Haneen
2014-07-17, 10:50 AM
اقلام عربي 03/07/2014
في هــــــــــــذا الملف:
عيون وآذان (عذر لقتل السلام)
بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
رأي البيان: عدوان إسرائيل المستمر
بقلم: أسرة التحرير عن البيان الاماراتية
انتصار العقلانية الفلسطينية في مواجته “شعار” نتنياهو وتعاطيه مع ملف المخطوفين
بقلم: نبيل عودة عن رأي اليوم اللندنية
مؤسسة القتل الرسمية!
بقلم: حلمي الأسمر عن الدستور الاردنية
نتنياهو…الحل من جانب واحد
بقلم: فايز رشيد عن الوطن العُمانية
مركز سابان الإسرائيلي للأبحاث وخطة عام 2013 لتقسيم المنطقة
بقلم: تحسين الحلبي عن الوطن السورية
رأي القدس: «الدولة الكردية» بين قبول تركي وحماس اسرائيلي
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
ظلال صلاح الدين بين أربيل وتل أبيب
بقلم: ماجد عبد الهادي عن العربي الجديد
سياسات أميركية أوصلت إلى «الخلافة» البغدادية
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
هل يستيقظ النظام السياسي العربي من سباته
بقلم: فاروق يوسف عن العرب اللندنية
حروب المنطقة والبازارات المفتوحة!
بقلم: الياس الديري عن النهار البيروتية
كلمة الرياض: العروبة لن تندثر!!
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
نحو توازن جديد للقوة فى الشرق الأوسط
بقلم: جميل مطر عن الشروق المصرية
عيون وآذان (عذر لقتل السلام)
بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
أدين بأوضح عبارة ممكنة قتل أولاد إسرائيليين ثلاثة خُطِفوا في الضفة الغربية. نحن نتهم حكومة إسرائيل الإرهابية وجيش الاحتلال يوماً بعد يوم بقتل أولاد فلسطينيين وأطفال، ولا يجوز أبداً أن نسكت عن قتل أي صغار.
أقول هذا ثم أزيد مذكراً القارئ بسطور كتبتها قبل أيام قلت فيها إن مجرم الحرب بنيامين نتانياهو ربما كان يتمنى موت الأولاد الثلاثة لتبرير حرب جديدة على قطاع غزة. في اليوم التالي لانتشار خبر قتل الأولاد كتب أبرز ثلاثة معلقين سياسيين إسرائيليين (كله محفوظ عندي) محذرين نتانياهو من القيام بمغامرة غير محسوبة مثل اجتياح قطاع غزة.
هم يعرفون نتانياهو أكثر مما أعرفه وأفضل ويعرفون أنه إرهابي يبحث عن جريمة إلا أنهم لا يقولون هذا بل يتهمون ضحايا الاحتلال والقتل والتشريد بالإرهاب.
نتانياهو مجبول بالإرهاب، وهو كتب يوماً مفاخراً في صحيفة إسرائيلية بأنه كان مجنداً وشارك في الهجوم على مطار بيروت سنة 1968 الذي دُمِّرَت فيه 13 طائرة مدنية ودانه العالم. مع ماضي نتانياهو وحاضره ربما يستغرب القارئ أن أقول إن في حكومته مَنْ هم أكثر ميلاً إلى الإرهاب منه على رغم ما يبدو من استحالة ذلك.
في البحث عن الأولاد الثلاثة قتلت حكومة مجرمي الحرب شابين فلسطينيين، ثم واحداً ثم آخر، وأصابت كثيرين بجروح. وقد دانت جماعات حقوق الإنسان جرائم ضد الفلسطينيين قبلي.
نتانياهو قال فور انتشار خبر خطف الأولاد الثلاثة إن حماس خطفتهم. هو سجل على نفسه أنه إرهابي، ولو انتظر وزعم أنه تلقى معلومات لوجد مَنْ يصدقه. تسرعه كان سببه أنه يبحث عن عذر لتخريب المصالحة الفلسطينية، مع أنه لو ترك الفلسطينيين يتدبرون أمورهم لربما فشلت من دون مساعدته كما فشلت عدة محاولات مصالحة سابقة.
أرجو أن تكون حماس بريئة من جريمة قتل الأولاد، وأعرف أن رئيس المكتب السياسي الأخ خالد مشعل لا يمكن أن يأمر بقتل أولاد، إلا أنني لا أعرف قيادة حماس في غزة، ثم لا أدري إذا كان عضوان في حماس أو أعضاء في منظمة فلسطينية أخرى قرروا خطف الأولاد وقتلهم من دون استشارة قيادتهم.
ثلاثة أولاد إسرائيليين أدين قتلهم ثم أذكر القارئ بأن جيش الاحتلال والمستوطنين قتلوا 1500 قاصر فلسطيني (دون الخامسة عشرة) في العقد الأول من هذا القرن. ونسمع الآن عن ثلاث أمهات إسرائيليات فجعن بأولادهن الثلاثة، ولكن لا نسمع عن 1500 أم فلسطينية فجعت كلٌ منهن بابنها.
لا أذكر أن الرئيس باراك أوباما عزى أماً فلسطينية بابنها ولكن أذكر أنه منع إدانة إسرائيل في مجلس الأمن وأنه بعث برسائل إلى الأمهات الإسرائيليات يعزيهن بأولادهن. أوباما أهدانا «حكي» وعواطف فارغة في خطابه المشهور في جامعة القاهرة سنة 2009، وأهدى إسرائيل سلاحاً تقتلنا به ومساعدات اقتصادية استمرت حتى والولايات المتحدة تقف على شفير الإفلاس بعد 2008.
أميركا تقدم لإسرائيل وفيها ستة ملايين مستوطن 3.5 بليون دولار معلنة كل سنة، وتقدم لمصر وفيها 90 مليون مواطن 1.5 بليون دولار، ثم تحجب بعضها بين حين وآخر وتهدد مصر.
كل هذه المـساعدات بدأ مع اتفاقات كامب ديفيد واستمراره مربوط بها، لذلك أتمنى أن يأتي يوم يجمِّد فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي دور مصر في معاهدة السلام، ويبلغ إسرائيل أن وقف أي جزء من المساعدات لمصر يعني تخلي الولايات المتحدة عن شروط المعاهدة. هو لو فــعل لتولى لوبي إسرائيل في واشنطن إقناع الكونغرس بعدم وقف أي مساعدات لمصر لأن إسرائيل لن تحظى بأي سلام من دون مصر.
اليوم يهدد نتانياهو حماس من دون دليل، وحتى «المعتدلان» في حكومته يائير لابيد وتزيبي ليفني يطالبان بمعاقبة حماس، أما الإرهابي نفتالي بنيت، إبن المهاجرين من أميركا، فيهدد نتانياهو إذا لم يأمر بردٍّ مدمر على حماس، في حين أن الإرهابي الآخر وزير الدفاع موشي يعالون يريد استخدام العقل، لا العاطفة، قبل بدء عمليات عسكرية ضد حماس وقطاع غزة كله.
أترجم هذه المواقف إلى ما يفهم القارئ العربي فما يقولون هو أن حكومة مجرمي الحرب لا تريد عملية سلام، وهذه متوقفة أصلاً منذ نيسان (أبريل) الماضي، وقد وجدوا عذراً في قتل الأولاد الثلاثة، فكأنهم طلبوا قتلهم ليمارسوا الإرهاب، وهو سياستهم الوحيدة.
رأي البيان: عدوان إسرائيل المستمر
بقلم: أسرة التحرير عن البيان الاماراتية
في غمرة تطورات الأحداث المتلاحقة في المنطقة والعالم، والتي باتت تشغل القادة والساسة الكبار والرأي العام العالمي أكثر من غيرها، يستغل الاحتلال الإسرائيلي هذا الانشغال ليواصل عدوانه على الفلسطينيين وأراضيهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، بذريعة الانتقام لمقتل ثلاثة إسرائيليين، يلف رواية العثور على جثثهم في الخليل كثير من الغموض والتشكيك وغياب الأدلة.
أول من أمس، قصف طيران الاحتلال الحربي وبحريته، كافة مدن وبلدات قطاع غزة بأكثر من ستين صاروخاً، فيما أعدمت قوات الاحتلال ومستوطنوه فلسطينيين بدم بارد في جنين والقدس، وفجّر الجيش الإسرائيلي ثم هدم منزلين يزعم أنهما للخاطفَيْن.
ولم تكتفِ سلطات الاحتلال بذلك، بل إنها واصلت حملات دهم واعتقالات في الضفة، طالت عشرات الفلسطينيين ومئات المنازل، معلنة أنها »تدرس« حجم الرد على مقتل المستوطنين الثلاثة، ومتجاهلة دعوات من داخل كيانها تطالب بالتهدئة وتفادي تصعيد لن تُحمد عقباه، في ظل أحداث المنطقة الملتهبة.
نوايا إسرائيلية مبيّتة، وهدفها الأساسي غير المعلن، هو إفشال المصالحة الوطنية الفلسطينية، والرد على ما تعتبره تل أبيب تنامي نفوذ حركة »حماس«، وهناك تهديدات كثيرة سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي انتظر مسرحية الاختطاف، أو ربما افتعلها، ليبرر هجمته الشرسة على الأراضي الفلسطينية، بذرائع واهية ومفضوحة، لا تنم إلا عن همجية الاحتلال وضربه عرض الحائط بالمجتمع الدولي ولوائحه وأعرافه ومواثيقه، معلناً ثلاث »مهمات« أمام إسرائيل، هي الوصول إلى منفذي عملية الخليل، وضرب »حماس« في الضفة، واستمرار استهدافها في غزة، ما يعزز فرضية افتعال تلك الأحداث لتحقيق أجندات سابقة، هدفها الأساسي تقويض »حماس«، وضرب التوافق الفلسطيني الداخلي، بما يهدم حكومة التوافق، ويعيد الفلسطينيين إلى مربع الانقسام والتشتت.
أما القيادة الفلسطينية، ورغم توقعها المسبق لهذا المخطط الإسرائيلي من قبل، إلا أنها لا تملك سوى بيانات الرفض والتنديد، ومناشدة المجتمع الدولي والعالمين العربي والإسلامي نصرة الفلسطينيين، وصد عدوان الاحتلال عنهم وعن أراضيهم، أو الوقوف ضد تصعيده.
انتصار العقلانية الفلسطينية في مواجته “شعار” نتنياهو وتعاطيه مع ملف المخطوفين
بقلم: نبيل عودة عن رأي اليوم اللندنية
يظن نتنياهو ان ساعته قد حلت، تماما مثل المبعوثين الإلهيين من القرون الوسطى وما قبل التاريخ. استغل عملية خطف ثلاثة صبيان لينفذ ما يتوهم انه عملية تطهير ضد حماس في الضفة الغربية.. بهدف اعادة شق الموقف الفلسطيني ودفع الفلسطينيين الى نزاع أكثر عنفا من انقلاب حماس السابق.
اودالقول انه رغم انتقادات قوى وطنية وقوى من حماس لموقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من موضوع خطف الأولاد وضررها على الوضع الفلسطيني، الا ان ما يتضح أكثر وأكثر ان موقف محمود عباس لم يكن هو الموقف الذي توقعه نتنياهو. الموقف الفلسطيني الرسمي اربك خططه التي بدأت تتضح اليوم بصورة افضل، وليت منتقدي عباس يعيدون تقييم الأحداث التي اعقبت خطف الأولاد الثلاثة.
هناك ابعاد مختلفة دفعت عباس لموقفه العقلاني، اولا: تجريد اسرائيل من الحجة التي تكررها حكومة اليمين من رئيسها حتى أصغر موظف فيها ، بان السلطة الفلسطينية ورئيسها معادين للسلام ولا يشكلون مفاوضا مناسبا لعملية السلام التي احتلت جهودا اساسية من جهود وزير خارجية الدولة الحاضنة لإسرائيل ، واعني جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، ونجح المفاوض الفلسطيني بجعل كيري يوجه اللوم بأشكال عديدة لا تفسر على وجهين للموقف الاسرائيلي.
ثانيا: “مونديال نتنياهو العسكري المتواصل في الخليل” واعتقالاته لقيادات حماس وغيرها من القوى السياسية في الخليل والضفة الغربية لم تقنع دول العالم وخاصة دول الاتحاد الأوروبي بتغيير سياساتهم من الاحتلال ( رغم انه وزع السكريات على ابناء المعتقلين)، وشهدنا ان دول الاتحاد الأوروبي تأخذ خطوات أكثر فاعلية من موضوع المستوطنات وتعلن بوضوح ان المستوطنات غير مشروعة، وتنذر مواطنيها من التعامل مع المستوطنات ..واعلن سفير الاتحاد الأوروبي في تل ابيبإن دولا كثيرة في الاتحاد الأوروبي تفقد صبرها إزاء سياسة البناء في المستوطنات…وان الاتحاد الأوروبي يرى ان المستوطنات غير شرعية من جهة القانون الدولي. لذلكهناك مخاطر قضائية واقتصادية قد تصيب الشركات والأفراد الذين يقومون بفعاليات اقتصادية أو ينفذون عمليات تحويل أموال أو استثمار أو يوقعون على صفقات أو يشترون أراضي أو يحصلون على خدمات سياحية من جهات استيطانية.
ثالثا: على ضوء كل هذه التطورات يبدو الاعلان الحكومي حول القدس الشرقية لمنع تقسيمها مستقبلا، ضربا نحو المزيد من التطرف الاستيطاني، الى جانب تنفيذ خطة الوزير بينيت التي يتبين انها خطة حكومية معدة سابقا منذ خمسة سنوات، لضم مناطق “ج” الى اسرائيل ومنع اقامة دولة فلسطينية مستقبلا وجاء متواصلا مع “الفرصة الذهبية” التي وفرتها عملية خطف الفتيان الثلاثة.
من هنا رؤيتي ان موقف الرئيس محمود عباس كان متنبها لما تخطط له حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة. رأى بوضوح ان عملية الخطف تشكل تهديدا للمشروع الوطني الفلسطيني، توقع السلطة الفلسطينية بشرك تعده لها حكومة الارهاب الاحتلالي وان خطف الشبان الثلاثة لن يقود الى أي مكسب في موضوع الأسرى الفلسطينيين.
بعد كتابة المقال نشر خبر العثور على جثث الشباب المخطوفين. حتى الآن لم نسمع من نتنياهو الا توعدة بان تدفع حماس الثمن. طبعا بدأ القصف على قطاع غزة..لا اعرف كيف ستتطور المواجهة مع حكومة يمينية متطرفة ورئيس حكومة لا يظهر أي اتزان سياسي في موقفه.
لا نرى بالنضال الوطني الفلسطيني للتحرر من الاحتلال نضالا ارهابيا، بل نرى باستمرار الاحتلال استمرار لسياسة القمع والسيطرة غير المشروعة على الأرض ، وتنفيذ اعتداءات على ارزاق الفلسطينيين من حرق حقول وأشجار واقامة اسوار تفصل الفلسطينيين عن املاكهم، تمنع التواصل الجغرافي للوطن الفلسطيني، سيطرة الاحتلال على مصادر المياه الفلسطينية، سياسة قتل الفلسطينيين بدم بارد وتبرير القتل بحجج مفضوحة تكشف الوجه الدموي لجيش الاحتلال، الى جانب تنفيذ أبشع انواع الحكم العنصري (الأبرتهايد) وعلى رأس ذلك قمع حقوق الانسان الفلسطيني الأولية ، بل واعتبار كل طفل فلسطيني مخرب محتمل مستقبلا، كما قال بدون حياء ضابط نيابة عسكرية لوفد برلماني بريطاني.
ان الموقف العقلاني لرئيس السلطة الفلسطينية لم يكن سهلا وبدى غير وطني اطلاقا في اعين الكثيرين من ابناء الشعب الفلسطيني، لكنه كان الموقف الذي جرد نتنياهو من قناعه السلمي وكشف وجه سياسته على حقيقتها، سياسة رفض اقامة دولة فلسطينية ، مواصلة احتلال الأرض، توسيع الاستيطان وخطط ضم اراض جديدة بما في ذلك منطقة “ج” كما اعلن وزير الاقتصاد بينيت كاشفا مشروعا قديما معد مسبقا في حكومة نتنياهو.. واليوم بعد ايجاد الجثث يتضح كم كان الموقف الفلسطيني الرسمي مسؤولا وصحيحا.
موقف رئيس السلطة الفلسطينية جعل من تصريحات نتنياهو ثرثرة اثارت ضحك الكثير من الاسرائيليين وسخريتهم ، حتى سخرية ذوي المواقف اليمينية، ولم تنجز أي مكسب لسياساته في المجال الدولي ، بل عمقت التقييم السلبي لحكومته دوليا (وأمريكيا ايضا) واسرائيليا.
تخيلوا لو كان موقف محمود عباس مماثلا بشكل من الأشكال للموقف الصبياني لعضوة الكنيست من التجمع حنين زعبي التي خدمت نتنياهو وكان يتمنى بسره موقفا مشابها من محمود عباس.
لا احد ينكر حق الشعب الفلسطيني في تحرير اسراه، لكن التصرفات غير المدروسة والمتسرعة لن تكون هي الطريق لتحرير الأسرى. ان القتل العشوائي ليس طريقا للنضال الوطني.
ما يغضب نتنياهووحكومتة المواقف العقلانية لرئيس السلطة الفلسطينية التي تجرد حكومة اسرائيل اليمينية من كل مصداقية سياسية لها..ومن مصداقية اخلاقية تدعيها وهذا سيبرز أكثر في الأيام القادمة!!
مؤسسة القتل الرسمية!
بقلم: حلمي الأسمر عن الدستور الاردنية
خطف الفتى الفلسطيني، وقتله، وحرق جثته، بالأمس، هو نتيجة حالة التحريض المهووس التي سادت الإعلام في كيان العدو المحتل، ونتيجة تعاظم الأصوات المنادية بممارسة إرهاب الدولة الممنهج ضد كل الفلسطينيين، سواء كانوا «مذنبين» أم لا، وكلمة مذنبين هنا، هي محض مجاز، فمقاومة الاحتلال شرف على صدر كل فلسطيني، وهي ليست ذنبا، بل هي واجب قومي وشرعي وقانوني، والمقاومة هنا تعني إخراج كل مغتصب من الأرض التي اغتصبها عنوة، قهرا وجبرا، ورميه وراء الشمس، وبهذا المعنى، وبعيدا عن القوانين التي يضعها المنتصر، فكل قاتل من هؤلاء اليهود هو هدف مشروع للفلسطينيين، و»غنيمة» لهم، وما لا يدركه نتنياهو وعصابته في حكومة اليمين، أن ما يرتكبونه من جرائم يومية بحق فلسطين وشعبها، لن يستأصل روح المقاومة، بل إنه يرسخ خيارها، ويغذيها بمزيد من الحياة، بعد أن جنح من جنح لاستسلام سموه سلاما!
يندر أن تجد في كيان العدو الغاصب صوتا عاقلا هذه الأيام، فصحافتهم سارعت إلى إطلاق صفة «الحيوانات» على من صفى المستوطنين الثلاثة، نيابة عن ضمير جمعي فلسطيني مجروح من الاستيطان وجرائمه، ليأتي خطف الفتى الفلسطيني، محمد حسين أبو خضير وقتله، ليؤكد أن لا مجال للتعايش مع قطعان المستوطنين، فهؤلاء مجرد عصابات من القتلة المجرمين، الذين لا يستحقون الرأفة، ومكانهم الوحيد خارج الأرض التي سكنوها على أسنة الحراب، فإن لم يرحلوا فلن يهنئوا بالعيش حتى ولو ناموا مع أسلحتهم!
الجريمة التي ارتكبها القتلة اليهود فجر أمس، ليست جريمة أفراد، بل هي تعبير عن ضمير جمعي مجرم، متعطش للدم، وبتواطؤ مؤسسي، ومن لم يصدق أن ثمة تواطؤا فليقرأ معنا الحدث بهدوء..
أحد أقارب الشاب المخطوف، يدعى سعيد أبو خضير، قال إن «سيارة تقلّ عدداً من المستوطنين، توقفت أمام المحل واختطفت الشاب واقتادته الى جهة مجهولة».
والدة الشهيد، قالت أن «ابنها خرج في الساعة الثالثة والنصف لصلاة الفجر، إذ اعتاد أن يقابل أصدقاءه ويذهبون جميعاً للصلاة، لكن يبدو أنهم تأخروا عن الموعد قليلاً». وتابعت «وقف ابني ينتظر أصدقاءه وابن عمته أمام محل تجاري قرب المسجد». وأضافت «حضر ابن عمته بعد نحو ساعة، ليخبرني أن محمد لم يصلِّ معهم، وأن هناك أنباء عن خطف فتى من شعفاط، فاتصلنا به على هاتفه الخلوي، لكنه كان وما زال مغلقاً». وعقب شيوع نبأ الاختطاف أغلق أهالي البلدة الطريق الرئيسي واشتبكوا مع قوات الاحتلال، في وقت حاصر فيه الجيش الاسرائيلي، منزل الشهيد أبو خضير(لم يحاصر الجيش منزل الشهيد؟) الباحث الميداني في جمعية «حقوق المواطن»، حسام كمال قال إن «عملية الخطف موثّقة عبر كاميرات المحال التجارية، وكاميرات الشرطة الإسرائيلية الموجودة في الشارع أيضاً». (ما يعني انه كان بالإمكان منع القتلة من تنفيذ جريمتهم، ولكن لم يتم ذلك) ولهذا، فرضت شرطة الاحتلال تعتيماً إعلامياً على القضية.
وجاء في بيان الناطقة باسم شرطة الاحتلال، أنه «في ساعات الفجر الأولى من صباح، اليوم الأربعاء، وصل بلاغ الى شرطة القدس، من مواطن لاحظ شخصاً يتمّ إدخاله عنوة الى مركبة في منطقة بيت حنينا». وأضاف البيان «لوحقت المركبة الى أن تم العثور على جثة شخص في أحراش القدس». تصوروا هنا عملية الملاحقة الرخوة، التي تتيح للقتلة وقتا كافيا لقتل الضحية، وحرق جثته، ناهيك هنا عن معرفة كل من شارك في العملية، الموثقة عبر الكاميرات، والتي سينال منفذوها ما يستحقون من «تكريم» من قبل مؤسسة القتل الرسمية!
نتنياهو…الحل من جانب واحد
بقلم: فايز رشيد عن الوطن العُمانية
” في التغييرات الديموغرافية الإسرائيلية وفقاً لإحصائيات إسرائيلية كثيرة، فإن الارتفاع في نسبة المتدينين اليهود ” الحريديم ” حاد وهو يتزايد سنة بعد سنة، ونسبتهم الآن تشكل ما يزيد على 14% من إجمالي السكان. وهم إضافة إلى الأحزاب اليمينية الأخرى وفي سنة 1925 سيشكلون ما نسبته 62% من الشارع الإسرائيلي.”
في تصريحٍ حديث له، قال بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي:”إنه يفكّر في تنفيذ الحل من جانب واحد مع الفلسطينيين، واستطرد…لكن هذه المرّة سنحرص على ألا تنطلق أية صواريخ فلسطينية على إسرائيل مثلما يحدث الآن في غزة”. ما قاله نتنياهو ليس جديداً، فقد سبق وأن تحدّث حول هذا الحل في خطابه في جامعة” بار إيلان” في العام 2009.
يتمثل الحل وفقاً لرئيس الوزراء الصهيوني في خطابه ذاك: بإقامة دويلة فلسطينية خارج إطار السور العنصري. الدويلة ستكون مقامة على كانتونات معزولة، من دون سيطرة لها على حدودها الخارجية ولا على أجوائها ومواردها الطبيعية، وبخاصة مياهها تحت الأرض، التي سحبت إسرائيل النسبة العظمى منها. بالطبع فإن قطاع غزة لن يتبع هذه الدويلة، وسيجري ضم المستوطنات إلى إسرائيل، وستتواجد القوات الإسرائيلية في منطقة غور الأردن حفاظاً على الأمن الإسرائيلي.
وسيكون من حق قوات الاحتلال الدخول إلى مناطق الدويلة إذا ما رأت ذلك ضرورياً للحفاظ على أمنها. هذا الحل الذي يستثني القدس ومنطقتها، هو ليس أكثر من حكم ذاتي هزيل. حل نتنياهو من جانب واحد( وفقاً لمركز مدار الفلسطيني للأبحاث الإسرائيلية الذي نشر دراسة عن مدى تأييد كافة الحلول المطروحة فلسطينياً في الكنيست.
الصحفي برهوم جرايسي من منطقة 1948 نشر ملخصاً للدراسة) الحل يحظى بتأييد ما ينوف على 70 عضواً. معروف أنه حتى هذا الحل (وفقاً لقانون أساس في الكنيست جرى سنه حديثاً) وأي من الحلول الأخرى بحاجة إلى تصويت ثلثي أعضاء الكنيست عليه أي 80 صوتاً من 120.نتنياهو وفقاً للدراسة سيكون قادراً على إقناع قوى أخرى بالتصويت عليه وإنجاحه.
الموقف من وراء هذا الحل الإسرائيلي، عاملان، الأول: خشية إسرائيل من ضم حوالي من مليوني فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، بما سيؤثر على الميزان الديموغرافي بين العرب واليهود في فلسطين المحتلة عام 1948، وهذا ما يخشاه الكيان الصهيوني، فنسبة الفلسطينيين في منطقة 1948 وفقاً للاحصائيات الإسرائيلية بلغت هذه السنة 17.8% من إجمالي السكان. العامل الثاني أن إسرائيل ستعتبر أنها قامت بحل الصراع الصراع العربي ـ الصهيوني في حلقته الفلسطينية، وستقوم أجهزة الإعلام الصهيونية والمؤيدة لها، بحملة إعلامية واسعة على الصعيد الدولي وتملأه ضجيجاً، بأنها اضطُرت لهذا الحل لأنها عجزت عن إيجاد شريك سلام فلسطيني، وهي تريد ” السلام ” لذا قامت بالحل. بدورهما ستشيد الولايات المتحدة والدول الغربية بعشق إسرائيل (للسلام) وسيجري الضغط على الفلسطينيين للقبول بهذا الحل، وبخاصة أنه أصبح لهم دولة!؟.
في التغييرات الديموغرافية الإسرائيلية وفقاً لإحصائيات إسرائيلية كثيرة، فإن الارتفاع في نسبة المتدينين اليهود ” الحريديم ” حاد وهو يتزايد سنة بعد سنة، ونسبتهم الآن تشكل ما يزيد على 14% من إجمالي السكان. وهم إضافة إلى الأحزاب اليمينية الأخرى وفي سنة 1925 سيشكلون ما نسبته 62% من الشارع الإسرائيلي. هذا هو السر وراء الارتفاع في نسبة التطرف لدى الإسرائيليين. وبالعودة إلى الدراسة، فإن الحلول الأخرى تحوز في الكنيست الصهيوني على الأصوات التالية، الحل القائم على المشروع الفلسطيني كاملاً، حدود 1967 بما يشمل القدس وحق العودة، يحظى بموافقة 11 نائباً فقط هم نواب الكتل الثلاث العربية ( من منطقة 1948) إضافة بالطبع إلى نائب عربي في حزب ميريتس قد يقوم بالتصويت لصالح هذا الحل، فيصبح العدد 12 نائباً.
أما الحل القائم على مخطط الرئيس الأسبق بيل كلينتون الداعي إلى انسحاب من غالبية مناطق الضفة الغربية مع تبادل للأراضي وتقاسم القدس بشكل يبقي على الأحياء الاستيطانية الإسرائيلية فيها وفي منطقتها، ونظام مشترك دولي للبلدة القديمة بما فيها “المناطق المقدسة”، وعودة رمزية للاجئين، يحظى هذا الحل بموافقة 30 ـ35 نائباً، موزعين على الشكل التالي: 15 عضواً هم أعضاء كتلة حزب العمل ، 6 أعضاء هم كتلة حزب ميرتيس. 11 نائباً عربياً في الكتل العربية الثلاث في الكنيست، وقد يمتنع عدد من النواب الفلسطينيين عن التصويت، بسبب محدودية حق العودة. كما يحظى الحل بموافقة 2-7 نواب من حزبي” يوجد مستقبل و” كاديما”.
أما حل حزب المستوطنيين ” البيت اليهودي” فيدعو إلى ضم 60% من مساحة الضفة الغربية إلى”السيادة الإسرائيلية”، وتحويل المدن والقرى الفلسطينية إلى كانتونات معزولة ذات سلطة محدودة. يحظى هذا الحل بموافقة 15 نائباً(وفقاً للدراسة)من 20 نائباً في حزب الليكود الحاكم ،ولربما أيضاً نائبان من حزب”إسرائيل بيتنا”الذي يتزعمه أفيجدور ليبرمان ،فالقسم الأكبر من نواب اليمين المتشدد يتخوفون من هذا المشروع،لكونه يؤثر على “الدولة اليهودية”سلباً من ناحية ديموغرافية.لقد أثبت النهج السياسي لكتلة”يوجد مستقبل”برئاسة وزير المالية يايئر لبيد(19) نائباً والتي ظهرت وكأنها كتلة”وسط”، وكذلك كتلة”الحركة”برئاسة وزيرة القضاء تسيبي ليفني (6) نواب (بموجب سلسلة من القرارات التي ظهرت مترددة دوماً) فإنهما كتلتان لا تشذان عن نهج اليمين المتطرف، فهما لم يعترضان على كل المشاريع الاستيطانية ، وعلى قانون الاستفتاء العام الذي تم سنه في الكنيست لعدم التوصل إلى أية حلول.
التعليق على الدراسة: أنها تطرح تصورات للتصويت وهذه المسألة ليست دقيقة، فمواقف الأحزاب الصهيونية متحركة، وهي تميل إلى التطرف في معظمها، الأحزاب الصهيونية مع المقولة الإسرائيلية ” بأن القدس هي العاصمة الموحدة لإسرائيل” وهي مع مراعاة الأمن الإسرائيلي وتواجد قوات الإحتلال في منطقة غور الأردن، ومع حق إسرائيل في التدخل في الأراضي الفلسطينية واحتلالها متى تشاء. بالمعنى الفعلي لا تأييد للطرح الفلسطيني سوى من 11 نائباً عربياً، حتى حركة ميريتس هي فعلياً مع ضم القدس ومنطقتها إلى إسرائيل.
أما النتائج التي أغفلتها الدراسة فهي حقائق وأبرزها:لا أمل في المراهنة على إمكانية موافقة الكيان على قيام دولة فلسطينية على كافة أراضي عام 1967 بما في ذلك القدس ومنطقتها.لا جدوى كذلك من المفاوضات، وأن ما أخذ عنوة لا يمكن استرجاعه إلا عنوةً.إسرائيل تتجذر فيها مواقف التطرف، والقادم أصعب على صعيد الصراع مع العدو الصهيوني،فالشارع يتحول إلى المزيد من التطرف (وهذا وفقاً للإحصائيات) وهذا ما سينعكس على التصويت للحلول المطروحة. أقصى حدود الحل الإسرائيلي الذي تتفق عليه كافة الأحزاب الإسرائيلية هو:إعطاء الفلسطينيين حكماً ذاتياً هزيلاً،لذلك قد يلجأ نتنياهو إلى خطوة الحل من جانب واحد.
مركز سابان الإسرائيلي للأبحاث وخطة عام 2013 لتقسيم المنطقة
بقلم: تحسين الحلبي عن الوطن السورية
قبل مئة عام تقريباً قررت القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية تقسيم واقتسام العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط بقوة جيوشها واحتلالها للعالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى، ويبدو أن معظم الحكام العرب الذين تحالفوا مع لندن وباريس ثم مع واشنطن التي ورثت مصالح الاستعمار البريطاني والفرنسي منذ الستينيات والسبعينيات ستتعرض دولهم إلى إعادة التجزئة والاقتسام والتقسيم دون استخدام القوة الأميركية العسكرية مباشرة بل باستخدام المجموعات المسلحة والأطراف التي جندتها واشنطن لهذا الغرض في العراق وفي اليمن وفي ليبيا وفي السودان وبعض دول شمال أفريقيا أيضاً.
فالهدف الأميركي المراد تحقيقه من قبل معظم حلفاء واشنطن في المنطقة هو خلق أكثر من 35 كياناً سياسياً منفصلاً في العالم العربي بموجب خرائط أعدتها مراكز الأبحاث الأميركية التابعة (للبنتاغون) وزارة الدفاع الأميركية مع مراكز الأبحاث الإسرائيلية التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية وجهاز (الموساد) الإسرائيلي للتجسس.
وفي دراسة نشرها موقع (غلوبال ريزيرش) في 17/1/2008 جرى الحديث عن خطة أميركية تبدأ بتقسيم الدول العربية إلى كتل تعادي بعضها البعض كمرحلة أولى لتقسيم جميع الكيانات السياسية الموجودة الآن من مصر إلى السودان إلى سورية والعراق والمغرب العربي واليمن إلى دويلات صغيرة متناحرة على مصادر الثروات والاقتصاد. فالتقسيم سيجري هذه المرة بأيدي الأطراف العربية المحلية التي تعادي بعضها على مستوى دولٍ ضد أخرى وعلى مستوى مجموعات طائفية أو اثنية تتناحر داخل دولها بهدف الانفصال والحصول على حماية واشنطن وإسرائيل بشكل خاص.
ففي أكثر من مناسبة كان جو بايدين نائب الرئيس الأميركي يشير إلى احتمال تقسيم العراق ثم جاء وزير الخارجية الألمانية وأعلن هو الآخر عن «صعوبة الحيلولة دون انقسام وتقسيم العراق»، ويكشف الصحفي الأميركي (سكوت أندرسون) في موقع قناة (سي إن إن) الإلكتروني أن حدود الدول العربية الراهنة سيطرأ عليها تغيير واسع بسبب الظروف الراهنة التي تدير من خلالها الولايات المتحدة قواعد اللعبة بين الدول الحليفة لها والمعادية لها.. وفي تقرير أعده مركز أبحاث (سابان) الإسرائيلي- الأميركي التابع لمعهد بروكينغز في نيسان 2013 جرى عرض سيناريوهات متنوعة في الصفحات الأولى لهذه الوثيقة التي تضم 73 صفحة تبدأ من البحرين أصغر الكيانات العربية الملكية وتستهدف تقسيمها إلى كيانين أحدهما شيعي وآخر سني رغم أن عدد سكانها لا يزيد عن 1.3 مليون يعيشون فوق 780 كيلو متراً مربعاً أي بمساحة قطاع غزة مرتين.
وترى الدراسة أن عامل الدين أصبح قابلاً لتقسيم المسلمين السنة إلى أقسام كثيرة إضافة إلى تقسيمهم وفصلهم عن المسلمين الشيعة وغير ذلك من المذاهب فكل مذهب قابل لتشكيل دويلة وكيان حتى لو كان قد مضى عليه 1000 عام أو أكثر، فالدين أصبح أهم عامل سياسي تتولد عنه كيانات منفصلة متناحرة يتقاسم كل منها جزءاً من الأراضي.
وترى الدراسة أيضاً أن العالم العربي الآن لا يجب توحيده لا على أساس ديني ولا على أساس قومي أيضاً لأنه قابل للتجزئة إلى أكثر من أربعين كياناً صغيراً بما في ذلك مصر التي تضم أكثر من ثمانين مليوناً.. ولا شك أن هذه الدعوات والسيناريوهات المعدة للعالم العربي توظفها واشنطن وتل أبيب ضمن برنامج لا يستثني الدول الحليفة من هذه التجزئة وخصوصاً السعودية واليمن في شبه الجزيرة العربية التي يراد زيادة عدد الكيانات السياسية فيها إلى 20 كياناً منفصلاً بدلاً من سبعة كيانات سياسية في الوقت الراهن.
رأي القدس: «الدولة الكردية» بين قبول تركي وحماس اسرائيلي
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
اعلن مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان في العراق عن اجراء استفتاء بشأن استقلال الاقليم خلال شهور. وهي المرة الاولى التي يحدد فيها تاريخ مفترض لاعلان «دولة» بعد تلميحات متكررة. ولا يمكن اغفال التطورات الدراماتيكية والمعطيات الجيوسياسية المتبدلة في العراق والاقليم عند تقييم هذه الخطوة التي قد تمثل زلزالا جديدا في منطقة تغلي بحروب وانقسامات وتندفع بسرعة الى المجهول.
ومن ابرز تلك التطورات انهيار السلطة المركزية لحكومة بغداد على شمال العراق، واحتلال قوات البشمركة مدينة كركوك الى جانب العديد من المناطق في شمال العراق بعد اخضاع اهلها اما بالقوة العسكرية او ابتزازهم بسبب حاجتهم الى الامن والوقود والسلع الرئيسية في ظل الازمة الانسانية الحادة التي اندلعت هناك.
ومن المهم ملاحظة ان تصريحات البارزاني تأتي في خضم صراع سياسي مرير مع حكومة بغداد التي امتنعت عن صرف رواتب الموظفين في الاقليم منذ شهر شباط /فبراير الماضي، ما ادى الى تكريس غضب الاكراد ورفضهم لتلك الحكومة التي اضافت مؤخرا فشلا امنيا الى فشلها الاقتصادي والسياسي. وبالتالي فان التلويح بالاستقلال قد لا يعدو مجرد خطوة تكتيكية تهدف الى الحصول على تسوية افضل مع بغداد، قد تنص على ضم كركوك مقابل البقاء ضمن العراق. الا ان «غرور القوة» قد يدفع البارزاني للاقدام على هذه الخطوة، ليصب زيتا على نيران حرب طائفية عرقية تخيم بالفعل على العراق، ما قد يتضح لاحقا انه خطأ تاريخي في عالم يقوم على احتواء التعددية وليس الانفصال. وهذه محاور سريعة لقراءة هذا المشهد الملتبس:
اولا: بعد ان ظن كثيرون لسنوات ان «الفيتو» التركي سيمنع اعلان دولة كردية في العراق، اصبحت تركيا لا تمانع في قيامها حسب تسريبات حكومية، وهو ما يمكن تفسيره بأنه سعي الى تأمين توازن استراتيجي مع النفوذ الايراني لدى بغداد، وخلق لجبهة متقدمة لمقاومة الهيمنة الاقليمية الايرانية مدعومة بدعم اسرائيلي مباشر، والى تكريس الاستفادة من تأمين استمرار ما تحصل عليه انقرة من فوائد بتصدير النفط الموجود في شمال العراق عبر ميناء جيهان، دون موافقة بغداد. وتشير تقارير الى «صفقة شاملة» تقضي بدعم اكراد تركيا لترشح رجب طيب اردوغان للرئاسة مقابل تأييده للدولة الكردية، على ان يكتفي اكراد تركيا بالحصول على حقوق ثقافية وسياسية، بالتالي احتواء مشكلة حزب العمال التاريخية على حساب العراق وسوريا.
ثانيا: ان حماس رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو للدعوة الى قيام الدولة االكردية، يستند الى علاقات ومصالح قديمة بين الجانبين، الا انه يشير بوضوح الى احتياج اسرائيل الى تلك الدولة الجديدة لتكون رأس جسر في مواجهتها مع ايران، وموطئ قدم بالقرب من منابع النفط في العراق والخليج العربي، وعمقا استراتيجيا لامنها القومي. اما من الناحية الاقتصادية ستمثل العلاقة مع اسرائيل شبكة امان للدولة الجديدة التي تحصل على عشرات الملايين من الدولارات يوميا عبر تصدير النفط، الا انها لا تملك مقومات اقتصادية كافية للتنمية المستدامة. وبالرغم من استمرار الممانعة الامريكية لاستقلال كردي من جانب واحد، فان واشنطن قد تدرك قريبا ان الاصرار على «الحل الكونفيدرالي» بين اقاليم سنية وشيعية وكردية تتمتع بحكم ذاتي، قد يخلق من المشاكل اكثر مما يعالج، وعندئذ لن يكون امامها سوى الاستسلام للامر الواقع.
ثالثا: ان «اقتطاع دولة كردية من دولة ذات سيادة» لن يكون نزهة، حتى مع اجراء «استفتاء» بلا سند دستوري، ورفع شعارات مثل «تقرير المصير». اذ ان العواقب الاقليمية والدولية قد تفوق احتمال الاكراد الذين سيحتاجون الى توافق اقليمي ليتمكنوا من الحفاظ على ذلك الاستقلال. بل ان تركيا وهي نفسها مكونة من فسيفساء عرقية وايديولوجية لن تكون بمنأى عن شبح التقسيم. خاصة ان اعترافا دوليا بهكذا دولة سيمثل سابقة خطيرة، وسيعني ان اي حاكم او محافظ في اي بلد بالمنطقة يستطيع ان يدعو لاستفتاء على اساس «حق تقرير المصير». كما ان الدولة الكردية نفسها ستكون معرضة للانقسام بين الاتحاد الكردستاني في السليمانية والحزب الديمقراطي في اربيل ودهوك. وبنظرة بانورامية فان «دولة كردية» قد تكون البوابة الملكية الى قيام كيانات وكانتونات عرقية وطائفية بلا نهاية في المنطقة، وهو ما قد يخدم فكرة «يهودية اسرائيل» ويكرسها عمليا، الا ان هكذا فوضى ستمثل تهديدا مباشرا للمصالح الاستراتيجية للقوى الاقليمية والدولية.
واخيرا فان اعلان «دولة كردية» بتواطؤ تركي ودعم اسرائيلي، بعد الاستيلاء على اراض في شمال العراق تحت دخان الحرب التي شنها تنظيم داعش الارهابي، لا يمكن ان يسجله التاريخ الا كخيانة للعراق، وطعنة في قلب العلاقات مع العالم العربي، الذي منح الاكراد في العراق ما لم يحصلوا ولو على جزء منه عند غيرهم. واذا كانت معطيات اليوم تتيح للاكراد ان يقرروا تاريخا لبدء حرب واعلان استقلال، فان العبرة الحقيقية ستكون بتحديد تاريخ لانتهاء تلك الحرب ونتيجتها.
ظلال صلاح الدين بين أربيل وتل أبيب
بقلم: ماجد عبد الهادي عن العربي الجديد
على مائدة عشاء، دُعيتُ إليها مع الزملاء: خديجة بن قنة ومحمد كريشان وأحمد الزاويتي، في أربيل، منذ نحو شهرين، كان المضيف، وهو أحد أقرباء رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، قد دعا، أيضاً، شخصيات سياسية وإعلامية كردية، وكان طبيعياً أن تتعدد مناحي الكلام الذي دار، حينئذٍ، بين المدعوين جميعاً، لتغوص في شؤونٍ وشجون مختلفة، منها طموح الكرد إلى الاستقلال الناجز والكامل.
لم أجد مانعاً، يومها، من التصريح بحقيقة تعاطفي شخصياً مع حق الكرد في إقامة دولتهم المستقلة على أرض كردستان التاريخية كاملة، باعتبارهم أحد شعوب العالم الثالث التي استثنتها صفقات ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، من حق تقرير المصير، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.
وإذ تشعّب النقاش، ليعرّج على موقف الكرد من القضية الفلسطينية، عمدت سيدة كردية كانت تجلس قبالتي إلى الكشف، هكذا، عن أن أمها يهودية، ما اضطرني إلى تكرار المكرر؛ نحن، الفلسطينيين، لا موقف لنا معادياً لليهود، أو كارهاً لهم، كما كانت حال الأوروبيين، في قرون مضت، وإنما نعادي منهم مَن ترك بلاده وجاء فاستوطن بلادنا، وطردنا من ديارنا وبيوتنا بقوة السلاح.
"إن أحداً في القيادة الكردية لن يكون في وسعه تبرير التعاون مع تل أبيب، أمام ملايين الكرد المسلمين، وهم يباهون بأن صلاح الدين الأيوبي الذي حرّر القدس من الصليبيين كان كردياً، كما يباهون بأن لهم أبناء كثراً استشهدوا ودفنوا في فلسطين، أو عند تخومها"
هنا، تدخل في الحديث رجل ثمانيني، كان صامتاً طوال الوقت، ليسألني: ولماذا لا تقبلون بحل سلمي للصراع؟ قلت موضحاً: القيادة الرسمية الفلسطينية تفاوض منذ ربع قرن تقريباً، لكي تصل إلى تسوية سياسيةٍ، تعيد إلينا 22% من مساحة فلسطين التاريخية، ولكن، من دون جدوى، لأن إسرائيل تريد ضم القدس وما تستطيع من الضفة الغربية، بعدما قضمت مساحاتٍ واسعة منها، بالاستيطان والتهويد وبناء جدران الفصل العنصري.
لم يقنعه الجواب، أو لعله لم يعجبه، فألقى سؤالاً آخر: أنتم أصلاً متى جئتم إلى إسرائيل؟ نعم.. ماذا تقصد؟ سألته، فأعاد التأكيد على سؤاله: متى جاء الفلسطينيون إلى إسرائيل؟ قلت، وأنا غير متيقّن ممّا إذا كان سؤاله ينمّ عن جهل، أو هو محاولة استفزاز: جدّتي حملت بأمي وولدتها في فلسطين، قبل أن تولد إسرائيل هناك بأربع سنوات، وأبي المولود هو الآخر في فلسطين أكبر سنّاً من الدولة اليهودية بأحد عشر عاماً. لسنا نحن الذين جئنا إلى إسرائيل، أيها السيد، بل اليهود الصهاينة هم مَن جاؤوا إلى فلسطين.
انتهى النقاش سريعاً، بعد ذلك، مع الرجل الذي عرفتُ، لاحقاً، أنه عمل مدة طويلة، في أيام شبابه، سكرتيراً للزعيم الكردي، الملا مصطفى البرزاني (والد الرئيس مسعود البرزاني) والذي يقال إن عهده شهد نشوء علاقات تعاون، ما زالت مستمرة، مع إسرائيل، وبلغت أخيراً حدّ استيراد الأخيرة شحنة نفط هي الأولى التي يُصدّرها إقليم كردستان العراق.
لكني تذكّرت، في مقابل هذا الموقف، أنني تعرفت، في ثمانينيات القرن الماضي، إلى شبانٍ كرد كانوا يتدفقون من أربيل والقامشلي وديار بكر، ليتطوعوا في صفوف فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، لا سيما اليسارية منها، ويقاتلوا إسرائيل، ويستشهدوا، جنباً إلى جنب، مع ألوف الشبان الفلسطينيين والعرب، كما كان من بين هؤلاء أدباء ومثقفون وصحافيون، أسهموا بقسط وافر في المشروع الثقافي الفلسطيني.
وما كنت، في حقيقة الأمر، لأسرد هاتين القصتين المتضادتين، لولا التطورات الأخيرة التي شهدها شمال العراق، وأدت إلى سيطرة قوات البشمركة على مدينة كركوك، بصورة أنعشت الطموحات الكردية إلى الاستقلال، وإقامة الدولة، وسط أنباءٍ عن دفع إسرائيليٍّ نحو هذا الخيار الذي لا يزال الغموض يلف المواقف الإقليمية والدولية إزاءه.
يصعب، طبعاً، لوم أي جهة رسمية في العالم على إقامتها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، طالما أن دولاً عربية عدة تحتضن السفارات الإسرائيلية، وتستقبل القادة الإسرائيليين، ولا ترى الدم الفلسطيني على أيديهم، بيد أن الأمر في الحال الكردية يستدعي قراءةً من زوايا أخرى، لعلّ أهمها التي تتطلّب، من حكام أربيل، رداً على السؤال القائل: كيف يمكن لأمةٍ عانت من الاضطهاد القومي، وتناضل في سبيل استقلالها، منذ قرون، أن تتحالف مع استعمارٍ عنصري استيطانيٍّ، يستولي على أرض شعب آخر مجاور، ويصادر حقه في تقرير المصير؟!
سيقال، صراحةً أو مداورة: إنها المصالح تتقدم، في السياسة، بداهةً، على المبادئ. وهذا جوابٌ، حتى لو صحّ فعلاً، يقتضي الحذر من أن مصلحة إسرائيل في زرع بذور العداوة بين الكرد والعرب، تتناقض مع مصلحة الكرد أنفسهم في الحفاظ على أواصر العلاقة الحسنة مع القومية الأكبر في محيطهم الجيوسياسي والتاريخي، ثم إن أحداً في القيادة الكردية لن يكون في وسعه تبرير التعاون مع تل أبيب، أمام ملايين الكرد المسلمين، وهم يباهون بأن صلاح الدين الأيوبي، الذي حرّر القدس من الصليبيين، كان كردياً، كما يباهون بأن لهم أبناء كثراً استشهدوا ودفنوا في فلسطين، أو عند تخومها، وقد ذهبوا إلى القتال هناك، مقتدين به، وليكرروا شيئاً من سيرته، وممّا فعل.
سياسات أميركية أوصلت إلى «الخلافة» البغدادية
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
تقول واشنطن إنها مستعدة لدفع عشرة ملايين دولار لرأس إرهابي يُدعى أبو بكر البغدادي، فكيف يُعقل أن أدعو الرئيس باراك أوباما ليبايع من ادعى الآن أنه «الخليفة» إبراهيم؟ مشهد كاريكاتوري، بالتأكيد. لكن، الواقع يقول إن سياسات الإدارة الأميركية الحالية أسهمت - ضمن عوامل مختلفة - في تمكين جحافل «داعش» من تثبيت الأقدام بمواقع عدة على الأرض السورية، بل جرى غض النظر حتى عندما أعلن التنظيم مدينة الرقة عاصمة مؤقتة، وراح يمارس في الشوارع منها والأزقة بطش السيوف وإزهاق الأرواح، ثم إن تواصل خطأ التساهل الأميركي في التعامل مع نظام بشار الأسد يسّر زحف التنظيم للجوار العراقي، ومع وصول الرايات للموصل، وإذ دانت لها تكريت، ومن بغداد اقتربت، بدا للبغدادي أن «الخلافة» صارت طوع يده، فقد تمكَّن، ومن ثم وجب أن تحل «الدولة الإسلامية» محل التنظيم، فتدعو لحل كل جماعة ليست تدين لها ولمن أعلنته واشنطن أخطر إرهابيي العالم، فكان جوابه أن أعلن نفسه «الخليفة» إبراهيم.
خطورة ذلك الأمر أنه أبعد من مجرد كلام قد يبدو- لمن يشاء - لا يستحق كثير اهتمام. الوضع العربي لم يعد يقف على حافة بلل التفتت، بل صار بين خيار العوم أو خطر الغرق. بلغني مثلٌ سوداني دارج يقول: «اللي يتبلبل – أي بلل الماء - يعوم». تذكرت المثل إذ يتمثل أمامي، وكثيرين غيري، سوء الحال العربي وقد بلغ من الوبال ما يقضّ مضجع كل ذي بال.
بالطبع، لكل أمرئ، أينما أقام، وتحت أي سقف نام بقارات الكوكب الخمس، وبصرف النظر عن اختلاف مواقيت انبلاج الفجر وشروق الشمس، وأيضا عن جنس معجم الأمثال الساكن تحت الوسادة، بالطبع لكل امرئ أن يطبق ما يسمع أو يردد من أمثال، وفق ما يظن أنه حق توجبه مصلحته. مثلاً، سؤال المجرِّب أفضل من علاج الطبيب طالما أن دواء المُعالج بالعشب يرضي مزاج أغلبية الشعب، أو ما دام أن شكل دواية من يداوي بالقلم، لون الحبر، رائحته، مجمل الخلطة «كلهاعلى بعضها»، بلغة السوق، يمكن لها أن تسكِّن صداع معظم المعترين، حتى لو أن أكثرهم لا يعلمون. من ذاك الذي يهتم، دع عنك هذا الهمّْ، كل ما يقلق الضمير لم يعد يهم، اقلب الصفحة، عد إلى خيار العوم أو الغرق، رُبّ قائل، عن حق، أجب عن السؤال الأهم: أما يزال بوسع العرب عبور مآزق ما بعد ربيع التغيير، أم أن الخرق اتسع على كل راقع، والرتق ابتلع كل من ظن أنه أنجع راتق؟
الحق أنني لا أملك الجواب. إنما ليس من الصواب أي استسلام لليأس. موضوعية المنطق تقتضي التسليم بأن الولايات المتحدة ليست وحدها من أخطأ الحساب في سوريا، العراق، ليبيا، أو في غيرها من مجتمعات عرضتها خضّات الأربع سنوات الماضية لأخطار تفتت كياناتها إلى شظايا، وقبل لوم دول كبرى تضع مصالحها أولاً في الميزان، جدير بأهل تلك المجتمعات إمعان النظر في أفعال القوى الأساس اللاعبة بساحات ملاعبها على نحو تلاعب بمصائر الناس وبمستقبل أمصار لحساب موازين فئوية أو طبقية، فجرى تغليب كفة حزب هنا، أو منظمة هناك، جماعة أو حركة في هذا البلد أو ذاك، تكتل في قُطر ما، أو تحالف يضم تناقضات ليس يستقيم معها أي حلف، فماذا كانت النتيجة؟
تقهقر حلم ديمقراطية التغيير، فتبعه انهيار سلمية تداول السلطة، ضرب الخلل سُلم الأولويات، فاختل سِلمُ المجتمع، وأصيب وعي العقل بما يشبه صداع الدوار، فسادَ سَقَمُ التفكير، وغُيّب سوّي القول في غابات إفساد العقول، انتفخت الأفئدة بهواء الأنا، حلقت الأرواح في فضاء «أنا ومن بعدي الطوفان»، لم يخطر للمنتفخين بعظمة الذات، بأمجاد القلم ولمعان الفضائيات، أن نيران فتنة ينفخون في أوارها ستحرق أمة بأكملها يزعمون أنهم على أمجاد ماضيها حريصون، وعلى مستقبل رفعتها خائفون، ارتفع صوت من يجادل بحق يراد به الباطل بعينه، وعلا صراخ من يزعق بالباطل في رابعة النهار يريد دحض حق يسطع في كبد السماء، فإذا بحق الجهاد المتسلح بنور العلم يختلط بظلام سلاح إزهاق الأرواح، صار الخلط أساس النحو والصرف، حتى كيف يميز تلميذ الأبيض من الأسود في خيط لغة العرب بات موضع جدال، فما العجب إنْ فقدت الحروف نقاطها، أضاعت الأسماء معانيها، وما المشكل إن اعتدى خبر على مبتدأ، ولمَ الاستغراب إذا ارتابت أية قضية عربية بعدالتها، فإن سئلت عمن وأدها، حار جوابها أين يحط الرحال؟
سادت عبر التاريخ حضارات ثم بادت، أعلنت دول فما عمّرت طويلا (كما حال وحدة ليبيا وتونس تحت مسمى «الجمهورية العربية الإسلامية» التي أعلنها معمر القذافي بعد قمة مفاجئة مع الحبيب بورقيبة في 12 يناير/ كانون أول 1974)، ونهضت دول من ركام الخراب فصمدت لرياح الاضطراب من حولها، وقاومت زلازل وأعاصير أرادت تدميرها.
في هذا السياق، يمكن القول إن دولة تنظيم «داعش» الذي بايع «الخليفة» إبراهيم قد تعيش بضعة أيام، أسابيع، أشهر، أو بضع سنين، من يدري، لكن يبقى المهم تذكّر أن فصيلاً صغيراً انفصل عن «القاعدة»، تمكن خلال أربع سنوات من تنظيم آلاف المقاتلين تحت رايات أمكنها أن تعبر وتحتل مساحات واسعة ما بين العراق وسوريا، وأن ذلك التطور في حد ذاته لم يؤخذ، في حينه، بمستوى جاد يتناسب مع حجم ما مثله من مخاطر مقبلة. هل ما يزال بالوسع صد تأثير حصاد الحسابات الخاطئة؟ الواجب يقتضي أن يكون الجواب بنعم إيجابية، تستفيد مما حصل، وتخطط بعلم وموضوعية للمستقبل. دعونا نأمل أن الآتي أفضل.
هل يستيقظ النظام السياسي العربي من سباته
بقلم: فاروق يوسف عن العرب اللندنية
بإعلان قيام دولة الخلافة الإسلامية من قبل أحد المعتوهين تكون الفوضى الخلاقة التي بشرت بها الولايات المتحدة يوم احتلت العراق قد انتقلت إلى مرحلة جديدة من مراحل اتساع تداعياتها المهلكة.
وهو ما يعني بالضرورة أن المنطقة كلها، وليس العراق وحده، بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة، تكون الحدود فيها بؤرا مشتعلة بسبب انتقال الجماعات المسلحة بأسلحتها وبرامجها الدعائية من مكان إلى آخر، بخفة واطمئنان مَن يتوفر له غطاء سياسي وبيئة حاضنة. فهل بدأت الأمور تخرج عن نطاق السيطرة في العالم العربي؟ ولكن هل كانت تلك الأمور يوما ما تحت السيطرة بما يضمن التصدي للفوضى قبل وقوعها؟
لو أن النظام السياسي العربي كان محكما في سيطرته كما كان يتوهم، لما استطاعت تنظيمات مثل داعش ومن قبلها القاعدة وما بينهما جماعات متشددة عديدة، أن تدخل طرفا في النزاعات المحلية. كان مفهوم السيطرة بالنسبة للحكومات العربية يقوم على أساس القمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية في حق المواطنين العزل، الذين لم يكن لديهم خيار بديل ينجو بهم من التحول إلى مواد في مختبر القمع.
فرغم كل الحديث الطويل السابق عن مساع كانت تبذل من أجل إقامة نظام أمني عربي، فإن الأنظمة العربية نفسها كانت ترى في ذلك النظام نوعا من الانشغال الخارجي الذي من شأنه أن يقيّد حريتها في قمع مواطنيها. بالنسبة للفكر السياسي العربي الحاكم كان الخطر يأتي من الداخل دائما.
أما إذا اخترقت الحدود بين دولة وأخرى، فإن الحديث عن المؤامرة سيكون جاهزا. كان العدو الخارجي وصفة تتم صناعة واستحضار عناصرها على موائد سرية مريبة، يعالجها الإعلام الوطني بكيل الاتهامات إلى دول الجوار.
الآن وقد قلب الإعلان عن دولة الخلافة، وهو محاولة لصناعة واقع افتراضي على أرض تخلت عنها دولها أكثر من أن يكون حقيقة تؤسس لواقع سياسي بديل، بدأت أنظمة سياسية عديدة تشعر بالخوف من أن تتسع دائرة ذلك الواقع الافتراضي لتخترق حدودها، وتلتهم جزءا من أراضيها ولو مؤقتا. لم يكن النظام القمعي العربي مستعدا لمواجهة خطر عصابات، تكتسب قوتها من خلال الانتقال السريع من مكان إلى آخر، في ظل وجود بيئة اجتماعية لم تعد ترى خيرا في استمرار الأنظمة القمعية القائمة. هنا يمكننا الحديث عن ربيع عربي أسود.
رايات دولة الخلافة السوداء هي مؤشر لبداية مرحلة هي الأسوأ في تاريخ العالم العربي المعاصر. إن رؤية تلك الرايات مرفوعة في غير مكان من العالم العربي إنما تجعلنا على يقين من أن النظام السياسي العربي قد استنزف قواه في المكان الخطأ.
لم تكن السيطرة القائمة على قمع السكان المحليين إلا وهما. لقد أحبطت تلك السيطرة أهدافها الحقيقية في صنع واقع أمني، يكون فيه المواطن متصالحا مع الأمن العام. وهو ما أسس لطريقة مخاتلة في النظر إلى القوانين التي كان المواطنون ينتظرون الفرصة لاختراقها.
وهو ما وجد له تجسيدا مثاليا في الفوضى التي اجتاحت العراق بعد احتلاله، والتي لا تزال تلعب دورا كبيرا في صناعة واقعه المتردي. وهو ما يعني أن السيطرة لم تكن حقيقية وأن الدولة في قمعها لم تكن عادلة، وأن هناك فئات كثيرة من الشعب كان قد لحق بها الأذى من غير أن ترتكب ذنبا. وهي الفئات التي سيكون من حقها أن تتبع شياطينها رغبة منها في الانتقام ليس إلاّ.
لم يكن إعلان الخلافة الإسلامية خبرا سارا للجميع. غير أنه كان ضروريا من أجل أن يستيقظ النظام السياسي العربي من سباته.
حروب المنطقة والبازارات المفتوحة!
بقلم: الياس الديري عن النهار البيروتية
بـ"داعش" وبدونها. بدولة خلافة وبدونها. باقتراحات "انقلابية" للجنرال ميشال عون وبدونها. بجلسات انتخابيَّة لا ولن يكتمل نصابها وبدونها. بهذا كلّه، وبسواه من الاحتمالات المفتوحة، الوضع اللبناني باق بتشرذماته ومخاطره ومفاجآته في "الثلاجة" كما يقول المصريّون، إلى أن تحين الساعة.
طرحتُ سؤال "متى تقريباً تحين الساعة ويحين الموعد" على مَنْ يُفترض أنهم من المطّلعين هنا وفي بعض العواصم العربيَّة وفي باريس تحديداً، فكانت الأجوبة متشابهة، وعلى طريقة مَنْ يُفسِّر الماءَ بعد الجهد بالماء.
إذاً، القصة اللبنانية ليست محشورة في زاوية الاختلاف على مَن يكون الرئيس العتيد، ومن طينة الأقوياء جسديّاً أم عقليّا وأخلاقيّا، بل هي متصلة مباشرة بكل ما يجري ويحصل في المنطقة، ومن حولنا وحوالينا.
ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتطلعات إيران التي تتجاوز الطموح النووي، من غير أن تتنازل عنه، إلى التزعُّم على المنطقة والجلوس في كرسي الدولة العظمى، وصاحبة الكلمة الأولى والدور الأوَّل في الأفراح والأتراح. وفي كل شاردة وواردة. وها هي تجرِّب حالها وحظّها على بيادر سوريا والعراق ولبنان مع امتداد لا يزال ناعماً صوب الخليج.
على هذا الأساس لا بدَّ من الصعود إلى شرفة الانتظار على صعيد الاستحقاق الرئاسي الذي بدأت تعتاده الشعوب اللبنانيَّة المفكّكة الولاء والمتعدّدة الانتماء، مثله مثل كل القضايا التي تتراكم أزماتها تباعاً.
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مقتنع جداً بأهمية موقع لبنان في المنطقة، وبدوره على الصعيد العربي. إلا أنه يعتقد أيضاً أن على اللبنانيين التحلِّي بالصبر والمحافظة على الاستقرار النسبي إلى أن يصل قطار الانفراج، حاملاً معه كل الحلول وكل البشائر.
النائب وليد جنبلاط، الذي تربطه صداقات وعلاقات عريقة مع رؤساء ومرجعيات مؤثِّرة في المنطقة وأوروبا بلوغاً أميركا، يرى لذلك أنَّ لا مناص من التحلِّي بالصبر والانتظار في هذه الفترة العربيَّة الأشدّ حراجة وخطورة من كل ما سبقها.
إنها فترة مصيريَّة بكل معنى الكلمة.
ولكن كيف "نستثمر" هذا الانتظار الذي قد يختم فصل الصيف من غير أن يتزحزح الوضع قيد أُنملة، هذا إذا لم يُفاجئنا تمديد العرض أسابيع أو أشهراً إضافيَّة. مبدئياً للعوامل والأسباب ذاتها. إنما مَنْ يستطيع أن يضمن لحظة واحدة عادية طبيعيَّة وسط هذه الأعاصير والمتغيِّرات، والتي حارت البَرِية في أَمرها، وعجِز حتى كبار المحلّلين الدوليّين عن الإمساك بخيط رفيع من شبكة امتداداتها المتعدّدة الخيوط والأهداف.
غير أن ثمة جامعاً أو قاسماً مشتركاً بين هؤلاء ينطلق من أهمية دور إيران، واحتمال ضلوعها في بعض أو كل ما تشهده ساحات العراق وسوريا و... لبنان أيضاً.
ما بالنا قد نسينا الصفقات، وما تتطلَّبُ من كباشات وليِّ أذرع؟
كلمة الرياض: العروبة لن تندثر!!
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
وسط فوضى البؤس العربي، وجدنا إجماعاً نادراً بين هذه الأمة البائسة على تشجيع المنتخب الجزائري لكرة القدم، والذي بلا شك كان واجهة رائعة في تمثيله الفني والأخلاقي لوطنه ولهذه الأمة، ومع أن هذه اللعبة كثيراً ما كانت موضع خلافات عربية إذا كانت المسابقات تجري بينهم، فإن سر هذا التوحد هو أن خوض المباريات مع دول أجنبية تتنافس على كأس عالمية، ومع ذلك فإن هذا التعاطف العربي الكبير، يُشعرنا أن العروبة ظاهرة لن تندثر، وأن رصيدها الشعبي بين كل الأقطار موجود، وهذا يذكّرنا كيف ساندت الحكومات والقوى العربية جميعها ودعمت كفاح الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي، وهذا يعيدنا إلى سيرة أن الاتفاق على مناهضة عدو مشترك قابل للإجماع شأن القضية الفلسطينية، ولكننا افترقنا تماماً وتنازعنا واختلفنا عندما احتلت أمريكا العراق، ولا نزال مع، وضد إيران ما يجعلك تحتار أمام الحالة النفسية العربية، هل تحركها قبضة الحكام أم الدين الذي استُغل بأبشع صوره في حروب الأحزاب والطوائف، أم حالات اليأس التي بددت الآمال خلال نصف قرن مضى بفتح نافذة على الحرية والحياة الكريمة والاعتراف بمواطنة الإنسان أياً كان انتماؤه وهويته؟
قدر الإنسان المتعاطي مع الكتابة أياً كانت نزعتها أن صاحبها صاحب رسالة يعيش وهم صناعة التاريخ، وأنه صاحب مسؤولية وطنية وقومية، وهذه حقيقة في دول تفهم مبدأ هذه الرسالة لكن واقعنا العربي أظهر أننا الأمة المنقسمة والمصدرة للجريمة السياسية بكل أبعادها، بينما نحن الضحية لانعدام أسس البناء الخلاق، حتى إن ما يجري حالياً جعل كل رحم تنجب وتضع آمالها على الجنين القادم بأن يعيش سوياً في وطنه ينتهي لمشروع قتيل أو قاتل، لأننا صنعنا أكفاننا قبل تسجيل مواليدنا، وهي أزمة عقل حتى إن حواسنا لا تتجه الا للدم، وهي ليست موروثة وإنما مصطنعة، وهذا ما عزز دور الغريزة على المنطق الموضوعي في معالجة أوضاعنا وأسلوب حياتنا..
كنا بسطاء في أفكارنا وسلوكنا نأكل على قدر إنتاجنا، ونتعايش بقانون أخلاقنا وقاعدتنا الإخاء الصادق، وقد نشأنا على مبدأ التضحية من أجل الوطن واتسع الفكر إلى الأمة كلها، وتعدت آمالنا فكرة الوطن الصغير للأشمل لأن جامعَنا هو تراث وعقيدة وجغرافيا ولغة واحدة، لكن ما جرى أحدث تغييراً بنيوياً ليس فقط في مستوى صراع الدول مع بعضها وانقساماتها وإنما الاتجاه إلى عقيدة الجماعات داخل الوطن الواحد ولذلك أطلت القبيلة برأسها، وتفشت ظواهر النزعات الدينية المتطرفة، ولأن مجتمعاتنا العربية تضم أدياناً وقوميات وأرومات ليست بالضرورة عربية أو مسلمة وفقاً للغالبية العظمى التي تدين بالإسلام فإن الزعامات السياسية التي فشلت في مشروعها الوطني والقومي، هي من أسس نزعة الانقسامات التي نعيشها حالياً، وقد توالت أجيال بعضها عاشت حلم الأمة الواحدة، والتحرر من أزماتها التاريخية، للالتقاء بالحضارة المعاصرة، وأخرى صُدمت بالهزيمة العسكرية والنفسية، ما أدى إلى بروز واقع اليوم الذي أصبح يهدد وجودنا..
كل هذه الأحداث والصور الصادمة أعطتنا شيئاً من الأمل البعيد، بأن وقفتنا مع منتخب الجزائر حتى بزخمه العاطفي تؤكد لنا أن عروبتنا طاهرة لا تصنف على مبادئ التعصب والنبذ، وأنها موجودة في مشاعر ووجدان هذه الأمة مهما زادت الانكسارات والهزائم.
نحو توازن جديد للقوة فى الشرق الأوسط
بقلم: جميل مطر عن الشروق المصرية
وجدت قلقا حقيقيا فى دوائر صنع السياسة فى عدد من العواصم العربية خاصة والإقليمية عامة. اتجه ظنى فى بداية الأمر إلى التوتر الناجم عن عدم استقرار الأوضاع الداخلية إلى أن اتضح لى أن أكثر القلق ناتج عن حالة «عدم التأكد» من نوايا الرئيس باراك أوباما. بمعنى آخر، هناك قدر كبير من الغموض المصحوب بشكوك عديدة لدى كثير من قادة المنطقة يحيط بالعملية الجارية حاليا فى الولايات المتحدة تحت عنوان «بناء صرح جديد للسياسة الخارجية الأمريكية والأمن القومى الأمريكى».
•••
يحدث فى أوقات الأزمات السياسية المعقدة أن تختفى معلومات فيصعب الفهم وتتعدد الرؤى. تختفى المعلومات فى أوقات الأزمات بسبب سرعة تطور الأحداث، ولكن أيضا بسبب انتقال معظم القرارات المهمة إلى أيدى عدد قليل جدا من المسئولين وأحيانا إلى أجهزة بعينها. تختفى أيضا لأن الدول وهى تمر بمرحلة تعديل سياساتها، تحرص على المبالغة فى إخفاء المعلومات ومناهضة الشفافية.
أستطيع بقدر كبير من الثقة أن أتفق مع من سبقنى وقرر أن قطاع الأمن القومى والسياسة الخارجية الأمريكية يمر بمرحلة شديدة الحساسية والتعقيد. دليلى هو هذه اللافتات العديدة عن تغييرات فى الأفكار الأساسية والأساليب. لا أعتقد أن عهدا آخر تعددت لافتاته عن سياساته الخارجية والدفاعية كما تعددت فى عهد أوباما.
أذكر لعهد الرئيس رونالد ريجان لافتات قليلة العدد، أغلبها كان يركز على مواجهات الحرب الباردة وتشجيع الدول على تحرير أسواقها واقتصاداتها. وأذكر للرئيس بوش الصغير لافتته الشهيرة عن محور الشر وضرورات محاربته، كما أذكر له لافتتى فرض الديمقراطية على شعوب العالم بقوة السلاح والحرب العالمية ضد الإرهاب. أما أوباما فلافتاته عديدة ومتغيرة، أبرزها وقف الحرب العالمية ضد الإرهاب لسنوات ثم إشعالها من جديد، الانفتاح على عالم الإسلام السياسى وتشجيع مناصريه ثم التوقف لتقييم التجربة، ولافتة التحول نحو الشرق ثم التباطؤ قليلا لمتابعة أمور استجدت فى الشرق الأوسط. تابعنا أيضا لافتة تجاهل الحلفاء التقليديين فى أوروبا تعبيرا عن تبرم وتململ ثم العودة إليهم بتردد عندما بدأت معركة أوكرانيا. بل إن الشقيقة سوريا حظيت وحدها فى أزمة واحدة بلافتات كثيرة، بدأت بلافتة إسقاط الأسد وانتهت بالتعامل معه مرورا بقرار حشد قوات أمريكية والتهديد بحرب والعودة سريعا عن هذا القرار عندما امتنعت الحليفة بريطانيا. شاهدنا أيضا على أيدى إدارة أوباما لافتات ضد إيران ولافتات مع إيران، ولافتات مع النظام الجديد فى مصر ولافتات ضده. وإن نسينا يوما فسيكون صعبا أن ننسى لافتة الحل المعجزة للصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى، جهد كبير ورحلات مكلفة مالا ووقتا وتنازلات على حساب مكانة الرئيس ووزير خارجيته ورئيسة مستشاريه والنتيجة أن مر شهر إبريل ولا حل.
اللافتات عديدة ومتناقضة، ولكن يجب الاعتراف بأن بين هذه اللافتات جميعا يمر خط تكاد تراه العين المجردة، خط مستقر ومستمر ينبئ عن نية راسخة لدى أوباما تسعى إلى تقليص الاعتماد على القوة الصلبة، خاصة العسكرية، لصالح الاعتماد على القوة الناعمة، وبخاصة الدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية، لتحقيق الأهداف الأمريكية، وبخاصة الأهداف المتعلقة بالأمن القومى وحماية المصالح الحقوقية.
لم يتصور أحد أن تكون بسيطة وميسرة عملية الانتقال بسياسات الأمن القومى من مرحلة استمرت طويلا إلى مرحلة أخرى بظروف وتوازنات قوة مختلفة تماما. لم تكن بسيطة أو ميسرة فى عهد الرئيس ولسن وهو يجرب العودة إلى الانعزال، ولا فى عهد الرئيس روزفلت وهو يقرر الخروج بالولايات المتحدة من سياسات الانعزال إلى سياسات التدخل والانخراط والحشد والتعبئة.
ولم تكن بسيطة أو ميسرة عندما قرر رؤساء الحرب وما بعد الحرب العالمية الثانية الحلول محل بريطانيا وفرنسا فى قيادة الهيمنة الإمبريالية الغربية والتصدى للاتحاد السوفييتى. وأظن أنها لم تكن بسيطة أو ميسرة المرحلة التى بدأت بإعلان أوباما عن نيته خفض الإنفاق العسكرى وإعادة الاهتمام بالبنية التحتية الأمريكية وتخفيض أعباء مسئوليات القيادة.
يهمنى فى هذا الصدد ما أعتقد أنه يتصل بنية أوباما فى تحرير الولايات المتحدة من روابط وقيود تحالفاتها التقليدية، إذ لا يخفى أن بعض هذه التحالفات صار عبئا على أمريكا، وسيكون عبئا أثقل إذا استقرت نيتها على تبديل أولوياتها القومية. المثال الأبرز أمامنا هو النمط التقليدى للتحالف مع دول غرب أوروبا.
هذا النمط لم يعد صالحا أو فاعلا فى ظروف تغيرت فيها إمكانات الدولة القائد للحلف. مرة بعد أخرى تثبت أوروبا أنها غير قادرة على تحمل قدر أكبر من المسئولية فتسهم فى تخفيض أعباء الولايات المتحدة، ولا شك أن الأمر تحول الى معضلة والمعضلة تزداد تعقيدا. إذ يدرك أوباما خطورة انفلات سباق تسلح فى أوروبا، وفى الوقت نفسه يعرف، حق المعرفة، أن أمريكا وحدها لن تتحمل طويلا مسئولية الدفاع عن أوروبا.
أظن أن أوباما أدرك أيضا أن حلفاء أمريكا التقليديين فى الشرق الأوسط خذلوها، أو على الأقل خيبوا أملها. خذلوها عندما تركوا الشرق الأوسط ينزلق نحو أزمة لعلها الأخطر فى تاريخ المنطقة منذ الحرب العالمية الأولى. ولاشك أن أحدا لن يعفى واشنطن من مسئولية هذا الانزلاق. فقد اختارت واشنطن أن تشيد نظاما لتوازن القوى فى الشرق الأوسط يعتمد من ناحية قاعدة التفوق المطلق لإسرائيل على ما عداها من دول الشرق الأوسط منفردة أو مجتمعة.
الآن، لم يعد ممكنا الاستمرار فى إدارة صراعات الشرق الأوسط والتخطيط لمستقبله فى ظل الاعتقاد بضرورة وجود هذا التفوق الإسرائيلى المطلق. إذ دخلت ساحات الصراع شرق الأوسطى كل من إيران وتركيا ودخلها كذلك لاعبون من خارج النظام الرسمى الإقليمى والدولى. هؤلاء اللاعبون الجدد يشاركون، رغم أنف دول الإقليم فى بناء نظام إقليمى جديد، كل بطريقته وكل بطائفته أو مذهبه، وأغلبهم ليسوا من حلفاء أمريكا التقليديين. لا يحتاج الوضع فى الشرق الأوسط، بحالته الراهنة، إلى جهد كثير لإقناع صانعى السياسة فى المنطقة وأوروبا والصين بأن نمط توازن القوى الذى صاغته أمريكا وحافظت عليه لمدة ستين عاما أو ما يزيد، لم يعد صالحا لتحقيق استقرار فى الشرق الأوسط، أو لإدارة نظام أمن إقليمى.
•••
من ناحية أخرى، لعل واشنطن تكون قد اكتشفت أيضا أن الشرق الأوسط فى سنواته الأخيرة مندفع بطاقة كبيرة للانحراف فى اتجاه انفجار مذهبى. كثيرون يعتقدون أن أمريكا مسئولة عن هذا الانحراف ويحملون بوش وموظفيه العسكريين ومساعديه من المحافظين الجدد مسئولية ما يحدث فى العراق الآن وربما المنطقة بأسرها، أنا شخصيا أعتقد أنهم مسئولون عن «تسريع» الانحراف وشحذ حوافه وليس عن انطلاقته.
ورثت واشنطن عن بريطانيا عقيدة الاعتماد على الأغلبية السنية فى الشرق الأوسط لضمان الاستقرار السياسى والإقليمى. وبالفعل كان الاعتماد على السنة شبه مطلق وكذلك كان دعمها لهم ليحتفظوا بميزان القوة الإقليمى وداخل كل دولة لصالحهم. الآن، وبعد مقدمات لم تكن خافية، اكتشفت واشنطن أن توازن القوى فى الشرق الأوسط على هذا النحو يكشف عن خلل رهيب. فى أعقاب هذا الاكتشاف راحت السياسة الأمريكية تسعى لتغيير بعض الثوابت، والتدخل لتعديل توازن القوى بين السنة والشيعة فى الشرط الأوسط، وانشغلت جهات عديدة وعقول وفيرة بالبحث عن نظام جديد لأمن الشرق الأوسط يقوم على «توازن جديد للقوى الطائفية». لذلك لا أستبعد أن تحدث عملية فرز شبيهة بعمليات الفرز التى جرت بشكل أو بآخر فى ثورات الربيع العربى، وبعضها مستمر الآن مدفوعا بقوى الإسلام المسلح.
لست متأكدا تماما إن كانت أحداث 9/11 خاصة تفجير برجى التجارة فى نيويورك ومبنى البنتاجون فى واشنطن، أم ثورات الربيع العربى هى التى كشفت عن مدى الاختلال فى ميزان القوى السياسية فى الدول العربية. واشنطن لم ترث فقط أولوية طائفة السنة، بل ورثت أيضا أولوية النخب العربية المتعلمة تعليما غربيا والمدربة على احتكار النفوذ والحكم، على حساب النخب «الإسلامية» أو المدربة تدريبا دينيا. الآن أصبحنا نعرف كيف تدخلت أمريكا وحلفاء لها فى مسيرة جميع ثورات الربيع لتزيد من ثقل النخب الدينية على حساب النخب والمؤسسات المدربة تدريبا غربيا أو عصريا، ولم يعد سرا أنها شجعت النخب الدينية التى حصلت على قدر من التعليم فى دول الغرب.
نقل كل من دافيد ريمينيك فى مجلة نيويوركر فى يناير 2013 وجيفرى جولدبرج فى موقع بلومبرج نيوز فى مارس 2014 عن الرئيس أوباما قوله إن هدفه من إقامة وضع متوازن بين الحلفاء التقليديين كالسعودية وإسرائيل من ناحية وإيران من ناحية أخرى هو تشييد نظام أمن إقليمى يضمن مصالح أمريكا ويخفف من خطورة الصراع المذهبى. على ضوء هذه النية، اذهب مع ما ذهب إليه معلقون آخرون إلى الاعتقاد بأن الصراع على سوريا قد يكون جزءا من هذه الصورة الأشمل. لقد اعتقد حلفاء أمريكا التقليديون فى الشرق الأوسط أن أوباما أخطأ حين رفض إسقاط بشار الأسد، لأنه برفضه اسقاطه أضاع فرصة عظيمة لفرض الانكسار على إيران. المخطئ هنا فى ظنى، ليس أوباما بل أصدقاء أمريكا الذين فهموا خطأ أن أوباما يسعى لانكسار إيران، هؤلاء لم يدركوا بعد أن أمريكا تسعى منذ فترة لبناء توازن جديد للقوى المذهبية فى الشرق الأوسط، ولا يفيدها فى هذا المشروع أن تكون إيران منكسرة.
•••
هل حان وقت الاعتراف بأننا فى الشرق الأوسط، وربما لأول مرة، نعرف معرفة أفضل حقيقة توازنات القوة فى المنطقة؟ لقد اشتركت عوامل متعددة فى الآونة الأخيرة فى دفعنا فى اتجاه هذا الفهم الأفضل لنظام توازن القوى فى الشرق الأوسط، منها أن أمريكا أبدت علنيا الرغبة فى الانسحاب من الشرق الأوسط، ومنها أنها كشفت عن حالة ضعف نسبى حين تعاملت بشكل غير مألوف مع روسيا ومع الصين ومع قوى الإرهاب المسلح، ومنها أن أمريكا بدت حريصة كل الحرص على أن تصل مباحثاتها مع إيران إلى نجاح، رافضة الضغوط السعودية والإسرائيلية. منها أيضا أن إسرائيل تبدو هذه الأيام فى موقف لا تحسد عليه فى المجتمع الدولى، ويبدو تأثيرها على صانع القرار الأمريكى أضعف من أى وقت مضى. من هذه العوامل أيضا أن أمريكا، أو على الأقل إدارة أوباما، ظهرت غير واثقة من أفضلية الاستمرار فى المحافظة على سايكس بيكو أساسا لخريطة المنطقة فى المستقبل كما كانت فى الماضى، مع تعديلات طفيفة هنا وهناك، أو الخضوع لضغوط التقسيم هنا والتجميع هناك.
ولا شك أن تصريح نائب الرئيس جو بايدين مشجعا التقسيم أضاف سببا جديدا إلى أسباب القلق السائد فى مواقع صنع السياسة فى العواصم العربية. كثيرة هى العوامل التى دفعتنا للسعى نحو فهم أفضل لحال توازن القوى فى الشرق الأوسط. يتصدرها من وجهة نظرى عاملان قيمتهما المعنوية أعلت من شأنهما، أولهما أن الأسد مازال فى موقعه، وثانيهما أن العراق على الطريق لإقامة توازن جديد للقوى المذهبية فى داخله، إن بالتقسيم أو بتعاقدات جديدة.
في هــــــــــــذا الملف:
عيون وآذان (عذر لقتل السلام)
بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
رأي البيان: عدوان إسرائيل المستمر
بقلم: أسرة التحرير عن البيان الاماراتية
انتصار العقلانية الفلسطينية في مواجته “شعار” نتنياهو وتعاطيه مع ملف المخطوفين
بقلم: نبيل عودة عن رأي اليوم اللندنية
مؤسسة القتل الرسمية!
بقلم: حلمي الأسمر عن الدستور الاردنية
نتنياهو…الحل من جانب واحد
بقلم: فايز رشيد عن الوطن العُمانية
مركز سابان الإسرائيلي للأبحاث وخطة عام 2013 لتقسيم المنطقة
بقلم: تحسين الحلبي عن الوطن السورية
رأي القدس: «الدولة الكردية» بين قبول تركي وحماس اسرائيلي
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
ظلال صلاح الدين بين أربيل وتل أبيب
بقلم: ماجد عبد الهادي عن العربي الجديد
سياسات أميركية أوصلت إلى «الخلافة» البغدادية
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
هل يستيقظ النظام السياسي العربي من سباته
بقلم: فاروق يوسف عن العرب اللندنية
حروب المنطقة والبازارات المفتوحة!
بقلم: الياس الديري عن النهار البيروتية
كلمة الرياض: العروبة لن تندثر!!
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
نحو توازن جديد للقوة فى الشرق الأوسط
بقلم: جميل مطر عن الشروق المصرية
عيون وآذان (عذر لقتل السلام)
بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
أدين بأوضح عبارة ممكنة قتل أولاد إسرائيليين ثلاثة خُطِفوا في الضفة الغربية. نحن نتهم حكومة إسرائيل الإرهابية وجيش الاحتلال يوماً بعد يوم بقتل أولاد فلسطينيين وأطفال، ولا يجوز أبداً أن نسكت عن قتل أي صغار.
أقول هذا ثم أزيد مذكراً القارئ بسطور كتبتها قبل أيام قلت فيها إن مجرم الحرب بنيامين نتانياهو ربما كان يتمنى موت الأولاد الثلاثة لتبرير حرب جديدة على قطاع غزة. في اليوم التالي لانتشار خبر قتل الأولاد كتب أبرز ثلاثة معلقين سياسيين إسرائيليين (كله محفوظ عندي) محذرين نتانياهو من القيام بمغامرة غير محسوبة مثل اجتياح قطاع غزة.
هم يعرفون نتانياهو أكثر مما أعرفه وأفضل ويعرفون أنه إرهابي يبحث عن جريمة إلا أنهم لا يقولون هذا بل يتهمون ضحايا الاحتلال والقتل والتشريد بالإرهاب.
نتانياهو مجبول بالإرهاب، وهو كتب يوماً مفاخراً في صحيفة إسرائيلية بأنه كان مجنداً وشارك في الهجوم على مطار بيروت سنة 1968 الذي دُمِّرَت فيه 13 طائرة مدنية ودانه العالم. مع ماضي نتانياهو وحاضره ربما يستغرب القارئ أن أقول إن في حكومته مَنْ هم أكثر ميلاً إلى الإرهاب منه على رغم ما يبدو من استحالة ذلك.
في البحث عن الأولاد الثلاثة قتلت حكومة مجرمي الحرب شابين فلسطينيين، ثم واحداً ثم آخر، وأصابت كثيرين بجروح. وقد دانت جماعات حقوق الإنسان جرائم ضد الفلسطينيين قبلي.
نتانياهو قال فور انتشار خبر خطف الأولاد الثلاثة إن حماس خطفتهم. هو سجل على نفسه أنه إرهابي، ولو انتظر وزعم أنه تلقى معلومات لوجد مَنْ يصدقه. تسرعه كان سببه أنه يبحث عن عذر لتخريب المصالحة الفلسطينية، مع أنه لو ترك الفلسطينيين يتدبرون أمورهم لربما فشلت من دون مساعدته كما فشلت عدة محاولات مصالحة سابقة.
أرجو أن تكون حماس بريئة من جريمة قتل الأولاد، وأعرف أن رئيس المكتب السياسي الأخ خالد مشعل لا يمكن أن يأمر بقتل أولاد، إلا أنني لا أعرف قيادة حماس في غزة، ثم لا أدري إذا كان عضوان في حماس أو أعضاء في منظمة فلسطينية أخرى قرروا خطف الأولاد وقتلهم من دون استشارة قيادتهم.
ثلاثة أولاد إسرائيليين أدين قتلهم ثم أذكر القارئ بأن جيش الاحتلال والمستوطنين قتلوا 1500 قاصر فلسطيني (دون الخامسة عشرة) في العقد الأول من هذا القرن. ونسمع الآن عن ثلاث أمهات إسرائيليات فجعن بأولادهن الثلاثة، ولكن لا نسمع عن 1500 أم فلسطينية فجعت كلٌ منهن بابنها.
لا أذكر أن الرئيس باراك أوباما عزى أماً فلسطينية بابنها ولكن أذكر أنه منع إدانة إسرائيل في مجلس الأمن وأنه بعث برسائل إلى الأمهات الإسرائيليات يعزيهن بأولادهن. أوباما أهدانا «حكي» وعواطف فارغة في خطابه المشهور في جامعة القاهرة سنة 2009، وأهدى إسرائيل سلاحاً تقتلنا به ومساعدات اقتصادية استمرت حتى والولايات المتحدة تقف على شفير الإفلاس بعد 2008.
أميركا تقدم لإسرائيل وفيها ستة ملايين مستوطن 3.5 بليون دولار معلنة كل سنة، وتقدم لمصر وفيها 90 مليون مواطن 1.5 بليون دولار، ثم تحجب بعضها بين حين وآخر وتهدد مصر.
كل هذه المـساعدات بدأ مع اتفاقات كامب ديفيد واستمراره مربوط بها، لذلك أتمنى أن يأتي يوم يجمِّد فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي دور مصر في معاهدة السلام، ويبلغ إسرائيل أن وقف أي جزء من المساعدات لمصر يعني تخلي الولايات المتحدة عن شروط المعاهدة. هو لو فــعل لتولى لوبي إسرائيل في واشنطن إقناع الكونغرس بعدم وقف أي مساعدات لمصر لأن إسرائيل لن تحظى بأي سلام من دون مصر.
اليوم يهدد نتانياهو حماس من دون دليل، وحتى «المعتدلان» في حكومته يائير لابيد وتزيبي ليفني يطالبان بمعاقبة حماس، أما الإرهابي نفتالي بنيت، إبن المهاجرين من أميركا، فيهدد نتانياهو إذا لم يأمر بردٍّ مدمر على حماس، في حين أن الإرهابي الآخر وزير الدفاع موشي يعالون يريد استخدام العقل، لا العاطفة، قبل بدء عمليات عسكرية ضد حماس وقطاع غزة كله.
أترجم هذه المواقف إلى ما يفهم القارئ العربي فما يقولون هو أن حكومة مجرمي الحرب لا تريد عملية سلام، وهذه متوقفة أصلاً منذ نيسان (أبريل) الماضي، وقد وجدوا عذراً في قتل الأولاد الثلاثة، فكأنهم طلبوا قتلهم ليمارسوا الإرهاب، وهو سياستهم الوحيدة.
رأي البيان: عدوان إسرائيل المستمر
بقلم: أسرة التحرير عن البيان الاماراتية
في غمرة تطورات الأحداث المتلاحقة في المنطقة والعالم، والتي باتت تشغل القادة والساسة الكبار والرأي العام العالمي أكثر من غيرها، يستغل الاحتلال الإسرائيلي هذا الانشغال ليواصل عدوانه على الفلسطينيين وأراضيهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، بذريعة الانتقام لمقتل ثلاثة إسرائيليين، يلف رواية العثور على جثثهم في الخليل كثير من الغموض والتشكيك وغياب الأدلة.
أول من أمس، قصف طيران الاحتلال الحربي وبحريته، كافة مدن وبلدات قطاع غزة بأكثر من ستين صاروخاً، فيما أعدمت قوات الاحتلال ومستوطنوه فلسطينيين بدم بارد في جنين والقدس، وفجّر الجيش الإسرائيلي ثم هدم منزلين يزعم أنهما للخاطفَيْن.
ولم تكتفِ سلطات الاحتلال بذلك، بل إنها واصلت حملات دهم واعتقالات في الضفة، طالت عشرات الفلسطينيين ومئات المنازل، معلنة أنها »تدرس« حجم الرد على مقتل المستوطنين الثلاثة، ومتجاهلة دعوات من داخل كيانها تطالب بالتهدئة وتفادي تصعيد لن تُحمد عقباه، في ظل أحداث المنطقة الملتهبة.
نوايا إسرائيلية مبيّتة، وهدفها الأساسي غير المعلن، هو إفشال المصالحة الوطنية الفلسطينية، والرد على ما تعتبره تل أبيب تنامي نفوذ حركة »حماس«، وهناك تهديدات كثيرة سابقة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي انتظر مسرحية الاختطاف، أو ربما افتعلها، ليبرر هجمته الشرسة على الأراضي الفلسطينية، بذرائع واهية ومفضوحة، لا تنم إلا عن همجية الاحتلال وضربه عرض الحائط بالمجتمع الدولي ولوائحه وأعرافه ومواثيقه، معلناً ثلاث »مهمات« أمام إسرائيل، هي الوصول إلى منفذي عملية الخليل، وضرب »حماس« في الضفة، واستمرار استهدافها في غزة، ما يعزز فرضية افتعال تلك الأحداث لتحقيق أجندات سابقة، هدفها الأساسي تقويض »حماس«، وضرب التوافق الفلسطيني الداخلي، بما يهدم حكومة التوافق، ويعيد الفلسطينيين إلى مربع الانقسام والتشتت.
أما القيادة الفلسطينية، ورغم توقعها المسبق لهذا المخطط الإسرائيلي من قبل، إلا أنها لا تملك سوى بيانات الرفض والتنديد، ومناشدة المجتمع الدولي والعالمين العربي والإسلامي نصرة الفلسطينيين، وصد عدوان الاحتلال عنهم وعن أراضيهم، أو الوقوف ضد تصعيده.
انتصار العقلانية الفلسطينية في مواجته “شعار” نتنياهو وتعاطيه مع ملف المخطوفين
بقلم: نبيل عودة عن رأي اليوم اللندنية
يظن نتنياهو ان ساعته قد حلت، تماما مثل المبعوثين الإلهيين من القرون الوسطى وما قبل التاريخ. استغل عملية خطف ثلاثة صبيان لينفذ ما يتوهم انه عملية تطهير ضد حماس في الضفة الغربية.. بهدف اعادة شق الموقف الفلسطيني ودفع الفلسطينيين الى نزاع أكثر عنفا من انقلاب حماس السابق.
اودالقول انه رغم انتقادات قوى وطنية وقوى من حماس لموقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من موضوع خطف الأولاد وضررها على الوضع الفلسطيني، الا ان ما يتضح أكثر وأكثر ان موقف محمود عباس لم يكن هو الموقف الذي توقعه نتنياهو. الموقف الفلسطيني الرسمي اربك خططه التي بدأت تتضح اليوم بصورة افضل، وليت منتقدي عباس يعيدون تقييم الأحداث التي اعقبت خطف الأولاد الثلاثة.
هناك ابعاد مختلفة دفعت عباس لموقفه العقلاني، اولا: تجريد اسرائيل من الحجة التي تكررها حكومة اليمين من رئيسها حتى أصغر موظف فيها ، بان السلطة الفلسطينية ورئيسها معادين للسلام ولا يشكلون مفاوضا مناسبا لعملية السلام التي احتلت جهودا اساسية من جهود وزير خارجية الدولة الحاضنة لإسرائيل ، واعني جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، ونجح المفاوض الفلسطيني بجعل كيري يوجه اللوم بأشكال عديدة لا تفسر على وجهين للموقف الاسرائيلي.
ثانيا: “مونديال نتنياهو العسكري المتواصل في الخليل” واعتقالاته لقيادات حماس وغيرها من القوى السياسية في الخليل والضفة الغربية لم تقنع دول العالم وخاصة دول الاتحاد الأوروبي بتغيير سياساتهم من الاحتلال ( رغم انه وزع السكريات على ابناء المعتقلين)، وشهدنا ان دول الاتحاد الأوروبي تأخذ خطوات أكثر فاعلية من موضوع المستوطنات وتعلن بوضوح ان المستوطنات غير مشروعة، وتنذر مواطنيها من التعامل مع المستوطنات ..واعلن سفير الاتحاد الأوروبي في تل ابيبإن دولا كثيرة في الاتحاد الأوروبي تفقد صبرها إزاء سياسة البناء في المستوطنات…وان الاتحاد الأوروبي يرى ان المستوطنات غير شرعية من جهة القانون الدولي. لذلكهناك مخاطر قضائية واقتصادية قد تصيب الشركات والأفراد الذين يقومون بفعاليات اقتصادية أو ينفذون عمليات تحويل أموال أو استثمار أو يوقعون على صفقات أو يشترون أراضي أو يحصلون على خدمات سياحية من جهات استيطانية.
ثالثا: على ضوء كل هذه التطورات يبدو الاعلان الحكومي حول القدس الشرقية لمنع تقسيمها مستقبلا، ضربا نحو المزيد من التطرف الاستيطاني، الى جانب تنفيذ خطة الوزير بينيت التي يتبين انها خطة حكومية معدة سابقا منذ خمسة سنوات، لضم مناطق “ج” الى اسرائيل ومنع اقامة دولة فلسطينية مستقبلا وجاء متواصلا مع “الفرصة الذهبية” التي وفرتها عملية خطف الفتيان الثلاثة.
من هنا رؤيتي ان موقف الرئيس محمود عباس كان متنبها لما تخطط له حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة. رأى بوضوح ان عملية الخطف تشكل تهديدا للمشروع الوطني الفلسطيني، توقع السلطة الفلسطينية بشرك تعده لها حكومة الارهاب الاحتلالي وان خطف الشبان الثلاثة لن يقود الى أي مكسب في موضوع الأسرى الفلسطينيين.
بعد كتابة المقال نشر خبر العثور على جثث الشباب المخطوفين. حتى الآن لم نسمع من نتنياهو الا توعدة بان تدفع حماس الثمن. طبعا بدأ القصف على قطاع غزة..لا اعرف كيف ستتطور المواجهة مع حكومة يمينية متطرفة ورئيس حكومة لا يظهر أي اتزان سياسي في موقفه.
لا نرى بالنضال الوطني الفلسطيني للتحرر من الاحتلال نضالا ارهابيا، بل نرى باستمرار الاحتلال استمرار لسياسة القمع والسيطرة غير المشروعة على الأرض ، وتنفيذ اعتداءات على ارزاق الفلسطينيين من حرق حقول وأشجار واقامة اسوار تفصل الفلسطينيين عن املاكهم، تمنع التواصل الجغرافي للوطن الفلسطيني، سيطرة الاحتلال على مصادر المياه الفلسطينية، سياسة قتل الفلسطينيين بدم بارد وتبرير القتل بحجج مفضوحة تكشف الوجه الدموي لجيش الاحتلال، الى جانب تنفيذ أبشع انواع الحكم العنصري (الأبرتهايد) وعلى رأس ذلك قمع حقوق الانسان الفلسطيني الأولية ، بل واعتبار كل طفل فلسطيني مخرب محتمل مستقبلا، كما قال بدون حياء ضابط نيابة عسكرية لوفد برلماني بريطاني.
ان الموقف العقلاني لرئيس السلطة الفلسطينية لم يكن سهلا وبدى غير وطني اطلاقا في اعين الكثيرين من ابناء الشعب الفلسطيني، لكنه كان الموقف الذي جرد نتنياهو من قناعه السلمي وكشف وجه سياسته على حقيقتها، سياسة رفض اقامة دولة فلسطينية ، مواصلة احتلال الأرض، توسيع الاستيطان وخطط ضم اراض جديدة بما في ذلك منطقة “ج” كما اعلن وزير الاقتصاد بينيت كاشفا مشروعا قديما معد مسبقا في حكومة نتنياهو.. واليوم بعد ايجاد الجثث يتضح كم كان الموقف الفلسطيني الرسمي مسؤولا وصحيحا.
موقف رئيس السلطة الفلسطينية جعل من تصريحات نتنياهو ثرثرة اثارت ضحك الكثير من الاسرائيليين وسخريتهم ، حتى سخرية ذوي المواقف اليمينية، ولم تنجز أي مكسب لسياساته في المجال الدولي ، بل عمقت التقييم السلبي لحكومته دوليا (وأمريكيا ايضا) واسرائيليا.
تخيلوا لو كان موقف محمود عباس مماثلا بشكل من الأشكال للموقف الصبياني لعضوة الكنيست من التجمع حنين زعبي التي خدمت نتنياهو وكان يتمنى بسره موقفا مشابها من محمود عباس.
لا احد ينكر حق الشعب الفلسطيني في تحرير اسراه، لكن التصرفات غير المدروسة والمتسرعة لن تكون هي الطريق لتحرير الأسرى. ان القتل العشوائي ليس طريقا للنضال الوطني.
ما يغضب نتنياهووحكومتة المواقف العقلانية لرئيس السلطة الفلسطينية التي تجرد حكومة اسرائيل اليمينية من كل مصداقية سياسية لها..ومن مصداقية اخلاقية تدعيها وهذا سيبرز أكثر في الأيام القادمة!!
مؤسسة القتل الرسمية!
بقلم: حلمي الأسمر عن الدستور الاردنية
خطف الفتى الفلسطيني، وقتله، وحرق جثته، بالأمس، هو نتيجة حالة التحريض المهووس التي سادت الإعلام في كيان العدو المحتل، ونتيجة تعاظم الأصوات المنادية بممارسة إرهاب الدولة الممنهج ضد كل الفلسطينيين، سواء كانوا «مذنبين» أم لا، وكلمة مذنبين هنا، هي محض مجاز، فمقاومة الاحتلال شرف على صدر كل فلسطيني، وهي ليست ذنبا، بل هي واجب قومي وشرعي وقانوني، والمقاومة هنا تعني إخراج كل مغتصب من الأرض التي اغتصبها عنوة، قهرا وجبرا، ورميه وراء الشمس، وبهذا المعنى، وبعيدا عن القوانين التي يضعها المنتصر، فكل قاتل من هؤلاء اليهود هو هدف مشروع للفلسطينيين، و»غنيمة» لهم، وما لا يدركه نتنياهو وعصابته في حكومة اليمين، أن ما يرتكبونه من جرائم يومية بحق فلسطين وشعبها، لن يستأصل روح المقاومة، بل إنه يرسخ خيارها، ويغذيها بمزيد من الحياة، بعد أن جنح من جنح لاستسلام سموه سلاما!
يندر أن تجد في كيان العدو الغاصب صوتا عاقلا هذه الأيام، فصحافتهم سارعت إلى إطلاق صفة «الحيوانات» على من صفى المستوطنين الثلاثة، نيابة عن ضمير جمعي فلسطيني مجروح من الاستيطان وجرائمه، ليأتي خطف الفتى الفلسطيني، محمد حسين أبو خضير وقتله، ليؤكد أن لا مجال للتعايش مع قطعان المستوطنين، فهؤلاء مجرد عصابات من القتلة المجرمين، الذين لا يستحقون الرأفة، ومكانهم الوحيد خارج الأرض التي سكنوها على أسنة الحراب، فإن لم يرحلوا فلن يهنئوا بالعيش حتى ولو ناموا مع أسلحتهم!
الجريمة التي ارتكبها القتلة اليهود فجر أمس، ليست جريمة أفراد، بل هي تعبير عن ضمير جمعي مجرم، متعطش للدم، وبتواطؤ مؤسسي، ومن لم يصدق أن ثمة تواطؤا فليقرأ معنا الحدث بهدوء..
أحد أقارب الشاب المخطوف، يدعى سعيد أبو خضير، قال إن «سيارة تقلّ عدداً من المستوطنين، توقفت أمام المحل واختطفت الشاب واقتادته الى جهة مجهولة».
والدة الشهيد، قالت أن «ابنها خرج في الساعة الثالثة والنصف لصلاة الفجر، إذ اعتاد أن يقابل أصدقاءه ويذهبون جميعاً للصلاة، لكن يبدو أنهم تأخروا عن الموعد قليلاً». وتابعت «وقف ابني ينتظر أصدقاءه وابن عمته أمام محل تجاري قرب المسجد». وأضافت «حضر ابن عمته بعد نحو ساعة، ليخبرني أن محمد لم يصلِّ معهم، وأن هناك أنباء عن خطف فتى من شعفاط، فاتصلنا به على هاتفه الخلوي، لكنه كان وما زال مغلقاً». وعقب شيوع نبأ الاختطاف أغلق أهالي البلدة الطريق الرئيسي واشتبكوا مع قوات الاحتلال، في وقت حاصر فيه الجيش الاسرائيلي، منزل الشهيد أبو خضير(لم يحاصر الجيش منزل الشهيد؟) الباحث الميداني في جمعية «حقوق المواطن»، حسام كمال قال إن «عملية الخطف موثّقة عبر كاميرات المحال التجارية، وكاميرات الشرطة الإسرائيلية الموجودة في الشارع أيضاً». (ما يعني انه كان بالإمكان منع القتلة من تنفيذ جريمتهم، ولكن لم يتم ذلك) ولهذا، فرضت شرطة الاحتلال تعتيماً إعلامياً على القضية.
وجاء في بيان الناطقة باسم شرطة الاحتلال، أنه «في ساعات الفجر الأولى من صباح، اليوم الأربعاء، وصل بلاغ الى شرطة القدس، من مواطن لاحظ شخصاً يتمّ إدخاله عنوة الى مركبة في منطقة بيت حنينا». وأضاف البيان «لوحقت المركبة الى أن تم العثور على جثة شخص في أحراش القدس». تصوروا هنا عملية الملاحقة الرخوة، التي تتيح للقتلة وقتا كافيا لقتل الضحية، وحرق جثته، ناهيك هنا عن معرفة كل من شارك في العملية، الموثقة عبر الكاميرات، والتي سينال منفذوها ما يستحقون من «تكريم» من قبل مؤسسة القتل الرسمية!
نتنياهو…الحل من جانب واحد
بقلم: فايز رشيد عن الوطن العُمانية
” في التغييرات الديموغرافية الإسرائيلية وفقاً لإحصائيات إسرائيلية كثيرة، فإن الارتفاع في نسبة المتدينين اليهود ” الحريديم ” حاد وهو يتزايد سنة بعد سنة، ونسبتهم الآن تشكل ما يزيد على 14% من إجمالي السكان. وهم إضافة إلى الأحزاب اليمينية الأخرى وفي سنة 1925 سيشكلون ما نسبته 62% من الشارع الإسرائيلي.”
في تصريحٍ حديث له، قال بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي:”إنه يفكّر في تنفيذ الحل من جانب واحد مع الفلسطينيين، واستطرد…لكن هذه المرّة سنحرص على ألا تنطلق أية صواريخ فلسطينية على إسرائيل مثلما يحدث الآن في غزة”. ما قاله نتنياهو ليس جديداً، فقد سبق وأن تحدّث حول هذا الحل في خطابه في جامعة” بار إيلان” في العام 2009.
يتمثل الحل وفقاً لرئيس الوزراء الصهيوني في خطابه ذاك: بإقامة دويلة فلسطينية خارج إطار السور العنصري. الدويلة ستكون مقامة على كانتونات معزولة، من دون سيطرة لها على حدودها الخارجية ولا على أجوائها ومواردها الطبيعية، وبخاصة مياهها تحت الأرض، التي سحبت إسرائيل النسبة العظمى منها. بالطبع فإن قطاع غزة لن يتبع هذه الدويلة، وسيجري ضم المستوطنات إلى إسرائيل، وستتواجد القوات الإسرائيلية في منطقة غور الأردن حفاظاً على الأمن الإسرائيلي.
وسيكون من حق قوات الاحتلال الدخول إلى مناطق الدويلة إذا ما رأت ذلك ضرورياً للحفاظ على أمنها. هذا الحل الذي يستثني القدس ومنطقتها، هو ليس أكثر من حكم ذاتي هزيل. حل نتنياهو من جانب واحد( وفقاً لمركز مدار الفلسطيني للأبحاث الإسرائيلية الذي نشر دراسة عن مدى تأييد كافة الحلول المطروحة فلسطينياً في الكنيست.
الصحفي برهوم جرايسي من منطقة 1948 نشر ملخصاً للدراسة) الحل يحظى بتأييد ما ينوف على 70 عضواً. معروف أنه حتى هذا الحل (وفقاً لقانون أساس في الكنيست جرى سنه حديثاً) وأي من الحلول الأخرى بحاجة إلى تصويت ثلثي أعضاء الكنيست عليه أي 80 صوتاً من 120.نتنياهو وفقاً للدراسة سيكون قادراً على إقناع قوى أخرى بالتصويت عليه وإنجاحه.
الموقف من وراء هذا الحل الإسرائيلي، عاملان، الأول: خشية إسرائيل من ضم حوالي من مليوني فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية المحتلة، بما سيؤثر على الميزان الديموغرافي بين العرب واليهود في فلسطين المحتلة عام 1948، وهذا ما يخشاه الكيان الصهيوني، فنسبة الفلسطينيين في منطقة 1948 وفقاً للاحصائيات الإسرائيلية بلغت هذه السنة 17.8% من إجمالي السكان. العامل الثاني أن إسرائيل ستعتبر أنها قامت بحل الصراع الصراع العربي ـ الصهيوني في حلقته الفلسطينية، وستقوم أجهزة الإعلام الصهيونية والمؤيدة لها، بحملة إعلامية واسعة على الصعيد الدولي وتملأه ضجيجاً، بأنها اضطُرت لهذا الحل لأنها عجزت عن إيجاد شريك سلام فلسطيني، وهي تريد ” السلام ” لذا قامت بالحل. بدورهما ستشيد الولايات المتحدة والدول الغربية بعشق إسرائيل (للسلام) وسيجري الضغط على الفلسطينيين للقبول بهذا الحل، وبخاصة أنه أصبح لهم دولة!؟.
في التغييرات الديموغرافية الإسرائيلية وفقاً لإحصائيات إسرائيلية كثيرة، فإن الارتفاع في نسبة المتدينين اليهود ” الحريديم ” حاد وهو يتزايد سنة بعد سنة، ونسبتهم الآن تشكل ما يزيد على 14% من إجمالي السكان. وهم إضافة إلى الأحزاب اليمينية الأخرى وفي سنة 1925 سيشكلون ما نسبته 62% من الشارع الإسرائيلي. هذا هو السر وراء الارتفاع في نسبة التطرف لدى الإسرائيليين. وبالعودة إلى الدراسة، فإن الحلول الأخرى تحوز في الكنيست الصهيوني على الأصوات التالية، الحل القائم على المشروع الفلسطيني كاملاً، حدود 1967 بما يشمل القدس وحق العودة، يحظى بموافقة 11 نائباً فقط هم نواب الكتل الثلاث العربية ( من منطقة 1948) إضافة بالطبع إلى نائب عربي في حزب ميريتس قد يقوم بالتصويت لصالح هذا الحل، فيصبح العدد 12 نائباً.
أما الحل القائم على مخطط الرئيس الأسبق بيل كلينتون الداعي إلى انسحاب من غالبية مناطق الضفة الغربية مع تبادل للأراضي وتقاسم القدس بشكل يبقي على الأحياء الاستيطانية الإسرائيلية فيها وفي منطقتها، ونظام مشترك دولي للبلدة القديمة بما فيها “المناطق المقدسة”، وعودة رمزية للاجئين، يحظى هذا الحل بموافقة 30 ـ35 نائباً، موزعين على الشكل التالي: 15 عضواً هم أعضاء كتلة حزب العمل ، 6 أعضاء هم كتلة حزب ميرتيس. 11 نائباً عربياً في الكتل العربية الثلاث في الكنيست، وقد يمتنع عدد من النواب الفلسطينيين عن التصويت، بسبب محدودية حق العودة. كما يحظى الحل بموافقة 2-7 نواب من حزبي” يوجد مستقبل و” كاديما”.
أما حل حزب المستوطنيين ” البيت اليهودي” فيدعو إلى ضم 60% من مساحة الضفة الغربية إلى”السيادة الإسرائيلية”، وتحويل المدن والقرى الفلسطينية إلى كانتونات معزولة ذات سلطة محدودة. يحظى هذا الحل بموافقة 15 نائباً(وفقاً للدراسة)من 20 نائباً في حزب الليكود الحاكم ،ولربما أيضاً نائبان من حزب”إسرائيل بيتنا”الذي يتزعمه أفيجدور ليبرمان ،فالقسم الأكبر من نواب اليمين المتشدد يتخوفون من هذا المشروع،لكونه يؤثر على “الدولة اليهودية”سلباً من ناحية ديموغرافية.لقد أثبت النهج السياسي لكتلة”يوجد مستقبل”برئاسة وزير المالية يايئر لبيد(19) نائباً والتي ظهرت وكأنها كتلة”وسط”، وكذلك كتلة”الحركة”برئاسة وزيرة القضاء تسيبي ليفني (6) نواب (بموجب سلسلة من القرارات التي ظهرت مترددة دوماً) فإنهما كتلتان لا تشذان عن نهج اليمين المتطرف، فهما لم يعترضان على كل المشاريع الاستيطانية ، وعلى قانون الاستفتاء العام الذي تم سنه في الكنيست لعدم التوصل إلى أية حلول.
التعليق على الدراسة: أنها تطرح تصورات للتصويت وهذه المسألة ليست دقيقة، فمواقف الأحزاب الصهيونية متحركة، وهي تميل إلى التطرف في معظمها، الأحزاب الصهيونية مع المقولة الإسرائيلية ” بأن القدس هي العاصمة الموحدة لإسرائيل” وهي مع مراعاة الأمن الإسرائيلي وتواجد قوات الإحتلال في منطقة غور الأردن، ومع حق إسرائيل في التدخل في الأراضي الفلسطينية واحتلالها متى تشاء. بالمعنى الفعلي لا تأييد للطرح الفلسطيني سوى من 11 نائباً عربياً، حتى حركة ميريتس هي فعلياً مع ضم القدس ومنطقتها إلى إسرائيل.
أما النتائج التي أغفلتها الدراسة فهي حقائق وأبرزها:لا أمل في المراهنة على إمكانية موافقة الكيان على قيام دولة فلسطينية على كافة أراضي عام 1967 بما في ذلك القدس ومنطقتها.لا جدوى كذلك من المفاوضات، وأن ما أخذ عنوة لا يمكن استرجاعه إلا عنوةً.إسرائيل تتجذر فيها مواقف التطرف، والقادم أصعب على صعيد الصراع مع العدو الصهيوني،فالشارع يتحول إلى المزيد من التطرف (وهذا وفقاً للإحصائيات) وهذا ما سينعكس على التصويت للحلول المطروحة. أقصى حدود الحل الإسرائيلي الذي تتفق عليه كافة الأحزاب الإسرائيلية هو:إعطاء الفلسطينيين حكماً ذاتياً هزيلاً،لذلك قد يلجأ نتنياهو إلى خطوة الحل من جانب واحد.
مركز سابان الإسرائيلي للأبحاث وخطة عام 2013 لتقسيم المنطقة
بقلم: تحسين الحلبي عن الوطن السورية
قبل مئة عام تقريباً قررت القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية تقسيم واقتسام العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط بقوة جيوشها واحتلالها للعالم العربي بعد الحرب العالمية الأولى، ويبدو أن معظم الحكام العرب الذين تحالفوا مع لندن وباريس ثم مع واشنطن التي ورثت مصالح الاستعمار البريطاني والفرنسي منذ الستينيات والسبعينيات ستتعرض دولهم إلى إعادة التجزئة والاقتسام والتقسيم دون استخدام القوة الأميركية العسكرية مباشرة بل باستخدام المجموعات المسلحة والأطراف التي جندتها واشنطن لهذا الغرض في العراق وفي اليمن وفي ليبيا وفي السودان وبعض دول شمال أفريقيا أيضاً.
فالهدف الأميركي المراد تحقيقه من قبل معظم حلفاء واشنطن في المنطقة هو خلق أكثر من 35 كياناً سياسياً منفصلاً في العالم العربي بموجب خرائط أعدتها مراكز الأبحاث الأميركية التابعة (للبنتاغون) وزارة الدفاع الأميركية مع مراكز الأبحاث الإسرائيلية التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية وجهاز (الموساد) الإسرائيلي للتجسس.
وفي دراسة نشرها موقع (غلوبال ريزيرش) في 17/1/2008 جرى الحديث عن خطة أميركية تبدأ بتقسيم الدول العربية إلى كتل تعادي بعضها البعض كمرحلة أولى لتقسيم جميع الكيانات السياسية الموجودة الآن من مصر إلى السودان إلى سورية والعراق والمغرب العربي واليمن إلى دويلات صغيرة متناحرة على مصادر الثروات والاقتصاد. فالتقسيم سيجري هذه المرة بأيدي الأطراف العربية المحلية التي تعادي بعضها على مستوى دولٍ ضد أخرى وعلى مستوى مجموعات طائفية أو اثنية تتناحر داخل دولها بهدف الانفصال والحصول على حماية واشنطن وإسرائيل بشكل خاص.
ففي أكثر من مناسبة كان جو بايدين نائب الرئيس الأميركي يشير إلى احتمال تقسيم العراق ثم جاء وزير الخارجية الألمانية وأعلن هو الآخر عن «صعوبة الحيلولة دون انقسام وتقسيم العراق»، ويكشف الصحفي الأميركي (سكوت أندرسون) في موقع قناة (سي إن إن) الإلكتروني أن حدود الدول العربية الراهنة سيطرأ عليها تغيير واسع بسبب الظروف الراهنة التي تدير من خلالها الولايات المتحدة قواعد اللعبة بين الدول الحليفة لها والمعادية لها.. وفي تقرير أعده مركز أبحاث (سابان) الإسرائيلي- الأميركي التابع لمعهد بروكينغز في نيسان 2013 جرى عرض سيناريوهات متنوعة في الصفحات الأولى لهذه الوثيقة التي تضم 73 صفحة تبدأ من البحرين أصغر الكيانات العربية الملكية وتستهدف تقسيمها إلى كيانين أحدهما شيعي وآخر سني رغم أن عدد سكانها لا يزيد عن 1.3 مليون يعيشون فوق 780 كيلو متراً مربعاً أي بمساحة قطاع غزة مرتين.
وترى الدراسة أن عامل الدين أصبح قابلاً لتقسيم المسلمين السنة إلى أقسام كثيرة إضافة إلى تقسيمهم وفصلهم عن المسلمين الشيعة وغير ذلك من المذاهب فكل مذهب قابل لتشكيل دويلة وكيان حتى لو كان قد مضى عليه 1000 عام أو أكثر، فالدين أصبح أهم عامل سياسي تتولد عنه كيانات منفصلة متناحرة يتقاسم كل منها جزءاً من الأراضي.
وترى الدراسة أيضاً أن العالم العربي الآن لا يجب توحيده لا على أساس ديني ولا على أساس قومي أيضاً لأنه قابل للتجزئة إلى أكثر من أربعين كياناً صغيراً بما في ذلك مصر التي تضم أكثر من ثمانين مليوناً.. ولا شك أن هذه الدعوات والسيناريوهات المعدة للعالم العربي توظفها واشنطن وتل أبيب ضمن برنامج لا يستثني الدول الحليفة من هذه التجزئة وخصوصاً السعودية واليمن في شبه الجزيرة العربية التي يراد زيادة عدد الكيانات السياسية فيها إلى 20 كياناً منفصلاً بدلاً من سبعة كيانات سياسية في الوقت الراهن.
رأي القدس: «الدولة الكردية» بين قبول تركي وحماس اسرائيلي
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
اعلن مسعود البارزاني رئيس اقليم كردستان في العراق عن اجراء استفتاء بشأن استقلال الاقليم خلال شهور. وهي المرة الاولى التي يحدد فيها تاريخ مفترض لاعلان «دولة» بعد تلميحات متكررة. ولا يمكن اغفال التطورات الدراماتيكية والمعطيات الجيوسياسية المتبدلة في العراق والاقليم عند تقييم هذه الخطوة التي قد تمثل زلزالا جديدا في منطقة تغلي بحروب وانقسامات وتندفع بسرعة الى المجهول.
ومن ابرز تلك التطورات انهيار السلطة المركزية لحكومة بغداد على شمال العراق، واحتلال قوات البشمركة مدينة كركوك الى جانب العديد من المناطق في شمال العراق بعد اخضاع اهلها اما بالقوة العسكرية او ابتزازهم بسبب حاجتهم الى الامن والوقود والسلع الرئيسية في ظل الازمة الانسانية الحادة التي اندلعت هناك.
ومن المهم ملاحظة ان تصريحات البارزاني تأتي في خضم صراع سياسي مرير مع حكومة بغداد التي امتنعت عن صرف رواتب الموظفين في الاقليم منذ شهر شباط /فبراير الماضي، ما ادى الى تكريس غضب الاكراد ورفضهم لتلك الحكومة التي اضافت مؤخرا فشلا امنيا الى فشلها الاقتصادي والسياسي. وبالتالي فان التلويح بالاستقلال قد لا يعدو مجرد خطوة تكتيكية تهدف الى الحصول على تسوية افضل مع بغداد، قد تنص على ضم كركوك مقابل البقاء ضمن العراق. الا ان «غرور القوة» قد يدفع البارزاني للاقدام على هذه الخطوة، ليصب زيتا على نيران حرب طائفية عرقية تخيم بالفعل على العراق، ما قد يتضح لاحقا انه خطأ تاريخي في عالم يقوم على احتواء التعددية وليس الانفصال. وهذه محاور سريعة لقراءة هذا المشهد الملتبس:
اولا: بعد ان ظن كثيرون لسنوات ان «الفيتو» التركي سيمنع اعلان دولة كردية في العراق، اصبحت تركيا لا تمانع في قيامها حسب تسريبات حكومية، وهو ما يمكن تفسيره بأنه سعي الى تأمين توازن استراتيجي مع النفوذ الايراني لدى بغداد، وخلق لجبهة متقدمة لمقاومة الهيمنة الاقليمية الايرانية مدعومة بدعم اسرائيلي مباشر، والى تكريس الاستفادة من تأمين استمرار ما تحصل عليه انقرة من فوائد بتصدير النفط الموجود في شمال العراق عبر ميناء جيهان، دون موافقة بغداد. وتشير تقارير الى «صفقة شاملة» تقضي بدعم اكراد تركيا لترشح رجب طيب اردوغان للرئاسة مقابل تأييده للدولة الكردية، على ان يكتفي اكراد تركيا بالحصول على حقوق ثقافية وسياسية، بالتالي احتواء مشكلة حزب العمال التاريخية على حساب العراق وسوريا.
ثانيا: ان حماس رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو للدعوة الى قيام الدولة االكردية، يستند الى علاقات ومصالح قديمة بين الجانبين، الا انه يشير بوضوح الى احتياج اسرائيل الى تلك الدولة الجديدة لتكون رأس جسر في مواجهتها مع ايران، وموطئ قدم بالقرب من منابع النفط في العراق والخليج العربي، وعمقا استراتيجيا لامنها القومي. اما من الناحية الاقتصادية ستمثل العلاقة مع اسرائيل شبكة امان للدولة الجديدة التي تحصل على عشرات الملايين من الدولارات يوميا عبر تصدير النفط، الا انها لا تملك مقومات اقتصادية كافية للتنمية المستدامة. وبالرغم من استمرار الممانعة الامريكية لاستقلال كردي من جانب واحد، فان واشنطن قد تدرك قريبا ان الاصرار على «الحل الكونفيدرالي» بين اقاليم سنية وشيعية وكردية تتمتع بحكم ذاتي، قد يخلق من المشاكل اكثر مما يعالج، وعندئذ لن يكون امامها سوى الاستسلام للامر الواقع.
ثالثا: ان «اقتطاع دولة كردية من دولة ذات سيادة» لن يكون نزهة، حتى مع اجراء «استفتاء» بلا سند دستوري، ورفع شعارات مثل «تقرير المصير». اذ ان العواقب الاقليمية والدولية قد تفوق احتمال الاكراد الذين سيحتاجون الى توافق اقليمي ليتمكنوا من الحفاظ على ذلك الاستقلال. بل ان تركيا وهي نفسها مكونة من فسيفساء عرقية وايديولوجية لن تكون بمنأى عن شبح التقسيم. خاصة ان اعترافا دوليا بهكذا دولة سيمثل سابقة خطيرة، وسيعني ان اي حاكم او محافظ في اي بلد بالمنطقة يستطيع ان يدعو لاستفتاء على اساس «حق تقرير المصير». كما ان الدولة الكردية نفسها ستكون معرضة للانقسام بين الاتحاد الكردستاني في السليمانية والحزب الديمقراطي في اربيل ودهوك. وبنظرة بانورامية فان «دولة كردية» قد تكون البوابة الملكية الى قيام كيانات وكانتونات عرقية وطائفية بلا نهاية في المنطقة، وهو ما قد يخدم فكرة «يهودية اسرائيل» ويكرسها عمليا، الا ان هكذا فوضى ستمثل تهديدا مباشرا للمصالح الاستراتيجية للقوى الاقليمية والدولية.
واخيرا فان اعلان «دولة كردية» بتواطؤ تركي ودعم اسرائيلي، بعد الاستيلاء على اراض في شمال العراق تحت دخان الحرب التي شنها تنظيم داعش الارهابي، لا يمكن ان يسجله التاريخ الا كخيانة للعراق، وطعنة في قلب العلاقات مع العالم العربي، الذي منح الاكراد في العراق ما لم يحصلوا ولو على جزء منه عند غيرهم. واذا كانت معطيات اليوم تتيح للاكراد ان يقرروا تاريخا لبدء حرب واعلان استقلال، فان العبرة الحقيقية ستكون بتحديد تاريخ لانتهاء تلك الحرب ونتيجتها.
ظلال صلاح الدين بين أربيل وتل أبيب
بقلم: ماجد عبد الهادي عن العربي الجديد
على مائدة عشاء، دُعيتُ إليها مع الزملاء: خديجة بن قنة ومحمد كريشان وأحمد الزاويتي، في أربيل، منذ نحو شهرين، كان المضيف، وهو أحد أقرباء رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، قد دعا، أيضاً، شخصيات سياسية وإعلامية كردية، وكان طبيعياً أن تتعدد مناحي الكلام الذي دار، حينئذٍ، بين المدعوين جميعاً، لتغوص في شؤونٍ وشجون مختلفة، منها طموح الكرد إلى الاستقلال الناجز والكامل.
لم أجد مانعاً، يومها، من التصريح بحقيقة تعاطفي شخصياً مع حق الكرد في إقامة دولتهم المستقلة على أرض كردستان التاريخية كاملة، باعتبارهم أحد شعوب العالم الثالث التي استثنتها صفقات ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، من حق تقرير المصير، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.
وإذ تشعّب النقاش، ليعرّج على موقف الكرد من القضية الفلسطينية، عمدت سيدة كردية كانت تجلس قبالتي إلى الكشف، هكذا، عن أن أمها يهودية، ما اضطرني إلى تكرار المكرر؛ نحن، الفلسطينيين، لا موقف لنا معادياً لليهود، أو كارهاً لهم، كما كانت حال الأوروبيين، في قرون مضت، وإنما نعادي منهم مَن ترك بلاده وجاء فاستوطن بلادنا، وطردنا من ديارنا وبيوتنا بقوة السلاح.
"إن أحداً في القيادة الكردية لن يكون في وسعه تبرير التعاون مع تل أبيب، أمام ملايين الكرد المسلمين، وهم يباهون بأن صلاح الدين الأيوبي الذي حرّر القدس من الصليبيين كان كردياً، كما يباهون بأن لهم أبناء كثراً استشهدوا ودفنوا في فلسطين، أو عند تخومها"
هنا، تدخل في الحديث رجل ثمانيني، كان صامتاً طوال الوقت، ليسألني: ولماذا لا تقبلون بحل سلمي للصراع؟ قلت موضحاً: القيادة الرسمية الفلسطينية تفاوض منذ ربع قرن تقريباً، لكي تصل إلى تسوية سياسيةٍ، تعيد إلينا 22% من مساحة فلسطين التاريخية، ولكن، من دون جدوى، لأن إسرائيل تريد ضم القدس وما تستطيع من الضفة الغربية، بعدما قضمت مساحاتٍ واسعة منها، بالاستيطان والتهويد وبناء جدران الفصل العنصري.
لم يقنعه الجواب، أو لعله لم يعجبه، فألقى سؤالاً آخر: أنتم أصلاً متى جئتم إلى إسرائيل؟ نعم.. ماذا تقصد؟ سألته، فأعاد التأكيد على سؤاله: متى جاء الفلسطينيون إلى إسرائيل؟ قلت، وأنا غير متيقّن ممّا إذا كان سؤاله ينمّ عن جهل، أو هو محاولة استفزاز: جدّتي حملت بأمي وولدتها في فلسطين، قبل أن تولد إسرائيل هناك بأربع سنوات، وأبي المولود هو الآخر في فلسطين أكبر سنّاً من الدولة اليهودية بأحد عشر عاماً. لسنا نحن الذين جئنا إلى إسرائيل، أيها السيد، بل اليهود الصهاينة هم مَن جاؤوا إلى فلسطين.
انتهى النقاش سريعاً، بعد ذلك، مع الرجل الذي عرفتُ، لاحقاً، أنه عمل مدة طويلة، في أيام شبابه، سكرتيراً للزعيم الكردي، الملا مصطفى البرزاني (والد الرئيس مسعود البرزاني) والذي يقال إن عهده شهد نشوء علاقات تعاون، ما زالت مستمرة، مع إسرائيل، وبلغت أخيراً حدّ استيراد الأخيرة شحنة نفط هي الأولى التي يُصدّرها إقليم كردستان العراق.
لكني تذكّرت، في مقابل هذا الموقف، أنني تعرفت، في ثمانينيات القرن الماضي، إلى شبانٍ كرد كانوا يتدفقون من أربيل والقامشلي وديار بكر، ليتطوعوا في صفوف فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، لا سيما اليسارية منها، ويقاتلوا إسرائيل، ويستشهدوا، جنباً إلى جنب، مع ألوف الشبان الفلسطينيين والعرب، كما كان من بين هؤلاء أدباء ومثقفون وصحافيون، أسهموا بقسط وافر في المشروع الثقافي الفلسطيني.
وما كنت، في حقيقة الأمر، لأسرد هاتين القصتين المتضادتين، لولا التطورات الأخيرة التي شهدها شمال العراق، وأدت إلى سيطرة قوات البشمركة على مدينة كركوك، بصورة أنعشت الطموحات الكردية إلى الاستقلال، وإقامة الدولة، وسط أنباءٍ عن دفع إسرائيليٍّ نحو هذا الخيار الذي لا يزال الغموض يلف المواقف الإقليمية والدولية إزاءه.
يصعب، طبعاً، لوم أي جهة رسمية في العالم على إقامتها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، طالما أن دولاً عربية عدة تحتضن السفارات الإسرائيلية، وتستقبل القادة الإسرائيليين، ولا ترى الدم الفلسطيني على أيديهم، بيد أن الأمر في الحال الكردية يستدعي قراءةً من زوايا أخرى، لعلّ أهمها التي تتطلّب، من حكام أربيل، رداً على السؤال القائل: كيف يمكن لأمةٍ عانت من الاضطهاد القومي، وتناضل في سبيل استقلالها، منذ قرون، أن تتحالف مع استعمارٍ عنصري استيطانيٍّ، يستولي على أرض شعب آخر مجاور، ويصادر حقه في تقرير المصير؟!
سيقال، صراحةً أو مداورة: إنها المصالح تتقدم، في السياسة، بداهةً، على المبادئ. وهذا جوابٌ، حتى لو صحّ فعلاً، يقتضي الحذر من أن مصلحة إسرائيل في زرع بذور العداوة بين الكرد والعرب، تتناقض مع مصلحة الكرد أنفسهم في الحفاظ على أواصر العلاقة الحسنة مع القومية الأكبر في محيطهم الجيوسياسي والتاريخي، ثم إن أحداً في القيادة الكردية لن يكون في وسعه تبرير التعاون مع تل أبيب، أمام ملايين الكرد المسلمين، وهم يباهون بأن صلاح الدين الأيوبي، الذي حرّر القدس من الصليبيين، كان كردياً، كما يباهون بأن لهم أبناء كثراً استشهدوا ودفنوا في فلسطين، أو عند تخومها، وقد ذهبوا إلى القتال هناك، مقتدين به، وليكرروا شيئاً من سيرته، وممّا فعل.
سياسات أميركية أوصلت إلى «الخلافة» البغدادية
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
تقول واشنطن إنها مستعدة لدفع عشرة ملايين دولار لرأس إرهابي يُدعى أبو بكر البغدادي، فكيف يُعقل أن أدعو الرئيس باراك أوباما ليبايع من ادعى الآن أنه «الخليفة» إبراهيم؟ مشهد كاريكاتوري، بالتأكيد. لكن، الواقع يقول إن سياسات الإدارة الأميركية الحالية أسهمت - ضمن عوامل مختلفة - في تمكين جحافل «داعش» من تثبيت الأقدام بمواقع عدة على الأرض السورية، بل جرى غض النظر حتى عندما أعلن التنظيم مدينة الرقة عاصمة مؤقتة، وراح يمارس في الشوارع منها والأزقة بطش السيوف وإزهاق الأرواح، ثم إن تواصل خطأ التساهل الأميركي في التعامل مع نظام بشار الأسد يسّر زحف التنظيم للجوار العراقي، ومع وصول الرايات للموصل، وإذ دانت لها تكريت، ومن بغداد اقتربت، بدا للبغدادي أن «الخلافة» صارت طوع يده، فقد تمكَّن، ومن ثم وجب أن تحل «الدولة الإسلامية» محل التنظيم، فتدعو لحل كل جماعة ليست تدين لها ولمن أعلنته واشنطن أخطر إرهابيي العالم، فكان جوابه أن أعلن نفسه «الخليفة» إبراهيم.
خطورة ذلك الأمر أنه أبعد من مجرد كلام قد يبدو- لمن يشاء - لا يستحق كثير اهتمام. الوضع العربي لم يعد يقف على حافة بلل التفتت، بل صار بين خيار العوم أو خطر الغرق. بلغني مثلٌ سوداني دارج يقول: «اللي يتبلبل – أي بلل الماء - يعوم». تذكرت المثل إذ يتمثل أمامي، وكثيرين غيري، سوء الحال العربي وقد بلغ من الوبال ما يقضّ مضجع كل ذي بال.
بالطبع، لكل أمرئ، أينما أقام، وتحت أي سقف نام بقارات الكوكب الخمس، وبصرف النظر عن اختلاف مواقيت انبلاج الفجر وشروق الشمس، وأيضا عن جنس معجم الأمثال الساكن تحت الوسادة، بالطبع لكل امرئ أن يطبق ما يسمع أو يردد من أمثال، وفق ما يظن أنه حق توجبه مصلحته. مثلاً، سؤال المجرِّب أفضل من علاج الطبيب طالما أن دواء المُعالج بالعشب يرضي مزاج أغلبية الشعب، أو ما دام أن شكل دواية من يداوي بالقلم، لون الحبر، رائحته، مجمل الخلطة «كلهاعلى بعضها»، بلغة السوق، يمكن لها أن تسكِّن صداع معظم المعترين، حتى لو أن أكثرهم لا يعلمون. من ذاك الذي يهتم، دع عنك هذا الهمّْ، كل ما يقلق الضمير لم يعد يهم، اقلب الصفحة، عد إلى خيار العوم أو الغرق، رُبّ قائل، عن حق، أجب عن السؤال الأهم: أما يزال بوسع العرب عبور مآزق ما بعد ربيع التغيير، أم أن الخرق اتسع على كل راقع، والرتق ابتلع كل من ظن أنه أنجع راتق؟
الحق أنني لا أملك الجواب. إنما ليس من الصواب أي استسلام لليأس. موضوعية المنطق تقتضي التسليم بأن الولايات المتحدة ليست وحدها من أخطأ الحساب في سوريا، العراق، ليبيا، أو في غيرها من مجتمعات عرضتها خضّات الأربع سنوات الماضية لأخطار تفتت كياناتها إلى شظايا، وقبل لوم دول كبرى تضع مصالحها أولاً في الميزان، جدير بأهل تلك المجتمعات إمعان النظر في أفعال القوى الأساس اللاعبة بساحات ملاعبها على نحو تلاعب بمصائر الناس وبمستقبل أمصار لحساب موازين فئوية أو طبقية، فجرى تغليب كفة حزب هنا، أو منظمة هناك، جماعة أو حركة في هذا البلد أو ذاك، تكتل في قُطر ما، أو تحالف يضم تناقضات ليس يستقيم معها أي حلف، فماذا كانت النتيجة؟
تقهقر حلم ديمقراطية التغيير، فتبعه انهيار سلمية تداول السلطة، ضرب الخلل سُلم الأولويات، فاختل سِلمُ المجتمع، وأصيب وعي العقل بما يشبه صداع الدوار، فسادَ سَقَمُ التفكير، وغُيّب سوّي القول في غابات إفساد العقول، انتفخت الأفئدة بهواء الأنا، حلقت الأرواح في فضاء «أنا ومن بعدي الطوفان»، لم يخطر للمنتفخين بعظمة الذات، بأمجاد القلم ولمعان الفضائيات، أن نيران فتنة ينفخون في أوارها ستحرق أمة بأكملها يزعمون أنهم على أمجاد ماضيها حريصون، وعلى مستقبل رفعتها خائفون، ارتفع صوت من يجادل بحق يراد به الباطل بعينه، وعلا صراخ من يزعق بالباطل في رابعة النهار يريد دحض حق يسطع في كبد السماء، فإذا بحق الجهاد المتسلح بنور العلم يختلط بظلام سلاح إزهاق الأرواح، صار الخلط أساس النحو والصرف، حتى كيف يميز تلميذ الأبيض من الأسود في خيط لغة العرب بات موضع جدال، فما العجب إنْ فقدت الحروف نقاطها، أضاعت الأسماء معانيها، وما المشكل إن اعتدى خبر على مبتدأ، ولمَ الاستغراب إذا ارتابت أية قضية عربية بعدالتها، فإن سئلت عمن وأدها، حار جوابها أين يحط الرحال؟
سادت عبر التاريخ حضارات ثم بادت، أعلنت دول فما عمّرت طويلا (كما حال وحدة ليبيا وتونس تحت مسمى «الجمهورية العربية الإسلامية» التي أعلنها معمر القذافي بعد قمة مفاجئة مع الحبيب بورقيبة في 12 يناير/ كانون أول 1974)، ونهضت دول من ركام الخراب فصمدت لرياح الاضطراب من حولها، وقاومت زلازل وأعاصير أرادت تدميرها.
في هذا السياق، يمكن القول إن دولة تنظيم «داعش» الذي بايع «الخليفة» إبراهيم قد تعيش بضعة أيام، أسابيع، أشهر، أو بضع سنين، من يدري، لكن يبقى المهم تذكّر أن فصيلاً صغيراً انفصل عن «القاعدة»، تمكن خلال أربع سنوات من تنظيم آلاف المقاتلين تحت رايات أمكنها أن تعبر وتحتل مساحات واسعة ما بين العراق وسوريا، وأن ذلك التطور في حد ذاته لم يؤخذ، في حينه، بمستوى جاد يتناسب مع حجم ما مثله من مخاطر مقبلة. هل ما يزال بالوسع صد تأثير حصاد الحسابات الخاطئة؟ الواجب يقتضي أن يكون الجواب بنعم إيجابية، تستفيد مما حصل، وتخطط بعلم وموضوعية للمستقبل. دعونا نأمل أن الآتي أفضل.
هل يستيقظ النظام السياسي العربي من سباته
بقلم: فاروق يوسف عن العرب اللندنية
بإعلان قيام دولة الخلافة الإسلامية من قبل أحد المعتوهين تكون الفوضى الخلاقة التي بشرت بها الولايات المتحدة يوم احتلت العراق قد انتقلت إلى مرحلة جديدة من مراحل اتساع تداعياتها المهلكة.
وهو ما يعني بالضرورة أن المنطقة كلها، وليس العراق وحده، بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة، تكون الحدود فيها بؤرا مشتعلة بسبب انتقال الجماعات المسلحة بأسلحتها وبرامجها الدعائية من مكان إلى آخر، بخفة واطمئنان مَن يتوفر له غطاء سياسي وبيئة حاضنة. فهل بدأت الأمور تخرج عن نطاق السيطرة في العالم العربي؟ ولكن هل كانت تلك الأمور يوما ما تحت السيطرة بما يضمن التصدي للفوضى قبل وقوعها؟
لو أن النظام السياسي العربي كان محكما في سيطرته كما كان يتوهم، لما استطاعت تنظيمات مثل داعش ومن قبلها القاعدة وما بينهما جماعات متشددة عديدة، أن تدخل طرفا في النزاعات المحلية. كان مفهوم السيطرة بالنسبة للحكومات العربية يقوم على أساس القمع الذي تمارسه الأجهزة الأمنية في حق المواطنين العزل، الذين لم يكن لديهم خيار بديل ينجو بهم من التحول إلى مواد في مختبر القمع.
فرغم كل الحديث الطويل السابق عن مساع كانت تبذل من أجل إقامة نظام أمني عربي، فإن الأنظمة العربية نفسها كانت ترى في ذلك النظام نوعا من الانشغال الخارجي الذي من شأنه أن يقيّد حريتها في قمع مواطنيها. بالنسبة للفكر السياسي العربي الحاكم كان الخطر يأتي من الداخل دائما.
أما إذا اخترقت الحدود بين دولة وأخرى، فإن الحديث عن المؤامرة سيكون جاهزا. كان العدو الخارجي وصفة تتم صناعة واستحضار عناصرها على موائد سرية مريبة، يعالجها الإعلام الوطني بكيل الاتهامات إلى دول الجوار.
الآن وقد قلب الإعلان عن دولة الخلافة، وهو محاولة لصناعة واقع افتراضي على أرض تخلت عنها دولها أكثر من أن يكون حقيقة تؤسس لواقع سياسي بديل، بدأت أنظمة سياسية عديدة تشعر بالخوف من أن تتسع دائرة ذلك الواقع الافتراضي لتخترق حدودها، وتلتهم جزءا من أراضيها ولو مؤقتا. لم يكن النظام القمعي العربي مستعدا لمواجهة خطر عصابات، تكتسب قوتها من خلال الانتقال السريع من مكان إلى آخر، في ظل وجود بيئة اجتماعية لم تعد ترى خيرا في استمرار الأنظمة القمعية القائمة. هنا يمكننا الحديث عن ربيع عربي أسود.
رايات دولة الخلافة السوداء هي مؤشر لبداية مرحلة هي الأسوأ في تاريخ العالم العربي المعاصر. إن رؤية تلك الرايات مرفوعة في غير مكان من العالم العربي إنما تجعلنا على يقين من أن النظام السياسي العربي قد استنزف قواه في المكان الخطأ.
لم تكن السيطرة القائمة على قمع السكان المحليين إلا وهما. لقد أحبطت تلك السيطرة أهدافها الحقيقية في صنع واقع أمني، يكون فيه المواطن متصالحا مع الأمن العام. وهو ما أسس لطريقة مخاتلة في النظر إلى القوانين التي كان المواطنون ينتظرون الفرصة لاختراقها.
وهو ما وجد له تجسيدا مثاليا في الفوضى التي اجتاحت العراق بعد احتلاله، والتي لا تزال تلعب دورا كبيرا في صناعة واقعه المتردي. وهو ما يعني أن السيطرة لم تكن حقيقية وأن الدولة في قمعها لم تكن عادلة، وأن هناك فئات كثيرة من الشعب كان قد لحق بها الأذى من غير أن ترتكب ذنبا. وهي الفئات التي سيكون من حقها أن تتبع شياطينها رغبة منها في الانتقام ليس إلاّ.
لم يكن إعلان الخلافة الإسلامية خبرا سارا للجميع. غير أنه كان ضروريا من أجل أن يستيقظ النظام السياسي العربي من سباته.
حروب المنطقة والبازارات المفتوحة!
بقلم: الياس الديري عن النهار البيروتية
بـ"داعش" وبدونها. بدولة خلافة وبدونها. باقتراحات "انقلابية" للجنرال ميشال عون وبدونها. بجلسات انتخابيَّة لا ولن يكتمل نصابها وبدونها. بهذا كلّه، وبسواه من الاحتمالات المفتوحة، الوضع اللبناني باق بتشرذماته ومخاطره ومفاجآته في "الثلاجة" كما يقول المصريّون، إلى أن تحين الساعة.
طرحتُ سؤال "متى تقريباً تحين الساعة ويحين الموعد" على مَنْ يُفترض أنهم من المطّلعين هنا وفي بعض العواصم العربيَّة وفي باريس تحديداً، فكانت الأجوبة متشابهة، وعلى طريقة مَنْ يُفسِّر الماءَ بعد الجهد بالماء.
إذاً، القصة اللبنانية ليست محشورة في زاوية الاختلاف على مَن يكون الرئيس العتيد، ومن طينة الأقوياء جسديّاً أم عقليّا وأخلاقيّا، بل هي متصلة مباشرة بكل ما يجري ويحصل في المنطقة، ومن حولنا وحوالينا.
ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتطلعات إيران التي تتجاوز الطموح النووي، من غير أن تتنازل عنه، إلى التزعُّم على المنطقة والجلوس في كرسي الدولة العظمى، وصاحبة الكلمة الأولى والدور الأوَّل في الأفراح والأتراح. وفي كل شاردة وواردة. وها هي تجرِّب حالها وحظّها على بيادر سوريا والعراق ولبنان مع امتداد لا يزال ناعماً صوب الخليج.
على هذا الأساس لا بدَّ من الصعود إلى شرفة الانتظار على صعيد الاستحقاق الرئاسي الذي بدأت تعتاده الشعوب اللبنانيَّة المفكّكة الولاء والمتعدّدة الانتماء، مثله مثل كل القضايا التي تتراكم أزماتها تباعاً.
الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مقتنع جداً بأهمية موقع لبنان في المنطقة، وبدوره على الصعيد العربي. إلا أنه يعتقد أيضاً أن على اللبنانيين التحلِّي بالصبر والمحافظة على الاستقرار النسبي إلى أن يصل قطار الانفراج، حاملاً معه كل الحلول وكل البشائر.
النائب وليد جنبلاط، الذي تربطه صداقات وعلاقات عريقة مع رؤساء ومرجعيات مؤثِّرة في المنطقة وأوروبا بلوغاً أميركا، يرى لذلك أنَّ لا مناص من التحلِّي بالصبر والانتظار في هذه الفترة العربيَّة الأشدّ حراجة وخطورة من كل ما سبقها.
إنها فترة مصيريَّة بكل معنى الكلمة.
ولكن كيف "نستثمر" هذا الانتظار الذي قد يختم فصل الصيف من غير أن يتزحزح الوضع قيد أُنملة، هذا إذا لم يُفاجئنا تمديد العرض أسابيع أو أشهراً إضافيَّة. مبدئياً للعوامل والأسباب ذاتها. إنما مَنْ يستطيع أن يضمن لحظة واحدة عادية طبيعيَّة وسط هذه الأعاصير والمتغيِّرات، والتي حارت البَرِية في أَمرها، وعجِز حتى كبار المحلّلين الدوليّين عن الإمساك بخيط رفيع من شبكة امتداداتها المتعدّدة الخيوط والأهداف.
غير أن ثمة جامعاً أو قاسماً مشتركاً بين هؤلاء ينطلق من أهمية دور إيران، واحتمال ضلوعها في بعض أو كل ما تشهده ساحات العراق وسوريا و... لبنان أيضاً.
ما بالنا قد نسينا الصفقات، وما تتطلَّبُ من كباشات وليِّ أذرع؟
كلمة الرياض: العروبة لن تندثر!!
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
وسط فوضى البؤس العربي، وجدنا إجماعاً نادراً بين هذه الأمة البائسة على تشجيع المنتخب الجزائري لكرة القدم، والذي بلا شك كان واجهة رائعة في تمثيله الفني والأخلاقي لوطنه ولهذه الأمة، ومع أن هذه اللعبة كثيراً ما كانت موضع خلافات عربية إذا كانت المسابقات تجري بينهم، فإن سر هذا التوحد هو أن خوض المباريات مع دول أجنبية تتنافس على كأس عالمية، ومع ذلك فإن هذا التعاطف العربي الكبير، يُشعرنا أن العروبة ظاهرة لن تندثر، وأن رصيدها الشعبي بين كل الأقطار موجود، وهذا يذكّرنا كيف ساندت الحكومات والقوى العربية جميعها ودعمت كفاح الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي، وهذا يعيدنا إلى سيرة أن الاتفاق على مناهضة عدو مشترك قابل للإجماع شأن القضية الفلسطينية، ولكننا افترقنا تماماً وتنازعنا واختلفنا عندما احتلت أمريكا العراق، ولا نزال مع، وضد إيران ما يجعلك تحتار أمام الحالة النفسية العربية، هل تحركها قبضة الحكام أم الدين الذي استُغل بأبشع صوره في حروب الأحزاب والطوائف، أم حالات اليأس التي بددت الآمال خلال نصف قرن مضى بفتح نافذة على الحرية والحياة الكريمة والاعتراف بمواطنة الإنسان أياً كان انتماؤه وهويته؟
قدر الإنسان المتعاطي مع الكتابة أياً كانت نزعتها أن صاحبها صاحب رسالة يعيش وهم صناعة التاريخ، وأنه صاحب مسؤولية وطنية وقومية، وهذه حقيقة في دول تفهم مبدأ هذه الرسالة لكن واقعنا العربي أظهر أننا الأمة المنقسمة والمصدرة للجريمة السياسية بكل أبعادها، بينما نحن الضحية لانعدام أسس البناء الخلاق، حتى إن ما يجري حالياً جعل كل رحم تنجب وتضع آمالها على الجنين القادم بأن يعيش سوياً في وطنه ينتهي لمشروع قتيل أو قاتل، لأننا صنعنا أكفاننا قبل تسجيل مواليدنا، وهي أزمة عقل حتى إن حواسنا لا تتجه الا للدم، وهي ليست موروثة وإنما مصطنعة، وهذا ما عزز دور الغريزة على المنطق الموضوعي في معالجة أوضاعنا وأسلوب حياتنا..
كنا بسطاء في أفكارنا وسلوكنا نأكل على قدر إنتاجنا، ونتعايش بقانون أخلاقنا وقاعدتنا الإخاء الصادق، وقد نشأنا على مبدأ التضحية من أجل الوطن واتسع الفكر إلى الأمة كلها، وتعدت آمالنا فكرة الوطن الصغير للأشمل لأن جامعَنا هو تراث وعقيدة وجغرافيا ولغة واحدة، لكن ما جرى أحدث تغييراً بنيوياً ليس فقط في مستوى صراع الدول مع بعضها وانقساماتها وإنما الاتجاه إلى عقيدة الجماعات داخل الوطن الواحد ولذلك أطلت القبيلة برأسها، وتفشت ظواهر النزعات الدينية المتطرفة، ولأن مجتمعاتنا العربية تضم أدياناً وقوميات وأرومات ليست بالضرورة عربية أو مسلمة وفقاً للغالبية العظمى التي تدين بالإسلام فإن الزعامات السياسية التي فشلت في مشروعها الوطني والقومي، هي من أسس نزعة الانقسامات التي نعيشها حالياً، وقد توالت أجيال بعضها عاشت حلم الأمة الواحدة، والتحرر من أزماتها التاريخية، للالتقاء بالحضارة المعاصرة، وأخرى صُدمت بالهزيمة العسكرية والنفسية، ما أدى إلى بروز واقع اليوم الذي أصبح يهدد وجودنا..
كل هذه الأحداث والصور الصادمة أعطتنا شيئاً من الأمل البعيد، بأن وقفتنا مع منتخب الجزائر حتى بزخمه العاطفي تؤكد لنا أن عروبتنا طاهرة لا تصنف على مبادئ التعصب والنبذ، وأنها موجودة في مشاعر ووجدان هذه الأمة مهما زادت الانكسارات والهزائم.
نحو توازن جديد للقوة فى الشرق الأوسط
بقلم: جميل مطر عن الشروق المصرية
وجدت قلقا حقيقيا فى دوائر صنع السياسة فى عدد من العواصم العربية خاصة والإقليمية عامة. اتجه ظنى فى بداية الأمر إلى التوتر الناجم عن عدم استقرار الأوضاع الداخلية إلى أن اتضح لى أن أكثر القلق ناتج عن حالة «عدم التأكد» من نوايا الرئيس باراك أوباما. بمعنى آخر، هناك قدر كبير من الغموض المصحوب بشكوك عديدة لدى كثير من قادة المنطقة يحيط بالعملية الجارية حاليا فى الولايات المتحدة تحت عنوان «بناء صرح جديد للسياسة الخارجية الأمريكية والأمن القومى الأمريكى».
•••
يحدث فى أوقات الأزمات السياسية المعقدة أن تختفى معلومات فيصعب الفهم وتتعدد الرؤى. تختفى المعلومات فى أوقات الأزمات بسبب سرعة تطور الأحداث، ولكن أيضا بسبب انتقال معظم القرارات المهمة إلى أيدى عدد قليل جدا من المسئولين وأحيانا إلى أجهزة بعينها. تختفى أيضا لأن الدول وهى تمر بمرحلة تعديل سياساتها، تحرص على المبالغة فى إخفاء المعلومات ومناهضة الشفافية.
أستطيع بقدر كبير من الثقة أن أتفق مع من سبقنى وقرر أن قطاع الأمن القومى والسياسة الخارجية الأمريكية يمر بمرحلة شديدة الحساسية والتعقيد. دليلى هو هذه اللافتات العديدة عن تغييرات فى الأفكار الأساسية والأساليب. لا أعتقد أن عهدا آخر تعددت لافتاته عن سياساته الخارجية والدفاعية كما تعددت فى عهد أوباما.
أذكر لعهد الرئيس رونالد ريجان لافتات قليلة العدد، أغلبها كان يركز على مواجهات الحرب الباردة وتشجيع الدول على تحرير أسواقها واقتصاداتها. وأذكر للرئيس بوش الصغير لافتته الشهيرة عن محور الشر وضرورات محاربته، كما أذكر له لافتتى فرض الديمقراطية على شعوب العالم بقوة السلاح والحرب العالمية ضد الإرهاب. أما أوباما فلافتاته عديدة ومتغيرة، أبرزها وقف الحرب العالمية ضد الإرهاب لسنوات ثم إشعالها من جديد، الانفتاح على عالم الإسلام السياسى وتشجيع مناصريه ثم التوقف لتقييم التجربة، ولافتة التحول نحو الشرق ثم التباطؤ قليلا لمتابعة أمور استجدت فى الشرق الأوسط. تابعنا أيضا لافتة تجاهل الحلفاء التقليديين فى أوروبا تعبيرا عن تبرم وتململ ثم العودة إليهم بتردد عندما بدأت معركة أوكرانيا. بل إن الشقيقة سوريا حظيت وحدها فى أزمة واحدة بلافتات كثيرة، بدأت بلافتة إسقاط الأسد وانتهت بالتعامل معه مرورا بقرار حشد قوات أمريكية والتهديد بحرب والعودة سريعا عن هذا القرار عندما امتنعت الحليفة بريطانيا. شاهدنا أيضا على أيدى إدارة أوباما لافتات ضد إيران ولافتات مع إيران، ولافتات مع النظام الجديد فى مصر ولافتات ضده. وإن نسينا يوما فسيكون صعبا أن ننسى لافتة الحل المعجزة للصراع الفلسطينى ــ الإسرائيلى، جهد كبير ورحلات مكلفة مالا ووقتا وتنازلات على حساب مكانة الرئيس ووزير خارجيته ورئيسة مستشاريه والنتيجة أن مر شهر إبريل ولا حل.
اللافتات عديدة ومتناقضة، ولكن يجب الاعتراف بأن بين هذه اللافتات جميعا يمر خط تكاد تراه العين المجردة، خط مستقر ومستمر ينبئ عن نية راسخة لدى أوباما تسعى إلى تقليص الاعتماد على القوة الصلبة، خاصة العسكرية، لصالح الاعتماد على القوة الناعمة، وبخاصة الدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية، لتحقيق الأهداف الأمريكية، وبخاصة الأهداف المتعلقة بالأمن القومى وحماية المصالح الحقوقية.
لم يتصور أحد أن تكون بسيطة وميسرة عملية الانتقال بسياسات الأمن القومى من مرحلة استمرت طويلا إلى مرحلة أخرى بظروف وتوازنات قوة مختلفة تماما. لم تكن بسيطة أو ميسرة فى عهد الرئيس ولسن وهو يجرب العودة إلى الانعزال، ولا فى عهد الرئيس روزفلت وهو يقرر الخروج بالولايات المتحدة من سياسات الانعزال إلى سياسات التدخل والانخراط والحشد والتعبئة.
ولم تكن بسيطة أو ميسرة عندما قرر رؤساء الحرب وما بعد الحرب العالمية الثانية الحلول محل بريطانيا وفرنسا فى قيادة الهيمنة الإمبريالية الغربية والتصدى للاتحاد السوفييتى. وأظن أنها لم تكن بسيطة أو ميسرة المرحلة التى بدأت بإعلان أوباما عن نيته خفض الإنفاق العسكرى وإعادة الاهتمام بالبنية التحتية الأمريكية وتخفيض أعباء مسئوليات القيادة.
يهمنى فى هذا الصدد ما أعتقد أنه يتصل بنية أوباما فى تحرير الولايات المتحدة من روابط وقيود تحالفاتها التقليدية، إذ لا يخفى أن بعض هذه التحالفات صار عبئا على أمريكا، وسيكون عبئا أثقل إذا استقرت نيتها على تبديل أولوياتها القومية. المثال الأبرز أمامنا هو النمط التقليدى للتحالف مع دول غرب أوروبا.
هذا النمط لم يعد صالحا أو فاعلا فى ظروف تغيرت فيها إمكانات الدولة القائد للحلف. مرة بعد أخرى تثبت أوروبا أنها غير قادرة على تحمل قدر أكبر من المسئولية فتسهم فى تخفيض أعباء الولايات المتحدة، ولا شك أن الأمر تحول الى معضلة والمعضلة تزداد تعقيدا. إذ يدرك أوباما خطورة انفلات سباق تسلح فى أوروبا، وفى الوقت نفسه يعرف، حق المعرفة، أن أمريكا وحدها لن تتحمل طويلا مسئولية الدفاع عن أوروبا.
أظن أن أوباما أدرك أيضا أن حلفاء أمريكا التقليديين فى الشرق الأوسط خذلوها، أو على الأقل خيبوا أملها. خذلوها عندما تركوا الشرق الأوسط ينزلق نحو أزمة لعلها الأخطر فى تاريخ المنطقة منذ الحرب العالمية الأولى. ولاشك أن أحدا لن يعفى واشنطن من مسئولية هذا الانزلاق. فقد اختارت واشنطن أن تشيد نظاما لتوازن القوى فى الشرق الأوسط يعتمد من ناحية قاعدة التفوق المطلق لإسرائيل على ما عداها من دول الشرق الأوسط منفردة أو مجتمعة.
الآن، لم يعد ممكنا الاستمرار فى إدارة صراعات الشرق الأوسط والتخطيط لمستقبله فى ظل الاعتقاد بضرورة وجود هذا التفوق الإسرائيلى المطلق. إذ دخلت ساحات الصراع شرق الأوسطى كل من إيران وتركيا ودخلها كذلك لاعبون من خارج النظام الرسمى الإقليمى والدولى. هؤلاء اللاعبون الجدد يشاركون، رغم أنف دول الإقليم فى بناء نظام إقليمى جديد، كل بطريقته وكل بطائفته أو مذهبه، وأغلبهم ليسوا من حلفاء أمريكا التقليديين. لا يحتاج الوضع فى الشرق الأوسط، بحالته الراهنة، إلى جهد كثير لإقناع صانعى السياسة فى المنطقة وأوروبا والصين بأن نمط توازن القوى الذى صاغته أمريكا وحافظت عليه لمدة ستين عاما أو ما يزيد، لم يعد صالحا لتحقيق استقرار فى الشرق الأوسط، أو لإدارة نظام أمن إقليمى.
•••
من ناحية أخرى، لعل واشنطن تكون قد اكتشفت أيضا أن الشرق الأوسط فى سنواته الأخيرة مندفع بطاقة كبيرة للانحراف فى اتجاه انفجار مذهبى. كثيرون يعتقدون أن أمريكا مسئولة عن هذا الانحراف ويحملون بوش وموظفيه العسكريين ومساعديه من المحافظين الجدد مسئولية ما يحدث فى العراق الآن وربما المنطقة بأسرها، أنا شخصيا أعتقد أنهم مسئولون عن «تسريع» الانحراف وشحذ حوافه وليس عن انطلاقته.
ورثت واشنطن عن بريطانيا عقيدة الاعتماد على الأغلبية السنية فى الشرق الأوسط لضمان الاستقرار السياسى والإقليمى. وبالفعل كان الاعتماد على السنة شبه مطلق وكذلك كان دعمها لهم ليحتفظوا بميزان القوة الإقليمى وداخل كل دولة لصالحهم. الآن، وبعد مقدمات لم تكن خافية، اكتشفت واشنطن أن توازن القوى فى الشرق الأوسط على هذا النحو يكشف عن خلل رهيب. فى أعقاب هذا الاكتشاف راحت السياسة الأمريكية تسعى لتغيير بعض الثوابت، والتدخل لتعديل توازن القوى بين السنة والشيعة فى الشرط الأوسط، وانشغلت جهات عديدة وعقول وفيرة بالبحث عن نظام جديد لأمن الشرق الأوسط يقوم على «توازن جديد للقوى الطائفية». لذلك لا أستبعد أن تحدث عملية فرز شبيهة بعمليات الفرز التى جرت بشكل أو بآخر فى ثورات الربيع العربى، وبعضها مستمر الآن مدفوعا بقوى الإسلام المسلح.
لست متأكدا تماما إن كانت أحداث 9/11 خاصة تفجير برجى التجارة فى نيويورك ومبنى البنتاجون فى واشنطن، أم ثورات الربيع العربى هى التى كشفت عن مدى الاختلال فى ميزان القوى السياسية فى الدول العربية. واشنطن لم ترث فقط أولوية طائفة السنة، بل ورثت أيضا أولوية النخب العربية المتعلمة تعليما غربيا والمدربة على احتكار النفوذ والحكم، على حساب النخب «الإسلامية» أو المدربة تدريبا دينيا. الآن أصبحنا نعرف كيف تدخلت أمريكا وحلفاء لها فى مسيرة جميع ثورات الربيع لتزيد من ثقل النخب الدينية على حساب النخب والمؤسسات المدربة تدريبا غربيا أو عصريا، ولم يعد سرا أنها شجعت النخب الدينية التى حصلت على قدر من التعليم فى دول الغرب.
نقل كل من دافيد ريمينيك فى مجلة نيويوركر فى يناير 2013 وجيفرى جولدبرج فى موقع بلومبرج نيوز فى مارس 2014 عن الرئيس أوباما قوله إن هدفه من إقامة وضع متوازن بين الحلفاء التقليديين كالسعودية وإسرائيل من ناحية وإيران من ناحية أخرى هو تشييد نظام أمن إقليمى يضمن مصالح أمريكا ويخفف من خطورة الصراع المذهبى. على ضوء هذه النية، اذهب مع ما ذهب إليه معلقون آخرون إلى الاعتقاد بأن الصراع على سوريا قد يكون جزءا من هذه الصورة الأشمل. لقد اعتقد حلفاء أمريكا التقليديون فى الشرق الأوسط أن أوباما أخطأ حين رفض إسقاط بشار الأسد، لأنه برفضه اسقاطه أضاع فرصة عظيمة لفرض الانكسار على إيران. المخطئ هنا فى ظنى، ليس أوباما بل أصدقاء أمريكا الذين فهموا خطأ أن أوباما يسعى لانكسار إيران، هؤلاء لم يدركوا بعد أن أمريكا تسعى منذ فترة لبناء توازن جديد للقوى المذهبية فى الشرق الأوسط، ولا يفيدها فى هذا المشروع أن تكون إيران منكسرة.
•••
هل حان وقت الاعتراف بأننا فى الشرق الأوسط، وربما لأول مرة، نعرف معرفة أفضل حقيقة توازنات القوة فى المنطقة؟ لقد اشتركت عوامل متعددة فى الآونة الأخيرة فى دفعنا فى اتجاه هذا الفهم الأفضل لنظام توازن القوى فى الشرق الأوسط، منها أن أمريكا أبدت علنيا الرغبة فى الانسحاب من الشرق الأوسط، ومنها أنها كشفت عن حالة ضعف نسبى حين تعاملت بشكل غير مألوف مع روسيا ومع الصين ومع قوى الإرهاب المسلح، ومنها أن أمريكا بدت حريصة كل الحرص على أن تصل مباحثاتها مع إيران إلى نجاح، رافضة الضغوط السعودية والإسرائيلية. منها أيضا أن إسرائيل تبدو هذه الأيام فى موقف لا تحسد عليه فى المجتمع الدولى، ويبدو تأثيرها على صانع القرار الأمريكى أضعف من أى وقت مضى. من هذه العوامل أيضا أن أمريكا، أو على الأقل إدارة أوباما، ظهرت غير واثقة من أفضلية الاستمرار فى المحافظة على سايكس بيكو أساسا لخريطة المنطقة فى المستقبل كما كانت فى الماضى، مع تعديلات طفيفة هنا وهناك، أو الخضوع لضغوط التقسيم هنا والتجميع هناك.
ولا شك أن تصريح نائب الرئيس جو بايدين مشجعا التقسيم أضاف سببا جديدا إلى أسباب القلق السائد فى مواقع صنع السياسة فى العواصم العربية. كثيرة هى العوامل التى دفعتنا للسعى نحو فهم أفضل لحال توازن القوى فى الشرق الأوسط. يتصدرها من وجهة نظرى عاملان قيمتهما المعنوية أعلت من شأنهما، أولهما أن الأسد مازال فى موقعه، وثانيهما أن العراق على الطريق لإقامة توازن جديد للقوى المذهبية فى داخله، إن بالتقسيم أو بتعاقدات جديدة.