تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 07/07/2014



Haneen
2014-07-17, 10:52 AM
اقلام عربي 07/07/2014


في هــــــــــــذا الملف:
تصفية الشتات الفلسطيني بصمت
بقلم: أيمن خالد عن القدس العربي
انتفاضة فلسطينية ثالثة تتوج نضال الشعب الفلسطيني
بقلم: جمال ايوب عن رأي اليوم
فلسطين المحاصرة من عرب السلام
بقلم: بدر الإبراهيم عن العربي الجديد
رأي البيان: عدوان المستوطنين
بقلم: أسرة التحرير عن البيان الاماراتية
مشروع نتنياهو للتحالفات الإسرائيلية الإقليمية
بقلم: تحسين الحلبي عن الوطن السورية
السيسي وسط النار
بقلم: محمد صلاح عن الحياة اللندنية
تمزيقُ خرائط العرب!
بقلم: أنور الهواري عن المصري اليوم
هذا هو مستقبل «الدولة العربية»!
بقلم: جواد البشيتي عن الوطن السورية
بن لادن 2014
بقلم: بدر بن سعود عن عكاظ السعودية
مساهمات أميركا في تمدد النفوذ الإيراني
بقلم: عبدالمحسن حمادة عن القبس الكويتية










تصفية الشتات الفلسطيني بصمت
بقلم: أيمن خالد عن القدس العربي
حتى قناة الجزيرة التي رأى فيها الفلسطينيون الصديق الذي نقل معاناتهم في فلسطين للعالم، وغيرها من منظومة الاعلام العربية والحديث هنا عن العرب، كلهم سكتوا عما يحدث لفلسطينيي الشتات، أمام صورة الوقائع اليومية المؤلمة، فثمة شعب بأكمله يفر من جغرافيا العرب للوصول الى شاطئ الأمان الأوربي، هي رحلة فيها الموت كبيراً وصارخاً، ما لا يمكن اغفاله، وبالتأكيد فيصل قاسم لن يستطيع عمل حلقة – اتجاه معاكس- لأنه سيحتار من سيحضر من الضيوف ومن أي دولة سيختار متحدثا يقدر أن ينفي ذلك ويقول ان العرب عروبيون فعلا مناصرون لفلسطين وأن الفلسطينيين يتوهمون.
لعل في قصة الطفلة اسراء عيد ذات التسع سنوات من – مخيم خان الشيح- والتي غرق والدها امام ناظرها قبالة الاسكندرية خير مثال على ذلك ، فالقراصنة الأولون أغرقوا الزورق وذبحوا قسماً من الهاربين عبر البحر واخذوا نقودهم، والقراصنة اللاحقون أنقذوا الطفلة وبعض الناجين واعتقلوهم معاً بعد ان نزعوا عنهم حتى الملابس الثمينة وبقية ما يملكون، هذه الطفلة روت لي وكأنها دراما غير واقعية، فقد مكثت ليلة في الماء مع الجثث وكان السمك يأكل وجه احد الرجال الغرقى امامها وهي تصرخ وتذود بيديها عن نفسها، فلو ان الطفلة وصلت الى الطرف الاخر من القارة لاستقبلها رئيس الدولة هناك، ولكن لأنها فلسطينية وفي دولة عربية، يتم سجنها شهرا.
ليست اسراء وحدها بل الاف الفلسطينيين يغامرون بأطفالهم في رحلة البحار وهناك أطفال كثر غرقوا ولم نعلم عنهم شيئاً، هناك قارب اخذ مجموعة كبيرة من الأطباء واخرين غيرهم لم يصلوا الى الطرف الاخر. هي رحلة أصبحنا نقوم بها باعتياد، نرسل الأطفال في زوارق الموت اسوة بما فعلت أم موسى عليه السلام، التي ارادت ان يفر من فرعون لينجوا من الموت، ونحن استعرنا القصة، فبتنا نضع أطفالنا في زوارق الموت بغية ان يهربوا من فراعنة العرب، وعندما يصلون الى أوروبا، هناك تفعل الإنسانية دورها فيشفقون علينا ويعملون ما هو معروف بلم الشمل.
لم الشمل هذا لم نحصل عليه منذ عام 1948 داخل الدول العربية المتنافرة ذاتها، وبالطبع يفر الفلسطينيون لأن المخيمات استعارت قصة يونس عليه السلام، فكثير من مخيماتنا في قلب الحوت، ويقضمها رويداً رويدا، ولكن هذا الحوت العربي لا يهدأ ولا نجد أيضا شجرة يقطين تحملنا اذا قذفنا الفك العربي القاتل، وفي القصة أيضا نستعير تجربة أيوب عليه السلام، فنجوع ونعرى ونتألم ولكننا لا نجد مغتسلا يحملنا الى الراحة، ونزيد على الجوع جوعاً وفقرا، فقصة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في ما هو معروف بالحصار في شِعبِ ابي طالب، وقصة الأَرَضَة المعروفة، فنحن لا نجد أَرَضَة تفك افك العرب. فهم أكلوا أوراق الأشجار حتى تشدقت شفاههم ونحن زدنا عليها في مخيماتنا بأن اكلنا أوراق الصبار، لنضيف لقاموس الكون ان الفلسطينيين أكلوا حتى أوراق الصبار من الجوع. وأما الصليب فلم ننزل عن الصليب بعد.
إسرائيل هجّرت الفلسطينيين ولكنهم خرجوا كعائلات وقرى كاملة، بينما هجرتنا اليوم هي فريدة من نوعها، لأن الأسرة الواحدة، كأصغر مكون انساني في الكون باتت هذه الاسرة ممزقة، فلم تعد مأساتنا ان نعيد شعبا لأرضه، ولا لاجئين لمخيمهم، ولكن الاسرة الصغيرة، نحن والأطفال والابناء لا نعلم كيف يمكن ان نلتقيهم ذات يوم، فكل هجرات الكون لها معايير محددة الا هجرة الفلسطينيين، فنحن قلنا لأولادنا لحظة وداعهم اذهبوا وابحثوا عن الحياة، لأننا فعلا لا نعلم الى أي مصير يذهبون، ولكنه الواقع المر الذي يجعل الفلسطيني يودع فلذة كبده ويطلب منها ان تذهب الى المجهول، لأن ذلك المجهول ارحم من العرب.
هجرة بهذا الحجم تذكرني بقصة الفلسطينيين العالقين في تونس او بين تونس والبحر، أوبين الجزائر وتونس أوبين لبنان ولبنان، فنحن قبل ثورة تونس كنا ندخل تونس، لكننا اليوم مصدومين لأن مفكري الامس من علمانيين وإسلاميين فهؤلاء الحكماء كانوا يحسنون الكلام ولكنهم عندما أصبحوا حكاماً أصبحوا سلاطين.
ما أصعب المشهد للشتات الفلسطيني إذا كانت وعود النخبة بهذا الحجم، وما أقسى الأيام القادمة إذا كان القادة الفلسطينيون لديهم ما يشغلهم، فقد تحولت قضيتنا في نظر القادة إلى جمعية خيرية تجمع التبرعات لموظفي غزة والضفة فقط، وعلى الشتات أن يبحث عن شتات آمن.

انتفاضة فلسطينية ثالثة تتوج نضال الشعب الفلسطيني
بقلم: جمال ايوب عن رأي اليوم
لم تكن انتفاضة الأقصى أولى ولن تكون الأخيرة، فطالما استمر الاحتلال وتداعياته، فإن مسيرة رفض هذا الاحتلال والتصدي له ومقاومته ستظل متواصلة وإن تخللها فترات من الهدوء أو الاستعداد للمعركة القادمة هذه الانتفاضة تشكل تعبيراً عن مرحلة جديدة في تاريخ القضية الفلسطينية في ضوء ما آلت إليه عملية التسوية من فشل، ولذلك سيكون لها بصماتها الواضحة على مسيرة الصراع ليس في بعده الفلسطيني فحسب ولكن في بعده العربي والإسلامي أيضاً على الرغم من تضافر الظروف الداخلية والإقليمية لاحتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة تتوج نضال الشعب الفلسطيني إزاء جلاده ومحتله، الذي ما عاد غريباً أو دخيلاً بحسب بعض أدبيات المفاوضين الأجلاء، فإن جهات بحثية وسياسية عدة تتحدث عن عوامل إجهاض وإفشال قد تكون داخلية في مجمله.
وزير الخارجية الامريكية جون كيري تحدث عن امكانية اندلاع هذه الانتفاضة إذا بقي القادة الصهاينة متمسكين بمواقفهم المعرقلة لتحقيق أي ‘سلام’، على حد تعبيره، واعتبرت الحكومة الصهيونية تصريح كيري في مقابلة تلفزيونية بأنه ‘تلويح بالتهديد من قبل الادارة الامريكية’، وقد يكون تحريضاً امريكياً للبدء في هذه الانتفاضة، أو لأن كيري يشعر بأن الفلسطيني مل من المفاوضات التي لم تقدم له كل ما يصبو اليه من آمال وطنية.
عوامل عدة قد تكون في صالح اندلاع الانتفاضة الثالثة التي قد تجهض ما تبقى من أوهام التفاوض لدى من أدمنها، منها شعور الفلسطيني بعدم وجود أفق سياسي لأي حل، وانه سيبقى يعاني من الاحتلال الصهيوني ، كما يبرز في هذا السياق إحساس أبناء القضية أنفسهم أن قضيتهم الجامعة لشعث الأمة (فلسطين) لا تحظى في الوقت الراهن بالاهتمام المناسب لها، وأنه لا بدّ من التحرك لإيقاظ العالم من سباته، والتذكير بأن هناك شعباً مظلوماً يحتاج إلى دعم لحل قضيته. معاناة المواطن الفلسطيني في تأمين لقمة عيشه في ظل ظروف مأساوية، قد تدفعه إلى التفكير بالخلاص من هذا الوضع الاقتصادي، يضاف إلى ذلك تواصل سياسة القمع والبطش الصهيوني ، من اعتقالات ومداهمات لمدن وبلدات وقرى، واقتحامات لمؤسسات وبيوت، والتصفية الجسدية للناشطين، وتضييق الخناق وسياسة الاستيطان ومصادرة الأراضي، وقطع أوصال الوطن وتعقيد تحركاته وتنقلاته.
كما ان تنامي عجز الفصائل الفلسطينية والسلطة عن القيام بمسؤولياتها، والتأكد من فشل جهودهم في تحقيق أمنيات الشعب الفلسطيني في اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، قد تدفع باتجاه الخيار الشعبي. امكانية اندلاع انتفاضة جديدة أمر وارد وقد يكون اندلاعها عفوياً كما كان في الانتفاضة الأولى في عام 1987. وقد تكون هذه الانتفاضة مفروضة على القيادة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية. كما قد تكون تعبيراً عن عدم رضا الشارع الفلسطيني عن المفاوضات الحالية التي انطلقت منذ 20 عاماً ولم تُؤدِ إلى نتيجة ملموسة.
عوامل منع إطلاق الانتفاضة الثالثة رغم توفر مقوماتها، مع الأسف داخلية، في معظمها، الفصائل والسلطة الفلسطينية ترى أن الوقت لم يحن لانطلاق هذه الانتفاضة، ويجب اعطاء فرصة اضافية للمفاوضات، وإذا استطاعت تحقيق انتصار دبلوماسي على الساحة الدولية، فإن هذا سيشجع على التريث والتسويف، لكن المشكلة ان السلطة الفلسطينية تخوف الشارع من عواقب هذه الانتفاضة بحجة ان العدو الصهيوني هو من يريدها لتدمير مكتسبات الدولة العتيدة التي شارف حلم قيامها على البزوغ، بحسب متنطعي السلطة، وان العدو يريد الانتفاضة للتهرب من الاستحقاقات السياسية وتنفيذ القرارات الدولية.
لقد كانت الانتفاضة الأولى ناجحة لأنها كانت سلمية إلى حد كبير، ولم تستخدم فيها الأسلحة، في حين أن الانتفاضة الثانية كانت ‘معسكرة’ الى حد كبير، الا أن الانتفاضة الثانية أجبرت العدو الصهيوني على الانسحاب الكامل من القطاع، رغم ما يعاني منه من حصار جائر. التصريحات التحريضية للمسؤولين الصهاينة المحسوبين على التيار اليميني، سواء أكانوا سياسيين أو عسكريين، بان هناك جهات تريد اندلاع الانتفاضة، وتحرض عليها لتحقيق بعض ‘المنجزات’ حسب اعتقادهم، في مقدمتها وقف التفاوض مع الجانب الفلسطيني، وبالتالي لن يكون هناك تنازل أو سلام، على حد زعمهم، وهو ما تسوق له السلطة الفلسطينية الآن لتبرير استمرار التفاوض الى ما لا نهاية، ويؤدي ذلك تالياً الى تبرير كل إجراءات القمع والبطش بحق الشعب الفلسطيني، وتبرير سياستها في مواصلة الاستيطان والاعتقالات والمداهمة وجميع الاجراءات التعسفية، فضلاً عن مطالبة الجيش الصهيوني بزيادة ميزانيته المخصصة لمواجهة ما يسميه أخطار الداخل. لكن الخوف الأكبر مع الأسف، يظل من السلطة التي تعتقد ان مثل هذا الخيار سيزيد من معـــــاناة الشعب الفلسطيني، مالياً وسياسياً، وســـــيحرجها امام الرأي العــــام الدولي والدول الكبرى الراعية للمفاوضات وبالذات الولايات المتحدة، وقد تلجأ الدول الاوروبية الى وقف تقديم المساعدات المالية.
بدائل السلطة في مواجهة الاحتلال كانت ولا تزال لا تسمن ولا تغني من جوع، فالسلطة تفضل عدة وسائل قد تكون بديلة عن اندلاع أو خوض غمار انتفاضة جديدة، ومن أهم هذه الاساليب، النضال الشعبي الهادئ كما يحدث أيام الجمعة واحضار عدد كبير من المتضامنين الأجانب للمشاركة في هذه الاحتجاجات السلمية، وكذلك التوجه الى المجتمع الدولي من خلال طلب العضوية في أكثر من مؤسسة دولية، واللجوء الى المحاكم الدولية. إضعاف خيارات الشعب الفلسطيني ونزع خيار المواجهة مع العدو ولو من باب النضال السلمي الشعبي، لا يسهم في تحسين موقفه أمام عدوه، أو حتى امام العالم، والتذرع بمنعكسات الربيع العربي وضعف الاهتمام بفلسطين لتمرير الخيارات الخاطئة، لا يمكن القبول، لا سيما ان خيار السلطة المتحالف مع دول الاعتدال العربي، لا يزال له وزنه حالياً، فلماذا إذن التفريط بأبسط الحقوق والمكتسبات؟
الشعب الفلسطيني ينتفض من شعفاط ليقول للعالم كفاكم ممارسة سياسة والكيل بمكالين، فالقدس تتعرض لأوسع عملية تهويد والاستيطان يتكثف، والحصار الخانق لقطاع غزة يتواصل مع استمرار العدوان، والإجرام الصهيوني وصل إلى حد لا يمكن السكوت عنه من خلال جريمة اختطاف الطفل محمد أبو خضير من شعفاط وقتله بدم بارد.

فلسطين المحاصرة من عرب السلام
بقلم: بدر الإبراهيم عن العربي الجديد
تشير الأحداث الأخيرة في فلسطين إلى جملة أمور، من أهمها مواصلة عرب السلام، من أنظمة وأجهزة إعلامية وكُتَّاب وصحافيين، محاصرة القضية الفلسطينية، بخيار الاستسلام للمحتل، ورفض مقاومته، فقد قرر هذا الفريق، منذ أكثر من عقدين، أنه لا يمكن تجاوز التفوق الإسرائيلي علينا، وأن الهزيمة قدرنا، وأن الوقت حان لتحسين شروط الهزيمة، وتجميلها، ما قادهم إلى رفض كل محاولة لمقاومة إسرائيل، وتجريمها، والقول إنها عبثٌ لا طائل منه، وتعطيلٌ لجهود السلام.
بعد خطف ثلاثة مستوطنين وقتلهم، والرد الإسرائيلي في غزة، واصل فريق السلام العربي
ممارسة هوايته المفضلة، في لوم المقاومة الفلسطينية، وتحميلها مسؤولية ما جرى، فهذا الفريق يرفض "استفزاز" إسرائيل، ويعتبره صانع المشكلة، متجاهلاً الاحتلال الذي هو أصل المشكلة، ومحاولاً الإيحاء بأن القضية الفلسطينية هي أزمة حدودية بين جارين، ما يعني أن فعل المقاومة اعتداءٌ، يبرر ردة الفعل الإسرائيلية، ويُحمِّل المقاومة المسؤولية عن كل ما يترتب على فعلها.
لا تسقط قضية فلسطين بالتقادم، ولا ينبغي أن نسمح لمرور الزمن، وتوالي السنين، بأن يمحو ذاكرتنا، فالمقاومة ليست استفزازاً لجارٍ همجي لا يجب استفزازه، بل ردة فعل على الاحتلال، وعمليات المقاومة يشرعنها استمرار هذا الاحتلال. لم تبدأ القضية الفلسطينية عام 1967، وهي ليست قضية أراضٍ هنا وهناك، نتبادلها مع الإسرائيليين، كما العقار الذي يُتَبَادَل ويُثَمَّن، مثلما يقترح وزراء الخارجية العرب الذين عدلوا مبادرة السلام العربية، وأرادوا إقناع الأميركيين والإسرائيليين بتبادل الأراضي، ولم يحصلوا على الرغم من خضوعهم على شيء. القضية الفلسطينية هي قضية الهجمة الاستعمارية على الوطن العربي، والتي شملت كل أجزائه تقريباً، بأشكال وأحجام متفاوتة، فقد كانت فلسطين، في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، مثل غيرها من أقطار الوطن العربي، هدفاً للاستعمار الغربي، وتقاطعت في فلسطين، تحديداً، الأهداف الاستعمارية وأطماع الحركة الصهيونية، فنتج الاستيطان اليهودي في فلسطين، عبر الهجرات التي شجعها المستعمر.
لا ينحصر الحديث عن عروبة فلسطين، والتأكيد على أنها شأن عربي، في استعادة تاريخ الصراع "العربي-الإسرائيلي"، ومشاركة الجيوش العربية في محاولة تحرير فلسطين عام 1948، أو في توضيح استهداف الإسرائيليين عبر الاحتلال المباشر، أو العدوان العسكري، دولاً عربية عديدة، حتى من تلك التي لا تُصنَّف من دول الطَّوق، بل يتعدى الأمر هذه الشواهد، إلى الاستدلال بفكرة الانكفاء والانعزال عن قضية فلسطين، وتركها للفلسطينيين، التي لم تتجسد على أرض الواقع، فالتيارات والجهات السياسية العربية التي روَّجت هذه الفكرة، لم تتوقف عن التعاطي مع القضية الفلسطينية، وإنْ كان ذلك عبر محاولة قَبْرها بمزيد من التنازلات التي ترضي الإسرائيليين، تحت غطاء مشاريع السلام التي قُدِّمت في العالم العربي بديلاً لمشاريع المواجهة. هذه الجهات السياسية العربية ادَّعت الخروج من القضية الفلسطينية، وقامت بالدخول فيها من الباب الآخر، أي من الباب الصهيوني، عبر إعادة التموضع في معادلة الصراع، والانحياز للرواية الإسرائيلية، والتعاون مع إسرائيل ضد "المتمردين" من الفلسطينيين والعرب الذين يرفضون الخضوع للمنطق الإسرائيلي والغربي، وهي تؤكد، بهذا، أنه لا مكان للحياد في قضية فلسطين، ولابد من الانخراط في هذا الشأن العربي، بغض النظر عن التفاصيل.
لا يكتفي فريق السلام العربي بلوم المقاومة الفلسطينية على أعمالها، فهو يسعى إلى محاصرتها، وتشديد الخناق عليها، ويرحب بالتعاون الأمني والاستخباراتي مع إسرائيل، لمنع وصول السلاح إلى المقاومة، ثم يستهزئ بقدرات المقاومة وإمكاناتها التي يشارك هو في محاولة تحجيمها، وعلى الرغم من ذلك، فإن إمكانات المقاومة أكثر قدرة على تحرير الأرض والأسرى، والضغط على إسرائيل لاستعادة الحقوق، كما أثبتت تجارب العقدين الأخيرين في لبنان وفلسطين، فيما لا يقدم مسار التسوية أي إنجازٍ ملموس، ويتخبط رعاته العرب أمام التعنت الإسرائيلي، وإصرار الاحتلال على تقديمهم مزيداً من التنازلات من دون مقابل.
لم تُنتج التسوية سوى جهازٍ بيروقراطي من دون دولة في الضفة الغربية، لا يستطيع رسم حدوده، ليسيطر عليها، ولا يستطيع التحكم بأمن أراضيه، على الرغم من كثرة عناصره الأمنية، ولا تتجاوز وظيفته التنسيق مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، وإخماد أي محاولة، أو نيَّة، للانتفاض ضد الإسرائيليين، فلم تُدرِّب إسرائيل عناصر جهاز السلطة الفلسطينية الأمني وتُجهِّزهم عبثاً. يحرص أهل السلطة الفلسطينية، وأنصارهم، من فريق السلام العربي، على التركيز على الشكليات، باستحضار مفردات الدولة ولغتها، أو تصوير الدخول عضواً مراقباً في الأمم المتحدة إنجازاً يعادل عودة فلسطين التاريخية. حتى الحديث عن الانتعاش الاقتصادي في الضفة الغربية ليس إلا محاولةً لتلميع التبعية الاقتصادية للاحتلال الصهيوني، من دون أن ننسى أهم منجز لمسار التسوية: الزيادة المضطردة في عدد المستوطنات التي تُقطِّع الضفة الغربية، وتجعل إقامة دولة فيها مستحيلاً، وتُحَوِّل التجمعات الفلسطينية في الضفة إلى كانتونات معزولة عن بعضها، فيما الإسرائيليون يخلقون واقعاً استيطانياً، لا يتخلون عنه في المفاوضات.
قضية فلسطين ليست محاصرة فقط من آلة عرب السلام الإعلامية، التي تُجرِّم المقاومة، وتُروِّج رواية مغايرة ومبتورة عن فلسطين، وإنما القضية المركزية في أيامنا محاصرة بمعارك العرب الطائفية، والتي تغيّر موقعها في ترتيب الأولويات، وتُحوِّلها من بوصلة للأمة إلى مجرد خبر في ذيل النشرات الإخبارية.

رأي البيان: عدوان المستوطنين
بقلم: أسرة التحرير عن البيان الاماراتية
تفجر الوضع في القدس وكل محافظات الضفة، على خلفية الجريمة التي اهتزت لها الأبدان وهي حرق الطفل (محمد أبو خضير) حياً، والتي أوصلت حالة الغضب إلى المستوى الذي ينذر بنشوب انتفاضة أخرى كرد فعل شعبي طبيعي على جرائم الاحتلال ومستوطنيه، مع بقاء الاحتمالات مفتوحة بأن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التصعيد الصهيوني ستقابله هبة شعبية وردة فعل فلسطينية أقوى وأوسع.
وهكذا يتعامل الاحتلال الإسرائيلي مع الفلسطينيين على الدوام وكأنهم ليسوا بشراً، ويختلق المبررات والأعذار للإمعان في اعتداءاته وغطرسته، فأخفى حقيقة مقتل المستوطنين منذ البداية لكي يفسح لجيشه المزيد من الوقت لمواصلة ممارساته الهمجية ضد الشعب الفلسطيني، دون اكتراث بالقيم الإنسانية أو القوانين والأعراف الدولية، وأطلق العنان لعصابات المستوطنين في مستعمرات الضفة الغربية ليصعدوا أنشطتهم الإجرامية الدموية، وهو ما يؤشر لتحول خطير وغير مسبوق وينذر بأبعاد مأساوية، فوق مأساة الحصار والاحتلال.
وبات الفلسطينيون بحاجة إلى حماية ليأمنوا إرهاب هؤلاء القتلة، ما استدعى تحركاً شبابياً لتشكيل لجان حماية شعبية، لمطاردة المستوطنين الذين يستهدفون البيوت والممتلكات الفلسطينية في مناطق التماس في الضفة.
هذه التطورات تضاف إلى عوامل عدة أخرى قد تعجل في اندلاع انتفاضة ثالثة، ستجهض ما تبقى من أوهام التفاوض لدى من أدمنها، منها شعور الفلسطيني بعدم وجود أفق سياسي لأي حل، وأنه سيبقى يعاني من الاحتلال الصهيوني بعد إطلاق يد المستوطنين ليمارسوا إرهابهم الممنهج تحت حماية الجيش الإسرائيلي. لذلك فقد حان الوقت لإيقاظ العالم من سباته، والدفع في اتجاه توفير الحماية للفلسطينيين، والتذكير بأن هناك شعباً مظلوماً يحتاج إلى دعم لحل قضيته.
ولن يتم نزع فتيل الانتفاضة إلا بإنهاء التصعيد الإسرائيلي في الضفة وغزة، ووقف الاستيطان وفتح آفاق سياسية تفاوضية مع الفلسطينيين، وهذا لا يبدو ممكناً في ظل حكومة متطرفة لا تؤمن بغير العنف والإرهاب سبيلاً ووسيلة، فيما يبقى المطلوب فلسطينياً أن تتحقق المصالحة كاملة، ومواجهة الاحتلال وممارساته ورفض إملاءاته وأي حلول جزئية، والتوجه للمحاكم الدولية لتثبيت جرائم الاحتلال والسعي لمعاقبته.

مشروع نتنياهو للتحالفات الإسرائيلية الإقليمية
بقلم: تحسين الحلبي عن الوطن السورية
ربما تعمد مدير مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال (احتياط) عاموس يادلين رئيس المخابرات العسكرية السابق ألا ينشر على الملأ ما قاله رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو قبل أسبوع في ندوة خاصة للمركز عن خطته أو عقيدته السياسية للمنطقة في المرحلة الراهنة، فقد اكتفى بإعلان أن نتنياهو كان أول رئيس حكومة يصرح بشكل سافر عن تأييده لإنشاء دولة كردية مستقلة في شمال العراق ومفصولة عن الكيان العراقي السياسي ولم يكشف عن بقية الخطة التي قرأها نتنياهو في تلك الجلسة وبعض خطوطها العريضة، فصحيفة معاريف كشفت بين سطور بعض مقالات الرأي فيها أن نتنياهو دعا في محاضرته أمام الندوة إلى تشكيل إطار سياسي يضم كل دولة أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في المنطقة وهي المملكة الأردنية ومصر إضافة إلى «دولة كردستان» المستقلة والمنفصلة عن العراق بعد أن يتم إعلان (دولة كردستان).
وذكرت الصحيفة أن نتنياهو خالف التكتيك الأميركي حين سمح لنفسه بهذا التصريح في أهم مركز للأبحاث الإسرائيلية لأن واشنطن ما تزال تفضل سياسة انتظار التطورات التي ستخلقها مجموعات (داعش) في العراق قبل إعطاء تصريح علني بتأييد انفصال إقليم كردستان العراق عن الحكومة والدولة الاتحادية في العراق.
وفي صحيفة يديعوت أحرونوت كتب (إفرايم هاليفي) رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي للتجسس سابقاً ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي في عام 2002 أن (نتنياهو لن يستطيع تحمل أعباء قيام الحكومة الذاتية في كردستان العراق بإعلان انفصالها عن العراق طالما أن دولاً عربية كثيرة لن تقبل بانفصال كهذا ولا تجد له ضرورة) ويشير (هاليفي) إلى عدم جدوى وجود دولة كهذه يريد نتنياهو عقد علاقات دبلوماسية معها لزيادة عدد دول المنطقة التي تعترف بإسرائيل!؟
ومع ذلك يبدو أن التداول العلني السياسي الرسمي الإسرائيلي والأميركي وإن كان بصيغة غير مباشرة بموضوع تقسيم العراق أصبح أهم موضوع على جدول العمل الإسرائيلي في هذه الأسابيع والأشهر المقبلة علماً أن اتفاقية تقسيم العالم العربي في عام 1916 بين بريطانيا وفرنسا كانت في غاية السرية لو لم يكشفها وزير خارجية الدولة السوفييتية البلشفية التي أسقطت قيصر روسيا عام 1917 على الملأ ويبعث بنسخ رسمية عنها للشريف حسين وابنه فيصل أثناء الحرب العالمية الأولى لتحذير العرب مما يعده لهم الاستعمار الفرنسي والبريطاني. ففي هذه الأيام أصبح الحديث عن تقسيم ما تبقى من العالم العربي موضوعاً علنياً وبموافقة بعض الدول العربية رغم أن جميع الجمهور العربي والكردي إن لم نقل معظمه لا يجد أن تاريخه المشترك خلال أكثر من (1400) سنة لا يحتم تقسيمه أرضاً أو شعوباً منفصلة أو متناحرة أمام عدد كبير من المقومات والقواسم المشتركة التي تجمعها.
لكن واشنطن وتل أبيب تصران على إعادة تجزئة هذا الوطن وطن الجميع الذي سلبت منه الحركة الصهيونية فلسطين وتريد الآن وليدتها إسرائيل تحقيق حلمها الصهيوني بالتوسع «من الفرات إلى النيل» فقد قدمت إسرائيل لواشنطن وبالتنسيق والتعاون معها نموذجاً قسمت فيه شعب فلسطين إلى «جمهور» في قطاع غزة وفصلته عن «الضفة الغربية» وإلى جمهور آخر داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 وفصلته منذ 66 عاماً عن بقية أراضي فلسطين وشعب فلسطين لكي يسهل عليها ترحيله إلى أي أجزاء تظهر من مخطط التقسيم الجديد للعالم العربي، فإسرائيل التي نشأت باستخدام المبرر الديني اليهودي واخترعت من خلال الانتماء إلى الدين ما يسمى «بشعب» يهودي ستجد أن من مصلحتها هي والولايات المتحدة تجزئة العالم العربي ومعه العالم الإسلامي في تركيا وإيران إلى كيانات سياسية تقوم على أساس الدين والطائفة والمذهب والاتنيات وهو الذي لم يحدث في التاريخ القديم ولا في الحديث لأن بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية والعراق واليمن وبقية العالم العربي كانت دوماً تتشكل فيها كيانات سياسية متنوعة القبائل والشعوب بغض النظر عن عباداتها ومعتقداتها قبل ظهور الأديان السماوية الثلاثة وبعدها.

السيسي وسط النار
بقلم: محمد صلاح عن الحياة اللندنية
لم يفوت «الإخوان» الفرصة، وسريعاً حاولوا استثمار قرارات رفع أسعار الوقود والكهرباء في مصر، وتعمدوا تأليب الناس على نظام الحكم، وفي الركب سار بعض الناشطين، وهم دائماً يسيرون مع كل ركب مخالف. صحيح أن زيادة أسعار البنزين والسولار قوبلت بغضب من غالبية المواطنين البسطاء، لكن ذلك لا يعني أن حكم «الإخوان» كان وردياً، أو أن لدى الناشطين حلولاً لأي مشكلة. في السادس من كانون الأول (ديسمبر) 2012 اتخذ الرئيس المصري وقتها محمد مرسي القرار بقانون رقم 102 بتعديل ضريبة المبيعات، فأثار اعتراضات حتى قبل أن يطبق، وسريعاً تراجع مرسي وأوقف العمل بقراره بدعوى إعادة دراسته وتعديله.
وفي لقائه مع عدد من الصحافيين المصريين أمس رد الرئيس عبد الفتاح السيسي على سؤال حول المخاوف من تآكل شعبيته إزاء موجة ارتفاع الأسعار الأخيرة، فرد باقتضاب: «وماذا ستفعل الشعبية إذا كانت ستضر البلد؟». وبينما اختلف المتخصصون كالعادة، فمنهم من اعتبر الأمر كارثياً، وآخرون وصفوه بالإجراء الثوري، فإن ما ساعد على تخفيف ردود فعل المواطنين أنهم لم يعيشوا في رفاهية قبل رفع الأسعار أصلاً، وأن الزيادة جاءت ضمن حزمة من إجراءات هدفها خفض العجز في الموازنة العامة بينها فرض ضرائب جديدة على الأرباح الاستثمارية في البورصة، وقانون لمنع الاحتكار وضبط المنافسة في الأسواق، وآخر تحديد الحد الأقصى للأجور، وثالث للتمويل العقاري، وكلها مطالب ظل الناشطون و»الإخوان» وكل من «ركب» الثورة ينادون بها ويؤكدون أهميتها ويقسمون أنهم لن يهدأوا إلا بعد أن تُولد على أياديهم.
عموماً لا تصدق أن «الإخوان» يمثلون خطراً على الحكم في مصر، فالزمن تجاوزهم ومعهم مناصروهم في الداخل أو داعموهم في الخارج، لا مجال لخلع نظام بواسطة الإرهاب، أو عزل رئيس عن طريق التفخيخ، أو الاستيلاء على السلطة من دون إرادة الشعب مهما فعلت الجماعة أو زاد الدعم المالي الذي تقدمه لها قطر، أو تكثفت المساندة الإعلامية الواسعة التي تحظى بها من قناة الجزيرة، أو عاونتها تركيا بثقلها السياسي وتأثيرها في أوروبا، ومهما تنوعت الضغوط الأميركية لإفساح مساحة يلعب فيها «الإخوان» في المستقبل.
أما تلك التظاهرات المتناثرة في مصر مع كل مناسبة أو ذكرى حزينة لـ «الإخوان» أو المسيرات التي تجوب بعض الشوارع ليلاً ليصورها أحدهم ويبعث بالصور إلى الجزيرة، فلم تعد تمثل سوى خلفية بعيدة لمشهد آخر عن مصر جديدة من دون «إخوان»، فالحياة تسير وإن كانت صعبة، لكنها بالنسبة لغالبية الشعب المصري أفضل كثيراً من الحياة في تلك السنة التي حكم فيها محمد مرسي مصر.
أما الوجوه التي لمعت مع ثورة 25 يناير واشتهرت وانتشرت في الفضائيات والبرامج والإذاعات والمؤتمرات الدولية والحلقات النقاشية هنا وهناك وتحولت رموزاً للعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والمناصب الحقوقية في الجمعيات المحلية والإقليمية والدولية، فلا تصدق أنهم ما زالوا يملكون القدرة على إقناع الناس، أو إسقاط نظام، أو حشد الآلاف في الشوارع والميادين، فغالبيتهم حرقوا أنفسهم باللعب على كل الأوتار، والأكل على كل الموائد، والتحالف مع الجيش ثم الانقلاب عليه، والتعامل مع «الإخوان» ثم المشي في جنازاتهم، والتحالف مع السيسي والتسخين ضده.
عموماً قبل سنة من الآن كانت مصر مهددة بالتقسيم بعدما تحالف حاكمها مع دول وقوى خارجية موالية للجماعة أو داعمة لها أو مستغلة لانتهازيتها، ضد شعبه الذي ثار مجدداً وعزل الحاكم. قبلها وربما بعدها، وعلى مدى نحو ثلاث سنوات، بقيت الدولة لا تعمل إلا عند حدها الأدنى، وتقلص الإنتاج بكل صوره، وكادت تتوقف كل تروس الماكينات في المصانع، وتسد قنوات المياه، وتتوقف الاستثمارات الآتية من الخارج أو حتى من الداخل أيضاً...
كل ذلك مع نشاط «الإخوان» التخريبي ومراهقة الناشطين السياسية. وعلى رغم أن السيسي لم يَعِد الناس بحياة وردية بل نبههم قبل الانتخابات إلى حياة صعبة لفترة، لأنه سيواجه تحديات أخرى في الطريق ليس بينها «الإخوان» أو الناشطون، فأمورهم محسومة، ولكن طموحات شعب أرهقته الحياة الصعبة وأنهكته الثورات المتتالية وأصبح يرغب في العيش هادئاً إذا توافرت له أصلاً أسس العيش الهادئ. لم يلجأ السيسي إلى أسلوب «اللف والدوران» وقال إن كل الحكومات السابقة كانت خائفة من نموذج تظاهرات 1977، ثم تساءل: إلى متى سنظل خائفين والبلد تتآكل من الديون؟
نعم سيشكو الناس من غياب آليات لمراقبة الأسواق، والسيسي نفسه اعترف بغيابها، ستستمر الحياة صعبة لفترة حتى تحدث انفراجة وينصلح الحال. وإلى ذلك الحين سيواصل «الإخوان» الحرق والأسعار أيضاً، وسيبقى السيسي وسط النار.

تمزيقُ خرائط العرب!
بقلم: أنور الهواري عن المصري اليوم
بدأ التقسم الأول للعالم العربى، من العراق، بدخول القوات البريطانية البصرة عام 1914م. وقد اكتملت عمليةُ الاحتلال بدخولها الموصل عام 1918م. وبين التاريخين جرت تفاهمات الفرنسى جورج بيكو مع البريطانى مارك سايكس، على تقسيم العالم العربى واقتسام السيطرة عليه تحت مسميات استعمارية مثل الانتداب والوصاية في مايو 1916، ثم صدر إعلان بلفور، تتعهد فيه الحكومة البريطانية 1917م بإقامة وطن قومى لليهود في فلسطين.
هذه الاتفاقية «سايكس- بيكو» وهذا الالتزام «إعلان بلفور» هما معاً مُحرك التاريخ في هذا الإقليم، من 1914 م إلى يومنا هذا 2014 م. فها هو التقسيم الثانى للعالم العربى يجرى على قدم وساق، في طبعة جديدة ومنقحة، لا يظهرُ فيها السير سايكس، ولا يظهر فيها المسيو بيكو، إنهما ومن يمثلهما يجلسون على مقاعد خلفية، يعملون من وراء ستار، وقد تصدر المشهد وكلاؤهم الجدد: إخوان، جهاد، جهادية سلفية، قاعدة، داعش، نُصرة.
ليست للاستعمار مصلحة لأن يظهر في الصورة، يكفيه أن يضع الدين في مواجهة الدولة، وأن يضع الجماعة في مواجهة القبيلة، وأن يضع التنظيم في مواجهة الشعب، وأن يضع العجم في مواجهة العرب، وأن يضع المذاهب في مواجهة المذاهب، وأن يبعث مرارات وحزازات التاريخ من مرقدها لتملأ قلوب شعوب المنطقة بالإقدام على الثأر وتبادل الانتقام. ثم إن إسرائيل ومتعهدى أمنها ليسوا في حاجة إلى إعلان بلفور جديد، القديم يكفى، وكل المطلوب إرخاء الحبل لشعوب المنطقة أن تُنجز المطلوب، وأن تُفتت نفسها، وأن تُنهك قواها، بما يُفسح الطريق نحو التأسيس الثانى لإسرائيل، من إسرائيل الوطن إلى إسرائيل القوة الإقليمية المُهيمنة على محيط من الشراذم.
عقلية سايكس- بيكو هي اتجاه وحركة تاريخية مستمرة ومتجددة، هي ليست فصلاً مُنتهياً من فصول التاريخ، إنما هي استراتيجية غربية دائبةٌ. خاصةً أنها كانت الأساس الواقعى الذي جعل من إعلان بلفور حقيقة واقعة، وهذا الإعلان- كذلك- ليس درساً قديماً من دروس التاريخ الغابر، وإنما هو التزام غربى مُتجدد، بوجود إسرائيل، بأمن إسرائيل، بتفوق إسرائيل.
هذه- باختصار شديد- هي حقيقة المواجهة وجوهر الصراع في هذا الإقليم. في ظاهره صراعٌ بين ثوار ومستبدين، بين علمانيين ومتدينين، بين شيعة وسنة، بين فلول أنظمة وقوى ثورية جديدة. هذا هو الظاهر فقط، لكن تبقى الحقيقة مُرّة المذاق، نحنُ جميعاً مُستهدفون، وخرائطُ الإقليم بأكمله قيد التشكيل. ربما تتقسم العراق- في أجل قريب- إلى ثلاث دول، لكن ربما تذهب سوريا واليمن وليبيا إلى حيثُ لا ملامح وإلى حيثُ لا دولة، بل ربما تختفى دولتان صغيرتان أو أكثر، واحدة منهما كان مبرر اختلاقها أن تكون منطقة عازلة بين العراق القوى الكبير وإسرائيل الصغيرة الناشئة. ودولة أخرى سبق أن اختفت عاماً أو بعض عام.
الأنظمة الدينية، الجماعات الدينية، هي الأداة المفضلة لدى الغرب لإنجاز هذه المرحلة الثانية من سايكس- بيكو، ومن إعلان بلفور معاً. ثم إن مصر، نعم مصر، هي القلب المستهدف، ويجرى حصارُها- بالبطىء- من كل جانب، بدأ هذا الحصار بمجىء نظام دينى في الجنوب يوليو 1989م، بدأ مخطط التقسم، ومازال على رأس العمل حتى يترك هذا البلد الشقيق أربع دول، وهو ما لم يجرؤ عليه الاستعمار الإنجليزى بنفسه أيام وجوده هُنا، لهذا يتم تحصين هذا النظام من السقوط حتى يؤدى كامل مهمته.

هذا هو مستقبل «الدولة العربية»!
بقلم: جواد البشيتي عن الوطن السورية
عشرات الدول يمكن أنْ تُوْلَد مِنْ موت (أيْ تَمَزُّق) كثيرٍ من الدول العربية، فإنَّ «نهاية» دولة العراق، مثلاً، أو على وجه الخصوص الآن، يمكن أنْ يكون على شكل ولادة ثلاث دول، تَقْتَسِم الجغرافيا والديمغرافيا والثروة النفطية والحدود مع جيرانه، وينتهي، من ثمَّ، إلى الأبد ما كان يسمَّى، حتى الأمس القريب، «الشعب العراقي»، أو «الوطن العراقي»، وثمَّة مَنْ يتحدَّث عن (أو يتوقَّع) اكتمال كل دولة من هذه الدول الثلاث، جغرافياً وديمغرافياً، باجتياز وعبور الحدود الدولية مع الجيران، كأنْ تُضَم المناطق الكردية في شمال شرق سوريا إلى الدولة الكردية في شمال العراق، ولقد رَأَيْنا كثيراً من «الخرائط الجديدة (خرائط التقسيم لدولٍ عربية عِدَّة)»، وقَرَأْنا كثيراً من «مشاريع (وخُطَط) التقسيم (الطائفي والمذهبي والعرقي والجهوي..)»، فهل هذا هو المسار (الفعلي، الحقيقي) الذي فيه يسير هذا الصراع (الذي، وعلى وجه العموم، ما عاد شبيهاً بـ «الربيع العربي»، دافِعاً، ومَطْلَبَاً، وغايةً)؟a
في الإجابة، التي تؤيِّد صِحَّتها، «ظواهر الأمور»، أقول «نَعَم، هذا هو فعلاً المسار»، وربَّما يَخْرُج هذا الصراع عن السيطرة والتَّحَكُّم، فيتمخَّض عن واقعٍ يشبه كثيراً «الواقع الافتراضي» في تلك الخرائط والمشاريع والخُطَط، أمَّا في الإجابة التي تؤيِّد صِحَّتها «بَواطِن الأمور»، على ما أراه، فأقول «لا، ليس هذا هو المسار الفعلي».
نهاية الصراع هي «دويلات في داخِل كل دولة، فإنَّ «الدولة الاتحادية (الفدرالية) التي تكون الحكومة المركزية فيها كَمَلَكة بريطانيا، تَمْلُك ولا تَحْكُم إلاَّ بما لا يتعارَض مع جوهر النِّظام السياسي الجديد لهذه الدولة، وهو الدولة المُرَكَّبَة من دويلات قوية» هي ما يُراد (دولياً، في المقام الأوَّل) لهذا الصراع أنْ ينتهي إليه، فالعراق مثلاً، أو عaلى وجه الخصوص الآن، سيبقى «دولة اتحادية»، لكن «حكومتها المركزية» ستكون من الضَّعْف بمكان، وكمثل «خَيْطٍ رفيعٍ واهٍ» يَرْبُط بين «دويلاته الثلاث (القوية، الصَّلْبَة)»، وفي هذه «الدولة الاتحادية»، وبها، يُسَوَّى كل نزاعٍ يمكن أنْ ينشب بين هذه «الدويلات»، ويُضْمَن بقاء كل «دويلة» جزءاً (لا يتجزَّأ) من «دولة العراق الاتحادية»، فلا تَضُم «الدويلة» إليها (ولا تُضَم إلى) ما يُماثِلها، أو يشبهها، في «هويتها (الطائفية، أو المذهبية، أو العرقية)» في خارج حدود «العراق الاتحادي»، فلن يكون مسموحاً لـ «الدويلة الكردية (في شمال العراق)»، مثلاً، بأنْ تَضُم إليها المناطق الكردية في شمال شرق سوريا، فهذه المناطق يمكن، ويجب، أنْ تغدو «دويلة كردية (ثانية)»، لكن ضِمْن «دولة سوريا الاتحادية».
نهاية هذا الصراع يجب أنْ تكون «الدولة الاتحادية، بحكومتها المركزية التي من الضعف بمكان، وبالدويلات (القوية الصَّلْبَة) المُكَوِّنَة لها، مع الحيلولة دون تَحَوُّل كل دويلة إلى دولة كبيرة من طريق تغيير الحدود الدولية مع الجيران». وهذه «الدويلة» المتجانِسَة (طائفياً أو مذهبياً أو عرقياً..) يمكن أنْ تكون أكثر استقراراً، وأكثر ديمقراطيةً في العلاقة بين الحاكم والمحكوم فيها، لكَوْنِهما متجانسين هذا التجانُس، أمَّا العواقِب والتَّبِعات فأهمها «ضَعْف (لا بَلْ اضمحلال) العُنْصَرَيْن الجامِعَيْن الكبيريْن: عنصر «القومية العربية (أو الانتماء القومي العربي)»، وعنصر «الأممية الإسلامية».

بن لادن 2014
بقلم: بدر بن سعود عن عكاظ السعودية
انتشرت قبل أيام مقاطـع لشخص يتجول داخل وخارج الحـرم المـكي، والملفت أنه كان يلبس زيا فلكلوريا يشبه أزياء سليمان القانوني في المسلسل التركي «حريم السلطان»، وقد نشـرت الصحـافة المحليـة ومن بينها «عكاظ» صورا وأخبارا عن هذا الرجل، واجتهد بعضها في تقديم تفسيرات لتصرفه الغريب خصوصا أنه جاء في موسم عمرة رمضان، ومن الروايات أنه كان يقبض ممن يرغب في أخذ صور معه ويمارس شكلا من أشكال التجارة الخفيفة، وآخرون اعتبروا أنه شيخ من شيوخ آسيا الوسطى حضر لتأدية المناسك بملابس المشيخة، تماما مثلما تفعل نسبة من الخليجيين والخليجيات في شوارع لندن وباريس، وبالتالي فالموضوع لا يستحق كل هذه الضجة، وتطوعت صحيفة محلية ونجحت في إخراجه بكفالة بعدما أوقف للتحقق من وضعه، وقال لها في جلسة «فضفضة» إنه ممثل احترف أداء الأدوار التاريخية من الزمن العثماني، ولم أستوعب العلاقة بين كلامه وما حدث، وربما كان محتالا فكل الاحتمالات مفتوحة وممكنة.
القضية وهو المهم صنعتها شبكات التواصل الاجتماعي، مثلما فعلت مع قضايا وتفاهات سابقة معظمها لا يشكل هما، حتى أن مجموعة من المعرفات رأت في التصرف رسالة مبطنة من تنظيم «داعش» رغم أن صاحبنا لا يتكلم العربية ويتبع لنظام سياسي نموذجه الإسلامي يختلف عن خط هؤلاء، ويظهر أن إبرة الشارع السعودي مضبوطة حاليـا على مـوجة هذا التنظيم المتطرف، والسبب نجاحاته المشبوهة في سوريا والعراق، وتمدده من شمال سوريا وشـرقها إلى شمال العـراق وشرقه وغربه، والمعنى أن مقومات الدولة توفرت ولأول مرة في التاريخ لجماعة إرهابية محسوبة على معسكر السنة ولو شكليا، ولأنها استوعبت حقيقة موقفها اختارت خليفة لدولتها ولم تختر حاكما أو رئيسا، والخليفة المذكور تكلم في خطبة الجمعة الماضية وكأنه يؤدي دورا في مسلسل ديني متواضع في مادته وقدرته على الإقناع.
ولعل التسمية تنطوي على دلالات سياسية وتعبوية قد تنـاسب الرومانسيين وأصحـاب الشعارات، والإخوان مستفيدون بالتأكيد من أي محاولة لتشويه الغريم التقليدي، والأفضل أن تكون من قناته الأشد قتامة، وطرحهم سيعيد إنتاج نفسه كبديل متحضر وديموقراطي مقارنة بالآخرين، كعادتهم في كـل مـرة، ومن غير المستبعد أن تتحول دولة «داعش» إلى مظلة لكل التنظيمات الإرهابية في العالم، وتقوم بدور الحاضن والمصدر للإرهاب علـى طريقـة ليبيا القذافي، وإن اختلفت التوجهات، وهذه لا يمكـن أن تتم بدون مساعـدة من دول قـادرة وقويـة، قدمت، على الأقـل، دعما لوجستيا مجهول الأهداف، واكتفت بدور المتفرج أمام ما يحدث، وحرمت الجيش الحر والائتلاف الوطني السوري وشركاءهم في العراق من امتيازات مستحقة، فلم يستطع حتى حزب الله المدعوم من إيران ومن غيرها أن يصنع واقعا مشابها في لبنان، ووزن الأخير ليس ثقيلا بما فيه الكفاية ولا يحتاج التغيير فيه إلى مجهود كبير، كما هو الحال في سوريا وفي العراق.
«داعش» تمثل النسخة المطورة والإصـدار الجديد من تنظيـم القاعدة، وأعتقد أن أبو بكر البغـدادي هو بن لادن موديل 2014، والفارق أن البغدادي أكثر خطـورة ويملك الجغرافيا والسلاح والمال معـا، وامتلاكه وإن كان مؤقتا يشكل خطورة يجب التعامل معهـا وفق سيناريو يفترض الأسوأ ويجهز له، ويفتش في جيوب التنظيم المحلية، فالثابت أن المطلوب هو دولة إسلامية بمواصفات أممية أو دويلات ضعيفة مشغولة بخلافاتها البينية الصغيرة، والسابق يتطابق ورغبات معروفة المصادر.

مساهمات أميركا في تمدد النفوذ الإيراني
بقلم: عبدالمحسن حمادة عن القبس الكويتية
منذ أن شنّت أميركا حربها ضد العراق 2003، مدعية كذباً أنها ستدمر أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها وتحرر شعب العراق من نظام مستبد وتستبدله بنظام ديموقراطي سيكون نموذجاً تتعلم منه المنطقة قيم الديموقراطية، وبعد احتلال العراق وتعيين برايمر حاكماً عسكرياً عليه، بدأ مخطط تقسيم العراق على أسس عرقية طائفية، وأولى الخطوات التي اتبعها برايمر هي حل الجيش العراقي الوطني والأجهزة الأمنية واستبدالها بميليشيات تدربت في إيران وربما تحمل الولاء لطهران. وفي هذه الأثناء بدأ اغتيال الطيارين الذين شاركوا في الحرب ضد إيران، كما قام باستيراد دستور طائفي قام بتقسيم المناصب القيادية في الدولة على أسس عرقية طائفية، فشجع على غرس بذور الفتن الطائفية والاقتتال الطائفي، وأصبح العراق على وشك الدخول في حرب أهلية.
وبغض النظر عن حماقات صدام وما ارتكبه من جرائم وأخطاء في حق الشعب العراقي وجيرانه، فإنه يمكن القول إن جيش العراق كان جيشاً وطنياً مسؤولاً عن الحفاظ على أرض العراق ووحدته، ومن الجيوش العربية القوية، فقد استطاع أن يحجم الدور الإيراني المغطى برفع شعارات كالمقاومة والممانعة والعداء لأميركا والصهيونية وقطع العلاقات مع إسرائيل، حيث خصصت إيران يوماً للقدس وهو آخر جمعة من رمضان يتحدث فيه عملاؤها عن تحرير القدس وأسست فيلق القدس.
ومن الواضح أن ما ترفعه إيران من شعارات براقة تحمل العداء لأميركا والصهيونية ليست إلا ذرائع تخفي وراءها أطماعها في السيطرة على العالم العربي، فهي في الواقع من أوائل الدول التي اعترفت بالحكومة التي شكّلها المحتل في العراق، وساندت الاحتلال الأميركي، حتى قال الرئيس خاتمي: لولا الدور الإيراني لما نجحت أميركا في احتلال أفغانستان والعراق، وتمكنت الميليشيات العراقية المدربة في إيران أن تملأ الفراغ الذي خلفه حل الجيش العراقي والأجهزة الأمنية. وهكذا أصبح النفوذ الإيراني في العراق واضحاً. وأصبح العراق العربي الذي سلّمته أميركا لإيران على طبق من فضة هو الجائزة الكبرى التي حصلت عليها إيران، وأصبح نوري المالكي الذي ينتمي لحزب الدعوة الموالي لإيران حاكماً للعراق ومدافعاً عن النفوذ الإيراني.
لذلك ما تشهده أرض الأنبار ما هو إلا ثورة شعبية لمقاومة الاحتلال الإيراني للعراق، فلا نعرف مدى قدرة عرب الأنبار الشجعان على مقاومة التغلغل الإيراني، ومدى قدرتهم على قيادة الشعب العراقي الذي تشظى إلى أحزاب وطوائف مذهبية وعرقية ليقوم بمعجزة بإقصاء الاحتلال الإيراني من العراق؟
كما امتد النفوذ الإيراني إلى سوريا ولبنان، عندما قررت حكومة طهران مساندة نظام بشار الدكتاتوري المستبد ضد الشعب السوري الثائر على حكم عائلي مستبد حكم الدولة أكثر من أربعين عاماً بالحديد والنار. وأراد الشعب السوري من خلال تلك الثورة أن يحكم كما تحكم معظم شعوب العالم الحرة بنظام ديموقراطي يختار الشعب حكومته بدلاًَ من التزوير الذي يمارسه نظام الأسد. وذهب ضحية تلك الثورة أكثر من مئتي ألف شهيد. قتلوا على يد جيش بشار وفيلق القدس والميليشيات العراقية التي يرسلها المالكي وميليشيات حزب الله وكيل إيران في لبنان. هؤلاء رجال إيران في المنطقة الذين يحاربون لإعادة بناء الامبراطورية الفارسية بلا رتوش، مستغلين التشرذم العربي وتشجيع المجتمع الدولي لتلك الحروب، فهل تستطيع ثورة الأنبار إسقاط أوهام الفرس؟