Haneen
2014-12-18, 11:07 AM
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.giffile:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image003.gif
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image005.gif
v يجب أن يُقال لإسرائيل: "كفى"
بقلم: حديث القدس – القدس
v هل سقط الإخوان في الاستفتاء؟
بقلم: رغيد الصلح – القدس
v عنجهية« VIP»
بقلم: المحامي جواد بولس – القدس
v معادلة ...شيخوخة عربية طالت واستطالت
بقلم: حمدي فراج – القدس
v متى ينتهي المستهلك الفلسطيني من دوامة الأغذية الفاسدة؟
بقلم: الدكتور عقل أبو قرع – القدس
v الرئيس يضع شعبه في صورة آخر تطورات الوضع الفلسطيني
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image007.jpg
v الكتلة الاستيطانية الرابعة في "بيت إيل".. فأين الخامسة؟!
بقلم : عبد الناصر النجار – الايام
v مخيم اليرموك بين زمنين
بقلم: حسين حجازي – الايام
v استفتاء بطعم الفرح
بقلم: صادق الشافعي – الايام
v جردة حساب للإعلام "الفيسبوكي"
بقلم: صلاح هنية – الايام
v "كل شيء حي"
بقلم: رامي مهداوي – الايام
v لَكُم رأيُكُم وَليَ رأيْ...
بقلم: آصف قزموز – الايام
v أنا فاض فيّ
بقلم: وليد بطراوي – الايام
v سلاماً أيّها المسرح
بقلم: وليد ابو بكر – الايام
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image009.jpg
v تغريدة الصباح - "أبو يَزَن" في زمن عرفات
بقلم: عدلي صادق – الحياة
v "إلي ما شاف بالغربال يا يرموك"
بقلم: نور عودة – الحياة
v حرب إسرائيل ضد ابو مازن
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
v مخيم اليرموك.. أسئلة وملاحظات
بقلم: يحيى رباح – الحياة
v "المفاوضات" الفلسطينية ? الإسرائيلية: جوهر الحل
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
يجب أن يُقال لإسرائيل: "كفى"
بقلم: حديث القدس – القدس
التصعيد الاسرائيلي غير المسبوق سواء في مستوى وقاحة التحريض ضد الشعب الفلسطيني وقيادته او ضد كل من ينتقد الانتهاكات الاسرائيلية غير المشروعة كالموقف الأوروبي من الاستيطان الذي وصفه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بأنه "نفاق" أو التحريض الاسرائيلي ضد وزير الخارجية الاميركي جون كيري لأنه يصر على دفع عملية السلام قدما الذي وصفه وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه يعلون بأنه مهووس ويسعى لنيل جائزة نوبل للسلام رغم ان وزير الخارجية افيغدور ليبرمان وصف مقترحاته بأنها الأفضل بالنسبة لاسرائيل، وتصعيد العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني وحقوقه على الارض عبر مواصلة توسيع الاستيطان وتهويد القدس والمساس بحرمة الاقصى والاماكن المقدسة واطلاق العنان لعصابات المستوطنين لارتكاب اعتداءاتها اليومية ضد المدنيين العزل بما في ذلك التعرض مرتين لموكب رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله، والشروط التي تعلنها اسرائيل لتكريس احتلالها واستيطانها كالاحتفاظ بمعظم القدس وزيادة حجم وعدد الكتل الاستيطانية التي ستضمها .. الخ من المواقف والممارسات يصيب المرء بالغثيان ويرسخ القناعة بأننا امام حكومة احتلال واستيطان وتصعيد وليس امام شريك يسعى لصنع السلام.
التطاول الاسرائيلي الوقح على لسان نتانياهو ويعلون على الرئيس محمود عباس لأنه يتمسك بالشرعية الدولية وبالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، يدعو للسخرية لأن نتانياهو ويعلون وغيرهما من قيادات اسرائيل يتمسكون بمواقف تتناقض مع الشرعية الدولية والقانون الدولي مثل الاصرار على استمرار السيطرة على اجزاء واسعة من الاراضي المحتلة ورفض اي حديث عن القدس وطرح شرط الاعتراف باسرائيل "دولة يهودية" ورفض عودة اللاجئين .. الخ من المواقف المتشددة، وهو ما يعني ان هذه القيادات الاسرائيلية لا يمكن ان تكون شريكة في صنع السلام وليست راغبة في التقدم نحو السلام وهي ليست في موقع اخلاقي يسمح لها بالحكم على الآخرين ممن يتمسكون بالشرعية الدولية والقانون الدولي ويسعون جاهدين لإرساء دعائم سلام عادل ودائم وشامل.
كيف تجرؤ اسرائيل بكل ما ترتكبه من عدوان وانتهاكات ان تتطاول على الشعب الفلسطيني ضحية احتلالها غير المشروع او ان تتطاول على اوروبا لانتقادها الاستيطان غير المشروع او تتطاول على ولي نعمتها الولايات المتحدة الاميركية لأن وزير خارجيتها يبلور مقترحات لا تتطابق مع اطماع الهيمنة والتوسع الاسرائيلي ؟!
ان ما يجب ان يقال هنا ان كل مواطن فلسطيني بات يتساءل عن اي سلام يمكن الحديث مع هذه القيادة الاسرائيلية المتطرفة التي تثبت يوميا انها لا تريد السلام؟ وما هو جدوى المفاوضات مع هذه القيادة الاسرائيلية التي تعمل على وأد عملية السلام وترسيخ الاحتلال والاستيطان بل تتطاول بوقاحة على الشعب الفلسطيني وقيادته وحتى على حلفائها واصدقائها؟!
لقد حان الوقت كي يقول الفلسطينيون شعبا وقيادة لاسرائيل: «كفى» فالسلام يصنع مع شركاء بثبوت جديتهم ورغبتهم في صنعه ويحترمون الشرعية الدولية ويقرون بحقوق الطرف الاخر ويعترفون بها لا مع قيادة اسرائيلية تريد للشعب الفلسطيني وقيادته التنازل عن حقوقهم المشروعة وتريد الاستمرار في استعباد الشعب الفلسطيني وسلب حقوقه واحتلال اراضيه!
الرسالة الفلسطينية الواضحة لاسرائيل يجب ان تتضمن ان شعبنا الفلسطيني المناضل من اجل حريته واستقلاله لا يمكن ان يقبل باستمرار مهزلة الاستيطان او استمرار جرائم المستوطنين او استمرار القيادة الاسرائيلية في اعلان وطرح مواقف تتناقض مع اسس ومبادىء عملية السلام ومع الشرعية الدولية، وعندما توجد في اسرائيل قيادة كهذه تؤمن بالسلام وتعترف بحقوق الشعب الفلسطيني عندها يمكن الحديث عن مفاوضات جادة لانهاء الاحتلال البغيض اما الاستمرار على هذا النحو فهو يعني استمرار غض الطرف عن الانتهاكات الاسرائيلية الجسيمة وعن مفاوضات تستغلها اسرائيل لكسب الوقت وترسيخ الاحتلال والاستيطان ببساطة شديدة يجب ان يقال للقيادة الاسرائيلية : انكم بمواقفكم وممارساتكم هذه لستم شركاء سلام.
اما بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية واوروبا فان ما حدث مؤخرا يشكل اثباتا قاطعا ان هذه القيادة الاسرائيلية لا تريد السلام وانها مستعدة لمعاداة العالم اجمع من اجل ارضاء اليمين الاستيطاني المتطرف وانها غير مستعدة لصنع سلام حقيقي ولهذا يجب ان تقول اميركا واوروبا لاسرائيل: «كفى» وان تعملا بالتعاون مع المجتمع الدولي لالزام اسرائيل على انهاء احتلالها غير المشروع وتأكيد بطلان كل اجراءاتها في الاراضي المحتلة عام 1967 والزامها بتمكين الشعب الفلسطيني من اقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على كامل الاراضي المحتلة منذ 1967 بما في ذلك القدس العربية المحتلة وحل قضية اللاجئين على اساس قرارات الشرعية الدولية.
هذا الاحتلال الاسرائيلي البشع وغير المشروع لا يجب ان يكافأ بل يجب ان يحاسب ويعاقب على كل ما ارتكبه ولا زال بحق الشعب الفلسطيني.
هل سقط الإخوان في الاستفتاء؟
بقلم: رغيد الصلح – القدس
يسخر الإخوان المسلمون كل ما يملكونه من أرصدة سياسية وتعبوية وعلاقات إقليمية ودولية في المعركة ضد القيادة المصرية الحالية التي أطاحت سلطة الرئيس المصري السابق محمد مرسي . فهل حققت الجماعة نجاحاً على هذا الصعيد؟ إنها لا تدل على أن الإخوان خاضوا حملة ناجحة على هذا الصعيد . لماذا؟
* أولاً، لأن الإقبال على الاستفتاءات والانتخابات التي تنظم في دول الجنوب والديمقراطيات الناشئة يكون محدوداً عادة بالمقارنة مع المناطق الأخرى في العالم . هذا ما خرج به تقرير أعدته منظمة "ايديا" الدولية عن حجم الإقبال على مثل هذه الامتحانات في العالم بين عامي 1945 و2001 . وبحسب النتائج التي توصل إليها التقرير، فإن معدل المشاركين في الاقتراع على امتداد هذه السنوات بلغ ذروته في الإقليم الأسترالي حيث بلغ ما يفوق 83% من مجموع المقترعين ووصل الى حده الأدنى في الإقليم الإفريقي حيث بقي في حدود 5 .64% . أما في إقليم الشرق الأوسط فإنه وصل إلى 2 .72% من عدد المقترعين المسجلين على جداول الاقتراع . هذا بين الأقاليم العالمية . أما بين دول العالم فإن نسبة المقترعين في نفس الفترة الزمنية بلغت في مصر 3 .45% بحيث احتلت مصر مرتبة الدولة الأربعين من أصل 43 دولة إفريقية شملتها المقارنات .
إن ظاهرة تدني نسبة المقترعين تتطلب تفحصاً ودراسة خاصة في مصر، وهي من الدول التي تمتلك تجارب سياسية رائدة . ولكن في كافة الحالات فإن انخفاض نسبة المشاركين في الاقتراع - اذا حدث ذلك فعلا - ليست شيئاً جديداً، ومن ثم ليس من السهل نسبتها إلى الحراك التعبوي الذي نظمته جماعة الإخوان المسلمين ضد الاستفتاء على الدستور .
* ثانياً، تحسب قيادة الإخوان أن كل من لم يشارك في الاقتراع، هو ممتنع عن المشاركة، أي أنه اتخذ موقفاً سياسياً معارضاً للقيادة السياسية المصرية ورافضاً للدستور، وبالتالي فإنه يؤيد الإخوان ويتبنى وجهة نظرهم بصدد "عودة الشرعية" وتقييمهم للوضع المصري الراهن . بديهي أن هذا التقييم في غير محله . فمن المرجح أن نسبة عالية من الذين لم يسهموا في الاقتراع هم من الذين لا يؤيدون الإخوان وأن امتناعهم عن المشاركة، سواء في الاقتراع على الدستور المصري، أو في الاستفتاءات المشابهة في أي بلد من بلدان العالم قد يكون لأسباب متعددة ومتنوعة منها أحياناً التقاعس عن القيام بالواجب الوطني .
في هذا النطاق، ولو كان الإخوان يريدون فعلاً تحويل الاستفتاء إلى مظاهرة لتأييدهم وللتعبير عن معارضة الرأي العام المصري للقيادة المصرية، لكان حرياً بهم أن يدعوا المواطنين، سائر المواطنين، إلى الرفض الإيجابي للوثيقة الدستورية، أي للتصويت بلا للوثيقة الدستورية بحيث يمكن اعتبار الأصوات الرافضة للوثيقة مؤشراً على حجم التأييد للإخوان وللحكم السابق . بالمقابل فإن ابتعاد الإخوان عن الأخذ بهذه الطريقة يدل على أنهم غير واثقين بمدى استجابة المقترعين للنداءات التي أطلقوها، ومن ثم يمكن اعتباره بمثابة مؤشر على انحسار في شعبيتهم وعلى فشل مسبق في إدارة الحملة ضد الاستفتاء على الدستور .
* ثالثاً، إن طرفي الصراع في مصر أكدا أن نتائج الاستفتاء على الدستور سوف تكون بمثابة صك تأييد ومبايعة للجهة التي رعت الوثيقة الدستورية أو عارضتها . بمعنى آخر، فإنه لو حظيت الوثيقة بتأييد شعبي كاسح، فإن هذا التأييد يمتد لكي يشمل الجهة الراعية للوثيقة، أي القيادة المصرية . وإذا لم تحظ الوثيقة بمثل هذا التأييد، فإن هذا معناه أن هذا الموقف ينسحب على رأي المقترعين في الإخوان المسلمين . وهذه النظرة غير دقيقة . فهناك من قد لا يؤيد الدستور ويرى ضرورة إدخال تعديلات جذرية عليه . لذلك آثر عدم المشاركة في الاقتراع ولكن هذا لا يعني، بالضرورة، أنه يؤيد الإخوان المسلمين، ويعارض القيادة السياسية . وهناك من قد يؤيد الدستور فيشارك في الاقتراع ويعبّر عن رأيه الإيجابي في الوثيقة الدستورية لشتى الأسباب منها، أنه يفتح الباب أمام عودة الاستقرار والحياة الطبيعية في مصر، وأنه يمكن تعديل الدستور في المستقبل . ولكن هذا الموقف لا يعني أنه يؤيد، بالضرورة، القيادة السياسية ويعارض الإخوان المسلمين .
* رابعاً، من المرجح أن نسبة مهمة من المقترعين تخلفت عن المشاركة في الاقتراع بسبب الأجواء المتوترة التي رافقت الاستفتاء . ويقول ناقدو الإخوان هنا إن الجماعة هي المسؤولة عن هذا التوتر إذ إنها نظمت حملة واسعة من الشائعات وروجت عبر وسائل الاتصال الاجتماعي العديد من الأخبار والروايات التي تقول إن الأراضي المصرية سوف تكون مسرح مجابهات حامية خلال أيام الاستفتاء . بل ويذهب معارضو الإخوان إلى تحميلهم مسؤولية أعمال العنف التي تخللت الاستفتاء .
ولكن ما يمكن أن يرجع إليه المرء، كرأي أولي في هذه المسألة، هو المنطق البسيط الذي يقول إن مصلحة القيادة السياسية تقضي باستقرار الأوضاع وانتهاء مظاهر ومفاعيل العنف في الحياة العامة، وإعادة تشغيل آلة السلطة والحكم وتحقيق الازدهار الاقتصادي والانفراج السياسي . هذا كله يلتقي ويتطابق مع ما يتمناه المصريون وأي شعب مهدد في أمنه السياسي والاقتصادي . استطراداً فإن الحكمة السياسية تقضي بأن تسعى إلى ترسيخ مناخ الهدوء والأمن الذي يشجع المقترعين على الاقتراع وعلى توسيع دائرة مؤيدي الوثيقة إلى أبعد مدى ممكن . بالمقابل فإن المصلحة الموضوعية للإخوان هي في حمل أكبر عدد ممكن من المصريين على مقاطعة الاستفتاء، وأن الأجواء المتوترة، تخدم، في نهاية المطاف، مصلحتهم وأهدافهم .
لقد بذلت القيادة السياسية المصرية جهداً كبيراً حتى تأتي نسبة مؤيدي الدستور عالية . على العكس من ذلك، حاولت قيادة الإخوان حث المصريين على مقاطعة الاستفتاء . على الأرجح أن تكون استجابة المقترعين المصريين، مرتفعة بسبب العوامل التي ذكرناها، وأن تتحول الحملة التي خاضتها الجماعة ضد الاستفتاء إلى محطة جديدة من محطات التراجع الإخواني في مصر .
عنجهية« VIP»
بقلم: المحامي جواد بولس – القدس
توالت هجمات قادة إسرائيل في الأسبوعين الفائتين واستهدفت حممها أهدافًا متنوّعة عديدةً. كان الرئيس محمود عبّاس أوّل من أمطره "مسؤولون إسرائيليون" ووصفوه ببذيء الكلام والتشبيهات، وكما في الماضي كذلك في هذه الأيام، تجنّد رهط يتصدّرهم بنيامين نتنياهو، في محاولة لدمغ الرئيس عباس واتهامه بعدم الاستقامة وبالتطرف، وبأنه أسوأ من الرئيس الراحل ياسر عرفات.
ثمّ جاء دور وزير الخارجية الأمريكي الذي كان عنوانًا لحملة تهكّم وسخرية فاضحة من قبل وزير الدفاع الاسرائيلي، موشه يعلون، الذي وصفه بالمهلوّس/ المريض والاستحواذي، مضيفًا دعاءه الساخر ومتمنيًّا أن يسلّموه جائزة "نوبل" للسلام كي "يعفّ" عن ظهر دولة إسرائيل وحكّامها. وفقًا لبعض الصحافيين الموثوقين، فإن يعلون لم يكن وحيدًا في انقضاضه على "جون كيري"، بل إن كثيرين من كبار المسؤولين في الإدارة الإسرائيلية شاطروه الموقف، ونافسوه بالردح والشتيمة.
من الواضح أن ما يزعج يعلون وصحبه هو إصرار كيري على متابعة محاولاته للتوصل إلى ما قد يقبله الأطراف كوصفة لخلطة قد تصلح لتسكين آلام هذه المرحلة، وضمادًا لجراح لم يعد بالإمكان تحمّلها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فمن يمعن بما يقوله يعلون يعرف أن النقاش والقلق ليسا من مضامين المقترحات الأمريكية، إنّما من التحرك الامريكي في هذا الاتجاه، لأنه ومعه كثيرون من حلفائه في الحكومة لا يؤمنون أن المسألة الفلسطينية هي ما يجب أن يتصدر الفعل الديبلوماسي في منطقتنا. من هنا، فالانشغال بفلسطين وإيلاؤها هذا الاهتمام، وإشغال الاسرائيليين بها هو ما يثير حفيظة "اليعلونيين" لا سيّما بعد محاولاتهم إقناع أمريكا والعالم بأن "المسألة الإيرانية" ومشكلة "الإسلام السياسي وإرهابه" يجب أن تبقيا أولًا.
الهجمات الاسرائيلية على الرئيس محمود عبّاس وعلى كيري تبقى ذات طابع وشحنة دبلوماسية، ولذلك كانت معالجتها من قبلهما بردود فعل ملائمة، وباللغة التي سيكون مردودها تراكميّا في صالح القضية الفلسطينية.
ولكن، بعملية نوعية مختلفة وبتزامن مع الهجمات الأخرى، قامت قوات جيش يعلون باعتراض موكب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية مّرتين. في الصباح كانت "المناكفة" الأولى، حين اعترض العسكر الموكب الفلسطيني، وأوقفوه لعدة ساعات، وهكذا فعلوا في ساعات المساء.
هذه الممارسة تشبه بمقاصدها حملات الهجوم على كيري والرئيس عبّاس، ولكنها تحمل أبعادًا أشد ضراوة وتأثيرًا مباشرًا على الشارع الفلسطيني، فللمشهد وجهان: عنجهية محتل يتصرّف وفقًا لقوانين القوة والغطرسة، وهذه لا تعرف إلّا التحكم فيمن يخضعون لهذه القوة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إتقان لعبة التلويح باليد التي تقبض على الكرباج؛ كي لا تنسى "النمور" حكمة الجوع، أو ما الفرق بين الزمجرة والهمهمة.
المزعج في هذه المعادلة هو تلك الطمأنينة الإسرائيلية وثقتها الواضحة بأنها ستحقق ما تريده من وراء ممارساتها الاستفزازية، أو على الأقل يقينها أنها لن تحاسب كما في كل مرّة، على تصرّفاتها. إصرارها وصلفها عاملان أساسيان. مهادنة كل العالم أو مسايرته لها عامل هام آخر، ولكن يبقى الأهم هو رد الفعل الفلسطيني على مر العقود الفائتة، وما تركه من دلائل وإشارات "أغوَت" إسرائيل بضخ مزيد من جرعات المهانة والضغط وجعلتها، كذلك، تستبين، وفقًا لمقاييس "العصا والجُزيْرَة"، الى أي قعر قد هبط سقف الكرامة الوطنية الفلسطينية.
لم تبدأ القضية في هذا الزمن، فما واجهه اليوم رئيس الوزراء، هو نتاج واقع كرّس منذ سنوات طوال. مفاهيم دشّنتها قيادات فلسطينية في عصر أوهم الجميع أن السلام والدولة والاستقلال باتت في فراشنا ولذا لا همّ من مهانة هنا، ولا غمّ من كرباج هناك. إنّها أصول لعبة أرسيت في ظروف ومعطيات مغايرة فأصبحت اليوم مشوّهة تستغيث لمن "ينفلها" ويبعث فيها روحًا تعتبر وتستفيد من تجربة "عقدين" واسطتهما كانت دومًا "لؤلؤة" اسمها الـVIP، وخلاصة تفيد أن من يتيح للجاه فسحة أو يعطي الحسنة يستطيع أن يشترط العطاء أو يقطعه، وأن السيادة الحقيقية تبقى لـ"خلقة" جيب عسكري على مقوده تتربع شقراء وبندقية تذكّر وتلكن: نخن، الاحتلال سادة زمانكم ومكانكم يا عرب!
لا تسعى إسرائيل للمس بشخص مسؤول فلسطيني بعينه، بل هي تحاول النيل من هيبة ورمزية هذا المسؤول. هي رسالة سيّد متعال يحاول من خلالها زعزعة ثقة شعب بقدراته والإيقاع بينه وبين زعاماته التي ينعكس عجزها في مثل هذه"الحوادث"، ولا يهم إن كان هذا هو عجز الحر أمام عسكري "داعر".
من تابع ردود الفعل الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، لاحظ أن جزءًا مما سعت إليه إسرائيل تحقق. البعض ذوّت رسالة إسرائيل وانضم محقرًا قيادته الفلسطينية العاجزة! آخرون كتبوا بروح تنم عن ذل وقهر، وفئة عنها نطقت الخسارة وروح مهزومة.
للدبلوماسية حقها ومكانتها. لأصول إدارة الأزمات قوالب، قواعد ومفاصل. للمصالح العليا أولويات. أمّا هنا فأنا أكتب عمّا تبقّى من مساحة رمادية فيها ينفث الاحتلال، بمنهجية علمية وخبرة عقود، سمومه التي قد لا تميت الجسد الفلسطيني، لكنّها تتركه جريحًا ينزف ويتألم، جسدًا ضعيفًا يبحث عن كلأ ومأوى وعن أمل وبقايا عزة.
لم يشخ الاحتلال، أمّا الفلسطيني فلقد أضناه الغيب وأتعبته ذلة، يمضي صابرًا مؤمنًا أن ميعاده، كما تروي الشمس، مع الحرية قريب.
معادلة ...شيخوخة عربية طالت واستطالت
بقلم: حمدي فراج – القدس
صوّت الشعب المصري على دستوره الجديد وسط حالة سياسية خلافية ما زالت مستمرة ، يظنها البعض انها حديثة / جديدة ، نشأت قبل ستة اشهر عندما تم عزل الرئيس المنتخب ممثل جماعة الاخوان محمد مرسي ، لكنها في الحقيقة قضية قديمة قدم الدين ذاته والدولة ذاتها والخلاف محتدم بينهما ، الدين أم الدولة ، حتى كاد يصل الامر الى حالة الجدل بين البيضة والدجاجة .
وهنا نسجل ان الدستور نجح في اقامة حالة توازنية ما بينهما بحيث لا يطغى احدهما على الآخر ، وكما قال الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل ، فقد تم التوصل الى ان تكون الدولة مدنية ، وهي الحالة ما بين العلمانية والاسلامية . من بين البنود الخلافية محاكمة المدنيين امام المحاكم العسكرية ، وقد تم توضيحها انها تختص بالمعتدين على الجيش ومؤسساته .
ويرى البعض الحقوقي ان المادة جاءت متطورة كثيرا على دستور 2012 الذي سن في عهد مرسي بأغلبية 64% من الجمهور ، حيث شابها التعميم والتعويم من ان المحاكمات العسكرية في الجرائم التي "تضر" بالقوات المسلحة ، في حين جاء في النص الجديد أنه لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في حالات واستثناءات متعلقة في ارتكاب "جرائم الارهاب" .
وهذا يحدث للاسف الشديد في كل مناحي الوطن العربي . ويرى هيكل ان هذا ليس دستورا دائما ، على اعتبار ان الدستور "تعبير عن كل قوى الامة تتم صياغته في لحظة توافقية ، في حين تعيش مصر لحظة خلافية وفوضوية" . مشكلة الدستور ليست هي التي تؤرق مصر ، أو الامة ، بل حركة الشباب الجامحة ، كما يقول هيكل ، وهي جزء من حركة شبابية عالمية ، قامت ضد شيخوخة عربية طويلة وبطيئة جدا ، وصلت مناهضتها الى "الشعر الابيض" لمجرد انه ابيض . التيار الاسلامي ، الذي ينادي هيكل بعدم اقصائه ، لا في مصر ولا في اي مكان من الوطن العربي ، "لأن هذا يضع المنطقة في مشاكل لا حدود لها ، فهو تيار فاعل واصيل ويجب ان يعطى حقه بمقدار ما يستحق ، وهو أخذ اكثر مما يستحق ، كما مع الاخوان الذين قفزوا الى السلطة وتصوروا انهم باقون الى الابد" . الدستور الجديد قلل من صلاحيات الرئيس وحدد فترة ولايته بدورتين متتاليتين ، وألغى مجلس الشورى ، وهو كما هو معروف مجلس شكلي إن ما يحدث في مصر اليوم ، يؤشر الى ان الشعب المصري وطلائعه واحزابه في حالة من التغير والتطور والتحرك ، بعكس شعوب اخرى استسلمت للركون والسكون ، وكأنك في قفر بلا دستور ولا قانون ولا برلمان ولا حتى رئيس ، بل عائلة او عشيرة يتولاها الملك/ الامير/ السلطان / الرئيس / حتى الموت.
متى ينتهي المستهلك الفلسطيني من دوامة الأغذية الفاسدة؟
بقلم: الدكتور عقل أبو قرع – القدس
قبل عدة ايام، تم ضبط ومصادرة كميات من الدجاج الفاسد او غير الصالح للاستهلاك البشري، وقبل ايام كذلك تم مصادرة واتلاف تمور ومواد غذائية مختلفة فاسدة، وبغض النظر عن سبب الفساد، فانه لا يكاد يمر يوم الا وتتناقل الانباء عن ضبط او مصادرة او اتلاف مواد غذائية فاسدة، اي غير صالحة للاستهلاك البشري، وعمليا او نظريا، ورغم حملات الضبط هذه والمصادرة والاتلاف وبالتالي تجنيب المستهلك التداعيات، الا ان هذا يعني ان هناك كميات من الاغذية الفاسدة لم ولن يتم ضبطها، وبالتالي ما زالت في الاسواق، ومنها من وصل ويصل الى اياد ومن ثم الى افواه المستهلك الفلسطيني، الذي بات حائرا، او غير مبالي، او في احسن الاحوال يترك الامور للتواكيل.
وضبط واتلاف الاغذية الفاسدة يتم بجهود وبتطور متواصل في الية عمل الجهات ذات العلاقة، من الضابطة الجمركية، ودائرة حماية المستهلك، والاجهزة الاخرى من صحية وامنية، ورغم ان عملية الضبط والاتلاف هي بحد ذاتها عمل ناجح، الا ان ما يرافق هذه العملية او يتبعها او ينتج عنها هو كذلك مهم، وبالاخص الاعلان عن عملية الضبط او البعد الاعلامي لها، ومثلا، اثار الاعلان عن ضبط مئات الدجاج الفاسد قبل عدة اسابيع في احدى المناطق الفلسطينية، البلبلة والقلق وحتى العزوف عن شراء الدجاج في مناطق اخرى، رغم ان الدجاج في هذه المناطق غير فاسد، وهذا يدل على اهمية الاعلان عن عملية اكتشاف ومصادرة الاغذية الفاسدة، وصحيح ان الجهات التي تقوم بعملية الضبط والاتلاف تريد الاعلان عن نتائج اعمالها، ولكن الاسلوب او الطريقة او الية الاتصال مع الاعلام من المفترض ان يتم مراجعتها، حيث يمكن ان يسبب الاعلان عن عملية الضبط وبالاضافة الى الارباك المتواصل للمستهلك، الى خسائر اقتصادية نحن لسنا بحاجة اليها، وماذا مثلا لو تم الاعلان عن عمليات الضبط والمصادرة مرة كل اسبوعين او شهر، وبدون اضواء اعلامية كبيرة، وبدون تفاصيل عن المواد المضبوطة، الا اذا كان حاجة من ذلك يمكن ان يستفيد منها المستهلك؟
ولست على دراية بعمليات الضبط واتلاف الاغذية الفاسدة في دول اخرى، سواء من حيث حجم او نوعية المواد الفاسدة، وبالاخص الدول المجاورة لنا، كالاردن او اسرائيل مثلا، ولكن اعتقد ان هناك الية معينة تم ويتم اتباعها في هذه الدول، سيكون من الجدوى التعرف عليها، وصحيح ان من سلبيات وضعنا او من ضمن الاسباب الاساسية لتواصل وتزايد كمية ونوعية الاغذية الفاسدة عندنا هو عدم التحكم او ضبط المعابر والحدود، ولكن وبالتسليم بذلك، من المفترض ان نركز على طرق او اساليب اخرى تعمل على زيادة نجاعة ضبط وصول او انتشار الاغذية الفاسدة في بلادنا.
ومن هذه الاساليب هو المستهلك نفسة، او ثقة المستهلك بالجهات الرسمية وغير الرسمية التي تعمل لحمايته، ورغم العمل المتواصل الذي تقوم بة الطواقم الرسمية لضبط الاغذية الفاسدة، سواء من حيث الرقابة والتفتيش والفحوصات، الا انه وبدون شك يبقى المستهلك هو اللبنة الاساسية لاكتشاف وللابلاغ عن المواد الفاسدة، وهذا بدوره وبالاضافة الى توعية المستهلك بأسباب فساد الاغذية، او عدم صلاحيتها، فانه مطلوب بناء جسور الاتصال وقنوات تبادل المعلومات مع المستهلك، ولا اعتقد ان غالبية المستهلكين الفلسطينيين في الوقت الحالي تعرف كيف والى اين تتجه في حال اكتشاف اغذية او ادوية او مواد سواء منتهة الصلاحية او مشكوك في امرها او ظهر لاستخدامها مضاعفات سلبية، وعدا عن ذلك ولو افترضنا ان المستهلك قد قام بايصال المعلومة الى جهة معينة، فهو لا يعرف كيف يتابع، او لا يتوقع ان تقوم الجهات التي تم اعلامها بالتحرك والمتابعة والاهم التواصل معه لابلاغة ما حدث، وحتى يتم اصلاح هذا الخلل، سيبقى المستهلك الفلسطيني بعيدا عن التواصل والتعاون مع الجهات الرسمية، وستبقى مواد فاسدة او جزء منها ينتشر في السوق بمعرفة وبدون معرفة المستهلك.
والاعلام، وبالاخص في هذه الحالة هو عنصر مهم، سواء من خلال عملية صياغة او تحرير الانباء التي تصله من الجهات الرسمية بخصوص المواد الفاسدة، او تلك المعلومات التي يحصل عليها بشكل مباشر، وهذا يشمل الصحف المحلية والاذاعات والتلفزيون، والاهم العديد من المواقع الاخبارية ومواقع التواصل الاجتماعية، التي تقوم ومن باب الاثارة بأضافة التزويق على مثل هكذا اخبار وما ينتج عن ذلك من ضرر معنوي ومادي للمستهلك وللاقتصاد.
و في ظل هذه الدوامة من ضبط ومصادرة مواد فاسدة متعددة، فالمطلوب كذلك هو اجراء عملية تقييم لعمل الجهات الرسمية وغير الرسمية العاملة في هذا المجال، وهذا امر روتيني عادي تقوم بة جهات كثيرة وذلك لتقييم عملها وتبيان النقاط الايجابية ومن ثم تدعيمها، وكذلك لتبيان السلبيات ومن ثم العمل على تجاوزها، وحتى تتم عملية التقييم، ومن اجل طمأنه المستهلك، فالمطلوب من الجهات الرسمية وغير الرسمية المهتمة بسلامة الغذاء والدواء ومنع وصول المواد الفاسدة للناس، وضع برنامج منظم ومتكامل من اجل سحب عينات عشوائية، سواء اكان من الخضار او الفواكة، او من الدواء، او حتى من الخبز والكعك، واجراء الفحوصات الروتينية لهذه العينات، في مختبرات تم اعتمادها، وتم التأكد ومن خلال مختصين علميين، بجاهيزتها، سواء طاقمها او اجهزتها او خبرتها، والاهم كذلك نشر نتائج الفحوصات، ومن خلال الاعلام، لكي تصل الى المستهلك.
وبالاضافة الى التواصل مع المستهلك، فان الهيئات التمثيلية المحلية للمستهلك هي كذلك مهمة، من مجالس قروية وبلديات ومؤسسات متخصصة او اطر محددة، من نسوية او شبابية او غير ذلك، لان المعلومة في الغالب تصل من القاعدة او من الموقع، سواء من المستهلك او من هذه الاطر المحلية، ولذا فانه من المفترض على الجهات التي تعمل لمكافحة الاغذية الفاسدة ان تبني جسور التواصل والثقة مع هذه الهيئات والاطر، وحتى يتم بناء الثقة مع المستهلك والاهم من خلال الممارسة العملية لمتابعة قضاياة، وكذلك بناء قنوات التعاون مع الهيئات المحلية بانواعها، وكذلك تصويب طريقة التواصل او الاعلان عن ضبط المواد الفاسدة في الاعلام، سيبقى المستهلك الفلسطيني يعيش ويدور في الدوامة شبة اليومية من ضبط ومصادرة واتلاف الاغذية الفاسدة.
الرئيس يضع شعبه في صورة آخر تطورات الوضع الفلسطيني
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
خلال استقباله وفداً مقدسيا يوم السبت الماضي، ألقى الرئيس محمود عباس خطاباً شاملاً جامعاً تناول فيه آخر تطورات الأوضاع الفلسطينية والقضايا التي تشغل بال كل مواطن فلسطيني في الداخل وفي المهجر. وكعادته دائما فإن الرئيس تحدث بكل صراحة وشفافية ودون مواربة وخاصة ما يتعلق بالقدس والمصالحة والاستيطان والأسرى والأوضاع المأساوية التي يعيشها أشقاؤنا في مخيم اليرموك في القطر العربي السوري الشقيق وحق العودة ويهودية الدولة العبرية. وأكد ثبات الموقف الفلسطيني وعدم تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها شعبنا الفلسطيني العظيم، وكذلك تحدث عن المفاوضات المباشرة مع الجانب الإسرائيلي ومهلة الأشهر التسعة التي حددتها القيادة الفلسطينية لهذه المفاوضات وذلك من خلال الاتفاق مع وزير الخارجية الأميركية جون كيري والتي تنتهي مطلع شهر نيسان القادم.
وفيما يخص مدينة القدس أكد الرئيس أبو مازن أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية وأنه لن يكون هناك سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين إذا لم يوافق الإسرائيليون على هذه المسألة، وأما بخصوص تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بأنهم يرفضون إدراج موضوع القدس في أية محادثات أو مفاوضات، فقال الرئيس "فليقولوا ما يقولون، وما لم تكن القدس مذكورة بالقلم العريض الواضح أنها عاصمة دولة فلسطين فلن يكون معهم سلام وليسمعوا هذا" وأكد أبو مازن أن القدس ليست أبوديس لكنّ أبوديس جزء من القدس وكلامنا مفهوم لأننا نسمع كلاماً كثيرا حول العاصمة هنا وهناك، العاصمة ستكون في القدس التي احتلت في حزيران من عام 1967.
والواقع أن العالم كله مجمع على أن القدس الشرقية هي مفتاح السلام وبدون حل هذه القضية لن يتحقق هذا السلام الذي ينشده العالم أجمع. كما أن هناك إجماعا عربيا ودوليا على أن القدس الشرقية هي جزء من الضفة الغربية وأنها يجب أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية، كما أن العالم كله بما فيه الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي الأول لإسرائيل مجمع على رفض الإجراءات الإسرائيلية في القدس ويعتبرها أرضا محتلة، وكذلك فإن قرارات الشرعية الدولية ترفض تلك الاجراءات انطلاقا من مبدأ "أنه لا يجوز ضم أراضي الغير بالقوة".
إن الإصرار الإسرائيلي على اعتبار القدس الشرقية مع القدس الغربية "عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل" إنما يجعل من تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أمرا مستحيلا، إذ أنه لا يمكن لأي فلسطيني أن يقبل التخلي عن مدينة القدس أو أية أجزاء منها.
ولكن القيادة الفلسطينية أكدت وما زالت تؤكد أن القدس الشرقية ستكون مدينة مفتوحة أمام الجميع يؤدي فيها اتباع الديانات السماوية الثلاث شعائرهم الدينية في أماكنهم المقدسة بكل راحة وحرية، وستكون حرية الوصول الى تلك الأماكن مكفولة للجميع، وكذلك فإن هذه المدينة المقدسة ستكون مفتوحة للجميع، ليس لاتباع الديانات السماوية الثلاث فقط بل لكل عشاق هذه المدينة في أي مكان وجدوا.
وحول المدينة المقدسة أكد الرئيس عباس أيضا على الحل السلمي ورفض الحلول العنفية وسفك الدماء حيث قال "نحن لا نهوى الموت" ورفض الشعار القائل "شهداء بالملايين رايحين على القدس" وردد الشعار السلمي "رايحين أبطال وأحرار بالملايين على القدس " فنحن شعب نعشق السلام ونرفض القتل والعنف وسفك الدماء، ونحن نريد القدس كأبطال وأحرار لأننا عشاق الحياة ولكن حياة الكرامة والعزة والحرية والبطولة والإباء.
وحول قضية الأسرى أكد الرئيس أبو مازن كذبة ادعاء بأن هناك علاقة بين الإفراج عنهم وبين الاستيطان وشدد على أنه بصبرنا استطعنا الإفراج عن الدفعة الثالثة منهم والتي تضمنت أسرى مقدسيين، مع أن اسرائيل كانت ترفض الافراج عن أسرى من القدس، وأضاف أن الدفعة الرابعة من إطلاق سراح الأسرى ستشمل على أسرى من أهالي ال48، وأكد أنه ستكون لنا جولات أخرى لإطلاق سراح مزيد من الأسرى حتى يتنسموا نسيم الحرية. وقال الرئيس إنه إذا أرادت إسرائيل الربط بين تحرير الأسرى والاستيطان فنحن في حل مما التزمنا به، فإذا فسخ أحد الأطراف العقد فإن من حق الطرف الآخر فسخه.
والحقيقة أن الرئيس يضع قضية تحرير الأسرى في سلم أولوياته حتى ينهي هذه القضية الإنسانية التي تجعل آلاف الأسر تعيش في حزن وهم وغم دائمين. ذلك أنه عقب كل اتفاق سلام بين المحاربين يطلق سراح الأسرى وهذا هو المتعارف عليه منذ القديم وإسرائيل في كل اتفاقاتها مع الدول العربية فإن أول شرط تضعه إطلاق سراح أسراها.
وفي حديثه عن قضية المصالحة فإن الرئيس عباس جدد القول بأنه لا تناقض بين المصالحة والمفاوضات وأكد أنه طلب المصالحة قبل البدء في المفاوضات ولم يحدث أي شيء. ودعا الرئيس في كلمته أمام الوفد المقدسيّ حركة حماس إلى المصالحة الوطنية لأنها مصلحة وطنية، وشدد على أن إبعاد غزة عن الضفة هو إنهاء لوحدة الأرض والشعب، وشدد على أن غزة جزء من أرض فلسطين وأن علينا أن نستعجل المصالحة لنحافظ على وحدة الشعب الفلسطيني.
وتساءل الرئيس أبو مازن ماذا نستفيد من هذا البعد وهذه الفرقة؟ وأجاب قائلا "لا شيء" بل إن قضيتنا الوطنية تتضرر من سيء الى أسوأ، وقال أن طريق المصالحة واضح لا شروط ولا أي شيء آخر بل الطريق يتمثل في تنفيذ ما اتفق عليه في الدوحة والقاهرة، ودعا حركة حماس الى التوقف عن الادعاء بأنه يضغط على القيادة الفلسطينية، وأكد أن حماس تعرف أن القيادة الفلسطينية لا تخضع للضغوط وإنما تعمل من منطلق المصلحة العليا للشعب الفلسطيني.
والواقع أن السبيل الى المصالحة واضح كل الوضوح كما أكد الرئيس، ويتمثل في الذهاب الى الانتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة، وكذلك انتخاب مجلس وطني جديد تشرف عليها حكومة كفاءات وبإشراف عربي ودولي، وفي أجواء من الديمقراطية والنزاهة والشفافية يقول فيها الشعب كلمته بحرية ويختار من يشاء من المرشحين. وقد شدد الرئيس دائما على أنه سيقبل بنتائج تلك الانتخابات أيا كانت نتيجتها.
والواقع أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية قد استحقت منذ حوالي أربعة أعوام، وكان يجب اجراؤها في عام 2010، ولكن حركة حماس ترفض إجراءها في قطاع غزة بذرائع وحجج، وقد سبق أن أجريت انتخابات رئاسية وتشريعية في عام 2006 وشهد العالم كله بنزاهتها وكانت تجربة ناجحة بكل معاني الكلمة.
إن شعبنا الفلسطيني زهق وسئم من كثرة الحديث عن المصالحة كما قال الرئيس عباس لأنه لا يرى الا كلاما وتصريحات لا تطبق على أرض الواقع، مع أن الواجب الوطني يفرض على الجميع التعالي على المصالح الحركية والحزبية والفصائلية والإسراع في تحقيق هذه المصالحة التي تكرس الانفصال والانقسام. والواقع أن الكرة الآن في ملعب حماس التي عليها أن تلتزم بما وقعته من اتفاقات لتحقيق المصالحة من اتفاقات القاهرة ومكة المكرمة وصنعاء والدوحة. وتذهب الى الانتخابات وتخضع لارادة الشعب الفلسطيني ولمصلحته الوطنية العليا.
وحول حق العودة للاجئين قال الرئيس عباس أن هذا الحق خيار شخصي لا تملك السلطة الوطنية ولا الدولة ولا منظمة التحرير الفلسطينية ولا القيادة الفلسطينية منع أي شخص من حقه في العودة، وقد تكون هناك خيارات أخرى وأن من حق اللاجئ أن يختار ما يشاء وأن هناك تعويضاً وتفاصيل أخرى، وشدد أن هذا الحق عائد للشخص نفسه فلا يستطيع حتى الأب أن يجبر أولاده على التنازل عنه إذا أرادوا هذا الحق. وهكذا فإن اللاجئ الفلسطيني له الحق في اختيار ما يريد دون إكراه أو ضغط من أحد عليه.
وحول الأوضاع المأساوية التي يعيشها إخوتنا الفلسطينيون في مخيم اليرموك في العاصمة السورية دمشق والتي تمزق قلب كل عربي ومسلم، حيث أن الكثير منهم خاصة من النساء والأطفال والشيوخ قضوا جوعا أو مرضا، حيث أن الصراع المسلم بين الأطراف المتصارعة أدى الى منع دخول الغذاء والدواء الى المحاصرين في المخيم.
وأكد الرئيس في حديثه الجامع مع الوفد المقدسي أن القيادة الفلسطينية تتبع سياسة أننا ضيوف في الدول العربية ولا نتدخل في شؤونها الداخلية، وقال إن المخيم في بداية الأزمة كان هادئا ولكن الأيدي القذرة المستأجرة سرعان ما لعبت داخل المخيمات الفلسطينية، وأدخلته في الصراع السوري بين الأطراف المتقاتلة ما أدى الى تدهور الأوضاع في تلك المخيمات خاصة في مخيم اليرموك.
وشدد الرئيس أبو مازن على أن العلاقة الفلسطينية مع جميع الأطراف واحدة، وأن هناك وفداً في دمشق يمثل منظمة التحرير الفلسطينية يحاول إيجاد الحلول لهذه الأزمة الإنسانية المروعة ويحاول إدخال المعونات الغذائية والطبية إلى المخيم ولإخراج الجرحى والمرضى منه، وأعلن إطلاق حملة لإسعاف إخوتنا داخل مخيم اليرموك، وهاجم الرئيس بشدة الذين أدخلوا المخيمات الفلسطينية في النزاع السوري وقال إنهم خونة للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني.
وقد لاقت الدعوة التي أطلقها الرئيس عباس لإغاثة أبناء شعبنا في مخيم اليرموك استجابة كاملة من أبناء شعبنا في القدس والضفة، حيث بدأت حملات لجمع التبرعات لأولئك المنكوبين، ولا شك أن الرئيس عباس كممثل شرعي للشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده يتابع كل صغيرة وكبيرة تخص هذا الشعب، ومن هنا جاءت وقفته المشهودة مع أشقائنا في مخيم اليرموك. وذلك من منطلق أن الشعب الفلسطيني أينما وجد هو شعب واحد لا تفرقه الحدود مهما تباعدت.
وأما بالنسبة لما تطالب به اسرائيل من اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة العبرية فقد أكد أننا لن نقبل بيهودية الدولة ولن نعترف بها، وذلك لأسباب كثيرة قدمناها للجانب الإسرائيلي، وشدد على أن هذه النغمة أي يهودية الدولة نغمة جديدة لم نسمعها إلا منذ عامين فقط، وقال أننا نطالب بإقامة دولتنا الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران عام 1967.
وشدد الرئيس في خطابه أمام الوفد المقدسي أننا صامدون في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وفي كل مكان، وأننا سننال حقوقنا المشروعة بهذا الصمود لاننا طلاب حقوق مشروعة.
والواقع أن خطاب الرئيس هذا كما كل خطاباته السابقة يتصف بالمكاشفة والمصارحة، فهو لا يتحدث داخل الغرف المغلقة بلغة غير التي يتحدث بها في الاجتماعات المفتوحة. وهو صادق في كل توجهاته وهو ينفث روح الأمل في نفوس أبناء شعبه، وهو واثق من أن هذا الشعب الصابر سيحقق أمانيه المشروعة في الحرية والإستقلال ودولته المستقلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الخامس من حزيران لعام 1967 مهما طال الزمن. والله الموفق
الكتلة الاستيطانية الرابعة في "بيت إيل".. فأين الخامسة؟!
بقلم : عبد الناصر النجار – الايام
هناك فرق شاسع بين قوة الحق والقوة المادية المطلقة.. نحن الفلسطينيين نعتمد في محادثاتنا مع الجميع على قوة حقنا في هذه الأرض... في الوقت الذي تعتمد فيه إسرائيل على مبدأ القوة المادية المطلقة.. وفي المقدم منها القوة العسكرية؛ كونها الأقوى بلا منازع في منطقة الشرق الأوسط، بل تعد ضمن القوى العالمية، علاوة على قوة الاقتصاد والإعلام. فمعظم وسائل الإعلام العالمية المؤثرة إما مملوكة لأباطرة المال اليهود والحركة الصهيونية أو لمقرّبين وداعمين للحركة الصهيونية وإسرائيل.
ولا شك في أن العالم بما فيه واشنطن لا ينظر كثيراً إلى قوة الحق ومفاهيم العدالة بقدر ما ينظر إلى مفهوم المصالح والقوة المادية بكافة أشكالها... فلا معنى للأخلاق في عالم تسوده نظريات سياسية قائمة بالأساس على بناء القوة العسكرية والاقتصادية.
سلطات الاحتلال تستطيع أن تفرض ما تشاء أو أن تضع العراقيل وتركل كل ما لا ترغب فيه... حتى لو مارست واشنطن قليلاً من الضغوط السياسية أو الاقتصادية على قادة الاحتلال، لأنها تحتمي بقوى مادية متعددة وعميقة ليس من السهل تغييرها.
نتنياهو ليس رابين أو شارون أو حتى شامير، فهو يمتطي صهوة اليمين الأكثر تطرفاً في إسرائيل من أجل الحفاظ على موقعه السياسي... لذا فهو غير قادر بالمطلق على تبني سياسات براغماتية ولو بحدها الأدنى للوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين برعاية أميركية، وهذا ما تؤكده الصحف الإسرائيلية، أيضاً.
وبناء عليه فهو يبحث دائماً عمّا يعرقل أي فرصة لإيجاد تقدم في المسار السياسي... وأبرز مثال على ذلك "يهودية الدولة"، فهو يعلم أن الفلسطينيين لن يقبلوا بالمطلق بيهودية الدولة التي تعني في الأساس نكبة جديدة لمن ظل صامداً على أرضه الفلسطينية في العام 1948.
ولعلّ الإجماع الفلسطيني من أعلى قمة الهرم وحتى آخر مواطن فلسطيني حول هذه القضية هو الذي يزيد إصرار نتنياهو واليمين الإسرائيلي على تبنيها؛ لجعلها "مسمار جحا" في طريق المفاوضات.
ومن بين طروحات نتنياهو الجديدة أن تصبح "بيت إيل" كتلة استيطانية رابعة إضافة إلى الكتل الاستيطانية الثلاث في الضفة الغربية والتي تمزق أوصال الجغرافيا الفلسطينية.
تصوّروا كيف ستكون شبكة الطرق والمواصلات بين هذه الكتل الاستيطانية، وكيف ستمر في دولة فلسطينية من المفترض أن تكون مستقلة، ولها سيطرة كاملة على أراضيها؟... أما الكتلة الاستيطانية الخامسة التي يرغب نتنياهو في إضافتها فهي كتلة "كريات أربع" والبلدة القديمة من الخليل امتداداً إلى حي "تل الرميدة" الذي تجري فيه الآن حفريات إسرائيلية تحت ادعاءات واهية.
إذن يهودية الدولة، وزيادة عدد الكتل الاستيطانية، والإبقاء على الأغوار، والتأكيد على إلغاء تام لحق العودة بحيث وصل الشطط الإسرائيلي في هذه القضية إلى حد القول إنه لن يسمح حتى للاجئ واحد بالعودة إلى (إسرائيل).
وأمام هذه المعطيات، فإن آفاق نجاح المسيرة السياسية تبدو أبعد مما يتصور البعض... ولهذا فإن أي فشل قادم في الأساس ناجم عن العبقرية الإسرائيلية في اختراع المعيق تلو الآخر... وهي في الوقت نفسه تراهن على أن يأتي الرفض من الفلسطينيين لتحميلهم وزر مسيرة لا يملكون فيها سوى قوة الحق... ويفتقدون فيها بشكل كامل للقوة المادية في ظل المتغيرات العربية الراهنة... والتحولات التي ربما تحتاج إلى سنوات قبل استقرار حقيقي، لتعود القضية الفلسطينية إلى موقعها السابق.
مخيم اليرموك بين زمنين
بقلم: حسين حجازي – الايام
كنا نسافر من بيروت إلى المخيم ببطاقات انتمائنا إلى الفصائل، عبر الطريق البري الذي يخترق المنحدرات الجبلية لسلسلة جبال لبنان الشرقية، التي تصل لبنان ببلاد الشام الأم قبل أن ينفصل لبنان الذي جاء ذكرُه في العهد القديم، كأجمل بقاع الأرض عن سورية قلب بلاد الشام، وموطن الجغرافيا الطبيعية لفكرة القومية العربية.
تقلنا سيارة الأجرة القديمة هنا من منحدر جبل الدروز العرب من بني معروف، وقد تركنا وراءنا بلدة خلدة التي استشهد دفاعاً عنها العقيد عبد الله صيام في معركة خلدة على أبواب بيروت، احد افضل قادة كتائب عرفات. وقد بدأت السيارة تصعد بنا من عرمون صعودا إلى بحمدون، والى عاليه وصوفر حتى تبدو بيروت من هذا المرتفع، وكأنها تسقط في هوة سحيقة. هنا مررنا شتاء إلى قصر آل جنبلاط في "المختارة"، في انتظار الزعيم الشاب لإلقاء التحية على قبر والده الزعيم الكبير كمال جنبلاط. وها هو على مرمى النظر او حجر من "ظهر البيدر" و"الشبانية"، يبدو جبل صنين الذي تغني له فيروز. ولربما هنا من على هذه الحدائق الجبلية المعلقة، ولدت أغنيتها عن ضياع شادي الذي كان يلعب طفلا بالثلج على هذه السفوح الجبلية.
وحينما نترك سلسلة الجبال وراءنا سيبدو البقاع وبلدة "شتورة" أمامنا مثل سهل فسيح ومنبسط، ها نحن نوشك على بلوغ بوابة المصنع التي تفصل الحدود بين لبنان وسورية، وحيث ننعم باستراحة قصيرة في بلدة شتورة لتناول بعض الطعام. وهذه الوجبات السريعة اللذيذة من مطعم على الطريق تعود ملكيته لامرأة ذاع صيتها في سنوات غابرة، كواحدة من اشهر راقصات الزمن القديم في مصر الملكية، وخلدها المخرج المصري الشهير حسن الأمام في واحد من أفلامه الاستعراضية الرائعة، هذه هي السيدة بديعة مصابني.
كان المخيم في ذلك الوقت "جسم احمد"، كتب محمود درويش مرثاته عن مأساة مخيم آخر هو تل الزعتر. "مخيماً ينجب مقاتلين وزعتر". لكن المخيم الذي دخلته أول مرة لم يكن يشبه المخيم الذي تركته على شاطئ البحر لآخر مرة هنا في غزة، ولا المخيمات التي اعتدنا الذهاب اليها بل والسكن فيها أحياناً أخرى، في شاتيلا وصبرا أو برج البراجنة على أطراف بيروت. كان اليرموك يشبه اسمه الكبير يبدو في مساحته وترامي بنيانه المدني الحديث، وشوارعه العريضة كما لو انه مدينة أكثر من كونه بنايات صغيرة متلاصقة، بيوتاً متلاصقة لا يفصل بينها سوى أزقة ضيقة، كما هو الحال في مخيمات بيروت. وذلكم هو الخزان البشري للثورة الفلسطينية المعاصرة، حيث نبدو نحن القادمين إليه من بيروت الجمهورية الثورية، كما لو اننا نأتي اليه من ميدان المعركة الخطوط الأمامية هناك، لتمضية استراحة إجازة محاربين ثم نعود ثانية.
عاتب الرئيس السوري حافظ الأسد ياسر عرفات الخصم اللدود الذي ظل يتصارع معه على ملكية القرار الفلسطيني، في اللقاء التاريخي الذي جرى بينهما غداة خروج الرجلين من بيروت صيف العام 1982. "أولا زلت يا عرفات تتهم سورية فيما جرى في تل الزعتر؟ ولماذا فضلت الذهاب الى اليونان ثم الى تونس بدلا من دمشق؟ "وبحسب الرواية فإن عرفات أجاب الأسد بأن الحكم على ما جرى في تل الزعتر متروك للتاريخ، وقد أردت في مغادرتي إلى اليونان التعبير عن عتبي على أمتي العربية. لكن عرفات كما الأسد اللذين ما كانا يسلمان بما حدث في العام 1982، ظلت عودتهما الى لبنان يمثل الهدف الرئيسي والأولوية لكليهما، وقد تبقى لعرفات شمال لبنان والبقاع كما طرابلس. وبقي للأسد حلفاؤه اللبنانيون الأقوياء، وسوف يعود كلاهما الى لبنان بعد مضي سنة، لينتهى هذا الصراع الأخوي في معركة طرابلس، ثم تتواصل تداعياته في ما سمي "بحرب المخيمات"، قبل أن تلقي انتفاضة الفلسطينيين العام 1987 بظلالها على هذا الصراع وتطفئ جذوته الأخيرة.
هنا بعودة عرفات التاريخية الى فلسطين، سيفقد الخارج الفلسطيني أهميته المحورية، لا في الاستراتيجية التعبوية القتالية الفلسطينية، ولكن بإسدال الستارة على حقبة تاريخية كانت فيها المخيمات الفلسطينية في الأردن كما في لبنان وسورية، هي الخزان الحربي في هذا الصراع المزدوج والمتداخل بين حروب الثورة الفلسطينية مع إسرائيل، وعلى جبهة الأخوة الأعداء. انتهى الأمر.
واذ سيضع الفلسطينيون كل بيضهم وثقلهم في الصراع من داخل فلسطين وجها لوجه مع إسرائيل، فإن المخيمات في أماكن اللجوء سوف يقتصر دورها ومكانتها في تجسيدها المادي لحق العودة، باعتبارها تمثل قضية اللاجئين.
لم يعد المخيم مخيم المرثاة القديمة بعد زمن أغاني المنفى البطولية، جسم احمد ولا دمشق جفون احمد. وبعد الوحدات واليرموك وشاتيلا وبرج البراجنة، سينهض احمد من جديد مثل قيامة المسيح، ولكن هذه المرة في مخيم جنين وجباليا. "وهذا بفضل الانتفاضة"، وضع العنوان لمقالتي مدير تحرير المجلة حسن البطل فوق الصورة التي تظهر الرئيس السوري حافظ الأسد يستقبل ياسر عرفات في قصر المهاجرين بدمشق العام 1988، إيذانا بفتح صفحة جديدة بين الثورة الفلسطينية والعلاقة مع المنفى كقطع استراتيجي مع مرحلة، وهي مرحلة قد يمكن الآن ان نكتب في نهاية ذيلها الطويل، انها برغم كل مآسيها وما يؤخذ عليها، حتى في ذروة الصراعات المنكودة التي شهدتها، حافظت سورية الدولة تحت حكم آل الأسد على تحييد الفلسطينيين في مخيمات اللجوء داخل أراضيها، عن دفع ثمن هذه الخصومة المتواترة. وربما استخدمت حلفاءها في لبنان في أوقات مختلفة لتصفية حساباتها مع القيادة الفلسطينية، وحتى سعت في ظل حكم الأسد الأب إلى بذر الشقاق بين صفوفهم. لكن الفلسطينيين في سورية ظلوا يعاملون من قبل الدول كأفضل معاملة يتلقاها الفلسطينيون في أماكن لجوئهم، أسوة بالمواطنين السوريين انفسهم وبجميع الامتيازات والحقوق التي يحصلون عليها. وحين اغتال الإسرائيليون خليل الوزير (ابو جهاد) في تونس، لم تجد القيادة الفلسطينية مكانا يؤوي مثواه الأخير سوى دمشق، وفضل جورج حبش ان يقضي أيام شيخوخته الأخيرة فيها ويموت، وكذا يواصل نايف حواتمة أمد الله في عمره البقاء فيها. وحينما ضاقت الأرض بخالد مشعل وإخوانه من قادة حماس، وكذا فتحي الشقاقي ورمضان شلح قادة الجهاد الإسلامي كان المخيم يتسع لهم. ومنه في الطريق الذي مررنا به صعودا بين منحدرات جبال لبنان، كان باستطاعتهم جميعا الوصول الى مخيمات لبنان. ومنه انطلق محمود المبحوح لإيصال السلاح الى حماس في غزة.
وهذه كانت القصة قبل ان تتحرك لعبة الأمم لإسقاط وقتل الدولة السورية، وقد قلنا هنا في وقت مبكر ان هذه العملية سوف نكون نحن الفلسطينيين أول من يدفع ثمنها، ودعونا الرئيس ومشعل معا للتحرك مبكرا والإلقاء بورقة قدسية القضية الفلسطينية، لوأد وإفشال هذه اللعبة. ولكن القادة الفلسطينيين لم يفعلوا، حتى صرح أخيرا السيد اسامة حمدان بالحل والمخرج الوحيد، ولكن بعد استفحال أزمة المخيم، بأن على المسلحين ان يسووا وضعهم مع الدولة السورية ويخرجوا من المخيم.
ونعرف الآن ان الخيار الذي واجهه الرئيس السوري كان دقيقا وحرجا، فمن جهة هو لا يريد اللجوء الى العمل العسكري لإخراج المسلحين من المخيم لما للقضية الفلسطينية والمخيم من حساسية، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن للدولة القبول بأخذ المخيم كرهينة لإدامة سيطرة المسلحين على هذا الجزء من عاصمته، فكان الحصار هو الخيار في تراجيديا أخرى تعيد استحضار مأساة حصار تل الزعتر، ولكن في المرة الثانية أقرب إلى الكوميديا أو العبثية السوداء. حين يبدو واضحا لنا اليوم وبجلاء التناقض والفارق بين ثورتين وزمنين وبين عصرين، وحيث يعقب غالبا الثورات، الثورات المضادة. ويرفض التاريخ إبقاء المساحات الفارغة، حتى وان كان إملاء الفراغ الذي تركه الثوريون القدامى في المخيم، يتطلب إملاءه بهذه العينة أو النوعية من الثورجية السمجة.
استفتاء بطعم الفرح
بقلم: صادق الشافعي – الايام
حوّل أهل مصر الطيبين المجبولين بالمرح والاستبشار عملية الاستفتاء على دستورهم الى مناسبة احتفالية بكل أجوائها وأفراحها وتعبيراتها، استحضروا بهذه المناسبة شخصية مصر العريقة وبعثوا روحها الحقيقية الأصيلة، اظهروا ألقها وتوهجها وتسامحها، كما بينوا قوة عزيمتها وصلابة إصرارها.
شارك في الحفل كل أهل مصر بكل غنى تنوعهم، وحدهم أهل النكد والاستحواذ والظلامية غابوا عن الفرح، وانزووا على انفسهم يندبون حظاً خذلهم ويتحسرون على فرصة أضاعوها بعنتهم وظلاميتهم.
حضرت المرأة المصرية بكثافة لافتة تحمل معها تاريخها ودورها المشرفين وتحمل معها إصرارها على رفض الإلغاء والتهميش الذي كان يبشرها به الحكم المخلوع، كما تحمل أيضا عبقها وبهجتها وانشراحها، فاحتلت صدارة المشهد بكل جدارة واستحقاق.
وفي ذكرى ميلاده (15/1/1918) الذي تصادف مع اليوم الثاني من ايام الاستفتاء، حضر جمال عبد الناصر، حين انتشرت صوره بكثرة في معظم اللجان الانتخابية منفردة أو مرافقة لصورة الفريق السيسي، في تأكيد عفوي ولكنه عميق الدلالة على استمرار وتواصل مبادئه ونهجه وقيمه عبر الأجيال. العرب أيضا حضروا، كما أهل الدار، من باب الاهتمام الشديد بما يجري بمصر، ومن باب الأمل ان تنهض وتتقدم، ففي ذلك نهوض وتقدم لكل العرب.
وافق المصريون على الدستور بنسبة مشاركة يتوقع ان تكون مريحة، وبنعم كبيرة.
بهذا الإقرار تبدأ عودة مصر الى ذاتها وهويتها بعد فترة تغريب طالت، وتبدأ استعادة روحها بعد محاولات من الكبت والتشويه. وبهذا ينفتح الباب واسعاً أمام نهضتها وتقدمها وتحقيق أماني أهلها بتعزيز استقلالهم الوطني، والعيش الحر والكرامة الموفورة، وفي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ولتبدأ بموازاة كل ذلك عودة مصر الى المنطقة والى موقعها المتصدر فيها لتقوم بدورها الطبيعي بعد سنوات طالت من إبعادها القهري، شهدت المنطقة خلالها نكسات عديدة، واستطالت فيها قامات لمحاولة موازاة القامة المصرية وربما لتجاوزها، والتصدي لملء الفراغ الذي أحدثه غيابها والقيام بدورها، ولكنها لم تملك من المقومات والقدرات ما يمكنها من ذلك او يؤهلها له.
لقد خاضت حركة الإخوان المسلمين واتباعها معركة إفشال الاستفتاء ومنع إقرار الدستور بكل إمكاناتها وطاقاتها، ومعها تحالفاتها، وفشلت في ذلك.
وجاء نجاح الاستفتاء، بنعم كبيرة ليضع حدا لكل جدل حول النظام القائم وطبيعته ودوره، وليكسبه شرعية دستورية لا غبار عليها ولا جدال حولها تحل محل الشرعية الشعبية التي ظل يمارس الحكم على أساسها منذ 3/7/2013.
ولينزع، في نفس الوقت، الشرعية الدستورية عن النظام المخلوع، بعد ان نزعت عنه حشود الجماهير المليونية شرعيته الشعبية. فالاستفتاء الذي جرى بقدر ما قال (نعم) قوية لإقرار الدستور ومن اجل مصر واستقرارها ونهضتها، فانه قال لا بقوة مساوية لحركة الإخوان المسلمين ونظام حكمهم المخلوع، وضد موقعهم المناهض لاماني الغالبية الساحقة من أهل مصر الذي وضعوا انفسهم فيه، ولممارساتهم العدوانية ضدهم وضد امنهم ومصالحهم ومرافقهم العامة.
المفروض ان ينهي ذلك، كل حديث أو جدل عن عودة النظام المخلوع وعودة رئيسه ومؤسساته، وان يقود الى عملية مراجعة عميقة تقوم بها حركة الإخوان لكامل تجربتها ومواقفها في السنوات الأخيرة، بالذات مراجعة نظرتهم وتعاملهم مع الناس التي أدت الى إيجاد حالة من التوجس وصلت حد رفض الناس لهم وعزلهم داخل ذواتهم، وبما يؤدي إلى عودتهم للانخراط في المجتمع وحركته كمكون من مكوناته.
لكن المؤشرات تؤكد ان هذا "المفروض" سيبقى في دائرة " المفروض" دون ان ينتقل الى دائرة الفعل والواقع.
وهذا ما يضع شارة النهاية ليس على مشروعهم في مصر فقط، ولكنه يضعها على مشروعهم لكل المنطقة. كما يضع شارة النهاية أيضا على الأجندات الأجنبية التي كانت تراهن عليهم لضمان استمرار سيطرتها على المنطقة.
بعد إقرار الدستور تتجه مصر نحو استكمال مؤسساتها الدستورية، وفي المقدمة منها الاستحقاقان الرئاسي أولا كما هو متوقع، ثم التشريعي.
والسؤال الأكثر إلحاحاً على المستوى الشعبي : هل يترشح الفريق السيسي لمنصب رئيس الجمهورية؟ هل ستتواصل المطالبة الشعبية له بالترشح ونشهد تنظيم فعاليات جماهيرية لتأكيد هذه المطالبة؟ وهل ستكون نتائج الاستفتاء على الدستور مشجعة له على الترشح؟
اذا حصل ذلك فلن يكون أمرا غريبا وغير عادي كما قد يبدو للبعض كون الفريق السيسي يأتي من القوات المسلحة.
فالذين يعرفون مصر وتاريخها يعرفون ان للجيش المصري مكانة خاصة وعميقة وعزيزة جدا في نفوس أهل مصر بمختلف أطيافهم وفئاتهم وطوائفهم وانه ظل دائما موقع أملهم وحصن سيادتهم وامنهم ومهوى رجائهم.
ان هذه المكانة لـ "جيش مصر" كما يصرون على تسميته وليس الجيش المصري مثلا، تضرب في عمق التاريخ المصري، وظلت قائمة ومستمرة في تاريخ مصر القريب منذ ايام محمد علي الى عرابي الى عبد الناصر وصولا إلى ثورة يناير و 30 حزيران و3 تموز. وإذا حصل وترشح الفريق السيسي فان ذلك يبقى ممارسة عادية لمواطن يكفل له الدستور حق الترشح، يقرر الناخبون الموافقة عليه او رفضه.
لكن يخطئ من يتصور ان الفريق السيسي في حال انتخب رئيسا لمصر سيكون نسخة مكررة عن عبد الناصر، فلكل زمان دولة ورجال. المهم ان يمتلك السيسي ما يجب ان يمتلكه كل قائد يتصدى للمسؤولية : معرفة حقيقية بحاجات الناس وتطلعاتها وأمانيها في الظرف المعين ومعطياته، واستعدادا عاليا للعمل بإخلاص على تحقيقها، وامتلاك القدرة على ذلك.
جردة حساب للإعلام "الفيسبوكي"
بقلم: صلاح هنية – الايام
"الإعلام الفيسبوكي" فاعل ونشيط ومتنوع، بعضُه يمارس مهمة الاعتراض الدائم دون وسطية على كل كبيرة وصغيرة، والبعض الآخر يستخدمه إعلاماً للصور وكل ما يفعله يومياً، والبعض الآخر يغرقنا بالاستنكار والاستهجان.
مؤخراً كتبت على صفحتي على "الفيسبوك" "إنني سأدعم باتجاه تأسيس التجمع الوطني للمستغربين وذلك تعليقاً على اتساع ظاهرة المستغربين من كل شيء، فبعضهم يستغرب أن الاحتلال لا زال يتحكم بالطرق الرابطة بين المحافظات ويضع حواجز طيارة وثابتة، والبعض يستغرب أن شبكة الأمان الاجتماعي للأسر المستورة تُدفع كل ثلاثة اشهر مرة، والبعض يستغرب أن المخيم يعاني من انقطاع خدمات وكالة الغوث الدولية منذ 44 يوماً".
مؤخرا تعاطى "الفيسبوك" مع برنامج تلفزيوني عبر فضائية فلسطين (حر الكلام) حول قرار وزارة الصحة تفريغ الأطباء بالكامل ( البعض اقترح أن يتم تحويل الكازينو في أريحا إلى مدينة طبية تستقطب الكفاءات وتحوي غرف عمليات وعيادات خارجية بدلا من انفاق 170 مليون دولار سنويا على التحويلات في الخارج، والبعض استغرب من عدم تقديم مسوغات لقرار التفرغ من قبل وزارة الصحة، والبعض استغرب من استخفاف وزارة الصحة بضعف إمكانية الأطباء على الاستقالة لأنهم لا يستطيعون. البعض يسأل هل الحوافز للتفرغ ستشمل الأطباء فقط؟ ترى هل يستطيع الطبيب ان يعمل حتى العاشرة مساء في المستشفى وعيادات الرعاية الاولية دون عامل التنظيف والممرض وخبير الاشعة والمختبر وموظفي التسجيل والمالية)؟
الاعلام الفيسبوكي تعامل مع اللقاء التطبيعي في مدينة البيرة بصور مختلفة واقصاها توجيه الاتهام والنعوت القاسية ضد مدينة رام الله وكأنها هي المطبعة وهي المذنبة، وغضب البعض من دفاعنا عن رام الله كمدينة نحبها وإن طبّع من طبّع.. لا تدان رام الله بل يدان المذنب.
خارج الإعلام الفيسبوكي دعونا نقول ..... لم تعد أجندة عمل الحكومة تتسع للنظر في قضايا حقوق المستهلك التي طالها التغول في الأسعار وضعف آليات الرقابة وضعف آليات الإجراءات القانونية الرادعة، وفوق هذا وذاك عدم اعتماد نموذج دول الجوار في التدخلات الحكومية المباشرة للتأثير على خفض الأسعار كما فعلت الأردن من خلال تحديد سقف سعري عادل لطبق بيض المائدة وتسعة انواع من الخضروات، وكذلك فعلت مصر.
لم يعد واضحاً لدى الحكومة الارتباط الواضح بين ارتفاع أسعار السلع الأساسية والتغول فيها وبين تصاعد مطالب القطاعات كافة بتحقيق ارتفاع في الرواتب وربطها بجدول غلاء المعيشة حتى يتمكنوا من مواجهة بورصة الأسعار الاخذة بالارتفاع دون تحقيق تدخلات حكومية إيجابية، والاكتفاء بدعوة النقابات تفهّم ضرورة استمرار المؤسسات بتقديم خدماتها للمواطنين.
ومما يدلل على ما نسوقه فإن الحكومة منذ آخر أربعة اجتماعات اكتفت بالبيان الصادر عنها بالحديث عن استنكارات وتأكيدات، دون الولوج لمرة واحدة في قضايا الأسعار وحقوق المستهلك.
لم تعد أجندة حركة فتح تتسع لممارسة دورها التاريخي والكفاحي تجاه صيانة حقوق المخيم واللاجئ وحماية اللاجئين والتركيز على حق العودة، رغم ان "فتح" انطلقت من ثنايا المخيم والنكبة والعودة وترعرعت في المخيم وتصلب عودها الكفاحي والنضالي في المخيم، حتى أن قيادتها التاريخية من الشهيد المؤسس ياسر عرفات مرورا ببقية القيادة التاريخية كانت تفاخر بالمخيم واللاجئين وانتصار حركة فتح لهم.
اليوم بات انقطاع خدمات الوكالة من المخيمات على مدار 44 يوماً، وما قبل ذلك تقليص خدمات وكالة الغوث الدولية وجهة نظر تقبل الاجتهاد والأخذ والرد، وليست قضية مصيرية يجب ان تقف أمامها كل مكونات النظام السياسي الفلسطيني إلا أن أحداً لم يحرك ساكنا، ترى هل عجزت وزارة الخارجية مثلا عن استدعاء المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين لبحث ملف اللاجئين والاهتمام في المخيمات من قبلها، هل عجزت دائرة شؤون اللاجئين عن المتابعة؟، هل باتت كل قضية في هذا الوطن تحتاج إلى تصعيد ميداني وإضراب ووقف العمل وتعليقه حتى يصبح على الأجندة؟.
فصل المقال "يجب فتح قنوات التأثير على الحكومة وقراراتها حتى نخرج من دائرة الشجب والاستنكار، وتارة نقول إننا سنعوض كل المتضررين من المنخفض الأخير رغم ان الحكومة تقول انه برنامج دعم وإسناد وليس تعويضا.
"كل شيء حي"
بقلم: رامي مهداوي – الايام
حاولت أن أستقصي معلومات حول اتفاق "قناة البحرين" الذي تم توقيعه في التاسع من كانون اول 2013، حيث شاركت فلسطين بالتوقيع على اتفاق حول التزود بالمياه على مستوى الاردن واسرائيل ، يمثل الاتفاق حلا فنيا لشح المياه في الاردن و منطقة ايلات و فلسطين التي تعاني من السيطرة الاسرائيلية على مصادرها المائية. وهنا يجب أن أشكر كل من ساعدني في تقديم المعلومات وأيضاً للنقاشات التي تمت، مما أثمر هذا المقال الاستقصائي بالمعلومات التي أضعها بين يديكم. شملت الاتفاقية العناصر التالية:
انشاء محطة تحلية للمياه في مدينة العقبة بطاقة انتاجية تتراوح بين 80 الى 100 مليون متر مكعب سنويا. تزود الاردن جنوب اسرائيل بـ 50 مليون متر مكعب سنويا من المحطة المنشاة في العقبة. تزود اسرائيل بالمقابل الاردن بنفس الكمية من بحيرة طبريا لمناطق الطلب في المملكة. تزود اسرائيل فلسطين بكمية 20-30 مليون متر مكعب سنويا بسعر يتم الاتفاق عليه لاحقا حسب مناطق الطلب في مناطق الضفة الغربية و غزة.
الاتفاق لا يرتبط بأي اتفاق ثنائي بين الدول الثلاث وتنفيذ بنود شراء المياه الاضافية من قبل فلسطين لا يجري ضمن الاجراءات المتعلقة باتفاقية اوسلو وانما بطريقة سلسة.
كمية المياه المزودة لفلسطين لا تخضع لاتفاقية اوسلو البند 40 ولا ترتبط بالوضع النهائي والحقوق المائية حيث ان هذه الكمية زيادة عن اي اتفاق. تنفيذ المشاريع ليصال المياه سيتم عبر آليات سريعة ولا تتبع اجراءات لجنة المياه المشتركة. سيتم نقل املاح محطة التحلية للبحر الميت و ذلك لعدم امكانية ارجاعا لخليج العقبة و الامر الذي رفضتة مصر.
سيعتبر خط المياه المالحة للبحر الميت كجزء تجريبي لمشروع ناقل البحرين لفحص كيف سيتصرف البحر الميت عند جلب مياه البحر الاحمر والميت، حيث لا تتعدي 100 مليون متر مكعب سنويا .
الاتفاق لا يعني الموافقة على مشروع ناقل البحر الاحمر الميت والذي يفترض نقل 2 مليار متر مكعب من مياه البحر الاحمر للبحر الميت بتكلفة اجمالية 12 مليار دولار، لكن يجب التأكد من عدم وجود مخاطر بيئية قبل تنفيذه.
هنا أضع قراءة اجتهدت بها حول ما وراء نص الاتفاق_ تختلفون معي وقد تتفقون_ فلسطين قدمت دعمها للاردن من اجل اقامة المشروع حيث عرف الاردن هذا المشروع على انه احد المشاريع الاستراتيجية، ولا يشكل هذا المشروع اي تهديد للحقوق المائية الفلسطينية وانما تم التوصل الى تفاهم حول مذكرة التفاهم التي تم توقيعها والتي تؤكد على ان اي ترتيبات تتعلق باتفاقية اوسلو، اي ان الجانب الفلسطيني يتمكن من الحصول على كميات مياه اضافية اذا تم التوافق على اسعار التكلفة.
الاردن والبنك الدولي ثبتا حق الفلسطينين بالمشاطأة للبحر الميت، حيث انه اصر على موافقة الفلسطينيين لتنفيذ المشروع كوننا حسب الاعراف الدولية نعتبر دولة مشاطئة، وهذا الامر لا تعترف به دولة الاحتلال و لكنها وقعت على المذكرة.
الرابح الاكبر فنيا واقتصاديا هو المملكة الاردنية، حيث انها قامت بالتوقيع على حل تقني يؤمن مصدر مياه دائم لمناطق الطلب في شمال المملكة و العاصمة، كما انها ستوفر مصدرا مائيا لمنطقة العقبة الاقتصادية.
اسرائيل ستحل مشكلة شح المياه بالجنوب و في منطقة ايلات والامر الذي لم تتمكن من بناء محطة تحلية خاصة بها لعدم سماح مصر و السعودية لارجاع المياه شديدة الملوحة للخليج. دولة الاحتلال تعلم ان وجودها في المنطقة غير مرحب به فاعتبرت توقيع المذكرة على انه نصر سياسي لترويج فكرة انها تدخل هي وجيرانها باتفاقيات فنية بعيدا عن الواقع السياسي.
فلسطين حققت مكسبا سياسيا ايضا ولكن هو رمزي يتعلق بضمان حقها بالمشاطأة للبحر الميت تبعا للاعراف الدولية، ايضا دعمت استراتيجا الاردن الشقيق ليحل بعض المشاكل المتعلقة بالضغط المائي، على المستوى الفني نحن نهدف الى تحقيق الاعتماد على الذات في انتاج المياه وبهذه الاتفاقية بدأت بعض الاصوات بالتسائل عن مصير هذا الهدف متناسيين اننا في المرحلة الحالية بحاجة الى المياه لدعم الصمود حتى نحقق الهدف باسترداد حقوقنا المائية في المستقبل. فلسطين رفضت مشروع قناة البحرين تبعا للتوصيات و قالت ان الحل الامثل لاحياء البحرالميت هو اعادة مياه نهر الاردن لمجاريها.
ما هو مطلوب الآن حتى نحقق انتصار له طعم؟؟ تشكيل لجنة متخصصة لدراسة السعر الامثل للمياه و الذي يعتمد على الكلفة و تقوم بدراسة كل الاحتمالات قبل الدخول بمفاوضات تحديد الاسعار مع الجانب الاسرائيلي. ان يتم توقيع الاتفاق الخاص حول اسعار المياه الاضافية فيما بين الحكومتين وليس ان يترك الامر لمزودي الخدمات لشراء المياه مباشرة من الجانب الاسرائيلي او من شركات القطاع الخاص الاسرائيلي. الاتفاق يجب ان يكون متكاملا بحيث يشمل الاسعار و اليات التنفيذ بما يضمن عدم تحكم الادارة المدنية بتنفيذ الوصلات و الخزانات التي ستستوعب هذه الكميات المشتراة. ان يتم تحصيص كمية لتزويد المناطق المصنفة ج و مناطق الاغوار بما يضمن سد الاحتياجات المنزلية و الزراعية و المشاريع السياحية و الصناعات الزراعية.
لَكُم رأيُكُم وَليَ رأيْ...
بقلم: آصف قزموز – الايام
عندما يفقد الإنسان الحجة القوية والدليل الدامغ لمواقفه، سرعان ما يمتشق سيف الصوت العالي وإثارة الضجيج والشتيمة وسب الآخرين بغير حساب، وهذا أيضاً لسان حال كل الذين يمثلون في حقيقتهم ظواهر صوتية وحسب، لذا لم تفلح اعتذارات يعالون وزير الجيش الإسرائيلي، في إنهاء الأزمة تماما بين إسرائيل والولايات المتحدة، وعلى رأي المثل "الولد العاطل بجيب لأهله المسبة". لكن نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، والذي لا يختلف موقفه في الجوهر عن موقف يعالون وكذلك شمعون بيريس رئيس الدولة، كانا الأكثر لباقة في التعاطي مع موقف الولايات المتحدة تجاه السلام، ولاسيما تجاه جون كيري رئيس الدبلوماسية الأميركية، الذي كان عرضة للشتم والذم من قبل يعالون، الأمر الذي أشاد به تبادلياً جون كيري، حين أكد استمرار الولايات المتحدة والرئيس اوباما بالسعي لإحلال السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، مضيفاً "اتكلم مع رئيس الوزراء نتنياهو بشكل مستمر، وكلانا ملتزم بالمضي قدماً في عملية السلام ولا يمكن ان ندع بعض التصريحات تخرب هذه الجهود، وأنا شخصياً لا انوي ذلك" على حد قوله.
في ضوء المعطيات القائمة والحقائق المرة، يصبح لزاماً علينا أن نعمل على خلق حاضنة شعبية للموقف الفلسطيني والثوابت الفلسطينية، تكون سنداً وقاعدةً صلبة للرئيس أبو مازن والمفاوض الفلسطيني عموماً، وبالتالي نتابع السير قدماً في مقاطعة منتجات المستوطنات وخلق حالة جماهيرية شعبية على الأرض لإسناد ودعم السياسة الفلسطينية، بدلاً من محاولات خلق البلبلة والشائعات التحريضية ضد السياسة الفلسطينية، تحت عناوين ومسميات لا أساس لها بشكل يجعل هؤلاء من حيث يدرون ولا يدرون جزءاً من المعسكر المقابل.
لكن كل هذا يؤكد على أهمية أن لا يكون الشعب بعيداً عن حقائق ما يجري في التفاوض، بالحدود التي لا تضر بالمصلحة العامة من جهة، وتحصن المواطن من الشائعات والمواقف المغرضة والمضللة لحساب أجندات فردية أو فئوية وخارجية مقصودة من الجهة الأخرى، لا بل ويتحتم علينا إيلاء كل الجهد والاهتمام في تسويق ما يجري وتوضيحه للناس بدلا من ضياع الناس في الشائعات.
كيف لا، ونح نشاهد المعارضة الاسرائيلية، يستثمر فيها نتنياهو كسندٍ داعم له متى شاء، ويستعملها ضدنا وفزاعةً في وجهنا ووجه أميركا والمجتمع الدولي، بينما معارضتنا الفلسطينية وحتى العربية، لم تبرح مربع المعارضة السلبية، ولا تتعدى عمليات الشتم والقدح والذم والتثبيط، ناهيك عن تنصيب نفسها في غالب الأحيان حَكَماً يطلق صافرته كيف ومتى شاء، وتوزيع فِيَشِ الوطنية والخيانة عمال على بطال!! وهذا أمرٌ مريب وغريب ويجب أن ينتهي بإعادة النظر بجرأة وموضوعية في هذه الأدوار من قبل جميع أطرافنا دون استثناء.
أقول قولي هذا، بعدما تبين الرشد من الغي، وبات بائناً بينونةً كبرى، أن الخيارات قد ضاقت وغابت كما الحول والقوة، ولم يعد أمامنا خيارات جدية سوى التفاوض، وحتى لو كان لدينا كل الخيارات الأخرى فلا بد من الاستمرار في التفاوض، فالطرف الوحيد صاحب المصلحة في وقف التفاوض هو نتنياهو وحكومته وليس نحن، ناهيك أن جميع الأطراف العربية والدولية قاطبةً، متوافقة على ضرورة استمرارنا في التفاوض، ودليلي في ذلك، أننا دفعنا ثمنا باهظا خلال الأربع سنوات من الانقطاع عن المفاوضات، دون أي فائدة تذكر أو أملٍ يُرجى.
نحن ندرك أن الوضع التفاوضي مظلم، بسبب تعنت الطرف الإسرائيلي المندفع بقوة هائلة لتثبيت أقدام الاستيطان على الأرض، وتحديدا الأراضي المصنفة على أنها أراضي دولة، وذلك في سياق تقويض العملية التفاوضية وتقويض مقومات الدولة الفلسطينية المزمعة، الأمر الذي يحتم علينا بذل كل الجهود وزج الامكانيات لتعزيز صمود الناس في الأرض رغم الواقع الأليم على الأرض، جنباً الى جنب مع استمرار العمل على تفنيد وتعرية المفهوم الإسرائيلي للمفاوضات، وتعزيز المفهوم الفلسطيني وتوضيحه للناس وخصوصا للمجتمع الأوروبي والغربي، وهذا الأمر يجب أن يساهم به الكتاب والمفكرون والمسؤولون في مختلف مواقعهم ومسؤولياتهم، باعتبار التفاوض معركة وطنية نضالية حقيقية وليس شأنا فرديا محضا لا دخل للشعب به كما يحاول البعض تصويره، ولكن تحت يافطة وبوصلة الالتزام بالموقف الرسمي الفلسطيني.
نعم يا سادتي، في ضوء كل هذا، فإن علينا أن نستمر في التفاوض في جميع الظروف، مع استمرار جهودنا في تثبيت صمود شعبنا، وفي خلق الحاضنة الشعبية اللازمة لثوابت الموقف الفلسطيني، والاستمرار في عملية بناء وتنمية الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني ككل، وبناء مؤسسات الدولة وكأن الدولة ستقوم غداً، آخذين بالاعتبار أن أية حلول لقضيتنا لا بد وأن تشكل نتاجاً حقيقياً لتنمية شاملة ومستدامة تطال كل مكونات المجتمع في شتى المناحي، وهو ما يضع مسألة الاستقرار الاقتصادي في سلم أولويات أي حل.
وسواء كان الغرض الإسرائيلي من هذا التعنت العمل على جرنا كما درجت العادة، لمواقف ومربعات غير محسوبة وتمويت الفرص الممكنة لأي سلام، فإنهم ما زالوا يعملون على كسب الوقت والاستمرار في إدارة الأزمة التفاوضية والاستثمار بها، وهم في كل الأحوال غير جادين في تقديم أي شيء حتى الآن.
يجب أن نتذكر ان من ينسحب عادة، من المفاوضات هو الطرف القوي، الذي يمكن لانسحابه أن يؤثر ويضغط على الطرف الآخر وفي نجاح أو فشل المفاوضات، وليس ذاك الذي يستجيب انسحابه لأهداف خصمه وما يصبو إليه الخصم.
صحيح أن أركان حكومة نتنياهو يريدون أن يستخدموا المفاوضات كأزمة مستمرة، يستثمرون بها وفي إدارتها، من على قاعدة الديمومة في تثبيت حقائق مجحفة ومانعة للحل على الأرض. لكن هذا كله يجب أن يشكل حافزاً قوياً يدفعنا للعمل بجدية وإصرار على الاستمرار ببناء مؤسسات الدولة، والإعداد لكياننا الفلسطيني المستقل في مطلق الظروف دون أي توقف أو حَرَدْ.
فالمفاوضات تعني في ما تعنيه، السعي لمساومة توصلنا لحل توافقي، وبالتالي يكون كل شيء على الطاولة ومطروحا للتفاوض، وهنا يجب أن نكون جاهزين ولدينا البدائل لكل الاحتمالات في المساومة.
من هنا، يجب ترميم وشدشدة الوضع الداخلي أولاً وبشكل عاجل، وتكريس الجهود للتصالح مع الذات الداخلية وتحديداً إعادة اللياقة لمنظمة التحرير ولحركة فتح كحزب حاكم يحمل راية المشروع الوطني، وكذلك جبهة الإعلام الفلسطينية بكل مكوناتها، التي يجب ان تلعب دور المساند الداعم للقيادة وللمفاوض الفلسطيني، وليس دور الناقد السلبي والمهاجم الدائم للدور الفلسطيني بمنطق "عنزة ولو طارت"، كما يتوجب وضع المعارضة الفلسطينية أمام مسؤولياتها الوطنية، مثلما هو حال ودور المعارضة في إسرائيل، التي شكلت على الدوام سنداً دائما للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وليس معول هدم كما هو الحال مع بعض الجهات والأطراف الفلسطينية حتى الرسمية منها.
وإذا كان نتنياهو يحرص على الاستفادة من الوقت، من خلال مَطمَطَة المفاوضات وجعلها أزمة دائمة بيننا وبينهم، فلماذا لا نستثمر هذا الوقت من جانبنا في الانصراف للتركيز على تحصين البيت الداخلي، وتعزيز الصمود، والاستمرار في بناء مؤسساتنا واقتصادنا وكأن دولتنا قاب قوسين أو أدنى. فإذا كان معتقلونا في السجون يستثمرون وقتهم الطويل قي الانصراف لتطوير وبناء الذات، سواء من خلال القراءة واكتساب العلم والمعرفة أم من خلال انتاج الأشغال اليدوية وغيرها من الأعمال النافعة، فكيف الحال ونحن أمام مفاوضات متعثرة، وشعب بأكمله ممنوع من الحل والاستقرار يسعى لإقامة وبناء دولته المستقلة.
نعم هذا رأيي، قولوا فيَّ ما شئتم، فعملية التفاوض ماهي إلا عملية بحث عن صيغة حل سياسي بين الطرفين، وسيكون فيها اخذ ورد وشد وجذب، وبالتالي يجب أن نكون في حالة إعداد وحشد دائم وداعم، لا بل ونفير عام كما لو كنا في حالة حرب، إضافة الى تسويق الرؤى والسياسات الفلسطينية وحشد الناس حولها على كل المستويات الرسمية والشعبية، عربيا ودولياً ومحلياً وداخلياً، وذلك من على قاعدة الإقرار بأن كل شيء خاضع للتفاوض والمساومة، فمثلا حق العودة من غير المتوقع عاجلاً أم آجلاً، أن يتم الاتفاق مع الإسرائيليين على تطبيقه بحرفيته 100%، لأن ثمة تعقيدات وعقبات تولدت وفرضت على مَر السنين ستكون له بالمرصاد، ما يجعل أشكال التطبيق والتبادلية السياسية وغير السياسية مع هذا البند أمراً محتملاً جداً، مع الحفاظ على حقنا بالقدر والقيمة والتعويض. وأمام كل رؤية مفترضة من جانبنا، لابد من توقع أسوأ الاحتمالات وتحضير أنفسنا وبدائلنا مسبقاً، إذ سيكون فيها احتمالات ونسب مختلفة من الربح والخسارة. ولعمري إني أرى مشروع التقاسم الوظيفي يطل برأسه من جديد، وخلاف ذلك قولوا فيَّ ما تشاؤون وسنظل في كل وادٍ هائمين، والبعض على الأرائك متكئين، فبِئسَ ما يفعلون.
أنا فاض فيّ
بقلم: وليد بطراوي – الايام
ما سيأتي من كلمات قد لا يعجب الكثيرين! لكنها تقف في حلقي ولا بد ان تخرج قبل ان اختنق. لطالما رفضت استغلال الأطفال في الصراع السياسي، وقد كتبت مرة انه علينا ان نمنع الأطفال من المشاركة في المواجهات مع الاحتلال لسلامتهم اولاً، ولدحض الرواية الإسرائيلية التي تدّعي باننا ندفع الأطفال إلى الموت. ولعل الأطفال هم اكثر ضحايا الحروب والنزاعات، وصورة طفل جائع أو جريح او شهيد قد تثير مشاعر التضامن والتعاطف، الا أنها في نفس الوقت تخالف ابسط حقوق الطفل، وبنشرها لا نقل انتهاكاً للطفولة عن مرتكبي الجرائم. كما إنني ارفض دفع الأطفال الى الواجهة في الاعتصامات، حتى السلمية منها، لمجرد ان يتم التقاط الصور لهم وهم يحملون الشعارات التي في الغالب لا يستطيعون قراءتها ولا يستوعبونها، وارفض رفضاً قاطعاً تلك الصورة التي تحول الطفل الى بطل.
طلِعت حساس
على الموقع الإلكتروني لشركة كهرباء محافظة القدس زاوية تحمل عنوان "اسئلة شائعة". دخلتها للتعرف على ما فيها، فقرأت الكثير مما لم اكن اعرف، ووجدت نفسي "حساساً". ففي الصفحة 13 من الدليل بند يحمل عنوان "المشترك الحساس". قرأت التعريفات التي تلي العنوان فكانت "المريض الذي يتلقى العلاج بواسطة أجهزة تعمل بالكهرباء. وشخصيات مؤثرة في الرأي العام: عضو مجلس تشريعي، سياسيون، صحافيون، رجال أعمال، رجال دين وغيرهم". إضافة الى المرافق الحيوية مثل المستشفيات والوزارات، وكذلك المنشآت الصناعية. وبما انني "حساس" توجهت الى الموظفين في شركة الكهرباء للسؤال عن الخدمات التي تقدم للحساسين مثلي فقلت للموظف الأول "انا حساس"، فضحك، لكنني شددت على انه يرد في الدليل بند يعرفني على أنني "مشترك حساس"، فأصر انه لا يوجد مثل هذا التعريف. فقرأت له ما جاء في الدليل، عندها تدخل زميل له وقال "يعني كبار المشتركين". فسألت عن دائرة كبار المشتركين فقالوا لي انها ساعة الفطور. ولأنني "حساس" خرجت من مقر الشركة لمتابعة أعمالي، فليس لدي الوقت لانتظر انتهاء مائدة الفطور. وفضلت ان اتصل بأرقام شركة الكهرباء، فكان الخط مشغولاً، بعد حوالي خمس محاولات أجابتني أسطوانة فيها تعليمات. وصلت أخيرا الى "خدمة المشتركين" وهناك رددت الأسطوانة الأرقام للوصول الى "كبار المشتركين" فضغطت الرقم 6، لم يجب احد. حاولت مرة تلو الأخرى، وحتى اللحظة لم يجبني الرقم 6، ربما تم إلغاؤه لأن لفظه بالانجليزية "كلمة عيب"!
نظريتي
خلال سفرياتي الكثيرة، التقي زملاء أجانب وعرب من مختلف الجنسيات. نخرج ونتناول الطعام والشراب. وعندما يأتي الحساب، يمسك الأجنبي الفاتورة ويسجل ما اكل وما شرب، ويضع ماله على الطاولة، ربما مضيفاً بعض "الفكة" كبقشيش. أما العرب قيتسابق كل منهم على الدفع. الدفع بالمعنيين: النقد، والتدافع للوصل الى يد النادل او النادلة. أما أنا فما أن تصل الفاتورة، امسكها واقول لزملائي العرب "دعونا لا نتعارك، أنا سأدفع، ولي نظرية ستقبلون بها". ينصت الجميع فأتابع "ان احتمالية ان آتي لزيارتكم في تونس أو المغرب أو ليبيا أو اليمن أو مصر وغيرها من الدول، كبيرة جداً، وعندها لن تدعوني ادفع فلساً، أما احتمالية ان تأتوا الى فلسطين فهي ضئيلة وقد لا تحدث أبداً، ولهذا فأنا أستضيفكم الآن". يسكت الجميع!
استعدتها وأسعدتها
كتبت مرة على صفحة فيسبوك معترضاً على قلة وجود مرافق ونشاطات للأطفال تصل في كثير من الأحيان الى العدم. فجاءتني رسالة "على الخاص" من ابنة صفي منذ الطفولة هامة فريج تقول "وليد في مكتبة بلدية رام الله كل يوم سبت في نشاط للأطفال". شكرتها. وكان لي أن آخذ ابنتي يوم السبت الماضي لحضور نشاط صنع "قبعة الساموراي" من خلال فن "الاوريجامي" (طي الورق). ذلك اليوم، طلبت من المرشدة ورقة مثلي مثل باقي الأطفال، وصنعت قبعة بنفسي. أسعدت طفلتي وأسعدت في نفس الوقت طفولتي واستعدها، وفرحت ابنتي فرحا كبيراً ومنذ ذلك اليوم لم تكف عن طلب الورق لصنع الاوريجامي. نشاطات قادمة منها "حكايات ستي" احتمال كبير جداً ان اكون هناك.
لو كنت مسؤولاً
ومن قال إنني لست مسؤولاً. نعم انا مسؤول، وانت مسؤول وكلنا مسؤول. هذا ما أحاول أن أقوله في كل مرة، لان المسؤولية جماعية. المسؤول يا جماعة، ليس بالضرورة ان يكون صاحب وظيفة عالية المنصب، يعني ممكن أن لا يكون وزيراً او وكيلاً، وعندما ننتقد ظاهرة معنية، ونقول "لو كنت مسؤولاً" فإننا لا نقصد مسؤولاً بعينه، بل كل من يهمه الأمر، فلو كنت مسؤولاً لما تربصت لمسؤول اخر، ولما فسرت ما يقوله الآخرون على انه رسالة لمسؤول بعينه.
الشاطر انا
صاحبي شار علي في بزنس ماشي موضته في هالأيام. فكرة صناعة أعلام فلسطينية ورايات فصائل وطباعة بوسترات ويافطات وبيع سماعات، لانه السوق نار، ما في يوم الا في مسيرة او مظاهرة، وما بتلاقي الا هالأعلام والرايات مرفوعة، وهالطواقي مطبوعة واليافطات مزركشة، والسماعات شغالة، فأكيد في مصاري بتنصرف ع الأشياء فليش ما المصاري هاي تروح لجيبتي، يعني لبزنسي. قلت له يا زلمة إذا انحلت مشكلة اليرموك، وإذا انحلت الأزمة المالية، وإذا انحلت قضية "الأونروا" وإذا صار اتفاق بين إسرائيل وفلسطين، وإذا صار في مصالحة، وإذا صار في كل شي عنّا ويبطلوا الناس يطلعوا مسيرات ومظاهرات بينضرب البزنس، يعني لما يصير في انفراج في كل شي، بصير عندي أزمة في مشروعي. ضحك صاحبي وقال لي ما تقلق من (تووووت) اذا بصير انفراج، ولو صار بيظل عندنا فصائل وكل فصيل عنده مناسبة ولازم يرفع رايات ويطبل ويزمر ويطبع بوسترات وبلايز وطواقي، ودقي يا مزيكة! صاحبي هذا شو بنقول له؟ "شاطر شاطر"!.
سلاماً أيّها المسرح
بقلم: وليد ابو بكر – الايام
من نافذة عالية تطلّ على بحيرة الشارقة أُطلّ على جمال طبيعي، وآخر صنعه الإنسان، ثمّ أسرح في الماضي، حين كنت هنا أول مرة، ولم يكن الجمال الجديد اكتمل، وتحملني الذكرى إلى أيام مبكرة من العمر، خلقت بيني وبين المسرح رباطاً لا انفصام فيه، وجعلتني أفرح مع كلّ عمل يصل القلب، وأحزن من حال المسرح العربي حين يهبط، ويعود من يتابعه يتساءل عن زمنه الذي مضى؟
بدأت هذه العلاقة شاملة، وقوية أيضاً، منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، ربما لأن الظروف جمعتني مباشرة بأناس من أفضل من أحبّوا المسرح حيث كنت، فكان الطريق إليهم وإليه يقود إلى طريق أوسع، حتى صارت الخريطة تمتدّ على مساحة الوطن العربيّ، من خليجه إلى محيطه.
كان الزخم قد بدأ منتصف الستينيات، وجمع بعض شمله وقننه في أواخرها مهرجان دمشق المسرحي، بكر المهرجانات العربية التي توالدت بعد ذلك في كل مكان، من قرطاج تونس إلى القاهرة، ومن بغداد إلى المغرب، وإلى دول الخليج العربية، زخم امتدّ في فعله حتى حرب الخليج الأولى، وبدأ ينحسر إلا قليلا، لتضربه الحرب الثانية في الصميم، وليكون للربيع العربي فعله السلبي القاسي عليه حتى الآن.
خلال هذه المسيرة، وبين لقاء مسرحيّ وآخر، لم نكن نتعرّف على المسرح كأعمال تعرض على المنصات فقط، ولكنا كنا نتعرف على الناس، على المسرحيين، فنانين وبشرا، وفي مثل هذه الأجواء الاحتفالية، تنمو معارف كثيرة وصداقات. وكان الواحد منا حين يصل، يطوف بأرجاء الأمكنة التي ألفها، يبحث عن الوجوه التي يحبّ، فتنفتح القلوب بشاشة: ما زال أحبابنا بخير، وتحزن القلوب بعمق حين يغيب من يغيب.
هذه الألفة أخذت تتباعد شيئا فشيئا، لأسباب كثيرة، أبرزها ما أنتجته الظروف العامة، ولكن منها ما هو أجلب للحزن، هو صعود وجوه جديدة إلى الواجهة، لم يكن المسرح همها الأول، ولذلك لم تكن تعرف من الذي بنى ولا من الذي ساعد في البناء، حتى يمكن القول إن بعضها لم يحاول أن يوصل ما انقطع، فأخذ يبني في الهواء الطلق تماما، دون جذور، وكأنه يبدأ خطوة أولى لم تسبقها خطوات مؤسسة، لذلك لم يستطع أن يحقق ما هو مرجوّ منه، أو ما هو مرجوّ للمسرح.
في مهرجان المسرح العربيّ، الذي تقيمه الهيئة العربية للمسرح، كلّ عام في بلد عربيّ مختلف، والذي انتهت دورته السادسة في الشارقة أمس، كان الجوّ مختلفا، لا بسبب ما قدّم من أعمال مسرحية، لأن القليل منها يسمو إلى درجة المسرح، وبعضها لا يليق به، وإنما أساسا بسبب هذا الحرص الواضح على جمع من يمكن جمعهم ممن ارتبطت حياتهم بالمسرح، وممن ظلّوا أصواتا حاضرة وفاعلة في مهرجاناته، على مدى أجيال.
الدورة السادسة جمعت شمل المسرحيين، ومن خلال ذلك جمعت شمل الأصدقاء، أو كثير منهم على الأقلّ، لأن العيون وهي تبحث، كانت تفتقد من غابوا غياباً نهائيا، إضافة إلى قلة لم تصل إلى هذا التجمع الكبير، لأسباب أخرى.
جلس الذين عايشوا المسرح من بداياته الستينية كثيرا، وتذكروا كبارا أنتجوا فيه وأرسوا دعائمه، ممن غابوا. كان الموت بغيضا وعبثيا في بعض الأوقات: أخذ صقر الرشود (الكويت) مبكرا، ورحل بفواز الساجر (سورية) قبل أن ينجز إلا أقلّ طموحه (رغم أهمية ما أنجزا)، وجزّ عنق عبد القادر علولة (الجزائر) بالذبح "الحلال"، وهاجم سعد الله ونوس وممدوح عدوان (سورية) في عقر صمودهما، ولم يمهل حياة عوني كرومي ولا قاسم محمد (العراق)، ولا أمهل وجود سمير العيادي (تونس)، كما اختار الطيب العلج (المغرب)، وجميل جودي (تونس)، وسعد أردش وأحمد عبد الحليم (مصر) إلى جواره، وتطاول على آخرين وآخرين من كلّ قطر، ثمّ سبق هذه الدورة برحيل فاجع لواحد من أحبّ المسرحيين إلى المسرحيين، محمد بن قطاف (الجزائر).
في الشارقة، كانوا هناك جميعا، وكان غيرهم من الحاضرين كلّ الوقت، لأن نكهة المهرجان، لا تكتمل إلا بحضورهم، حتى وإن كانوا في الغياب، ولأن ذاكرة الذين حضروا، ممن عايشوا ذلك الزمن الذي نسميه جميلا، (وكان جميلا بالفعل)، لا يمكن أن تسقط من الصورة الرائعة لتلك الصداقات، أجزاء لا يكتمل الجمال إلا بها.
يخيل لي أن الذين تجمعوا في الشارقة لأسبوع كامل، من الأطراف "المسرحيّة" للوطن العربي، شعروا بنوع جديد من الحميمية، أقوى مما كانوا يشعرون به خلال السنوات القديمة، حين كانت لقاءاتهم متاحة في المهرجانات الكثيرة، وأظنّهم شعروا جيدا بأن هذه الدورة، التي حرصت على أن تجمع أكبر عدد مكن من المخضرمين في علاقتهم بهذا الفن، وممن استلموا الراية منهم، تستحق أن تسمى "المهرجان الجامع"، لأنها أتاحت للجميع أن يهتفوا داخل قلوبهم (وهم يتذكرون): سلامًا أيّها المسرح، سلامًا أيها الأصدقاء الغائبون، سلامًا أيها الأصدقاء الحاضرون أيضا!
تغريدة الصباح - "أبو يَزَن" في زمن عرفات
بقلم: عدلي صادق – الحياة
ما كتبه العزيز أحمد عبد الرحمن، في شهادته على وقائع الأيام التي عاشها "في زمن عرفات" يستحق تقديراً عالياً، بسبب استثنائيته وصدقيته غير المسبوقة، لا سيما وأن "أبا يَزَن" ينشره في هذه البرهة التي نقف فيها على خط الزلازل. فالرجل، فيما يروي، يُذكّر كل من تبقوا أحياءً من الذين عايشوا "الختيار" عن قرب، ومعهم سائر الذين عاشوا في زمنه؛ بتجربة ياسر عرفات، وبالكثير من أسرارها ومفارقاتها، وخلفيات أحداثها، على النحو الذي يفيد الناشئة. كأن أحمد عبد الرحمن، فيما كتب، يزجر معايشي التجربة عن قرب، ويقول لهم إن الوقائع التي يعرفونها، لا ينبغي دفنها في مقبرة الذكريات، مثلما دُفنت حكايات كثيرة مع أصحابها الذين رحلوا. فقد رَسَمَ "أبو يَزَن" بريشة إعلامي وسياسي بارع، وبلغة متخطية للمحاذير، صورة الزعيم الوطني الفلسطيني الذي كان، وصورة الزعيم الذي ينبغي أن يكون. يخبرنا على امتداد الصفحات، أن في قلبه بقايا أمنيات، وأن موجة من الحنين قذفت به وحطت معه في قلب الأمس، لتتبدى خواطر الراوي مطروحة بكل التواضع والجرأة، في توصيف الأحداث وفي توصيف مواقف الأطراف التي شاركت في صنعها، لتصبح الشهادة جزءاً مهماً من وقائع التجربة الفلسطينية، ودرساً في التاريخ وفي السياسة، لا بد من وضعه في حوزة الأجيال.
في صفحات الكتاب، تسقط الكثير من علامات السؤال، وترتفع الأجوبة على النحو الذي يعطي ياسر عرفات حقه كاملاً. فقد تفضل هذا الوفي، بإعطائنا صورة عن الكثير مما دار في الخلفيات، وعن حقيقة مواقف الزعيم الشهيد، التي ظُلم في بعضها وتحمل بسببها الظنون. فـ "أبو عمار" عاش ومات عازفاً عن التنظير وعن الشرح الصريح لكل موقف بوضع النقاط على الحروف، وبتسمية الأشياء بأسمائها، مدركاً لحساسيات التعاطي مع عشرين نظاماً عربياً لا يتجانسون، وهي الحساسيات والمحاذير، التي جعلته يمشى على حبل مشدود، ويعتمد خطاباً تعبوياً، تكررت عباراته، حتى حفظها السامعون عن ظهر قلب، بل حتى ظن بعض السطحيين، الذين كانوا يتقصدونه بالنقد الجزافي لظاهر كل موقف؛ أن "الختيار" كان يخطو في السياسة بالسليقة وبلا حسابات أو خلفيات.
في توطئة الرواية، يقدم "أبو يَزَن" نفسه بلغة فاتنة، لعل أروع ما فيها بساطتها وتنبهها الذكي، لذميمة مديح الذات التي جعلت بعض الذين كتبوا، يوحون بأن أدوارهم بدأت كبيرة وحاسمة. وصف "أبو يَزَن" الشاب الذي كانه، بشيء من البوح الجميل، وعرض خلجات قلبه، منذ أن بدأ رحلة حياته في زمن عرفات، متدرجاً الى عمق تجربته، وصولاً الى معايشته، لأداء صاحب ذلك الزمن ومكابداته. لقد أكبرتُ في أحمد عبد الرحمن جملته التي لم تفقد حرارتها، وهو يصف أحداثاً وأنظمة حكم وقادة، على النحو الذي يمكن أن يثير امتعاض وارثين لعروشهم في الحكم. ففي جملته تلك، إينما وقعت، ظل الكاتب، على الرغم من تبدل الأحوال في حياتنا وفي مرورنا وعبورنا وسفرنا، ملتزماً - في الإطار الزمني للرواية - بقائده ياسر عرفات. يصف الأشياء مثلما رآها الراحل. أي إن الماكث، قدّم الراحل بأمانة وبروح حانية. شرح الأول ما لا يستطيع الثاني شرحه، بعد أن أصبح في دار الحق، ولم يروِ روايته.
أخونا بسام أبو شريف، أهداني كتابه عن ياسر عرفات. لكنني عندما قرأت، شعرت أن الزعيم الفلسطيني حلّ ضيف شرف على رواية بسام عن نفسه. وصديقنا نبيل عمرو، اعطاني مخطوطة كتابه قبل النشر، وهي عن هاجس الجغرافيا في طباع وفي روح ياسر عرفات. وللحق، أعطى "نبيل" للزعيم الشهيد ياسر عرفات الكثير من حقه، بلغة أدبية جميلة، وإن كان ثمة بعض الهنّات، التي أحسست أن فيها شيئاً من التزيّد في التأويل والتعليل، أو في المداعبة على طريقته. غير أن "أبا يَزَن" أدخلنا الى مطبخ السياسة الفلسطينية في زمن عرفات، وقدم الزعيم الذي لا يختلف اثنان على براعته وصبره وحنكته، بصورته الحقيقية، في انفعالاته وتمنياته. ثم إن بعض اللقطات، كرّست حقائق مغايرة لما جرى الترويج له عن مواقف "الختيار"، من بينها - مثلاً - موقفه من الاحتلال العراقي للكويت. وكنت سمعت من ياسر عرفات شخصياً، حقيقة موقفه وحديثاً مستفيضاً منه، عن مسعاه الذي كان، للتوصل الى حل عربي، تنسحب بموجبه القوات العراقية من الكويت، انصافاً لإخوتنا الكويتيين وانقاذاً للعراق. وأحمد عبد الرحمن يشرح هذا الموقف ويؤكد عليه ويوضح ملابساته، على النقيض مما روّجه الإعلام، وردده رسميون عرب تقصدوا فلسطين، وتسببوا في الأذى لأبناء شعبنا في الكويت، بل وفي كل أرجاء الإقليم.
أقف عند حدود المساحة المتاحة، في هذه السطور عن كتاب يستحق أن يُدرج في برامج التثقيف السياسي للوطنيين. سلمت يمين أحمد عبد الرحمن، وسَلِم قلبه وعوفيت صحته.
"إلي ما شاف بالغربال يا يرموك"
بقلم: نور عودة – الحياة
استنفذ طاقاتي كل يوم بمتابعة آخر تطورات الموت في مخيم اليرموك رغم إدراكي أن القهر الذي أشعر به والذي ينعكس في تعليقاتي وكتاباتي لن يغير من الواقع شيئا ولن يطعم طفلا جائعا. في اليرموك، طفل يبحث عن رمق حياة بين حشائش نبتت رغم البارود في الأرض وامرأة تنهار من شدة القهر، بعد أن فقدت قدرتها على تحمل أعباء الجنون المتمثل في قصف مخيم محاصر، فتغني لليرموك أغنيةً كان الفلسطينيون قد غنوها قبل حوالي ثلاثة عقود عن قهر حصار آخر وجنون قصف آخر.
ولدتُ في دمشق وكبر وعيي الوطني في أزقة شوارع أحيائها التاريخية. وكان مخيم اليرموك الذي لم أحظ بالعيش فيه عنواناً لفلسطين في نظري آنذاك وحاضناً لعنفوان ثورة تربينا على مبادئها وآمنا بمسلماتها التي تضمنت أن الرحيل الوحيد من اليرموك سيكون إلى الوطن. وعند رحيلنا من سوريا بعد الانشقاق وتداعياته الدموية، خرجنا بحقائب سفر لا غير وتركت جزءا مني هناك، في الشام. بقي المخيم في مخيلتي وذاكرتي نقياً من شوائب الرعب والملاحقة التي طاردتنا من سوريا وكان واقعه يختلف عن ذلك المهيمن على سوريا - لأن اليرموك لا يرتبط بالزمان والمكان فهو عنوان قائم بحد ذاته.
للحياة في سوريا تعقيداتها وخصوصياتها لكن أهم خصوصية هي أنك تعيش في الظل الثقيل لثالوث الحكم في النظام الأسدي للأب الراحل والابن من بعده وهو تقديس الأسد، وتواجد عيون مخبريه في كل مكان والخطاب الخشبي المزاود عن مقاومة وممانعة لا تحصل إلا بدماء الآخرين، وبالأخص اللبنانيون والفلسطينيون.
هناك انفصامٌ يميّز الحياة في سوريا، فمن جهة هناك الشعب السوري الطيب المعطاء والكريم الذي جسّد الأخوّة والمحبة في علاقته بنا كفلسطينيين، لأنه يؤمن بمبدأ العروبة ممارسةً لا شعاراتٍ سياسية تُخطّ على الجدران وتصدح على الميكروفونات لإغراق صوت الآخر. ومن جهة أخرى، هناك نظام بوليسي لا يرحم، ويربي جيلاً بعد جيل ليؤمن بمقولة أن للجدران آذانا وأن الحديث مسموحٌ طالما كان مسموحاً وكفرٌ طالما اعتبره الزعيم "الخالد" ونظامه كذلك، وأن اختفاء الإنسان في غياهب أقبية سجون النظام أصعب من الموت لأن للموت مرارة قاطعة وعنوانا في المقبرة أما الاختفاء فهو رحلة معاناة تمتد لعقود ويمكن أن لا تنتهي ويمنع خلالها على الأحبة السؤال عن من فقدوا لأنهم ببساطة يصبحون رهينة الإنكار واللا-وجود فلا حزن ولا وداع ولا معرفة بل قهر وظلم مكتوم.
أذكر تماماً كيف كنا نسترق السمع لنشرات الأخبار غير السورية لنعلم آخر أخبار تطورات الموت والحصار الذي أُحكم على مخيمات اللجوء برعاية النظام الأسدي والتنظيمات الفلسطينية واللبنانية التي تأتمر بأمره. كنا نسمع حكايات الجوع والقهر دون أن نجرؤ على التفكير بالحديث عن تلك الكارثة التي امتدت لسنتين لأن الحديث عن ضحايا بطش النظام محظور حد الإنكار والدليل كان واضحاً في نشرات الأخبار التي يخطها جهابذة الأمن في دمشق، التي كانت تخوّن القيادة الوطنية الفلسطينية وتتحدث عن بطولات وهمية في مقاومة مزعومة بينما الحرب على المخيمات تغيب عن الشاشة وكأنها لم تكن.
لم أفكر للحظة أنني سأواجه أسئلة كنت قد وجهتها لأمي، اسئلة من ابني بعد كل هذه السنوات وهذه المرة حول اليرموك... كنت اسأل أمي عن أسماء الفصائل التي تتردد في الحديث عن حرب المخيمات وأتساءل عن دور السوريين وكيف للجيش السوري أن يكون له دور في هذه الفاجعة وهو الذي يتغنى دائماً بفلسطين وألح بالسؤال عن الفلسطينيين الذين تورطوا في قتل أبناء شعبهم. لا تفقد والدتي الحجة أو القدرة على التعبير لكن أسئلتي تلك كانت تستدعي الصمت منها أكثر ما تتسبب بالكلام. اليوم، وبعد أن وجه ابني لي ذات الأسئلة وعن ذات الجهات، شعرت بقسوة الأسئلة تلك على أم لا تريد لطفلها أن يواجه خيبة الأمل مبكرا.
لا يهمني اليوم الحصول على إجابة قاطعة عن السؤال المهم: من المسؤول عن حصار مخيم اليرموك ومن يستخدم الجوع سلاحا ضد أهله الكرام. لن أسمح لمتاهات الواقع المعقد عن سابق إصرار أن يحيد المشاعر التي تحتل قلبي وتمزقه قهراً. لا تهمني التسميات ولا تهمني الأجندات فكل متورط بسلاح أو كلمة نفاق مجرم بنظري.
أهلنا في اليرموك أعلنوا موقفهم بصراحة وشجاعة، فلا هم يقبلون من اتخذوا منهم درعا بشريا ولا هم يعفون من يحاصرهم ويجوعهم ويقتلهم من المسؤولية الأخلاقية والقانونية، خاصة أن الجبهة التي تحاصرهم هي خليط من أبناء جلدتهم ومن يتغنون بقضيتهم نفاقاً وتستراً على تاريخ طويل من جرائم بحقهم.
دفتر الحساب في هذا الملف طويل وحكاية اليرموك حلقة في سلسلة طويلة من الجرائم يطول الحديث عنها ويطول أكثر إحصاء الألم الناتج عنها. ومن يعتقد أن المزاودات السياسية والبيانات الرنانة ستعفي جماعته من لعنة اليرموك واهم.
اليرموك بحاجة إلى وقف المزاودات التي تزيد الأمور تعقيدا والواقع مرارة ولن تدخل خبزا أو تداوي مريضا. اليرموك بحاجة لعمل يكون فيه الهدف واحداً: إنقاذ الأهالي وكسر الحصار الذي جعل منهم وقودا لحرب لا ناقة فيها لهم ولا جمل.
المطلوب هو وعي ومسؤولية وقراءة مسؤولة للواقع والسياق فهذا ليس أول فصل للعذاب لفلسطيني الشتات لكنه يأتي في أسوأ حال واجه الحركة الوطنية منذ نشأتها: حالةٌ من التشرذم والمنافسة، لا على العمل بل على التصريحات الإعلامية في سياق انقسام مرير.
في هذه النكبة الجديدة تضيع التفاصيل والحقيقة حيث الأسماء لا تدلُّ على أصحابها ومن ورائهم والأحداث لا تبين إلا وجوه الضحايا. ودون ذلك فكل التفاصيل مبهمةٌ وكل الأصوات عالية وكل المزاودات قاتلة... ارحموهم وارحمونا، مزاوداتكم تقتلهم وتقتل ما تبقى من أمل فينا.
حرب إسرائيل ضد ابو مازن
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
الهجوم المعلن من قبل وزير الحرب بوغي يعلون على الرئيس محمود عباس، ليس الاول، ولن يكون الاخير. غير انه يؤكد، ان القيادات الاسرائيلية تتلطى وراء ذرائع واهية لتتهرب من خيار التسوية السياسية، وبهدف مواصلة قضم الارض الفلسطينية، ومواصلة الاستيطان الاستعماري عليها، وضرب المصالح العليا للشعب العربي الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة.
كما ان القيادات الاسرائيلية بدءا من نتنياهو وصولا لآخر جوقة اليمين المتطرف في الحكومة وخارجها بما في ذلك الابواق الاعلامية تسعى لقلب الحقائق رأسا على عقب، عندما تدعي زورا وبهتانا "عدم وجود شريك فلسطيني"، لادراكها العميق، ان لعبة الديماغوجيا، التي تلجأ لها، ليست اكثر من محاولة ستر عوراتها المكشوفة للقاصي والداني في العالم وخاصة اقطاب الرباعية الدولية، الذين يعلمون الحقيقة، وشكلا من الدفاع التضليلي المستميت عن الوجه الاسرائيلي القبيح، الذي بات مفضوحا امام الدنيا كلها. لاسيما وان القيادة الفلسطينية تاريخيا ومنذ بدأت عملية السلام في اوسلو قدمت كل الاستحقاقات السياسية المطلوبة منها لتحفيز عملية السلام، لانها بموافقتها على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، تكون قدمت تنازلات غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي، لان قرار التقسيم الدولي 181 الصادر في نوفمبر 1947، اعطى الفلسطينيين دولة على مساحة تصل الى حوالي الـ 44% من مساحة فلسطين التاريخية، في حين ان قيادة منظمة التحرير في ضوء رؤيتها لطبيعة التعقيدات المحيطة بالصراع الدائر على ارض فلسطين التاريخية، ونتيجة قراءتها للواقع العربي والاقليمي والدولي، قبلت باقامة الدولة الفلسطينية على نصف ما منحها اياه القرار الدولي 181، اي وافقت على اقامة الدولة على مساحة 22% فقط، وقبلت بوجود قوات دولية وبنقاط إنذار وباستخدام آليات حديثة في المعابر للتوافق مع الرغبات الدولية، ولقطع الطريق على الذرائع الاسرائيلية الأمنية الكاذبة.
الحرب المسعورة على الرئيس محمود عباس ليست جديدة، لكنها تسير وفق مخطط منهجي يستهدف كل القيادات المؤمنة بالسلام، لأن إسرائيل لا ترغب بوجود قيادات فلسطينية عقلانية، بل تريد قيادات غوغائية لتبقى تتضلل وراءها لتتهرب من استحقاقات التسوية السياسية، ولتنفذ مخططاتها التصفوية للقضية الوطنية.
لذا لجأت في زمن شارون، رئيس الوزراء الاسبق للتخلص من الزعيم الرمز ياسر عرفات مستخدمة حججا لا اساس لها من الصحة، وللاسف ان إدارة بوش الابن تواطأت مع حكومة إسرائيل منذ تسلمت مهامها، وتعمق تساوقها معها بعد تفجيرات البرجين في ايلول 2001، وطبلوا وزمروا لتسلم الرئيس ابو مازن مهامه في 2005، ولكن عندما تمسك رئيس منظمة التحرير بالبرنامج الوطني ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية وخطة الطريق الاميركية وقرارات انابولس، اخذوا في الصاق "التهم" له، واعتبروه "ليس شريكا للسلام" ، لا بل وصفوه بانه "اخطر" من عرفات.
المخطط من هجوم موشي يعلون ونتنياهو وبينت وارئيل وليبرمان وغيرهم، هو رفض خيار السلام من أساسه، وإبقاء المنطقة في دوامة الحروب والعنف، والبحث عن بديل كجماعة الاخوان المسلمين وفرعهم في فلسطين (حركة حماس) لتسويق مشروع دولة غزة او بحد أقصى الدولة ذات الحدود المؤقتة، ورفض عودة اللاجئين الى أراضيهم على اساس القرار الدولي 194.
لكن على قيادة إسرائيل الحالية او اي قيادة لاحقة إدراك حقيقة واحدة، انها لن تجد قيادة مؤهلة لصناعة السلام كما الرئيس محمود عباس، والاستعداد لان تكون شريكا حقيقيا للسلام اساسه خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194. غير ذلك ستنقلب الأمور رأسا على عقب، ولن تكون في مصلحة إسرائيل واميركا وباقي اقطاب الرباعية الدولية، لأن التاريخ وتحولاته لا تسير لصالحهم نهائيا ..
مخيم اليرموك.. أسئلة وملاحظات
بقلم: يحيى رباح – الحياة
برغم أن العنوان البارز للسياسة الفلسطينية تجاه ما يسمى احداث الربيع العربي في الثلاث سنوات الاخيرة، هي سياسة الحياد، والنأي بالنفس، وعدم الانخراط والتورط، الا ان الخسائر الفلسطينية في هذه الاحداث كانت وما زالت كبيرة، بل كارثية، ونموذجها الصادم اليوم هو مخيم اليرموك، بحكم ان المخيم كان اكبر تجمع فلسطيني في سوريا قاطبة من بين المخيمات المتناثرة من درعا في الجنوب الى اسبينة وجرامانا وخان الشيح وخان دنون حول دمشق، ومخيمات حمص وحماة في الوسط واللاذقية على شاطئ البحر غربا ومخيم النيرب في اقصى الشمال في حلب.
وخصوصية مخيم اليرموك انه الاكبر حجما ?قرابة نصف عدد الفلسطينيين في سوريا يعيشون فيه ?وهو على بعد امتار من احياء مدينة دمشق العاصمة مثل حي المجتهد وحي الميدان، وان اعدادا كبيرة من السوريين يعيشون في بعض اطراف المخيم، مثل بعض مهجري الجولان وخاصة اهالي جبات الزيت وجبات الخشب واعداد لا باس بها من الاسر العلوية الذين استقطبتهم العاصمة بصفتها سوق العمل الرئيسية فسكنوا في اطرافها، وبعض اطرافها الرئيسية هي مخيم اليرموك الذي تضخم واصبح مترامي الاطراف، واصبح على المستوى التجاري وسوق العمل جزءا عضويا من العاصمة.
كيف تسلل المسلحون الى المخيم؟ من هم هؤلاء المسلحين على وجه التحديد؟ هل هم داعش والنصرة؟ واين ذهب مسلحوا الفصائل الفلسطينية التي كانت تقول وتدعي انها جزء من تيار المقاومة والممانعة؟ ولماذا لم يدافعوا عن مخيمهم في مواجهة الغرباء والاخطار ؟؟
ومن المفروض ايضا: انه في الشهور الاخيرة بدا النظام السوري يحقق العديد من المكاسب السياسية والميدانية على الارض وخاصة في محيط دمشق وريفها في كل الجهات، وان هذه المكاسب الميدانية وصلت الى القصير في حمص، والى الحجر الاسود وزينب على اطراف المخيم والى القلمون والى ما بعد مدينة النبك شمالا، والى محيط العاصمة من الجهات الاربعة، فكيف لم ينعكس ذلك ايجابيا على مخيم اليرموك الذي هو جزء من حمى العاصمة، والذي هو امانة في عنق الدولة السورية.
ورأينا في الفترة الاخيرة زيارات متعاقبة لوفود فلسطينية قالت انها اجرت حوارات مع كل الاطراف، وعقدت معها اتفاقات، من هي هذه الاطراف على وجه التحديد ؟
موضوع مخيم اليرموك هو موضوع سياسي وأمني يتعلق بمصير المخيم ووجوده، فهل جرت لقاءات مع الدولة السورية، مع القيادات العسكرية والامنية للدولة السورية؟ وكيف لا تتمكن قوافل اغاثة غذائية وطبية ان تصل الى أهل المخيم منذ قرابة سنة تقريبا ؟؟
لو عدنا قليلا الى الوراء: فان الوجود الفلسطيني في المغترب العربي قد تعرض في العقود الثلاثة الاخيرة الى هزات تراجيدية حيث تم تبادل الادوار بقسوة بين الاسرائيليين وبعض الاشقاء العرب. وظلت المخيمات الفلسطينية في لبنان مخيمات طاردة بسبب سوء الاوضاع الضاغطة الى حد المستحيل وهي المخيمات التي سجلت بالذاكرة اللبنانية والفلسطينية حربا باسمها وهي حرب المخيمات.اما الوجود الفلسطيني للمغترب العربي القريب فلم يكن اسعد حالا، الوجود الفلسطيني في ليبيا تعرض الى مأساة في عهد القذافي، تحت عنوان المعارضة السياسية وانه يريد ان يثبت رداءة اتفاق اوسلو، فقذف بعشرات الالاف من الفلسطينيين للعقارب على بوابات الصحراء،ولم يكن الامر اقل سوءا في العراق بعد المسار الطائفي الذي اججه الأميركيون في العراق، ولو دققنا في عمق المشهد فسوف نجد ان المتصارعين الى حد التناقض في العالم العربي كانوا يقدمون رأس هذه التجمعات الفلسطينية عربونا للرضى الاسرائيلي مباشرة او غير مباشرة.
السياسة التي كرسها الرئيس ابو مازن بقوة في الثماني سنوات الاخيرة، نزعت الغطاء بشكل نهائي عن كل المتاجرين في الوجود الفلسطيني حين كرس سياسة الحياد والنأي بالنفس وعدم التدخل، بل ان بعض الشذوذ الضئيل عن هذه القاعدة الذهبية مسؤولة عنه بعض الاطراف الاقليمية نفسها، وهذا بدوره يدفعنا الى التعمق اكثر لماذا يتعرض الوجود الفلسطيني في المغترب العربي الى هذه التجارب التراجيدية.
"المفاوضات" الفلسطينية ? الإسرائيلية: جوهر الحل
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
في ظل فرض "الاستفراد الأميركي" ? إسرائيليا - في المفاوضات، وسياسة "الخطوات الأحادية" لدولة الاحتلال، من الواضح أنه بات مطلوبا من الولايات المتحدة أن تعدل قناعتها بشأن المشاركين في ملف المفاوضات، بعد أن عجزت مساعيها عن إقناع القيادة الإسرائيلية بتسوية برنامج الحد الأدنى وفق "المبادرة العربية". نقول حان الوقت للبدء فلسطينيا بخطوات أحادية لمواجهة الخطوات الإسرائيلية الساعية إلى فرض سياسة الأمر الواقع على الأرض.
ولأنصار من يصر على نهج "التفاوض الأبدي" نقول: دون ضغوطات دولية على إسرائيل لن يحصل تقدم بالمفاوضات، وسيواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) المراوغة. وإلى أن يحصل ذلك، فإن من الأولويات الملحة: التوجه إلى الأمم المتحدة. فلفلسطين اليوم حق الدخول والمشاركة في 63 مؤسسة دولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، ما يعزز الوضع القانوني لدولة فلسطين الواقعة تحت الاحتلال لصالح المشروع الوطني فينقل بذلك الملف الفلسطيني إلى الإطار الدولي وتنتهي حالة "الاستفراد" الأميركي، تماما كما دعا إليه رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية د. صائب عريقات. وفي سياق شرحه لما يراه "فشلا للمفاوضات" قال (د. عريقات): "منذ استئناف المفاوضات، قتلت إسرائيل 33 فلسطينيا وطرحت عطاءات لبناء 5989 بؤرة استيطانية، وهي على وشك الإعلان عن 1400 بؤرة استيطانية جديدة، وخلال الأربعة أشهر الماضية هدمت 214 منشأة وبيتا فلسطينياً". (ومعلوم أن أعداد كل هذه المقارفات قد ازدادت منذ تصريح د. صائب آنف الذكر). بل إن قوات الاحتلال لجأت لسياسة "الباب الدوار". وهي السياسة التي كان قد كرّسها ? على نحو معكوس ? الشهيد ياسر عرفات حين كان يعتقل (تحت ضغط التنسيق الأمني مع إسرائيل) مناضلين فلسطينيين سرعان ما يفرج عنهم. فهي حين تفرج عن أسرى بعد جهود مضنية، تعود بعد فترة وجيزة وتقوم باعتقالهم مجددا فرادى، ناهيك عن اعتقال المئات غيرهم، بل هي باتت تلجأ لقتل بعضهم بحجة مقاومتهم للاعتقال.
لقد عقد العالم مؤتمرا دوليا بشأن سوريا هو "جنيف 1" وقريبا سيعقد مؤتمرا ثانيا بعنوان "جنيف 2". كما عقد "مؤتمر جنيف" للبرنامج النووي الايراني. في هذا السياق، لماذا لا يكون للفلسطينيين "جنيفهم"، يرتكز على تعاون واشنطن مع روسيا والصين والاتحاد الأوروبي والعرب وغيرهم، يكون أساسه تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، وليس المقترحات المتداولة حاليا، الساعية للتكيف مع متغيرات الاحتلال اليومية على الأرض، ما يعني موافقة على استمرار الاحتلال وتمديد وجوده على الأرض الفلسطينية. غير أن الذهاب إلى الأمم المتحدة أو عقد مؤتمر "جنيف فلسطيني" لا يعني التخلي عن البرنامج النضالي على الأرض من خلال تفعيل المقاومة الشعبية (السلمية في هذه المرحلة) مع إبقاء المجال أمام مختلف أنواع المقاومات لاحقا. فما لا يتحقق بالوسائل السلمية يتحقق بغيرها. فالسلطة الفلسطينية، مدعوة إلى بناء مؤسسات قوية قادرة على تعزيز صمود المواطنين، إضافة الى اعادة الوحدة للوطن. فالانقسام المفجع وتعثر جهود المصالحة، بات يلح على الفلسطينيين تجاوز مرحلة قلبت الاولويات وأضرت بالقضية.
على صعيد متمم، يجب التركيز كذلك على تعزيز عملية التفاعل مع "حركة التضامن العالمية" مع الشعب الفلسطيني. ذلك أن صوت هذه "الحركة" أحدث نقلة نوعية بينت للعالم حقيقة وقدسية وشرعية المقاومة الفلسطينية الحديثة كنموذج جماهيري. وهم كذلك مساهمون في الدعوات المتزايدة لفضح بنية الفصل والتمييز العنصري (الأبارتايد) الإسرائيلي، وكذلك لمقاطعة الدولة الصهيونية وعدم الاستثمار وفرض العقوبات (BDS)، فدعواتهم للمقاطعة جعلت "الإسرائيلي" يشعر بأنه معزول وضعيف، ومن جهة ثانية منحت المواطن الفلسطيني الشعور بالمساهمة والانتماء والمشاركة في النضال، خاصة وأن جهود هؤلاء النشطاء لنصرة القضية الفلسطينية وفضح الانتهاكات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، تتسع يوميا معبرة عن نفسها بالتظاهرات والاحتجاجات داخل الوطن الفلسطيني وخارجه مع المقاطعة.
اليوم لا مجال لمزيد من التباطؤ أو المخاوف.. بل المبادرة إلى العمل الجبهوي الوطني التحرري عبر استراتيجية مقاومة شعبية سلمية يقبلها العالم بل ويرحب بها. فما يحدث حاليا، يمثل درسا جديدا يحث الجميع على الوحدة الوطنية وعلى تجاوز السياسة الإسرائيلية الفارضة لدور شكلي بروتوكولي للولايات المتحدة المتحدة دون باقي دول ومؤسسات العالم. ولنا فيما حدث ويحدث لتغييب دور هيئة الأمم المتحدة، و"اللجنة الرباعية" عبر بليغة.
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image005.gif
v يجب أن يُقال لإسرائيل: "كفى"
بقلم: حديث القدس – القدس
v هل سقط الإخوان في الاستفتاء؟
بقلم: رغيد الصلح – القدس
v عنجهية« VIP»
بقلم: المحامي جواد بولس – القدس
v معادلة ...شيخوخة عربية طالت واستطالت
بقلم: حمدي فراج – القدس
v متى ينتهي المستهلك الفلسطيني من دوامة الأغذية الفاسدة؟
بقلم: الدكتور عقل أبو قرع – القدس
v الرئيس يضع شعبه في صورة آخر تطورات الوضع الفلسطيني
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image007.jpg
v الكتلة الاستيطانية الرابعة في "بيت إيل".. فأين الخامسة؟!
بقلم : عبد الناصر النجار – الايام
v مخيم اليرموك بين زمنين
بقلم: حسين حجازي – الايام
v استفتاء بطعم الفرح
بقلم: صادق الشافعي – الايام
v جردة حساب للإعلام "الفيسبوكي"
بقلم: صلاح هنية – الايام
v "كل شيء حي"
بقلم: رامي مهداوي – الايام
v لَكُم رأيُكُم وَليَ رأيْ...
بقلم: آصف قزموز – الايام
v أنا فاض فيّ
بقلم: وليد بطراوي – الايام
v سلاماً أيّها المسرح
بقلم: وليد ابو بكر – الايام
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image009.jpg
v تغريدة الصباح - "أبو يَزَن" في زمن عرفات
بقلم: عدلي صادق – الحياة
v "إلي ما شاف بالغربال يا يرموك"
بقلم: نور عودة – الحياة
v حرب إسرائيل ضد ابو مازن
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
v مخيم اليرموك.. أسئلة وملاحظات
بقلم: يحيى رباح – الحياة
v "المفاوضات" الفلسطينية ? الإسرائيلية: جوهر الحل
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
يجب أن يُقال لإسرائيل: "كفى"
بقلم: حديث القدس – القدس
التصعيد الاسرائيلي غير المسبوق سواء في مستوى وقاحة التحريض ضد الشعب الفلسطيني وقيادته او ضد كل من ينتقد الانتهاكات الاسرائيلية غير المشروعة كالموقف الأوروبي من الاستيطان الذي وصفه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بأنه "نفاق" أو التحريض الاسرائيلي ضد وزير الخارجية الاميركي جون كيري لأنه يصر على دفع عملية السلام قدما الذي وصفه وزير الدفاع الاسرائيلي موشيه يعلون بأنه مهووس ويسعى لنيل جائزة نوبل للسلام رغم ان وزير الخارجية افيغدور ليبرمان وصف مقترحاته بأنها الأفضل بالنسبة لاسرائيل، وتصعيد العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني وحقوقه على الارض عبر مواصلة توسيع الاستيطان وتهويد القدس والمساس بحرمة الاقصى والاماكن المقدسة واطلاق العنان لعصابات المستوطنين لارتكاب اعتداءاتها اليومية ضد المدنيين العزل بما في ذلك التعرض مرتين لموكب رئيس الوزراء د. رامي الحمد الله، والشروط التي تعلنها اسرائيل لتكريس احتلالها واستيطانها كالاحتفاظ بمعظم القدس وزيادة حجم وعدد الكتل الاستيطانية التي ستضمها .. الخ من المواقف والممارسات يصيب المرء بالغثيان ويرسخ القناعة بأننا امام حكومة احتلال واستيطان وتصعيد وليس امام شريك يسعى لصنع السلام.
التطاول الاسرائيلي الوقح على لسان نتانياهو ويعلون على الرئيس محمود عباس لأنه يتمسك بالشرعية الدولية وبالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، يدعو للسخرية لأن نتانياهو ويعلون وغيرهما من قيادات اسرائيل يتمسكون بمواقف تتناقض مع الشرعية الدولية والقانون الدولي مثل الاصرار على استمرار السيطرة على اجزاء واسعة من الاراضي المحتلة ورفض اي حديث عن القدس وطرح شرط الاعتراف باسرائيل "دولة يهودية" ورفض عودة اللاجئين .. الخ من المواقف المتشددة، وهو ما يعني ان هذه القيادات الاسرائيلية لا يمكن ان تكون شريكة في صنع السلام وليست راغبة في التقدم نحو السلام وهي ليست في موقع اخلاقي يسمح لها بالحكم على الآخرين ممن يتمسكون بالشرعية الدولية والقانون الدولي ويسعون جاهدين لإرساء دعائم سلام عادل ودائم وشامل.
كيف تجرؤ اسرائيل بكل ما ترتكبه من عدوان وانتهاكات ان تتطاول على الشعب الفلسطيني ضحية احتلالها غير المشروع او ان تتطاول على اوروبا لانتقادها الاستيطان غير المشروع او تتطاول على ولي نعمتها الولايات المتحدة الاميركية لأن وزير خارجيتها يبلور مقترحات لا تتطابق مع اطماع الهيمنة والتوسع الاسرائيلي ؟!
ان ما يجب ان يقال هنا ان كل مواطن فلسطيني بات يتساءل عن اي سلام يمكن الحديث مع هذه القيادة الاسرائيلية المتطرفة التي تثبت يوميا انها لا تريد السلام؟ وما هو جدوى المفاوضات مع هذه القيادة الاسرائيلية التي تعمل على وأد عملية السلام وترسيخ الاحتلال والاستيطان بل تتطاول بوقاحة على الشعب الفلسطيني وقيادته وحتى على حلفائها واصدقائها؟!
لقد حان الوقت كي يقول الفلسطينيون شعبا وقيادة لاسرائيل: «كفى» فالسلام يصنع مع شركاء بثبوت جديتهم ورغبتهم في صنعه ويحترمون الشرعية الدولية ويقرون بحقوق الطرف الاخر ويعترفون بها لا مع قيادة اسرائيلية تريد للشعب الفلسطيني وقيادته التنازل عن حقوقهم المشروعة وتريد الاستمرار في استعباد الشعب الفلسطيني وسلب حقوقه واحتلال اراضيه!
الرسالة الفلسطينية الواضحة لاسرائيل يجب ان تتضمن ان شعبنا الفلسطيني المناضل من اجل حريته واستقلاله لا يمكن ان يقبل باستمرار مهزلة الاستيطان او استمرار جرائم المستوطنين او استمرار القيادة الاسرائيلية في اعلان وطرح مواقف تتناقض مع اسس ومبادىء عملية السلام ومع الشرعية الدولية، وعندما توجد في اسرائيل قيادة كهذه تؤمن بالسلام وتعترف بحقوق الشعب الفلسطيني عندها يمكن الحديث عن مفاوضات جادة لانهاء الاحتلال البغيض اما الاستمرار على هذا النحو فهو يعني استمرار غض الطرف عن الانتهاكات الاسرائيلية الجسيمة وعن مفاوضات تستغلها اسرائيل لكسب الوقت وترسيخ الاحتلال والاستيطان ببساطة شديدة يجب ان يقال للقيادة الاسرائيلية : انكم بمواقفكم وممارساتكم هذه لستم شركاء سلام.
اما بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية واوروبا فان ما حدث مؤخرا يشكل اثباتا قاطعا ان هذه القيادة الاسرائيلية لا تريد السلام وانها مستعدة لمعاداة العالم اجمع من اجل ارضاء اليمين الاستيطاني المتطرف وانها غير مستعدة لصنع سلام حقيقي ولهذا يجب ان تقول اميركا واوروبا لاسرائيل: «كفى» وان تعملا بالتعاون مع المجتمع الدولي لالزام اسرائيل على انهاء احتلالها غير المشروع وتأكيد بطلان كل اجراءاتها في الاراضي المحتلة عام 1967 والزامها بتمكين الشعب الفلسطيني من اقامة دولته المستقلة كاملة السيادة على كامل الاراضي المحتلة منذ 1967 بما في ذلك القدس العربية المحتلة وحل قضية اللاجئين على اساس قرارات الشرعية الدولية.
هذا الاحتلال الاسرائيلي البشع وغير المشروع لا يجب ان يكافأ بل يجب ان يحاسب ويعاقب على كل ما ارتكبه ولا زال بحق الشعب الفلسطيني.
هل سقط الإخوان في الاستفتاء؟
بقلم: رغيد الصلح – القدس
يسخر الإخوان المسلمون كل ما يملكونه من أرصدة سياسية وتعبوية وعلاقات إقليمية ودولية في المعركة ضد القيادة المصرية الحالية التي أطاحت سلطة الرئيس المصري السابق محمد مرسي . فهل حققت الجماعة نجاحاً على هذا الصعيد؟ إنها لا تدل على أن الإخوان خاضوا حملة ناجحة على هذا الصعيد . لماذا؟
* أولاً، لأن الإقبال على الاستفتاءات والانتخابات التي تنظم في دول الجنوب والديمقراطيات الناشئة يكون محدوداً عادة بالمقارنة مع المناطق الأخرى في العالم . هذا ما خرج به تقرير أعدته منظمة "ايديا" الدولية عن حجم الإقبال على مثل هذه الامتحانات في العالم بين عامي 1945 و2001 . وبحسب النتائج التي توصل إليها التقرير، فإن معدل المشاركين في الاقتراع على امتداد هذه السنوات بلغ ذروته في الإقليم الأسترالي حيث بلغ ما يفوق 83% من مجموع المقترعين ووصل الى حده الأدنى في الإقليم الإفريقي حيث بقي في حدود 5 .64% . أما في إقليم الشرق الأوسط فإنه وصل إلى 2 .72% من عدد المقترعين المسجلين على جداول الاقتراع . هذا بين الأقاليم العالمية . أما بين دول العالم فإن نسبة المقترعين في نفس الفترة الزمنية بلغت في مصر 3 .45% بحيث احتلت مصر مرتبة الدولة الأربعين من أصل 43 دولة إفريقية شملتها المقارنات .
إن ظاهرة تدني نسبة المقترعين تتطلب تفحصاً ودراسة خاصة في مصر، وهي من الدول التي تمتلك تجارب سياسية رائدة . ولكن في كافة الحالات فإن انخفاض نسبة المشاركين في الاقتراع - اذا حدث ذلك فعلا - ليست شيئاً جديداً، ومن ثم ليس من السهل نسبتها إلى الحراك التعبوي الذي نظمته جماعة الإخوان المسلمين ضد الاستفتاء على الدستور .
* ثانياً، تحسب قيادة الإخوان أن كل من لم يشارك في الاقتراع، هو ممتنع عن المشاركة، أي أنه اتخذ موقفاً سياسياً معارضاً للقيادة السياسية المصرية ورافضاً للدستور، وبالتالي فإنه يؤيد الإخوان ويتبنى وجهة نظرهم بصدد "عودة الشرعية" وتقييمهم للوضع المصري الراهن . بديهي أن هذا التقييم في غير محله . فمن المرجح أن نسبة عالية من الذين لم يسهموا في الاقتراع هم من الذين لا يؤيدون الإخوان وأن امتناعهم عن المشاركة، سواء في الاقتراع على الدستور المصري، أو في الاستفتاءات المشابهة في أي بلد من بلدان العالم قد يكون لأسباب متعددة ومتنوعة منها أحياناً التقاعس عن القيام بالواجب الوطني .
في هذا النطاق، ولو كان الإخوان يريدون فعلاً تحويل الاستفتاء إلى مظاهرة لتأييدهم وللتعبير عن معارضة الرأي العام المصري للقيادة المصرية، لكان حرياً بهم أن يدعوا المواطنين، سائر المواطنين، إلى الرفض الإيجابي للوثيقة الدستورية، أي للتصويت بلا للوثيقة الدستورية بحيث يمكن اعتبار الأصوات الرافضة للوثيقة مؤشراً على حجم التأييد للإخوان وللحكم السابق . بالمقابل فإن ابتعاد الإخوان عن الأخذ بهذه الطريقة يدل على أنهم غير واثقين بمدى استجابة المقترعين للنداءات التي أطلقوها، ومن ثم يمكن اعتباره بمثابة مؤشر على انحسار في شعبيتهم وعلى فشل مسبق في إدارة الحملة ضد الاستفتاء على الدستور .
* ثالثاً، إن طرفي الصراع في مصر أكدا أن نتائج الاستفتاء على الدستور سوف تكون بمثابة صك تأييد ومبايعة للجهة التي رعت الوثيقة الدستورية أو عارضتها . بمعنى آخر، فإنه لو حظيت الوثيقة بتأييد شعبي كاسح، فإن هذا التأييد يمتد لكي يشمل الجهة الراعية للوثيقة، أي القيادة المصرية . وإذا لم تحظ الوثيقة بمثل هذا التأييد، فإن هذا معناه أن هذا الموقف ينسحب على رأي المقترعين في الإخوان المسلمين . وهذه النظرة غير دقيقة . فهناك من قد لا يؤيد الدستور ويرى ضرورة إدخال تعديلات جذرية عليه . لذلك آثر عدم المشاركة في الاقتراع ولكن هذا لا يعني، بالضرورة، أنه يؤيد الإخوان المسلمين، ويعارض القيادة السياسية . وهناك من قد يؤيد الدستور فيشارك في الاقتراع ويعبّر عن رأيه الإيجابي في الوثيقة الدستورية لشتى الأسباب منها، أنه يفتح الباب أمام عودة الاستقرار والحياة الطبيعية في مصر، وأنه يمكن تعديل الدستور في المستقبل . ولكن هذا الموقف لا يعني أنه يؤيد، بالضرورة، القيادة السياسية ويعارض الإخوان المسلمين .
* رابعاً، من المرجح أن نسبة مهمة من المقترعين تخلفت عن المشاركة في الاقتراع بسبب الأجواء المتوترة التي رافقت الاستفتاء . ويقول ناقدو الإخوان هنا إن الجماعة هي المسؤولة عن هذا التوتر إذ إنها نظمت حملة واسعة من الشائعات وروجت عبر وسائل الاتصال الاجتماعي العديد من الأخبار والروايات التي تقول إن الأراضي المصرية سوف تكون مسرح مجابهات حامية خلال أيام الاستفتاء . بل ويذهب معارضو الإخوان إلى تحميلهم مسؤولية أعمال العنف التي تخللت الاستفتاء .
ولكن ما يمكن أن يرجع إليه المرء، كرأي أولي في هذه المسألة، هو المنطق البسيط الذي يقول إن مصلحة القيادة السياسية تقضي باستقرار الأوضاع وانتهاء مظاهر ومفاعيل العنف في الحياة العامة، وإعادة تشغيل آلة السلطة والحكم وتحقيق الازدهار الاقتصادي والانفراج السياسي . هذا كله يلتقي ويتطابق مع ما يتمناه المصريون وأي شعب مهدد في أمنه السياسي والاقتصادي . استطراداً فإن الحكمة السياسية تقضي بأن تسعى إلى ترسيخ مناخ الهدوء والأمن الذي يشجع المقترعين على الاقتراع وعلى توسيع دائرة مؤيدي الوثيقة إلى أبعد مدى ممكن . بالمقابل فإن المصلحة الموضوعية للإخوان هي في حمل أكبر عدد ممكن من المصريين على مقاطعة الاستفتاء، وأن الأجواء المتوترة، تخدم، في نهاية المطاف، مصلحتهم وأهدافهم .
لقد بذلت القيادة السياسية المصرية جهداً كبيراً حتى تأتي نسبة مؤيدي الدستور عالية . على العكس من ذلك، حاولت قيادة الإخوان حث المصريين على مقاطعة الاستفتاء . على الأرجح أن تكون استجابة المقترعين المصريين، مرتفعة بسبب العوامل التي ذكرناها، وأن تتحول الحملة التي خاضتها الجماعة ضد الاستفتاء إلى محطة جديدة من محطات التراجع الإخواني في مصر .
عنجهية« VIP»
بقلم: المحامي جواد بولس – القدس
توالت هجمات قادة إسرائيل في الأسبوعين الفائتين واستهدفت حممها أهدافًا متنوّعة عديدةً. كان الرئيس محمود عبّاس أوّل من أمطره "مسؤولون إسرائيليون" ووصفوه ببذيء الكلام والتشبيهات، وكما في الماضي كذلك في هذه الأيام، تجنّد رهط يتصدّرهم بنيامين نتنياهو، في محاولة لدمغ الرئيس عباس واتهامه بعدم الاستقامة وبالتطرف، وبأنه أسوأ من الرئيس الراحل ياسر عرفات.
ثمّ جاء دور وزير الخارجية الأمريكي الذي كان عنوانًا لحملة تهكّم وسخرية فاضحة من قبل وزير الدفاع الاسرائيلي، موشه يعلون، الذي وصفه بالمهلوّس/ المريض والاستحواذي، مضيفًا دعاءه الساخر ومتمنيًّا أن يسلّموه جائزة "نوبل" للسلام كي "يعفّ" عن ظهر دولة إسرائيل وحكّامها. وفقًا لبعض الصحافيين الموثوقين، فإن يعلون لم يكن وحيدًا في انقضاضه على "جون كيري"، بل إن كثيرين من كبار المسؤولين في الإدارة الإسرائيلية شاطروه الموقف، ونافسوه بالردح والشتيمة.
من الواضح أن ما يزعج يعلون وصحبه هو إصرار كيري على متابعة محاولاته للتوصل إلى ما قد يقبله الأطراف كوصفة لخلطة قد تصلح لتسكين آلام هذه المرحلة، وضمادًا لجراح لم يعد بالإمكان تحمّلها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فمن يمعن بما يقوله يعلون يعرف أن النقاش والقلق ليسا من مضامين المقترحات الأمريكية، إنّما من التحرك الامريكي في هذا الاتجاه، لأنه ومعه كثيرون من حلفائه في الحكومة لا يؤمنون أن المسألة الفلسطينية هي ما يجب أن يتصدر الفعل الديبلوماسي في منطقتنا. من هنا، فالانشغال بفلسطين وإيلاؤها هذا الاهتمام، وإشغال الاسرائيليين بها هو ما يثير حفيظة "اليعلونيين" لا سيّما بعد محاولاتهم إقناع أمريكا والعالم بأن "المسألة الإيرانية" ومشكلة "الإسلام السياسي وإرهابه" يجب أن تبقيا أولًا.
الهجمات الاسرائيلية على الرئيس محمود عبّاس وعلى كيري تبقى ذات طابع وشحنة دبلوماسية، ولذلك كانت معالجتها من قبلهما بردود فعل ملائمة، وباللغة التي سيكون مردودها تراكميّا في صالح القضية الفلسطينية.
ولكن، بعملية نوعية مختلفة وبتزامن مع الهجمات الأخرى، قامت قوات جيش يعلون باعتراض موكب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية مّرتين. في الصباح كانت "المناكفة" الأولى، حين اعترض العسكر الموكب الفلسطيني، وأوقفوه لعدة ساعات، وهكذا فعلوا في ساعات المساء.
هذه الممارسة تشبه بمقاصدها حملات الهجوم على كيري والرئيس عبّاس، ولكنها تحمل أبعادًا أشد ضراوة وتأثيرًا مباشرًا على الشارع الفلسطيني، فللمشهد وجهان: عنجهية محتل يتصرّف وفقًا لقوانين القوة والغطرسة، وهذه لا تعرف إلّا التحكم فيمن يخضعون لهذه القوة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إتقان لعبة التلويح باليد التي تقبض على الكرباج؛ كي لا تنسى "النمور" حكمة الجوع، أو ما الفرق بين الزمجرة والهمهمة.
المزعج في هذه المعادلة هو تلك الطمأنينة الإسرائيلية وثقتها الواضحة بأنها ستحقق ما تريده من وراء ممارساتها الاستفزازية، أو على الأقل يقينها أنها لن تحاسب كما في كل مرّة، على تصرّفاتها. إصرارها وصلفها عاملان أساسيان. مهادنة كل العالم أو مسايرته لها عامل هام آخر، ولكن يبقى الأهم هو رد الفعل الفلسطيني على مر العقود الفائتة، وما تركه من دلائل وإشارات "أغوَت" إسرائيل بضخ مزيد من جرعات المهانة والضغط وجعلتها، كذلك، تستبين، وفقًا لمقاييس "العصا والجُزيْرَة"، الى أي قعر قد هبط سقف الكرامة الوطنية الفلسطينية.
لم تبدأ القضية في هذا الزمن، فما واجهه اليوم رئيس الوزراء، هو نتاج واقع كرّس منذ سنوات طوال. مفاهيم دشّنتها قيادات فلسطينية في عصر أوهم الجميع أن السلام والدولة والاستقلال باتت في فراشنا ولذا لا همّ من مهانة هنا، ولا غمّ من كرباج هناك. إنّها أصول لعبة أرسيت في ظروف ومعطيات مغايرة فأصبحت اليوم مشوّهة تستغيث لمن "ينفلها" ويبعث فيها روحًا تعتبر وتستفيد من تجربة "عقدين" واسطتهما كانت دومًا "لؤلؤة" اسمها الـVIP، وخلاصة تفيد أن من يتيح للجاه فسحة أو يعطي الحسنة يستطيع أن يشترط العطاء أو يقطعه، وأن السيادة الحقيقية تبقى لـ"خلقة" جيب عسكري على مقوده تتربع شقراء وبندقية تذكّر وتلكن: نخن، الاحتلال سادة زمانكم ومكانكم يا عرب!
لا تسعى إسرائيل للمس بشخص مسؤول فلسطيني بعينه، بل هي تحاول النيل من هيبة ورمزية هذا المسؤول. هي رسالة سيّد متعال يحاول من خلالها زعزعة ثقة شعب بقدراته والإيقاع بينه وبين زعاماته التي ينعكس عجزها في مثل هذه"الحوادث"، ولا يهم إن كان هذا هو عجز الحر أمام عسكري "داعر".
من تابع ردود الفعل الشعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، لاحظ أن جزءًا مما سعت إليه إسرائيل تحقق. البعض ذوّت رسالة إسرائيل وانضم محقرًا قيادته الفلسطينية العاجزة! آخرون كتبوا بروح تنم عن ذل وقهر، وفئة عنها نطقت الخسارة وروح مهزومة.
للدبلوماسية حقها ومكانتها. لأصول إدارة الأزمات قوالب، قواعد ومفاصل. للمصالح العليا أولويات. أمّا هنا فأنا أكتب عمّا تبقّى من مساحة رمادية فيها ينفث الاحتلال، بمنهجية علمية وخبرة عقود، سمومه التي قد لا تميت الجسد الفلسطيني، لكنّها تتركه جريحًا ينزف ويتألم، جسدًا ضعيفًا يبحث عن كلأ ومأوى وعن أمل وبقايا عزة.
لم يشخ الاحتلال، أمّا الفلسطيني فلقد أضناه الغيب وأتعبته ذلة، يمضي صابرًا مؤمنًا أن ميعاده، كما تروي الشمس، مع الحرية قريب.
معادلة ...شيخوخة عربية طالت واستطالت
بقلم: حمدي فراج – القدس
صوّت الشعب المصري على دستوره الجديد وسط حالة سياسية خلافية ما زالت مستمرة ، يظنها البعض انها حديثة / جديدة ، نشأت قبل ستة اشهر عندما تم عزل الرئيس المنتخب ممثل جماعة الاخوان محمد مرسي ، لكنها في الحقيقة قضية قديمة قدم الدين ذاته والدولة ذاتها والخلاف محتدم بينهما ، الدين أم الدولة ، حتى كاد يصل الامر الى حالة الجدل بين البيضة والدجاجة .
وهنا نسجل ان الدستور نجح في اقامة حالة توازنية ما بينهما بحيث لا يطغى احدهما على الآخر ، وكما قال الاستاذ الكبير محمد حسنين هيكل ، فقد تم التوصل الى ان تكون الدولة مدنية ، وهي الحالة ما بين العلمانية والاسلامية . من بين البنود الخلافية محاكمة المدنيين امام المحاكم العسكرية ، وقد تم توضيحها انها تختص بالمعتدين على الجيش ومؤسساته .
ويرى البعض الحقوقي ان المادة جاءت متطورة كثيرا على دستور 2012 الذي سن في عهد مرسي بأغلبية 64% من الجمهور ، حيث شابها التعميم والتعويم من ان المحاكمات العسكرية في الجرائم التي "تضر" بالقوات المسلحة ، في حين جاء في النص الجديد أنه لا يجوز محاكمة مدني أمام القضاء العسكري إلا في حالات واستثناءات متعلقة في ارتكاب "جرائم الارهاب" .
وهذا يحدث للاسف الشديد في كل مناحي الوطن العربي . ويرى هيكل ان هذا ليس دستورا دائما ، على اعتبار ان الدستور "تعبير عن كل قوى الامة تتم صياغته في لحظة توافقية ، في حين تعيش مصر لحظة خلافية وفوضوية" . مشكلة الدستور ليست هي التي تؤرق مصر ، أو الامة ، بل حركة الشباب الجامحة ، كما يقول هيكل ، وهي جزء من حركة شبابية عالمية ، قامت ضد شيخوخة عربية طويلة وبطيئة جدا ، وصلت مناهضتها الى "الشعر الابيض" لمجرد انه ابيض . التيار الاسلامي ، الذي ينادي هيكل بعدم اقصائه ، لا في مصر ولا في اي مكان من الوطن العربي ، "لأن هذا يضع المنطقة في مشاكل لا حدود لها ، فهو تيار فاعل واصيل ويجب ان يعطى حقه بمقدار ما يستحق ، وهو أخذ اكثر مما يستحق ، كما مع الاخوان الذين قفزوا الى السلطة وتصوروا انهم باقون الى الابد" . الدستور الجديد قلل من صلاحيات الرئيس وحدد فترة ولايته بدورتين متتاليتين ، وألغى مجلس الشورى ، وهو كما هو معروف مجلس شكلي إن ما يحدث في مصر اليوم ، يؤشر الى ان الشعب المصري وطلائعه واحزابه في حالة من التغير والتطور والتحرك ، بعكس شعوب اخرى استسلمت للركون والسكون ، وكأنك في قفر بلا دستور ولا قانون ولا برلمان ولا حتى رئيس ، بل عائلة او عشيرة يتولاها الملك/ الامير/ السلطان / الرئيس / حتى الموت.
متى ينتهي المستهلك الفلسطيني من دوامة الأغذية الفاسدة؟
بقلم: الدكتور عقل أبو قرع – القدس
قبل عدة ايام، تم ضبط ومصادرة كميات من الدجاج الفاسد او غير الصالح للاستهلاك البشري، وقبل ايام كذلك تم مصادرة واتلاف تمور ومواد غذائية مختلفة فاسدة، وبغض النظر عن سبب الفساد، فانه لا يكاد يمر يوم الا وتتناقل الانباء عن ضبط او مصادرة او اتلاف مواد غذائية فاسدة، اي غير صالحة للاستهلاك البشري، وعمليا او نظريا، ورغم حملات الضبط هذه والمصادرة والاتلاف وبالتالي تجنيب المستهلك التداعيات، الا ان هذا يعني ان هناك كميات من الاغذية الفاسدة لم ولن يتم ضبطها، وبالتالي ما زالت في الاسواق، ومنها من وصل ويصل الى اياد ومن ثم الى افواه المستهلك الفلسطيني، الذي بات حائرا، او غير مبالي، او في احسن الاحوال يترك الامور للتواكيل.
وضبط واتلاف الاغذية الفاسدة يتم بجهود وبتطور متواصل في الية عمل الجهات ذات العلاقة، من الضابطة الجمركية، ودائرة حماية المستهلك، والاجهزة الاخرى من صحية وامنية، ورغم ان عملية الضبط والاتلاف هي بحد ذاتها عمل ناجح، الا ان ما يرافق هذه العملية او يتبعها او ينتج عنها هو كذلك مهم، وبالاخص الاعلان عن عملية الضبط او البعد الاعلامي لها، ومثلا، اثار الاعلان عن ضبط مئات الدجاج الفاسد قبل عدة اسابيع في احدى المناطق الفلسطينية، البلبلة والقلق وحتى العزوف عن شراء الدجاج في مناطق اخرى، رغم ان الدجاج في هذه المناطق غير فاسد، وهذا يدل على اهمية الاعلان عن عملية اكتشاف ومصادرة الاغذية الفاسدة، وصحيح ان الجهات التي تقوم بعملية الضبط والاتلاف تريد الاعلان عن نتائج اعمالها، ولكن الاسلوب او الطريقة او الية الاتصال مع الاعلام من المفترض ان يتم مراجعتها، حيث يمكن ان يسبب الاعلان عن عملية الضبط وبالاضافة الى الارباك المتواصل للمستهلك، الى خسائر اقتصادية نحن لسنا بحاجة اليها، وماذا مثلا لو تم الاعلان عن عمليات الضبط والمصادرة مرة كل اسبوعين او شهر، وبدون اضواء اعلامية كبيرة، وبدون تفاصيل عن المواد المضبوطة، الا اذا كان حاجة من ذلك يمكن ان يستفيد منها المستهلك؟
ولست على دراية بعمليات الضبط واتلاف الاغذية الفاسدة في دول اخرى، سواء من حيث حجم او نوعية المواد الفاسدة، وبالاخص الدول المجاورة لنا، كالاردن او اسرائيل مثلا، ولكن اعتقد ان هناك الية معينة تم ويتم اتباعها في هذه الدول، سيكون من الجدوى التعرف عليها، وصحيح ان من سلبيات وضعنا او من ضمن الاسباب الاساسية لتواصل وتزايد كمية ونوعية الاغذية الفاسدة عندنا هو عدم التحكم او ضبط المعابر والحدود، ولكن وبالتسليم بذلك، من المفترض ان نركز على طرق او اساليب اخرى تعمل على زيادة نجاعة ضبط وصول او انتشار الاغذية الفاسدة في بلادنا.
ومن هذه الاساليب هو المستهلك نفسة، او ثقة المستهلك بالجهات الرسمية وغير الرسمية التي تعمل لحمايته، ورغم العمل المتواصل الذي تقوم بة الطواقم الرسمية لضبط الاغذية الفاسدة، سواء من حيث الرقابة والتفتيش والفحوصات، الا انه وبدون شك يبقى المستهلك هو اللبنة الاساسية لاكتشاف وللابلاغ عن المواد الفاسدة، وهذا بدوره وبالاضافة الى توعية المستهلك بأسباب فساد الاغذية، او عدم صلاحيتها، فانه مطلوب بناء جسور الاتصال وقنوات تبادل المعلومات مع المستهلك، ولا اعتقد ان غالبية المستهلكين الفلسطينيين في الوقت الحالي تعرف كيف والى اين تتجه في حال اكتشاف اغذية او ادوية او مواد سواء منتهة الصلاحية او مشكوك في امرها او ظهر لاستخدامها مضاعفات سلبية، وعدا عن ذلك ولو افترضنا ان المستهلك قد قام بايصال المعلومة الى جهة معينة، فهو لا يعرف كيف يتابع، او لا يتوقع ان تقوم الجهات التي تم اعلامها بالتحرك والمتابعة والاهم التواصل معه لابلاغة ما حدث، وحتى يتم اصلاح هذا الخلل، سيبقى المستهلك الفلسطيني بعيدا عن التواصل والتعاون مع الجهات الرسمية، وستبقى مواد فاسدة او جزء منها ينتشر في السوق بمعرفة وبدون معرفة المستهلك.
والاعلام، وبالاخص في هذه الحالة هو عنصر مهم، سواء من خلال عملية صياغة او تحرير الانباء التي تصله من الجهات الرسمية بخصوص المواد الفاسدة، او تلك المعلومات التي يحصل عليها بشكل مباشر، وهذا يشمل الصحف المحلية والاذاعات والتلفزيون، والاهم العديد من المواقع الاخبارية ومواقع التواصل الاجتماعية، التي تقوم ومن باب الاثارة بأضافة التزويق على مثل هكذا اخبار وما ينتج عن ذلك من ضرر معنوي ومادي للمستهلك وللاقتصاد.
و في ظل هذه الدوامة من ضبط ومصادرة مواد فاسدة متعددة، فالمطلوب كذلك هو اجراء عملية تقييم لعمل الجهات الرسمية وغير الرسمية العاملة في هذا المجال، وهذا امر روتيني عادي تقوم بة جهات كثيرة وذلك لتقييم عملها وتبيان النقاط الايجابية ومن ثم تدعيمها، وكذلك لتبيان السلبيات ومن ثم العمل على تجاوزها، وحتى تتم عملية التقييم، ومن اجل طمأنه المستهلك، فالمطلوب من الجهات الرسمية وغير الرسمية المهتمة بسلامة الغذاء والدواء ومنع وصول المواد الفاسدة للناس، وضع برنامج منظم ومتكامل من اجل سحب عينات عشوائية، سواء اكان من الخضار او الفواكة، او من الدواء، او حتى من الخبز والكعك، واجراء الفحوصات الروتينية لهذه العينات، في مختبرات تم اعتمادها، وتم التأكد ومن خلال مختصين علميين، بجاهيزتها، سواء طاقمها او اجهزتها او خبرتها، والاهم كذلك نشر نتائج الفحوصات، ومن خلال الاعلام، لكي تصل الى المستهلك.
وبالاضافة الى التواصل مع المستهلك، فان الهيئات التمثيلية المحلية للمستهلك هي كذلك مهمة، من مجالس قروية وبلديات ومؤسسات متخصصة او اطر محددة، من نسوية او شبابية او غير ذلك، لان المعلومة في الغالب تصل من القاعدة او من الموقع، سواء من المستهلك او من هذه الاطر المحلية، ولذا فانه من المفترض على الجهات التي تعمل لمكافحة الاغذية الفاسدة ان تبني جسور التواصل والثقة مع هذه الهيئات والاطر، وحتى يتم بناء الثقة مع المستهلك والاهم من خلال الممارسة العملية لمتابعة قضاياة، وكذلك بناء قنوات التعاون مع الهيئات المحلية بانواعها، وكذلك تصويب طريقة التواصل او الاعلان عن ضبط المواد الفاسدة في الاعلام، سيبقى المستهلك الفلسطيني يعيش ويدور في الدوامة شبة اليومية من ضبط ومصادرة واتلاف الاغذية الفاسدة.
الرئيس يضع شعبه في صورة آخر تطورات الوضع الفلسطيني
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
خلال استقباله وفداً مقدسيا يوم السبت الماضي، ألقى الرئيس محمود عباس خطاباً شاملاً جامعاً تناول فيه آخر تطورات الأوضاع الفلسطينية والقضايا التي تشغل بال كل مواطن فلسطيني في الداخل وفي المهجر. وكعادته دائما فإن الرئيس تحدث بكل صراحة وشفافية ودون مواربة وخاصة ما يتعلق بالقدس والمصالحة والاستيطان والأسرى والأوضاع المأساوية التي يعيشها أشقاؤنا في مخيم اليرموك في القطر العربي السوري الشقيق وحق العودة ويهودية الدولة العبرية. وأكد ثبات الموقف الفلسطيني وعدم تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها شعبنا الفلسطيني العظيم، وكذلك تحدث عن المفاوضات المباشرة مع الجانب الإسرائيلي ومهلة الأشهر التسعة التي حددتها القيادة الفلسطينية لهذه المفاوضات وذلك من خلال الاتفاق مع وزير الخارجية الأميركية جون كيري والتي تنتهي مطلع شهر نيسان القادم.
وفيما يخص مدينة القدس أكد الرئيس أبو مازن أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية وأنه لن يكون هناك سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين إذا لم يوافق الإسرائيليون على هذه المسألة، وأما بخصوص تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بأنهم يرفضون إدراج موضوع القدس في أية محادثات أو مفاوضات، فقال الرئيس "فليقولوا ما يقولون، وما لم تكن القدس مذكورة بالقلم العريض الواضح أنها عاصمة دولة فلسطين فلن يكون معهم سلام وليسمعوا هذا" وأكد أبو مازن أن القدس ليست أبوديس لكنّ أبوديس جزء من القدس وكلامنا مفهوم لأننا نسمع كلاماً كثيرا حول العاصمة هنا وهناك، العاصمة ستكون في القدس التي احتلت في حزيران من عام 1967.
والواقع أن العالم كله مجمع على أن القدس الشرقية هي مفتاح السلام وبدون حل هذه القضية لن يتحقق هذا السلام الذي ينشده العالم أجمع. كما أن هناك إجماعا عربيا ودوليا على أن القدس الشرقية هي جزء من الضفة الغربية وأنها يجب أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية، كما أن العالم كله بما فيه الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي الأول لإسرائيل مجمع على رفض الإجراءات الإسرائيلية في القدس ويعتبرها أرضا محتلة، وكذلك فإن قرارات الشرعية الدولية ترفض تلك الاجراءات انطلاقا من مبدأ "أنه لا يجوز ضم أراضي الغير بالقوة".
إن الإصرار الإسرائيلي على اعتبار القدس الشرقية مع القدس الغربية "عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل" إنما يجعل من تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أمرا مستحيلا، إذ أنه لا يمكن لأي فلسطيني أن يقبل التخلي عن مدينة القدس أو أية أجزاء منها.
ولكن القيادة الفلسطينية أكدت وما زالت تؤكد أن القدس الشرقية ستكون مدينة مفتوحة أمام الجميع يؤدي فيها اتباع الديانات السماوية الثلاث شعائرهم الدينية في أماكنهم المقدسة بكل راحة وحرية، وستكون حرية الوصول الى تلك الأماكن مكفولة للجميع، وكذلك فإن هذه المدينة المقدسة ستكون مفتوحة للجميع، ليس لاتباع الديانات السماوية الثلاث فقط بل لكل عشاق هذه المدينة في أي مكان وجدوا.
وحول المدينة المقدسة أكد الرئيس عباس أيضا على الحل السلمي ورفض الحلول العنفية وسفك الدماء حيث قال "نحن لا نهوى الموت" ورفض الشعار القائل "شهداء بالملايين رايحين على القدس" وردد الشعار السلمي "رايحين أبطال وأحرار بالملايين على القدس " فنحن شعب نعشق السلام ونرفض القتل والعنف وسفك الدماء، ونحن نريد القدس كأبطال وأحرار لأننا عشاق الحياة ولكن حياة الكرامة والعزة والحرية والبطولة والإباء.
وحول قضية الأسرى أكد الرئيس أبو مازن كذبة ادعاء بأن هناك علاقة بين الإفراج عنهم وبين الاستيطان وشدد على أنه بصبرنا استطعنا الإفراج عن الدفعة الثالثة منهم والتي تضمنت أسرى مقدسيين، مع أن اسرائيل كانت ترفض الافراج عن أسرى من القدس، وأضاف أن الدفعة الرابعة من إطلاق سراح الأسرى ستشمل على أسرى من أهالي ال48، وأكد أنه ستكون لنا جولات أخرى لإطلاق سراح مزيد من الأسرى حتى يتنسموا نسيم الحرية. وقال الرئيس إنه إذا أرادت إسرائيل الربط بين تحرير الأسرى والاستيطان فنحن في حل مما التزمنا به، فإذا فسخ أحد الأطراف العقد فإن من حق الطرف الآخر فسخه.
والحقيقة أن الرئيس يضع قضية تحرير الأسرى في سلم أولوياته حتى ينهي هذه القضية الإنسانية التي تجعل آلاف الأسر تعيش في حزن وهم وغم دائمين. ذلك أنه عقب كل اتفاق سلام بين المحاربين يطلق سراح الأسرى وهذا هو المتعارف عليه منذ القديم وإسرائيل في كل اتفاقاتها مع الدول العربية فإن أول شرط تضعه إطلاق سراح أسراها.
وفي حديثه عن قضية المصالحة فإن الرئيس عباس جدد القول بأنه لا تناقض بين المصالحة والمفاوضات وأكد أنه طلب المصالحة قبل البدء في المفاوضات ولم يحدث أي شيء. ودعا الرئيس في كلمته أمام الوفد المقدسيّ حركة حماس إلى المصالحة الوطنية لأنها مصلحة وطنية، وشدد على أن إبعاد غزة عن الضفة هو إنهاء لوحدة الأرض والشعب، وشدد على أن غزة جزء من أرض فلسطين وأن علينا أن نستعجل المصالحة لنحافظ على وحدة الشعب الفلسطيني.
وتساءل الرئيس أبو مازن ماذا نستفيد من هذا البعد وهذه الفرقة؟ وأجاب قائلا "لا شيء" بل إن قضيتنا الوطنية تتضرر من سيء الى أسوأ، وقال أن طريق المصالحة واضح لا شروط ولا أي شيء آخر بل الطريق يتمثل في تنفيذ ما اتفق عليه في الدوحة والقاهرة، ودعا حركة حماس الى التوقف عن الادعاء بأنه يضغط على القيادة الفلسطينية، وأكد أن حماس تعرف أن القيادة الفلسطينية لا تخضع للضغوط وإنما تعمل من منطلق المصلحة العليا للشعب الفلسطيني.
والواقع أن السبيل الى المصالحة واضح كل الوضوح كما أكد الرئيس، ويتمثل في الذهاب الى الانتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة، وكذلك انتخاب مجلس وطني جديد تشرف عليها حكومة كفاءات وبإشراف عربي ودولي، وفي أجواء من الديمقراطية والنزاهة والشفافية يقول فيها الشعب كلمته بحرية ويختار من يشاء من المرشحين. وقد شدد الرئيس دائما على أنه سيقبل بنتائج تلك الانتخابات أيا كانت نتيجتها.
والواقع أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية قد استحقت منذ حوالي أربعة أعوام، وكان يجب اجراؤها في عام 2010، ولكن حركة حماس ترفض إجراءها في قطاع غزة بذرائع وحجج، وقد سبق أن أجريت انتخابات رئاسية وتشريعية في عام 2006 وشهد العالم كله بنزاهتها وكانت تجربة ناجحة بكل معاني الكلمة.
إن شعبنا الفلسطيني زهق وسئم من كثرة الحديث عن المصالحة كما قال الرئيس عباس لأنه لا يرى الا كلاما وتصريحات لا تطبق على أرض الواقع، مع أن الواجب الوطني يفرض على الجميع التعالي على المصالح الحركية والحزبية والفصائلية والإسراع في تحقيق هذه المصالحة التي تكرس الانفصال والانقسام. والواقع أن الكرة الآن في ملعب حماس التي عليها أن تلتزم بما وقعته من اتفاقات لتحقيق المصالحة من اتفاقات القاهرة ومكة المكرمة وصنعاء والدوحة. وتذهب الى الانتخابات وتخضع لارادة الشعب الفلسطيني ولمصلحته الوطنية العليا.
وحول حق العودة للاجئين قال الرئيس عباس أن هذا الحق خيار شخصي لا تملك السلطة الوطنية ولا الدولة ولا منظمة التحرير الفلسطينية ولا القيادة الفلسطينية منع أي شخص من حقه في العودة، وقد تكون هناك خيارات أخرى وأن من حق اللاجئ أن يختار ما يشاء وأن هناك تعويضاً وتفاصيل أخرى، وشدد أن هذا الحق عائد للشخص نفسه فلا يستطيع حتى الأب أن يجبر أولاده على التنازل عنه إذا أرادوا هذا الحق. وهكذا فإن اللاجئ الفلسطيني له الحق في اختيار ما يريد دون إكراه أو ضغط من أحد عليه.
وحول الأوضاع المأساوية التي يعيشها إخوتنا الفلسطينيون في مخيم اليرموك في العاصمة السورية دمشق والتي تمزق قلب كل عربي ومسلم، حيث أن الكثير منهم خاصة من النساء والأطفال والشيوخ قضوا جوعا أو مرضا، حيث أن الصراع المسلم بين الأطراف المتصارعة أدى الى منع دخول الغذاء والدواء الى المحاصرين في المخيم.
وأكد الرئيس في حديثه الجامع مع الوفد المقدسي أن القيادة الفلسطينية تتبع سياسة أننا ضيوف في الدول العربية ولا نتدخل في شؤونها الداخلية، وقال إن المخيم في بداية الأزمة كان هادئا ولكن الأيدي القذرة المستأجرة سرعان ما لعبت داخل المخيمات الفلسطينية، وأدخلته في الصراع السوري بين الأطراف المتقاتلة ما أدى الى تدهور الأوضاع في تلك المخيمات خاصة في مخيم اليرموك.
وشدد الرئيس أبو مازن على أن العلاقة الفلسطينية مع جميع الأطراف واحدة، وأن هناك وفداً في دمشق يمثل منظمة التحرير الفلسطينية يحاول إيجاد الحلول لهذه الأزمة الإنسانية المروعة ويحاول إدخال المعونات الغذائية والطبية إلى المخيم ولإخراج الجرحى والمرضى منه، وأعلن إطلاق حملة لإسعاف إخوتنا داخل مخيم اليرموك، وهاجم الرئيس بشدة الذين أدخلوا المخيمات الفلسطينية في النزاع السوري وقال إنهم خونة للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني.
وقد لاقت الدعوة التي أطلقها الرئيس عباس لإغاثة أبناء شعبنا في مخيم اليرموك استجابة كاملة من أبناء شعبنا في القدس والضفة، حيث بدأت حملات لجمع التبرعات لأولئك المنكوبين، ولا شك أن الرئيس عباس كممثل شرعي للشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده يتابع كل صغيرة وكبيرة تخص هذا الشعب، ومن هنا جاءت وقفته المشهودة مع أشقائنا في مخيم اليرموك. وذلك من منطلق أن الشعب الفلسطيني أينما وجد هو شعب واحد لا تفرقه الحدود مهما تباعدت.
وأما بالنسبة لما تطالب به اسرائيل من اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة العبرية فقد أكد أننا لن نقبل بيهودية الدولة ولن نعترف بها، وذلك لأسباب كثيرة قدمناها للجانب الإسرائيلي، وشدد على أن هذه النغمة أي يهودية الدولة نغمة جديدة لم نسمعها إلا منذ عامين فقط، وقال أننا نطالب بإقامة دولتنا الفلسطينية في حدود الرابع من حزيران عام 1967.
وشدد الرئيس في خطابه أمام الوفد المقدسي أننا صامدون في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة وفي كل مكان، وأننا سننال حقوقنا المشروعة بهذا الصمود لاننا طلاب حقوق مشروعة.
والواقع أن خطاب الرئيس هذا كما كل خطاباته السابقة يتصف بالمكاشفة والمصارحة، فهو لا يتحدث داخل الغرف المغلقة بلغة غير التي يتحدث بها في الاجتماعات المفتوحة. وهو صادق في كل توجهاته وهو ينفث روح الأمل في نفوس أبناء شعبه، وهو واثق من أن هذا الشعب الصابر سيحقق أمانيه المشروعة في الحرية والإستقلال ودولته المستقلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الخامس من حزيران لعام 1967 مهما طال الزمن. والله الموفق
الكتلة الاستيطانية الرابعة في "بيت إيل".. فأين الخامسة؟!
بقلم : عبد الناصر النجار – الايام
هناك فرق شاسع بين قوة الحق والقوة المادية المطلقة.. نحن الفلسطينيين نعتمد في محادثاتنا مع الجميع على قوة حقنا في هذه الأرض... في الوقت الذي تعتمد فيه إسرائيل على مبدأ القوة المادية المطلقة.. وفي المقدم منها القوة العسكرية؛ كونها الأقوى بلا منازع في منطقة الشرق الأوسط، بل تعد ضمن القوى العالمية، علاوة على قوة الاقتصاد والإعلام. فمعظم وسائل الإعلام العالمية المؤثرة إما مملوكة لأباطرة المال اليهود والحركة الصهيونية أو لمقرّبين وداعمين للحركة الصهيونية وإسرائيل.
ولا شك في أن العالم بما فيه واشنطن لا ينظر كثيراً إلى قوة الحق ومفاهيم العدالة بقدر ما ينظر إلى مفهوم المصالح والقوة المادية بكافة أشكالها... فلا معنى للأخلاق في عالم تسوده نظريات سياسية قائمة بالأساس على بناء القوة العسكرية والاقتصادية.
سلطات الاحتلال تستطيع أن تفرض ما تشاء أو أن تضع العراقيل وتركل كل ما لا ترغب فيه... حتى لو مارست واشنطن قليلاً من الضغوط السياسية أو الاقتصادية على قادة الاحتلال، لأنها تحتمي بقوى مادية متعددة وعميقة ليس من السهل تغييرها.
نتنياهو ليس رابين أو شارون أو حتى شامير، فهو يمتطي صهوة اليمين الأكثر تطرفاً في إسرائيل من أجل الحفاظ على موقعه السياسي... لذا فهو غير قادر بالمطلق على تبني سياسات براغماتية ولو بحدها الأدنى للوصول إلى اتفاق مع الفلسطينيين برعاية أميركية، وهذا ما تؤكده الصحف الإسرائيلية، أيضاً.
وبناء عليه فهو يبحث دائماً عمّا يعرقل أي فرصة لإيجاد تقدم في المسار السياسي... وأبرز مثال على ذلك "يهودية الدولة"، فهو يعلم أن الفلسطينيين لن يقبلوا بالمطلق بيهودية الدولة التي تعني في الأساس نكبة جديدة لمن ظل صامداً على أرضه الفلسطينية في العام 1948.
ولعلّ الإجماع الفلسطيني من أعلى قمة الهرم وحتى آخر مواطن فلسطيني حول هذه القضية هو الذي يزيد إصرار نتنياهو واليمين الإسرائيلي على تبنيها؛ لجعلها "مسمار جحا" في طريق المفاوضات.
ومن بين طروحات نتنياهو الجديدة أن تصبح "بيت إيل" كتلة استيطانية رابعة إضافة إلى الكتل الاستيطانية الثلاث في الضفة الغربية والتي تمزق أوصال الجغرافيا الفلسطينية.
تصوّروا كيف ستكون شبكة الطرق والمواصلات بين هذه الكتل الاستيطانية، وكيف ستمر في دولة فلسطينية من المفترض أن تكون مستقلة، ولها سيطرة كاملة على أراضيها؟... أما الكتلة الاستيطانية الخامسة التي يرغب نتنياهو في إضافتها فهي كتلة "كريات أربع" والبلدة القديمة من الخليل امتداداً إلى حي "تل الرميدة" الذي تجري فيه الآن حفريات إسرائيلية تحت ادعاءات واهية.
إذن يهودية الدولة، وزيادة عدد الكتل الاستيطانية، والإبقاء على الأغوار، والتأكيد على إلغاء تام لحق العودة بحيث وصل الشطط الإسرائيلي في هذه القضية إلى حد القول إنه لن يسمح حتى للاجئ واحد بالعودة إلى (إسرائيل).
وأمام هذه المعطيات، فإن آفاق نجاح المسيرة السياسية تبدو أبعد مما يتصور البعض... ولهذا فإن أي فشل قادم في الأساس ناجم عن العبقرية الإسرائيلية في اختراع المعيق تلو الآخر... وهي في الوقت نفسه تراهن على أن يأتي الرفض من الفلسطينيين لتحميلهم وزر مسيرة لا يملكون فيها سوى قوة الحق... ويفتقدون فيها بشكل كامل للقوة المادية في ظل المتغيرات العربية الراهنة... والتحولات التي ربما تحتاج إلى سنوات قبل استقرار حقيقي، لتعود القضية الفلسطينية إلى موقعها السابق.
مخيم اليرموك بين زمنين
بقلم: حسين حجازي – الايام
كنا نسافر من بيروت إلى المخيم ببطاقات انتمائنا إلى الفصائل، عبر الطريق البري الذي يخترق المنحدرات الجبلية لسلسلة جبال لبنان الشرقية، التي تصل لبنان ببلاد الشام الأم قبل أن ينفصل لبنان الذي جاء ذكرُه في العهد القديم، كأجمل بقاع الأرض عن سورية قلب بلاد الشام، وموطن الجغرافيا الطبيعية لفكرة القومية العربية.
تقلنا سيارة الأجرة القديمة هنا من منحدر جبل الدروز العرب من بني معروف، وقد تركنا وراءنا بلدة خلدة التي استشهد دفاعاً عنها العقيد عبد الله صيام في معركة خلدة على أبواب بيروت، احد افضل قادة كتائب عرفات. وقد بدأت السيارة تصعد بنا من عرمون صعودا إلى بحمدون، والى عاليه وصوفر حتى تبدو بيروت من هذا المرتفع، وكأنها تسقط في هوة سحيقة. هنا مررنا شتاء إلى قصر آل جنبلاط في "المختارة"، في انتظار الزعيم الشاب لإلقاء التحية على قبر والده الزعيم الكبير كمال جنبلاط. وها هو على مرمى النظر او حجر من "ظهر البيدر" و"الشبانية"، يبدو جبل صنين الذي تغني له فيروز. ولربما هنا من على هذه الحدائق الجبلية المعلقة، ولدت أغنيتها عن ضياع شادي الذي كان يلعب طفلا بالثلج على هذه السفوح الجبلية.
وحينما نترك سلسلة الجبال وراءنا سيبدو البقاع وبلدة "شتورة" أمامنا مثل سهل فسيح ومنبسط، ها نحن نوشك على بلوغ بوابة المصنع التي تفصل الحدود بين لبنان وسورية، وحيث ننعم باستراحة قصيرة في بلدة شتورة لتناول بعض الطعام. وهذه الوجبات السريعة اللذيذة من مطعم على الطريق تعود ملكيته لامرأة ذاع صيتها في سنوات غابرة، كواحدة من اشهر راقصات الزمن القديم في مصر الملكية، وخلدها المخرج المصري الشهير حسن الأمام في واحد من أفلامه الاستعراضية الرائعة، هذه هي السيدة بديعة مصابني.
كان المخيم في ذلك الوقت "جسم احمد"، كتب محمود درويش مرثاته عن مأساة مخيم آخر هو تل الزعتر. "مخيماً ينجب مقاتلين وزعتر". لكن المخيم الذي دخلته أول مرة لم يكن يشبه المخيم الذي تركته على شاطئ البحر لآخر مرة هنا في غزة، ولا المخيمات التي اعتدنا الذهاب اليها بل والسكن فيها أحياناً أخرى، في شاتيلا وصبرا أو برج البراجنة على أطراف بيروت. كان اليرموك يشبه اسمه الكبير يبدو في مساحته وترامي بنيانه المدني الحديث، وشوارعه العريضة كما لو انه مدينة أكثر من كونه بنايات صغيرة متلاصقة، بيوتاً متلاصقة لا يفصل بينها سوى أزقة ضيقة، كما هو الحال في مخيمات بيروت. وذلكم هو الخزان البشري للثورة الفلسطينية المعاصرة، حيث نبدو نحن القادمين إليه من بيروت الجمهورية الثورية، كما لو اننا نأتي اليه من ميدان المعركة الخطوط الأمامية هناك، لتمضية استراحة إجازة محاربين ثم نعود ثانية.
عاتب الرئيس السوري حافظ الأسد ياسر عرفات الخصم اللدود الذي ظل يتصارع معه على ملكية القرار الفلسطيني، في اللقاء التاريخي الذي جرى بينهما غداة خروج الرجلين من بيروت صيف العام 1982. "أولا زلت يا عرفات تتهم سورية فيما جرى في تل الزعتر؟ ولماذا فضلت الذهاب الى اليونان ثم الى تونس بدلا من دمشق؟ "وبحسب الرواية فإن عرفات أجاب الأسد بأن الحكم على ما جرى في تل الزعتر متروك للتاريخ، وقد أردت في مغادرتي إلى اليونان التعبير عن عتبي على أمتي العربية. لكن عرفات كما الأسد اللذين ما كانا يسلمان بما حدث في العام 1982، ظلت عودتهما الى لبنان يمثل الهدف الرئيسي والأولوية لكليهما، وقد تبقى لعرفات شمال لبنان والبقاع كما طرابلس. وبقي للأسد حلفاؤه اللبنانيون الأقوياء، وسوف يعود كلاهما الى لبنان بعد مضي سنة، لينتهى هذا الصراع الأخوي في معركة طرابلس، ثم تتواصل تداعياته في ما سمي "بحرب المخيمات"، قبل أن تلقي انتفاضة الفلسطينيين العام 1987 بظلالها على هذا الصراع وتطفئ جذوته الأخيرة.
هنا بعودة عرفات التاريخية الى فلسطين، سيفقد الخارج الفلسطيني أهميته المحورية، لا في الاستراتيجية التعبوية القتالية الفلسطينية، ولكن بإسدال الستارة على حقبة تاريخية كانت فيها المخيمات الفلسطينية في الأردن كما في لبنان وسورية، هي الخزان الحربي في هذا الصراع المزدوج والمتداخل بين حروب الثورة الفلسطينية مع إسرائيل، وعلى جبهة الأخوة الأعداء. انتهى الأمر.
واذ سيضع الفلسطينيون كل بيضهم وثقلهم في الصراع من داخل فلسطين وجها لوجه مع إسرائيل، فإن المخيمات في أماكن اللجوء سوف يقتصر دورها ومكانتها في تجسيدها المادي لحق العودة، باعتبارها تمثل قضية اللاجئين.
لم يعد المخيم مخيم المرثاة القديمة بعد زمن أغاني المنفى البطولية، جسم احمد ولا دمشق جفون احمد. وبعد الوحدات واليرموك وشاتيلا وبرج البراجنة، سينهض احمد من جديد مثل قيامة المسيح، ولكن هذه المرة في مخيم جنين وجباليا. "وهذا بفضل الانتفاضة"، وضع العنوان لمقالتي مدير تحرير المجلة حسن البطل فوق الصورة التي تظهر الرئيس السوري حافظ الأسد يستقبل ياسر عرفات في قصر المهاجرين بدمشق العام 1988، إيذانا بفتح صفحة جديدة بين الثورة الفلسطينية والعلاقة مع المنفى كقطع استراتيجي مع مرحلة، وهي مرحلة قد يمكن الآن ان نكتب في نهاية ذيلها الطويل، انها برغم كل مآسيها وما يؤخذ عليها، حتى في ذروة الصراعات المنكودة التي شهدتها، حافظت سورية الدولة تحت حكم آل الأسد على تحييد الفلسطينيين في مخيمات اللجوء داخل أراضيها، عن دفع ثمن هذه الخصومة المتواترة. وربما استخدمت حلفاءها في لبنان في أوقات مختلفة لتصفية حساباتها مع القيادة الفلسطينية، وحتى سعت في ظل حكم الأسد الأب إلى بذر الشقاق بين صفوفهم. لكن الفلسطينيين في سورية ظلوا يعاملون من قبل الدول كأفضل معاملة يتلقاها الفلسطينيون في أماكن لجوئهم، أسوة بالمواطنين السوريين انفسهم وبجميع الامتيازات والحقوق التي يحصلون عليها. وحين اغتال الإسرائيليون خليل الوزير (ابو جهاد) في تونس، لم تجد القيادة الفلسطينية مكانا يؤوي مثواه الأخير سوى دمشق، وفضل جورج حبش ان يقضي أيام شيخوخته الأخيرة فيها ويموت، وكذا يواصل نايف حواتمة أمد الله في عمره البقاء فيها. وحينما ضاقت الأرض بخالد مشعل وإخوانه من قادة حماس، وكذا فتحي الشقاقي ورمضان شلح قادة الجهاد الإسلامي كان المخيم يتسع لهم. ومنه في الطريق الذي مررنا به صعودا بين منحدرات جبال لبنان، كان باستطاعتهم جميعا الوصول الى مخيمات لبنان. ومنه انطلق محمود المبحوح لإيصال السلاح الى حماس في غزة.
وهذه كانت القصة قبل ان تتحرك لعبة الأمم لإسقاط وقتل الدولة السورية، وقد قلنا هنا في وقت مبكر ان هذه العملية سوف نكون نحن الفلسطينيين أول من يدفع ثمنها، ودعونا الرئيس ومشعل معا للتحرك مبكرا والإلقاء بورقة قدسية القضية الفلسطينية، لوأد وإفشال هذه اللعبة. ولكن القادة الفلسطينيين لم يفعلوا، حتى صرح أخيرا السيد اسامة حمدان بالحل والمخرج الوحيد، ولكن بعد استفحال أزمة المخيم، بأن على المسلحين ان يسووا وضعهم مع الدولة السورية ويخرجوا من المخيم.
ونعرف الآن ان الخيار الذي واجهه الرئيس السوري كان دقيقا وحرجا، فمن جهة هو لا يريد اللجوء الى العمل العسكري لإخراج المسلحين من المخيم لما للقضية الفلسطينية والمخيم من حساسية، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن للدولة القبول بأخذ المخيم كرهينة لإدامة سيطرة المسلحين على هذا الجزء من عاصمته، فكان الحصار هو الخيار في تراجيديا أخرى تعيد استحضار مأساة حصار تل الزعتر، ولكن في المرة الثانية أقرب إلى الكوميديا أو العبثية السوداء. حين يبدو واضحا لنا اليوم وبجلاء التناقض والفارق بين ثورتين وزمنين وبين عصرين، وحيث يعقب غالبا الثورات، الثورات المضادة. ويرفض التاريخ إبقاء المساحات الفارغة، حتى وان كان إملاء الفراغ الذي تركه الثوريون القدامى في المخيم، يتطلب إملاءه بهذه العينة أو النوعية من الثورجية السمجة.
استفتاء بطعم الفرح
بقلم: صادق الشافعي – الايام
حوّل أهل مصر الطيبين المجبولين بالمرح والاستبشار عملية الاستفتاء على دستورهم الى مناسبة احتفالية بكل أجوائها وأفراحها وتعبيراتها، استحضروا بهذه المناسبة شخصية مصر العريقة وبعثوا روحها الحقيقية الأصيلة، اظهروا ألقها وتوهجها وتسامحها، كما بينوا قوة عزيمتها وصلابة إصرارها.
شارك في الحفل كل أهل مصر بكل غنى تنوعهم، وحدهم أهل النكد والاستحواذ والظلامية غابوا عن الفرح، وانزووا على انفسهم يندبون حظاً خذلهم ويتحسرون على فرصة أضاعوها بعنتهم وظلاميتهم.
حضرت المرأة المصرية بكثافة لافتة تحمل معها تاريخها ودورها المشرفين وتحمل معها إصرارها على رفض الإلغاء والتهميش الذي كان يبشرها به الحكم المخلوع، كما تحمل أيضا عبقها وبهجتها وانشراحها، فاحتلت صدارة المشهد بكل جدارة واستحقاق.
وفي ذكرى ميلاده (15/1/1918) الذي تصادف مع اليوم الثاني من ايام الاستفتاء، حضر جمال عبد الناصر، حين انتشرت صوره بكثرة في معظم اللجان الانتخابية منفردة أو مرافقة لصورة الفريق السيسي، في تأكيد عفوي ولكنه عميق الدلالة على استمرار وتواصل مبادئه ونهجه وقيمه عبر الأجيال. العرب أيضا حضروا، كما أهل الدار، من باب الاهتمام الشديد بما يجري بمصر، ومن باب الأمل ان تنهض وتتقدم، ففي ذلك نهوض وتقدم لكل العرب.
وافق المصريون على الدستور بنسبة مشاركة يتوقع ان تكون مريحة، وبنعم كبيرة.
بهذا الإقرار تبدأ عودة مصر الى ذاتها وهويتها بعد فترة تغريب طالت، وتبدأ استعادة روحها بعد محاولات من الكبت والتشويه. وبهذا ينفتح الباب واسعاً أمام نهضتها وتقدمها وتحقيق أماني أهلها بتعزيز استقلالهم الوطني، والعيش الحر والكرامة الموفورة، وفي الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
ولتبدأ بموازاة كل ذلك عودة مصر الى المنطقة والى موقعها المتصدر فيها لتقوم بدورها الطبيعي بعد سنوات طالت من إبعادها القهري، شهدت المنطقة خلالها نكسات عديدة، واستطالت فيها قامات لمحاولة موازاة القامة المصرية وربما لتجاوزها، والتصدي لملء الفراغ الذي أحدثه غيابها والقيام بدورها، ولكنها لم تملك من المقومات والقدرات ما يمكنها من ذلك او يؤهلها له.
لقد خاضت حركة الإخوان المسلمين واتباعها معركة إفشال الاستفتاء ومنع إقرار الدستور بكل إمكاناتها وطاقاتها، ومعها تحالفاتها، وفشلت في ذلك.
وجاء نجاح الاستفتاء، بنعم كبيرة ليضع حدا لكل جدل حول النظام القائم وطبيعته ودوره، وليكسبه شرعية دستورية لا غبار عليها ولا جدال حولها تحل محل الشرعية الشعبية التي ظل يمارس الحكم على أساسها منذ 3/7/2013.
ولينزع، في نفس الوقت، الشرعية الدستورية عن النظام المخلوع، بعد ان نزعت عنه حشود الجماهير المليونية شرعيته الشعبية. فالاستفتاء الذي جرى بقدر ما قال (نعم) قوية لإقرار الدستور ومن اجل مصر واستقرارها ونهضتها، فانه قال لا بقوة مساوية لحركة الإخوان المسلمين ونظام حكمهم المخلوع، وضد موقعهم المناهض لاماني الغالبية الساحقة من أهل مصر الذي وضعوا انفسهم فيه، ولممارساتهم العدوانية ضدهم وضد امنهم ومصالحهم ومرافقهم العامة.
المفروض ان ينهي ذلك، كل حديث أو جدل عن عودة النظام المخلوع وعودة رئيسه ومؤسساته، وان يقود الى عملية مراجعة عميقة تقوم بها حركة الإخوان لكامل تجربتها ومواقفها في السنوات الأخيرة، بالذات مراجعة نظرتهم وتعاملهم مع الناس التي أدت الى إيجاد حالة من التوجس وصلت حد رفض الناس لهم وعزلهم داخل ذواتهم، وبما يؤدي إلى عودتهم للانخراط في المجتمع وحركته كمكون من مكوناته.
لكن المؤشرات تؤكد ان هذا "المفروض" سيبقى في دائرة " المفروض" دون ان ينتقل الى دائرة الفعل والواقع.
وهذا ما يضع شارة النهاية ليس على مشروعهم في مصر فقط، ولكنه يضعها على مشروعهم لكل المنطقة. كما يضع شارة النهاية أيضا على الأجندات الأجنبية التي كانت تراهن عليهم لضمان استمرار سيطرتها على المنطقة.
بعد إقرار الدستور تتجه مصر نحو استكمال مؤسساتها الدستورية، وفي المقدمة منها الاستحقاقان الرئاسي أولا كما هو متوقع، ثم التشريعي.
والسؤال الأكثر إلحاحاً على المستوى الشعبي : هل يترشح الفريق السيسي لمنصب رئيس الجمهورية؟ هل ستتواصل المطالبة الشعبية له بالترشح ونشهد تنظيم فعاليات جماهيرية لتأكيد هذه المطالبة؟ وهل ستكون نتائج الاستفتاء على الدستور مشجعة له على الترشح؟
اذا حصل ذلك فلن يكون أمرا غريبا وغير عادي كما قد يبدو للبعض كون الفريق السيسي يأتي من القوات المسلحة.
فالذين يعرفون مصر وتاريخها يعرفون ان للجيش المصري مكانة خاصة وعميقة وعزيزة جدا في نفوس أهل مصر بمختلف أطيافهم وفئاتهم وطوائفهم وانه ظل دائما موقع أملهم وحصن سيادتهم وامنهم ومهوى رجائهم.
ان هذه المكانة لـ "جيش مصر" كما يصرون على تسميته وليس الجيش المصري مثلا، تضرب في عمق التاريخ المصري، وظلت قائمة ومستمرة في تاريخ مصر القريب منذ ايام محمد علي الى عرابي الى عبد الناصر وصولا إلى ثورة يناير و 30 حزيران و3 تموز. وإذا حصل وترشح الفريق السيسي فان ذلك يبقى ممارسة عادية لمواطن يكفل له الدستور حق الترشح، يقرر الناخبون الموافقة عليه او رفضه.
لكن يخطئ من يتصور ان الفريق السيسي في حال انتخب رئيسا لمصر سيكون نسخة مكررة عن عبد الناصر، فلكل زمان دولة ورجال. المهم ان يمتلك السيسي ما يجب ان يمتلكه كل قائد يتصدى للمسؤولية : معرفة حقيقية بحاجات الناس وتطلعاتها وأمانيها في الظرف المعين ومعطياته، واستعدادا عاليا للعمل بإخلاص على تحقيقها، وامتلاك القدرة على ذلك.
جردة حساب للإعلام "الفيسبوكي"
بقلم: صلاح هنية – الايام
"الإعلام الفيسبوكي" فاعل ونشيط ومتنوع، بعضُه يمارس مهمة الاعتراض الدائم دون وسطية على كل كبيرة وصغيرة، والبعض الآخر يستخدمه إعلاماً للصور وكل ما يفعله يومياً، والبعض الآخر يغرقنا بالاستنكار والاستهجان.
مؤخراً كتبت على صفحتي على "الفيسبوك" "إنني سأدعم باتجاه تأسيس التجمع الوطني للمستغربين وذلك تعليقاً على اتساع ظاهرة المستغربين من كل شيء، فبعضهم يستغرب أن الاحتلال لا زال يتحكم بالطرق الرابطة بين المحافظات ويضع حواجز طيارة وثابتة، والبعض يستغرب أن شبكة الأمان الاجتماعي للأسر المستورة تُدفع كل ثلاثة اشهر مرة، والبعض يستغرب أن المخيم يعاني من انقطاع خدمات وكالة الغوث الدولية منذ 44 يوماً".
مؤخرا تعاطى "الفيسبوك" مع برنامج تلفزيوني عبر فضائية فلسطين (حر الكلام) حول قرار وزارة الصحة تفريغ الأطباء بالكامل ( البعض اقترح أن يتم تحويل الكازينو في أريحا إلى مدينة طبية تستقطب الكفاءات وتحوي غرف عمليات وعيادات خارجية بدلا من انفاق 170 مليون دولار سنويا على التحويلات في الخارج، والبعض استغرب من عدم تقديم مسوغات لقرار التفرغ من قبل وزارة الصحة، والبعض استغرب من استخفاف وزارة الصحة بضعف إمكانية الأطباء على الاستقالة لأنهم لا يستطيعون. البعض يسأل هل الحوافز للتفرغ ستشمل الأطباء فقط؟ ترى هل يستطيع الطبيب ان يعمل حتى العاشرة مساء في المستشفى وعيادات الرعاية الاولية دون عامل التنظيف والممرض وخبير الاشعة والمختبر وموظفي التسجيل والمالية)؟
الاعلام الفيسبوكي تعامل مع اللقاء التطبيعي في مدينة البيرة بصور مختلفة واقصاها توجيه الاتهام والنعوت القاسية ضد مدينة رام الله وكأنها هي المطبعة وهي المذنبة، وغضب البعض من دفاعنا عن رام الله كمدينة نحبها وإن طبّع من طبّع.. لا تدان رام الله بل يدان المذنب.
خارج الإعلام الفيسبوكي دعونا نقول ..... لم تعد أجندة عمل الحكومة تتسع للنظر في قضايا حقوق المستهلك التي طالها التغول في الأسعار وضعف آليات الرقابة وضعف آليات الإجراءات القانونية الرادعة، وفوق هذا وذاك عدم اعتماد نموذج دول الجوار في التدخلات الحكومية المباشرة للتأثير على خفض الأسعار كما فعلت الأردن من خلال تحديد سقف سعري عادل لطبق بيض المائدة وتسعة انواع من الخضروات، وكذلك فعلت مصر.
لم يعد واضحاً لدى الحكومة الارتباط الواضح بين ارتفاع أسعار السلع الأساسية والتغول فيها وبين تصاعد مطالب القطاعات كافة بتحقيق ارتفاع في الرواتب وربطها بجدول غلاء المعيشة حتى يتمكنوا من مواجهة بورصة الأسعار الاخذة بالارتفاع دون تحقيق تدخلات حكومية إيجابية، والاكتفاء بدعوة النقابات تفهّم ضرورة استمرار المؤسسات بتقديم خدماتها للمواطنين.
ومما يدلل على ما نسوقه فإن الحكومة منذ آخر أربعة اجتماعات اكتفت بالبيان الصادر عنها بالحديث عن استنكارات وتأكيدات، دون الولوج لمرة واحدة في قضايا الأسعار وحقوق المستهلك.
لم تعد أجندة حركة فتح تتسع لممارسة دورها التاريخي والكفاحي تجاه صيانة حقوق المخيم واللاجئ وحماية اللاجئين والتركيز على حق العودة، رغم ان "فتح" انطلقت من ثنايا المخيم والنكبة والعودة وترعرعت في المخيم وتصلب عودها الكفاحي والنضالي في المخيم، حتى أن قيادتها التاريخية من الشهيد المؤسس ياسر عرفات مرورا ببقية القيادة التاريخية كانت تفاخر بالمخيم واللاجئين وانتصار حركة فتح لهم.
اليوم بات انقطاع خدمات الوكالة من المخيمات على مدار 44 يوماً، وما قبل ذلك تقليص خدمات وكالة الغوث الدولية وجهة نظر تقبل الاجتهاد والأخذ والرد، وليست قضية مصيرية يجب ان تقف أمامها كل مكونات النظام السياسي الفلسطيني إلا أن أحداً لم يحرك ساكنا، ترى هل عجزت وزارة الخارجية مثلا عن استدعاء المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين لبحث ملف اللاجئين والاهتمام في المخيمات من قبلها، هل عجزت دائرة شؤون اللاجئين عن المتابعة؟، هل باتت كل قضية في هذا الوطن تحتاج إلى تصعيد ميداني وإضراب ووقف العمل وتعليقه حتى يصبح على الأجندة؟.
فصل المقال "يجب فتح قنوات التأثير على الحكومة وقراراتها حتى نخرج من دائرة الشجب والاستنكار، وتارة نقول إننا سنعوض كل المتضررين من المنخفض الأخير رغم ان الحكومة تقول انه برنامج دعم وإسناد وليس تعويضا.
"كل شيء حي"
بقلم: رامي مهداوي – الايام
حاولت أن أستقصي معلومات حول اتفاق "قناة البحرين" الذي تم توقيعه في التاسع من كانون اول 2013، حيث شاركت فلسطين بالتوقيع على اتفاق حول التزود بالمياه على مستوى الاردن واسرائيل ، يمثل الاتفاق حلا فنيا لشح المياه في الاردن و منطقة ايلات و فلسطين التي تعاني من السيطرة الاسرائيلية على مصادرها المائية. وهنا يجب أن أشكر كل من ساعدني في تقديم المعلومات وأيضاً للنقاشات التي تمت، مما أثمر هذا المقال الاستقصائي بالمعلومات التي أضعها بين يديكم. شملت الاتفاقية العناصر التالية:
انشاء محطة تحلية للمياه في مدينة العقبة بطاقة انتاجية تتراوح بين 80 الى 100 مليون متر مكعب سنويا. تزود الاردن جنوب اسرائيل بـ 50 مليون متر مكعب سنويا من المحطة المنشاة في العقبة. تزود اسرائيل بالمقابل الاردن بنفس الكمية من بحيرة طبريا لمناطق الطلب في المملكة. تزود اسرائيل فلسطين بكمية 20-30 مليون متر مكعب سنويا بسعر يتم الاتفاق عليه لاحقا حسب مناطق الطلب في مناطق الضفة الغربية و غزة.
الاتفاق لا يرتبط بأي اتفاق ثنائي بين الدول الثلاث وتنفيذ بنود شراء المياه الاضافية من قبل فلسطين لا يجري ضمن الاجراءات المتعلقة باتفاقية اوسلو وانما بطريقة سلسة.
كمية المياه المزودة لفلسطين لا تخضع لاتفاقية اوسلو البند 40 ولا ترتبط بالوضع النهائي والحقوق المائية حيث ان هذه الكمية زيادة عن اي اتفاق. تنفيذ المشاريع ليصال المياه سيتم عبر آليات سريعة ولا تتبع اجراءات لجنة المياه المشتركة. سيتم نقل املاح محطة التحلية للبحر الميت و ذلك لعدم امكانية ارجاعا لخليج العقبة و الامر الذي رفضتة مصر.
سيعتبر خط المياه المالحة للبحر الميت كجزء تجريبي لمشروع ناقل البحرين لفحص كيف سيتصرف البحر الميت عند جلب مياه البحر الاحمر والميت، حيث لا تتعدي 100 مليون متر مكعب سنويا .
الاتفاق لا يعني الموافقة على مشروع ناقل البحر الاحمر الميت والذي يفترض نقل 2 مليار متر مكعب من مياه البحر الاحمر للبحر الميت بتكلفة اجمالية 12 مليار دولار، لكن يجب التأكد من عدم وجود مخاطر بيئية قبل تنفيذه.
هنا أضع قراءة اجتهدت بها حول ما وراء نص الاتفاق_ تختلفون معي وقد تتفقون_ فلسطين قدمت دعمها للاردن من اجل اقامة المشروع حيث عرف الاردن هذا المشروع على انه احد المشاريع الاستراتيجية، ولا يشكل هذا المشروع اي تهديد للحقوق المائية الفلسطينية وانما تم التوصل الى تفاهم حول مذكرة التفاهم التي تم توقيعها والتي تؤكد على ان اي ترتيبات تتعلق باتفاقية اوسلو، اي ان الجانب الفلسطيني يتمكن من الحصول على كميات مياه اضافية اذا تم التوافق على اسعار التكلفة.
الاردن والبنك الدولي ثبتا حق الفلسطينين بالمشاطأة للبحر الميت، حيث انه اصر على موافقة الفلسطينيين لتنفيذ المشروع كوننا حسب الاعراف الدولية نعتبر دولة مشاطئة، وهذا الامر لا تعترف به دولة الاحتلال و لكنها وقعت على المذكرة.
الرابح الاكبر فنيا واقتصاديا هو المملكة الاردنية، حيث انها قامت بالتوقيع على حل تقني يؤمن مصدر مياه دائم لمناطق الطلب في شمال المملكة و العاصمة، كما انها ستوفر مصدرا مائيا لمنطقة العقبة الاقتصادية.
اسرائيل ستحل مشكلة شح المياه بالجنوب و في منطقة ايلات والامر الذي لم تتمكن من بناء محطة تحلية خاصة بها لعدم سماح مصر و السعودية لارجاع المياه شديدة الملوحة للخليج. دولة الاحتلال تعلم ان وجودها في المنطقة غير مرحب به فاعتبرت توقيع المذكرة على انه نصر سياسي لترويج فكرة انها تدخل هي وجيرانها باتفاقيات فنية بعيدا عن الواقع السياسي.
فلسطين حققت مكسبا سياسيا ايضا ولكن هو رمزي يتعلق بضمان حقها بالمشاطأة للبحر الميت تبعا للاعراف الدولية، ايضا دعمت استراتيجا الاردن الشقيق ليحل بعض المشاكل المتعلقة بالضغط المائي، على المستوى الفني نحن نهدف الى تحقيق الاعتماد على الذات في انتاج المياه وبهذه الاتفاقية بدأت بعض الاصوات بالتسائل عن مصير هذا الهدف متناسيين اننا في المرحلة الحالية بحاجة الى المياه لدعم الصمود حتى نحقق الهدف باسترداد حقوقنا المائية في المستقبل. فلسطين رفضت مشروع قناة البحرين تبعا للتوصيات و قالت ان الحل الامثل لاحياء البحرالميت هو اعادة مياه نهر الاردن لمجاريها.
ما هو مطلوب الآن حتى نحقق انتصار له طعم؟؟ تشكيل لجنة متخصصة لدراسة السعر الامثل للمياه و الذي يعتمد على الكلفة و تقوم بدراسة كل الاحتمالات قبل الدخول بمفاوضات تحديد الاسعار مع الجانب الاسرائيلي. ان يتم توقيع الاتفاق الخاص حول اسعار المياه الاضافية فيما بين الحكومتين وليس ان يترك الامر لمزودي الخدمات لشراء المياه مباشرة من الجانب الاسرائيلي او من شركات القطاع الخاص الاسرائيلي. الاتفاق يجب ان يكون متكاملا بحيث يشمل الاسعار و اليات التنفيذ بما يضمن عدم تحكم الادارة المدنية بتنفيذ الوصلات و الخزانات التي ستستوعب هذه الكميات المشتراة. ان يتم تحصيص كمية لتزويد المناطق المصنفة ج و مناطق الاغوار بما يضمن سد الاحتياجات المنزلية و الزراعية و المشاريع السياحية و الصناعات الزراعية.
لَكُم رأيُكُم وَليَ رأيْ...
بقلم: آصف قزموز – الايام
عندما يفقد الإنسان الحجة القوية والدليل الدامغ لمواقفه، سرعان ما يمتشق سيف الصوت العالي وإثارة الضجيج والشتيمة وسب الآخرين بغير حساب، وهذا أيضاً لسان حال كل الذين يمثلون في حقيقتهم ظواهر صوتية وحسب، لذا لم تفلح اعتذارات يعالون وزير الجيش الإسرائيلي، في إنهاء الأزمة تماما بين إسرائيل والولايات المتحدة، وعلى رأي المثل "الولد العاطل بجيب لأهله المسبة". لكن نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، والذي لا يختلف موقفه في الجوهر عن موقف يعالون وكذلك شمعون بيريس رئيس الدولة، كانا الأكثر لباقة في التعاطي مع موقف الولايات المتحدة تجاه السلام، ولاسيما تجاه جون كيري رئيس الدبلوماسية الأميركية، الذي كان عرضة للشتم والذم من قبل يعالون، الأمر الذي أشاد به تبادلياً جون كيري، حين أكد استمرار الولايات المتحدة والرئيس اوباما بالسعي لإحلال السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين، مضيفاً "اتكلم مع رئيس الوزراء نتنياهو بشكل مستمر، وكلانا ملتزم بالمضي قدماً في عملية السلام ولا يمكن ان ندع بعض التصريحات تخرب هذه الجهود، وأنا شخصياً لا انوي ذلك" على حد قوله.
في ضوء المعطيات القائمة والحقائق المرة، يصبح لزاماً علينا أن نعمل على خلق حاضنة شعبية للموقف الفلسطيني والثوابت الفلسطينية، تكون سنداً وقاعدةً صلبة للرئيس أبو مازن والمفاوض الفلسطيني عموماً، وبالتالي نتابع السير قدماً في مقاطعة منتجات المستوطنات وخلق حالة جماهيرية شعبية على الأرض لإسناد ودعم السياسة الفلسطينية، بدلاً من محاولات خلق البلبلة والشائعات التحريضية ضد السياسة الفلسطينية، تحت عناوين ومسميات لا أساس لها بشكل يجعل هؤلاء من حيث يدرون ولا يدرون جزءاً من المعسكر المقابل.
لكن كل هذا يؤكد على أهمية أن لا يكون الشعب بعيداً عن حقائق ما يجري في التفاوض، بالحدود التي لا تضر بالمصلحة العامة من جهة، وتحصن المواطن من الشائعات والمواقف المغرضة والمضللة لحساب أجندات فردية أو فئوية وخارجية مقصودة من الجهة الأخرى، لا بل ويتحتم علينا إيلاء كل الجهد والاهتمام في تسويق ما يجري وتوضيحه للناس بدلا من ضياع الناس في الشائعات.
كيف لا، ونح نشاهد المعارضة الاسرائيلية، يستثمر فيها نتنياهو كسندٍ داعم له متى شاء، ويستعملها ضدنا وفزاعةً في وجهنا ووجه أميركا والمجتمع الدولي، بينما معارضتنا الفلسطينية وحتى العربية، لم تبرح مربع المعارضة السلبية، ولا تتعدى عمليات الشتم والقدح والذم والتثبيط، ناهيك عن تنصيب نفسها في غالب الأحيان حَكَماً يطلق صافرته كيف ومتى شاء، وتوزيع فِيَشِ الوطنية والخيانة عمال على بطال!! وهذا أمرٌ مريب وغريب ويجب أن ينتهي بإعادة النظر بجرأة وموضوعية في هذه الأدوار من قبل جميع أطرافنا دون استثناء.
أقول قولي هذا، بعدما تبين الرشد من الغي، وبات بائناً بينونةً كبرى، أن الخيارات قد ضاقت وغابت كما الحول والقوة، ولم يعد أمامنا خيارات جدية سوى التفاوض، وحتى لو كان لدينا كل الخيارات الأخرى فلا بد من الاستمرار في التفاوض، فالطرف الوحيد صاحب المصلحة في وقف التفاوض هو نتنياهو وحكومته وليس نحن، ناهيك أن جميع الأطراف العربية والدولية قاطبةً، متوافقة على ضرورة استمرارنا في التفاوض، ودليلي في ذلك، أننا دفعنا ثمنا باهظا خلال الأربع سنوات من الانقطاع عن المفاوضات، دون أي فائدة تذكر أو أملٍ يُرجى.
نحن ندرك أن الوضع التفاوضي مظلم، بسبب تعنت الطرف الإسرائيلي المندفع بقوة هائلة لتثبيت أقدام الاستيطان على الأرض، وتحديدا الأراضي المصنفة على أنها أراضي دولة، وذلك في سياق تقويض العملية التفاوضية وتقويض مقومات الدولة الفلسطينية المزمعة، الأمر الذي يحتم علينا بذل كل الجهود وزج الامكانيات لتعزيز صمود الناس في الأرض رغم الواقع الأليم على الأرض، جنباً الى جنب مع استمرار العمل على تفنيد وتعرية المفهوم الإسرائيلي للمفاوضات، وتعزيز المفهوم الفلسطيني وتوضيحه للناس وخصوصا للمجتمع الأوروبي والغربي، وهذا الأمر يجب أن يساهم به الكتاب والمفكرون والمسؤولون في مختلف مواقعهم ومسؤولياتهم، باعتبار التفاوض معركة وطنية نضالية حقيقية وليس شأنا فرديا محضا لا دخل للشعب به كما يحاول البعض تصويره، ولكن تحت يافطة وبوصلة الالتزام بالموقف الرسمي الفلسطيني.
نعم يا سادتي، في ضوء كل هذا، فإن علينا أن نستمر في التفاوض في جميع الظروف، مع استمرار جهودنا في تثبيت صمود شعبنا، وفي خلق الحاضنة الشعبية اللازمة لثوابت الموقف الفلسطيني، والاستمرار في عملية بناء وتنمية الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني ككل، وبناء مؤسسات الدولة وكأن الدولة ستقوم غداً، آخذين بالاعتبار أن أية حلول لقضيتنا لا بد وأن تشكل نتاجاً حقيقياً لتنمية شاملة ومستدامة تطال كل مكونات المجتمع في شتى المناحي، وهو ما يضع مسألة الاستقرار الاقتصادي في سلم أولويات أي حل.
وسواء كان الغرض الإسرائيلي من هذا التعنت العمل على جرنا كما درجت العادة، لمواقف ومربعات غير محسوبة وتمويت الفرص الممكنة لأي سلام، فإنهم ما زالوا يعملون على كسب الوقت والاستمرار في إدارة الأزمة التفاوضية والاستثمار بها، وهم في كل الأحوال غير جادين في تقديم أي شيء حتى الآن.
يجب أن نتذكر ان من ينسحب عادة، من المفاوضات هو الطرف القوي، الذي يمكن لانسحابه أن يؤثر ويضغط على الطرف الآخر وفي نجاح أو فشل المفاوضات، وليس ذاك الذي يستجيب انسحابه لأهداف خصمه وما يصبو إليه الخصم.
صحيح أن أركان حكومة نتنياهو يريدون أن يستخدموا المفاوضات كأزمة مستمرة، يستثمرون بها وفي إدارتها، من على قاعدة الديمومة في تثبيت حقائق مجحفة ومانعة للحل على الأرض. لكن هذا كله يجب أن يشكل حافزاً قوياً يدفعنا للعمل بجدية وإصرار على الاستمرار ببناء مؤسسات الدولة، والإعداد لكياننا الفلسطيني المستقل في مطلق الظروف دون أي توقف أو حَرَدْ.
فالمفاوضات تعني في ما تعنيه، السعي لمساومة توصلنا لحل توافقي، وبالتالي يكون كل شيء على الطاولة ومطروحا للتفاوض، وهنا يجب أن نكون جاهزين ولدينا البدائل لكل الاحتمالات في المساومة.
من هنا، يجب ترميم وشدشدة الوضع الداخلي أولاً وبشكل عاجل، وتكريس الجهود للتصالح مع الذات الداخلية وتحديداً إعادة اللياقة لمنظمة التحرير ولحركة فتح كحزب حاكم يحمل راية المشروع الوطني، وكذلك جبهة الإعلام الفلسطينية بكل مكوناتها، التي يجب ان تلعب دور المساند الداعم للقيادة وللمفاوض الفلسطيني، وليس دور الناقد السلبي والمهاجم الدائم للدور الفلسطيني بمنطق "عنزة ولو طارت"، كما يتوجب وضع المعارضة الفلسطينية أمام مسؤولياتها الوطنية، مثلما هو حال ودور المعارضة في إسرائيل، التي شكلت على الدوام سنداً دائما للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وليس معول هدم كما هو الحال مع بعض الجهات والأطراف الفلسطينية حتى الرسمية منها.
وإذا كان نتنياهو يحرص على الاستفادة من الوقت، من خلال مَطمَطَة المفاوضات وجعلها أزمة دائمة بيننا وبينهم، فلماذا لا نستثمر هذا الوقت من جانبنا في الانصراف للتركيز على تحصين البيت الداخلي، وتعزيز الصمود، والاستمرار في بناء مؤسساتنا واقتصادنا وكأن دولتنا قاب قوسين أو أدنى. فإذا كان معتقلونا في السجون يستثمرون وقتهم الطويل قي الانصراف لتطوير وبناء الذات، سواء من خلال القراءة واكتساب العلم والمعرفة أم من خلال انتاج الأشغال اليدوية وغيرها من الأعمال النافعة، فكيف الحال ونحن أمام مفاوضات متعثرة، وشعب بأكمله ممنوع من الحل والاستقرار يسعى لإقامة وبناء دولته المستقلة.
نعم هذا رأيي، قولوا فيَّ ما شئتم، فعملية التفاوض ماهي إلا عملية بحث عن صيغة حل سياسي بين الطرفين، وسيكون فيها اخذ ورد وشد وجذب، وبالتالي يجب أن نكون في حالة إعداد وحشد دائم وداعم، لا بل ونفير عام كما لو كنا في حالة حرب، إضافة الى تسويق الرؤى والسياسات الفلسطينية وحشد الناس حولها على كل المستويات الرسمية والشعبية، عربيا ودولياً ومحلياً وداخلياً، وذلك من على قاعدة الإقرار بأن كل شيء خاضع للتفاوض والمساومة، فمثلا حق العودة من غير المتوقع عاجلاً أم آجلاً، أن يتم الاتفاق مع الإسرائيليين على تطبيقه بحرفيته 100%، لأن ثمة تعقيدات وعقبات تولدت وفرضت على مَر السنين ستكون له بالمرصاد، ما يجعل أشكال التطبيق والتبادلية السياسية وغير السياسية مع هذا البند أمراً محتملاً جداً، مع الحفاظ على حقنا بالقدر والقيمة والتعويض. وأمام كل رؤية مفترضة من جانبنا، لابد من توقع أسوأ الاحتمالات وتحضير أنفسنا وبدائلنا مسبقاً، إذ سيكون فيها احتمالات ونسب مختلفة من الربح والخسارة. ولعمري إني أرى مشروع التقاسم الوظيفي يطل برأسه من جديد، وخلاف ذلك قولوا فيَّ ما تشاؤون وسنظل في كل وادٍ هائمين، والبعض على الأرائك متكئين، فبِئسَ ما يفعلون.
أنا فاض فيّ
بقلم: وليد بطراوي – الايام
ما سيأتي من كلمات قد لا يعجب الكثيرين! لكنها تقف في حلقي ولا بد ان تخرج قبل ان اختنق. لطالما رفضت استغلال الأطفال في الصراع السياسي، وقد كتبت مرة انه علينا ان نمنع الأطفال من المشاركة في المواجهات مع الاحتلال لسلامتهم اولاً، ولدحض الرواية الإسرائيلية التي تدّعي باننا ندفع الأطفال إلى الموت. ولعل الأطفال هم اكثر ضحايا الحروب والنزاعات، وصورة طفل جائع أو جريح او شهيد قد تثير مشاعر التضامن والتعاطف، الا أنها في نفس الوقت تخالف ابسط حقوق الطفل، وبنشرها لا نقل انتهاكاً للطفولة عن مرتكبي الجرائم. كما إنني ارفض دفع الأطفال الى الواجهة في الاعتصامات، حتى السلمية منها، لمجرد ان يتم التقاط الصور لهم وهم يحملون الشعارات التي في الغالب لا يستطيعون قراءتها ولا يستوعبونها، وارفض رفضاً قاطعاً تلك الصورة التي تحول الطفل الى بطل.
طلِعت حساس
على الموقع الإلكتروني لشركة كهرباء محافظة القدس زاوية تحمل عنوان "اسئلة شائعة". دخلتها للتعرف على ما فيها، فقرأت الكثير مما لم اكن اعرف، ووجدت نفسي "حساساً". ففي الصفحة 13 من الدليل بند يحمل عنوان "المشترك الحساس". قرأت التعريفات التي تلي العنوان فكانت "المريض الذي يتلقى العلاج بواسطة أجهزة تعمل بالكهرباء. وشخصيات مؤثرة في الرأي العام: عضو مجلس تشريعي، سياسيون، صحافيون، رجال أعمال، رجال دين وغيرهم". إضافة الى المرافق الحيوية مثل المستشفيات والوزارات، وكذلك المنشآت الصناعية. وبما انني "حساس" توجهت الى الموظفين في شركة الكهرباء للسؤال عن الخدمات التي تقدم للحساسين مثلي فقلت للموظف الأول "انا حساس"، فضحك، لكنني شددت على انه يرد في الدليل بند يعرفني على أنني "مشترك حساس"، فأصر انه لا يوجد مثل هذا التعريف. فقرأت له ما جاء في الدليل، عندها تدخل زميل له وقال "يعني كبار المشتركين". فسألت عن دائرة كبار المشتركين فقالوا لي انها ساعة الفطور. ولأنني "حساس" خرجت من مقر الشركة لمتابعة أعمالي، فليس لدي الوقت لانتظر انتهاء مائدة الفطور. وفضلت ان اتصل بأرقام شركة الكهرباء، فكان الخط مشغولاً، بعد حوالي خمس محاولات أجابتني أسطوانة فيها تعليمات. وصلت أخيرا الى "خدمة المشتركين" وهناك رددت الأسطوانة الأرقام للوصول الى "كبار المشتركين" فضغطت الرقم 6، لم يجب احد. حاولت مرة تلو الأخرى، وحتى اللحظة لم يجبني الرقم 6، ربما تم إلغاؤه لأن لفظه بالانجليزية "كلمة عيب"!
نظريتي
خلال سفرياتي الكثيرة، التقي زملاء أجانب وعرب من مختلف الجنسيات. نخرج ونتناول الطعام والشراب. وعندما يأتي الحساب، يمسك الأجنبي الفاتورة ويسجل ما اكل وما شرب، ويضع ماله على الطاولة، ربما مضيفاً بعض "الفكة" كبقشيش. أما العرب قيتسابق كل منهم على الدفع. الدفع بالمعنيين: النقد، والتدافع للوصل الى يد النادل او النادلة. أما أنا فما أن تصل الفاتورة، امسكها واقول لزملائي العرب "دعونا لا نتعارك، أنا سأدفع، ولي نظرية ستقبلون بها". ينصت الجميع فأتابع "ان احتمالية ان آتي لزيارتكم في تونس أو المغرب أو ليبيا أو اليمن أو مصر وغيرها من الدول، كبيرة جداً، وعندها لن تدعوني ادفع فلساً، أما احتمالية ان تأتوا الى فلسطين فهي ضئيلة وقد لا تحدث أبداً، ولهذا فأنا أستضيفكم الآن". يسكت الجميع!
استعدتها وأسعدتها
كتبت مرة على صفحة فيسبوك معترضاً على قلة وجود مرافق ونشاطات للأطفال تصل في كثير من الأحيان الى العدم. فجاءتني رسالة "على الخاص" من ابنة صفي منذ الطفولة هامة فريج تقول "وليد في مكتبة بلدية رام الله كل يوم سبت في نشاط للأطفال". شكرتها. وكان لي أن آخذ ابنتي يوم السبت الماضي لحضور نشاط صنع "قبعة الساموراي" من خلال فن "الاوريجامي" (طي الورق). ذلك اليوم، طلبت من المرشدة ورقة مثلي مثل باقي الأطفال، وصنعت قبعة بنفسي. أسعدت طفلتي وأسعدت في نفس الوقت طفولتي واستعدها، وفرحت ابنتي فرحا كبيراً ومنذ ذلك اليوم لم تكف عن طلب الورق لصنع الاوريجامي. نشاطات قادمة منها "حكايات ستي" احتمال كبير جداً ان اكون هناك.
لو كنت مسؤولاً
ومن قال إنني لست مسؤولاً. نعم انا مسؤول، وانت مسؤول وكلنا مسؤول. هذا ما أحاول أن أقوله في كل مرة، لان المسؤولية جماعية. المسؤول يا جماعة، ليس بالضرورة ان يكون صاحب وظيفة عالية المنصب، يعني ممكن أن لا يكون وزيراً او وكيلاً، وعندما ننتقد ظاهرة معنية، ونقول "لو كنت مسؤولاً" فإننا لا نقصد مسؤولاً بعينه، بل كل من يهمه الأمر، فلو كنت مسؤولاً لما تربصت لمسؤول اخر، ولما فسرت ما يقوله الآخرون على انه رسالة لمسؤول بعينه.
الشاطر انا
صاحبي شار علي في بزنس ماشي موضته في هالأيام. فكرة صناعة أعلام فلسطينية ورايات فصائل وطباعة بوسترات ويافطات وبيع سماعات، لانه السوق نار، ما في يوم الا في مسيرة او مظاهرة، وما بتلاقي الا هالأعلام والرايات مرفوعة، وهالطواقي مطبوعة واليافطات مزركشة، والسماعات شغالة، فأكيد في مصاري بتنصرف ع الأشياء فليش ما المصاري هاي تروح لجيبتي، يعني لبزنسي. قلت له يا زلمة إذا انحلت مشكلة اليرموك، وإذا انحلت الأزمة المالية، وإذا انحلت قضية "الأونروا" وإذا صار اتفاق بين إسرائيل وفلسطين، وإذا صار في مصالحة، وإذا صار في كل شي عنّا ويبطلوا الناس يطلعوا مسيرات ومظاهرات بينضرب البزنس، يعني لما يصير في انفراج في كل شي، بصير عندي أزمة في مشروعي. ضحك صاحبي وقال لي ما تقلق من (تووووت) اذا بصير انفراج، ولو صار بيظل عندنا فصائل وكل فصيل عنده مناسبة ولازم يرفع رايات ويطبل ويزمر ويطبع بوسترات وبلايز وطواقي، ودقي يا مزيكة! صاحبي هذا شو بنقول له؟ "شاطر شاطر"!.
سلاماً أيّها المسرح
بقلم: وليد ابو بكر – الايام
من نافذة عالية تطلّ على بحيرة الشارقة أُطلّ على جمال طبيعي، وآخر صنعه الإنسان، ثمّ أسرح في الماضي، حين كنت هنا أول مرة، ولم يكن الجمال الجديد اكتمل، وتحملني الذكرى إلى أيام مبكرة من العمر، خلقت بيني وبين المسرح رباطاً لا انفصام فيه، وجعلتني أفرح مع كلّ عمل يصل القلب، وأحزن من حال المسرح العربي حين يهبط، ويعود من يتابعه يتساءل عن زمنه الذي مضى؟
بدأت هذه العلاقة شاملة، وقوية أيضاً، منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، ربما لأن الظروف جمعتني مباشرة بأناس من أفضل من أحبّوا المسرح حيث كنت، فكان الطريق إليهم وإليه يقود إلى طريق أوسع، حتى صارت الخريطة تمتدّ على مساحة الوطن العربيّ، من خليجه إلى محيطه.
كان الزخم قد بدأ منتصف الستينيات، وجمع بعض شمله وقننه في أواخرها مهرجان دمشق المسرحي، بكر المهرجانات العربية التي توالدت بعد ذلك في كل مكان، من قرطاج تونس إلى القاهرة، ومن بغداد إلى المغرب، وإلى دول الخليج العربية، زخم امتدّ في فعله حتى حرب الخليج الأولى، وبدأ ينحسر إلا قليلا، لتضربه الحرب الثانية في الصميم، وليكون للربيع العربي فعله السلبي القاسي عليه حتى الآن.
خلال هذه المسيرة، وبين لقاء مسرحيّ وآخر، لم نكن نتعرّف على المسرح كأعمال تعرض على المنصات فقط، ولكنا كنا نتعرف على الناس، على المسرحيين، فنانين وبشرا، وفي مثل هذه الأجواء الاحتفالية، تنمو معارف كثيرة وصداقات. وكان الواحد منا حين يصل، يطوف بأرجاء الأمكنة التي ألفها، يبحث عن الوجوه التي يحبّ، فتنفتح القلوب بشاشة: ما زال أحبابنا بخير، وتحزن القلوب بعمق حين يغيب من يغيب.
هذه الألفة أخذت تتباعد شيئا فشيئا، لأسباب كثيرة، أبرزها ما أنتجته الظروف العامة، ولكن منها ما هو أجلب للحزن، هو صعود وجوه جديدة إلى الواجهة، لم يكن المسرح همها الأول، ولذلك لم تكن تعرف من الذي بنى ولا من الذي ساعد في البناء، حتى يمكن القول إن بعضها لم يحاول أن يوصل ما انقطع، فأخذ يبني في الهواء الطلق تماما، دون جذور، وكأنه يبدأ خطوة أولى لم تسبقها خطوات مؤسسة، لذلك لم يستطع أن يحقق ما هو مرجوّ منه، أو ما هو مرجوّ للمسرح.
في مهرجان المسرح العربيّ، الذي تقيمه الهيئة العربية للمسرح، كلّ عام في بلد عربيّ مختلف، والذي انتهت دورته السادسة في الشارقة أمس، كان الجوّ مختلفا، لا بسبب ما قدّم من أعمال مسرحية، لأن القليل منها يسمو إلى درجة المسرح، وبعضها لا يليق به، وإنما أساسا بسبب هذا الحرص الواضح على جمع من يمكن جمعهم ممن ارتبطت حياتهم بالمسرح، وممن ظلّوا أصواتا حاضرة وفاعلة في مهرجاناته، على مدى أجيال.
الدورة السادسة جمعت شمل المسرحيين، ومن خلال ذلك جمعت شمل الأصدقاء، أو كثير منهم على الأقلّ، لأن العيون وهي تبحث، كانت تفتقد من غابوا غياباً نهائيا، إضافة إلى قلة لم تصل إلى هذا التجمع الكبير، لأسباب أخرى.
جلس الذين عايشوا المسرح من بداياته الستينية كثيرا، وتذكروا كبارا أنتجوا فيه وأرسوا دعائمه، ممن غابوا. كان الموت بغيضا وعبثيا في بعض الأوقات: أخذ صقر الرشود (الكويت) مبكرا، ورحل بفواز الساجر (سورية) قبل أن ينجز إلا أقلّ طموحه (رغم أهمية ما أنجزا)، وجزّ عنق عبد القادر علولة (الجزائر) بالذبح "الحلال"، وهاجم سعد الله ونوس وممدوح عدوان (سورية) في عقر صمودهما، ولم يمهل حياة عوني كرومي ولا قاسم محمد (العراق)، ولا أمهل وجود سمير العيادي (تونس)، كما اختار الطيب العلج (المغرب)، وجميل جودي (تونس)، وسعد أردش وأحمد عبد الحليم (مصر) إلى جواره، وتطاول على آخرين وآخرين من كلّ قطر، ثمّ سبق هذه الدورة برحيل فاجع لواحد من أحبّ المسرحيين إلى المسرحيين، محمد بن قطاف (الجزائر).
في الشارقة، كانوا هناك جميعا، وكان غيرهم من الحاضرين كلّ الوقت، لأن نكهة المهرجان، لا تكتمل إلا بحضورهم، حتى وإن كانوا في الغياب، ولأن ذاكرة الذين حضروا، ممن عايشوا ذلك الزمن الذي نسميه جميلا، (وكان جميلا بالفعل)، لا يمكن أن تسقط من الصورة الرائعة لتلك الصداقات، أجزاء لا يكتمل الجمال إلا بها.
يخيل لي أن الذين تجمعوا في الشارقة لأسبوع كامل، من الأطراف "المسرحيّة" للوطن العربي، شعروا بنوع جديد من الحميمية، أقوى مما كانوا يشعرون به خلال السنوات القديمة، حين كانت لقاءاتهم متاحة في المهرجانات الكثيرة، وأظنّهم شعروا جيدا بأن هذه الدورة، التي حرصت على أن تجمع أكبر عدد مكن من المخضرمين في علاقتهم بهذا الفن، وممن استلموا الراية منهم، تستحق أن تسمى "المهرجان الجامع"، لأنها أتاحت للجميع أن يهتفوا داخل قلوبهم (وهم يتذكرون): سلامًا أيّها المسرح، سلامًا أيها الأصدقاء الغائبون، سلامًا أيها الأصدقاء الحاضرون أيضا!
تغريدة الصباح - "أبو يَزَن" في زمن عرفات
بقلم: عدلي صادق – الحياة
ما كتبه العزيز أحمد عبد الرحمن، في شهادته على وقائع الأيام التي عاشها "في زمن عرفات" يستحق تقديراً عالياً، بسبب استثنائيته وصدقيته غير المسبوقة، لا سيما وأن "أبا يَزَن" ينشره في هذه البرهة التي نقف فيها على خط الزلازل. فالرجل، فيما يروي، يُذكّر كل من تبقوا أحياءً من الذين عايشوا "الختيار" عن قرب، ومعهم سائر الذين عاشوا في زمنه؛ بتجربة ياسر عرفات، وبالكثير من أسرارها ومفارقاتها، وخلفيات أحداثها، على النحو الذي يفيد الناشئة. كأن أحمد عبد الرحمن، فيما كتب، يزجر معايشي التجربة عن قرب، ويقول لهم إن الوقائع التي يعرفونها، لا ينبغي دفنها في مقبرة الذكريات، مثلما دُفنت حكايات كثيرة مع أصحابها الذين رحلوا. فقد رَسَمَ "أبو يَزَن" بريشة إعلامي وسياسي بارع، وبلغة متخطية للمحاذير، صورة الزعيم الوطني الفلسطيني الذي كان، وصورة الزعيم الذي ينبغي أن يكون. يخبرنا على امتداد الصفحات، أن في قلبه بقايا أمنيات، وأن موجة من الحنين قذفت به وحطت معه في قلب الأمس، لتتبدى خواطر الراوي مطروحة بكل التواضع والجرأة، في توصيف الأحداث وفي توصيف مواقف الأطراف التي شاركت في صنعها، لتصبح الشهادة جزءاً مهماً من وقائع التجربة الفلسطينية، ودرساً في التاريخ وفي السياسة، لا بد من وضعه في حوزة الأجيال.
في صفحات الكتاب، تسقط الكثير من علامات السؤال، وترتفع الأجوبة على النحو الذي يعطي ياسر عرفات حقه كاملاً. فقد تفضل هذا الوفي، بإعطائنا صورة عن الكثير مما دار في الخلفيات، وعن حقيقة مواقف الزعيم الشهيد، التي ظُلم في بعضها وتحمل بسببها الظنون. فـ "أبو عمار" عاش ومات عازفاً عن التنظير وعن الشرح الصريح لكل موقف بوضع النقاط على الحروف، وبتسمية الأشياء بأسمائها، مدركاً لحساسيات التعاطي مع عشرين نظاماً عربياً لا يتجانسون، وهي الحساسيات والمحاذير، التي جعلته يمشى على حبل مشدود، ويعتمد خطاباً تعبوياً، تكررت عباراته، حتى حفظها السامعون عن ظهر قلب، بل حتى ظن بعض السطحيين، الذين كانوا يتقصدونه بالنقد الجزافي لظاهر كل موقف؛ أن "الختيار" كان يخطو في السياسة بالسليقة وبلا حسابات أو خلفيات.
في توطئة الرواية، يقدم "أبو يَزَن" نفسه بلغة فاتنة، لعل أروع ما فيها بساطتها وتنبهها الذكي، لذميمة مديح الذات التي جعلت بعض الذين كتبوا، يوحون بأن أدوارهم بدأت كبيرة وحاسمة. وصف "أبو يَزَن" الشاب الذي كانه، بشيء من البوح الجميل، وعرض خلجات قلبه، منذ أن بدأ رحلة حياته في زمن عرفات، متدرجاً الى عمق تجربته، وصولاً الى معايشته، لأداء صاحب ذلك الزمن ومكابداته. لقد أكبرتُ في أحمد عبد الرحمن جملته التي لم تفقد حرارتها، وهو يصف أحداثاً وأنظمة حكم وقادة، على النحو الذي يمكن أن يثير امتعاض وارثين لعروشهم في الحكم. ففي جملته تلك، إينما وقعت، ظل الكاتب، على الرغم من تبدل الأحوال في حياتنا وفي مرورنا وعبورنا وسفرنا، ملتزماً - في الإطار الزمني للرواية - بقائده ياسر عرفات. يصف الأشياء مثلما رآها الراحل. أي إن الماكث، قدّم الراحل بأمانة وبروح حانية. شرح الأول ما لا يستطيع الثاني شرحه، بعد أن أصبح في دار الحق، ولم يروِ روايته.
أخونا بسام أبو شريف، أهداني كتابه عن ياسر عرفات. لكنني عندما قرأت، شعرت أن الزعيم الفلسطيني حلّ ضيف شرف على رواية بسام عن نفسه. وصديقنا نبيل عمرو، اعطاني مخطوطة كتابه قبل النشر، وهي عن هاجس الجغرافيا في طباع وفي روح ياسر عرفات. وللحق، أعطى "نبيل" للزعيم الشهيد ياسر عرفات الكثير من حقه، بلغة أدبية جميلة، وإن كان ثمة بعض الهنّات، التي أحسست أن فيها شيئاً من التزيّد في التأويل والتعليل، أو في المداعبة على طريقته. غير أن "أبا يَزَن" أدخلنا الى مطبخ السياسة الفلسطينية في زمن عرفات، وقدم الزعيم الذي لا يختلف اثنان على براعته وصبره وحنكته، بصورته الحقيقية، في انفعالاته وتمنياته. ثم إن بعض اللقطات، كرّست حقائق مغايرة لما جرى الترويج له عن مواقف "الختيار"، من بينها - مثلاً - موقفه من الاحتلال العراقي للكويت. وكنت سمعت من ياسر عرفات شخصياً، حقيقة موقفه وحديثاً مستفيضاً منه، عن مسعاه الذي كان، للتوصل الى حل عربي، تنسحب بموجبه القوات العراقية من الكويت، انصافاً لإخوتنا الكويتيين وانقاذاً للعراق. وأحمد عبد الرحمن يشرح هذا الموقف ويؤكد عليه ويوضح ملابساته، على النقيض مما روّجه الإعلام، وردده رسميون عرب تقصدوا فلسطين، وتسببوا في الأذى لأبناء شعبنا في الكويت، بل وفي كل أرجاء الإقليم.
أقف عند حدود المساحة المتاحة، في هذه السطور عن كتاب يستحق أن يُدرج في برامج التثقيف السياسي للوطنيين. سلمت يمين أحمد عبد الرحمن، وسَلِم قلبه وعوفيت صحته.
"إلي ما شاف بالغربال يا يرموك"
بقلم: نور عودة – الحياة
استنفذ طاقاتي كل يوم بمتابعة آخر تطورات الموت في مخيم اليرموك رغم إدراكي أن القهر الذي أشعر به والذي ينعكس في تعليقاتي وكتاباتي لن يغير من الواقع شيئا ولن يطعم طفلا جائعا. في اليرموك، طفل يبحث عن رمق حياة بين حشائش نبتت رغم البارود في الأرض وامرأة تنهار من شدة القهر، بعد أن فقدت قدرتها على تحمل أعباء الجنون المتمثل في قصف مخيم محاصر، فتغني لليرموك أغنيةً كان الفلسطينيون قد غنوها قبل حوالي ثلاثة عقود عن قهر حصار آخر وجنون قصف آخر.
ولدتُ في دمشق وكبر وعيي الوطني في أزقة شوارع أحيائها التاريخية. وكان مخيم اليرموك الذي لم أحظ بالعيش فيه عنواناً لفلسطين في نظري آنذاك وحاضناً لعنفوان ثورة تربينا على مبادئها وآمنا بمسلماتها التي تضمنت أن الرحيل الوحيد من اليرموك سيكون إلى الوطن. وعند رحيلنا من سوريا بعد الانشقاق وتداعياته الدموية، خرجنا بحقائب سفر لا غير وتركت جزءا مني هناك، في الشام. بقي المخيم في مخيلتي وذاكرتي نقياً من شوائب الرعب والملاحقة التي طاردتنا من سوريا وكان واقعه يختلف عن ذلك المهيمن على سوريا - لأن اليرموك لا يرتبط بالزمان والمكان فهو عنوان قائم بحد ذاته.
للحياة في سوريا تعقيداتها وخصوصياتها لكن أهم خصوصية هي أنك تعيش في الظل الثقيل لثالوث الحكم في النظام الأسدي للأب الراحل والابن من بعده وهو تقديس الأسد، وتواجد عيون مخبريه في كل مكان والخطاب الخشبي المزاود عن مقاومة وممانعة لا تحصل إلا بدماء الآخرين، وبالأخص اللبنانيون والفلسطينيون.
هناك انفصامٌ يميّز الحياة في سوريا، فمن جهة هناك الشعب السوري الطيب المعطاء والكريم الذي جسّد الأخوّة والمحبة في علاقته بنا كفلسطينيين، لأنه يؤمن بمبدأ العروبة ممارسةً لا شعاراتٍ سياسية تُخطّ على الجدران وتصدح على الميكروفونات لإغراق صوت الآخر. ومن جهة أخرى، هناك نظام بوليسي لا يرحم، ويربي جيلاً بعد جيل ليؤمن بمقولة أن للجدران آذانا وأن الحديث مسموحٌ طالما كان مسموحاً وكفرٌ طالما اعتبره الزعيم "الخالد" ونظامه كذلك، وأن اختفاء الإنسان في غياهب أقبية سجون النظام أصعب من الموت لأن للموت مرارة قاطعة وعنوانا في المقبرة أما الاختفاء فهو رحلة معاناة تمتد لعقود ويمكن أن لا تنتهي ويمنع خلالها على الأحبة السؤال عن من فقدوا لأنهم ببساطة يصبحون رهينة الإنكار واللا-وجود فلا حزن ولا وداع ولا معرفة بل قهر وظلم مكتوم.
أذكر تماماً كيف كنا نسترق السمع لنشرات الأخبار غير السورية لنعلم آخر أخبار تطورات الموت والحصار الذي أُحكم على مخيمات اللجوء برعاية النظام الأسدي والتنظيمات الفلسطينية واللبنانية التي تأتمر بأمره. كنا نسمع حكايات الجوع والقهر دون أن نجرؤ على التفكير بالحديث عن تلك الكارثة التي امتدت لسنتين لأن الحديث عن ضحايا بطش النظام محظور حد الإنكار والدليل كان واضحاً في نشرات الأخبار التي يخطها جهابذة الأمن في دمشق، التي كانت تخوّن القيادة الوطنية الفلسطينية وتتحدث عن بطولات وهمية في مقاومة مزعومة بينما الحرب على المخيمات تغيب عن الشاشة وكأنها لم تكن.
لم أفكر للحظة أنني سأواجه أسئلة كنت قد وجهتها لأمي، اسئلة من ابني بعد كل هذه السنوات وهذه المرة حول اليرموك... كنت اسأل أمي عن أسماء الفصائل التي تتردد في الحديث عن حرب المخيمات وأتساءل عن دور السوريين وكيف للجيش السوري أن يكون له دور في هذه الفاجعة وهو الذي يتغنى دائماً بفلسطين وألح بالسؤال عن الفلسطينيين الذين تورطوا في قتل أبناء شعبهم. لا تفقد والدتي الحجة أو القدرة على التعبير لكن أسئلتي تلك كانت تستدعي الصمت منها أكثر ما تتسبب بالكلام. اليوم، وبعد أن وجه ابني لي ذات الأسئلة وعن ذات الجهات، شعرت بقسوة الأسئلة تلك على أم لا تريد لطفلها أن يواجه خيبة الأمل مبكرا.
لا يهمني اليوم الحصول على إجابة قاطعة عن السؤال المهم: من المسؤول عن حصار مخيم اليرموك ومن يستخدم الجوع سلاحا ضد أهله الكرام. لن أسمح لمتاهات الواقع المعقد عن سابق إصرار أن يحيد المشاعر التي تحتل قلبي وتمزقه قهراً. لا تهمني التسميات ولا تهمني الأجندات فكل متورط بسلاح أو كلمة نفاق مجرم بنظري.
أهلنا في اليرموك أعلنوا موقفهم بصراحة وشجاعة، فلا هم يقبلون من اتخذوا منهم درعا بشريا ولا هم يعفون من يحاصرهم ويجوعهم ويقتلهم من المسؤولية الأخلاقية والقانونية، خاصة أن الجبهة التي تحاصرهم هي خليط من أبناء جلدتهم ومن يتغنون بقضيتهم نفاقاً وتستراً على تاريخ طويل من جرائم بحقهم.
دفتر الحساب في هذا الملف طويل وحكاية اليرموك حلقة في سلسلة طويلة من الجرائم يطول الحديث عنها ويطول أكثر إحصاء الألم الناتج عنها. ومن يعتقد أن المزاودات السياسية والبيانات الرنانة ستعفي جماعته من لعنة اليرموك واهم.
اليرموك بحاجة إلى وقف المزاودات التي تزيد الأمور تعقيدا والواقع مرارة ولن تدخل خبزا أو تداوي مريضا. اليرموك بحاجة لعمل يكون فيه الهدف واحداً: إنقاذ الأهالي وكسر الحصار الذي جعل منهم وقودا لحرب لا ناقة فيها لهم ولا جمل.
المطلوب هو وعي ومسؤولية وقراءة مسؤولة للواقع والسياق فهذا ليس أول فصل للعذاب لفلسطيني الشتات لكنه يأتي في أسوأ حال واجه الحركة الوطنية منذ نشأتها: حالةٌ من التشرذم والمنافسة، لا على العمل بل على التصريحات الإعلامية في سياق انقسام مرير.
في هذه النكبة الجديدة تضيع التفاصيل والحقيقة حيث الأسماء لا تدلُّ على أصحابها ومن ورائهم والأحداث لا تبين إلا وجوه الضحايا. ودون ذلك فكل التفاصيل مبهمةٌ وكل الأصوات عالية وكل المزاودات قاتلة... ارحموهم وارحمونا، مزاوداتكم تقتلهم وتقتل ما تبقى من أمل فينا.
حرب إسرائيل ضد ابو مازن
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
الهجوم المعلن من قبل وزير الحرب بوغي يعلون على الرئيس محمود عباس، ليس الاول، ولن يكون الاخير. غير انه يؤكد، ان القيادات الاسرائيلية تتلطى وراء ذرائع واهية لتتهرب من خيار التسوية السياسية، وبهدف مواصلة قضم الارض الفلسطينية، ومواصلة الاستيطان الاستعماري عليها، وضرب المصالح العليا للشعب العربي الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة.
كما ان القيادات الاسرائيلية بدءا من نتنياهو وصولا لآخر جوقة اليمين المتطرف في الحكومة وخارجها بما في ذلك الابواق الاعلامية تسعى لقلب الحقائق رأسا على عقب، عندما تدعي زورا وبهتانا "عدم وجود شريك فلسطيني"، لادراكها العميق، ان لعبة الديماغوجيا، التي تلجأ لها، ليست اكثر من محاولة ستر عوراتها المكشوفة للقاصي والداني في العالم وخاصة اقطاب الرباعية الدولية، الذين يعلمون الحقيقة، وشكلا من الدفاع التضليلي المستميت عن الوجه الاسرائيلي القبيح، الذي بات مفضوحا امام الدنيا كلها. لاسيما وان القيادة الفلسطينية تاريخيا ومنذ بدأت عملية السلام في اوسلو قدمت كل الاستحقاقات السياسية المطلوبة منها لتحفيز عملية السلام، لانها بموافقتها على إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، تكون قدمت تنازلات غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي، لان قرار التقسيم الدولي 181 الصادر في نوفمبر 1947، اعطى الفلسطينيين دولة على مساحة تصل الى حوالي الـ 44% من مساحة فلسطين التاريخية، في حين ان قيادة منظمة التحرير في ضوء رؤيتها لطبيعة التعقيدات المحيطة بالصراع الدائر على ارض فلسطين التاريخية، ونتيجة قراءتها للواقع العربي والاقليمي والدولي، قبلت باقامة الدولة الفلسطينية على نصف ما منحها اياه القرار الدولي 181، اي وافقت على اقامة الدولة على مساحة 22% فقط، وقبلت بوجود قوات دولية وبنقاط إنذار وباستخدام آليات حديثة في المعابر للتوافق مع الرغبات الدولية، ولقطع الطريق على الذرائع الاسرائيلية الأمنية الكاذبة.
الحرب المسعورة على الرئيس محمود عباس ليست جديدة، لكنها تسير وفق مخطط منهجي يستهدف كل القيادات المؤمنة بالسلام، لأن إسرائيل لا ترغب بوجود قيادات فلسطينية عقلانية، بل تريد قيادات غوغائية لتبقى تتضلل وراءها لتتهرب من استحقاقات التسوية السياسية، ولتنفذ مخططاتها التصفوية للقضية الوطنية.
لذا لجأت في زمن شارون، رئيس الوزراء الاسبق للتخلص من الزعيم الرمز ياسر عرفات مستخدمة حججا لا اساس لها من الصحة، وللاسف ان إدارة بوش الابن تواطأت مع حكومة إسرائيل منذ تسلمت مهامها، وتعمق تساوقها معها بعد تفجيرات البرجين في ايلول 2001، وطبلوا وزمروا لتسلم الرئيس ابو مازن مهامه في 2005، ولكن عندما تمسك رئيس منظمة التحرير بالبرنامج الوطني ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية وخطة الطريق الاميركية وقرارات انابولس، اخذوا في الصاق "التهم" له، واعتبروه "ليس شريكا للسلام" ، لا بل وصفوه بانه "اخطر" من عرفات.
المخطط من هجوم موشي يعلون ونتنياهو وبينت وارئيل وليبرمان وغيرهم، هو رفض خيار السلام من أساسه، وإبقاء المنطقة في دوامة الحروب والعنف، والبحث عن بديل كجماعة الاخوان المسلمين وفرعهم في فلسطين (حركة حماس) لتسويق مشروع دولة غزة او بحد أقصى الدولة ذات الحدود المؤقتة، ورفض عودة اللاجئين الى أراضيهم على اساس القرار الدولي 194.
لكن على قيادة إسرائيل الحالية او اي قيادة لاحقة إدراك حقيقة واحدة، انها لن تجد قيادة مؤهلة لصناعة السلام كما الرئيس محمود عباس، والاستعداد لان تكون شريكا حقيقيا للسلام اساسه خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194. غير ذلك ستنقلب الأمور رأسا على عقب، ولن تكون في مصلحة إسرائيل واميركا وباقي اقطاب الرباعية الدولية، لأن التاريخ وتحولاته لا تسير لصالحهم نهائيا ..
مخيم اليرموك.. أسئلة وملاحظات
بقلم: يحيى رباح – الحياة
برغم أن العنوان البارز للسياسة الفلسطينية تجاه ما يسمى احداث الربيع العربي في الثلاث سنوات الاخيرة، هي سياسة الحياد، والنأي بالنفس، وعدم الانخراط والتورط، الا ان الخسائر الفلسطينية في هذه الاحداث كانت وما زالت كبيرة، بل كارثية، ونموذجها الصادم اليوم هو مخيم اليرموك، بحكم ان المخيم كان اكبر تجمع فلسطيني في سوريا قاطبة من بين المخيمات المتناثرة من درعا في الجنوب الى اسبينة وجرامانا وخان الشيح وخان دنون حول دمشق، ومخيمات حمص وحماة في الوسط واللاذقية على شاطئ البحر غربا ومخيم النيرب في اقصى الشمال في حلب.
وخصوصية مخيم اليرموك انه الاكبر حجما ?قرابة نصف عدد الفلسطينيين في سوريا يعيشون فيه ?وهو على بعد امتار من احياء مدينة دمشق العاصمة مثل حي المجتهد وحي الميدان، وان اعدادا كبيرة من السوريين يعيشون في بعض اطراف المخيم، مثل بعض مهجري الجولان وخاصة اهالي جبات الزيت وجبات الخشب واعداد لا باس بها من الاسر العلوية الذين استقطبتهم العاصمة بصفتها سوق العمل الرئيسية فسكنوا في اطرافها، وبعض اطرافها الرئيسية هي مخيم اليرموك الذي تضخم واصبح مترامي الاطراف، واصبح على المستوى التجاري وسوق العمل جزءا عضويا من العاصمة.
كيف تسلل المسلحون الى المخيم؟ من هم هؤلاء المسلحين على وجه التحديد؟ هل هم داعش والنصرة؟ واين ذهب مسلحوا الفصائل الفلسطينية التي كانت تقول وتدعي انها جزء من تيار المقاومة والممانعة؟ ولماذا لم يدافعوا عن مخيمهم في مواجهة الغرباء والاخطار ؟؟
ومن المفروض ايضا: انه في الشهور الاخيرة بدا النظام السوري يحقق العديد من المكاسب السياسية والميدانية على الارض وخاصة في محيط دمشق وريفها في كل الجهات، وان هذه المكاسب الميدانية وصلت الى القصير في حمص، والى الحجر الاسود وزينب على اطراف المخيم والى القلمون والى ما بعد مدينة النبك شمالا، والى محيط العاصمة من الجهات الاربعة، فكيف لم ينعكس ذلك ايجابيا على مخيم اليرموك الذي هو جزء من حمى العاصمة، والذي هو امانة في عنق الدولة السورية.
ورأينا في الفترة الاخيرة زيارات متعاقبة لوفود فلسطينية قالت انها اجرت حوارات مع كل الاطراف، وعقدت معها اتفاقات، من هي هذه الاطراف على وجه التحديد ؟
موضوع مخيم اليرموك هو موضوع سياسي وأمني يتعلق بمصير المخيم ووجوده، فهل جرت لقاءات مع الدولة السورية، مع القيادات العسكرية والامنية للدولة السورية؟ وكيف لا تتمكن قوافل اغاثة غذائية وطبية ان تصل الى أهل المخيم منذ قرابة سنة تقريبا ؟؟
لو عدنا قليلا الى الوراء: فان الوجود الفلسطيني في المغترب العربي قد تعرض في العقود الثلاثة الاخيرة الى هزات تراجيدية حيث تم تبادل الادوار بقسوة بين الاسرائيليين وبعض الاشقاء العرب. وظلت المخيمات الفلسطينية في لبنان مخيمات طاردة بسبب سوء الاوضاع الضاغطة الى حد المستحيل وهي المخيمات التي سجلت بالذاكرة اللبنانية والفلسطينية حربا باسمها وهي حرب المخيمات.اما الوجود الفلسطيني للمغترب العربي القريب فلم يكن اسعد حالا، الوجود الفلسطيني في ليبيا تعرض الى مأساة في عهد القذافي، تحت عنوان المعارضة السياسية وانه يريد ان يثبت رداءة اتفاق اوسلو، فقذف بعشرات الالاف من الفلسطينيين للعقارب على بوابات الصحراء،ولم يكن الامر اقل سوءا في العراق بعد المسار الطائفي الذي اججه الأميركيون في العراق، ولو دققنا في عمق المشهد فسوف نجد ان المتصارعين الى حد التناقض في العالم العربي كانوا يقدمون رأس هذه التجمعات الفلسطينية عربونا للرضى الاسرائيلي مباشرة او غير مباشرة.
السياسة التي كرسها الرئيس ابو مازن بقوة في الثماني سنوات الاخيرة، نزعت الغطاء بشكل نهائي عن كل المتاجرين في الوجود الفلسطيني حين كرس سياسة الحياد والنأي بالنفس وعدم التدخل، بل ان بعض الشذوذ الضئيل عن هذه القاعدة الذهبية مسؤولة عنه بعض الاطراف الاقليمية نفسها، وهذا بدوره يدفعنا الى التعمق اكثر لماذا يتعرض الوجود الفلسطيني في المغترب العربي الى هذه التجارب التراجيدية.
"المفاوضات" الفلسطينية ? الإسرائيلية: جوهر الحل
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
في ظل فرض "الاستفراد الأميركي" ? إسرائيليا - في المفاوضات، وسياسة "الخطوات الأحادية" لدولة الاحتلال، من الواضح أنه بات مطلوبا من الولايات المتحدة أن تعدل قناعتها بشأن المشاركين في ملف المفاوضات، بعد أن عجزت مساعيها عن إقناع القيادة الإسرائيلية بتسوية برنامج الحد الأدنى وفق "المبادرة العربية". نقول حان الوقت للبدء فلسطينيا بخطوات أحادية لمواجهة الخطوات الإسرائيلية الساعية إلى فرض سياسة الأمر الواقع على الأرض.
ولأنصار من يصر على نهج "التفاوض الأبدي" نقول: دون ضغوطات دولية على إسرائيل لن يحصل تقدم بالمفاوضات، وسيواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) المراوغة. وإلى أن يحصل ذلك، فإن من الأولويات الملحة: التوجه إلى الأمم المتحدة. فلفلسطين اليوم حق الدخول والمشاركة في 63 مؤسسة دولية، بما فيها محكمة الجنايات الدولية، ما يعزز الوضع القانوني لدولة فلسطين الواقعة تحت الاحتلال لصالح المشروع الوطني فينقل بذلك الملف الفلسطيني إلى الإطار الدولي وتنتهي حالة "الاستفراد" الأميركي، تماما كما دعا إليه رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية د. صائب عريقات. وفي سياق شرحه لما يراه "فشلا للمفاوضات" قال (د. عريقات): "منذ استئناف المفاوضات، قتلت إسرائيل 33 فلسطينيا وطرحت عطاءات لبناء 5989 بؤرة استيطانية، وهي على وشك الإعلان عن 1400 بؤرة استيطانية جديدة، وخلال الأربعة أشهر الماضية هدمت 214 منشأة وبيتا فلسطينياً". (ومعلوم أن أعداد كل هذه المقارفات قد ازدادت منذ تصريح د. صائب آنف الذكر). بل إن قوات الاحتلال لجأت لسياسة "الباب الدوار". وهي السياسة التي كان قد كرّسها ? على نحو معكوس ? الشهيد ياسر عرفات حين كان يعتقل (تحت ضغط التنسيق الأمني مع إسرائيل) مناضلين فلسطينيين سرعان ما يفرج عنهم. فهي حين تفرج عن أسرى بعد جهود مضنية، تعود بعد فترة وجيزة وتقوم باعتقالهم مجددا فرادى، ناهيك عن اعتقال المئات غيرهم، بل هي باتت تلجأ لقتل بعضهم بحجة مقاومتهم للاعتقال.
لقد عقد العالم مؤتمرا دوليا بشأن سوريا هو "جنيف 1" وقريبا سيعقد مؤتمرا ثانيا بعنوان "جنيف 2". كما عقد "مؤتمر جنيف" للبرنامج النووي الايراني. في هذا السياق، لماذا لا يكون للفلسطينيين "جنيفهم"، يرتكز على تعاون واشنطن مع روسيا والصين والاتحاد الأوروبي والعرب وغيرهم، يكون أساسه تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، وليس المقترحات المتداولة حاليا، الساعية للتكيف مع متغيرات الاحتلال اليومية على الأرض، ما يعني موافقة على استمرار الاحتلال وتمديد وجوده على الأرض الفلسطينية. غير أن الذهاب إلى الأمم المتحدة أو عقد مؤتمر "جنيف فلسطيني" لا يعني التخلي عن البرنامج النضالي على الأرض من خلال تفعيل المقاومة الشعبية (السلمية في هذه المرحلة) مع إبقاء المجال أمام مختلف أنواع المقاومات لاحقا. فما لا يتحقق بالوسائل السلمية يتحقق بغيرها. فالسلطة الفلسطينية، مدعوة إلى بناء مؤسسات قوية قادرة على تعزيز صمود المواطنين، إضافة الى اعادة الوحدة للوطن. فالانقسام المفجع وتعثر جهود المصالحة، بات يلح على الفلسطينيين تجاوز مرحلة قلبت الاولويات وأضرت بالقضية.
على صعيد متمم، يجب التركيز كذلك على تعزيز عملية التفاعل مع "حركة التضامن العالمية" مع الشعب الفلسطيني. ذلك أن صوت هذه "الحركة" أحدث نقلة نوعية بينت للعالم حقيقة وقدسية وشرعية المقاومة الفلسطينية الحديثة كنموذج جماهيري. وهم كذلك مساهمون في الدعوات المتزايدة لفضح بنية الفصل والتمييز العنصري (الأبارتايد) الإسرائيلي، وكذلك لمقاطعة الدولة الصهيونية وعدم الاستثمار وفرض العقوبات (BDS)، فدعواتهم للمقاطعة جعلت "الإسرائيلي" يشعر بأنه معزول وضعيف، ومن جهة ثانية منحت المواطن الفلسطيني الشعور بالمساهمة والانتماء والمشاركة في النضال، خاصة وأن جهود هؤلاء النشطاء لنصرة القضية الفلسطينية وفضح الانتهاكات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، تتسع يوميا معبرة عن نفسها بالتظاهرات والاحتجاجات داخل الوطن الفلسطيني وخارجه مع المقاطعة.
اليوم لا مجال لمزيد من التباطؤ أو المخاوف.. بل المبادرة إلى العمل الجبهوي الوطني التحرري عبر استراتيجية مقاومة شعبية سلمية يقبلها العالم بل ويرحب بها. فما يحدث حاليا، يمثل درسا جديدا يحث الجميع على الوحدة الوطنية وعلى تجاوز السياسة الإسرائيلية الفارضة لدور شكلي بروتوكولي للولايات المتحدة المتحدة دون باقي دول ومؤسسات العالم. ولنا فيما حدث ويحدث لتغييب دور هيئة الأمم المتحدة، و"اللجنة الرباعية" عبر بليغة.