربية، يثبت ما أشرت إليه من قبل بشأن استغلال حكومة نتنياهو لانصراف الدول العربية عن قضايا فلسطين وانشغال الكثير منها بأزماتها وتوتراتها الداخلية أو بتصفية حلم الديمقراطية فى بلاد العرب أو بالأوضاع الإقليمية بعيدا عن القدس والضفة وغزة لكى تكثف توسعها الاستيطانى الإجرامى على نحو يقضى عملا على الإمكانيات الواقعية لتطبيق حل الدولتين.
الإعلان الإسرائيلى، والذى لم ينتبه إليه العدد الأكبر من الأصوات والمجموعات المدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان فى العالم العربى وكان واجبها الإدانة القاطعة وتجديد خلايا مبادرات مقاطعة إسرائيل شعبيا ومنتجات الأخيرة الصناعية والزراعية يتواصل تسربها إلى بعض الأسواق العربية والتعاون الاقتصادى والتجارى بينها وبين بعض الدول العربية إما على حال السنوات الماضية أو فى تنامى مطرد، يأتى فى سياق توجهات للرأى العام الإسرائيلى تتشكك فى «جدوى مفاوضات السلام مع الفلسطينيين» وفى «حل الدولتين» ويسهل من ثم التلاعب بها من قبل حكومة نتنياهو (التى يغلب عليها اليمين المحافظ والديني) لتمرير التوسع الاستيطانى الإجرامى دون معارضة داخلية كبيرة.
ففى استطلاع رأى أجرته مؤخرا مراكز أبحاث إسرائيلية على عينة من المواطنين البالغين (نشرت نتائجه صحيفة هاآرتس وصحف أخرى وأشارت إليه بعض الصحف المصرية على نحو غير دقيق)، سجلت نسبة 59 بالمائة من العينة المستطلع رأيها قناعتها بأن الاستيطان يضر بعلاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة الامريكية وفضلت نسبة 50 بالمائة توجيه الأموال المستثمرة فى بناء المستوطنات إلى التعليم والخدمات الاجتماعية، بينما قرر 40 بالمائة أن الاستيطان يضيع موارد البلاد. فى المقابل، أيد 12 بالمائة استمرار الأوضاع الحالية فى القدس والضفة الغربية دون تغيير ورفضوا التنازل عن سيطرة إسرائيل على الأراضى المحتلة (وقطاعات واسعة من الرأى العام الإسرائيلى لا تنظر لها كذلك، تماما كما لا تنظر للاستيطان كعمل مجرم دوليا صدرت بحقه أحكام قانونية دولية ملزمة وعديد القرارات الدولية)، بل أيد 31 بالمائة ضم القدس بالكامل وأجزاء واسعة من الضفة وغزة إلى إسرائيل على نحو نهائى. وإذا كان 51 بالمائة من العينة المستطلعة عبروا عن موافقتهم على «التنازل الجزئي» عن بعض الأراضى فى الضفة إلا أنهم ربطوا ذلك بتوقف «الإرهاب الفلسطيني»، وادعاء وجود الأخير توظفه حكومة نتنياهو لمواصلة سياستها العدوانية وحشد التأييد العام لتوسعها الاستيطانى.
إزاء عدوانية الحكومة الإسرائيلية والعجز العربى على مستوى الحكومات وآليات العمل الجماعى (جامعة الدول العربية) واكتفاء الدبلوماسية الدولية (أمريكية وأوروبية وروسية وصينية) بالإدانة اللفظية، يتعين على منظمات المجتمع المدنى العربية والأصوات الفكرية والثقافية والفنية (وربما السياسية) الملتزمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان وبالدفاع عن الحق الفلسطينى فى تقرير المصير والدولة المستقلة أن تعيد إحياء مبادرات المقاطعة الشعبية الكاملة لإسرائيل والمطالبة بتجميد جميع أشكال التعاون الاقتصادى والصناعى والتجارى والعلمى معها إلى أن يتم إيقاف التوسع الاستيطانى الإجرامى تماما وتبدأ مفاوضات جادة لتمكين الفلسطينيين من بناء دولتهم وعودة اللاجئين وتعويض ضحايا العدوانية الإسرائيلية التى تتواصل يوميا.
دعونا نرفض تحويل قضايا فلسطين إلى مسكوت عنه، وندرك أن ملفاتنا الداخلية فى مصر ترتبط عضويا بمجمل الأوضاع العربية وأن العمل على بناء الديمقراطية هنا لن ينفصل عن نضال الشعب الفلسطينى من أجل الحق والحرية ولا عن نضال الشعوب العربية الأخرى.
داعش تحولت في يوم وليلة من عميلة للنظام السوري إلى قائدة للثورة
ربيع الحسن _ القدس العربي
تحدثت في مقال سابق منذ حوالي العام (بعنوان الفتنة المذهبية ليست وليدة الأزمة السورية 25- 6- 2013) على أن بذور الفتنة المذهبية بدأت مع احتلال العراق 2003 حيث كان الهدف تدمير العراق وتقسيمه على أساس طائفي تمهيدا لتقسيم سورية ودول الخليج ، حتى تطل إسرائيل وتقول ما الضير في أن أكون دولة يهودية باعتبار أن كل المحيط عبارة عن دويلات من لون واحد، وبهذا يتم تصفية القضية الفلسطينية وتصبح القضية المركزية لكل دويلة كيفية الرد والهجوم على الدويلة المجاورة .
لم تنجح أمريكا في إثارة الفتن الطائفية خلال احتلال العراق بالشكل المطلوب (لأسباب يطول شرحها) ، لذلك لجأت للعدوان على لبنان في تموز (يوليو) 2006 للقضاء على حزب الله القوة الرئيسية المعادية لإسرائيل والتي حررت أرض لبنان المحتلة في عام 2000، كان القضاء على حزب الله ضروريا باعتباره سوف يقف في وجه تكوين الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به رايس عندما بدأ العدوان على لبنان، فكان الهدف بعد القضاء على الحزب السيطرة على قرار المنطقة بأكملها ودعم حلفاء أمريكا في المنطقة ليكونوا هم من يقود عملية التقسيم بأوامر من أمريكا. صمود وانتصار حزب الله أجل المشروع الأمريكي عدة سنوات حتى 2011 عندما استغلت أمريكا الاحتجاجات التي اندلعت في عدد من الدول العربية لصالحها معتمدة على حلفائها في المنطقة فتم تحويل المطالب المحقة للشعوب العربية في كل البلدان لتصبح بابا للتدخل الأجنبي العلني بحيث أصبحت ليبيا واليمن وسورية ومصر وقبلهم العراق نموذجا للبلدان التي تنتهك سيادتها بسبب التدخلات الدولية والإقليمية والعربية .
بدأ الخطاب الطائفي يتصاعد مع انطلاق الاحتجاجات في سورية على الفضائيات الخليجية بشكل خاص والعربية عموما، هذا الخطاب منذ البداية كان يستهدف تفتيت المجتمعات العربية واستغلال مطالب الناس المحقة وتشويهها. لاشك أن هذا الإعلام مع وسائل التواصل الاجتماعي في ظل عدم وجود حلول حقيقية من قبل الأنظمة الحاكمة ساهم خلال الأعوام السابقة بزيادة التوتر الطائفي في المنطقة، ومع استمرار الأزمة السورية وتحويل الصراع إلى صراع مسلح منذ البداية تعزز التطرف في المنطقة، ففي السنة الأولى من الأزمة السورية تم الإعلان عن تشكيل ما سمي “الجيش الحر” الذي يمثل جيش السنة (الدم السني واحد) الذي يقاتل الجيش السوري الذي أطلقوا عليه اسم الجيش النصيري، فقدما روج الغرب ومعظم الإعلام العربي بأن ما يجري في سورية هو حرب طائفية بين السنة والعلويين ولكل منهم جيشه المستقل المدعوم من أطراف إقليمية ودولية بحيث أصبح يطلق على المحور الروسي الإيراني السوري مع حزب الله باسم المحور الشيعي مقابل المحور الأمريكي الخليجي التركي الحمساوي مع “الجيش الحر” .
هذه الفكرة حاولوا زرعها في عقل المواطن السوري والعربي مع بداية الأزمة السورية وقد نجحوا تحت هذا العنوان في استقطاب المجاهدين من كل العالم للقتال في سورية فلم نعد نسمع سوى عبارات التحرير والتطهير والتعقيم وتسوية المدن في الأرض …الخ.
مع بداية 2012 وجدت الدول التي أسست “الجيش الحر” أنه لم يستقطب الكثير من السنة كما كان يريدون وبقي الجيش السوري متماسكا، لذلك عملوا على تشكيل قوى رديفة للحر وتكون ذات طابع إسلامي علني، فتم الإعلان عن تشكيل جبهة النصرة المكونة من المجاهدين السنة الأشداء الذين سوف يطهرون سورية من العلويين وباقي الأقليات.
عندها بدأت التفجيرات والمجازر في سورية اتهمت السلطة بأنها هي من تقوم بهذه الأفعال، حيث كان الهدف في هذه المرحلة(بداية 2012) التعبئة واستقطاب المزيد من المتعاطفين للانضمام للجماعات الإسلامية التي تقاتل “الجيش النصيري” الكافر الذي يرتكب المجازر والتفجيرات.. فقد وجدت الدول الاستعمارية في تسهيل مرور المتطرفين عبر تركيا بشكل خاص فرصة كبيرة للقضاء عليهم وإضعاف الجيش السوري بالإضافة إلى زرع في نفسية المواطن العربي السني العداء تجاه المواطن الشيعي وبالعكس مما يهدد كل المنطقة بما فيها دول الخليج وبدرجة اقل إيران وبهذا تصبح إسرائيل مرتاحة لوضعها لأبعد الحدود دون أي تكلفة.
قد يقول قائل أن أمريكا وضعت جبهة النصرة على لوائح الإرهاب، لكن ماذا يفيد ذلك وهي تغض النظر عن كل أنشطتها وتمويلها من قبل الدول الخليجية وبخاصة قطر بالإضافة لتسهيل تنقل المتطرفين من كل دول العالم نحو سورية. وبالنسبة للمعارضة السورية التي ناشدت التدخل الأمريكي في سورية اعتبرت جبهة النصرة من أهم القوى المقاتلة التي تعمل لصالح “الثورة السورية”. عندما بدأت داعش بالظهور على الأرض السورية وعرفت على نفسها بأنها تنتمي لتنظيم القاعدة أحرج هذا الأمر الائتلاف ومجلس اسطنبول لذلك قفوا منها موقفا حذرا، وعندما بدأ الصراع المسلح بين النصرة و داعش اتفق المعارضون والمؤيدون “للثورة” على أن داعش هي من صنيعة المخابرات السورية وقد زرعها النظام لتشويه صورة المعارضة لكي يبرر مقولته أنه يقاتل في سورية ضد إرهابيين قدموا من كل الدول. فكلنا يتذكر عندما بدأت عمليات القتل بحق عناصر الجيش في بداية الأزمة اتهموا الأمن والشبيحة بإطلاق النار على عناصر الجيش ، وعندما أصبح الجيش السوري بنظرهم هو “الجيش النصيري” اتهموه بأنه هو من يقوم بتفخيخ السيارات وهو من يرتكب المجازر، وعندما لم يستطيعوا الاستمرار باتهام السلطة بأنها وراء التفجيرات اتهموا عناصر زرعها النظام في جسم المعارضة بأنها هي وراء هذه التفجيرات حتى ظهور داعش واقتتالها مع بقية الفصائل المسلحة ألقوا كل ما تقوم به المعارضة المسلحة من مجازر على عاتق داعش باعتبارها صنيعة المخابرات السورية. مع استمرار الصراع دخل حزب الله إلى سورية في ظل دعم إيراني معلن للسلطة السورية علما أن اتهام الحزب بمقاتلة السوريين “السنة” قد بدأ منذ الأسابيع الأولى للأزمة.
المشكلة أن المحور المحسوب على أنه يمثل السنة في حقيقة الأمر أول ما يسيء للسنة قبل الآخرين، ويهدف الغرب من هذا المحور إظهار أن السنة في العالم العربي متطرفون ويؤيدون الجماعات الجهادية وقطع الرؤوس والذبح، لأنهم يعلمون الفرق الكبير بين الجماعات المتطرفة وبين حزب الله فالأخير حزب منظم وله ضوابط صارمة ولا يقتل أبرياء وليس هدفه إقامة دولة شيعية في سورية ولم يتدخل في سورية إلا بعد أن دخلها كل الجهاديين واستهدفوا مناطق الحزب في لبنان وطرق الإمداد من الأراضي السورية . لذلك فإن ما يقوم به الحزب سيكون موضع ترحيب كبير من قبل الشيعة وحتى السنة في حين أن أعمال الجماعات المتطرفة التي تدعو علنا لقتل الشيعة والروافض وتذبح كل من يخالفها في الرأي حتى لو كان سنيا سوف تسيء لأهل السنة في المقام الأول خاصة بأنه بدأ الترويج لهذه الجماعات على أنها المدافعة عن حقوق السنة المسلوبة خاصة في سورية ولبنان والعراق.
ويحاول الإعلام الخليجي والشخصيات المعارضة لإيران في الوطن العربي إقناع العرب أن إيران هي العدو الأخطر منذ عدة سنوات ، فقد تحدثوا علنا على أن الشيعة في الوطن العربي كلهم رأي واحد ويد واحدة من إيران إلى العراق فسورية مروا بلبنان حتى اليمن و الخليج في حين أن السنة في الوطن العربي يحاربون بعضهم ويتآمرون على بعضهم وضربوا مثلا على ذلك تآمر حكام الخليج السنة على حكم الاخوان في مصر ، حتى أن بعضهم حذر السنة في الوطن العربي بأن استمرارهم على هذا الحال سوف يؤدي في النهاية إلى أن يصبحوا عبيدا عند إيران.
مما يؤكد مشروع التقسيم الطائفي ما يحدث في العراق فبعد أن هاجمت داعش المدن العراقية وتوعدت الشيعة في هذا البلد وقامت بعمليات قتل وذبح للشيعة الذين ألقت القبض عليهم، تحول مقاتلي داعش في يوم وليلة من عملاء للمخابرات السورية إلى ثوار أشداء يقاتلون في سبيل الله ونصرة للشعوب المظلومة. هكذا وبدون مقدمات تغير خطاب الذين كانوا يتهمون داعش بالعمالة للسلطة السورية. لكن البعض منهم (والحق يقال) يدعو للتريث والتفكير جيدا فقد تكون داعش من صنع إيران وتهدف لتحقيق غاية معينة من هذا الفعل (ينتقدون السلطة السورية عندما تتحدث عن المؤامرة وهم أساتذة في هذا المجال). فإذا بعد أن هاجمت داعش العراق ودعت لمقاتلة الشيعة أصبحت حركة ثورية.. هذا يعني لو أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة- تحولت لقتال الشيعة وأعلنت ذلك لتجد مئات المقالات لنفس الأشخاص الذين ينتقدون الجبهة يشكرونها ويعتبرونها حركة ثورية.
والشيء المضحك المبكي أننا عندما نتقاتل فيما بيننا كل منا يستدعي العم سام ليخلصه من الآخر، فكيف يمكن أن ندين طلب المعارضة التدخل الأجنبي بشؤون سورية أو العراق ولكن عندما تصل داعش إلى مدننا نطلب من أمريكا المساعدة كما حصل في العراق.
نستطيع القول أن مشروع تفتيت المجتمع السوري على أسس طائفية لم ينجح بالشكل المخطط له، والدليل بقاء الجيش السوري متماسكا وهو مكون من كل السوريين على اختلاف مذاهبهم، كما أن رفض غالبية السنة في سورية للمشروع الوهابي ومحاربته أدى لمنع تقسيم البلد حتى الآن، فلو لقيت المجموعات المتطرفة قبولا لدى ثلث السنة في سورية فقط لوجدنا الدماء تسيل في سورية أكثر مما هي عليه الآن بأضعاف، لذلك فإن محاولة إثارة الفتنة المذهبية اليوم في العراق ستكون نتائجها كارثية على الشعب العراقي بكل طوائفه ومذاهبه وأعراقه وسوف تنتقل هذه الفتنة إذا ما نجحت لتصيب كل دول المنطقة والخليجية منها على وجه الخصوص، ومن هنا على رجال الدين من الشيعة والسنة العمل على إخماد هذه الفتنة بدلا من اعتلاء المنابر والدعوات للجهاد فالكل مخطىء فلا يمكن لمؤامرة أن تنجح في بلد لو أن نظام الحكم في هذا البلد قوي ويهمه المواطن في بلده في المقام الأول، لذلك على الجميع التنازل ومحاربة التطرف من أي طرف جاء وضرورة العمل على تكوين عقد بين السنة والشيعة يحرم قتل المسلم لأخيه وتشكيل قوى مشتركة يكون هدفها حماية البلد لا اقتسام ثرواته.
أمة في مخيمات اللجوء
طلال سلمان – الشروق المصرية
تنتثر مخيمات اللجوء في أربع رياح الأرض العربية من أقصى مغربها إلى أدنى مشرقها: لكأن الأمة جميعاً في العراء!
تتفاوت الأرقام، من بلد إلى آخر، لكنها بالملايين رجالاً ونساءً، شيوخاً وشباباً وأطفالا، بعضهم ينطوي على نفسه مستغرقاً في تهاويم ذكرياته يتابع بنظره اندثار دخان سجائره في الهواء، بينما النساء منهمكات في كنس الرمل، (ومن قبل في جرف الثلج)، وتنظيف محيط الخيمة، ما أمكن، فإذا ما أطلت شاحنات المساعدات والصدقات الدولية أو العربية ازدحم الجميع من حولها لينال كلٌ حصته، قبل أن يسبقه غيره...
في وعي «العرب» عموماً، أن مشاهد اللجوء بطوابير المقتلعين من بيوتهم المرميين في المجهول من الأمكنة، انتظاراً للمجهول من المقادير، كانت من اختصاص «الفلسطينيين»، باعتبارهم أول شعب عربي طرده الاحتلال الإسرائيلي ووحشية عصاباته المسلحة من أرضه إلى خارجها، هائماً على وجهه لا يعرف أي شيء عن غده، يراد منه أن ينسى وطنه واسمه وهويته وأهله جميعاً.
أما اليوم فطرد «العرب» الذين كانوا حتى الأمس مواطنين من مدنهم والقرى والدساكر، بات شاملاً وليس «ميزة» للشعب الفلسطيني وحده، يندرج في جداوله معظم «العرب»، إذ يشمل السوريين والعراقيين والليبيين واليمنيين والموريتانيين والسودانيين و«الصحراويين» وبعض التوانسة من أهل الجنوب.. وما دامت الثروات الوطنية منهوبة فلا فرق بين رعايا دولة غنية بالنفط وأخرى فقيرة لا يجد الناس فيها قوت يومهم.
لا ضرورة للسؤال عن أسباب الخروج الجماعي لهذه العائلات، بمئات الآلاف، وأحياناً بالملايين، من ديارهم إلى خيام التبرعات والصدقات والذل وهدر الكرامة الإنسانية والتحسر على الوطن وزمان الأمن في ظل الدولة التي كانت «قوية» جداً عليهم، ثم تكشف ضعفها، فجأة، أمام الخارجين عليها، فانهارت وصارت إقامتهم في مدنهم وقراهم مصدر خطر على حياة أسرهم في ظل رياح القتل والتهديم والجوع.
إنهم يهربون من الموت بالقصف المدفعي أو بغارات الطيران أو بالعبوات الناسفة أو برصاص القنص أو بسيوف هؤلاء الذين نبتوا فجأة في الأرض، وفوضوا أنفسهم بهداية المؤمنين، مسلمين أساساً، ومعهم بعض المسيحيين، إلى دين الحق... يهربون وقد غطت الدموع عيونهم حزناً على بيوتهم المهدمة وأكواخهم الفقيرة التي كانوا قد ألفوها فأمنتهم ووفرت لهم ولأطفالهم المأوى.
في المخيمات التي تم تركيبها، على عجل، خارج حدود وطنهم، ولكن على مقربة منه، أو داخل هذه الحدود، ولكن في ما اعتبر «مناطق آمنة»، يجيء إليهم من يحصيهم ويسجل أسماءهم الكاملة، غالباً بواسطة مترجم.. ثم يفاجأون بمشاهير من نجوم السينما ومن كبار المسؤولين في السياسة الدولية وعنها يأتون إليهم ليلتقطوا صوراً تذكارية معهم! هذا يداعب طفلة، بل إنه قد يحملها، وذلك يحاور طفلاً بلغة لا يفهمها إلا عبر المترجم. وبعد التحقيق والتدقيق يعطون أرقاماً بدلاً من أسمائهم، تسجل على بطاقات يذهبون بها إلى «مسؤولين»، يوزعون عليهم بعض الأغذية والشاي والسكر والبطانيات، ويحددون لهم رقم خيمتهم التي سوف يتناسلون ـ بعد اليوم- فيها.
تصير المخيمات بديلاً مؤقتاً من الوطن، وتصبح «الهيئات الدولية» بديلاً مفوضاً من «الدولة»، وتتهاوى الرايات التي كانت تجسد الأحلام بإزالة الحدود، تمهيداً لقيام دولة الوحدة العتيدة أمام «الرايات السوداء» المنقوش عليها آيات التوحيد والشهادة بأن الله اكبر وبأن محمداً هو رسوله بالدين الحق... يدعى المؤمنون إلى تأكيد إيمانهم الذي رضعوه جيلا بعد جيل، حتى من دون معرفة بالقراءة والكتابة، والذين ـ تطبيقا لشعائره - يصلون في المواقيت الخمسة، كل يوم. يكفّر من يشك «المبشرون الجدد» بإسلامهم، كالشيعة والعلويين والإسماعيليين والدروز. ثم إنهم يكفّرون «مسلمي النظام» ويحاولون اقتلاع المسيحيين من أرضهم التي كانوا فيها قبل الإسلام واستمروا فيها بعده وبرعايته، فلم يُكرهوا على الخروج من دينهم إليه.
تتبدل خرائط التحالفات السياسية. تتهاوى بواقي الأحزاب العلمانية في مختلف إرجاء الوطن الكبير. ينتشر الرعب في أوساط الحاكمين فيزيدهم شراسة، وفي أوساط المحكومين فيكتشفون أنهم في العراء، لا من يحميهم ولا من يؤويهم، فدوافع الإخوة اضعف من أن تتحمل أثقال هذه الألوف المؤلفة من النازحين والمهجرين.
الخيام الزرقاء في كل مكان، إعلاناً بتهاوي «الدولة» في معظم إرجاء المشرق العربي، من دمشق الأمويين إلى بغداد العباسيين وصولاً إلى صنعاء مملكة بلقيس وسد مأرب.. بينما الخيام الملكية المكيفة تستمتع بإنجازها: لقد أنجزت فأسقطت دول الخصوم سياسياً وطائفياً ومذهبياً، ويمكنها الآن أن تعيش بأمان في ظلال إسلام يقوم على حراسته الأميركيون بطائراتهم «المن» دون طيارين أو بأسلحة اشد فتكاً، إذا لزم الأمر.
تتهاوى روابط العروبة، بالمصالح المشتركة والمصير المشترك.
تخرج جميع العصبيات من جحورها: الطائفية، المذهبية، الجهوية، القبلية،...
يتبدى «الطغيان» مكشوفاً: هو مصدر هذا الانهيار الشامل، سياسياً وفكرياً واجتماعياً. ينشطر الإسلام «أدياناً» مقتتلة.
تنتشر «الرايات السوداء» في كل مكان. كيفما التفتَّ تطالعك صور هؤلاء الملتحين الآتين من قلب الجاهلية بوهم هداية المسلمين إلى الدين الحنيف.
يتحول ملايين العرب الذين كانوا آمنين في ديارهم، بغض النظر عن رأيهم في حكامهم الظالمين، إلى مشردين يتوزعون على آلاف الخيام الزرقاء ينتظرون سيارات الهيئات الدولية المسؤولة ـ بعد اليوم- عن حياتهم، والتي تعطي كلاً منهم رقماً سجّل محل اسمه وعائلته، ونسبه سيصير رقم خيمته، أما الإعاشة فحسب أعداد عائلته.
يسهل القول: إن هذا المشهد يلخص نتائج الديكتاتورية التي مارستها أنظمة العسكر أو التعصب المذهبي...
ولكن حملة «الرايات السوداء»، قتلة الشباب والرجال رمياً بالرصاص أمام الكاميرات الدولية، هادمي المنازل، مدمري مواقع الإدارة وحتى المستشفيات، لا يملكون برنامجاً أو خطة أو مشروعاً لإعادة البناء. إنهم يهدمون فقط. إنهم يدمرون أسباب العمران..
ومع الاحترام للمسلمين في أربع رياح الأرض فإن الحقيقة الواضحة أن المسلمين العرب لم يكونوا ناقصي الإيمان بحيث يتطوع الشيشان والخزر والترك والكرد والتتار والمغول وغيرهم ليتكبدوا مشاقّ السفر إليهم في «دار الإسلام» لهدايتهم. فإن كان ثمة نقص في الإيمان فليس بالإعدامات الجماعية، وليس بتهديم أسباب العمران تكون الهداية ويتم نشر الدين الحق.
ثم إن أحكام الإعدام لا تطال الحكام المتهمين في خروجهم على الدين الحق، بل إنها لا تصيب إلا الناس الطيبين، الساعين إلى رزق عيالهم، وهم غالباً أبناء مناطق لم تصلهم خيرات «السلطان» والمنتفعين بعطاياه.
التعصب يخرج أتباعه من الدين الحق... والتطرف يدمر جوهر الرسالة.
وها هي النتائج تعلن الحقائق الموجعة: الحكام المعنيون في مواقعهم أما الضحايا فهم الناس الطيبون، المؤمنون، الساعون وراء رزقهم، والمتروكون الآن للريح في خيام اللجوء، بينما الحكام في قصورهم التي لم تلحق بها نار الاقتتال.
إن العرب يعيشون «نكبة» اخطر ألف مرة من نكبتهم في فلسطين. بل هي اخطر من حصيلة «النكبة» و«النكسة» و«الصلح المنفرد».
لقد انفرط عقدهم، وانصرف بعضهم إلى قتال بعضهم الآخر بشعار الإسلام، فكانت الضحية الأولى الهوية القومية الجامعة، أي العروبة بمضامينها الأصلية، أي وحدة الهدف المرتجى في مستقبل أفضل، وفي تكاتف وتلاقٍ وتوحد حول «القضية المقدسة» فلسطين، وحول حماية حق هذه الأمة في أن تقرر مصيرها بإرادتها، متخطية الضغوط وإرهابها بتهمة «الإرهاب»، وفي أن تستخلص حقوقها وتبني أوطانها لتكون دولاً تليق بكرامة إنسانها وبحقه في حياة كريمة.
إن هذه العاصفة المدمرة لا تميز بين بلد غني، كالعراق مثلاً، وبلاد فقيرة كسوريا، بين ليبيا الغنية واليمن السعيد بفقره... والأعجب أن الأعظم شراسة في القتال هم أبناء بلاد في غاية الغنى ولكنهم محرومون من ثروتها، ثم إنهم الأشد تعصباً لأنهم نشأوا وتربوا في بيئة لا تقبل الآخر ولا تعترف به لأنه «كافر» أو «مشرك» أو «مرتد».
لقد أسقطت الديكتاتوريات العروبة كرباط جامع بين العرب، بأكثرياتهم الفقيرة وأقلياتهم الأغنى من المقدر أو المأمول..
ثم إن الديكتاتوريات قد امتهنت إنسانية الشعوب التي حكمتها فجعلتهم رعايا يعيشون في قلب الخوف ولا يملكون القرار في شأن يومهم وغدهم، وجرّدتهم من مناعتهم الوطنية (والقومية) إذ حولتهم إلى أتباع للسلطان من خرج عليه اتهم في دينه وفي وطنيته وفي عروبته، فحوسب محاسبة الكافر- المرتد - الخارج من الدين وعليه ومن دائرة المواطنة ومن البديهي أن يلقى جزاءه.
صار الخيار بين الديكتاتورية الشرسة وبين المكفر القاتل باسم الدين... وهكذا ينتهي المواطن بلا دنيا ولا دين، لا يملك حياته على الأرض ثم ينبري له من يحرمه حقه في الحلم بالدنيا الآخرة ومباهجها.
والسؤال: إلى متى سيُفرض على الشعوب العربية أن تعيش أسيرة الخوف من سيف السلطان أو الخوف من سيف من عين نفسه المفوض من الله سبحانه وتعالى في أن يعاقب المؤمنين على إيمانهم والناس الطيبين بأعناقهم قبل أرزاقهم؟!
إن الجواب: لو أن مصر موجودة ومعافاة وقادرة لما شهدنا هذه المآسي التي تهدد بتدمير الأمة!
حرب البعثين في العراق والشام
ربيع بركات _ السفير البيروتية
«... وبهذا الصدد، ندعو أبناء شعبنا العراقي بكل أطيافه ومكوناته إلى التكاتف والتلاحم والثورة على ظلم وديكتاتورية الحكومة الطائفية الصفوية العميلة، ونقول لأهلنا وإخواننا من أبناء العشائر والفصائل المجاهدة في الأنبار، لستم وحدكم في ميدان المنازلة» (بيان عن الموقع الرسمي لـ«رجال جيش الطريقة النقشبندية» ـ 1/1/2014).
بعد بضعة أشهر من البيان المذكور أعلاه، في نيسان 2014 تحديداً، طلب «جيش الطريقة النقشبندية» من مقاتليه الاستعداد لدخول العاصمة العراقية بغداد. والجماعة التي يقودها عزت الدوري، نائب الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كانت قد تأسست العام 2007، وخاضت، شأنها شأن فصائل إسلامية عدة، بعضها سني وبعضها الآخر شيعي، مواجهات مع قوات الاحتلال. وقد اعتبر البعض هذه الجماعة أحد أبرز التحديات التي تواجه السلطة العراقية بعد الانسحاب الأميركي، نظراً لإفادتها من بقايا البنى التحتية لحزب «البعث» الذي حكم البلاد طوال خمسة وثلاثين عاماً. ففي أيار 2010 مثلاً، أي قبيل خروج القوات الأميركية من العراق، نقلت خدمة «نيويورك تايمز» لصحيفة «الشرق الأوسط» عن مصادر في الاستخبارات العسكرية الأميركية قولها إن «رجال الطريقة النقشبندية» يطرحون تهديداً لاستقرار البلاد على المدى الطويل يفوق تهديد تنظيم «القاعدة».
على أن الهجمة الأخيرة على مدن الشمال العراقي ووسطه جاءت بتدبير مجموعة فصائل، بحيث لا يمكن اختزال الصورة بفعل تنظيم من دون آخر، علماً أن متصدر الهجمة الذي يُنتظر أن يباشر عملية تصفية القوى الأخرى في حال طول أمد الأزمة، هو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، «داعش».
وقد أثبت التنظيم فعاليته في السيطرة على الأرض، حيث شكلت مجموعاته قوات الصدم، أي طلائع المسلحين الذين أطلقوا عملية الاجتياح الواسع والمنسق مع عدد من ضباط الجيش، الذين أخلوا مراكزهم وأعطوا الأوامر بإلقاء السلاح. كما حصدت الجماعة جراء غزوة الموصل وحدها غنائم تقدر بنحو خمسمئة مليار دينار عراقي (أربعمئة وثلاثين مليون دولار) نقداً، فضلاً عن كميات ضخمة من الذخائر والأعتدة والآليات العسكرية.
وبالرغم من لعب «داعش» دوراً رئيسياً في مناطق سيطرة المسلحين، فإن ذلك لا يلغي حقيقة مفادها أن بعض أبرز ضباط هذا التنظيم هم من بقايا الجيش العراقي السابق، أي بعثيون سابقون، سلفيون حاليون.
وضباط الجيش السابق يمثلون العمود الفقري لمعظم التنظيمات المقاتلة في العراق. بعضهم حافظ على «بعثيته» (الولاء التنظيمي أكثر من أي شيء آخر)، فيما انفض بعضهم الآخر عنها تماماً وآثر الانضواء تحت مظلة أخرى. غير أن الصنفين على السواء، وجدا ملاذاً في جماعات ما دون الدولة بعد خروجهما منها. وقد اكتسب هذان النمطان زخماً مع سلوك حكومات ما بعد الاحتلال نهحاً إقصائياً، دفع جل ضحايا «اجتثاث البعث» إلى الارتماء في أحضان الجماعات الأهلية بتعريفها البدائي، فكان أن حمل بعضهم راية «السلفية الجهادية» (مثل «داعش» و«أنصار السنة» و«الجيش الإسلامي») وبعضهم الآخر عنوان «الإسلام الوسطي» (مثل «كتائب ثورة العشرين» و«جيش المجاهدين») فيما آثر ثالثهم البقاء تحت قيادة «البعث» بصيغة يصفها أنصاره بالـ«صوفية» («جيش الطريقة النقشبندية»).
والانتماء إلى الجماعات الأهلية بمعناها البدائي (الطائفي)، له صلة بسيرورة حزب «البعث» بشقيه العراقي والسوري، بمثل ما يتصل بقضية انهيار الدولة ومؤسساتها.
فقد كان «البعث» في العراق، نظرياً، جلباباً يتسع للأقلية العربية السنية في البلاد، ولقوى غير إسلامية في الوسط الشيعي الغالب ديموغرافياً، خصوصاً مع نمو الإسلام الحركي الشيعي بعد الثورة في إيران. وكان الأمر مشابهاً إلى حد بعيد في سوريا، حيث شكلت خيمة البعث ملاذاً لخصوم الإسلام الحركي السني، من «العلمانيين» السنة والأقليات على السواء، تحديداً بعد تمدد ظاهرة «الإخوان المسلمين» أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن الماضي.
بمعنى آخر، فقد شكل «البعث» في القـُطرين حلاً نظرياً (مع التشديد على الكلمة) لهواجس أقلوية، فيما هو اليوم يعكس هذه الهواجس بشكل فج، سواء عن طريق انخراطه في «الحراك السني» في العراق، أو تسويقه لحماية «الأقليات» في سوريا.
وقد بدأ الصراع بين البعثين، السوري والعراقي، تنظيمياً أكثر منه أي شيء آخر. فكان مطلعه بانفجار الخلاف بين القيادتين القطرية (العسكر) والقومية (المدنيين) لحزب «البعث» في سوريا، وبانقلاب العسكر على «القيادة القومية» المنتخبة العام 1966، واختفاء عدد من قياديي الحزب البارزين وهرب مؤسسه ميشال عفلق إلى لبنان فالبرازيل... قبل عودته راعياً رمزياً لحكم «البعث» في العراق.
ثم ما لبث أن انخرط الجناحان في معارك قاسية، ظهرت فيها الهواجس الطائفية التي يعبر عنها كل منهما بشكل أكثر وضوحاً. وتمثل أبرزها بدعم النظام العراقي جماعة «الإخوان المسلمين» في سوريا في صراعها على السلطة في الثمانينيات، بينما احتضن النظام السوري جماعات الإسلام الشيعي («الدعوة» و«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»...) التي خاضت حربها مع «بعث» العراق كامتداد لحرب إيران مع بغداد.
بيد أن اجتثاث الدولة ومؤسساتها في العراق، حشر بقايا «البعث» في زوايا الانتماء الطائفي، بشكل يفوق ما يحصل في سوريا راهناً، حيث حافظ شعار «الدولة» (في مقابل الفوضى أو «الإمارات الإسلامية») على قدر من الجاذبية التي تفسر، مثلاً، قتال قسم معتبر من السنة في مدينة حلب إلى جانب النظام في تشكيلات «لواء القدس» وكتائب البعث».
أما في العراق، فقد أخذ الاستقطاب الطائفي شكلاً أكثر رادكالية، والسبب هو انهيار الدولة بالذات. إذ إن تفكيك أجهزتها لم يسفر عن إعادة صياغة علاقات القوة في البلاد تلقائياً. وما زال عصياً على الفهم كيف ظن بعض «المثقفين» العرب أن الأمر وارد بمجرد حصول الفراغ، وأن شكلاً من أشكال الهندسة الاجتماعية ممكن بمجرد إسقاط قوالب نظرية حول الديموقراطية المفروضة قسراً، على ظروف مادية غريبة عنها.
لقد ظل إرث عقود حكم «البعث» الثلاثة مسيطراً على مناطق واسعة في العراق، خصوصاً في الوسط والشمال، أو في أوساط «العرب السنة». وكان نتاج تفكيك الدولة لجوء هذا «البعث» إلى ما دونها. وفي حالة «البعثين» المعنيين، يعني ذلك العودة إلى الهواجس الأصلية التي عبر عنها الجناحان، كل في بلده، بكثير من المواربة سابقاً.
...أما اليوم، فاتساع رقعة الحرب في عموم المشرق يوحي بأن حرب «البعثين» لم تنته قط. وحرب «البعثين» ما هي إلا شكل من أشكال «الحروب الأهلية القومية»، مع ذوبان الحدود الفاصلة بين القطرين، ومع انهيار الدولة الحاضنة لإحدى التجربتين، ووقوف التجرية الثانية بدولتها على حافة الانهيار.