Haneen
2014-11-04, 01:55 PM
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.giffile:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image003.gif
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif
إسرائيل والتفرقة العنصرية
بقلم: درور أتكس ،عن هآرتس
ينتقد روغل ألفر بشدة أغلبية الجمهور الاسرائيلي، ولا سيما ذاك الذي ينتمي لـ «معسكر السلام» لكونه، برأيه، يكبت الواقع السياسي الجديد («دحر الحاضر»، «هآرتس»، 3/10). وينبع أساس انتقاده من أن برأيه الواقع الذي نشأ على الارض بين البحر والنهر لا مرد له وبالتالي فان السيناريو المحتم هو أن تصبح اسرائيل في السنوات القريبة القادمة دولة أبرتهايد ثنائية القومية، وتنهار هذه في نهاية المطاف من داخلها. وتنبغي الاشارة الى أن هذا السيناريو هو تحديث متشائم لما قاله ميرون بنبنستي، انه منذ الثمانينيات نشأ في مناطق الضفة واقع لا مرد له من ناحية وجود السكان المدنيين الاسرائيليين هناك. واذا احتاج أحد ما لبرهان بان الاتجاه هو الابرتهايد، فان قرار الحكومة الاخير، الفصل بين الفلسطينيين واليهود في المواصلات العامة من والى الضفة يوفره.
ولكن هذا التحليل لا يأخذ بالحسبان عاملا مركزيا آخر، وهو المشاعر العميقة المناهضة للعرب المنغرسة في اجزاء واسعة من المجتمع الاسرائيلي. فالمجتمع الاسرائيلي اليهودي هو مجتمع مهاجرين شاب، والمشاعر المناهضة للعرب هي العامل المركزي الذي يرص صفوفه حتى اليوم.
ولمثل هذا المجتمع الذي يعد القاسم المشترك الاولي بين اعضائه هزيلا وطفيفا، من الاسهل بكثير ان يعرف نفسه بنفسه كنقيض للجماعة الوليدة، التي يوجد معها في خصام مستمر. هذا هو السبب في أن المجتمع اليهودي في اسرائيل لا ينجح في الوصول الى توافق حول تعريف ايجابي لمفهوم «اليهودي»، وان كان واضحا لكل اعضائه بانهم «بالطبع» ليسوا عربا. ومن هنا ايضا نشأت الحاجة الى اختراع مفهوم «الشرقيين» الذي يتعاطى بشكل جارف مع كل الطوائف اليهودية التي كانت تعيش تحت حكم اسلامي، سواء في العراق أم في أطراف المغرب.
لقد اقيم المشروع الاستيطاني منذ بدايته على مبدئين: الاول، الاستيطان اليهودي في المناطق التي احتلت في العام 1967. والمبدأ الثاني هو الحرص على الفصل المادي، السياسي، القانوني والاقتصادي بين السكان المسيطرين واولئك المسيطر عليهم. وبين هذين المبدأين يوجد توتر بنيوي، تؤجل اسرائيل التصدي له من خلال تعريف الوضع كـ «مؤقت». وبينما مبدأ الفصل بين السكان، الاخذ في التطور مع السنين، تجذر عميقا في المجتمع الاسرائيلي بسبب حقيقة أنه استمرار (وان كان الاعنف والاكثر فظاظة) لواقع السلب والاقصاء الذي تقوم عليه اسرائيل كدولة منذ قيامها، فان الرؤيا الاستيطانية تتخلف وراءه في كل ما يتعلق بـ «استيطان القلوب». حقيقة هي انه بعد 47 سنة من الجهود الجبارة من كل الحكومات لاسكان اليهود في المناطق، فان أقل من 10 في المئة من السكان اليهود في اسرائيل يعيشون خلف الخط الاخضر، بما في ذلك في شرقي القدس.
والسبب في ذلك هو ان أغلبية الجمهور الاسرائيلي بقيت شكاكة في المنطق الذي في اساس المشروع الاستيطاني، الذي يهدد السيطرة الديمغرافية اليهودية داخل اسرائيل؛ السيطرة التي تحققت بقدر كبير كنتيجة لطرد وهرب الفلسطينيين في حرب العام 1948، ومنع عودتهم في السنوات ما بعد ذلك. وفي احداث الصيف الاخير، كانت فرصة للملاحظة بان مركز تجربة اليمين الاهوج والعنيف (الذي يزدهر ضمن امور اخرى على خلفية الضائقة والاهمال ايضا) هو العنصرية والقومية المتطرفة الفظتين، وليس مفاهيم مثل تقديس الارض والاستيطان.
لا خلاف في أنه كان للكنيست، التي توجد فيها اغلبية يمينية متماسكة على مدى معظم السنين منذ العام 1977، والتي يتطرف فقط اكثر فأكثر موقفها من السكان الفلسطينيين على جانبي الخط الاخضر، كان لها الاف الفرص لضم كل المناطق التي احتلت في 1967. ومع ذلك، حتى اليوم لم يتم الضم الرسمي الا لاجزاء صغيرة نسبيا من الضفة الى شرقي القدس وكذا هضبة الجولان، حيث كان الاعتبار الديمغرافي هامشيا، بسبب حجم وهوية السكان العرب (الدروز في معظمهم) ممن تبقوا هناك بعد الحرب.
هكذا بحيث أنه رغم التكثيف الهائل وغير المنقطع للمشروع الاستيطاني في العقود الاخيرة، من غير المتوقع لاسرائيل أن تضم بشكل رسمي الضفة الغربية او حتى اجزاء منها. وذلك لشدة المفارقة، بالذات بسبب العنصرية والقومية المتطرفة للجمهور الاسرائيلي الذي رغم تطرفه، ليس غير مبال بالتعلق المطلق لاسرائيل بالدول الغربية. وهذه الدول مستعدة حاليا لان تبتلع أبرتهايد «مؤقت» ولكنها من شبه المؤكد لن توافق على ابتلاع أبرتهايد «مؤطر».
ان اعلانات بينيت بوجوب ضم مناطق ج، يجب ان نقرأها مثل اعلانات نتنياهو الشاب المتزلفة للجمهور في التسعينيات في أنه يجب الغاء اتفاقات اوسلو، واعلانات افيغدور ليبرمان عن أنه يجب قصف سد أسوان اذا ما دخل الجيش المصري الى سيناء. والسيناريو المعقول هو أن الوضع الراهن المعروف اليوم سيتحطم آجلا أم عاجلا، واسرائيل ستضطر الى الانسحاب من اجزاء واسعة من الضفة الغربية.
ولكن رياح الابرتهايد لن تذهب الى اي مكان: فهي ستغير الشكل وستوجه ضد الفلسطينيين مواطني اسرائيل، الذين سيكونون مطالبين بدفع ثمن فشل تهويد الضفة، والنزاع النازف مع المحيط العربي سيستمر. وستواصل اسرائيل على ما يبدو لعدد غير قليل من السنين لتبقى دولة ليس بهجة كبيرة العيش فيها كيهودي. ولكن أقل لطفا بكثير سيكون الحال العيش فيها كعربي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
لا سامية أبومازن
الأقوال التي تعتبر دخول اليهود إلى الحرم تدنيسا له هي أقوال معادية للسامية
بقلم: زلمان شوفال ،عن اسرائيل اليوم
منذ عام 1967 تستخدم حكومات اسرائيل سياسة مدروسة ومتوازنة في كل ما يتعلق بالحرم، لمنع مواجهة شاملة مع العالم الاسلامي. ومن الجدير فعل ذلك الآن ايضا. وفي اتفاق تم في حينه مع رجال دين فلسطينيين رفيعي المستوى وافقت اسرائيل، رغم الألم الذي ينطوي على ذلك، على منع صلاة اليهود في الحرم، ومنحت نوع من الحكم الذاتي للاوقاف لادارته. وفي المقابل حق اليهود الكامل وأبناء الديانات الاخرى بزيارة الحرم بما في ذلك المسجدين: المسجد الأقصى وقبة الصخرة (المعروفة أيضا باسم مسجد عمر). وبعد ذلك بـ 27 عاما، وبعد اتفاق السلام مع الاردن، أعطيت مكانة خاصة للمملكة الهاشمية في الحرم.
في الوقت الذي حافظت فيه اسرائيل بحرص على هذه الاتفاقات، فان الفلسطينيين نقضوها منذ اليوم الاول تقريبا من خلال الكلمات والافعال: بدءً بالقاء الحجارة والمواجهة الجسدية مع الزوار وانتهاءً بتحويل الحرم الى موقع متقدم لمهاجمة المصلين اليهود في حائط المبكى في أسفل الحرم. اذا كان الاعتقاد منذ البداية أن الحديث عن اعمال عابرة فانه من الواضح الآن أنه تقف وراء هذه الاعمال القيادة الفلسطينية والدينية (وبمساعدة جهات اسلامية من عرب اسرائيل واعضاء كنيست عرب). الفلسطينيون لا يكفرون فقط باتفاق الحل الوسط في عام 1967 بل ايضا يكفرون بمكانة وحق الشعب اليهودي بالمكان الأقدس – قوميا ودينيا – على مر التاريخ.
التعبير الفظ والمستفز الذي يمكن سماعه في الآونة الاخيرة جاء على لسان الرئيس الفلسطيني أبو مازن، حيث ألقى خطابا في «لجنة الدفاع عن الاقصى والقدس». ودعا الفلسطينيين الى «منع المستوطنين بأي طريقة من الدخول الى الحرم، فهذا المكان لنا وليس لهم الحق في تدنيسه».
إن استخدام كلمة تدنيس يدل على الطابع العنصري واللاسامي في هذا الكلام، وعمليا أبو مازن ليس هو الأول أو الوحيد الذي يقول ذلك: لقد سبقه الدكتور علي الجرباوي، وهو وزير سابق في السلطة الفلسطينية، وهو اليوم بروفيسور للعلوم السياسية في جامعة بير زيت، حيث قال في مقالة كاذبة نشرت في «نيويورك تايمز» إن اريئيل شارون قد دنس قداسة المكان في زيارته.
بكلمات اخرى، وبخلاف نظرة الكنائس المسيحية التي تبارك دخول أبناء ديانات اخرى، أو تلك اليهودية التي تمانع من دخول المسيحيين والمسلمين الى اماكننا المقدسة، فان أبو مازن والجرباوي يعتبران أن تواجد اليهود يدنس المقدسات الاسلامية. بالذات في الاسلام توجد فكرة تدنيس الاماكن المقدسة، وليس فقط داعش وطالبان مصابون بذلك بل ايضا الفلسطينيين الذين دنسوا وما زالوا يدنسون القبور اليهودية في جبل الزيتون، وقاموا بهدم كنس في البلدة القديمة. ولا حاجة للحديث أنه على مدى سنوات الاحتلال الاردني لم يُسمح لليهود بزيارة حائط المبكى.
أقوال من هذا النوع لأبو مازن تضع ضبط النفس الاسرائيلي والشراكة المبدئية والفعلية في الحرم أمام امتحان صعب وتطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل الترتيبات التي تم الاتفاق عليها في عام 1967. هذا تطور مؤسف ومقلق لا يمكن تجاهله عند السعي الى الوصول الى اتفاق سياسي شامل مع الفلسطينيين والعالم العربي. وقد اقترحت على مدى السنين عدة اقتراحات لايجاد صيغة للواقع المعقد في الحرم، ولكن في أجواء التطرف الحالية من المشكوك فيه أن يتم تطبيق أي من هذه الاقتراحات في المستقبل القريب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
بث مُعاد
خطاب نتنياهو لم يأت بجديد ولم يقدم أية حلول للمشاكل التي طرحها أو التي لم يطرحها
بقلم: براك ربيد ، عن هآرتس
من شاهد أمس خطاب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، شعر وكأن هذا عشية العيد في احدى قنوات التلفاز الاسرائيلية. حيث يُعاد بث أفضل المشاهد من برامج سابقة. لكن خطاب نتنياهو ذهب أبعد من ذلك، فقد كان اعادة للخطاب اليائس في الامم المتحدة، ولكن باللغة العبرية.
كان هناك تشوش في اعتقاد أن من يقف على منصة الكنيست ليس رئيس حكومة اسرائيل بل زعيم ايران علي خامنئي أو رئيس حكومة حماس في غزة اسماعيل هنية. اولئك القادة الذين لا يقدمون لشعبهم حلولا للازمات الاقتصادية الصعبة والعزلة الدولية سوى الصبر والصمود.
مثل زعيمي ايران وحماس فقد تجاهل نتنياهو في خطابه تماما المشكلات الداخلية كغلاء المعيشة والفقر أو ازمة السكن، التي لا يملك حلولا لها ولا يستطيع أن يتهم بها أحدا. وخصص لهذه المواضيع تسعين كلمة فقط. ومعظم خطابه تركز على المخاطر الامنية والسياسية التي لم يقدم لها أي حل ايضا، لكن هذه المخاطر تساعده على حرف الشعب ضد أعداء خارجين.
أخرج نتنياهو صفحة الرسائل المعروفة حول المخاوف والمشاعر القومية: العالم كله ضدنا، الامم المتحدة هي ساحة اكاذيب ومؤامرات ضد اسرائيل، الفلسطينيون جميعا مثل بعضهم البعض، اجهزة الامن الفلسطينية فكاهة، وأبو مازن يحرض على الاعمال الارهابية ضد اليهود. لقد اتهم نتنياهو جهات دولية وجهات في داخل اسرائيل بغض الطرف عن المخاطر الامنية، ولكن برزت في خطابه حقيقة أنه يستخدم نفس الطريقة، أي التغاضي عن هذه المخاطر السياسية على أمل أن تختفي.
مثلا رسم بصورة دقيقة الاستراتيجية الفلسطينية التي تحاول أن تفرض على اسرائيل انسحابا من الضفة الغربية بشروط صعبة تمس بمصلحتها السياسية والامنية. وفي المقابل لم يقدم أي حل حكيم أو مبادرة ابداعية لمنع هذه الخطوة أو كبحها. هنا ايضا قال إن الصمود هو الحل، وأن علينا رفض الاملاءات، وأضاف أنه لا خيار لنا سوى الصمود أمام الضغوط.
قسم من خطاب نتنياهو خصص للبناء في القدس والمستوطنات. وقد شدد على أن الحديث عن اجماع قومي وأن البناء حق وواجب وسوف يستمر. هذا ايضا كان جزءً من بيبي المخادع. يكفي أن نسمع كيف أن وزير الاسكان اوري اريئيل تحدث أمس حول الرسائل والتسريبات خلال الـ 48 ساعة الاخيرة من مكتب رئيس الحكومة من اجل اعطاء انطباع عن رغبة نتنياهو في استمرار البناء.
عمليا، نتنياهو لم يفعل شيئا أمس عدا الحديث عن اجراءات تخطيط البناء لـ 1060 وحدة سكنية في رمات شلومو وهار حوماه في القدس وراء الخط الاخضر. لن تتحرك أي جرافة نتيجة تصريحه هذا، وفي أفضل الحالات ستكون هناك عدة ملفات في اللجنة القطرية في القدس. في الواقع يخاف نتنياهو البناء بسبب العقوبات الدولية، ولكنه يخاف ايضا من الاعتراف أنه لا يبني خوفا من غضب المستوطنين وحرصا على سلامة الائتلاف، وما عدا ذلك فهو شعارات.
لم ينسَ نتنياهو ايضا ذِكر خطته حول اتفاق اقليمي يتجاوز الفلسطينيين. كيف سيتحقق هذا الاتفاق؟ نتنياهو لم يقل. ما الذي ستضعه اسرائيل على الطاولة؟ نتنياهو لم يقل. الحقيقة هي أنه لم يولد بعد العربي الذي سيتجه ملليمتر واحد باتجاه نتنياهو طالما أن هذه هي مواقفه من الفلسطينيين.
رئيس المعارضة اسحق هرتسوغ الذي تحدث بعد نتنياهو كان خطابه الاكثر هجوما مما سبق. حيث توجه لنتنياهو باستخفاف وذكره باحترامه لأبيه، الرئيس حاييم هرتسوغ. وقام بمهاجمته شخصيا. «بيبي أنت خائف، أنت مقطوع»، ولكن ما ضايق نتنياهو أكثر من أي شيء هو التحليل شبه التاريخي الذي قدمه هرتسوغ حول البصمة التي تركها حتى الآن رئيس الحكومة، وهي ست سنوات من البقاء في السلطة بدون أي بشرى وبدون رؤيا وبدون ميراث. ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
الحرب والسلام
اذا كانت منظمات السلام لا تنجح في تحقيقه فيما بينها فكيف ستحققه بيننا وبين العرب؟
بقلم: موشيه رونين ،عن يديعوت
«يهوديان ـ ثلاثة آراء»، يقول المثل الشائع، والذي تجسد ايضا في مشهد في فيلم «بريان نجم أعلى» لعصبة مونتي فايتون. وبالفعل، يبدو أنه على مدى الاجيال حرص اليهود على ان يكون لهم اكبر عدد ممكن من الاحزاب والمنظمات التي تتبنى جميعها الى هذا الحد او ذاك ذات المواقف، ولكنها تتجادل فيما بينها على كل حرف. في منظمات السلام في اسرائيل يبدو أنهم أخذوا هذا الميل خطوة واحدة اخرى الى الامام. على الورق معسكر السلام السياسي اصغر من أي وقت مضى، ولكن عدد المنظمات فيه لا ينتهي.
اما الان فيصبح هذا الانشقاق سخيفا على نحو خاص، قبيل الذكرى الـ 19 لاغتيال رئيس الوزراء اسحق رابين. فمتى سينعقد المهرجان المركزي في ميدان رابين؟ وبالفعل، ثمة على هذا خلاف. في منتهى السبت القادم، 1 تشرين الثاني، سينعقد مهرجان السلام الذي تقوده منظمة «اسرائيل تبادر» للابن يوفال رابين بتعاون من جمعية «الرابع من تشرين الثاني». وستشارك فيه منظمات مثل «السلام الان»، «مبادرة جنيف»، «كتلة السلام»، «توجد حدود»، «يوجد قانون»، نساء يصنعن السلام»، «تحالف النساء للسلام»، «مستقبل أزرق – أبيض»، «مدينة شعبين»، «ابنة سلام»، «منتدى منظمات السلام»، «تحالف منظمات السلام». وهذه قائمة جزئية فقط، أليس كذلك؟.
بعد نحو اسبوع، في منتهى السبت 8 تشرين الثاني، سيعقد في نفس المكان مهرجان آخر، هو الاخر لذكرى اسحق رابين، وتنظمه حركات الشبيبة. وستشارك فيها حركة الكشافة «درور اسرائيل»، «ابني عكيفا»، «معسكرات المهاجرين»، «الشبيبة العاملة والمتعلمة»، حركة «ثقافة»، «الكيبوتس الديني»، «الشكر والعمل» ومجلس حركة الشبيبة الصهيونية. وهذه أيضا قائمة جزئية فقط. شقيقة يوفال رابين من المهرجان السابق، داليا رابين فيلسوف، ستشارك مع ابنائها نوعا روتمن ويونتان بن آرتسي في المهرجانين.
«الانشقاق قائم لان قسما من معسكر السلام استقال عمليا وقرر الحديث عن امور اخرى»، يقول اوري افنيري، من نشطاء السلام الاقدم، الذي سيشارك في المهرجان الاول. «هذا ظهر في المظاهرة في ذكرى رابين في عام 2011، عندما تحدثوا عن كل شيء باستثناء السلام. ثمة في هذا المعسكر هبوط في المعنويات. استسلام لليمين ويأس عام. في نظري لا صلة لهذا بما يحصل في العالم العربي، خلف الحدود. التطورات هي داخل اسرائيل نفسها. يوجد انعدام وسيلة لدى اليسار وميل لاجزاء كبيرة من الجمهور الذي كان ذات مرة يسارا، الاستمتاح بالحياة والاستقالة من الكفاح في سبيل الدولة. الادمان على الحاضر دون التفكير في المستقبل. هكذا رفعت اجزاء كبيرة من اليسار الايدي واصبحت ليكود ب او ليكود ج».
من يقود المركبة غير الموجودة
أحد اسباب الانشقاق، وان لم يكن المركزي، هو المال. قد لا يكون للاسرائيلي العادي اهتمام حقيقي هذه الايام بمحادثات السلام أو بمصير المفاوضات، ولكن في ارجاء العالم لا يزال السلام كلمة سحرية لتجنيد الاموال. «في نهاية المطاف حقيقة أنه يوجد هذا العدد الكبير من المنظمات – هي دليل على انهم جندوا ما يكفي من المال لغرض العمل»، يقول مسؤول كبير في احدى منظمات السلام. «لا أعتقد أن هذا بالضرورة سيء فقط، ولكن كان من الافضل لو كانت منظمتان أو ثلاث منظمات تجمع تحتها كل النشاط. ولاسفل يبدو ان هذا معتذر، لانه توجد الكثير من حروب الكبرياء بين المنظمات – يمكن أن نرى كيف أن كل واحدة تريد ان تقف على الرأس. في نظري يشبه الامر ابناء عائلة يتقاتلون من يقود المركبة وعمليا لا توجد مركبة ولا توجد امكانية لشراء مركبة كهذه في المدى المنظور».
هذا الانقسام الى مهرجانين هو مجرد عرض من أعراض مشكلة اعمق نشأت في معسكر اليسار، وبالاساس في اليسار السياسي، في اعقاب انهيار المفاوضات مع الفلسطينيين واليأس لدى الجمهور. وأحد مؤشرات هذا اليأس كان انقطاع رئيسة حزب العمل السابق، شيلي يحيموفيتش عن الموضوع السياسي في الايام ما قبل الانتخابات الاخيرة وتركيزها على المواضيع المدنية والاقتصادية.
ولكن حتى اليأس لا يشرح هذا الانقسام، الذي ادى الى أنه يوجد اليوم في اسرائيل بضع عشرات من منظمات السلام. «منظمات مع عمود فقري ايديولوجي ومبرر جماهيري هي المنظمات التي تنجو على مدى السنين»، هكذا يتنفس الصعداء يريف اوفينهايمر، امين عام حركة السلام الان. منظمات اخرى تنشأ وتسقط، واحد لا يتذكر جودها. ولكن يجب أن نتذكر بان النشطاء في هذه المنظمات لا يفعلون ذلك من أجل القراء. فلا يمكن الثراء من النشاط في منظمات اليسار. انهم يفعلون ذلك من اجل الروح. وعليه فكل نشيط يريد بالضبط المنظمة التي تناسبه ويعمل في النشاط الذي هو مهم له. وهكذا تنشأ جوقة: لكل واحد توجد آلة – وهم يعزفون معا. منظمة ما تعنى بالحواجز في المناطق. اخرى تعنى بالمبادرات السياسية. ثالثا بالتعليم. رابعة بحقوق الانسان. خامسة تكشف شهادات الجنون، وغيرها وغيرها. وللجميع يوجد مكان».
أرئيل دلومي، مدير عام معهد النقب ومن مؤسسي «الشبكة الاقليمية» التي تحاول تحقيق مبادرات مدنية بين اسرائيل وجيرانها بالذات في ظل التعاون مع منظمات اخرى، تتفق معها. وهو يدعي بانه «لكل منظمة مجالات عمل مختلفة بعض الشيء، ونحن نكمل الواحد الاخر. الوضع بين منظمات السلام لا يختلف عن مجالات اخرى يوجد فيها متطوعون مع الكثير من النية الطيبة. خذ مثلا المنظمات التي تعنى بالتصدي للحصانة النفسية والصدمة الوطنية. هناك ما لا يقل عن خمس منظمات وائتلافات في المجال اياه ايضا».ومن جهة اخرى، تحت السطح يتدفق نهر عكر، يتضمن تشهيرات متبادلة لغير الاقتباس – كي لا يخرج سيئا في هذه القصة – ولا سيما في المنظمات الاصغر. كما ان الاقتراحات لتشكيل مثابة «مجلس السلام» ليكون اتحادا لكل المنظمات ويشكل وزنا مضادا لمجلس «يشع» للمستوطنين «لا تتحقق ولا تتجسد، ولا سيماب سبب عدم القدرة للوصول الى اتفاقات. «اذا ما نشأت هيئة كهذ فستبدأ على الفور مناكفات داخلية»، هكذا يقولون في منظمات السلام، «لان الحديث يدور عن اناس ذوي رأي، لكل واحد توجد نقاط التشديد الخاصة به والافكار الهامة له وسيحاول أن يحققها ويشدد عليها قبل الاخرين».
في مثل هذا الوضع، يحتمل جدا بانه حتى لو جاء في يوم من الايام مسيح السلام، فانه قد يتشوش ويفر لينجو بروحه من رهبة الحروب لتبنيه. «هذه ليست النهاية»، يقول محافظا اوري افنيري على التفاؤل، ويأمل بان لعله من داخل الانشقاق سينمو الامل، «ستنشأ قوى جديدة وستبدأ الكفاح من جديد».
خطوة مغلوطة
في الانشقاق بين المهرجانين لذكرى رابين، قد تكون هناك حرب كبرياء بين المنظمات وقادتها، ولكن توجد ايضا على ما يبدو اسباب ايديولوجية. فأحد لا يعرف ما هو «ارث رابين»: في مهرجان 1 تشرين الثاني سيتحدثون عن «ارث رابين» تجاه الخارج: التطلع للسلام مع اعدائنا وجيراننا، والدعوة الى الاستئناف الفوري للمسيرة السياسية. وبالمقابل، بعد نحو اسبوع، في ذات الميدان الذي يحمل اسمه، سيتحدثون عن «ارث رابين» في موضوع المجتمع الديمقراطي بلا عنصرية، والذي يحل الخلافات بالوسائل غير العنيفة. وان شئتم، الارث تجاه الداخل.
في بداية الشهر توجه يوفال رابين برسالة مروسة من جمعية «اسرائيل تبادر» الى روعي يسود، امين عام حركة الشبيبة العاملة والمتعلمة. «لو كان ممكنا، بالطبع ان نقيم مهرجانا واحدا مشتركا، ولكني بالتأكيد أتفهم المنطق الذي في ابتعادكم عن قول واضح في صالح تسوية سياسية كي تتمكنوا من أن تجلبوا الى الميدان شبابا من طيف سياسي واسع»، كتب يقول. «بودي أن اوضح باني لا ارى في ذلك مانع. لو كان بوسعي لجئت الى مهرجانكم، ولكني لن استطيع ذلك بالتزامات مسبقة».
يسود، منسق الشبيبة العاملة والمتعلمة، رد على يوفال رابين فقال: «أنا اتماثل مع موقفك في أنه يوجد مجال لمهرجانين ذوي تشديد على مضامين وجماهير مختلفة. هناك مجال لاحياء الاغتيال المنكر في أوساط جماعات عديدة قدر الامكان. نحن سندعو مشاركينا للوصول ايضا الى مهرجان 1 تشرين الثاني. اشكرك اذا ما دعوت ايضا الجمهور للوصول الى مهرجان 8 تشرين الثاني».
وعدا عن المهرجانين، ستعقد مناسبات رسمية في ذكرى اسحق رابين: الاحتفال المركزي «شمعة اسحق» الذي ينظم بالتعاون مع مركز اسحق رابين في مقر الرئيس في القدس، احتفال في الكنيست، احتفال في الحكومة واحياء رسمي للذكرى في جبل هرتسل. كل واحد سيتم حسب قواعد منفصلة وتقاليد تبلورت على مدى الـ 19 سنة التي مرت منذ الاغتيال.
احدى المنظمات التي ستشارك في مهرجان السلام هي «مبادرة جنيف». ويقول غادي بلتيانسكي، مدير عام المبادرة ان «استبعاد السلام عن ارث رابين هو امر اشكالي. رابين كان رجلا واحدا، ارثه واحد، وهو يتضمن ايضا المسيرة السلمية انطلاقا من النية للوصول الى اتفاق مع جيراننا».
ينيف سغي هو الاخر، مدير عام حلقة بحث «جفعات حبيبا» احدى المنظمات المشاركة في المهرجان الاول يعتقد ان ليس صحيحا عقد مهرجانين. «لا يمكن قطع اغتيال رابين عن محاولته تحقيق السلام. توجد هنا رغبة في ان يجلب الى المهرجان الثاني جمهور يميني وكذا حركات متماثلة مع اليمين – ولكن هذه على اي حال لا تأتي الى الميدان. وهذا يلحق ضررا من خلال تقسيم ارث رابين الى مهرجانين. هذه خطوة مضللة، وموقف غير صحيح من اغتيال رئيس الوزراء في اسرائيل الذي اراد صنع السلام».
من فوق كل هذه القصة يحوم السؤال: اذا كانت منظمات السلام لا تنجح في تحقيق السلام فيما بينها، فكيف ستحقق السلام بيننا وبين العرب؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
من الذي انتصر في الحرب الأخيرة؟
الاعتقاد بهزيمة إسرائيل هو السبب وراء التصعيد والتسلح وربما الجولة القادمة
بقلم: موشيه آرنس،عن هآرتس
هل انتصرت اسرائيل في عملية «الجرف الصامد»؟ هذا يتعلق بمن يُسأل. بنيامين نتنياهو، موشيه يعلون وبني غانتس، الذين ظهروا في التلفاز ليلة اعلان وقف اطلاق النار، وحاولوا جاهدين اقناع الجمهور الاسرائيلي بأن اسرائيل قد انتصرت: إن الارهابيين الذين قصفوا المدن، ونجحوا في اغلاق المطار فترة من الزمن، سيفهمون عند خروجهم من اماكن اختبائهم ويشاهدون الدمار الذي خلفه سلاح الجو الاسرائيلي – سيفهمون أن ليس من الجدير العودة الى هذه التجربة.
يمكن أن يكون الكثير من الاسرائيليين اقتنعوا بما قالته القيادة، وآخرون أرادوا الاقتناع بذلك، بالنظر الى الثمن الكبير الذي دفعه جنود جيش الدفاع الاسرائيلي. ولكن هل هذا هو ما سيحدد في نهاية المطاف نتائج الحرب الدامية؟ كيف ترى حماس وحزب الله وايران والفلسطينيون في غزة وفي الضفة وفي القدس نتائج المواجهة بين 15 ألف مقاتل من حماس والجهاد الاسلامي وبين جيش الدفاع الاسرائيلي، بالدبابات وجنود المشاة وسلاح الجو وسلاح البحرية؟.
نتذكر هنا الفرحة في اسرائيل التي تزامنت مع الانسحاب أحادي الجانب من الشريط الامني في لبنان في أيار 2000، التي خطب بعدها حسن نصر الله خطبة «خطاب النصر»، حيث قال إن اسرائيل برغم قوتها فهي أضعف من بيت العنكبوت. ويكفي سلاح بسيط مع التصميم للقضاء عليها. هذا الموقف اعتبر انسحاب اسرائيل مثل نصر لحزب الله واثبات امكانية الانتصار على اسرائيل رغم قدراتها. هذا الموقف وقف وراء تحرش حزب الله بعد ذلك بست سنوات، مما أدى الى حرب لبنان الثانية. الكثيرون في المؤسسة الامنية الاسرائيلية يعتقدون أن هذا الموقف هو الذي أدى الى اندلاع الانتفاضة الثانية بعد الانسحاب من جنوب لبنان بأربعة أشهر.
القناعة بأن اسرائيل هُزمت على يد حزب الله في حرب لبنان الثانية دفعت حزب الله وحماس الى امتلاك عشرات آلاف الصواريخ الموجهة ضد السكان المدنيين في اسرائيل والتي سيتم اطلاقها عاجلا أو آجلا.
في كل جولة من جولات الحرب مع حماس – عملية «الرصاص المصبوب» و»عمود السحاب» – اعتقد زعماء اسرائيل أنهم استطاعوا ردع حماس عن استئناف الهجوم على اسرائيل. وقد اتضح في كل مرة أنهم مخطئون. قناعتهم لم تلائم قناعة قيادة حماس.
هل هم مخطئون هذه المرة ايضا؟ هذا ما ستقوله الايام، ومن الآن فمن الواضح أن قيادة حماس لا تفكر بنزع سلاح المنظمة، وجزء من الاموال التي تدخل الآن الى القطاع ستُستخدم في اعادة تسليح حماس والجهاد الاسلامي.
من المعقول جدا أن وجهة النظر التي تقول إن الجيش الاسرائيلي لم يستطع هزم حماس في غزة هي التي تتسبب بالاحداث العنيفة في القدس. لا شك أن السكان الفلسطينيين في المدينة يعانون من الاهمال على مدى السنين من قبل بلدية القدس والحكومة، وهذا الاهمال هو تربة خصبة لاندلاع المواجهات العنيفة. اضافة الى ذلك فقد حصل تصعيد تدريجي للاحداث التي اندلعت بعد قتل الفتى محمد أبو خضير، والأحداث استمرت كلما زاد عدد القتلى الفلسطينيين في قطاع غزة. هذه الأحداث تأججت في أعقاب نداءات حماس والجناح الشمالي للحركة الاسلامية، ومع ذلك فلا شك أن عدم قدرة الجيش الاسرائيلي على هزم 15 ألف مقاتل من حماس والجهاد الاسلامي في عملية «الجرف الصامد» ساهمت اسهاما كبيرا في استمرار التصعيد والمواجهات في القدس. واذا كان الامر كذلك، فمن الذي انتصر في الحرب الاخيرة في غزة؟.
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif
إسرائيل والتفرقة العنصرية
بقلم: درور أتكس ،عن هآرتس
ينتقد روغل ألفر بشدة أغلبية الجمهور الاسرائيلي، ولا سيما ذاك الذي ينتمي لـ «معسكر السلام» لكونه، برأيه، يكبت الواقع السياسي الجديد («دحر الحاضر»، «هآرتس»، 3/10). وينبع أساس انتقاده من أن برأيه الواقع الذي نشأ على الارض بين البحر والنهر لا مرد له وبالتالي فان السيناريو المحتم هو أن تصبح اسرائيل في السنوات القريبة القادمة دولة أبرتهايد ثنائية القومية، وتنهار هذه في نهاية المطاف من داخلها. وتنبغي الاشارة الى أن هذا السيناريو هو تحديث متشائم لما قاله ميرون بنبنستي، انه منذ الثمانينيات نشأ في مناطق الضفة واقع لا مرد له من ناحية وجود السكان المدنيين الاسرائيليين هناك. واذا احتاج أحد ما لبرهان بان الاتجاه هو الابرتهايد، فان قرار الحكومة الاخير، الفصل بين الفلسطينيين واليهود في المواصلات العامة من والى الضفة يوفره.
ولكن هذا التحليل لا يأخذ بالحسبان عاملا مركزيا آخر، وهو المشاعر العميقة المناهضة للعرب المنغرسة في اجزاء واسعة من المجتمع الاسرائيلي. فالمجتمع الاسرائيلي اليهودي هو مجتمع مهاجرين شاب، والمشاعر المناهضة للعرب هي العامل المركزي الذي يرص صفوفه حتى اليوم.
ولمثل هذا المجتمع الذي يعد القاسم المشترك الاولي بين اعضائه هزيلا وطفيفا، من الاسهل بكثير ان يعرف نفسه بنفسه كنقيض للجماعة الوليدة، التي يوجد معها في خصام مستمر. هذا هو السبب في أن المجتمع اليهودي في اسرائيل لا ينجح في الوصول الى توافق حول تعريف ايجابي لمفهوم «اليهودي»، وان كان واضحا لكل اعضائه بانهم «بالطبع» ليسوا عربا. ومن هنا ايضا نشأت الحاجة الى اختراع مفهوم «الشرقيين» الذي يتعاطى بشكل جارف مع كل الطوائف اليهودية التي كانت تعيش تحت حكم اسلامي، سواء في العراق أم في أطراف المغرب.
لقد اقيم المشروع الاستيطاني منذ بدايته على مبدئين: الاول، الاستيطان اليهودي في المناطق التي احتلت في العام 1967. والمبدأ الثاني هو الحرص على الفصل المادي، السياسي، القانوني والاقتصادي بين السكان المسيطرين واولئك المسيطر عليهم. وبين هذين المبدأين يوجد توتر بنيوي، تؤجل اسرائيل التصدي له من خلال تعريف الوضع كـ «مؤقت». وبينما مبدأ الفصل بين السكان، الاخذ في التطور مع السنين، تجذر عميقا في المجتمع الاسرائيلي بسبب حقيقة أنه استمرار (وان كان الاعنف والاكثر فظاظة) لواقع السلب والاقصاء الذي تقوم عليه اسرائيل كدولة منذ قيامها، فان الرؤيا الاستيطانية تتخلف وراءه في كل ما يتعلق بـ «استيطان القلوب». حقيقة هي انه بعد 47 سنة من الجهود الجبارة من كل الحكومات لاسكان اليهود في المناطق، فان أقل من 10 في المئة من السكان اليهود في اسرائيل يعيشون خلف الخط الاخضر، بما في ذلك في شرقي القدس.
والسبب في ذلك هو ان أغلبية الجمهور الاسرائيلي بقيت شكاكة في المنطق الذي في اساس المشروع الاستيطاني، الذي يهدد السيطرة الديمغرافية اليهودية داخل اسرائيل؛ السيطرة التي تحققت بقدر كبير كنتيجة لطرد وهرب الفلسطينيين في حرب العام 1948، ومنع عودتهم في السنوات ما بعد ذلك. وفي احداث الصيف الاخير، كانت فرصة للملاحظة بان مركز تجربة اليمين الاهوج والعنيف (الذي يزدهر ضمن امور اخرى على خلفية الضائقة والاهمال ايضا) هو العنصرية والقومية المتطرفة الفظتين، وليس مفاهيم مثل تقديس الارض والاستيطان.
لا خلاف في أنه كان للكنيست، التي توجد فيها اغلبية يمينية متماسكة على مدى معظم السنين منذ العام 1977، والتي يتطرف فقط اكثر فأكثر موقفها من السكان الفلسطينيين على جانبي الخط الاخضر، كان لها الاف الفرص لضم كل المناطق التي احتلت في 1967. ومع ذلك، حتى اليوم لم يتم الضم الرسمي الا لاجزاء صغيرة نسبيا من الضفة الى شرقي القدس وكذا هضبة الجولان، حيث كان الاعتبار الديمغرافي هامشيا، بسبب حجم وهوية السكان العرب (الدروز في معظمهم) ممن تبقوا هناك بعد الحرب.
هكذا بحيث أنه رغم التكثيف الهائل وغير المنقطع للمشروع الاستيطاني في العقود الاخيرة، من غير المتوقع لاسرائيل أن تضم بشكل رسمي الضفة الغربية او حتى اجزاء منها. وذلك لشدة المفارقة، بالذات بسبب العنصرية والقومية المتطرفة للجمهور الاسرائيلي الذي رغم تطرفه، ليس غير مبال بالتعلق المطلق لاسرائيل بالدول الغربية. وهذه الدول مستعدة حاليا لان تبتلع أبرتهايد «مؤقت» ولكنها من شبه المؤكد لن توافق على ابتلاع أبرتهايد «مؤطر».
ان اعلانات بينيت بوجوب ضم مناطق ج، يجب ان نقرأها مثل اعلانات نتنياهو الشاب المتزلفة للجمهور في التسعينيات في أنه يجب الغاء اتفاقات اوسلو، واعلانات افيغدور ليبرمان عن أنه يجب قصف سد أسوان اذا ما دخل الجيش المصري الى سيناء. والسيناريو المعقول هو أن الوضع الراهن المعروف اليوم سيتحطم آجلا أم عاجلا، واسرائيل ستضطر الى الانسحاب من اجزاء واسعة من الضفة الغربية.
ولكن رياح الابرتهايد لن تذهب الى اي مكان: فهي ستغير الشكل وستوجه ضد الفلسطينيين مواطني اسرائيل، الذين سيكونون مطالبين بدفع ثمن فشل تهويد الضفة، والنزاع النازف مع المحيط العربي سيستمر. وستواصل اسرائيل على ما يبدو لعدد غير قليل من السنين لتبقى دولة ليس بهجة كبيرة العيش فيها كيهودي. ولكن أقل لطفا بكثير سيكون الحال العيش فيها كعربي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
لا سامية أبومازن
الأقوال التي تعتبر دخول اليهود إلى الحرم تدنيسا له هي أقوال معادية للسامية
بقلم: زلمان شوفال ،عن اسرائيل اليوم
منذ عام 1967 تستخدم حكومات اسرائيل سياسة مدروسة ومتوازنة في كل ما يتعلق بالحرم، لمنع مواجهة شاملة مع العالم الاسلامي. ومن الجدير فعل ذلك الآن ايضا. وفي اتفاق تم في حينه مع رجال دين فلسطينيين رفيعي المستوى وافقت اسرائيل، رغم الألم الذي ينطوي على ذلك، على منع صلاة اليهود في الحرم، ومنحت نوع من الحكم الذاتي للاوقاف لادارته. وفي المقابل حق اليهود الكامل وأبناء الديانات الاخرى بزيارة الحرم بما في ذلك المسجدين: المسجد الأقصى وقبة الصخرة (المعروفة أيضا باسم مسجد عمر). وبعد ذلك بـ 27 عاما، وبعد اتفاق السلام مع الاردن، أعطيت مكانة خاصة للمملكة الهاشمية في الحرم.
في الوقت الذي حافظت فيه اسرائيل بحرص على هذه الاتفاقات، فان الفلسطينيين نقضوها منذ اليوم الاول تقريبا من خلال الكلمات والافعال: بدءً بالقاء الحجارة والمواجهة الجسدية مع الزوار وانتهاءً بتحويل الحرم الى موقع متقدم لمهاجمة المصلين اليهود في حائط المبكى في أسفل الحرم. اذا كان الاعتقاد منذ البداية أن الحديث عن اعمال عابرة فانه من الواضح الآن أنه تقف وراء هذه الاعمال القيادة الفلسطينية والدينية (وبمساعدة جهات اسلامية من عرب اسرائيل واعضاء كنيست عرب). الفلسطينيون لا يكفرون فقط باتفاق الحل الوسط في عام 1967 بل ايضا يكفرون بمكانة وحق الشعب اليهودي بالمكان الأقدس – قوميا ودينيا – على مر التاريخ.
التعبير الفظ والمستفز الذي يمكن سماعه في الآونة الاخيرة جاء على لسان الرئيس الفلسطيني أبو مازن، حيث ألقى خطابا في «لجنة الدفاع عن الاقصى والقدس». ودعا الفلسطينيين الى «منع المستوطنين بأي طريقة من الدخول الى الحرم، فهذا المكان لنا وليس لهم الحق في تدنيسه».
إن استخدام كلمة تدنيس يدل على الطابع العنصري واللاسامي في هذا الكلام، وعمليا أبو مازن ليس هو الأول أو الوحيد الذي يقول ذلك: لقد سبقه الدكتور علي الجرباوي، وهو وزير سابق في السلطة الفلسطينية، وهو اليوم بروفيسور للعلوم السياسية في جامعة بير زيت، حيث قال في مقالة كاذبة نشرت في «نيويورك تايمز» إن اريئيل شارون قد دنس قداسة المكان في زيارته.
بكلمات اخرى، وبخلاف نظرة الكنائس المسيحية التي تبارك دخول أبناء ديانات اخرى، أو تلك اليهودية التي تمانع من دخول المسيحيين والمسلمين الى اماكننا المقدسة، فان أبو مازن والجرباوي يعتبران أن تواجد اليهود يدنس المقدسات الاسلامية. بالذات في الاسلام توجد فكرة تدنيس الاماكن المقدسة، وليس فقط داعش وطالبان مصابون بذلك بل ايضا الفلسطينيين الذين دنسوا وما زالوا يدنسون القبور اليهودية في جبل الزيتون، وقاموا بهدم كنس في البلدة القديمة. ولا حاجة للحديث أنه على مدى سنوات الاحتلال الاردني لم يُسمح لليهود بزيارة حائط المبكى.
أقوال من هذا النوع لأبو مازن تضع ضبط النفس الاسرائيلي والشراكة المبدئية والفعلية في الحرم أمام امتحان صعب وتطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل الترتيبات التي تم الاتفاق عليها في عام 1967. هذا تطور مؤسف ومقلق لا يمكن تجاهله عند السعي الى الوصول الى اتفاق سياسي شامل مع الفلسطينيين والعالم العربي. وقد اقترحت على مدى السنين عدة اقتراحات لايجاد صيغة للواقع المعقد في الحرم، ولكن في أجواء التطرف الحالية من المشكوك فيه أن يتم تطبيق أي من هذه الاقتراحات في المستقبل القريب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
بث مُعاد
خطاب نتنياهو لم يأت بجديد ولم يقدم أية حلول للمشاكل التي طرحها أو التي لم يطرحها
بقلم: براك ربيد ، عن هآرتس
من شاهد أمس خطاب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في افتتاح الدورة الشتوية للكنيست، شعر وكأن هذا عشية العيد في احدى قنوات التلفاز الاسرائيلية. حيث يُعاد بث أفضل المشاهد من برامج سابقة. لكن خطاب نتنياهو ذهب أبعد من ذلك، فقد كان اعادة للخطاب اليائس في الامم المتحدة، ولكن باللغة العبرية.
كان هناك تشوش في اعتقاد أن من يقف على منصة الكنيست ليس رئيس حكومة اسرائيل بل زعيم ايران علي خامنئي أو رئيس حكومة حماس في غزة اسماعيل هنية. اولئك القادة الذين لا يقدمون لشعبهم حلولا للازمات الاقتصادية الصعبة والعزلة الدولية سوى الصبر والصمود.
مثل زعيمي ايران وحماس فقد تجاهل نتنياهو في خطابه تماما المشكلات الداخلية كغلاء المعيشة والفقر أو ازمة السكن، التي لا يملك حلولا لها ولا يستطيع أن يتهم بها أحدا. وخصص لهذه المواضيع تسعين كلمة فقط. ومعظم خطابه تركز على المخاطر الامنية والسياسية التي لم يقدم لها أي حل ايضا، لكن هذه المخاطر تساعده على حرف الشعب ضد أعداء خارجين.
أخرج نتنياهو صفحة الرسائل المعروفة حول المخاوف والمشاعر القومية: العالم كله ضدنا، الامم المتحدة هي ساحة اكاذيب ومؤامرات ضد اسرائيل، الفلسطينيون جميعا مثل بعضهم البعض، اجهزة الامن الفلسطينية فكاهة، وأبو مازن يحرض على الاعمال الارهابية ضد اليهود. لقد اتهم نتنياهو جهات دولية وجهات في داخل اسرائيل بغض الطرف عن المخاطر الامنية، ولكن برزت في خطابه حقيقة أنه يستخدم نفس الطريقة، أي التغاضي عن هذه المخاطر السياسية على أمل أن تختفي.
مثلا رسم بصورة دقيقة الاستراتيجية الفلسطينية التي تحاول أن تفرض على اسرائيل انسحابا من الضفة الغربية بشروط صعبة تمس بمصلحتها السياسية والامنية. وفي المقابل لم يقدم أي حل حكيم أو مبادرة ابداعية لمنع هذه الخطوة أو كبحها. هنا ايضا قال إن الصمود هو الحل، وأن علينا رفض الاملاءات، وأضاف أنه لا خيار لنا سوى الصمود أمام الضغوط.
قسم من خطاب نتنياهو خصص للبناء في القدس والمستوطنات. وقد شدد على أن الحديث عن اجماع قومي وأن البناء حق وواجب وسوف يستمر. هذا ايضا كان جزءً من بيبي المخادع. يكفي أن نسمع كيف أن وزير الاسكان اوري اريئيل تحدث أمس حول الرسائل والتسريبات خلال الـ 48 ساعة الاخيرة من مكتب رئيس الحكومة من اجل اعطاء انطباع عن رغبة نتنياهو في استمرار البناء.
عمليا، نتنياهو لم يفعل شيئا أمس عدا الحديث عن اجراءات تخطيط البناء لـ 1060 وحدة سكنية في رمات شلومو وهار حوماه في القدس وراء الخط الاخضر. لن تتحرك أي جرافة نتيجة تصريحه هذا، وفي أفضل الحالات ستكون هناك عدة ملفات في اللجنة القطرية في القدس. في الواقع يخاف نتنياهو البناء بسبب العقوبات الدولية، ولكنه يخاف ايضا من الاعتراف أنه لا يبني خوفا من غضب المستوطنين وحرصا على سلامة الائتلاف، وما عدا ذلك فهو شعارات.
لم ينسَ نتنياهو ايضا ذِكر خطته حول اتفاق اقليمي يتجاوز الفلسطينيين. كيف سيتحقق هذا الاتفاق؟ نتنياهو لم يقل. ما الذي ستضعه اسرائيل على الطاولة؟ نتنياهو لم يقل. الحقيقة هي أنه لم يولد بعد العربي الذي سيتجه ملليمتر واحد باتجاه نتنياهو طالما أن هذه هي مواقفه من الفلسطينيين.
رئيس المعارضة اسحق هرتسوغ الذي تحدث بعد نتنياهو كان خطابه الاكثر هجوما مما سبق. حيث توجه لنتنياهو باستخفاف وذكره باحترامه لأبيه، الرئيس حاييم هرتسوغ. وقام بمهاجمته شخصيا. «بيبي أنت خائف، أنت مقطوع»، ولكن ما ضايق نتنياهو أكثر من أي شيء هو التحليل شبه التاريخي الذي قدمه هرتسوغ حول البصمة التي تركها حتى الآن رئيس الحكومة، وهي ست سنوات من البقاء في السلطة بدون أي بشرى وبدون رؤيا وبدون ميراث. ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
الحرب والسلام
اذا كانت منظمات السلام لا تنجح في تحقيقه فيما بينها فكيف ستحققه بيننا وبين العرب؟
بقلم: موشيه رونين ،عن يديعوت
«يهوديان ـ ثلاثة آراء»، يقول المثل الشائع، والذي تجسد ايضا في مشهد في فيلم «بريان نجم أعلى» لعصبة مونتي فايتون. وبالفعل، يبدو أنه على مدى الاجيال حرص اليهود على ان يكون لهم اكبر عدد ممكن من الاحزاب والمنظمات التي تتبنى جميعها الى هذا الحد او ذاك ذات المواقف، ولكنها تتجادل فيما بينها على كل حرف. في منظمات السلام في اسرائيل يبدو أنهم أخذوا هذا الميل خطوة واحدة اخرى الى الامام. على الورق معسكر السلام السياسي اصغر من أي وقت مضى، ولكن عدد المنظمات فيه لا ينتهي.
اما الان فيصبح هذا الانشقاق سخيفا على نحو خاص، قبيل الذكرى الـ 19 لاغتيال رئيس الوزراء اسحق رابين. فمتى سينعقد المهرجان المركزي في ميدان رابين؟ وبالفعل، ثمة على هذا خلاف. في منتهى السبت القادم، 1 تشرين الثاني، سينعقد مهرجان السلام الذي تقوده منظمة «اسرائيل تبادر» للابن يوفال رابين بتعاون من جمعية «الرابع من تشرين الثاني». وستشارك فيه منظمات مثل «السلام الان»، «مبادرة جنيف»، «كتلة السلام»، «توجد حدود»، «يوجد قانون»، نساء يصنعن السلام»، «تحالف النساء للسلام»، «مستقبل أزرق – أبيض»، «مدينة شعبين»، «ابنة سلام»، «منتدى منظمات السلام»، «تحالف منظمات السلام». وهذه قائمة جزئية فقط، أليس كذلك؟.
بعد نحو اسبوع، في منتهى السبت 8 تشرين الثاني، سيعقد في نفس المكان مهرجان آخر، هو الاخر لذكرى اسحق رابين، وتنظمه حركات الشبيبة. وستشارك فيها حركة الكشافة «درور اسرائيل»، «ابني عكيفا»، «معسكرات المهاجرين»، «الشبيبة العاملة والمتعلمة»، حركة «ثقافة»، «الكيبوتس الديني»، «الشكر والعمل» ومجلس حركة الشبيبة الصهيونية. وهذه أيضا قائمة جزئية فقط. شقيقة يوفال رابين من المهرجان السابق، داليا رابين فيلسوف، ستشارك مع ابنائها نوعا روتمن ويونتان بن آرتسي في المهرجانين.
«الانشقاق قائم لان قسما من معسكر السلام استقال عمليا وقرر الحديث عن امور اخرى»، يقول اوري افنيري، من نشطاء السلام الاقدم، الذي سيشارك في المهرجان الاول. «هذا ظهر في المظاهرة في ذكرى رابين في عام 2011، عندما تحدثوا عن كل شيء باستثناء السلام. ثمة في هذا المعسكر هبوط في المعنويات. استسلام لليمين ويأس عام. في نظري لا صلة لهذا بما يحصل في العالم العربي، خلف الحدود. التطورات هي داخل اسرائيل نفسها. يوجد انعدام وسيلة لدى اليسار وميل لاجزاء كبيرة من الجمهور الذي كان ذات مرة يسارا، الاستمتاح بالحياة والاستقالة من الكفاح في سبيل الدولة. الادمان على الحاضر دون التفكير في المستقبل. هكذا رفعت اجزاء كبيرة من اليسار الايدي واصبحت ليكود ب او ليكود ج».
من يقود المركبة غير الموجودة
أحد اسباب الانشقاق، وان لم يكن المركزي، هو المال. قد لا يكون للاسرائيلي العادي اهتمام حقيقي هذه الايام بمحادثات السلام أو بمصير المفاوضات، ولكن في ارجاء العالم لا يزال السلام كلمة سحرية لتجنيد الاموال. «في نهاية المطاف حقيقة أنه يوجد هذا العدد الكبير من المنظمات – هي دليل على انهم جندوا ما يكفي من المال لغرض العمل»، يقول مسؤول كبير في احدى منظمات السلام. «لا أعتقد أن هذا بالضرورة سيء فقط، ولكن كان من الافضل لو كانت منظمتان أو ثلاث منظمات تجمع تحتها كل النشاط. ولاسفل يبدو ان هذا معتذر، لانه توجد الكثير من حروب الكبرياء بين المنظمات – يمكن أن نرى كيف أن كل واحدة تريد ان تقف على الرأس. في نظري يشبه الامر ابناء عائلة يتقاتلون من يقود المركبة وعمليا لا توجد مركبة ولا توجد امكانية لشراء مركبة كهذه في المدى المنظور».
هذا الانقسام الى مهرجانين هو مجرد عرض من أعراض مشكلة اعمق نشأت في معسكر اليسار، وبالاساس في اليسار السياسي، في اعقاب انهيار المفاوضات مع الفلسطينيين واليأس لدى الجمهور. وأحد مؤشرات هذا اليأس كان انقطاع رئيسة حزب العمل السابق، شيلي يحيموفيتش عن الموضوع السياسي في الايام ما قبل الانتخابات الاخيرة وتركيزها على المواضيع المدنية والاقتصادية.
ولكن حتى اليأس لا يشرح هذا الانقسام، الذي ادى الى أنه يوجد اليوم في اسرائيل بضع عشرات من منظمات السلام. «منظمات مع عمود فقري ايديولوجي ومبرر جماهيري هي المنظمات التي تنجو على مدى السنين»، هكذا يتنفس الصعداء يريف اوفينهايمر، امين عام حركة السلام الان. منظمات اخرى تنشأ وتسقط، واحد لا يتذكر جودها. ولكن يجب أن نتذكر بان النشطاء في هذه المنظمات لا يفعلون ذلك من أجل القراء. فلا يمكن الثراء من النشاط في منظمات اليسار. انهم يفعلون ذلك من اجل الروح. وعليه فكل نشيط يريد بالضبط المنظمة التي تناسبه ويعمل في النشاط الذي هو مهم له. وهكذا تنشأ جوقة: لكل واحد توجد آلة – وهم يعزفون معا. منظمة ما تعنى بالحواجز في المناطق. اخرى تعنى بالمبادرات السياسية. ثالثا بالتعليم. رابعة بحقوق الانسان. خامسة تكشف شهادات الجنون، وغيرها وغيرها. وللجميع يوجد مكان».
أرئيل دلومي، مدير عام معهد النقب ومن مؤسسي «الشبكة الاقليمية» التي تحاول تحقيق مبادرات مدنية بين اسرائيل وجيرانها بالذات في ظل التعاون مع منظمات اخرى، تتفق معها. وهو يدعي بانه «لكل منظمة مجالات عمل مختلفة بعض الشيء، ونحن نكمل الواحد الاخر. الوضع بين منظمات السلام لا يختلف عن مجالات اخرى يوجد فيها متطوعون مع الكثير من النية الطيبة. خذ مثلا المنظمات التي تعنى بالتصدي للحصانة النفسية والصدمة الوطنية. هناك ما لا يقل عن خمس منظمات وائتلافات في المجال اياه ايضا».ومن جهة اخرى، تحت السطح يتدفق نهر عكر، يتضمن تشهيرات متبادلة لغير الاقتباس – كي لا يخرج سيئا في هذه القصة – ولا سيما في المنظمات الاصغر. كما ان الاقتراحات لتشكيل مثابة «مجلس السلام» ليكون اتحادا لكل المنظمات ويشكل وزنا مضادا لمجلس «يشع» للمستوطنين «لا تتحقق ولا تتجسد، ولا سيماب سبب عدم القدرة للوصول الى اتفاقات. «اذا ما نشأت هيئة كهذ فستبدأ على الفور مناكفات داخلية»، هكذا يقولون في منظمات السلام، «لان الحديث يدور عن اناس ذوي رأي، لكل واحد توجد نقاط التشديد الخاصة به والافكار الهامة له وسيحاول أن يحققها ويشدد عليها قبل الاخرين».
في مثل هذا الوضع، يحتمل جدا بانه حتى لو جاء في يوم من الايام مسيح السلام، فانه قد يتشوش ويفر لينجو بروحه من رهبة الحروب لتبنيه. «هذه ليست النهاية»، يقول محافظا اوري افنيري على التفاؤل، ويأمل بان لعله من داخل الانشقاق سينمو الامل، «ستنشأ قوى جديدة وستبدأ الكفاح من جديد».
خطوة مغلوطة
في الانشقاق بين المهرجانين لذكرى رابين، قد تكون هناك حرب كبرياء بين المنظمات وقادتها، ولكن توجد ايضا على ما يبدو اسباب ايديولوجية. فأحد لا يعرف ما هو «ارث رابين»: في مهرجان 1 تشرين الثاني سيتحدثون عن «ارث رابين» تجاه الخارج: التطلع للسلام مع اعدائنا وجيراننا، والدعوة الى الاستئناف الفوري للمسيرة السياسية. وبالمقابل، بعد نحو اسبوع، في ذات الميدان الذي يحمل اسمه، سيتحدثون عن «ارث رابين» في موضوع المجتمع الديمقراطي بلا عنصرية، والذي يحل الخلافات بالوسائل غير العنيفة. وان شئتم، الارث تجاه الداخل.
في بداية الشهر توجه يوفال رابين برسالة مروسة من جمعية «اسرائيل تبادر» الى روعي يسود، امين عام حركة الشبيبة العاملة والمتعلمة. «لو كان ممكنا، بالطبع ان نقيم مهرجانا واحدا مشتركا، ولكني بالتأكيد أتفهم المنطق الذي في ابتعادكم عن قول واضح في صالح تسوية سياسية كي تتمكنوا من أن تجلبوا الى الميدان شبابا من طيف سياسي واسع»، كتب يقول. «بودي أن اوضح باني لا ارى في ذلك مانع. لو كان بوسعي لجئت الى مهرجانكم، ولكني لن استطيع ذلك بالتزامات مسبقة».
يسود، منسق الشبيبة العاملة والمتعلمة، رد على يوفال رابين فقال: «أنا اتماثل مع موقفك في أنه يوجد مجال لمهرجانين ذوي تشديد على مضامين وجماهير مختلفة. هناك مجال لاحياء الاغتيال المنكر في أوساط جماعات عديدة قدر الامكان. نحن سندعو مشاركينا للوصول ايضا الى مهرجان 1 تشرين الثاني. اشكرك اذا ما دعوت ايضا الجمهور للوصول الى مهرجان 8 تشرين الثاني».
وعدا عن المهرجانين، ستعقد مناسبات رسمية في ذكرى اسحق رابين: الاحتفال المركزي «شمعة اسحق» الذي ينظم بالتعاون مع مركز اسحق رابين في مقر الرئيس في القدس، احتفال في الكنيست، احتفال في الحكومة واحياء رسمي للذكرى في جبل هرتسل. كل واحد سيتم حسب قواعد منفصلة وتقاليد تبلورت على مدى الـ 19 سنة التي مرت منذ الاغتيال.
احدى المنظمات التي ستشارك في مهرجان السلام هي «مبادرة جنيف». ويقول غادي بلتيانسكي، مدير عام المبادرة ان «استبعاد السلام عن ارث رابين هو امر اشكالي. رابين كان رجلا واحدا، ارثه واحد، وهو يتضمن ايضا المسيرة السلمية انطلاقا من النية للوصول الى اتفاق مع جيراننا».
ينيف سغي هو الاخر، مدير عام حلقة بحث «جفعات حبيبا» احدى المنظمات المشاركة في المهرجان الاول يعتقد ان ليس صحيحا عقد مهرجانين. «لا يمكن قطع اغتيال رابين عن محاولته تحقيق السلام. توجد هنا رغبة في ان يجلب الى المهرجان الثاني جمهور يميني وكذا حركات متماثلة مع اليمين – ولكن هذه على اي حال لا تأتي الى الميدان. وهذا يلحق ضررا من خلال تقسيم ارث رابين الى مهرجانين. هذه خطوة مضللة، وموقف غير صحيح من اغتيال رئيس الوزراء في اسرائيل الذي اراد صنع السلام».
من فوق كل هذه القصة يحوم السؤال: اذا كانت منظمات السلام لا تنجح في تحقيق السلام فيما بينها، فكيف ستحقق السلام بيننا وبين العرب؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
من الذي انتصر في الحرب الأخيرة؟
الاعتقاد بهزيمة إسرائيل هو السبب وراء التصعيد والتسلح وربما الجولة القادمة
بقلم: موشيه آرنس،عن هآرتس
هل انتصرت اسرائيل في عملية «الجرف الصامد»؟ هذا يتعلق بمن يُسأل. بنيامين نتنياهو، موشيه يعلون وبني غانتس، الذين ظهروا في التلفاز ليلة اعلان وقف اطلاق النار، وحاولوا جاهدين اقناع الجمهور الاسرائيلي بأن اسرائيل قد انتصرت: إن الارهابيين الذين قصفوا المدن، ونجحوا في اغلاق المطار فترة من الزمن، سيفهمون عند خروجهم من اماكن اختبائهم ويشاهدون الدمار الذي خلفه سلاح الجو الاسرائيلي – سيفهمون أن ليس من الجدير العودة الى هذه التجربة.
يمكن أن يكون الكثير من الاسرائيليين اقتنعوا بما قالته القيادة، وآخرون أرادوا الاقتناع بذلك، بالنظر الى الثمن الكبير الذي دفعه جنود جيش الدفاع الاسرائيلي. ولكن هل هذا هو ما سيحدد في نهاية المطاف نتائج الحرب الدامية؟ كيف ترى حماس وحزب الله وايران والفلسطينيون في غزة وفي الضفة وفي القدس نتائج المواجهة بين 15 ألف مقاتل من حماس والجهاد الاسلامي وبين جيش الدفاع الاسرائيلي، بالدبابات وجنود المشاة وسلاح الجو وسلاح البحرية؟.
نتذكر هنا الفرحة في اسرائيل التي تزامنت مع الانسحاب أحادي الجانب من الشريط الامني في لبنان في أيار 2000، التي خطب بعدها حسن نصر الله خطبة «خطاب النصر»، حيث قال إن اسرائيل برغم قوتها فهي أضعف من بيت العنكبوت. ويكفي سلاح بسيط مع التصميم للقضاء عليها. هذا الموقف اعتبر انسحاب اسرائيل مثل نصر لحزب الله واثبات امكانية الانتصار على اسرائيل رغم قدراتها. هذا الموقف وقف وراء تحرش حزب الله بعد ذلك بست سنوات، مما أدى الى حرب لبنان الثانية. الكثيرون في المؤسسة الامنية الاسرائيلية يعتقدون أن هذا الموقف هو الذي أدى الى اندلاع الانتفاضة الثانية بعد الانسحاب من جنوب لبنان بأربعة أشهر.
القناعة بأن اسرائيل هُزمت على يد حزب الله في حرب لبنان الثانية دفعت حزب الله وحماس الى امتلاك عشرات آلاف الصواريخ الموجهة ضد السكان المدنيين في اسرائيل والتي سيتم اطلاقها عاجلا أو آجلا.
في كل جولة من جولات الحرب مع حماس – عملية «الرصاص المصبوب» و»عمود السحاب» – اعتقد زعماء اسرائيل أنهم استطاعوا ردع حماس عن استئناف الهجوم على اسرائيل. وقد اتضح في كل مرة أنهم مخطئون. قناعتهم لم تلائم قناعة قيادة حماس.
هل هم مخطئون هذه المرة ايضا؟ هذا ما ستقوله الايام، ومن الآن فمن الواضح أن قيادة حماس لا تفكر بنزع سلاح المنظمة، وجزء من الاموال التي تدخل الآن الى القطاع ستُستخدم في اعادة تسليح حماس والجهاد الاسلامي.
من المعقول جدا أن وجهة النظر التي تقول إن الجيش الاسرائيلي لم يستطع هزم حماس في غزة هي التي تتسبب بالاحداث العنيفة في القدس. لا شك أن السكان الفلسطينيين في المدينة يعانون من الاهمال على مدى السنين من قبل بلدية القدس والحكومة، وهذا الاهمال هو تربة خصبة لاندلاع المواجهات العنيفة. اضافة الى ذلك فقد حصل تصعيد تدريجي للاحداث التي اندلعت بعد قتل الفتى محمد أبو خضير، والأحداث استمرت كلما زاد عدد القتلى الفلسطينيين في قطاع غزة. هذه الأحداث تأججت في أعقاب نداءات حماس والجناح الشمالي للحركة الاسلامية، ومع ذلك فلا شك أن عدم قدرة الجيش الاسرائيلي على هزم 15 ألف مقاتل من حماس والجهاد الاسلامي في عملية «الجرف الصامد» ساهمت اسهاما كبيرا في استمرار التصعيد والمواجهات في القدس. واذا كان الامر كذلك، فمن الذي انتصر في الحرب الاخيرة في غزة؟.