تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المقالات في الصحف المحلية 230



Haneen
2014-12-18, 10:59 AM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (230)





</tbody>

<tbody>
المقالات في الصحف المحلية




</tbody>

<tbody>

السبت
4/ 1 /2014



</tbody>

<tbody>




</tbody>





الحد الأدنى من الثوابت الفلسطينية
بقلم: حديث القدس – القدس
من كييف إلى فولغوغراد!
بقلم: عريب الرنتاوي – القدس
زيارة العرب والمسلمين القدس - دعم لصمود المقدسيين
بقلم: المحامي راجح أبو عصب - القدس
معادلة.. ما بين تقسيم وتقسيم!!
بقلم: حمدي فراج – القدس
أمل وحرية بحجم السماء
بقلم: المحامي جواد بولس – القدس
عام يمضي ... وعام يأتي ..ويا عين لا تحزني !
بقلم: عزام توفيق ابو السعود – القدس


تجليس لسان عربي.. مطعوج!
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
2014: عام الحراك السياسي الفلسطيني
بقلم: رجب أبو سرية – الايام
لم يتعلموا شيئاً!!
بقلم: محمد ياغي – الايام
2013: العرب بين عامين
بقلم: هاني عوكل – الايام
الإطار ومرجعيات الـتـفــاوض!
بقلم: سميح شبيب – الايام


تغريدة الصباح -محمد الفيتوري.. ولا قمر في الغياب
بقلم: عدلي صادق – الحياة
تحديات العام الجديد - 4- الأسرى... والشتات
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
قطاع غزة على بركة من "القاذورات" و"المجاري": الى متى؟
بقلم: د. اسعد عبد الرحمن - الحياة
غزة تواصل الرسائل المفحمة
بقلم: يحيى رباح – الحياة















الحد الأدنى من الثوابت الفلسطينية
بقلم: حديث القدس – القدس
وصل وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المنطقة أمس وفي جعبته، كما يتردد، إطار عام لاتفاق قد يختلف المراقبون في تسميته لكنه في الأساس مجموعة من المبادىء التي ستحكم صياغة أي تسوية نهائية للصراع الفلسطيني- الاسرائيلي. ومهما قيل حول حيادية الإطار الجديد، فهو سيميل حتما لصالح اسرائيل لأنه سيعطيها مزايا لم تكن لتحصل عليها لولا احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967، وكان المفروض أن تتم مساءلتها على هذا الاحتلال، وعلى معاناة الشعب الفلسطيني من ممارساتها طيلة ما يزيد عن ستة وأربعين عاما.
والمطالب الفلسطينية التي تم عرضها خلال المحادثات المتقطعة التي جرت بين الجانبين خلال العشرين عاما الماضية- أي بعد إعلان أوسلو- لا تتطلب تنازلات من اسرائيل- وفقا لما تدعيه المصادر الاسرائيلية- وإنما هي الحد الأدنى من الثوابت الفلسطينية التي لا يمكن لأي مسؤول فلسطيني القبول بخفض سقفها. ولا يجب أن ينسى أحد أن جوهر الأزمة والصراع كله يتمثل في تجاوز اسرائيل لقرار التقسيم الصادر عام 1947 عن الأمم المتحدة، والذي نص على إقامة دولتين إحداهما عربية والأخرى يهودية في حدود فلسطين التاريخية، وأن تقسم مساحة فلسطين الانتدابية مناصفة بين الدولتين.
والذريعة التي استندت إليها اسرائيل في رفض الامتثال للمساحات المحددة في قرار التقسيم، أي مبدأ المناصفة، هي هجوم الجيوش العربية عليها عام 1948، مع أن عملياتها العسكرية كانت قد تجاوزت حدود التقسيم قبل دخول الجيوش العربية، واحتلت قواتها ما يزيد عن ثلاثة أرباع مساحة فلسطين التاريخية خلال حرب 1948 وبعد الهدنة مع الدول العربية. فالقضية لم تكن في أساسها قبول اسرائيل بقرار التقسيم ورفض العرب له حيث أن اسرائيل لم تقبل هذا القرار إلا من باب اكتساب شرعية دولية، ثم التوسع وفقا لمخططات محددة لابتلاع فلسطين التاريخية كلها، وهذا ما تم لاسرائيل خلال حرب 1967.
ومن منطلق انعدام التوازن في القوى بين اسرائيل وحلفائها من جهة، والشعب الفلسطيني ومؤيديه من الناحية السياسية وليس المادية من الجهة الأخرى،وسعيا وراء السلام العادل الذي طالب به المجتمع الدولي، قبل الجانب الفلسطيني المفاوضات كخيار سلمي استراتيجي لتسوية الصراع.
وكانت المطالب الفلسطينية التي دعمتها الشرعية الدولية لا تزيد عن إقامة دولة مستقلة في حدود 1967، بما فيها القدس ذات الأهمية الحضارية والروحية والسياسية البالغة للشعب الفلسطيني والعالم العربي والإسلامي عامة، والتي ظلت عاصمة فلسطين التاريخية عبر العصور، وتصفية الاستيطان وحل قضية اللاجئين وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194.
والآن فإن الحكومة الاسرائيلية تتقدم بشروط تعجيزية هدفها إفشال المفاوضات وإجهاض العملية السلمية. فمن ذلك المطالبة باعتراف فلسطيني بيهودية دولة اسرائيل، وهذا اشتراط لا يستقيم مع كل الأعراف والقوانين الدولية، لأن اسرائيل تستطيع تعريف نفسها كما تشاء دون الحاجة لاعتراف فلسطيني بالصفة التي تنسبها لنفسها، شريطة تحقيق المساواة الكاملة في الحقوق لجميع مواطنيها، مهما احتلفت دياناتهم وأعراقهم رتوجهاتهم السياسية.
أما الغور الذي ترتفع الأصوات المتطرفة في اسرائيل للاستمرار في احتلاله، فهو جزء لا يتجزأ من فلسطين في حدود 1967، وهو صلة الوصل بين فلسطين والأردن الشقيق. وهو فضلا عن ذلك مصدر الموارد المعدنية وسلة الغذاء للشعب الفلسطيني. ولم تعد له أهمية استراتيجية لأمن اسرائيل كما يدعي متطرفوها، لأن التطورات العسكرية الدولية ألغت ما كان يسمى بالعمق الأرضي الاستراتيجي ودوره في الحروب المعاصرة.
فما يطالب به الفلسطينيون حاليا هو الحد الأدني من الثوابت التي أعلنوها أصلا، وليس هناك مجال لخفضها أو التفريط فيها. وهذا ما يتوجب على المفاوض الاسرائيلي والراعي الأميركي إدراكه، والتصرف بمقتضاه في المفاوضات الراهنة وما قد يترتب عنها من نتائج.

من كييف إلى فولغوغراد!
بقلم: عريب الرنتاوي – القدس
ودعت روسيا العام 2013 بهجوم إرهابي مزدوج استهدف الكرملين قبل أن يستهدف فولغوغراد، الهجوم يحمل بصمات "الجهاديين" ورعاتهم الإقليميين، هؤلاء على خصومة دائمة مع روسيا، بعد الحرب الباردة وقبلها وأثناءها، وزاد طين هذه الخصومة بلّة، تطورات الأزمة السورية، وما ترتب عليها من اتساع فجوة الخلاف والتأزم في العلاقة بين الجانبين.
قبل الاعتداء الإرهابي على فولغوغراد، كانت "كييف" ساحة أخرى لتصفيات الحسابات بين الكرملين والغرب، على خلفية التجاذب بين المعسكرين حول أوكرانيا ... كسب الكرملين الرهان وأمكن له استعادة "الحليف الاستراتيجي" بكلفة باهظة، جاوزت الخمسة عشر مليار دولار.
نصر الكرملين في أوكرانيا، لا يعني كسب الحرب عليها ... هي جولة ستتبعها جولات أخرى، فثمة أطراف دولية لا ترغب في عودة "الدب الروسي" ولا في اقترابه من المياه الدافئة، وهي استمرأت نظام القطب الواحد، ولا تريد العودة للتعددية القطبية، ومرة أخرى كانت سوريا معملا ًكبيراً لـ "تظهير" الأدوار والمعسكرات والنظام الدولي الآخذ في التشكل.
أما معركة روسيا مع "السلفية الجهادية" ورعاتها فليست جديدة، وقيصر روسيا نفسه خبر بعض فصولها في تسعينيات القرن الفائت في غروزني، يوم نجح الجهاديون في السيطرة على الحركة الاستقلالية الشيشانية، وحرفوا مجرى النضال الاستقلالي للشيشان عن مجراه الطبيعي، وفقدوا دعم العالم واحتضان المجتمع الدولي، تماماً مثلما يحصل اليوم مع المعارضة السورية المختطفة، وثورة الشعب السوري المغدورة ... الأرجح أن هذه المعركة ستعود بقوة في السنوات القادمة، وهذا ما يفسر القول المتكرر للقادة الروس بأنهم اتخذوا من سوريا، خط دفاع أول عن الجمهوريات الإسلامية المحيطة بهم أو المنضوية تحت لواء سيادتهم، وهذه المعركة التي ستنتصر فيها روسيا في نهاية المطاف، بيد أنها ستكون معركة مكلفة وصعبة وطويلة من دون شك.
القاسم المشترك بين "الجبهتين" المفتوحتين على روسيا، أو اللتين فتحتهما روسيا على نفسها كما يقول خصومها (لا فرق)، هو الضيق بالدور الدولي الصاعد لروسيا، خصوصاً في الشرق الأوسط ... هذا الدور يزعج لأسباب مختلفة، أطرافاً عديدة، وهي تتعامل معه بوسائل وأدوات مختلفة بالضرورة، لكن ما يهمنا في هذا المقام، تلك الأطراف المتورطة بقضايا المنطقة وصراعاتها المذهبية والإيديولوجية المتفجرة.
يخطئ من يعتقد أن تفجيراً إرهابياً أو أكثر سوف يثني دولة مثل روسيا وبحجمها عن المواقف والسياسات التي تتبعها في الإقليم، وتحديداً في سوريا ... العكس بالضبط، هو ما يمكن أن يحدث، وأغلب الظن أن روسيا ستصعد من وتيرة مناهضتها لهذه الأطراف والقوى الإقليمية التي تمد لها يد العون، تمويلاً وتسليحاً وتحريضاً وتسهيلات ... الأرجح أن معركة روسيا في سوريا، باتت تندمج أكثر فأكثر بحسابات أمنها القومي والإقليمي.
أما الغرب، غير المرتاح أبداً لصعود القوة الروسية، فلا يمكن له أن يكون شريكاً أو متواطئاً أو حتى صامتاً حيال الإرهاب الذي يضرب روسيا، فالغرب الذي تابع باهتمام الهجمات على فولغوغراد، يتحسب لليوم الذي ستبدأ فيه تفجيرات مماثلة، بهز أركان أمن مدنه وسلامة مواطنيه، وهذه نقطة تحسب، يزداد وزنها باطراد في حسابات الأمن الأوروبي والأمريكي، وتلقي بظلالها الكثيفة على مواقف هذه الدول ومواقعها من الأزمة السورية.
وفي ظني أن أحداث "فولغوغراد" ستعمل في الاتجاه المعاكس لما أراده مخططوها ومنفذوها، وأنها ستزيد حالة التقارب بين روسيا والغرب في سوريا وحولها، حتى وإن شذت عن ذلك بعض العواصم الغربية (باريس مثلاً) المنشغلة بمبيعات السلاح والفرقاطات والمفاعلات النووية، وتمجيد أكثر الأنظمة شمولية وتطرفاً ... وقد لا يمضي وقت طويل، قبل أن ينقلب السحر على الساحر، ونرى خسائر روسيا في "فولغوغراد" قد تحوّلت إلى مكاسب إضافية لموسكو على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط، وربما على ضفتي الخليج العربي.

زيارة العرب والمسلمين القدس - دعم لصمود المقدسيين
بقلم: المحامي راجح أبو عصب - القدس
ثار قبل مدة ليست وجيزة خلاف بين علماء مسلمين حول شرعية زيارة المسجد الأقصى ومدينة القدس، فهناك من عارض هذه الزيارة بذريعة أن المدينة المقدسة تحت الإحتلال وأن زيارتها ومسجدها الأقصى تعد تطبيعا مع إسرائيل واعترافا بما قامت به من ضم القدس الشرقية الى القدس الغربية وتوحيدهما بادعاء أن القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل، وهناك من أيد زيارة القدس ومسجدها الأقصى المبارك باعتبار تلك الزيارة دعماً للمقدسيين ولصمودهم وتثبيت لهم في مدينتهم المقدسة، وكذلك محافظة على الطابع العربي الإسلامي للمدينة وحماية للمسجد الأقصى من مخططات المتطرفين اليهود الذين يدعون الى هدمه وإقامة الهيكل مكانه.
وكان الرئيس محمود عباس أول الداعين للعرب والمسلمين إلى زيارة القدس والمسجد الأقصى المبارك بصفة خاصة والضفة الغربية بصفة عامة لإن ذلك دعما للشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، وقبل ذلك كله في القدس، وفي كل المؤتمرات التي عقدت على مستوى القمة سواء كانت عربية أو إسلامية فإن الرئيس كان يدعو قادة الدول العربية والإسلامية للسماح لشعوبهم ومواطنيهم بزيارة فلسطين والقدس ومسجدها الأقصى، وكنيسة القيامة وغيرها من المقدسات في المدينة المقدسة، كما أنه كان يدعو علماء الأمة الى الإفتاء بزيارة القدس والمسجد الأقصى.
والتقى الرئيس شخصيا العديد من علماء الأمة الإسلامية ودعاهم إلى زيارة القدس ومن بين الذين دعاهم الرئيس مؤخرا لزيارة القدس والمسجد الأقصى الشيخ الدكتور أحمد كريمة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر وهو من علماء الأزهر المشهود لهم بالتضلع بالفقه الإسلامي، وهو ضيف دائم على العديد من القنوات الفضائية المصرية العامة والخاصة، وقد استجاب الشيخ الجليل لدعوة الرئيس عباس لزيارة القدس ومسجدها الأقصى، وقد كتب يوم السبت الماضي مقالة في صحيفة "المصري اليوم" القاهرية بعنوان "مشروعية زيارة المسجد الأقصى وفلسطين "بيّن فيها بجلاء ووضوح رأي الشريعة الإسلامية في زيارة القدس ومسجدها الأقصى بصفة خاصة وفلسطين بصورة عامة هذه الأيام.
ومقال الشيخ الدكتور أحمد كريمة هو الذي دعا الى كتابة هذا المقال وإثارة القضية مجدداً بعد أن هدأت العاصفة التي أثيرت حولها قبل فترة من الزمن، ونحن لا ندعي أننا ممن يحق لهم اصدار الفتاوى في الأمور الشرعية ولكننا نعرض لرأي علماء دين مختصين بإصدار الفتاوى والأحكام الشرعية ومعلوم أن اختلاف علماء الأمة الإسلامية من رحمة الله بهذه الأمة، كما قال رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم – والأخذ برأي بعض العلماء الذين أباحوا زيارة القدس ومسجدها الأقصى وكذلك فلسطين لا يعني خروجا على الشريعة ولا ارتكاب محظور من محظوراتها، ونذكر بمقالة الإمام الشافعي رضي الله عنه في هذا المجال "رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
وهنا نسوق الأدلة الشرعية التي اعتمد عليها الشيخ الدكتور أحمد كريمة في إباحته بمشروعية زيارة المسجد الأقصى وفلسطين كما أوردها في مقالته حيث قال "إن الأصل في الأشياء الإباحة مالم يرد دليل معتمد معتبر، ومسألة زيارة أماكنهم في غير حكم المسلمين فلا مانع من حيث لا مانع حتى ولو كانت تحت الإحتلال. وزيارة المسجد الأقصى والقدس الشريف ومزارات أخرى ومعالم دينية لا حرج في القدوم إليها وإن كانت تحت حكم غير المسلمين لأن هذا لا يعد تطبيعاً، كما يتعلل الممانعون للزيارة لأن المعقول على فرض صحته لا يناهض المنصوص الشرعي، فزيارة السجين ليست رضا أو مودة لسجّانه .
وقد أورد الدكتور الشيخ كريمة أدلة نصيّة وعقلية على مشروعية زيارة فلسطين بما فيها من مزارات من ذلك الحديث الذي أخرجه الشيخان البخاري ومسلم بسندهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى"، وأضاف الشيخ معقبا على هذا الحديث الشريف بأن وجه الدلالة فيه جعل الشرع المطهر المسجد الأقصى أحد ثلاثة مساجد تشد إليها الرحال.
أما الدليل الثاني الذي ساقه الشيخ كريمة فهو حدوث معجزة الإسراء بدءاً من مكة المكرمة وهي تحت السيطرة القرشية الوثنية والمعراج والقدس تحت الحكم الروماني، فبذلك يرى الشيخ الجليل أنه لا مانع من زيارة المزارات والمقدسات الاسلامية إذا لم تكن تحت حكم المسلمين المباشر، ويستدل على ذلك بمعجزة الإسراء التي بدأت من المسجد الحرام في مكة المكرمة وكان وقتها تحت سيطرة قبيلة قريش التي كانت تعبد الأوثان والأصنام، كما يستدل بإباحة الزيارة بمعجزة المعراج حيث عرج برسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم من المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى، وكان المسجد الأقصى يومذاك تحت حكم الرومان، الذين لم يكونوا مسلمين.
وأما الدليل الشرعي الثالث الذي يورده الشيخ الدكتور كريمة فهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم – أدى عمرة القضاء في شهر ذي القعدة من السنة السابعة الهجرية، ومكة والمسجد الحرام كانا تحت سيطرة قريش المشركة عابدة الأصنام، وكان الدليل الشرعي الرابع زيارة مسلمين من الصحابة الأخيار لمكة المكرمة وهي تحت السيطرة القرشية الشركية أي تحت هيمنة قبيلة قريش المشركة بالله، مثل زيارة عثمان بن عفان رضي الله عنه وقت صلح الحديبية، ويقول الشيخ أما عدم طواف عثمان رضي الله عنه بالبيت الحرام خلال تلك الزيارة فيعود تقديراً منه لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وللصحابة رضوان الله عليهم الذين أحصروا أي منعوا وقتها من زيارة المسجد الحرام.
والدليل الشرعي الخامس الذي يسوقه الشيخ أحمد كريمة في مشروعية زيارة فلسطين وأماكنها المقدسة هو أنه لما اجتاح القرامطة مكة المكرمة ونزعوا حجرها الأسود من مكانه لسنوات فإن المسلمين وقتذاك لم يمتنعوا عن أداء مناسك الحج والعمرة.
والدليل السادس الذي يذكره الشيخ كريمة هو أنه من المقرر شرعا أنه "إذا كانت المصلحة فتم شرع الله" أي أنه إذا وجدت المصلحة فهناك فيها شرع الله. ويضيف الشيخ قائلا "إن مؤازرة أهل فلسطين بالقدس وغيرها وتفقد أحوالهم كل ذلك مصالح شرعية معتبرة.
وفي الدليل السابع على مشروعية زيارة فلسطين ومقدساتها يقول الشيخ الجليل "الأصل في الأشياء الإباحة فلا مانع حيث لامانع وزيارة مقدسات الإسلام المسجد الأقصى ومعالم ومزارات كلها بركات، "سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير".
والدليل الثامن الذي يورده الشيخ كريمة كدليل على مشروعية زيارة القدس ومسجدها الأقصى وبقية الأراضي الفلسطينية هو قوله "معروف أنه لا يحرم على الناس شيء إلا بنص حاظر مانع من آية قرآنية محكمة أو سنة نبوية صحيحة أو إجماع معتبر معتمد.
وبناء على تلك الأدلة الثمانية التي تجعل زيارة فلسطين ومزاراتها الدينية اليوم مشروعة، وتأسيسا عليها يقول الشيخ كريمة "شد الرحال إلى المسجد الأقصى تشرفا وتبركا وزيارة معالم إسلامية مشروعة ومهمة ولا يعتد بآراء سياسية فاقدة لفقه المقاصد والواقع والأولويات ".
وقد أصاب الشيخ الجليل أحمد كريمة كبد الصواب عندما قال "إنه لا يعتد بآراء سياسية فاقدة لفقه المقاصد والوقائع والأولويات "ذلك أن الذين عارضوا ويعارضون زيارة العرب والمسلمين لفلسطين ومقدساتها إنما ينطلقون من منطلقات سياسية ولا يستندون على أدلة شرعية قاطعة كالتي ساقها الشيخ في تحليله لزيارة القدس ومسجدها الأقصى المبارك ومزارات فلسطين الدينية الأخرى.
وكان المرحوم الشيخ ابن باز مفتي المملكة العربية السابق قد أفتى بزيارة المسجد الأقصى حيث قال رحمه الله داعي السؤال "في ظل التفاهم بين العرب واليهود هل يجوز زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه خصوصا في حال الموافقة من الدول العربية؟ "فأجاب
رحمه الله زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه سنة إذا تيسر ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" متفق عليه.
وإذا كانت الدول العربية قد أعلنت أنه بما يخص القضية الفلسطينية فإنها تقبل بما يقبل به الفلسطينيون وإذا كان الرئيس محمود عباس قد دعا العرب والمسلمين الى زيارة فلسطين عامة والقدس والمسجد الأقصى خاصة ، فإن فتوى ابن باز رحمه الله تشرع زيارة المسجد الأقصى والقدس.
وكان مفتي جمهورية مصر العربية السابق الشيخ علي جمعة قد زار القدس وصلى في المسجد الأقصى، عندما كان يتسلم منصب الإفتاء في مصر، وذلك برفقة الأمير غازي بن محمد مستشار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للشؤون الدينية وقام بافتتاح كرسي الإمام الغزالي في المسجد الأقصى المبارك وذلك في الثامن عشر من شهر نيسان من عام 2012. كما زار المسجد الأقصى المبارك الداعية اليمني حبيب الجعفري في السابع من نيسان من عام 2012 أيضا.
وقد برر الشيخ الجعفري زيارته للقدس والصلاة في مسجدها الأقصى المبارك بقوله "إنه قام بالزيارة شوقا الى القبلة الأولى ومسرى الحبيب المصطفى واستجابة لدعوة الشيخ محمد حسين مفتي القدس والديار الفلسطينية لزيارة المسلمين المسجد الأقصى نصرة له ودفاعا عن قضيته.
ومما سبق يستدل على أن العديد من العلماء المسلمين ممن لهم باع طويل في الإفتاء أفتوا بجواز زيارة القدس والمسجد الأقصى المبارك وبقية المزارات الدينية في فلسطين باعتبار ذلك لا يتعارض ونصوص الشريعة الإسلامية السمحاء. ولذا فإن العرب والمسلمين مدعوون لزيارة القدس والمسجد الأقصى لأن في ذلك دعما لصمود المقدسيين وتثبيتا لهم في أرضهم ورفعا لمعنوياتهم ومساهمة في تحسين أوضاع المدينة المقدسة التي تعاني من كساد اقتصادي في كافة المجالات.
وفي ختام هذا المقال لا بد أن نشيد بفتوى الشيخ الدكتور أحمد كريمة وبتلبيته للدعوة الكريمة التي وجهها إليه مؤخراً الرئيس محمود عباس لزيارة القدس ومسجدها الأقصى بصورة خاصة وفلسطين بصورة عامة وسيكون هذا الشيخ الجليل موضوع ترحيب وتكريم من الشعب الفلسطيني وقيادته. والله الموفق

معادلة.. ما بين تقسيم وتقسيم!!
بقلم: حمدي فراج – القدس
ونحن نفتح احضاننا مع بدء العام الجديد ، سنذهب بعد ايام لاجترار احزاننا وتضميد جراح الوطن الكبير النازفة على كافة مصاريعها ، في تقويم ميلادي وقمري لا يريد ان ينهي وقع أحزانه على ابناء هذه الامة جيلا فجيل .
في هزيع السنة الاخير ، تقرر الدولة "الدفيئة" ، التي قرر النطاسي السياسي البريطاني ارثر جيمس بيلفور توليدها في عملية قيصرية قبل عشرة عقود ، تقرر ان تضم منطقة الاغوار اليها ، وهي التي تضاهي اهميتها وعمقها ومناخها وخيراتها ومياهها وبحرها ونهرها اهمية الدولة نفسها ، وكانت قبل ثلاثة عقود تقريبا قد قررت ضم هضبة الجولان السورية اليها ، وقبلها القدس بما تمثل للعرب الذين يناهز تعدادهم نصف مليار انسان ، وللمسلمين الذين تجاوزوا المليار بشحطتين .
اللاجئون يشعرون انهم يزدادون لجوءا جراء استكمال نسج فصول المؤامرة عليهم التي ابتدأت في المحافل العالمية حتى قبل ان يلجأوا ، وينتصب امامهم اليوم سيناريو مشهد لجوء جديد ومخيمات جديدة مثل الطيبة والطيرة وام الفحم .
لا يستطيع المرء تحت شعار اجتراح التفاؤل مع مطلع السنة الجديدة ، ان يقول "للجنازة دايمة" ، كي يثبت تفاؤله ، والحقيقة ان الجنازة غير مقتصرة على فلسطين التي ابتليت باحتلال عسكريتاري عنصري استثماري عالمي ، ولكنها في سوريا ومصر وليبيا وتونس والصومال والسودان ولبنان ، وقبل ذلك في العراق ، الذي تصادف هذه الايام ذكرى سبع سنوات على اعدام زعيمه صدام حسين ، وسط تصفيق خجل وبطيء من قبل نظرائه العرب ، وبعده ، بدأت الرقاع العربية تسقط بالجملة .
يسوق الكاتب الكبير حسنين هيكل ما تم الاتفاق عليه بين سايكس وبيكو وهما يقسمان الخريطة العربية وما اتفق على تسميته بينهما بخط "ما بين الكافين" ، حرف الكاف في كركوك وحرف الكاف في عكا ، بحيث يكون جنوب الخط ( فلسطين والخليج وجنوب العراق ووسطه ومصر والسودان ) من نصيب بريطانيا ، وشماله (سوريا ولبنان وتونس والمغرب والجزائر) من نصيب فرنسا . ولهذا ليس من سبيل الصدفة ان تعهد السعودية الى فرنسا بتسليح الجيش اللبناني بمبلغ ثلاث مليارت دولار ، ولربما ان كل الصفقة عبارة عن تقدير "نقدي كاش" للدور الذي لعبته فرنسا في تدمير سوريا وقبلها ليبيا .
اليوم اضيفت الى فرنسا وبريطانيا دولة اخرى تريد ان تعيد التقسيم كي يكون لها حصتها ودورها ، هذه الدولة هي امريكا ، ومعها ابنتها القاطنة في المنطقة ، ما لم نكف يدهم عن العبث في وطننا ، فلن يكون العام الجديد جميلا ولا سعيدا .

أمل وحرية بحجم السماء
بقلم: المحامي جواد بولس – القدس
وكأنّني في حلم، أجلس في بيتي وحيدًا. فجر القدس يفيض وجعًا سميكًا والسماء منبسطة، بعض الغيوم العالية كانت ترحل ببطء، لم أعرف وجهتها، تابعتها بعيون حيرى، وتمنّيت كالصغار أن أصير وردةً أو عصفورًا. على كنبتي، التي صارت بعد الخمسين حضنًا أليفًا أستعذب فيه الكسل، أمضيت وقتا في مشاهدة ما ينقله تلفزيون فلسطين من وقائع عملية الإفراج عمّا عرف بالدفعة الثالثة من أسرى فلسطين القدامى. حاولت بكل جوارحي أن أعيش تلك اللحظات، وأن أغضَّ الطرف عن بعض ممّا يستفز منطقي، وامتثالا لنزعة ورثتها عن آبائي حرمتني "نعمة" التملّق والمداهنة.
كاميرات تنقل فرح أمّهات/ زوجات/ بنات وأبناء، يعيشون على نبض لحظات يتدافعون كالفراش، ويرقصون كما في الحكايا للممكن الذي يبعث فيهم الأحمر لونًا لحياة كانت ناقصة ولأكثر من عقدين كانت لديهم بلا نكهة، جموع ستمارس اليوم طقوسًا غير رائجة يضبطها فقه الفقراء البسطاء؛ النصر صبر دهر، الغلبة لمن يحب، والظلم حتى لو طال ففوق كل ظالم صاحب حق وساعة أو غيب، سراب و"خارطة طريق".
ساحة المقاطعة تمتلئ بآلاف جاءوا ليستقبلوا من سيكونون فرسان هذه الليلة الرحومة، كثيرون يعرفون "المحرّرين"، وقلّة جاءت لكونها تتقن أدوار الكومبارس في استعراضات أناشيد الزحف والتطبيل. في كلّ مرّة توجّه المذيع لواحد من هذه الجوقة، وما إن يفتح هذا نيران خطبته، سارعت لإخماد صوت التلفزيون والتجأت للذي رافقتني كلمات كتابه على تلك الكنبة؛ إنّه "شلومو زَند" مؤرّخ يهودي كتب للعالم ولأبناء "شعبه" معلنًا وشارحًا متى وكيف توقّف هو عن عدِّ نفسه يهوديًا؟
كم كانت المفارقة غريبة؟ أجلس في بيتي في القدس، في حيٍّ تركته إسرائيل خارج جدارها، "فأنعمت" عليه بحريّة حرمت منها نظراءه من الأحياء التي حبسها الجدار وأبقاها في فلسطين المحتلة.
من خلفي وعلى بعد أمتار تقبع قيادة المنطقة الوسطى لجيش احتلال إسرائيل التي منها أديرت وتدار مئات العمليات العسكرية في المنطقة، أمامي تلفزيون فلسطين وفضائيات عربية أخرى، تستعرض من خلال عشرات المقابلات آراء فلسطينيين في الحدث المتصدّر لأخبار تلك الليلة الباردة الماطرة. أصوات المقابَلين تختلف باختلاف المكان والفصيل والفصيلة؛ فمن غزة يأتي النداء متباكيًا مناشدًا الرئيس محمود عبّاس لكي يسعى إلى تحرير جميع الأسرى من سجون الاحتلال، وعلى هامش الغمزة يطلق هؤلاء الإخوة زغرودة خجولة مبحوحة لستة وعشرين فلسطينيًا كادوا يقضون على "برش" وليس على تراب وطن.
في رام الله تأتينا هتافات الفتح المنتصر لرئاسة وفصيل وقيادة في حساباتها يرصَد، وبحق، ريع هذا الإفراج والنصر حتى وإن جاء ملتبسًا عليلا. خطاب كل متحدّث يشي بلونه وفصيل دمه، فما بين تبجيل مقدّس لقيادة أبلت في هذه المسألة بلاءً مرضيًا، وبين خطاب يجهد بإخفاء دور تلك القيادة، بانت فلسطين بسقمها؛ عارية، عظام صدرها هشة ناتئة، لتتركنا، بعض المتابعين، بقلوب كسيرة على نصر كاد يكون ناصعًا أبيض.
في مثل هذه المقامات لا يعني الوقت شيئًا، فمتى كان في الشرق للوقت حساب؟ بشر يصاحبون الليل لتبدو أعمارهم مفتوحة بلا نهايات.
الانتظار سيّد. ما أقبحها إسرائيل، تحاول أن تفسد علينا رعشة الفجر. تتجبّر، ما أغباها، هي لا تعلم أن اليأس ترف للأغنياء وخيار متاح للمتغطرس، أمّا نحن، أصحاب الرمل وصنّاع ساعاته، نحن بناة الوهم وهدّام قلاعه، مؤمنون بأن "للحرية الحمراء بابًا" وهذا بإصرار الأحرار يدكّ.
تعبت من عبث الشاشات رغم إسكاتي لها، صار تكرار المشاهد ممجوجًا، تركت الكتاب على الكنبة. وقفت أمام نافذتي. أضواء خافتة تسرّبت من نوافذ بيوت بعيدة بدت وادعة. كان الضوء بلون البرتقال، ترنح من فوق الجدار، لم ينجح الاسمنت بخدشه، فجاءني صافيًا سالمًا. أدخلته بيتي، خبّأته خشية أن يصادره الجيش. من بعيد كانت أصواتهم تعربد وتأمره بالتوقف. في السماء غيمتان. واحدة صارت تشبه جدتي، على وجهها تجاعيد زادتني احترامًا لها. كانت تنظر إلي وتتحرك ببطء ومهابة. تفرّست فيها، فلاحظت بسمتها المطمئنة، وقرأت تمتمة تشبه دعاءً لطالما رددته في ساعات فرح دافق وتقول: "الله ينجينا من اللي جاي".
كان الهواء بارداً، لكنني استنشقت منه ما ملأ رئتيّ وأنعش عقلي. لا أعرف لماذا لم أذهب الى المقاطعة لأستقبل مع من حضر قافلة "أبو العوض كميل"ورفاقه. ربما لأنني أحسست أن كل شيء في هذه الليلة كان عابرًا وزائلًا، تمامًا كالغيمتين اللتين انقشعتا من فوقي. أو ربما لأنني حزنت مما قرأته عند "زند"، وشعرت كيف تحيل العنجهية بشرًا إلى هياكل تدمن القهر وتمتهن السطوة، فها هي إسرائيل تعبث بقلوب طافحة وتعربد. تنثر كثيرًا من الضباب والوجع كي لا يصير الفرح الفلسطيني الصغير مثارًا للطمع وفاتحًا لشهوات محظورة. إسرائيل صاحبة تلك العيون الزرق تمعن ليبقى عالم الفلسطيني عديم اليقين إلا من يقين الوجع والخوف والحزن.
"هذا الرجل الذي يجلس في المقعد أمامنا يهودي" قال الوالد لابنه. "من أين لك هذا"؟، سأل شلومو أباه الذي أصر على أنه يستطيع التعرف إلى اليهودي من منظره الخارجي فقط. استغرب شلومو ذلك، ولم يصدّق والده الذي جاء لزيارة ابنه في باريس. بعد لحظات تبيّن أن الرجل المسن كان يهوديًا.
"من عينيه" أجاب الوالد: "لكنّها زرقاء شائعة في أوروبا" حاججه شلومو: "إنها النظرة وليست العين يا ولدي، نظرة متهرّبة، حزينة وفيها خوف وتوجس شديدين" قال الوالد، وأردف "لا تخف يا بني لا يمتلك الإسرائيليون الشباب اليوم مثل هذه النظرة".
عدت لأقرأ "زند". انتظرت حتى تمام التعب. لا أعرف متى نمت وكيف. فلقد صحوت وكانت الشاشة تخبرني أن صباح فلسطين كان شهيًا وبهيّا وسماءها صافية كصفاء الحرية. لم تتحدث الأنباء عن حال القلوب في ذلك النهار، ولا عن لغة العيون التي حتمًا غلب عليها التعب من طول السهر.


عام يمضي ... وعام يأتي ..ويا عين لا تحزني !
بقلم: عزام توفيق ابو السعود – القدس
في نهاية كل عام يلقي الكتاب والمحللون بدلائهم لتقييم العام المنصرم بابراز أهم أحداثه، وابداء توقعاتهم للعام الجديد في مختلف المناحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية ، ولكني هنا لن أنحو نحوهم بهذا التحليل.
عندما فكرت في كتابة هذا المقال كنت أجلس في شرفة منزلي برأس العمود، والمطلة على القدس بمنظر بانورامي جميل أخاذ، يطل على البلدة القديمة من زاويتها الجنوبية الغربية ، أرى نصف سور القدس، قبة الصخرة المشرفة وقبة المسجد الأقصى ، وقبتي كنيسة القيامة وأبراج وجرسيات بعض الكنائس الأخرى ... أرى جبل صهيون وفوقه مئذنة مسجد النبي داود وكنيسة العشاء الأخير الى جوارها .... فأسعد وأطرب للمنظر الذي يدغدغ المشاعر، ويجعلني أعيش مع روحانية الأديان السماوية ، ثم التفت الى أقصى يساري فأرى مستوطنة راس العمود، التي أسموها مستوطنة زيتيم، تقبع على بعد بضعة امتار الى جواري .. فأصاب باكتئاب وحزن لهذا المنظر الذي يجعلني استفيق من روحانياتي لأعيش في الواقع المفروض علينا أن نبتلعه بمرارة مذاقه، بجرعة مؤلمة بعد جرعة، يوما بعد يوم وعام بعد عام ، مما يجعل العين تحزن!
والعين لا يحزنها منظر الحجارة والمباني فقط .. بل يحزنها منظر الانسان المتواجد في هذه المباني او بينها في الشوارع والازقة ... أرى أبناء المستوطنين يلعبون في ساحة مغلقة، الريشة الطائرة والسكواش وكرة القدم، يروحون ويجيئون على زلاجاتهم ودراجاتهم ، يمارسون شتى انواع الرياضات الخارجية، يلهون بسعادة ودعة ... وأنظر الى أبناء الحارة العرب أمامي، يتسكعون ويتشاتمون ويتضاربون ويتقاتلون لأتفه الاسباب ... لا يدخلون نادي سلوان العربي المجاور لأنه تحول الى قاعة افراح ومناسبات، كي يحصل على بعض المال ليسدد منها ديونه التي تراكمت عبر سنوات، فبات في وضع لم يمكنه ومنذ سنوات ثلاث من دفع ايجار المبنى او فواتير الكهرباء !!!
منظران للقدس يبدوان لي متناقضين .. روحانية القدس التي نتغنى بها... وواقعها الأليم الذي علينا ان نعيشه .. روحانية تجعل كل من هو خارج المدينة يحن اليها ويتمنى الوصول اليها ولو لبضع ساعات... وواقعية تجعل كل من يعيش بها يشعر بالقرف والاحباط ، يشعر بأن الاسرائيليين يبرمجونه كإنسان، ليكون الشر الذي لا بد منه ، ليروضوه كي يتعايش معهم، ويندمج في أنظمتهم، يعيدون تشكيل عقله ولسانه .. ليفكر بطريقتهم، ويبتعد يوما بعد يوم، وعاما بعد عام عن قيمه وأخلاقه التي استوحاها من ديانته السماوية، اسلامية كانت ام مسيحية، يبتعد عن روحانيته ومثله العليا ليرى أن شلومو هو قدوته، هو الذي يفكر له وعنه، وما عليه الا الاذعان والانصياع لرغبات هذا الخواجه!
في العام الماضي بكينا على القدس ونحن نرى الحاخامات يذرعون ساحات الحرم الشريف، يصلون ويدعون ربهم ان يهدم الأقصى وقبة الصخرة، ليبنوا هيكلهم مكانهما ... ونحن ننظر ونتفرج ونحتج وندعوا عليهم، وندعوا ان يحفظ الله الأقصى !
ترى : هل سيتقبل الله دعاءنا في العام القادم .. أم سيتقبل دعاءهم ...
أقول للجميع كل عام وأنتم بخير وأقول لنفسي في العام الجديد: يا عين لا تحزني!

تجليس لسان عربي.. مطعوج!
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
أنا السائل وأنت المجيب: كيفَك؟ الجواب: منيح. كويِّس. تمام. لا باس. زين.. الحمد لله. هناك رجل اسمه "منح"، ونساء من أسمائهن هبة. كويِّس من الكياسة. لا مزيد على "تمام". "لا باس" التونسية دون قلنسوة مهموزة.. وأخيراً، يكاتبني ابني إنترنتياً بالحروف اللاتينية hamdullah، وعلى الأغلب أدخلها مسلمو أوروبا إلى لغاتها لاتينية الأصل.
ممكن أنت تسأل: إزيّك. شلونك. علامك ..إلخ، وقد أجيبك "على كيفَك"، أي على ما يرام أو ما تروم أنت وتتمنى لي.
واضح أن سؤال الكياسة "كيفك" يشمل "كيف الصحة" و"كيف الحال". ما قصدي من هالثرثرة؟ لعله جرس الكلام وتسكين أو تحريك الحروف، لأن سؤال "كيفك" مع ياء خفيفة وسهلة، بينما جواب السؤال "على كيفك" مع ياء ذات غِنّة عميقة.
هذه العربية، ذات اللسان القرآني - القرشي المبين من 29 حرفاً، وهي ليست وافية تماماً في النطق القولي السليم. خذ مثلاً لفظ حرف اللام في اسم الجلالة "بسم الله"، ولفظ اسم الجلالة في عبارة التوحيد: "لا إله إلاّ اللّه محمد رسول الله". لام خفيفة وأخرى مفخمة، وفي بعض المفردات تنطق العام حرف "الزين" أميل إلى "الصاد" مثل: الألماس - الألماز.
لذا، قد تفيد الأبجدية اللاتينية الغنية بالحروف المصوتة في ضبط بعض المفردات بالعاميات العربية، هذا رغم غنى العربية ذات الـ 29 حرفاً بحركات الإعراب التي تنوب عن فقرها بالحروف المصوتة.
لكل أبجدية ميزات ونقائص، ومن ميزات الأبجدية العربية ألا تحتاج إلى تهجئتها في الإملاء على الهاتف مثلاً. ومن ميزات اللسان العربي قدرة الناطقين على نطق حروف وتراكيب حروف ليست من لسان الضاد، مثل (V) و(G) و(Ch) بينما يشق على الأجانب لفظ حرف (الضاد) وأحياناً (القاف) و(العين).
تتحدث البشرية بلغات عديدة، ولكن تكتب لغاتها بأبجديات معدودة (اللاتينية، العربية، السلافية، الصينية، اليابانية، الهندية، الأرمنية، العبرية ..إلخ). لكن، لسبب لا حاجة لشرحه فالأبجدية العربية بالذات صارت مقدسة لنزول القرآن الكريم بها بلهجة قريش أساساً، التي صارت مقياس العربية الفصحى الأساسي، وإلى حد أقل الأبجدية العبرية، وهما بعض ميراث ألفبائية أوغاريت جذر ألفبائيات اللغات السامية، التي تمتاز عن سواها بالكتابة من اليمين إلى اليسار.. والسبب هو نقشها على الحجر بمطرقة باليد اليمنى وإزميل باليسرى.
ما الذي يلفتك في حروف عبارة التوحيد؟ غياب النقاط وقد أضيفت لاحقاً إلى العربية لضبط لفظ القرآن الكريم، وأما الإعراب (حركات الإعراب، وهي بمثابة حروف مضمرة) فأمرها قديم.
أبجدية اللغات لا تكتب دائماً كما تُلفظ، لا في العربية وشقيقاتها الساميّات ولا في الأوروبيات سليلة اللاتينية. في العربية الصحيحة نكتب "بسم الله" كما نكتب "باسم الشعب". الآن، صاروا يكتبون "الموسيقى" "موسيقا"، فلماذا نتغلب في كتابة إملاء الألف المقصورة مثل "المدى"، ونحتار بأمر "سوى" بمعنى إلاّ وعدا، وبأمر "سَوا" بمعنى سوية، وهي لفظة عامية ولكنها صحيحة الفصاحة، واختصار "سواء" (سواء، أي "معاً").
كل ناطق بالضاد يسهل عليه استخراج معنى المفردة بالقواميس ذات الحروف اللاتينية، ويشق على معظمنا استخراجها من "المنجد" و"لسان العرب". ألا تحتاج القاموسية العربية إلى حركة تصحيحية، وبدونها لن يسهل علينا التقريب بين العاميات الألسنية العربية وفصحى لغة الضاد.
هناك مدح وقدح بالفضائيات العربية، لكنها أحسن من مجامع اللغة العربية في تفهيم ناطقي اللسان العربي لهجات الناطقين بالعربية، وبخاصة برامج الأطفال في الفضائيات العربية المشرقية التي تؤسس للغة عربية مفهومة من جيل طالع.
* * *
المفكر العراقي هادي العلوي كتب "مقدمة في المعجم العربي الجديد" للمقاربة بين العاميات والفصحى، ووضع كشافاً أولياً نحو "قاموس العامي" استناداً إلى قرار لمجمع اللغة العربية - القاهرة ينص على "تحرير السماع من قيود الزمان والمكان ليشمل ما يسمع اليوم من طوائف المجتمع كالحدادين والنجارين والبنائين.. وغيرهم من أرباب الحرف والصناعات".
كنت أقرأ في طبعتين لسيرة عنترة، فوجدت زاداً من المفردات: "ضاء الفجر" و"تكبكبت الفرسان" و"تِعْدمني" للتعبير عن الفقد الشديد لعزيز، و"انعجم لسانه" و"هجّوا في البراري".
فات الباحث العلوي أمر الالتفات للعامية الفلسطينية، وهي ذات شأن لتوسطها عاميات: مصر والشام وجزيرة العرب. نحن نقول "ما في خواص" بمعنى "لا فائدة" ونقول "غُصّ بالك" ولا يوجد بالفصحى ما يضارعهما.

2014: عام الحراك السياسي الفلسطيني
بقلم: رجب أبو سرية – الايام
اعتبرت أغلبية فلسطينية العام المنصرم 2013 من أسوأ الأعوام التي مرت على الفلسطينيين، نظراً لأن ذلك العام لم يشهد إنهاء للانقسام، ولم يشهد انطلاقة سياسية، رغم أنه شهد عودة للعملية التفاوضية بين الجانبين: الفلسطيني والإسرائيلي، يضاف إلى ذلك أنه شهد مآسٍ في صفوف فلسطينيي سورية من اللاجئين إلى القطر العربي، منذ العام 1948، إن كان من خلال سقوط الضحايا مباشرة في مخيم اليرموك وغيره من المخيمات، في الحرب الداخلية السورية، والتي لا ناقة للفلسطينيين فيها ولا جمل، أو من خلال ما سمي بالنكبة الثانية، حيث أضطر أكثر من 80% من سكان أكبر مخيمات الفلسطينيين في سورية للجوء إلى خارج سورية، حيث لاحق بعضهم الموت، وهم يسعون إلى الهرب إلى أوروبا غرقاً في البحر المتوسط.
كذلك سجل العام المنصرم عودة الحصار المحكم على قطاع غزة، بل وعودة التوتر على جانبي الحدود بين القطاع وإسرائيل، في الوقت الذي ازدادت فيه الإجراءات الاحتلالية قسوة، إن كان من خلال تواصل وتيرة تهويد القدس، أو من خلال بقاء الحواجز أو البناء الاستيطاني، كذلك تسجيل معدلات بطالة عالية في صفوف الشباب الفلسطيني، في كل من جناحي الوطن، في غزة والضفة، خاصة في صفوف الخريجين من طلبة الجامعات.
لذا فمن الطبيعي أن يتطلع الفلسطينيون إلى العام الجديد: 2014 بنظرة مختلفة، نظرة يشوبها الأمل والترقب بأن يكون هذا العام مختلفاً، بل وأفضل حالاً من سلفه، العام المنصرم. وفي الحقيقة فقد بدأ هذا العام بإشارات مهمة، تدعو للتفاؤل، خاصة على صعيد المصالحة الداخلية، فمع نهايات العام الماضي، ازدادت حدة عقيرة قادة حماس في الحديث عن المصالحة، وضرورة إنهاء الانقسام، حتى وصل الأمر - وهذا يحدث لأول مرة منذ العام 2007 - أن شارك قادة حماس جمهور حركة فتح احتفاله بذكرى الانطلاقة، بإيقاد الشعلة في ساحة الجندي المجهول، في وسط مدينة غزة.
كذلك سجل المراقبون الاتصالات بين كل من خالد مشعل وإسماعيل هنية بالرئيس أبو مازن، وكذلك الاستقبال المختلف للأسرى المحررين من سكان قطاع غزة، كذلك إعلان الرئيس في كلمته للشعب الفلسطيني بمناسبة انطلاقة فتح، وأكثر من مسؤول بأن العام 2014 سيشهد إنهاء الانقسام، وإنجاز المصالحة الداخلية.
على أن ملفاً لا يقل أهمية عن الملف الداخلي، من المتوقع أن يشهد حسماً، أو على الأقل تطورات سياسية غاية في الأهمية، ونقصد بذلك ملف المفاوضات، فما هي إلا أيام، وتظهر إلى العلن نتيجة متابعة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري لهذا الملف منذ مطلع تموز الماضي، والذي من أجله زار المنطقة أكثر من عشر مرات، وإن كان سينجح في إقناع الطرفين: الفلسطيني والإسرائيلي، بما يسمى باتفاق إطار المفاوضات، أو اتفاق أعلان المبادئ، حتى تستمر العملية التفاوضية سنة أخرى - تقريباً، قبل التوصل إلى حل نهائي، طال أمده وطال انتظاره بين الجانبين!
حتى اللحظة التقديرات تشير إلى أن استعصاء ما زال قائماً في طريق التوصل إلى "اتفاق الإطار" سببه عدم القدرة على إيجاد حل وسط بين إرادتي الحرية والاحتلال بين الطرفين، والتي يعبر عنها في كيفية التوافق بين بندي الحدود والأمن، وما زالت كل التسريبات تقول إن ما يطرحه الأميركيون ما زال بعيداً عن قدرة الجانب الفلسطيني على قبوله، ولعل كل ما يشاع عن الاقتراحات الإسرائيلية، وآخرها الحديث عن تبادل المناطق (المثلث بالمستوطنات) وهذا اقتراح قديم أصلاً، ما هو إلا تعبير عن فكرة "يهودية الدولة الإسرائيلية" التي تريد أن تظفر من خلال هذه الفكرة بمكافأة احتلالية مرتين أو بشكل مضاعف من خلال ضم المستوطنات غير الشرعية لها، ومن خلال ترانسفير لنحو 300 ألف فلسطيني/ عربي، بعد أن صمدوا في وطنهم أكثر من ستين سنة!
في الحقيقة إن طبيعة الحكومة الإسرائيلية تجعل من التوصل إلى حل ممكن أمراً مستحيلاً، لذا فإن هناك ما يدعو إلى القول إن العام الجديد سيكون فاصلاً بين حل مقبول أو كفاح فلسطيني جديد، لكن ما هو مؤكد - تقريباً - أن العام الجديد لن يشهد "إهمالاً" أو تجاهلاً للملف الفلسطيني، كما كان الحال خلال العامين الماضيين!

لم يتعلموا شيئاً!!
بقلم: محمد ياغي – الايام
المكان- تونس..الزمان- سبعينيات القرن الماضي.. بعد انفراد الحبيب بورقيبة بالسلطة إثر إلغائه تعدد الأحزاب العام 1962، وفشل سياساته الاقتصادية، قوى اليسار ومعها القوميون العرب يصعدون نضالهم السياسي ويتمكنون من السيطرة على الاتحاد العام للشغل وعلى الاتحاد العام للطلبة..الإضرابات العمالية والتظاهرات الطلابية تتسع.. الخوف يتملك بورقيبة فيقرر أن يغض النظر عن عدوه "الإسلامي" ممثلاً في الجماعة الإسلامية التي يرأسها راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو.. "الجماعة" تقرر أن الخطر الأكبر مصدره الحركات اليسارية والقومية "الكافرة" التي لو تمكنت من السلطة فإنها ستقوم بتغيير "هوية" تونس الثقافية أكثر بكثير مما فعله النظام "العلماني".. سهامها توجه لهم لدرجة أنها لا ترى في الخميس الأسود (26 كانون الثاني 1978) وهو اليوم الذي تم سحق إضراب الاتحاد العام للشغل بقتل 140 مواطنا تونسيا وجرح وسجن المئات غيرهم، غير محاولة من هذه القوى للسيطرة على الحكم.
الزمان- ثمانينيات القرن الماضي.. بورقيبة يتمكن من إضعاف اليسار والقوميين لكنه لا يكافئ الإسلاميين على تسهيل مهمته ويبدأ باستهدافهم.. حركة الاتجاه الإسلامي التي أسسها الغنوشي لا تحصل على ترخيص للعمل..الاعتقالات تستهدف رموزهم بذريعة قيامهم بأعمال إرهابية استهدفت أربعة فنادق.. الضائقة الاقتصادية وسياسة استهداف الجميع والصراع داخل السلطة على الحكم لا تكفي كأسباب لوضع الصراع الأيديولوجي جانباً وتستمر القوى الإسلامية واليسارية في صراع عبثي على "هوية" مسقطة عليهم بفعل الولادة.. الصراع على السلطة يحسمه بن علي بانقلاب "طبي" العام 1987 (هكذا "طبي" في سابقة لم يعرفها جنرالات العسكر من قبل).. بلا شرعيه، وبمشاركته في أعمال التحقيق والتعذيب للمعارضين بصفته مديراً للأمن بعد انتفاضة الخبز العام 1984، يقرر بن علي إعلان تعددية سياسية.. يقوم بالإفراج عن المعتقلين ويضع ميثاقا وطنيا وقانون أحزاب يجعله وصياً على "الديمقراطية" الموعودة. قلة من الأحزاب اليسارية والقومية ترفض الخديعة، لكن غالبية اليسار ومعهم الإسلاميون يوقعون على ميثاق بن علي "الوطني."
الزمان- تسعينيات القرن الماضي-حركة الاتجاه الإسلامي تصبح حركة النهضة ولكنها تستثنى من الحق بالحصول على رخصه للعمل الحزبي.. رغم ذلك وبقوائم مستقلة تتمكن من حصد سبعة عشر بالمائة من أصوات الناخبين للبرلمان العام 1989..بن علي يلغي نتائج الانتخابات ويمكن حزبه من البرلمان.. بعد سنتين يعلن أن "النهضة" تنظيم إرهابي يخطط للإطاحة بحكمه بالقوة.. يتم اعتقال الآلاف وقتل العشرات ويغادر البلاد تحت جنح الظلام الآلاف غيرهم هرباً من القتل أو الاعتقال.. أغلبية القوى اليسارية والقومية تصمت عن عملية قمع لم تشهدها تونس في السابق وتكافئ بعشرين في المائة من مقاعد البرلمان يستثنى منها الحزب الديمقراطي التقدمي الذي يرفض سياسات بن علي .. القوى الأكثر جذرية في اليسار تعلن بأن الصراع بين السلطة والإسلاميين هو معركة بين فاشيتين لا مصلحة للشعب التونسي فيها.. هذا الموقف لم يجنبها بطش السلطة وقياداتها تعتقل أو تختفي خوفاً من القمع.. سلطة بن علي تسيطر على مؤسسات المجتمع المدني وتنهي ما تبقى من فضاء عام.
الزمان- العقد الأول من القرن الجديد- حزب العمال الشيوعي يراجع سياساته ويعلن بأن صراعه الأيديولوجي مع "النهضة" جاء على حساب صراعه مع النظام وأن الأولوية يجب أن تكون للصراع الثاني لا للأول.. "النهضة" تراجع سياساتها وتتبنى مفهوم "مقاصد الشريعة" بدلاً من نصوصها.. أحزاب المؤتمر والتكتل والتقدمي والشيوعي والنهضة تجتمع للاتفاق على مفهوم النظام الديمقراطي وتعلن بعد سلسلة حوارات عن قيام ائتلاف موحد للدفاع عن الحقوق والحريات السياسية (ائتلاف 18 أكتوبر 2005).. وكأنه إعلان بداية العد العكسي لسقوط النظام..قوى شبابية جديدة تظهر في الساحة لا يهمها صراع الأيديولوجيات القائم على الهوية الفكرية وتعمل مع الجميع يساريين وقوميين وإسلاميين لتوجيه الصراع نحو النظام.. مئات الاعتصامات وإضرابات الجوع والتظاهرات يجري تنظيمها على خلفيات اجتماعية.. الصراع ينتقل من مكاتب الأحزاب والندوات والمطبوعات السرية الى الشارع وينتهي بثورة يهرب على إثرها الديكتاتور، وتنتقل بسرعة فائقة الى غالبية بلدان العالم العربي وكأنها تؤكد بأن ما يجمع العرب أكبر بكثير مما يفرقهم.. العرب يرفعون رؤوسهم لأول مرة في تاريخهم الحديث في مشهد يكسبهم احترام العالم أجمع.
الزمان- مرحلة ما بعد الثورة..وكأنها لحظة عابرة فرضت عليهم بالإكراه.. الخوف من الإسلاميين يعود ليصبح هاجساً ملازماً لغالبية قوى اليسار.. النهضة تعود لتجعل من صراع "الهوية" مشكلتها الأولى.. قضايا العدالة الاجتماعية وإنهاء سياسات التهميش التي حركت الشارع وكانت عنوان وحدته في الصراع مع النظام القديم تختفي من أجندة الأحزاب المعارضة.. اليسار يهرب باتجاه ما تبقى من النظام القديم لتدعيم صفوفه.. الإسلاميون يصدرون شهادات البراءة لمن والاهم من النظام القديم والإدانة لمن يعارضهم منه.. طرفا الصراع يعيدان النظام القديم على حساب حقهم هم في السلطة وعلى حساب حق شعبهم في تحقيق أهدافه.. وكأن ثورة لم تقم.. وكأن خمسة عقود من القمع لم تكن كافية لإعلاء قيمتي العدالة الاجتماعية والحرية التي حصلوا عليها بدماء المئات.




2013: العرب بين عامين
بقلم: هاني عوكل – الايام
كل الوقائع تؤكد بما لا يدعو للشك، أن العام 2013 كان كارثياً بامتياز على عدد من دول وشعوب العالم، لكنه بالتأكيد كان صعباً على منطقة الشرق الأوسط وعلى الكثير من الدول العربية، التي تعرضت لتغييرات متنوعة في أنظمتها وبنيتها السياسية.
هذه التغييرات انعكست بطبيعة الحال على أهل الوطن العربي، ذلك أن دولاً انزلقت إلى مربع الدول الفاشلة، وأخرى تعرضت لزلزال سياسي أدى إلى الإطاحة بأنظمتها، فضلاً عن الصراع الداخلي والانقسامات المستندة على أسس سياسية مناصبية وطائفية وأهلية وقبلية، أكلت معها الأخضر واليابس.
من الصعب تقديم جردة حساب مفصلة للعام 2013 على عالمنا العربي، خصوصاً وأن الحديث يتسع هنا لكتابة صفحات عن كم المعاناة التي يدفع ثمنها في الأساس الناس والمواطنون، فهم أكثر من ضحى وعانى من سطوة بعض الأنظمة الاستبدادية العربية التي ولّت وتركت ساحة الصراع الداخلي مشتعلة.
والحال أن معظم الدول العربية إما طالها الربيع العربي، أو أنها تعرضت لارتدادات لاحقة أثرت على بنيتها السياسية والداخلية، إلى جانب فتح سيناريوهات كانت محظورة من قبل، تتعلق بالتعرض إلى وحدة وسلامة بعض تلك الدول واحتمال تفتتها الجغرافي وخضوعها لأكثر من سلطة.
سورية كانت من أكثر الدول عرضةً للتهديد وعدم الاستقرار السياسي، إذ هي في نزاع استمر لأكثر من ثلاثة أعوام، يعاني هذا البلد اليوم من أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة للغاية، والأهم أن الأمل في توقف النزاع ضئيل جداً، قياساً بعدد الداخلين واللاعبين في هذا البلد.
أمر سورية حقيقةً مرهون للقوى الدولية الكبيرة، وتحديداً لكل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، حتى أن الحديث بدأ يتنامى عن عودة الحرب الباردة واتساع نطاقها في الشرق الأوسط، لكن بحلة جديدة تقوم على تغير في شكل النظام الدولي يسمح بمنافسة دولية تتعدى هيمنة هاتين الدولتين.
ولعل غياب التوافق الدولي يعني بالضرورة استمرار النزاع في سورية، خصوصاً بين النظام الذي يلقى دعماً مهماً من قبل روسيا وإيران وحزب الله، وبين المعارضة المتشتتة التي يبدو أنها أصبحت تتنافس فيما بينها لتحديد مستقبل وهوية سورية في حال أُقصي النظام عن السلطة.
ولأن المعارضة مشتتة وأغلبها توجهه إسلامي متطرف، فإن الدعم الذي تلقاه من واشنطن وحلفائها لم يعد كما كان، الأمر الذي يعني أن مؤتمر جنيف 2 في حال انعقاده، مفتوح على خيار بقاء السلطة القائمة، وهناك دول غربية كثيرة لم تخف موقفها الذي يقول إن بقاء نظام الأسد أهون من سيطرة الجماعات الإسلامية المتطرفة على الحكم في البلاد.
المحصلة أن سورية لم تعد ولن تعود كما كانت، فقد تم إزاحتها عن الفعل والتأثير العربي، على حساب إقواء إسرائيل وضمان تفوقها العسكري في الشرق الأوسط، إلى جانب أن سورية عانت وتعاني الكثير من الفظائع والكوارث الإنسانية، وإذا ما توقف النزاع يوماً، فإنها ستبقى منشغلة في معالجة وتسوية شؤونها الداخلية والانصراف عن ممارسة السياسة الخارجية.
مصر أم الدنيا والحصن الأكبر والأهم في منطقتنا العربية، تتعرض لضربات موجعة في وضعها ومكانتها على النظامين العربي والدولي، وبعد أن أطاح العسكر بحكم الإخوان المسلمين، يجري الآن دفع البلاد في مواجهات دموية يدفع ضحيتها أولاً وأخيراً الشعب المصري.
ولا يبدو في الأفق أن المعركة ستنتهي قريباً، لأن الإخوان ينظرون إلى المؤسسة العسكرية على أنها صادرت حقهم الديمقراطي في ممارسة السلطة، في حين تعتبر الثانية أنها قامت بتصحيح الثورة، وهنا سيكون الناس وقوداً لهذا الانقسام الذي وضع البلاد في انشغالات داخلية أضعفت مناعتها وأثرت بقوة على فعلها وتأثيرها الخارجي.
والخوف من الغد حقيقةً، خصوصاً بعد أن بدأنا نسمع عن التفجيرات المتتالية التي تتعرض لها مصر، والتي لم تكن تواجه أبداً مثل هذا النوع من الممارسات والعمليات في السابق، وهو الذي يعني بالتأكيد خضوعها لهزات سياسية اقتصادية اجتماعية تحتاج إلى زمن طويل حتى تتعافى منها.
وليس العراق بعيداً عن التفجيرات التي تضرب هيبة البلد وتشل حركته ووحدته، ذلك أنه من أكثر البلدان العربية تعرضاً لهجمات تفجيرية وانتحارية، وهو على "كف عفريت" شأنه بذلك شأن ليبيا واليمن، والأهم أن العراق تعرض لاحتلال أميركي أعاده إلى الوراء ربما مئات السنين.
ثم إنه لا يوجد استقرار سياسي في البلاد، وهناك فراغ أمني ربما سيؤدي إلى الإطاحة بالسلطة الحاكمة، هذا إلى جانب الصراع الطائفي المشتعل منذ الاحتلال الأميركي للعراق، والذي من شأنه أن يضع البلاد على خارطة التهديد الفعلي لوحدة وسلامة أراضيه.
أما ليبيا فأقل ما يمكن القول إنها على طريق الدولة الفاشلة بامتياز، في ظل ضعف المستوى السياسي، وسيطرة فصائل وجماعات قبلية على مناطق حيوية ومهمة تعتبر العمود الفقري للاقتصاد الليبي، إلى جانب زيادة النزعات الانفصالية وما حدث مؤخراً من إعلان الفيدرالية في منطقة برقة.
والحال في تونس صعب أيضاً، ولا يبدو أن هناك حلولاً منطقية لوقف الخلاف والشقاق بين حركة النهضة وباقي أطراف المعارضة، ومع أن المشاورات انطلقت منذ مدة لا بأس بها، لتشكيل حكومة تلبي كافة الأطراف، إلا أنه لم يتم تحقيق توافق يؤدي إلى اتفاق مرحب به جماعياً.
وليست بعيدة الجزائر عن حالة القلق التي تسود الوطن العربي، خصوصاً حين يجري الحديث عن نية الرئيس بوتفليقة إلى إعادة ترشيح نفسه في الانتخابات المقبلة، أو استمرار توليه منصب الرئيس إلى عامين آخرين، في الوقت الذي يعاني فيه من أمراض صحية خطيرة.
وفي اليمن التي تعاني من تدهور اقتصادي صعب، تكثر التفجيرات في هذا البلد، وما يزال الأميركيون وعبر طائراتهم بدون طيار، يلاحقون عناصر القاعدة هناك، إلى جانب عدم الاستقرار السياسي في البلاد ومطلب الجنوب بالانفصال عن الشمال.
السودان التي طالها التقسيم وتشكيل دولة في الجنوب، تواجه أزمة خطيرة ومشكلات عميقة، فعلاقة دولة الجنوب مع الشمال مثل علاقة الرجل بطليقته، واليوم هناك مشكلات في دولة الشمال ومشكلات جديدة في دولة الجنوب، راح ضحيتها آلاف السكان.
الحديث الآن يجري عن صراع سياسي قبلي بين الرئيس سيلفا كير المدعوم من قبيلة الدينكا، ونائبه المُقال ريك مشار المدعوم هو الآخر من قبيلة النوير، ويبدو أننا أمام سيناريوهات كثيرة، فإما أن هناك تسوية ستحدث لتجنب هذا الصراع الشرس، أو أن البلاد ستتعرض لتقسيم على غرار ما حدث للسودان، أو أن الصراع سيبقى قائماً وسيتوسع وتصبح الحرب الأهلية وقوداً له.
هذه هي حال الكثير من الدول العربية التي تعاني من قائمة طويلة عريضة من حروب ومشكلات سياسية وطائفية وأهلية، دون أن ننسى ما يحدث في فلسطين ولبنان وغيرها من الدول الأخرى، ومن المستبعد أن يمتلك أي بلد عصا سحرية للعودة السريعة إلى الاستقرار، الأمر الذي يعني أننا أمام المزيد من الوقت والجهد حتى ننعم بالحد الأدنى من السكينة والسلمين الأمني والأهلي.


الإطار ومرجعيات الـتـفــاوض!
بقلم: سميح شبيب – الايام
يبذل وزير الخارجية الأميركي، كيري، في هذه الأيام، جهوداً مكثفة وحثيثة في إسرائيل وفلسطين، بهدف التوصل إلى نقاط إطار، لقضايا الحل الدائم! ما يرمي إليه الوزير الأميركي، هو التوصل إلى نقاط، يمكن اعتمادها، كنقاط إنجاز .. يمكن بالتالي البناء عليها، لتحقيق مسار تفاوضي جديد.
لعل المتابع لجهود الوزير كيري، ولتصريحاته المتتالية، يمكن ان يلحظ الجدية الأميركية هذه المرة، وحرصها على تحقيق نقلات نوعية في مسار المفاوضات، والى جانب ذلك يمكن ان يلحظ نوعاً من الاضطراب بل والتسرع، نتيجة مواقف إسرائيلية ترافق زيارات الوزير كيري إلى المنطقة، وتحاول تفجير جهوده وسط الطريق.
وصلت المسائل مع الوزير كيري، لطرح ما يمكن اعتباره مبادرات، لكن تلك المبادرات تصطدم دوماً، بطروحات ومعارضات إسرائيلية تحول دون تقدمها. عندما تم استئناف المفاوضات، حددت فترة زمنية مقدارها تسعة شهور، إضافة لتحديد المرجعيات، واعتبار حدود الرابع من حزيران، حداً لا يمكن تجاوزه فلسطينياً، ما يجعل الاستيطان في الضفة بلا معنى.. وهو ما ترفضه إسرائيل، جملة وتفصيلاً.
الآن، هنالك جهود لتحديد إطار عام للتفاوض، بعد تحديد إطار عام، سارت المفاوضات في أطره ما يزيد على عشرين عاماً، دون ان تحقق المفاوضات حلا للمشاكل القائمة؛ وفي المقدم منها الاستيطان. في حال العودة للإطار السابق، وإعادة قراءته، على ضوء ما حدث عمليا وميدانياً، نجد ان هذا الإطار، كان إطاراً فضفاضاً، غير محدد، وتعابيره، حمالة أوجه، ما جعل من هذا الإطار، إطاراً فضفاضاً غير قادر على تحمل مفاوضات جدية، يمكنها أن توصل الأمور إلى نقاط محددة. التخوف الآن، هو ان تصل الأمور إلى إطار عام، غير محدد. والتحديد هنا واجب، أكان على صعيد الأجندة الزمنية، أو تحديد المرجعيات للتفاوض، وهي القانون الدولي، ومقررات الشرعية الدولية، وبالتالي تحديد الحدود .. وتحديد هوية الاستيطان ومستقبله.
أي إطار اتفاق جديد، لا يحدد الزمن، ولا يحدد المرجعيات والحدود، سيكون بمثابة إضاعة الوقت، وإضاعة الجهود، وفتح الزمن القادم، على احتمالات، هي شبيهة بما سبق وان حدث خلال الأعوام 1993 - 2013.
وبالتالي، لا يمكن اعتباره، بأية حال من الأحوال، إنجازاً أميركيا في مسار التفاوض الجاري.
باتت الأمور واضحة، بل وشديدة الوضوح، بعد مسارات التفاوض السابقة، كما باتت المواقف الفلسطينية، مفهومة للجميع، بما فيها الولايات المتحدة، وبالتالي، فإن الولايات المتحدة، في حال توفر الإرادة السياسية والجدية الحقيقية للتوصل الى تسوية فلسطينية - إسرائيلية، بأن تحدد هي، أولاً، إطار عملها القادم، وما سيلزمه من إجراءات ومواقف واضحة، بما فيها ممارسة الضغط اللازم، على الطرف الإسرائيلي، الذي يحاول التملص والتهرب، والالتفاف على حقائق لا يمكن تجاهلها.

تغريدة الصباح -محمد الفيتوري.. ولا قمر في الغياب
بقلم: عدلي صادق – الحياة
ما زال نبأ موته يراوح عند عتبة السكون الجَريح، الذي لازمه في عصور الرتابة مثلما سمّاها، لا سيما تلك التي تطغى في الشتاء الكبير. بدا نبأ هذا الموت موارباً، لا يدحضه ظهور، ولا يؤكده تشييع. لكن الرجل أسلم الروح فعلاً.
محمد الفيتوري شاعر استثنائي ومُجدد، زنجي وعروبي وصوفي. هكذا هو، حتى النخاع، في كل صفة كما في كل قصيدة. صاحب مدرسة في القريض، يرتوي منها الراغبون في إغناء لغتهم الشعرية أو بيانهم النثري، إذ يقفون على أعتاب عالم الفيتوري الساحر العميق: صور وأنماط للإيجاز اللفظي، ذي الدلالات الفسيحة. تحميل البيت الشعري بتفعيلاته ورموزه، وأمثلته الرشيقة المدهشة. ولأن قضية كرامة الإنسان لا تتجزأ، فإن الفيتوري يأخذك، بأجنحة المحبة أو الحماسة، الى ارتحال ذوقي، يقطع المسافات ويخترق الحُجُبَ، ويسمع أنّات الإفريقي واللاتيني، ويستحث نُطقهما. يتعرف على خلجات القلوب ومرارتها، وعلى صرخات كفاح كل باسل. كذلك يفعل مع الإنسان الفلسطيني الماكث أبداً في موضع المعاناة والمجاهدة.
منذ بدايات مداركه؛ عاش الفيتوري مع معاني الأدعية والترانيم الدينية، إذ "خَلَعَ" من صحبة وأقرانه الصغار، لكي ينضم الى رفاق أبيه مستمعاً للتواشيح والقصص الصوفية. لذا دأب على تسخير تلك التجربة لخدمة النص الشعري. ولا يتسع المقام هنا، لإعطاء الراحل محمد الفيتوري، بعض حقه أو لتغطية حكايته. هو عابر للجنسيات العربية. ولد مصريا اسكندرانياً، لأسرة من أصول ليبية استقرت في السودان ثم ارتحلت الى مصر. كان أبوه صاحب طريقة صوفية. حَفِظَ القرآن الكريم، قبل أن يلتحق بـ "الأزهر" وبـ "دار العلوم" . انتمى الى ثلاث جنسيات، لكنه تغنّى بالمدن والأوطان الحزينة، وكتب النصوص المسرحية لكل مأساة وعبرة، ولكل شهيد.
عندما اندلعت الانتفاضة الطويلة، كانت استجابة الفيتوري محملة في قصيدته "طفل الحجارة": ليس طفلاً ذلك القادم في أزمنة الموتى إلهيَّ الإشارة/ليس طفلاً وحجارة/ليس بوقاً من نحاس ورماد/ليس طوقاً حول أعناق الطواويس مُحّلى بالسواد/إنه طقس حَضارة/إنه العصر يُغطي عُريه في ظل موسيقى الحداد.
ليس طفلاً ذلك الخارج من قبعة الحاخام/من قوس الهزائم/إنه العدل الذي يكبر في صمت الجرائم/إنه روح فلسطين المقاوم/إنه الأرضُ التي لم تخُن الأرضَ/وخانتها الطرابيش وخانتها العمائم/ إنه الحق الذي لم يخُن الحقَ/ وخانته الحكومات وخانته المحاكم.
فانتزع نفسك من نفسِك/ واشعل أيها الزيت الفلسطيني أقماركَ/واحضن ذاتك الكبرى وقاوم/ واضئ نافذة البحر على البحر/ وقل للموج إن الموجَ قادم.
ثم يستطرد الفيتوري كمن يستشرف زمناً آتياً أو يقرأ المستقبل: في عاصفة الثلج وامواج الضباب/ليس طفلاً قط في هذا العذاب/صدِئَت نجمة هذا الوطن المحتل في مسراك من باب لباب..!
ليس طفلاً.. هكذا يولد في العصر اليهودي ويستغرق/في الحلم أمامه/عارياً إلا من القدس ومن زيتونة/الأقصى وناقوس القيامه/شفقيّاً وشفيفاً كغمامة/واحتفالياً كأكفان شهيد/وفدائياً من الجرح البعيد/ولقد تَصْلُبك النازيةُ السوداء في/اقبية العصر الجديد/فعلى من غرسوا عينيه بالقضبان أن لا يتألم/وعلى من شهد المأساة أن لا يتكلم!
قبلها بسنوات، وعندما وقعت القدس في أيدي المحتلين، سُمعت صرخة الفيتوري ودعوته الى المقاومة. تبدى الشاعر الصوفي ثورياً و"تقدمياً" في قصيدته:"مقاطع فلسطينية": ليبق كلٌ في مكانه/ولتُصْعَق الخيانة/ولتخرس الرجعية الجبانة/فالشعب سوف يغسل الإهانة..!
مات الفيتوري في "شتاء النُعاس الذي لا يُفسّر" مثلما قال في "قصيدة الرياح". غادر الرجل دنيانا، في زمن معتوه، لا يعرفه فيه واحد من كل مليون يعرفون هيفاء وهبي مثلاً. لكنه هو الذي قال محدثاً نفسه:ربما كنت أصغر/ مما رأتْ فيك تلك النبوءاتُ، أو كنت أكبر.
ولكن، حسبك يا فيتوري، أنك شاهد عصر عتيق، حتى وإن تغير مدار النجوم، وانطفأت "شُرفات السنين المشعّة، بالسحر واللؤلؤ الأزلي"!
كثيرون مثله، وقع لهم ولأحلامهم ما رآه حاصلاً معه: يضيّعون أنفسهم، لفرط خوفهم على وطنهم، أو يُمعنون في التيه، خوفاً عليه.


تحديات العام الجديد - 4- الأسرى... والشتات
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
استمرارا للمسألة الأمنية، هناك قضية غاية في الأهمية تتعلق بالامن في محافظات الجنوب (قطاع غزة) بعد طي صفحة الانقلاب الحمساوي، تتمثل في اولا: عودة الطمأنينة للمواطنين الفلسطينيين، بفرض النظام والقانون، وعدم السماح لكائن من كان لاخذ القانون باليد لتصفية حسابات قديمة تعود للحظات المؤلمة من الانقلاب الاسود؛ ثانيا: محاكمة كل مرتكبي الجرائم بحق الوطن والمواطنين امام القضاء وانزال القصاص العادل بحقهم؛ ثالثا: مصادرة كل السلاح غير الشرعي من كل المواطنين باستثناء السلاح المرخص، وما يدرج تحت اسم وعنوان سلاح المقاومة، يجمع ويوضع تحت سيطرة الاجهزة الامنية الشرعية؛ رابعا: حل كل الاجهزة والميليشيات التابعة لحركة الانقلاب واية ميليشيات للجماعات التكفيرية الاسلاموية؛ خامسا: ضبط الحدود الشمالية والشرقية الجنوبية الفاصلة بين محافظات الجنوب واسرائيل ومصر؛ سادسا: اغلاق اية انفاق من اي نوع على الحدود مع مصر، وتعزيز التنسيق مع الاجهزة الامنية المصرية الشقيقة؛ سابعا: مراقبة المياه الاقليمية والتصدي لأي محاولات لاختراقها. ثامنا: اعادة تاهيل الحالة الوطنية بما يتوافق والمصالح العليا للشعب الفلسطيني.
7- ملف الأسرى، رغم انه جزء لا يتجزأ من ملفات التسوية السياسية، غير انه ملف ساخن، ومطروح على طاولة الرئيس أبو مازن، ويحتاج الى متابعة دورية ومستمرة، لا سيما انه لا يقتصر على متابعة الافراج عن الأسرى القدمى والجدد، بل له عميق الصلة باضرابات الأسرى، والاعتداءات المتواصلة من قبل سلطات السجون، والقوانين والاحكام الجائرة لمحاكم التفتيش الاسرائيلية، وملاحقة قضيتهم في المنابر المحلية والاسرائيلية والعربية والاقليمية والدولية. لذا قضيتهم ستبقى حاضرة دوما.
8- الجماهير الفلسطينية في سوريا، باتت من القضايا المؤرقة، والتي تستدعي المتابعة اليومية أو الاسبوعية في ضوء تطوراتها المساوية والتراجيدية. ومن خلالها تحتل قضية الشتات عموما ولاجئي الشعب في سوريا اهمية خاصة. فالامر لا يتعلق بالنظام والمعارضة السورية وانما بالذات الوطنية، وكيفية أولا: ابعاد المخيمات عن الصراع الدائر على الارض السورية، ثانيا: لجم مواقف الفصائل التي تزج بالمخيم في اتون الصراع الدائر وخاصة القيادة العامة؛ ثالثا: الضغط على قوى المعارضة التوقف عن الزج بمخيمات الشعب الفلسطيني في اتون حربها ضد النظام السوري؛ رابعا: توسيع وزيادة الدعم المقدم للاجئين الفلسطينيين في المخيمات المختلفة وايضا في الساحتين اللبنانية والاردنية، وحث الامم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى ذات الصلة والدول العربية على تقديم الدعم الكفيل بتأمين حياة كريمة لأبناء فلسطين؛ خامسا: الطلب من الدول العربية فتح حدودها لأبناء فلسطين اسوة بالسوريين من الهاربين من نار الصراع الدائر هناك، والتوقف عن السياسيات التمييزية ضد أبناء فلسطين دون سواهم.
ثانيا العامل الخارجي:
1- العلاقات الفلسطينية العربية. ليكن عام 2014 عام المصالحات مع اهل النظام السياسي العربي، بغض النظر عن اية تباينات هنا أو هناك. والسعي لاستنهاض الموقف العربي الرسمي ليكون اكثر تاثيرا وفعلا في الدفاع عن مصالح واهداف الشعب الفلسطيني في المنابر الاقليمية والدولية. وعلى اهل النظام العربي ان يعيدوا النظر باليات تعاملهم مع قضية فلسطين، واعادة الاعتبار لها كقضية مركزية للعرب. وايضا تحمل مسؤولياتهم المباشرة في الدعم المالي والاقتصادي وعلى الصعد المختلفة للقيادة والشعب الفلسطيني، والوفاء بالالتزمات المالية، التي تعهدت بها الانظمة العربية في القمم المتعاقبة تجاه القدس وموازنة دولة فلسطين؛ والكف عن توريط الفلسطينيين في حساباتهم وقضاياهم الخاصة.
بالتاكيد المبدا الناظم للعلاقات الفلسطينية العربية سيبقى كما هو، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ولكن على القيادة التدقيق الجيد في هذا المبدا عند التعاطي مع هذه القضية أو تلك، فالقضية المصرية وما يجري على اراضي المحروسة من انتهاكات وجرائم ارهابية من قبل حركة الانقلاب الحمساوية وجماعة الاخوان والتكفيريين عموما، لم تعد قضية مصرية صرفة، بل قضية فلسطينية بامتياز وتفرض التدخل للجم الانقلابيين، والعمل على تصفية الانقلاب الاخواني، لحماية الجبهة الداخلية المصرية ولحماية العلاقات الاخوية المشتركة وايضا لحماية مصالح الشعب الفلسطيني العليا.
كما ان العلاقات الفلسطينية العربية تحتاج الى تفعيل العلاقات مع القوى والاحزاب العربية الرسمية والشعبية، والعمل على استنهاض العمل الشعبي العربي الداعم للقضية الوطنية، وبحيث يكون الحضور الفلسطيني بارزا في كافة المحافل والمنابر العربية.
العام المقبل بحاجة الى سياسة فلسطينية عربية مختلفة واكثر ابداعا تشمل البعدين الرسمي والشعبي، للاسهام في تعزيز الابعاد الايجابية في الحالة العربية، والتخلي عن السياسات القديمة السلبية.

قطاع غزة على بركة من "القاذورات" و"المجاري": الى متى؟
بقلم: د. اسعد عبد الرحمن - الحياة
في 13 تشرين اول/ نوفمبر الماضي، فاض اكثر من 35,000 متر مكعب من مياه الصرف الصحي الخام عندما توقفت "محطة ضخ حي الزيتون" في قطاع غزة عن العمل. واثناء تنظيف هذه القاذورات، غمرت مياه الصرف المنطقة مرة أخرى عندما سقطت الامطار الغزيرة بين 11 و15 كانون اول/ ديسمبر، وكانت كمية النفايات تقترب من الضعف هذه المرة في ظل اسوأ عاصفة تشهدها منطقة الشرق الاوسط منذ عقود. وفي مدينة غزة، التي تعتبر واحدة من المناطق الاكثر تضررا، اشارت تقديرات البلدية الى ان "مئات الالاف من الامتار المكعبة من مياه الصرف الصحي ومياه الامطار فاضت من محطات الضخ وفتحات المجاري وغمرت الشوارع والمنازل".
وفضلا عن انقطاع المياه النظيفة والاحتياجات الاساسية، تعيش غزة اليوم فوق بركة من "القاذورات" و"المجاري" وذلك بسبب مجموعة من العوامل، اهمها انقطاع التيار الكهربائي الذي يعطل مضخات مياه الصرف الصحي التي تختلط مع مياه الامطار. ووصف مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية (اوتشا) الوضع بانه "واحدة من ازمات الطاقة الاكثر خطورة في السنوات الاخيرة، والتي قد تترتب عليها تداعيات انسانية خطيرة". كما حذرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" من ان نقص الوقود وانقطاع التيار الكهربائي يزيد من "خطر حدوث ازمة صحة عامة واسعة النطاق".
رغم ذلك، يزداد الوضع سوءا في القطاع، فلا اجراءات عاجلة لتجنب المزيد من المشاكل. ولا رؤية استراتيجية للتعامل مع مثل هذه الحالات. ومن المعيب، حقا، ان الانقسام شغل رام الله وغزة عن مآسي القطاع. وبحسب تقرير للامم المتحدة، يتهدد العطش قرابة مليوني مواطن في غزة جراء نفاد المياه الصالحة للشرب تماما خلال السنوات الخمس المقبلة. وفي هذا السياق، تقول تقارير بحثية متخصصة ان 95% من المياه الجوفية لقطاع غزة غير صالحة للشرب، لانخفاض جودتها بسبب زيادة نسبة الكلورايد والنترات فيها.
في مقال مشترك نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان: "لا ينبغي ان تكون غزة عائمة في المياه العادمة"، قال اثنان من نشطاء البيئة، (الون تال) و(يوسف أبو ميالة): "منذ الحصار الذى فرضته اسرائيل بالاضافة الى هدم الانفاق المصرية، غزة لم تحصل على الوقود الكافي للحفاظ على امدادات الكهرباء والحفاظ على 290 من مرافق المياه والصرف الصحي حتى تستمر فى عملها. وعلاوة على ذلك، رفضت حكومة حماس شراء وقود بديل لان الضرائب على هذا الوقود ستذهب الى السلطة الفلسطينية بقيادة منظمة فتح؛ ونتيجة لذلك، توقفت محطات الضخ عن العمل فى تشرين اول/ نوفمبر وبالتالي اصبحت العديد من الشوارع في جنوب مدينة غزة الان مليئة بالاخراجات البشرية". واضاف الكاتبان: "ان ازمة الصرف الصحي ليست سوى مظهر من المظاهر الاكثر حدةً لكابوس المياه الذي يعاني منها قطاع غزة، لا سيما ان الضغط على الموارد المائية اصبح ? منذ فترة طويلة ? لا يمكن تحمله". وعليه، اضحت الاثار الصحية المترتبة على ذلك واضحة. فوفقا لمسح اجرته "اليونسيف" مؤخرا يعاني 20% من اطفال غزة من الأمراض المتصلة بالمياه. ومن دون وجود اي اجراءات علاجية، يذهب الوضع الى مزيد من السوء وحسب. وختم (تال) و(أبو ميالة) مقالهما بالقول: "بصرف النظر عن اللياقة الانسانية، هناك اسباب براغماتية كثيرة ينبغي ان تدفع اسرائيل الى القلق. في كل يوم، يصب نحو 3,5 مليون قدم مكعب من مياه الصرف الصحي في البحر المتوسط. وفي المقابل، تعتمد امدادات مياه اسرائيل الصالحة للشرب بشكل متزايد على تحلية مياه البحر، علما بان واحدة من اكبر منشآتها، في عسقلان، تقع على بعد بضعة اميال على طول الخط الساحلي الى الشمال من غزة. وفي حين يمكن ان تقيم اسرائيل سياجا لمنع تسلل "الارهابيين"، فانه لا يمكنها وقف تدفق الفضلات البشرية من البحر". فهل نشهد مستجدات تنقذ "القطاع" واهله الصابرين المصابرين؟!

غزة تواصل الرسائل المفحمة
بقلم: يحيى رباح – الحياة
غزة، يا غزتنا، يا مكوفلة بالنار، يا مطوقة بالحصار، يا مخطوفة بالانقسام العار، يا صانعة المواعيد والبدايات متوجة بأكاليل الغار، مثل مهرة الله بالبراري لا تضيقه القيود، ولا الادعاءات الكاذبة ولا خراريف الجمود، بل أنت تحطمين الحسابات الموهومة، وتحطمين الأسيجة، وتدمنين اللعبة المقدسة التي اسمها لعبة القيامة المتجددة، حتى الذين يخطر على بالهم المريض أن يتركوك في ذيل القائمة، تغرقهم دهشتهم حين تتقدمين الصفوف، وتمدين صهيلك لإنقاذ حتى من تطاول عليك أو توهم بجنون أنك في قبضة اليد الرهينة، ليكتشف أنك وعد الوفاء، ومخزون الوطنية الذي لا ينضب، وأنك يا غزة عسل الصبر وصاعق الانفجار.
رأيت غزة كما أعرفها وقد نقشت على صفحة الذاكرة الأولى، رأيتها في ميدان الجندي المجهول، وقد لبت النداء الفلسطيني الصافي الأول، نداء فتح، ألم نتعلم في حروف القراءة الأولى أن فتح تعني فلسطين، وأن فتح ذاكرة ووطن وعنوان وكيان وهوية! وأن غزة المسجونة في النقطة المخنوقة بين الماء والصحراء وتحتشد فيها فلسطين من رأس الناقورة إلى رأس النقب هي جسم المعجزة، بأن تكون كبيرة بالحلم، وحاضرة بالثورة، وفاعلة بانتمائها إلى قيامة فلسطين.
لقد رأيتك يا غزة تحضرين بلا إذن، بلا ترتيب مسبق، بلا جميل من أحد، فأنت كما أنت، حين تحضرين يتحول الجميع إلى مدهوشين أو شارحين لأطياف المعجزة، لست الرهينة بل المراهنون على اختطافك مجرد عيال ضائعين أمام لوحة الغيب الآتي، حتى أن الانقسام العار انطوى فقط في قلوب أصحابه وصانعيه، تعفن وصار عبئا عليهم، يدورون به في الأسواق ليبيعوه بثمن بخس فلا يجدون من يشتري!!! ويلتفتون حولهم حيارى، فإذا بك تمدين لهم حبل النجاة "أن يتوبوا، وأن يؤوبوا إلى رشدهم ويلعنوا غيهم، ويرجموا شياطينهم التي زينة لهم خطيئتهم" هذا هو حبل نجاتهم الوحيد.
يا غزة، يا من حملت فتح في رحمك في عام الأعاصير والأمطار، حين تمزقت خيامنا فوقنا، وابتلعت أشداق البحر الهائجة صفوفاً من أكواخ، فعقدنا مع الله عقداً أن لا نموت حتى لو اكتملت عناصر الموت، تعلمنا فن الصبر ونحن أجنة في أرحام الأمهات، وتحول العذاب إلى سيوف، والوجع إلى أناشيد، والمعاناة إلى وعود وهل فتح سوى هذه الأقانيم المقدسة؟
بين غزة وفتح علاقة تأسيسية، ووجدان مشترك، ومحطات هي نفسها ركائز التاريخ الفلسطيني، وأكبر خطيئة ارتكبتها حماس ومن لف لفها من جماعات الاخوان المسلمين، حين اعتقدوا أن غزة يمكن بسهولة وتحت جنح الظلام والتآمر أن تبدل راياتها، أن تخون عهدها الأول، أو تنكر أنسابها الأصلية!!! كانت هذه هي الخطيئة التي قادت إلى الانقسام، وها هي سبع سنوات عجاف توشك أن تنقضي، فما هي رسالة غزة التي يلتقطها العالم كل عام؟
الرسالة واضحة، لا للانقسام، لا لتيه الفلسطيني في سيناء، لا لإمارت الوهم في غزة، لا لمشاريع الغموض، غزة أول الذاكرة الوطنية، غزة أول الوجع الفلسطيني، غزة هي الوعد الأول في دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، هذا هو أول الكلام وآخر الكلام.