تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء محلي 26/11/2014



Haneen
2014-12-14, 11:55 AM
​في هذا الملـــــف:
يهودية اسرائيل نهاية لمظهر الديموقراطية
بقلم: حديث القدس – القدس
مغالطة الإنسحاب من غزّة
بقلم: الون بن مائير – القدس
اعترافات غربية متأخرة بالدولة الفلسطينية!
بقلم: مفتاح شعيب – القدس
العمليات الفلسطينية وخطاب لوم الضحية
بقلم: ماجد كيالي – القدس
"أسنان" مصرية لفلسطين ؟
بقلم: حسن البطل – الايام
"انتفاضـــة" تتكيّف مع الواقع
بقلم: هاني المصري – الايام
كلمة الحياة الجديدة - وحدها عقلية الغيتو
بقلم: رئيس التحرير – الحياة
مدارات - تشاك هيغل وحكاية استثنائية
بقلم: عدلي صادق – الحياة
نبض الحياة - دروس سجن رامون
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
حواديت - المحامي وصديقه اللدود
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة

























يهودية اسرائيل نهاية لمظهر الديموقراطية
بقلم: حديث القدس – القدس
موافقة مجلس الوزراء الاسرائيلي على قانون ما يسمى بيهودية الدولة ستكون من الناحية الفعلية المسمار الأخير في نعش مظهر الديموقراطية الذي يبدو للعالم، بغض النظر عن كون هذا المظهر ليس إلا قشرة خارجية تخفي تحتها مظاهر التمميز ضد العرب في اسرائيل من ناحية، وممارسات الاحتلال التعسفية في الأراضي الفلسطينية المحتلة من الجهة الأخرى.
فكيف تنسجم الديموقراطية، ولو من الناحية الشكلية، مع اعتبار اسرائيل دولة خاصة باليهود؟ وأي دولة في العالم تصف نفسها بأنها خاصة بدين معين أو مذهب معين، ونستثني من هذا الدول الشمولية مثل إيران، والدول التي لا تعيش روح العصر مثل موريتانيا التي هي الأخرى تحولت إلى دكتاتورية عسكرية؟.
ثم إن نسبة العرب في اسرائيل تجعل منهم أقلية كبيرة، إذ توازي خمس عدد السكان، وبالتالي فإن الوضع في اسرائيل شبيه ببعض البلدان الأوروبية مثل سويسرا وبلجيكا اللتين توجد في كل منهما أقليات كبيرة العدد، وهذا ما منع حكومتي البلدين من وصف أي منهما بصفة قومية أو دينية محددة.
وفي الولايات المتحدة هناك أغلبية كبيرة من المسيحيين، لكن تلك الدولة لا تصف نفسها بالمسيحية، لأنها تضع الديموقراطية فوق كل الاعتبارات الطائفية أو المذهبية أو العنصرية. وحتى إيران وموريتانيا لا تعبران الإسلام قومية، على العكس من اسرائيل حيث اليهودية في نظر حكومتها دين وقومية، ومن هذا المنطلق يستمد القانون الجديد مفهومه، الذي لا نظير له ولا شبيه في العالم كله.
والسؤال هو :إذا كانت اسرائيل دولة يهودية، فماذا عن العرب الذين عاشوا على أرضهم منذ آلاف السنين؟ وكيف ينظر إليهم مشرعو القانون الجديد؟.
هناك مليون ومائتا ألف عربي يعيشون في اسرائيل حاليا. صحيح أنهم اسرائيليو الجنسية ولهم حقوق انتخابية ونواب في الكنيست، غير أنهم يتعرضون للتمييز في مجالات عديدة، منها مخصصات التنمية والتطوير والبنى التحتية والإسكان والوظائف العامة.
والمقارنة بين حالة المدن والتجمعات السكانية اليهودية من جهة، وبين الوضع في مدن العرب وقراهم من الجهة الثانية، ليست لصالح التجمعات السكانية العربية. كما أن هناك نوعا من انعدام الثقة في نظرة السلطات إليهم، وبالتالي فهم، بصورة أو بأخرى، مواطنون من الدرجة الثانية في أحسن التقديرات.
فإذا كان ذلك كذلك قبل صدور قانون يهودية اسرائيل، فكيف سيكون الحال بعد صدور هذا القانون، الذي تعتبره مختلف منظمات حقوق الإنسان تمييزيا، ولا يتفق مع روح العصر ولا مع القانون الدولي والإنساني، وليس له نظير في العالم المتحضر على الإطلاق.
وفي الوقت الذي يسير فيه العالم نحو مزيد من الحريات للشعوب والأفراد، نجد الحكومة الاسرائيلية تخطو خطوات نحو الوراء في اتجاه عصور الظلام والتمييز القومي والديني. وستكون لهذا القانون عواقب وخيمة على صعيد النظرة الدولية لاسرائيل التي هي الآن متدنية بالفعل، ولا ينقصها المزيد من التدني والتراجع.
وإذا كانت الحكومة الاسرائيلية تعتقد أنها بهذا القانون قد أغلقت الباب أمام حق العودة للاجئين الفلسطينيين فهي مخطئة دون شك، لأن قانونها الجديد هذا أحادي الجانب ولن يعترف به المجتمع الدولي ناهيك عن الفلسطينيين عامة، واللاجئين خاصة.
ومن هنا فإن التأثير الوحيد لهذا القانون سيكون سلبيا بالنسبة لاسرائيل، ومن الأفضل أن يرفضه نواب الكنيست عند التصويت عليه لاحقا، إذا كانوا مهتمين حقا بالديموقراطية التي انتخبوا على أساسها، وبمصلحة الاستقرار والسلام في المنطقة ومحيطها على وجه العموم.
مغالطة الإنسحاب من غزّة
بقلم: الون بن مائير – القدس
لقد نشرت حكومة نتنياهو بشدّة وبتشبّث فكرة أنّ انسحاب إسرائيل من غزّة في عام 2005 واستيلاء حماس بعدها على القطاع والعنف الناتج عن ذلك يوحي بشدّة بأن هدف الفلسطينيين هو تدمير إسرائيل وليس استرداد المناطق التي خسروها. ويقول نتنياهو بأن على إسرائيل أن تأخذ درسا ً من هذه التجربة وألاّ تنسحب لهذا السبب من الضفّة الغربيّة الأقرب بكثير على مراكز إسرائيل الحضريّة من غزّة. ويواصل نتنياهو حجته بالقول أنّ استيلاء حماس على الضفّة الغربيّة سيجعل منها أرضيّة لمنصّة أخرى تنطلق منها هجمات صاروخيّة تقطع إسرائيل إلى نصفين وتلحق خسائر لا تحصى بالأرواح والممتلكات.
ومع الأسف وقع الكثير من الإسرائيليين في شرك مغالطة هذه الحجّة. فبالفعل، إذا انسحبت إسرائيل بتسرّع من الضفّة الغربيّة كما فعلت في غزّة قد تحدث نتيجة مماثلة من الناحية النظريّة.
لقد استُخدمت الحروب الدمويّة الثلاثة ما بين حماس وإسرائيل، وبالتحديد: عمليّة “الرّصاص المصبوب” (حرب الفرقان) في عام 2008 وعمليّة “عمود السّحاب” (حرب حجارة السجيل) في عام 2012 وعمليّة “الجرف الصامد” (العصف المأكول) في هذا العام الجاري من طرف نتنياهو لكي يبيّن بشكل ٍ مخادع نتائج الإنسحاب من قطاع غزّة بدلا ً من إظهار عواقب الإبقاء على الأوضاع الهشّة ما بين إسرائيل والفلسطينيين.
واستخدام عبارات نبيلة رنّانة لوصف هذه العمليّات ضد حماس ليس بالجواب. وتصوير سلوك حماس وعقيدتها في التحريض على تدمير إسرائيل لتبرير معاملة إسرائيل تجاه الفلسطينيين في الضفّة الغربيّة لا يخدم سوى المتطرفين الفلسطينيين.
نتنياهو يضلّل بقصد الجمهور الإسرائيلي لتبرير رفضه العنيد في الشروع بانسحاب جوهري من الضفة الغربيّة وذلك بإعادة كتابة تاريخ وسيناريو الإنسحاب من قطاع غزّة وربطه مباشرة ً بالمخاوف الأمنيّة القوميّة.
كانت الإستخبارات الإسرائيليّة في ذلك الوقت على علم ٍ بشعبيّة حماس من الناحية السياسيّة وبأنّ لديها قدرات عسكريّة يمكنها أن تطغى في أية مواجهة على قوّات الأمن الداخلي التابعة للسلطة الفلسطينيّة برئاسة محمود عبّاس. ولكن رغبة رئيس الوزراء آنذاك، آرئيل شارون، بتخليص إسرائيل من عبء منطقة فلسطينيّة ذات كثافة سكانيّة عالية واعتقاده، كما ورد في برنامج حزب كاديما السياسي بأنّه”…وللإبقاء على أغلبيّة يهوديّة يجب أن يتمّ التخلّي عن جزء ٍ من أرض إسرائيل للحفاظ على دولة يهوديّة وديمقراطيّة” قد أعطى الدّافع لإخلاء غزّة أوّلا ً.
ولبيان نواياه بأن الإنسحاب لن يكون مقصورا ً على قطاع غزّة، أمر شارون في شهر آب (أغسطس) 2005 بالإنسحاب من سانور وحومش في شمال الضفّة الغربيّة، واضعا ً الأمّة بذلك على مسار ٍ كان بمقدوره أن ينهي الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
لقد تجاهل شارون آنذاك على أية حال ضرورة التنسيق الكامل مع السلطة الفلسطينيّة لإخلاء غزّة وأخفق في وضع خطّة مدروسة جيّدا ً لتنفيذ الإنسحاب على مراحل، الأمر الذي تسبّب في عواقب أمنيّة قوميّة خطيرة. كان ينبغي على الفلسطينيين – من الناحية المثاليّة – أن يشرعوا بعد الإنسحاب فورا ً ببناء البنية التحتيّة للدولة ووضع برنامج اقتصادي جادّ لتوفير أماكن عمل وفرص لعشرات الآلاف من الشباب الفلسطيني، وفي نفس الوقت إظهار التزامهم بالعيش بسلام جنبا ً إلى جنب مع إسرائيل.
وواقع أن لا شيء من هذا القبيل قد حدث في قطاع غزّة ينبغي ألاّ يؤثّر على الوضع في الضفّة الغربيّة، خصوصا ً وأنّ السلطة الفلسطينيّة بعد نهاية الإنتفاضة الثانية في عام 2005 قد نبذت بشكل ٍ رسمي استخدام القوّة لتحقيق هدفها السياسي المتمثّل في إقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة.
لقد شرعت السلطة الفلسطينيّة جديّا ً في بناء أسس الدولة من مدارس ومستشفيات وشبكة من الطرق ومؤسسات خاصّة وأخرى حكوميّة. وأطري عليها حتّى من طرف كبار المسؤولين الأمنيين في إسرائيل لتعاونها التامّ مع إسرائيل في جميع القضايا الأمنيّة، حتّى في فترات التوتّر المتزايد بين الجانبين.
إذن كانت خبرة غزّة بطريقة ما إيجابيّة وبنّاءة لأنها بيّنت الأخطاء التي ارتكبها شارون وكيفيّة تجنّب مثل هذه الأخطاء عند فكّ أي ارتباط من المناطق في الضفّة الغربيّة مستقبلا ً.
أيُعقل إذن أن يترك الأمر على أية حال لنتنياهو لاستغلال تجربة غزّة لتبرير استمرار الإحتلال بدلا ً من أن يقوم بوضع خطط مدروسة ومحكمة جيّدا ً مع السلطة الفلسطينيّة ينبثق عنها إجراءات أمنيّة تضمن بألاّ تصبح الضفّة الغربيّة أرضية انطلاق لهجومات على إسرائيل.
وبالّرغم من أنّ شارون ونتنياهو يعتقدان على حدّ سواء بأن “للشعب الإسرائيلي حقّ قومي وتاريخي على كلّ أرض إسرائيل” أدرك شارون بأنّ عليه أن يتخلّى عن جزء منها للحفاظ على الهويّة القوميّة اليهوديّة للدولة.
وعلى عكس ذلك، يعتقد نتنياهو مدفوعا ً بايمانه بأن إسرائيل ليست قوّة محتلّة وبأن قيام دولة فلسطينيّة على نفس الأرض يلغي حقّ إسرائيل المتأصّل على الأرض بأكملها.
وبناء ً على ذلك، فإن إسرائيل في وضع ٍ مثالي للإنسحاب من معظم أراضي الضفّة الغربيّة بدون المخاطرة بأية ناحية من نواحي أو قضايا الأمن المشروعة. لا بل انسحاب يعتمد على خطط وخطوات مدروسة مسبقا ً سيعزّز أمن إسرائيل القومي بدلا ً من تقويضه.
لن يقترح أحد سليم العقل بأن تنسحب إسرائيل من الضفّة الغربيّة بشكل ٍ متهوّر مثلما فعلت بانسحابها من غزّة ومن جنوب لبنان في عام 2000 في جنح الظلام تقريباً و بدون تنسيق واتفاق مع السلطة الفلسطينيّة أو الحكومات اللبنانيّة والسوريّة على التوالي.
يجب أن يعتمد الإنسحاب على عدد ٍ من المراحل يتفق عليها وتنفّذ على فترة ٍ تتراوح ما بين خمسة إلى عشرة أعوام تستلزم اتخاذ تدابير متبادلة وواضحة المعالم يتمّ تنفيذها من قبل الطرفين طبقا ً لجدول زمني وبآليات مراقبة لضمان الإلتزام التامّ بها ولمنع أيّ تصعيد.
أضف إلى ذلك، يجب وضع إجراءات وترتيبات أمنيّة متبادلة مقدّما ً وأن يكون هناك برنامج تنمية اقتصاديّة شاملة لأية اتفاقيّة بحيث ينمّي الفلسطينيّون مصالح هامّة ويصبح لهم حوافز للإبقاء عليها.
وما تجده حكومة نتنياهو مناسب جدّا ً لها هو أن تستغلّ أعمال العنف الحاليّة في القدس وموت إسرائيليين وفلسطينيين أبرياء مشيرة ً إلى “حكمة” سياسة نتنياهو للإبقاء على الإحتلال ورفضه القيام بتنازلات إقليميّة بسبب اعتبارات أمنيّة قوميّة على حدّ زعمه.
وبصرف النظر عن أسباب موجة العنف الحاليّة، فإنها تكشف فقط استحالة الدفاع عن الوضع الحالي، فالإحتلال الإسرائيلي احتلال تحت أي تعريف أو مسميّات وهو أصل كلّ الشرور التي تبتلي بها العلاقات الإسرائيليّة – الفلسطينيّة.
وإن كان لإسرائيل حقوق توراتيّة أو تاريخيّة على الأرض أم لم يكن، هذا لم يعد ذات صلة بالموضوع مقابل حقيقة وجود الفلسطينيين التي لا تتزعزع، غير أنّ نتنياهو وشركاؤه مهووسون لدرجة أنهم لم يعد يرون الحقيقة.
لقد حان الوقت للمجتمع الإسرائيلي الذي تمّ تضليله بصورة منهجيّة أن يتخلّص من المغالطة الكامنة وراء الإنسحاب من قطاع غزّة وأن يطالب باستقالة حكومة نتنياهو وانتخاب قادة جدد ملتزمين كليّا ً بإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
أنا أعلم بأن هذا ليس أمرا ً سهلا ً، ولكن هناك دائما ً لحظة من الزمن يرتقي فيها الشعب إلى ما فوق ضعفه البشري. وأعتقد بأنه حان الوقت لكي يخلق الإسرائيليّون تلك اللحظة.
اعترافات غربية متأخرة بالدولة الفلسطينية!
بقلم: مفتاح شعيب – القدس
كم هو مطلوب أن تتسابق دول العالم، لا سيما الغربية منها، إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فهو حق وليس منّة، ولكن ربما فقد جدواه لأنه جاء في ظرف يتعرض فيه مشروع الدولة الفلسطينية إلى تهديد غير مسبوق، وتشهد القدس حملة تهويد وتشويه ممنهجة، تستهدف المسجد الأقصى المبارك وأغلب الرموز الإسلامية والمسيحية التي تشكل مجتمعة هوية دولة فلسطين المنتظرة .
كثيرون يتساءلون عن جدوى الاعترافات غير الملزمة من البرلمانات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، إذا كانت إسرائيل ليست في وارد الاعتراف بذلك، مثلما تنكر الحقوق التاريخية للفلسطينيين، وأظهرت الأيام الماضية أنها تقابل كل اعتراف جديد بجرعة عالية من الاعتداءات والاستيطان، ولم يتورع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن تحذير فرنسا من ارتكاب "خطأ فادح"، ممهدا لمواقف أكثر تشنجا إذا أصبحت تلك الاعترافات حجة قانونية بأيدي القوى المدنية المدافعة عن مصير الشعب الفلسطيني، رغم أن ذلك لن يثير إلا معارك قانونية وإعلامية، بينما على الأرض تبقى سياسة أمر الواقع سارية من دون أي رادع فعلي .
في الأشهر الماضية عرفت العلاقة بين إسرائيل والعواصم الغربية وبينها واشنطن ولندن وباريس توترا ظاهرا بسبب تجاوزات عدة ارتكبتها حكومة نتنياهو . وفي أكثر من مناسبة صدرت مواقف أمريكية وأوروبية انتقدت بشدة تطرف قادة اسرائيل وعدم إنصاتهم لأصوات الحلفاء . وكان واضحاً أن تلك التصرفات وضعت الحكومات الغربية في حرج أمام شعوبها أو بعض منظماتها .
ومن هنا قد يكون جاء الضوء الأخضر للفعاليات البرلمانية بأن تتحرك باتجاه الاعتراف الرمزي بدولة فلسطين . وبحسب هذا التصور فإن هذه الاعترافات ترمي لضرب ثلاثة أهداف على الأقل، فهي ترفع أولاً بعض العتب لدى أوساط في الرأي العام الغربي على عجز حكوماته، وثانياً توجه ضغطاً ناعماً على اسرائيل لضبط النفس قليلاً، وثالثاً وأخيراً لإيهام الشعب الفلسطيني بأن قضيته تحقق مكاسب سياسية، وبالتالي عليه التمسك بالمساعي السياسية وألا يتجاوزها إلى خيارات أخرى.
من المؤكد أن اسرائيل لن ترتدع ولن توقف مشاريعها الاستيطانية، ولن تلجم عدوان متطرفيها على الرموز الفلسطينية في القدس المحتلة والضفة الغربية، ولن تفك الحصار المشدد على غزة، ولن توقف الاغتيالات المفاجئة لبعض النشطاء . ولا يبدو أن هذا الحجم من التصفية سيوقف المواقف الغربية الشكلية، ولو كان هذا الغرب جاداً فعلاً في الاعتراف بالحقوق الفلسطينية وحريصاً على أمن الشرق الأوسط واستقراره، لاتخذ إجراءات عملية لكف الأذى الاسرائيلي، ولكنه لن يفعل، وعوض أن يعاقب المحتل يقسو على الضحية، واعتراف برلمانات السويد وبريطانيا وإسبانيا وغيرها بالدولة الفلسطينية يحمل قسوة على الفلسطينيين أكثر من كونه ضغطاً على إسرائيل، لأنه اعتراف غير مفيد طالما أن الدولة الفلسطينية يجري تذويبها والحفر تحت أسسها تمهيداً لتقويضها مرة واحدة .
هناك هاجس جدي من أن تخفي هذه "الإيجابية" الغربية مؤامرة جديدة على الشعب الفلسطيني، وهذا الهاجس لا يأتي من فراغ، فها هي حكومة اسرائيل تصادق على قانون للفصل يرسخ التهويد ويصادر حق العودة، استكمالاً لمسار اسرائيلي طويل لطمس الوجود الفلسطيني في تحد علني لمجتمع دولي لم يتقن مع الفلسطينيين غير اتخاذ المواقف الرمزية .
العمليات الفلسطينية وخطاب لوم الضحية
بقلم: ماجد كيالي – القدس
بغض النظر عن تقويم عملية القدس ومثيلاتها، من النواحي السياسية او الأخلاقية أو الجدوى الكفاحية، نخطئ كثيراً عندما نذهب إلى التعامل مع هذا الحدث، في لحظته، وفي معزل عن أسبابه، لأن ذلك قد يأخذنا نحو فخّ المساواة بين المعتدي والضحية، المستعمِر والمستعمَر، المعتدي والمعتدى عليه حقاً.
في الواقع، فإن إسرائيل بالسياسات التي تنتهجها، منذ قيامها، هي التي تتحمل مسؤولية ما يجري للفلسطينيين ولليهود. لذا ليس صحيحاً، ولا لأي سبب، المساواة بين غير المتساوين، او ادعاء وجود حقين متساويين، فالحقوق لا تبنى على الاستثناء، أو باستلاب حقوق شعب بواسطة القوة والغلبة، وإنما تبنى على التكافؤ في الحرية والعدالة والمساواة، فكيف إذا تعلق الأمر بمشروع يرتكز على ادعاء حق يهود العالم بفلسطين، بدعوى الوعد الإلهي، وبدولة يشكّل وجودها آخر ظاهرة احتلالية عرفها العالم.
هكذا، فإن منهج لوم الضحية على يأسه وغضبه وتمرده وانفجاره، أو على قلة حيلته، غير مفيد، ولا معنى له، وهو منهج خاطئ منطقياً، وغير مصيب اخلاقياً، في واقع مملوء بالمواربة والتلاعب وانحيازات القوة والتماهي مع السرديات المهيمنة. بيد أن هذا اللوم قد يصحّ لو أن عمليات كهذه أضحت بمثابة نهج لجماعة ما. حينها يمكن مساءلتها ونقدها ومحاكمتها، وفق حسابات الجدوى، وخطل الرؤية السياسية.
المشكلة أن سياسة لوم الضحية التي تتوخّى، في الأغلب، ادّعاء ترفّع أخلاقي عند البعض، تنمّ عن دونية ازاء المستعمِر، وتماهٍ مع روايته، ورضوخ لادعائه بحقوقه، مع ما في ذلك من تنكّر، او استبعاد للضحية، أي للضعيف او المهمش، وبالتالي للذاكرة والهوية، كما للحقيقة والعدالة.
على ذلك، فإن محاكمتنا لعملية ما قام بها شخص هنا او هناك، وقد فقد الأمل في تغيير مصيره، بعدما سدّت في وجهه كل الطرق، لا تستقيم من دون رؤية الظروف التي صنعت هذا الشخص، وجعلته يصل الى ما وصل اليه، لا سيما اننا لا نتحدث عن صراع مع دولة نشأت في ظروف تاريخية طبيعية.
ربما الأوجب، في هذا المقام، أن نتذكر أن إسرائيل، نشأت بفضل ثلاثة عوامل: الهجرة، والقوة العسكرية، ودعم الدول الكبرى. أي انها لم تنشأ نتيجة التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لليهود في فلسطين، فهؤلاء تزايد عددهم، أصلاً، نتيجة الهجرة المنظمة والمدعومة، قبل قيام الدولة وبعده. ومثلاً، فقد هاجر في عقد التسعينات إلى إسرائيل حوالي مليون من يهود الاتحاد السوفياتي (السابق)، على حساب الفلسطينيين، بخاصة اللاجئين المحرومين من الوطن والهوية والحياة الكريمة. كما ينبغي ألا ننسى أن هذه دولة متطرفة، باعتبارها ذاتها دولة يهودية، تحرم الفلسطينيين من حقوقهم، في الأرض والمياه والموارد وحرية الحركة والتطور المستقل، مستغلة قوتها العسكرية، وتغطية الدول الكبرى لها.
في الغضون، قد يجدر الانتباه إلى أن إسرائيل هذه لم تترك اية نافذة خلاص امام الفلسطينيين، حتى «المعتدلين» منهم، إذ تملصت من عملية التسوية على رغم كل ما قدم لها من تنازلات، بل إنها في ظل اتفاق أوسلو (1993) الناقص والمجحف، واصلت بناء المستوطنات لقضم أراضي الضفة، وقطع التواصل بين الفلسطينيين، فضلاً عن انتهاكها مقدساتهم، وحتى حرمانهم من الصلاة في المسجد الأقصى.
ويبدو واضحاً مما يجري أن قيام السلطة بالاعتراف بإسرائيل على حدود 77 في المئة من ارض فلسطين، ومواصلة تعهّدها بالتنسيق الأمني معها، لم يشفع لها، ذلك أن إسرائيل تريد من القيادة الفلسطينية ان تعترف بها بصفتها دولة يهودية، وبروايتها التاريخية، أي انها تطالب بتبرئتها بمفعول رجعي من كل الانتهاكات التي اقترفتها بحق الفلسطينيين منذ قيامها (1948)، مقابل اعترافها بقيام دولة لهم ذات سلطة محدودة لإدارة احوالهم. أي أن إسرائيل تريد أن يقبل الفلسطينيون باستمرار الاحتلال، مباشرة او مداورة، وأن يرضخوا لاستمرار الاستيطان، وان يذعنوا للهيمنة الإسرائيلية عليهم، والتمييز ضدهم، ومصادرة حقوقهم، وفي الوقت نفسه أن ينبذوا كل أشكال المقاومة، سلمية او مسلحة، شعبية او فصائلية، وأن يظهروا كل علامات الخنوع لإسرائيل، والامتنان أيضاً!
وينبغي لفت الانتباه هنا الى أن القصة ليست لها علاقة باستهداف الإسرائيليين الثلاثة في الخليل قبل اشهر، ولا الخمسة في القدس أخيراً. فهؤلاء مستوطنون يشكل مجرد وجودهم اعتداء على الفلسطينيين، ومصادرة لحقوقهم، وتهديداً لحياتهم. ففي عهد الرئيس عباس (2005 ـ2014)، أي بعد رحيل ياسر عرفات، قتلت إسرائيل حوالي 6400 من الفلسطينيين، وجرحت أضعافهم، وخلال تلك الفترة شنت ثلاث حروب مدمرة على غزة. وفي العام الماضي (2013)، مثلاً، قتلت إسرائيل 38 من الفلسطينيين في الضفة، من دون سبب، في حين لقي ستة إسرائيليين فقط مصرعهم. وفي الحرب الاخيرة على غزة قتلت إسرائيل 2300 من الفلسطينيين مقابل 72 إسرائيلياً منهم ستة فقط من المدنيين.
المؤسف أن خطاب لوم الضحية لا يرى كل ذلك، حتى لو اعترف بأن إسرائيل دولة احتلال، إذ لا يرى أنها دولة متطرفة بكل معنى الكلمة، وأن الاحتلال والتطرف نطويان على إرهاب وقهر الشعب المستعمَر، وإلا ما معنى مصادرة الأراضي وحصار الفلسطينيين وتقييد حريتهم ومصادرة حقوقهم في العيش الكريم؟ صحيح ان إسرائيل لا تستهدف بالسكين، او بالدهس بالسيارات، لكنها تستهدف وتدمر بالجملة بواسطة الطائرات والدبابات والمدفعية والرصاص الحي. وفوق ذلك، فهي تعتقل من دون محاكمات، بمعدل أربعة آلاف كل عام، أي انها تدمر حياة أجيال من الشباب. وإلى سلاح الاعتقال المدمر، ثمة سلاح آخر يدمر حياة الفلسطينيين يتمثل بهدم البيوت بدعوى عدم الترخيص، علماً انها في الأراضي المحتلة (في الضفة والقدس)، ففي القدس وحدها تم هدم حوالي ألفي منزل منذ احتلالها (1967)، وهدم البيوت هو شكل من أشكال العقاب الجماعي غير المشروع، إذ يستخدم كوسيلة لإرهاب الفلسطينيين والتضييق عليهم وإزاحتهم من الزمان والمكان. ثمة أيضاً السلاح التدميري المتمثل بالمستوطنات التي تستحوذ على 42 في المئة من مساحة الضفة الغربية!
الجدير ذكره أيضاً أن إسرائيل تترك الحبل على الغارب للمستوطنين والمتطرفين الذين يهاجمون الجوامع والمزارع والمداجن ومحاصيل الزيتون، تحت حماية الجيش، والذين يعتدون على الفلسطينيين بالهراوات والسكاكين وبالدهس وبإطلاق النار (كما فعل باروخ غولدشتاين في الخليل)، وبالحرق (حادثة الشهيد محمد أبو خضير) والشنق (حادثة يوسف الرموني)، علماً ان إسرائيل لم تقدم أياً من الفاعلين الى المحاكمة.
ومثلاً، يتعرض المسجد الأقصى للانتهاك المستمر من جانب المتطرفين اليهود، فقد تعرض للحرق (1969)، وارتكبت فيه مجازر عدة (1990 و1996 و2000)، قضى في كل واحدة منها العشرات، ناهيك عن المجزرة في الحرم الابراهيمي بالخليل (1994) التي ذهب ضحيتها 50 من الفلسطينيين، علماً ان بضع مئات من المستوطنين المتطرفين في الخليل يتحكمون بالمدينة التي يناهز عدد سكانها 600 ألف.
المعنى ان الفلسطينيين هنا هم الضحية، فهم الذين يقتلون، وتدمر بيوتهم، ويخضعون للحصار، وتصادر حقوقهم، وهذا هو الواقع الذي أنجب غسان وعدي أبو الجمل ومعتز حجازي، وأمثالهم، علماً ان هذه المكانة لا تعفي الفلسطينيين من النقد، أو من مسؤولية توخي الحكمة والتبصر في خطاباتهم وأشكال كفاحهم.

"أسنان" مصرية لفلسطين ؟
بقلم: حسن البطل – الايام
أضاف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي جديده إلى المعنى الفعلي لـ "الحل بدولتين". المعنى الأميركي الذي صار دولياً هو : فلسطين مستقلة وإسرائيل آمنة.
ما هو جديد الرئيس السيسي؟ بدلاً من تأمين إسرائيل أولاً واستقلال فلسطين ثانياً، بقوات دولية، من الأمم المتحدة، أو من "الناتو"، أو حتى قوات أميركية؛ فإن مصر مستعدة، حال قبول إسرائيل "حل الدولتين" واستقلال فلسطين لإرسال قوات مصرية (رمزية؟) إلى "داخل دولة فلسطينية" تدعم استقرارها وتطمئن إسرائيل إلى أمنها.
الرئيس المصري لم يتحدث عن دور مصري لتأمين إسرائيل من غزة (وبالعكس)، أو تأمين مصر من "حماس"، وهي فعلت ذلك بالدور المصري في الوصول إلى "تهدئة" لثلاث حروب بين إسرائيل وغزة.
تحدث السيسي عن دور "ضامن" لاستقلال فلسطين وأمن إسرائيل.. ولكن: دولة فلسطينية أولاً، ثم "أسنان" مصرية ضامنة لأمن إسرائيل.
أولاً، موضوعة "الحل بدولتين" ليست اختراعاً من الرئيس بوش الابن، بل تلخيص لمشروع السلام العربي 2002 (مشروع الملك عبد الله) الذي تجاهلته إسرائيل الرسمية، وهو "قنطرة" عربية وفلسطينية للسلام التام والتطبيع التام، مشروطاً بالانسحاب التام ودولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.
لماذا تجاهلت إسرائيل عرضاً عربياً شاملاً أكثر سخاءً وإغراءً من عرض ايهود باراك على عرفات في قمة كامب ديفيد 2000، وعرض ايهود أولمرت على عباس؟
هل لأنها ترفض الانسحاب من الجولان الذي ضمته؟ أو لأنها ترفض دولة فلسطينية على خطوط 1967، أو دولة عاصمتها القدس الشرقية.. أو لأن مشروع السلام العربي أضاف شرطاً سورياً للمشروع السعودي الأصلي، وهو حلّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين؟
منذ "وديعة رابين" حول شروط إسرائيل لـ "النزول" من الجولان، تصرف عدة رؤساء حكومات إسرائيليين من منطلق أن السلام مع سورية يسبق أي حل كان للصراع مع فلسطين.
الآن، مع مسار التعنّت السوري، صار الحل في فلسطين شرطاً ومقدمة للسلام العربي والإسلامي مع دولة إسرائيل.
لكن، بعد فشل كيري في دفع فلسطين لقبول الشروط الأمنية الإسرائيلية، المجحفة والقاسية، لحل الدولتين، مقدمة لدفع إسرائيل لقبول الشروط السياسية الفلسطينية للحل، يسلّح الرئيس السيسي مشروع السلام العربي بأسنان أمنية مصرية تضمن "استقرار" فلسطين المستقلة أولا، ثم تُطمئن إسرائيل إلى أمنها.. وليس من فلسطين فقط، لكن من "الإرهاب" الإسلامي.
إسرائيل تتعلل بشيء جديد لرفضها استقلال فلسطين، وهو الإرهاب الإسلامي الأصولي والجهادي، بل وتقول بكتلة دول عربية سنية معتدلة تكون حليفة عملية لإسرائيل في صدّ موجة الأصولية الجهادية.
سنعود إلى اتفاقية الإطار لسلام كامب ديفيد المصري ـ الإسرائيلي، الذي تحدث عن "الحقوق السياسية" للشعب الفلسطيني.. لماذا فشل هذا الإطار؟ ولماذا فشل في كامب ديفيد 2000 الفلسطيني ـ الإسرائيلي؟ لأن "الحقوق السياسية" صارت حق تقرير المصير الفلسطيني، أي إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
هل أن "الأسنان" المصرية لتأمين سياسي لفلسطين وأمني لإسرائيل، سوف تشجع الأردن على دور سياسي وأمني مماثل، ومن ثمّ يتم ربط السلامين المصري والأردني مع إسرائيل، بسلام فلسطيني ـ إسرائيلي؟
تقول إسرائيل إن القوات الدولية فشلت في مهمتها الأمنية. هذا صحيح جزئياً إزاء حركات مسلحة وليس بين دول، لأن السلام التعاقدي راسخ مع مصر والأردن، والسلام التعاقدي بين فلسطين وإسرائيل ممكن: الاستقلال لفلسطين دولة؛ والأمن لإسرائيل.
هل ألقى السيسي بحجر في الهواء؟ هو يقول إن اقتراحه سبق وأن شاور فيه، مطولاً، الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الإسرائيلي. هل وجد لديهما إصغاء إن لم يجد قبولاً؟ وهل تجد إسرائيل في "الحل الإقليمي" للسلام السياسي والأمني خيراً مما تجده في "الحل الدولي"، سوى أن الحل الدولي يقول بحصان أمن إسرائيل أمام عربة دولة فلسطين، ويقول الحل الإقليمي بحصان استقلال فلسطين وعربة أمن إسرائيل. أيهما الدجاجة وأيهما البيضة؟
الفلسطينيون قبلوا بدولة منزوعة السلاح، أي محدودة التسليح، وقبلوا بتعديلات حدودية متكافئة، وقبلوا بقوات دولية لأجل مديد أو مطول، وحتى بقوات إسرائيلية لأجل قصير على الحدود الفلسطينية ـ الأردنية.
على الأرجح سوف يقبلون أن يكون السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي قنطرة بين سلامي كامب ديفيد مع مصر وسلام وادي عربة مع الأردن.
لم يعد هناك من يحكي عن "إلحاق" الضفة الغربية بالأردن، أو عودة غزة للإدارة المصرية. العالم يحكي عن "الحل بدولتين".. والرئيس السيسي أضاف جديده إلى هذا الحل: ربط الحل الأمني بالحل السياسي، أي مشروع السلام العربي بدولة فلسطينية مستقلة وإسرائيل آمنة ومعترف بها. أي حل سياسي خير من الاحتلال.

"انتفاضـــة" تتكيّف مع الواقع
بقلم: هاني المصري – الايام
هل ما يجري في القدس هبّة، أم انتفاضة، أم مقدّمة لاندلاع انتفاضة، أم "انتفاضة" تناسب الواقع القائم وتتكيّف معه؟
الكثير مما يحدث يشير إلى أن ما يجري شكل من أشكال الانتفاضة، ولكنّ غياب القيادة والهدف والتنظيم وعدم مشاركة الشعب كله؛ يجعل ما يجري هبّات محليّة ومتقطعة ووتائرها متباينة جدًا من منطقة إلى أخرى. ففي القدس هناك حالة انتفاضيّة، أما في المناطق الأخرى فهناك هبّات متقطعة ومتفاوتة الحدّة.
ليس من المتوقّع أن تأتي الانتفاضة الثالثة على غرار الأولى أو الثّانية، فالحقائق والخبرات والظروف، المحليّة والعربيّة والدوليّة، مختلفة تمامًا. فهناك منطقة تخضع للضم الذي هو أكثر من الاحتلال مثل القدس، ومنطقة تقع تحت السيطرة الكاملة مثل الأغوار وما تسمى مناطق (ج)، ومنطقة خاضعة للسيادة الإسرائيليّة، ولكن السلطة تتولى صلاحيات معينة، وتقوم بالتنسيق الأمني، بينما قوات الاحتلال غير متواجدة بشكل دائم وإنما تعتقل وتداهم وتقتحم عند الحاجة مثلما يحدث في المدن، أما قطاع غزة فهو يخضع للاحتلال عن طريق الحصار والعدوان والتوغلات ما بين فترة وأخرى.
بعد أوسلو والانقسام المدمّر نشأت طبقة واسعة نسبيًّا داخل السلطة وخارجها لها مصلحة ببقاء الوضع على حاله وتعارض اندلاع انتفاضة، أما الرئيس فتعهّد بعدم اندلاع انتفاضة في عهده، بينما الفصائل التي تقود الانتفاضات في حالة يرثى لها؛ فالانتفاضة تأتي على صورة هذه الخصائص، لذلك أخذت عناوين متعددة، وتأخذ شكل الموجات والهبّات الشعبيّة، وحتى شكل "انتفاضة" في مناطق معينة، فشهدنا هبات لنصرة الأسرى وضد الاستيطان ودفاعًا عن غزة التي تعرضت لثلاثة اعتداءات وحشيّة، كان آخرها الأكثر إجرامًا، أما الآن فنشهد "انتفاضة" القدس.
إن الانتفاضة القادمة ليس من الضروري أن تستمر لسنوات، بل قد يكون من المناسب أن تأخذ شكل الموجات المتتابعة التي تحمل عناوين مختلفة، وتأخذ في كل مرة استراحة المحارب لتعاود انطلاقتها من جديد، إذ تراكم كل هبة وانتفاضة على ما حققته الهبات والانتفاضات السابقة من إنجازات شرط أن يكون لها هدف وقيادة وجبهة وطنيّة وتنظيم يضمن لها الانتصار في النهاية.
على أهميّة التسمية إلا أن الأمر الأهم ليس أن نسمّي ما يجري في القدس "انتفاضة" أو لا، وإنما أنه حلقة جديدة من الصراع على القدس تفجّرت بعد أن وصلت الأمور إلى مرحلة لم يعد فيها الإنسان المقدسي قادرًا على الاحتمال. فبعد أكثر من سبعة وأربعين عامًا على احتلال القدس وضمها لإسرائيل وإعلانها عاصمة موحدة وأبديّة لها، وبعد أكثر من عشرين عامًا على توقيع "اتفاق أوسلو"، الذي فصل ما بين الأراضي المحتلة العام 1967 وبين القدس، عندما لم تضم القدس الشرقيّة إلى المناطق المصنفة (أ)، التي من المفترض أن تكون خاضعة للسلطة الفلسطينيّة؛ لا تزال القدس تتعرض إلى أعمال منهجيّة متواصلة تستهدف تهويدها وأسرلتها، وطرد أكبر عدد ممكن من سكانها من أجل الوصول إلى وضع يكون فيه الفلسطينيون في القدس أقليّة صغيرة تخضع لإرادة الأغلبيّة اليهوديّة.
وصل المقدسي إلى الإحباط التام من إمكانيّة تغيير الجحيم الذي يعيش فيه، بل وجد أن الأمور تسير باستمرار نحو الأسوأ، خصوصًا بعد إحراق وقتل محمد أبو خضير، وتصاعد اعتداءات المستوطنين المدججين بالأسحلة، وبث وتعميم خطاب القتل الذي لا يخشى مرتكبه من العقاب، إذ أصبحت الاعتداءات على الأشخاص والممتلكات والشجر والحجر والمقدسات روتينًا يوميًّا.
وعانى المقدسيّ من خشية قيادته من المجابهة وعجزها عن حمايته، أو تقديم طريق لإنقاذ القضيّة، بعد وصولها إلى حائط مسدود، ومترددة في اختيار طريق جديد، ولا تملك إلا الشجب والاستنكار قبل تحمّلها لمسؤوليّاتها، والاتكاء على الأردن والعرب والمسلمين في وقت لا يلبوا فيه النداء.
إزاء كل ذلك وفي ظل استمرار الانقسام الذي يحول دون اندلاع الانتفاضة لأنه يستنزف الطاقات الفلسطينيّة في صراع داخلي، وبرغم الأهوال والمخاطر؛ لم يجد المقدسي سوى التحرك في شكل جديد من الانتفاضة يتناسب مع الواقع الذي لا تبادر فيه القيادة ولا تقوم القوى بواجبها بتوفير الحماية أو قيادة المجابهة المفروضة على الشعب الفلسطيني فرضًا، لأن عدم المجابهة يعني الانتصار التام للمشروع الاستعماري الاستيطاني، فعندما تغيب القيادة والقوى يتحرك كل فرد للدفاع عن نفسه بالطريقة التي تناسبه.
بدلًا من شق مسار بديل من مسار المفاوضات الثنائيّة برعاية أميركيّة انفراديّة، يتنبى المقاومة بكل أشكالها، بما فيها السلميّة والشعبيّة والمسلّحة، التي تستند إلى الحقوق الفلسطينيّة وإلى القانون الدولي الإنساني، وإلى مرجعيّة وطنيّة واحدة تحدد أشكال المقاومة المناسبة لكل مرحلة ولكل تجمع فلسطيني؛ نرى أن الواقع مختلف تمامًا، فهناك إدانة للمقاومة المسلحة برغم أنها حقٌ مقرٌّ، أو لما يسمى استهداف "المدنيين"، وكأنّ الصراع بين دولتين متكافئتين لهما جيشان، أو كأن من ينفذ العمليات فصائل لديها قيادة وإمكانيات وخبرات وليسوا أفرادًا يقومون بما يستطيعونه ضد عدو، لا تستطيع أن تميز فيه بين المدني والعسكري، وبين رجل الدين والأماكن الدينيّة وبين العسكريين والثكنات العسكريّة حين يكون رجال الدين رأس حربة المشروع الاستعماري العنصري، وبعد أن أصبح الاعتداء على الأقصى عملًا يوميًا. ويجري تحت عناوين مختلفة نزع البطولة عن هذه العمليات الفدائيّة، والتمييز المفتعل بين المقاومة والانتقام، والحديث عن المقاومة المجديّة وعن تلك غير المجديّة، والتنكر للانتفاضات السابقة.
لا يمكن لوم الذي يغرق إذا حاول أن يتعلق بأي شيء يساعده على النجاة من الغرق بأي وسيلة ممكنة، وعندما تغيب المنظمة المؤسسة الوطنيّة الجامعة والقيادة والفصائل والاتحادات والنقابات والانتفاضة التي لها هدف واحد وتنظيم وجبهة وطنيّة، أي روافع سياسيّة وتنظيميّة واقتصاديّة ... ستكون الانتفاضة انتفاضة أفراد. وهي انتفاضة يأس أكثر ما هي انتفاضة أمل، بينما الانتفاضات الكبرى القادرة على الانتصار يحركها الأمل. وفي غمرة المواجهة تتبلور القيادة القادرة على إعادة الاعتبار للأمل، وتعيد الأمل وتثق بقدرة الإنسان الفلسطيني على الصمود حتى يأتي وقت الانتصار.
بدلًا من نعي الانتفاضة قبل أن تبدأ، ورفض شكلها المسلح بالمطلق، يجب على النخب والقيادات المساهمة في توفير شروط انتصارها ومنع تحوّلها إلى فوضى، فأشكال النضال لا تتوقف على طرف وحده، فعندما يرتكب الاحتلال كل أنواع الجرائم بمعدلات غير مسبوقة وتغدو العنصريّة قانونًا بما لا يدع مكانًا للفلسطيني على أرض وطنه؛ لا يمكن استبعاد المقاومة المسلحة بشكل كامل.
كما يجب الشروع في حوار وطني يبدأ بتحديد هل الفلسطينيون بحاجة إلى انتفاضة أم لا، أم إلى التخلي عن التزامات أوسلو بصورة فوريّة كاملة أو بالتدريج؟ وإذا كان الجواب نعم كما تشير مختلف المؤشرات، يصبح الحوار حول الأشكال المناسبة والمدى الزمني الذي تستمر فيه، والهدف الذي تسعى لتحقيقه، أي توفير شروط انتصارها حتى لا تكون إذا اندلعت - وحتمًا ستندلع عاجلًا أم آجلا - مجرد صفحة مجد جديدة.
بالرغم من كل ما سبق، نلاحظ أن الارتباك يظهر على الحكومة الإسرائيليّة جراء الخسائر الناجمة عن المقاومة، وتتفاقم الخلافات في إسرائيل حول تقييم ما يجري وكيفيّة التعامل معه، حتى لا يكبر ويغدو انتفاضة عارمة شاملة. فقد وصلت الخشية من "الانتفاضة" المقدسيّة إلى حد لوم الحكومة وسياساتها المتطرفة والعنصريّة الزاعمة بتوحيد القدس، فيما تبدو هي الآن مقسّمة أكثر من أي وقت مضى. كما أن هناك خشية في إسرائيل من استمرار الانتفاضة وتصاعدها ومن تداعياتها العربيّة والإسلاميّة والدوليّة، لأن قضيّة فلسطين والقدس في قلبها توحّد العرب والمسلمين والأحرار المتضامنين مع القضيّة الفلسطينيّة التحرريّة العادلة.
إن تفجر الصراع بالقدس يمكن أن يخلط كل الأوراق والمعادلات القائمة، ويقلب الموقف ضد مصالح وأهداف إسرائيل ومن يدعمها، ويمكن أن يدفع الأمور نحو الفوضى بما يحقق الأهداف الإسرائيليّة. فهل نجرؤ على الاختيار الصحيح أم يقضي علينا الانقسام والخشية من المجابهة المفروضة؟.

كلمة الحياة الجديدة - وحدها عقلية الغيتو
بقلم: رئيس التحرير – الحياة
ما من شك ان عقلية " الغيتو" وحدها، هي التي لا تزال تتحكم بتصورات وسياسة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، لا تجاه الصراع الاسرائيلي الفلسطيني فحسب، وانما تجاه معنى اسرائيل بحد ذاته ايضا، والغيتو في الترجمة العربية هو المعزل السكاني، في منطقة جغرافية محددة، يعيش فيها عدد من البشر طوعا او كرها، واول المعازل اليهودية انشئت في بولندا عام 1941، غير ان الغيتو بالترجمة الصهيونية ان صح التعبير هو "القلعة" التي لا يمكن تحصينها وضمان وحدة اصحابها، إلا بوجود عدو خارجي يهدد وجودها، وبهذا المعنى هي معزل عنصري طوعي، لا يمكن له العيش دونما تخليق العدو الخارجي كيفما كان وبأي طريقة كانت ...!!
والحق لطالما برعت اسرائيل في الماضي في هذه الفبركة، وفي ترويج ذرائعها ومزاعمها، ولطالما كان العالم يصدقها، غير ان هذا الامر قد انتهى الان والى حد كبير بعدما تكشفت حقيقتها، الرافضة للسلام العادل والممكن خاصة مع تحكم اليمين المتطرف، اليمين الاستيطاني الذي يقوده بنيامين نتنياهو بسياستها.
وبالطبع فإن ما كشف هذه الاسرائيل، على حقيقتها هذه، هو هجوم السلام الفلسطيني الذي بات يحظى بكل المصداقية على الساحة الدولية وفي مختلف محافلها ودوائرها ومنابرها، من الامم المتحدة، وحتى البرلمانات الاوروبية التي قالت نعم لدولة فلسطين، وهي " نعم" في طور التزايد والوضوح الفعال وعلى اكثر من صعيد.
انه الهجوم الذي وضع رئيس الحكومة الاسرائيلية في الزاوية الحرجة تماما، وعليه وبحكم عقلية الغيتو فانه لا بد من تخليق العدو الخارجي للخروج من هذه الزاوية المأزق التي باتت تضيق أكثر وأكثر، فذهب نتنياهو اول مرة الى محاولة تصوير ايران ( بحكم مشروعها النووي ) عدوا لا بد من مجابهته بالتحالف الدولي، الاميركي الاوروبي، بصفة خاصة دفاعا عن "قلعة الديمقراطية" الوحيدة في الشرق الاوسط، وفي السياق كان نتنياهو وللتهرب من عميلة السلام وشروطها الموضوعية يعمل على تصعيد التحريض ضد الرئيس ابو مازن بالقول إنه لم يعد الشريك المناسب في عملية السلام، وبكونه "ارهابيا" سياسيا بالغ الخطورة يحمل بين كلماته اعنف المتفجرات التي يمكن ان تنسف الامن والاستقرار في العالم كله..!! لكن نتنياهو فشل اليوم في محاولته جعل ايران ذلك العدو الخارجي بعد ان خذله اصدقاؤه في الكونغرس الاميركي، لترفض الولايات المتحدة تشديد العقوبات على طهران، وهذا يعني انكشاف "القلعة" بغياب العدو الخارجي، لكن في جعبة الحاوي "عدوا" جاهزا هو الرئيس ابو مازن ولهذا تصاعدت في الاونة الاخيرة حملة التحريض الاسرائيلية ضده، حتى ان الحماقة الغيتوية، ان صح التعبير، اعتبرت حوادث الدهس المرورية في القدس المحتلة عمليات قادها الرئيس ابو مازن، وبدرجة اقل حماقة اعتبرت "تحريضات" ابو مازن على العنف هي التي قادت الى هذه العمليات، دون ان ترى ان العالم كله يشاهد يوميا الانتهاكات الاسرائيلية العنيفة للمسجد الاقصى، هذه الانتهاكات التي وحدها مع الشره الاستيطاني هي من يقف وراء كل هذا العنف المتصاعد في المدينة المقدسة وفي مختلف مناطق الضفة الغربية.
لم تعد هذه الفرية قادرة على انتاج ما تريد من مواقف واصطفافات، والعالم اليوم اكثر تصديقا للخطاب الفلسطيني، وبما يعني انه لم يعد يصدق كثيرا فبركات الغيتو الاسرائيلية.
اخيرا لا بد من القول ان الفلسطينيين الذين عاش اليهود بين ظهرانيهم يوم لم تكن هناك اسرائيل، لم يعرفوا "المعزل " ولا باي معنى من المعاني، بل اعطوا المكان الذي كان يعيش فيه اليهود، الاسم الذي يحبونه والذي يدل على العيش الامن المشترك وهو الحارة، والحارة ابنة المدينة لا غريبتها، فهل يعي نتنياهو هذا المعنى ويعود اليه، لنصنع حارة السلام الذي لا يزال ممكنا ..؟؟
مدارات - تشاك هيغل وحكاية استثنائية
بقلم: عدلي صادق – الحياة
أراده الصهيونيون صافياً وموالياً خالصاً. لم يقصر الرجل في اظهار انحيازه لهم. ولكن ماذا عن هواجسه حتى فيما هو نائم، فما بالنا حين يكون تشاك هيغل، قد سجل على نفسه، بعض غمغمات يحسبها عليه الصهيونيون، نوعاً مما يسمونه «العداء للسامية»؟
بدأت المسألة بالنميمة. فقد كتبت صحيفة «ديلي تلغراف» في العام 2006 أن هيغل تبرم من اللوبي اليهودي، أثناء لقاء مع ديفيد ميلر، الديبلوماسي الاميركي المختص في قضايا الشرق الأوسطـ، وقال أنا لست سيناتوراً اسرائيلياً، وانما أميركي. يومها أجاب هيغل مدافعاً عن نفسه فقال:«لم أقصد اللوبي اليهودي، وانما قصدت اللوبي الاسرائيلي». لكن لجنة العلاقات اليهودية الاميركية «آيباك» رصدته وراجعت تاريخ سلوكه بأثر رجعي، فعثرت على موقف آخر في العام 1999 يؤكد على ما زعمه الصهيونيون، حول ما يسمونه «العداء للسامية». كانوا في تلك السنة، يجمعون تواقيع من أعضاء مجلس الشيوخ، على رسالة موجهة الى الرئيس الروسي (آنذاك) بوريس يلتسين، تتهدده بقطع المساعدات الأميركية لروسيا، ما لم تواجه الحكومة ما يسمونه موجة العداء المتصاعدة ضد «الساميّة». وكان تشاك هيغل هو السيناتور الأميركي الوحيد الذي رفض التوقيع. يومها لم يجد ما يفسر به موقفه، سوى القول ان سياستي الخاصة، تُملي عليَّ عدم التوقيع على رسائل موجهة الى رؤساء دول أجنبية. لكنهم أجبروه على كتابة رسالة الى الرئيس بيل كلينتون، يقول فيها «ان العداء للسامية، فضلاً عن أي شكل من أشكال الاضطهاد الديني أمرٌ بغيض»!
ولم تنته الحكاية فصولاً. فقد هجم عليه الجمهوريون، ووسائل الاعلام الموالية لهم، بسبب معارضته للعقوبات المفروضة على ايران، ودعوته الى حوار معها ومع حركة «حماس» الفلسطينية، التي يرفض الأميركيون والاسرائيليون اجراء مباحثات مباشرة معها. وفي هذا السياق، باتت بعض مواقف هيغل، موضوعات نقاشات ساخنة في مجلس الشيوخ. فهو مع الاستقطاعات من موازنة الدفاع، وضد أية ضربة استباقية لايران، ومع فتح حوار مع «حزب الله». لم يسعفه أثناء الهجوم، سوى نتائج استطلاع رأي، أجرته احدى المؤسسات المهة، جاء فيها ان معظم المستطلعة آراؤهم، يرون في مواقف هيغل ما ينسجم مع الاتجاه العام للتفكير، الأميركي المتخفف من الضغوط اليهودية.
بعدها، أدلت منظمات حقوق انسان أميركية، بدلوها في الهجمة على هيغل، والسبب محترم جداً من وجهة نظر الآدميين. فقد تسرب تسجيل للنقاشات الداخلية في مجلس الشيوخ، كان هيغل يعارض فيها بقوة تعيين شاذ جنسياً، سفيراً للولايات المتحدة في لوكسمبورغ. فقد استثيرت هذه المنظمات «الحنونة» صديقة الصهيونية، لأن هيغل قال بالحرف: ان هذا المرشح للسفارة، شخص لوطي بطريقة واضحة و»هجومية». طالبوه بالاعتذار، وكتب ضده رئيس الكتلة البرلمانية للجمهوريين، فرفض. ولما تأكد هيغل بعد أربع سنوات، من اقلاع السفير عن شذوذه، اعتذر له نزولاً على الضغوط.
توالت المواقف وردود الأفعال عليها، فأصبح هيغل مثيراً للجدال في كل أمر، وذلك كله قبل أن يصبح الرجل وزيراً للدفاع خلفاً لليون بانيتا في فبراير من العام الماضي. فقد صوَّت مجلس الشيوخ لصالحه بفارق ضئيل. لكن هيغل ظل على دأبه، وله في كل عرس قرص، على النحو الذي أربك أوباما، فوق ما هو مرتبك. ضغط عليه الأخير، ودفعه للاستقالة في يوم الاثنين، فقبلها أوباما اليوم، شاكراً له خدمته. أجابه تشاك هيغل: «عليك أن تعلم، أنني لم اتخذ هذا القرار بسهولة، وانما بعد نقاش عميق وطويل. فأنت وأنا، بتنا على يقين، بأن هذا هو الوقت الصحيح لمجيء قيادة جديدة، على الأقل هنا في البنتاغون»!

نبض الحياة - دروس سجن رامون
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
شهد سجن رامون الاسرائيلي مواجهات محتدمة بين قوات سلطة السجون واسرى الحرية صباح الاثنين الماضي، عندما قامت قوات حرس السجون وقوات «اليماز» او الوحدات الخاصة بتصعيد اجراءاتها العدوانية تجاه الاسرى، واقتحامها اقسام السجن والعبث بمحتويات الاسرى، وتخريب الادوات الكهربائية، اثناء وجودهم في «الفورة»، نتج عن ذلك وقوع اصابات عدة بين المعتقلين.
معتقل رامون يشهد منذ قرابة ثلاثة اشهر حملة تصعيد وانتهاكات من قبل ادارة السجن، التي تقوم بشكل غير مسبوق بحملات تفتيش للاقسام، وعمليات استفزاز للاسرى، فضلا عن انها ترفض الاستجابة الى مطالبهم الانسانية والمشروعة في انتظام زيارات ذويهم كل اسبوعين مرة، وتأمين الكنتينة لتعويض النقص في وجبات السجون البائسة. الامر الذي اثار حالة سخط وغليان في اوساط السجن. فجاءت عملية الاقتحام للاقسام من قبل جنود سلطات السجون والوحدات الخاصة لتعيد طرح قضية اسرى الحرية، وتتجاوز الموضوع المطلبي، وتجدد فتح البعد السياسي.
بعيدا عن التفاصيل المطلبية لكل ابطال الحرية في سجون الاحتلال الاسرائيلية، لانها على اهميتها وضرورتها، تبقى ناقصة وقضية جزئية، وتحتاج الى اضفاء البعد السياسي على قضيتهم. وتحتم على دولة الابرتهايد الاسرائيلية التوقف كليا عن الآتي: اولا: اسباغ صفة اسرى الحرب على الاسرى الفلسطينيين، وفق المواثيق والاعراف الدولية؛ ثانيا: التوقف عن استخدام مصطلح «الارهاب» ضدهم؛ ثالثا: اقرار حقوقهم المدنية والسياسية؛ رابعا: الغاء قانون الاعتقال الاداري فورا، لانه قانون يتناقض مع المواثيق والاعراف الدولية وخاصة اتفاقيات جنيف الاربع وتحديدا الاولى لعام 1949؛ خامسا: الافراج الفوري عن كل الاطفال والنساء والمرضى والمعتقلين الاداريين؛ سادسا: اعادة النظر في قوانين الاعتقال الاسرائيلية بما يستجيب مع الاعراف والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان.
بالتأكيد قضية جنرالات الاسر مرتبطة بالحل السياسي للمسألة الفلسطينية. ولن تجد طريقها للحل الجذري الا ارتباطا بحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. الامر الذي يفرض ادراج قضيتهم كأحد الملفات الاساسية في المفاوضات مع قيادة دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية، هذا اذا قبلت الالتزام بخيار حل الدولتين، والاستعداد لان تكون شريكا في صناعة خيار السلام.
ما جرى في سجن رامون سيتكرر بشكل دوري ضد الاسرى الابطال في كل السجون الاسرائيلية ما لم يكن هناك :اولا: جهد وطني جامع للوقوف خلفهم في كفاحهم البطولي ضد سياسات سلطات الاحتلال الاسرائيلية عموما وسلطة السجون خصوصا؛ ثانيا: طرح قضيتهم في كل المنابر والمحافل العربية والاقليمية والدولية؛ ثالثا: اطلاق فعاليات وانشطة في كل الساحات الاممية، ودفعها في مقدمة القضايا السياسية باعتبارها قضية رأي عام دولي للضغط على دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية، وارغامها على التعامل معهم كأسرى حرب، ووفق ما جاء اعلاه؛ رابعا: كل ما تقدم، لا ينتقص من النضال المطلبي المشروع الجاري حاليا في مختلف السجون.
مرة جديدة تدعو الضرورة الى توحيد جهود ونضالات اسرى الحرية انفسهم اولا وقبل كل شيء على برنامج عمل موحد، يوحد اضراباتهم، ويوحد وجهات نظرهم على قواسم وطنية ومطلبية مشتركة، وابعاد شبح الانقسام عنهم، لاسيما ان المصلحة الخاصة والعامة واحدة، والعدو واحد. فهل يراجع اسرى الحرية تجربتهم، ويعيدون النظر في كل الاخطاء والمثالب المعطلة لوحدتهم، ويستفيدون من دورس وعبر تجربتهم نفسها؟ الكرة في مرماهم، ومرمى القوى السياسية، التي ينتمون لها.

حواديت - المحامي وصديقه اللدود
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
تجربة المخرج والسياسي الاميركي الساخر «هورويتز» في جامعة كاليفورنيا، التي تعد واحدة من أهم الجامعات الاميركية، فريدة من نوعها، حمل المخرج الساخر علم «داعش» ودخل به إلى باحات الجامعة، أخذ يلوح بالعلم وهو يصيح بأن الولايات المتحدة وليست داعش هي المسؤولة عن القتل في جميع أنحاء العالم، ويد اميركا ملطخة بدم الشرق الأوسط، رد فعل الطلبة لم يكن سلبياً كما كان متوقعاً، بل اتسم بعدم المبالاة مع بعض التعليقات الإيجابية، من ضمنها أن اقترب منه أحد الطلبة ليقول له «أتمنى لك حظاً سعيداً، عاد السياسي الساخر إلى الجامعة ذاتها ملوحاً بعلم إسرائيل، استقبال الطلبة له أيضاً هذه المرة جاء أيضاً خلاف ما توقع، ردود الأفعال جاءت حادة، ما بين اللعنة على اسرائيل ومن قال له صراحة أنتم قتلة الأطفال، فيما اقترب منه أحد المارة ليصرخ في وجهه «هذا العلم الذي تلوح به يمثل الابادة الجماعية النفسية لهذا الكوكب.
لا أعرف إن كان رئيس حكومة الاحتلال قد سمع بتجربة المخرج الاميركي الساخر، قد يتطلب أن يجلس مع صديقه أوباما ليطلعا سوياً على تفاصيلها، يمثل اللقاء فرصة سانحة لأن يعاتب كل منهما الآخر، يمكن للسيد أوباما أن يحمل نتانياهو وسياسته الخرقاء المسؤولية عن ذلك، حيث سبق له أن نصحه مراراً بضرورة لجم حكومته دون أن يستمع إليه ولو لمرة واحدة، سيجدها أوباما فرصته ليعيد على مسامع ضيفه مقتطفات من خطابه الشهير في جامعة القاهرة وموعظته التي ألقاها أمام الطلبة الإسرائيليين في «مباني الأمة»، لكنه قبل أن ينهي عتابه لصديقه اللدود «نتانياهو» سيؤكد مرة تلو الأخرى بأن إدارته ملزمة بالدفاع عن إسرائيل في كل المحافل، وأنه يتفهم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بكل قوة.
بعد أن يؤكد نتانياهو لصديقه أوباما على عمق العلاقة التي تربط بلديهما، ويقدم له شكره على المواقف الجادة للإدارة الاميركية في الدفاع عن سياسة حكومته، سيجدها فرصة للتنوية إلى تنامي اللاسامية في العالم، وسيؤكد على قلقه من تواجد من يروج لها داخل جامعة كاليفورنيا المرموقة، وهذا يتطلب تحركاً جاداً من قبل الإدارة الاميركية لملاحقة هؤلاء وجلبهم للعدالة، وقبل أن ينهي عتابه لا بد وأن يعيد على مسامع مضيفه الأفرع الأخرى التي تشارك داعش في الشجرة السامة «حسب تعبيره»، سيعقب اللقاء مؤتمراً صحفياً يؤكدان فيه على أن اللقاء كان إيجابياً وبناءً وأنه تم الإتفاق خلاله على مواصلة حربهما ضد الإرهاب، وبطبيعة الحال لن يتم التطرق إلى تجربة السياسي الساخر من قريب أو بعيد.
يمكن لرئيس حكومة الاحتلال أن يواصل صم آذانه وإغلاق عينيه، ويمكن للسيد أوباما مواصلة لعب دور المحامي عن السياسة الإسرائيلية،لكن ذلك لن يوقف التنامي المتواصل الذي يرى في إسرائيل الراعي الأكبر للإرهاب في العالم.