Haneen
2014-12-18, 11:15 AM
أزمة الإسمنت والبناء!!
بقلم: حديث القدس – القدس
د. جورج حبش في ذكراه
بقلم: عبد الرحيم ملوح – القدس
عام جديد ببصمات آسيوية
بقلم: جميل مطر – القدس
دبلوماسية «الممرات»...
بقلم: غسان شربل – القدس
الخيارات السياسية وفن الممكن بعد استهلاك الثورات!
بقلم: محمد جلال عناية - القدس
في ذكرى الحكيم
بقلم: راسم عبيدات – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image007.jpg
الجانب المنير لجامعة بيرزيت
بقلم: حسن البطل – الايام
مصر التي لا تنحني ...
بقلم: طلال عوكل – الايام
تونس: عبقرية التوافق وروح خير الدين باشا
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
السلام الأميركي
بقلم: عاطف أبو سيف – الايام
بوادر خير قادم
بقلم: سميح شبيب – الايام
حـكـمــة الإصـغــاء
بقلم: غسان زقطان – الايام
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image009.jpg
تغريدة الصباح - المحبّة ام الكراهيّة ؟
بقلم: محمد علي طه – الحياة
الحكيم .. في ذكراه 2 من 2
بقلم: عدلي صادق – الحياة
التجربة الشبابية للقائد هاني الحسن في الثورة الفلسطينية .. دروس وعبر
بقلم: مروان عبد الحميد – الحياة
أزمة الإسمنت والبناء!!
بقلم: حديث القدس – القدس
في الوقت الذي يتواصل فيه اضراب العاملين في وكالة الغوث «الاونروا» منذ اسابيع دون ان تستجيب الوكالة حتى الآن لمطالب العاملين مع كل ما ينطوي على ذلك من تداعيات كارثية، وفيما شهدنا اضرابات متتالية في القطاعين الصحي والتعليمي وفي الوظيفة العمومية يبدو اننا امام اضراب آخر وشيك لقطاع الانشاءات بعد ان اعلن اتحاد الصناعات الانشائية واتحاد المقاولين واتحاد المطورين امس الاول اعتزامهم التوقف عن العمل اثر قرار الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية، الوكيل الحصري الوحيد لاستيراد الاسمنت والذراع الاستثماري لصندوق الاستثمار الفلسطيني في قطاع الانشاءات اعتزامها رفع سعر طن الاسمنت بقيمة ثمانية عشر شيكلاً، وهو ما اعتبره اتحاد الصناعات الانشائية وخاصة شركات الباطون واتحاد المقاولين رفعاً غير مبرر للاسعار بعد ان تم رفع سعر الطن العام الماضي ثلاثين شيكلاً وفي الوقت الذي لم يرتفع فيه السعر عالمياً.
الجهات التي اتخذت قراراً بالتوقف عن العمل اعتباراً من الاول من شباط اذا ما اصرت الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية على رفع السعر، هي الجهات التي تقوم بالمشاريع الانشائية في فلسطين من مقاولين وشركات باطون وصناعيين عموميين ..الخ ، وهو ما يعني ان الاضراب في حال بدئه سيشل حركة العمران والانشاءات في مختلف انحاء فلسطين مع كل ما ينطوي عليه ذلك ايضاً من تداعيات كارثية في الوقت الذي نعاني فيه من نسبة البطالة المرتفعة والتدهور الاقتصادي وفي الوقت الذي تشكل فيه الانشاءات والحركة العمرانية احد المحاور الرئيسية في بناء دولتنا العتيدة، وهو ما يثير تساؤلات عدة حول سبب هذه الازمة الحقيقي وحول كيفية تجاوزها قبل الاول من شباط .
والسؤال الذي يُطرح هنا: هل يعود الرفع الجديد لسعر الاسمنت الى احتكار استيراده من شركة «نيشر» الاسرائيلية من قبل الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية في ظل غياب سوق اسمنت حرة وغياب المنافسة واغلاق الباب امام الاستيراد المباشر ؟! ام ان ارتفاع الاسعار يعود الى قيود اقتصادية مفروضة على الجانب الفلسطيني تربط هذا القطاع الحيوي بالاستيراد الحصري من «نيشر» الاسرائيلية ؟ واذا كانت اسعار مكونات الباطون خاصة الرمل لدينا تصل الى ضعفي او ثلاثة اضعاف السعر في اسرائيل وان السعر الجديد للاسمنت لدينا سيصبح اعلى مما هو عليه في اسرائيل فكيف يمكن لقطاع الانشاءات الاستمرار في عمله على هذا النحو ؟!
ان ما يجب ان يقال هنا اولاً ان ازمة على هذا النحو من الخطورة وتطال قطاعاً حيوياً جداً في فلسطين تستوجب تدخلاً فورياً من الرئاسة والحكومة لإيجاد حل سريع يأخذ بالاعتبار واقع الانشاءات الفلسطيني واهميته وضرورة دعمه من جهة، والحفاظ على سعر معقول للاسمنت يجنب هذا القطاع اضراراً وتوقفاً عن العمل سيطال ليس فقط حركة البناء على اهميتها وانما سيطال العمال رغم كل اوضاعهم الصعبة حالياً كما سيطال اصحاب الدخل المحدود وهم غالبية ممن سيحرمهم رفع الاسعار المتواصل من امكانية البناء والتعمير.
واذا كانت جذور الازمة تعود الى قيود اقتصادية بفعل اتفاقيات فرضتها اسرائيل فمن غير المعقول ان نبقى اوفياء لاتفاقيات كهذه اتضح انها تضر بنا وتجعلنا رهائن ووسطاء للشركات الاسرائيلية الكبرى، ولن يكون منافياً للمنطق اعادة النظر بهذه الاتفاقيات وتغييرها بما ينسجم والمصلحة الفلسطينية العليا.
المسألة الاخرى التي تحتاج الى دراسة واعادة نظر هي مسألة الاحتكار وتغييب المنافسة والبدائل الاخرى كالاستيراد المباشر. فمن الواضح لكل ذي بصيرة ان الاحتكار في اقتصاد اي دولة يؤدي الى رفع الاسعار وربما ايضاً الى تدني جودة المنتج فيما تؤدي المنافسة والبدائل الاخرى الى خفض الاسعار وزيادة الجودة، فلماذا لا نطبق ذلك على قطاع الاسمنت وغيره من السلع الاحتكارية الحيوية خاصة واننا نمر بمرحلة بناء دولتنا العتيدة؟!.
واخيراً فان المواطن الفلسطيني الذي يعاني اساساً من استمرار الاحتلال بكل تجلياته ومظاهره وممارساته ويعاني حالة الانقسام المأساوي ويعاني ظروفاً اقتصادية متردية لا يحتاج بالتأكيد الى ازمة اخرى تطال قطاعاً حيوياً هو قطاع البناء والانشاءات، ولهذا فإن المطلوب المسارعة الى حل هذه الازمة قبل استفحالها خاصة واننا ما زلنا تحت وطأة ازمة وكالة الغوث والاضرابات المتتالية الاخرى.
د. جورج حبش في ذكراه
بقلم: عبد الرحيم ملوح – القدس
في السادس والعشرين من هذا الشهر عام 2008 ، غيب الموت د . جورج حبش القائد المؤسس لحركة القوميين العرب ومن ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأول قائد حزبي على مستوى العالم يتخلى عن موقعه القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفي منظمة التحرير الفلسطينية ، كونه كان عضواً في المجلس المركزي الفلسطيني وفي المجلس الوطني الفلسطيني . وهو من الشخصيات التي رفضت العودة للوطن بعد اتفاقات أوسلو رغم أن مؤسسات الجبهة الشعبية القيادية خيرت كل أعضائها وقيادييها بالعودة لأرض الوطن أو البقاء في الخارج . وقد عاد عدد من قيادتها في هذا الإطار . وأصر على أنه لا يريد العودة وجندي إسرائيلي يقف على الحدود ، وأنه لن يعود إلا مع اللاجئين الفلسطينيين كما صرح في ذلك الوقت.
إن د . جورج حبش قدم للحركة الوطنية العربية والفلسطينية الكثير في الممارسة والأفكار الفكرية والسياسية والتنظيمية . وحصر مسؤوليته منتصف عام 2000 تاريخ تخليه عن موقعه القيادي في تقديم الاستشارة لقيادة الجبهة الشعبية ومنظمة التحرير الفلسطينية . وبخاصة في قضايا الوحدة الوطنية الفلسطينية والفكر الصهيوني .
لقد عمل د . حبش منذ نعومة أظافره في خدمة أبناء شعبه الفلسطيني ، بدءاً بعودته للعمل في مدينة اللد مع العاملين في المجال الصحي عام 1948 وهجرته مع ذويه من مدينته إلى رام الله ومن ثم لعمان ، وعمل في عيادته مع د . وديع حداد لخدمة قرى ومخيمات ومدن الضفة والأردن وبخاصة في مخيم الكرامة . وفي العمل السياسي ساهم بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وأفرز لها الكادر السياسي والعسكري للعمل معهم ومنظمة أبطال العودة أكبر دليل على هذا . حيث أفرزت هذه المنظمة للعمل مع منظمة التحرير الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي قبل تأسيس الجبهة الشعبية ، التي كانت منظمة أبطال العودة أحد مؤسسيها . وبنفس الوقت ساهم في تأسيس فرع فلسطين وشباب الثأر وهما عضوان في حركة القوميين العرب ، ومن شهدائهما خالد أبو عيشه عام 1964، ورفيق عساف ومحمد اليماني عام 1966 وأسر لها أعضاء مثال سكران سكران .
لقد حافظ د . ج . حبش على الوحدة الوطنية الفلسطينية ، فكان يقول ويعمل دائماً من أجل إزالة الاحتلال وكان يرى انه بدون الوحدة الوطنية من الصعب جداً إزالة الاحتلال الإسرائيلي عن الأرض والشعب الفلسطيني . حتى وهو يعمل من أجل الفقراء والمهمشين من أبناء شعبنا فإنه لم ينس بأن إزالة الاحتلال وعودة اللاجئين وتقرير المصير لشعبنا ، يحتاج دائماً للوحدة الوطنية ولمنظمة التحرير الفلسطينية ببرنامجها الوطني .
وكان د . حبش دائماً مع الديمقراطية الحزبية وللشعب كله . فقد كان أول من تخلى عن موقعه القيادي كأمين عام للجبهة الشعبية عام 2000 على مستوى الأحزاب في العالم أجمع ، ولا أذيع سراً أنه كان يريد أن يتخلى عن هذا الموقع عام 1987 . وكان يريد الإعلان عن هذا في عيد الجبهة في يوم 11 / 12 / 1987 في حينه ولكن ما منعه من ذلك هو اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى قبل هذا التاريخ بأيام فقط . لقد كان دائماً مع الديمقراطية أكان ذلك في إطار الحزب أو الشعب .
لقد حرص د . حبش على الموقف السياسي للتنظيم في كل مراحل النضال الفلسطيني وعلى الجماعية في اتخاذه ، وعلى وحدة الشعب الفلسطيني في مجابهة الاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينية ، وعلى ديمقراطية الشعب في اتخاذ القرار النهائي . وما يميز د . حبش عن غيره من القادة هو تواضعه وسماعه للآراء وبخاصة آراء الأعزاء الفاعلين في الدفاع عن الوحدة وعن المهمشين والمناضلين من أبناء شعبنا ؛ وأفرد وقتاً للمثقفين من أبناء شعبنا وأمتنا العربية . وهذا ما دفع الرئيس ياسر عرفات للقول : " إن ضمير الثورة والشعب هو د.جورج حبش ".
- ماذا لو كان جورج حبش لا زال حياً في هذه المرحلة ، ولا زال قيادياً فاعلاً فلسطينياً وعربياً ، او لا زال أميناً عاماً للجبهة الشعبية ولا زال أميناً عاماً لحركة القوميين العرب ؟!
لقد كان عضواً أساسياً في منظمة التحرير الفلسطينية ، وكان الرئيس عرفات يقدره ويجله حتى أنه أطلق عليه لقب ضمير الشعب والثورة . ورغم ذلك فقد كانت الوطنية الفلسطينية عنده فوق كل اعتبار تنظيمي أو شخصي , فقاد جبهة الرفض الفلسطينية ، والمعارضة الفلسطينية ضد اتفاق أوسلو ، وحرص على الوحدة الوطنية وعلى منظمة التحرير الفلسطينية لأن بوصلته دائماً ضد الاحتلال للأرض والشعب . فكان حريصاً على وحدة كل التيارات الفلسطينية رغم كونه وتنظيمه يمثلان تيار العمال والمهمشين من أبناء شعبنا .
- ولو كان بيننا الآن ، لحرص أولاً ؛ على مواجهة الاحتلال . وثانياً على الوحدة الوطنية وليس على المفاوضات مع إسرائيل أولاً . لأن الأمران لهما صلة وثيقة بالتناقض الأساس مع الاحتلال . وهذا يتطلب عدم الرهان على أمريكا ووزير خارجيتها ، فأمريكا وقبل تأسيس إسرائيل كانت تنظر لتواجدها هنا وفي منطقتنا باعتبارها مصلحة عليا لأمريكا ، فإسرائيل قوية مصلحة عليا أمريكية هكذا كانت ولا زالت . والمصالح العليا الفلسطينية ، تتطلب منا مجابهة الاحتلال ميدانياً وعلى المستوى السياسي الدولي .
هكذا كان ينظر جورج حبش للاحتلال وهذا هو الاحتلال الآن . وهكذا علينا أن ننظر له ونتعامل معه . وللمواجهة على المستوى السياسي : هي الشرعية الدولية وقراراتها . لهذا اعتبر د . حبش الشرعية الدولية والتمسك بها ، والمؤتمر الدولي لتنفيذ قراراتها وليس للتفاوض عليها . أساساً للتحرك السياسي الفلسطيني دولياً .
لقد كان د . حبش مع الديمقراطية للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية ولكل شعوب العالم ، لأنه كان ينظر لها باعتبارها قيمة . لهذا بدأها بنفسه هو ، وسار على دربه آخرون من رفاقه .
وكان يعتبر د . حبش أن الشعوب العربية هي دائماً مع الثورة الفلسطينية ، وأن الحكام العرب لا يريدون لهذه الثورة أن تقوى لأنها تقوي هذه الشعوب على حكامها .
هذا هو د . جورج حبش الذي قضى حياته منذ ما قبل 1948 وحتى استشهاده عام 2008 وهو يناضل من أجل شعب فلسطين وحريته واستقلاله ، ومن أجل وحدة الأمة العربية ، وكان قائداً ومؤسساً لحركة القوميين العرب وللجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ونحن أبناء وأحفاد د . حبش ورفاق الدرب نقول في ذكراه للشعب الفلسطيني ولشعوب الأمة العربية جمعاء أننا سنبقى أوفياء لنضال حبش ورفاق دربه .
عام جديد ببصمات آسيوية
بقلم: جميل مطر – القدس
بضع صخور في بحر الصين الشرقي وبضع صخور في بحر الصين الجنوبي مسؤولة عن حال التوتر في منطقة شرقي وجنوب شرقي آسيا . هكذا يجري في بعض الكتابات الغربية تبسيط الوضع في آسيا . يصورونه على أنه خلاف بين الصين من ناحية واليابان ودول في جنوب شرقي آسيا من ناحية أخرى على مجموعة جزر غير ذات أهمية . ولكنهما في نظرهم يهددان بصراع أوسع وأشد خطورة .
التبسيط مخل، ولكن ليس كثيراً . بعض الصخور، وبخاصة الصخرتان الكبيرتان في بحر الصين الشرقي، بالفعل غير ذات قيمة اقتصادية أو استراتيجية كبيرة، إلا إذا كانتا تحتويان على الطين الأسود الحيوي في بعض الصناعات الاستراتيجية، وهو الأمر الذي لم يتأكد بعد . القيمة المؤكدة لهاتين الصخرتين هي في كونهما رمزاً قومياً تضخمه أجهزة الدعاية في كلا الدولتين .
أما صخور بحر الصين الجنوبي فأغلبها له قيمة استراتيجية كبرى كمحطات بحرية تهيمن على حركة المرور في واحد من أهم الممرات المائية في العالم .
لاشك في أن تصعيد الخلافات بين الصين واليابان ستكون له آثار مباشرة في القارة الآسيوية بأسرها . ليس خافياً أن آسيا بدأت تشعر بثقل التوتر الملحوظ في أقصى الشرق على مختلف تفاعلاتها . يعرف الآسيويون أن اليابان لن تشعر بالراحة والطمأنينة طالما استمرت الصين تتسلح وتبدع في اختراعاتها التكنولوجية، وتوسع من نشاط أساطيلها البحرية وتغلق مجالات جوية على طائرات الدول الأخرى .
يعرفون أيضاً أن الصين لم تشعر بالراحة والطمأنينة منذ أن بدأت اليابان تخرج من عزلتها العسكرية التي فرضتها على نفسها . خرجت فتسلحت برضاء القوى العظمى في العالم وهي الآن تشارك في مناورات بحرية مع الهند، العدو القديم والمحتمل دائماً للصين، وتحصل منها على تسهيلات في الموانئ والممرات المائية لتتمكن من حماية قوافل تجارتها البحرية .
ومع ذلك نخطئ خطأ جسيماً لو قصرنا اهتمامنا على العلاقات اليابانية- الصينية على أهميتها القصوى، ففي كافة أنحاء آسيا بؤر قلق وتوتر تنفجر بكثافة مدهشة وبعواقب وتداعيات غير عادية، ليس فقط بالنسبة إلى الأمن هذا الجزء أو ذاك من القارة، ولكن بالنسبة إلى أمن القارة بأسرها، وبالتالي بالنسبة إلى الأمن الدولي .
نظرة إلى خريطة الانفجارات الآسيوية توضح كيف أن التوتر الإقليمي لا يقتصر على الدول الأكبر في القارة والعلاقات بينها فقط، بل نراه ممتداً إلى الدول الأصغر جداً .
هناك قلق له ما يبرره سببه الخشية السائدة في عواصم آسيوية وأوروبية عدة من احتمالات عودة الصراع الداخلي في سيريلانكا، بعد ان تأكد أن نمور التاميل عادوا يستجمعون قواهم بعد ان خاب أملهم في تنفيذ اتفاق السلام المعقود بينهم وبين الأغلبية الحاكمة في كولومبو . احتدام الصراع داخل سيريلانكا من جديد يعني عنصراً إضافياً لتشتيت جهود قوى الأمن الهندية، بعيداً عن الأخطار التي تهددها من المتمردين الماويين والقبليين في الوسط وثوار كشمير وحركات الاحتجاج في الشمال .
وإلى الشرق من الهند، حيث تحقق لأمريكا ودول أوروبا بعض ما أرادت فقامت حكومة ميانمار العسكرية بتعديلات في نظم الحكم تسمح بانتخابات برلمانية، وما تلاه من تغير في مكانة بورما فجأة في نظر الغرب والهند فأقبلوا جميعا عليها ليحظوا باتفاقات تجارية وعسكرية، والوقوف ضد الصين لمنعها من احتكار النفوذ في بورما . خلف هذه الواجهة الديمقراطية البراقة تتنشر الآن في كافة أنحاء ميانمار ثورات وانتفاضات قبلية ودينية وحملات إبادة ومذابح، لا شيء منها يثير اهتمام أو غضب العالم الخارجي الذي قضى سنوات عدة منشغلا بكفاح النشطاء في حركة المجتمع المدني ضد الحكم العسكري .
وعلى حدود بورما، دولة صغيرة ثالثة، لم يعرف شعبها الراحة أو النوم طيلة الشهور الماضية . إذ تربعت على كرسي الحكم في تايلاند سيدة تنتمي لطبقة رجال الأعمال وصلت إلى كرسيها بانتخابات ديمقراطية سليمة، ونشطت قوى اشتهرت عبر التاريخ الحديث لتايلاند بالعناد وحب السلطة وقلب النظام عن طريق تحريض قطاعات شعبية متضررة اجتماعياً واقتصادياً ضد الحكومة .
تايلاند، مثل أكثر دول الربيع العربي، دولة موقوفة بإرادة جماهير تحتل الميادين والشوارع منذ شهور، وتغلق المباني الحكومية، وتعطل حال التجارة والسياحة، وفي الوقت نفسه تثير قلق الهند والصين ودول أخرى مجاورة، وأكثرها لا يريد عودة الجيش إلى مقاعد الحكم في بانكوك واستئناف المعارك ضد الأقليات .
وفي نيبال، الدولة التي عاشت عقوداً تطل بخجل ووجل على عملاقين يسكنان أراضي شاسعة تحت سطوتهما، يعيش الناس في توتر شديد تحت وقع الاحتمال المتزايد بعودة الماويين وغيرهم من كتائب اليسار المتطرف إلى إثارة الفوضى في البلاد، وربما الهيمنة على الحكم .
لن تكون الهند راضية عن هذا التطور لو حدث، وكذلك الصين، كلاهما اختلق لنيبال وضعاً حيادياً لا يجوز النيل منه، ومع ذلك، لم يعد خافياً أن الصين مدت في السنوات الأخيرة طرقاً وسكك حديد إلى مسافات قريبة من حدودها مع نيبال، ووضعت قوات إضافية على هذه الحدود، الأمر الذي أثار احتجاج الهنود الذين يصعب عليهم مجارات الصينيين في الإنفاق والحشد . يثير قلق الهنود أيضاً ان الظاهرة النيبالية قد تتكرر في دويلات سفوح الهيمالايا، مثل آسام .
هناك في هذه المنطقة شعوب عزلها الإنجليز خارج التاريخ، ولم يفرج عنها الهنود . هذه الشعوب تتمرد الآن، ولم تجد حكومة نيودلهي بداً من إرسال قوات عسكرية لاستعادة النظام وتثبيت الانعزال .
إذا أضفت الانتفاضات الداخلية العنيفة في كل من كمبوديا والفلبين وبنغلاديش أستطيع أن أخلص إلى أن معظم هوامش الدول الآسيوية الكبرى ملتهبة أو على الأقل مهددة بعناصر عدم استقرار . وسوف تبدو الصورة الكاملة أشد التهاباً لو أنني أضفت احتمالات تطور أوضاع إقليمية أخرى نحو مزيد من التدهور أو الاضطراب . أقصد أولاً: الوضع في أفغانستان خلال عام 2014 أي مع الاقتراب من مدى تسليم شؤون الأمن من أمريكا والناتو إلى جيش قرضاي، في وجه استعدادات قوية من جانب الطالبان لإطاحة نظام الحكم في كابول .
أقصد ثانياً: التطورات في باكستان، وأغلبها يشير إلى وضع لا يبتعد كثيراً عن نموذج "الدولة الفاشلة"، بكل ما يمكن أن يسبقه من اغتيالات وتمرد وحروب أهلية وانفصالية .
أقصد ثالثاً: التصعيد المتعمد والمتصاعد من جانب قوى أجنبية لإثارة حالة من التمرد والعصيان في إقليم سنكيانغ في غربي الصين، والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه حكومة بكين لردع هذه القوى خارج حدودها .
أقصد رابعاً: الزحف الهادئ ولكن المؤثر من جانب روسيا البوتينية لاستعادة النفوذ الذي كان من نصيب الاتحاد السوفييتي في أقاليم وسط آسيا، والانتهاء من الزحف، إن امكن، قبل خروج الغرب من أفغانستان، وقبل حلول النفوذ الصيني والهندي محل النفوذ الغربي.
أقصد خامساً: زحف الجناح الآسيوي من الشرق الأوسط تجاه الشرق، وبخاصة بعد ان أصبحت كل من إيران وباكستان قوتي جذب شديد الفاعلية، تشدان اهتمام عدد متزايد من الدول العربية، وبخاصة السعودية بآسيا وبعدها بقليل دول أخرى في الخليج ثم مصر . الدولتان هما باكستان وإيران . كلتاهما ولأسباب مختلفة تماماً سوف تترك بصمتها واضحة على كثير من صفحات العام الجديد، عام 2014 .
دبلوماسية «الممرات»...
بقلم: غسان شربل – القدس
يبحث الاخضر الابراهيمي عن الحل في بحر من الدم والفشل. هذا ما يشعر به الصحافي حين يقترب من مقر المفاوضات السورية في جنيف. ولولا الفشل لما كانت مهمة الابراهيمي ولا المشهد الذي شهدته مدينة مونترو السويسرية حين جلس وليد المعلم وأحمد الجربا تحت سقف واحد.
يبدأ الفشل من الارض السورية نفسها. فشل الجيش السوري في سحق المعارضة. فشل في إعادة فرض سلطته على كامل الاراضي السورية. استعانته بحلفاء من الخارج حسّنت بعض اوضاعه، لكنها لم تحسم الصراع. في المقابل، فشلت المعارضة السورية في دحر النظام. الانشقاقات لم تفكك آلته العسكرية. المقاتلون الجوالون الذين وفدوا بذريعة مقاتلة النظام تحولوا عبئاً على المعارضة واضطرت الى مقاتلتهم.
فشلت الدول الاقليمية الرئيسية في وضع اطار يحاصر النار السورية تمهيداً لإطفائها. استدرجها النزاع السوري خصوصاً حين احتل موقعه على خريطة النزاع الشيعي - السنّي. انخرطت بدرجات متفاوتة وبدت سورية مسرحاً لنزاع اكبر منها. الإطفائي الاقليمي غير موجود.
فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرار يمنع سورية من الانحدار في اتجاه الهاوية. احبطت روسيا جملة محاولات غربية. كان يمكن تهمة استخدام السلاح الكيماوي ان تكون قاتلة للنظام السوري. قدم له لافروف طوق النجاة. التقط سيد البيت الابيض العرض. لا يريد ارسال الجيش الى حرب جديدة. بدا جلياً ان القيادة الاميركية للعالم مصابة بعطل واضح في المكتب البيضاوي. تقدم فلاديمير بوتين موقظاً شيئاً من ممارسات الحرب الباردة. في المقابل، فشلت روسيا ومعها ايران في تمكين النظام السوري من الحسم. تداخل ملف الازمة السورية مع ملف المفاوضات الاميركية - الايرانية. من يسجل نقاطاً في الثاني لا يستطيع تفادي قدر من التنازلات في الاول.
من اهوال اليوميات السورية والفشل المتعدد الأطراف ولدت فكرة جنيف. تفاهم اميركي - روسي على عدد من المبادئ، بينها اعتبار الحل السياسي الخيار الوحيد للخروج من الازمة والعمل لمنع انهيار مؤسسات الدولة السورية العسكرية والأمنية وتشكيل هيئة حكم انتقالية غير بعيدة في مفهومها عن مجلس الحكم الذي شكل غداة اقتلاع النظام العراقي مع الالتفات الى الفوارق الكثيرة. لكن الفترة الفاصلة بين «جنيف 1» و «جنيف 2» اظهرت ان التفاهم الاميركي - الروسي ليس كاملاً وأن الشيطان يكمن في ما هو ابعد من التفاصيل.
في جنيف كل شيء يوحي ان المفاوضات ستكون طويلة ومريرة. هذا ما يستنتجه الصحافي اذا تحدث الى الطهاة الدوليين الموزعين في الممرات. والطهاة معروفون وحاضرون. روبرت فورد السفير الاميركي السابق في دمشق. وإريك شوفالييه السفير السابق في المكان نفسه. وجون ولكس المبعوث البريطاني الى الازمة السورية. والسفير التركي السابق في دمشق عمر اونهن. ألمانيا ليست غائبة وكذلك السويد. لكن ثمة من يعتقد ان لافروف يستحق لقب كبير الطهاة.
يتفق الطهاة على الاهمية الرمزية والفعلية لجلوس المعلم والجربا تحت سقف واحد. تسمع في الممرات «ان الامر في النهاية في يد السوريين انفسهم». كأنهم يغسلون ايديهم سلفاً من الاهوال المقبلة في سورية «قبل ان يشعر كل من الطرفين بأنه ضعيف ومستنزف وعندها تنطلق المفاوضات الفعلية». وتسمع ايضاً ان المشكلة هي ان النظام السوري غير قابل للإصلاح وأن فتح كوة صغيرة في جداره يعني الانهيار. ثمة من يلمّح الى ان الحل قد ينتظر خليفة اوباما في البيت الابيض. هذا فظيع.
يستطيع الطهاة الانتظار طويلاً في الممرات والردهات. ولكن ماذا عن السوريين المبعثرين على اطراف بلادهم المشتعلة. ماذا عن السوريين العالقين على ارض وطنهم يتقلبون على نار الطهاة.
الخيارات السياسية وفن الممكن بعد استهلاك الثورات!
بقلم: محمد جلال عناية - القدس
ان "دولة فلسطين" ليست حدثا غريبا او كيانا سوف يأتينا من كوكب آخر، ان دولة فلسطين هي نحن، نحن بما نحن عليه، ونحن بما نحن فيه. فلنتفحص انفسنا من الرأس الى القدمين، ووجها لظهر، وجنبا الى جنب، فإن هذا الذي نراه ونلمسه، مضافا الى ارضها وسمائها هو "دولة فلسطين".
ان "دولة فلسطين" لن تكون محل سخطنا ورضانا، بل نحن الذين سوف نكون، من خلال حركتنا بين الشح والعطاء محل سخطها ورضاها. فنحن الذين نشكلها بأنفسنا ومن انفسنا، فلنسارع الى اصلاح انفسنا حتى نرسّخ اسسها ونصلّب بنيانها.
ان دولة فلسطين لن تكون كأي دولة، دولة تقود العرب لا ان تجرجر نفسها وراءهم. دولة فلسطين ستكون دولة الاخلاق ذات النفع، التي تتجسد في التنازل لمن هو احق منا، واتباع من هو ارشد منا، ولا نريدها اخلاقا تجريدية نعجز عن فهمها ونحار في تفسيرها، ونترك الباب مفتوحا ليكيّف كل منا اخلاقه على هواه.
ليتنا نتمكن من مراجعة تجربتنا الطويلة والقاسية بين التشرد والاحتلال، بطريقة موضوعية، وبعيدة عن الغوغائية والشعارات الجوفاء. ولعلنا من خلال هذه المراجعة نتخلص من كثير من الاحمال، ونتحرر من كثير من الاغلال، مما اعاق تطورنا على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية، مع اننا الى حد ما وبقدر محدود نلنا نصيبا من التلمذة على حضارة العصر، فمن هم اكثر منا تقدما، وساهمنا بقدر من العطاء الحضاري لمن هم اكثر تخلفا عنا من الاشقاء العرب.
عندما نتساءل: من نحن؟
لابد ان نفتح باب حجرة الاشباح، التي امضينا اربعة اجيال نخيف بعضنا بعضاً من فتح بابها. ولكن قبل فتح الباب نريد ان نحدد المعايير للتفريق بين الخطأ والصواب، وان نميز بين الصدق والكذب. وسوف نأتي بمثل لتوضيح ما نهدف اليه. فعندما تحدث جريمة قتل، فهناك خنجر الجاني، وهناك مشرط الطبيب الشرعي. فأحدهما يرتكب الجريمة والثاني يسعى الى تحقيق العدالة.
ولذلك عندما نتساءل من نحن؟ سوف نشير الى نقائصنا واخطائنا، ونحن نقوم بدور الطبيب الشرعي ومشرطه، سعياً وراء العدالة في تحديد المسؤولية، وعقد النية على تعديل المسار. والامر الآخر الذي نريد التحذير منه، هو الامعان في اللجوء الى الارهاب الفكري لقمع النقد وحتى النقد الذاتي، عندما يلجأ السفهاء منا للخلط بينه وبين الدعاية الصهيونية حتى يبقى العقل الفلسطيني عقيماً وقاحلاً.
لمزيد من التوضيح، سوف نتعرض لمفهومي «الشهادة» و«الارهاب»، اللذين يستعملان بشكل تجريدي مطلق يؤدي الى الخلط في المعاني. فيجب ان نميز بين «الشهادة» المرغوبة و«التهلكة» المنهي عنها.
اما الارهاب، فإن اسرائيل تلصقه بكل عمل مشروع يقاوم الاحتلال، و«الارهاب الاسرائيلي»، فإننا نطلقه على الاحتلال والاعتقال ومضاعفاته من القتل والدمار.
ومؤخراً تداولنا عبارة «الارهاب الذاتي» التي نطلقها على جرائم القتل فيما بين الفلسطينيين بعضهم البعض لخلاف في الرأي، دون ان نحدد او نستثني فئة بعينها.
ما زلنا نحن اليوم ابناء الامس، شعب ثائر منذ ان اعلنت عليه الحرب المتعددة الاطراف مع صدور وعد بلفور «1917». ولقد نزل ذلك الوعد على رؤوسنا نزول الصاعقة دون ما وقاية او تحذير. فإن قوى عاتية احاطت بشعب صغير ومعزول لا يتجاوز عدده 700 الف نسمة، للاستيلاء ارض وطنه وتشريده وبعثرته في الآفاق.
لم نستوعب في البداية، على الصعيد الشعبي، الهدف الحقيقي لوعد بلفور بأنه انتزاع الوطن كلية وتشتيتا بين الاعراب، وفي النهاية في بلاد الاغراب. لم يدر بخلدنا ان مثل هذا الامر سوف يحدث، فكل ما تصورناه على الصعيد الشعبي، من يحكم من؟ هل يحكم العرب اليهود، ام يحكم اليهود العرب؟
عندما تتراءى امامنا هذه الصورة يتولد منها التفكير في السياسة. والسياسة ظاهرة عالمية ضرورية لاتخاذ القرارات وتنفيذها. فهي ضرورية داخل الوحدات الاجتماعية الانسانية لتجنب الفوضى والاضطراب، وضرورية على مستوى العالم لتنظيم العلاقة بين الامم والسياسة عرّفها علماؤها بتعريفات كثيرة، ولكننا في حالتنا هذه سنأخذ ابسط هذه التعريفات، وهو «فن الممكن».
لم تكن لدى شعبنا الصغير، والمحدود الامكانيات المادية والمعرفية، من الوسائل التي تمكنه ان يحدد بها الممكن، ولا الدراية لتحقيق هذا الممكن. ولكن كانت لديه الحمية التي تدفعه الى التضحية. فاشتعل الحماس الفلسطيني في مواجهة الدهاء البريطاني والمكر الصهيوني، في ضوء اختلال موازين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية لصالح الآخرين.
كما تعلمنا من التاريخ والجغرافيا، كان علينا ان نبعث الامل في نفوسنا بأن الشعب الفلسطيني جزء من الامة العربية، وان ارض فلسطين جزء من الوطن العربي. وبالتالي فإن الضرر الاسرائيلي على صعيد الواقع يؤدي الى تقطيع الوطن العربي، ويفصل الآسيوي منه عن الافريقي. وانه يفتت الامة العربية الى شعوب متباعدة.
ولكن الوسط السياسي الذي كان يهيمن على كل هذا في غياب الديمقراطية، استشرى فيه الفساد، وطغى عليه الاستبداد، فأنتج لنا مجتمعات ضعيفة لا تستطيع ان تدفع عن نفسها الضرر، ولا تملك القدرة على اصلاحه ان وقع عليها ذلك الضرر.
سوف نتحدث الآن عن «لغز» الثورة الفلسطينية. وقبل ذلك نريد ان نتساءل: ما الذي جعل الثورة الفلسطينية توصف باللغز؟ ببساطة، كان ذلك لطول الزمن « 93 عاما» وقلة الانتاج. والعرض المتكرر لصورة لها لا تتبدل، بتعظيم العدو لخطرها ليبرر عدوانه وتسترنا على فشلها لنغطي على تقصيرنا.
لقد سئمنا من هذا التكرار، الذي تتكدس فيه خسائرنا وتتعاظم مكاسب الطرف الآخر مع استمرار الثورة المسلحة، حيث تخلى عنا في محنتنا القريب والغريب، فالقريب استكان واعتزل الحرب، والغريب لم يجد في هذه الوسيلة اداة مقبولة لحل النزاع.
ومع عجزنا العسكري، وإشهار العرب للسلاح الدبلوماسي المتمثل في المبادرة العربية (2002)، واتجاه الرئيس الاميركي الى تنظيم العلاقات الدولية بشكل يخدم اهداف الولايات المتحدة الاميركية ويخفف عنها الاعباء. اعلن الرئيس اوباما عن الحل بقيام «دولة فلسطين» خلال سنتين لتهدئة الاوضاع في الشرق الاوسط.
واليوم نضيف، بعد ان تأخرنا 96 عاما، لماذا لا نتحول الى مهارة الخيارات السياسية، وفن الممكن لبناء «دولة فلسطين» بعد استهلاك الثورات بدلا من الانزلاق في سفسطة فارغة من اي محتوى، ولا مكان لها في تقنية اتخاذ القرارات السياسية في هذا العصر، نقول بأن «دولة فلسطين» لن تكون لخدمة الايديولوجيات، بل ان الايديولوجيات اذا كانت تريد ان تثبت شرعتها عليها ان تكون في خدمة الوطن.
ان «دولة فلسطين» هي الاحق بالبقاء، والايديولوجيات حرة في ان تستمر كما هي، او تغير نفسها، او يغير بعضها بعضا، عندما نلتقي امام صناديق الاقتراع.
عند ذلك نكون، كشعب فلسطيني، قد بلغنا سن الرشد، ولا مكان للمساومة على اقتسام المنافع باسم الوحدة الوطنية، ولا حاجة بنا الى مبادرات عربية مراوغة لتعميق الانقسام بيننا.
في ذكرى الحكيم
بقلم: راسم عبيدات – القدس
ثمة سؤال يلح علي بقوة،ماذا لو كان الحكيم حياً،وشاهداً على ما وصلنا إليه عربياً وفلسطينياً من حالة انهيار وضعف وذل وإنكسار وإنحطاط،ماذا عساه ان يقول..؟؟؟ عندما يختزل الوطن في كانتونات ومعازل،ويتعرض لأبشع عملية تصفية للحقوق والثوابت لا لاجئين ولا قدس ولا سيطرة على حدود ومعابر وسماء،والمأساة هنا ان البعض فلسطينياً ما زال يمني النفس بحلب الثور،أو الحصول على دبس من قفا النمس،وكأنه يعاند الحقائق والوقائع على الأرض،وتصاعد مخططات التهويد والأسرلة وتغول وتوحش الإستيطان،ليست كافية لكي تزيل الغشاوة عن عينيه،فهو يتعامل مع الأمور وفق منطق "‘عنزة ولو طارت"،وعربيا إستبشرنا خيرا ب"الثورات" وما يسمى ب"الربيع العربي" لكي نكتشف ونصحو على أنها ليست سوى مخططات جديدة إستعمارية تشارك فيه قوى عربية وإقليمية من أجل إقامة سايكس- بيكو جديد،يقسم ويذرر المنطقة العربية ويفككها ويعيد تركيبها على أسس مذهبية وطائفية ووفق الثروات وليس الجغرافيا،والأخطر هنا ما جلبته تلك"الثورات" من أفكار وجماعات تعاني من تشوهات ليست فقط فكرية،بل هي في نهجها وتصرفاتها وسلوكها أقرب إلى الوحشية البشرية في مرحلة المشاعيات البدائية،وكذلك أفكارها قائمة على القتل البربري والوحشي،وممارسة كل ما هو ضد الحضارة والإنسانية والتمسح بالدين،وكأن تلك الجماعات كرموسوماتها وجيناتها البشرية أقرب الى الوحوش والحيوانات البرية.
يا حكيم أنت من قلت بأن صراعنا مع المحتل صراع وجود وليس حدود،وهذا الصراع قد يمتد لمائة عام،وعلى قصار النفس ان يتنحوا جانباً،ولكن يا حكيم،هو زمن قحط وجدب،وكأن فلسطين باتت عاقراً،قصار النفس لم يتنحوا جانباً،وهم يتسيدون ويتصدرون المشهد الفلسطيني،وينطقون زوراً باسم الثورة والشعب،إنهض يا حكيم،تمرد على موتك السرمدي الأبدي،فالثورة والفصائل يزنى فيها،وقيادتها تختطف.
الثورة لم تعد ثورة يا حكيم وكذلك هم الثوار أفرغوا من محتواهم الوطني والكفاحي والنضالي،واصبح هم الكثيرين منهم الرتب والرواتب والأوسمة والنياشين،ولم يبق منهم ثائراً إلا من رحم ربي،ومشروعك القومي الحالم يتعرض للذبح،على أيدي المتأسلمين الجدد،وعلي يد مشيخات نفط وكاز وغاز،اصبحت تنطق زوراً بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتداول السلطة،وهي في بلدانها تجلد وتسجن وتشنق كل من يهمس وليس ينادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان،وكذلك هي على عرشها خالدة مخلدة،لا ينزلها او يغيبها عن عروشها سوى الموت،وحتى الخرف والعته والجنون،ليست من الأسباب الموجبة لتخليها عن العرش.
كانت قبلتك فلسطين وليس غير فلسطين،كانت لديك رؤية ثاقبة وإيمان عميق بالشعب والثورة وبالوحدة العربية والقومية،كنت النموذج والمثال الصلب والعنيد،المتجذر في إنتمائه وقناعاته،لا تخشى في الحق لومة لائم ،وكنت تقول كلمة الحق عند أكبر سلطان جائر،ترفض أن يسجل في تاريخك الثوري،انك في يوم من الأيام،أوغلت في الدم الفلسطيني،او تجاوزت المحرمات والثوابت،ولكن هناك من آتى ليغول في الدم الفلسطيني ويتجاوز كل الخطوط الحمراء،ويتنكر لكل الثوابت والمنجزات،وليتسلق على كل نضالات وتضحيات شعبنا الفلسطيني العظيم،كنت تجاهد وتناضل من أجل وطن عربي اشتراكي حر،يتساوى فيه كل أبناء الوطن في الحقوق،وتوزع الثروات بين أبنائه بالعدالة،ويقضى على الفقر والجوع والتخلف والأمية فيه،وتسوده قيم ومبادىء الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية وتصان فيه الكرامات الشخصية والعامة.
واليوم يا حكيم لم تعد فلسطين لا قبلة من يدعون الثورة والنضال والجهاد،بل فرغوا الجهاد الحقيقي من معانيه ومضامينه وعطلوه في فلسطين وكل البلدان العربية المحتلة والمغتصبة،وحرفوه وأوجدوا بدلاً منه جهاد النكاح وطلب الحور العين في طرابلس وبغداد والشام وقاهرة المعز.
اليوم يا حكيم يطارد الثائر والمناضل،والفاسد يحاكم الشريف،والتطبيع أصبح شكلاً من أشكال"النضال" ومحاربته شكلاً من أشكال التطرف والعدمية،والتنسيق الأمني "مصلحة" فلسطينية.
المنظمة يا حكيم لم تعد هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا،هناك من جوفها،وأفسد مؤسساتها وسطا على قراراتها،وأصبحت خاوية،لا تحترم لا هيئاتها ولا قرارات مؤسساتها،ولم يحدث أي إصلاح فيها او إعادة بناء لها على أسس ديمقراطية،لكي تستوعب كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني،عضوية مؤسساتها معومة لا تعرف من هم أعضاؤها،وحتى هيئتها الأولى،أصبحت قرارتها لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به.
الفصائل يا حكيم ضاعت الفواصل والتخوم بين فصائلها،ولم تعد تعرف هويتها لا السياسية ولا الفكرية،تغلغلت منظمات "الأنجزة" و"التكنوقراط" في قياداتها،ولم تعد تعرف هذا القائد لأي حزب ينتمي،فتجد احياناً مدعياً لليسار على يمين اليمين ويميناً على يسار اليسار.
أصحاب الجمل الثورية اللفظية يا حكيم يتزايدون وينمون كما هي الطحالب في المياه الآسنة،وأدعياء البطولات الوهمية هم كذلك.
واليسار الفلسطيني الذي كنت واحداً من اهم المعاول في بنائه وإقامته،ما زال يا حكيم نخبوياً فوقياً،قياداته تصرخ اكثر مما تفعل،والعديد منها منعزلة عن الجماهير،هي بحاجة لثورة في الثورة،والعمود الفقري للمنظمة والثورة إشكالاته كثيرة ومتعددة وعميقة،بتعدد محاوره وجهويته ومناطقيته.
أما جماعات الإسلام السياسي،فهي ركبت موجة المقاومة،وعندما وصلت للسلطة لجمت ومنعت كل مقاوم.
مشهد محزن يا حكيم،ولكن يبقى الأمل في هذا الشعب العظيم المناضل والمكافح والمضحي،والذي لا بد ان تولد من رحم المعاناة والنضال قيادة تكون بحجم نضالاته وتضحياته.
الجانب المنير لجامعة بيرزيت
بقلم: حسن البطل – الايام
ألقى زائر أجنبي نظرة من شرفة مطعم "زرياب" ـ الشارع الرئيسي لرام الله، وقال: في مدينتكم سيارات حديثة أكثر من لندن.
بانجمين بارت، مراسل "لوموند" كان مراسلاً لها بين العامين 2002 ـ 2011 وألّف عن رام الله كتاباً معنوناً "حلم رام الله ـ رحلة في السراب الفلسطيني" ومما جاء في تقديمه لكتابه أن الإدارة الفلسطينية "مجهزة بشبكة معلوماتية محبكة جيداً وفائقة الإتقان".
في معلومات غير ذائعة أن مصانع النسيج في كالكوتا تستورد آخر تكنولوجيا من إنتاج مصانع النسيج في مانشستر الإنكليزية (تذكروا فريق مانشستر يونايتد)! وما تستورده من مصانع أحدث تكنولوجيا من مصانع النسيج البريطانية.
والآن، إلى جامعة بيرزيت، عميدة جامعات فلسطين ـ السلطوية" ولها وجهان قاتم ديمقراطياً، ومنير أكاديمياً.
القاتم هو ضعف ثقافة طلابها الديمقراطية، والمنير هو وجهها الأكاديمي ـ البحثي، في بعض مجالات البحوث على الأقل.
في الجامعة معهد للحقوق أنجز، خلال عشر سنوات من البحث والعمل، مفخرة ترونها على الموقع التالي:
www.muqtafi.birzeit.edu
وهو أكثر تقدماً على مثيلاته في جامعات بريطانيا وأميركا، بشهادة أكاديميين بريطانيين "علينا أن نتعلم منكم".
"المقتفي" بنك معلومات قانوني وقضائي فلسطيني، وفق أحدث التكنولوجيا والبرمجيات في تصميم أنظمة جديدة. لماذا؟ لأن الباحثين جاؤوا متأخرين، والأنظمة الجديدة أفضل من ترقيع القديم عادة.
صديقي غسان عبد الله أنجز الدراسات الأولى لتحليل النظم، بعد الاطلاع المباشر على النظم المعمول بها في جامعات مصر ولبنان وبريطانيا وفرنسا، والاطلاع على تجربة تونس... ومن ثمّ وضع التصاميم وبوشر العمل بدعم منحة من مؤسسة "فورد فاونديشين" بقيمة 50 ألف دولار وأُتبع بدعم أوروبي متعدد، وحتى من وزير العدل القطري في حينه (قبل هوجة فضائيات "الجزيرة").
المسؤول الأول عن البرنامج كان د. كحيل منصور، من حيفا، وهو أستاذ في جامعة "السوربون" الفرنسية، ومشرف أبحاث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وتوفرت في شخصه وعلمه صفات: الذكاء، والعلم.. والأهم الإدارة الجيدة.
الدخول إلى موقع "المقتفي" مجاني، مع اشتراك شكلي، ويحتوي على كافة التشريعات التي سُنّت في فلسطين، منذ العهد العثماني، مروراً بالبريطاني والأردني والمصري والإسرائيلي.. والسلطوي الفلسطيني. بعضها لم يكن تعريفها سهلاً كسارية المفعول، ولكنها موجودة بنصوصها الكاملة وأصلية.. وبأساليب بحث متطورة عن مثيلاتها في برامج جامعات ودول متقدمة وعريقة (لأننا بدأنا من آخر منجزات التكنولوجيا والإنترنت) وتتضمن نصوصاً كثيرة وأساليب بحث بالإنكليزية، أيضاً.
ما معنى هذا؟ جامعة بيرزيت تطورت من مدرسة إلى كلية، إلى جامعة قبل تأسيس السلطة الوطنية.. أي أن التعليم والعلم قبل السلطة والدولة بكثير.. وهذا، مثلاً، حال "معهد التخنيون" الإسرائيلي، الذي تأسس العام 1912 من قبل يهود ألمان (كان التعليم فيه بداية بالألمانية) وكذلك فإن "الجامعة العبرية" أقيمت في العام 1924.
بعض جامعات أوروبا تأسست في القرن السادس عشر، وبدايات "جامعة دمشق ـ معهد الحقوق" مثلاً تأسست مطلع النصف الأول من سنوات عشرينيات القرن العشرين، وتعتبر كلية الطب في الجامعة المذكورة فخر كليات الطب في الجامعات العربية.
جامعة بيرزيت حديثة العهد نسبياً في عمر الجامعات العالمية العريقة، وهي تفتقر إلى التقاليد الأكاديمية أحياناً، وبخاصة من جانب بعض طلابها، الذين لا يطيقون سماع "الرأي الآخر" كما في مقاطعة وزير العمل ـ عضو اللجنة التنفيذية أحمد المجدلاني، ومن قبل القنصل البريطاني في القدس، ومن قبل السياسي الفرنسي ليونيل جوسبان.. هذا في حقبة السلطة، وقبلها ضرب بعض الطلاب أستاذهم سري نسيبة لآرائه السياسية، منتصف ثمانينيات القرن المنصرم.
صحيح، أن "بيرزيت" رائدة التمثيل النسبي في انتخابات مجالس الطلبة، لكن العلاقات عكرة مع عمادة الجامعة، وبعض الطلاب يقاطعون المحاضرين بتهجمات لفظية وجسدية وشخصية غير لائقة.
.. وهذا هو الوجه القاتم في "أم الجامعات الفلسطينية" وتحاول عمادة الجامعة الحالية مع البروفيسور خليل الهندي إرساء تقاليد ديمقراطية وأكاديمية.
مصر التي لا تنحني ...
بقلم: طلال عوكل – الايام
قبل يومين فقط مرت الذكرى الأولى لاندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر الكبيرة، وكنا نتمنى أن تعم الاحتفالات كل انحاء مصر والوطن العربي، غير أن الأمور سارت بعكس ما تشتهي المراكب.
لسنا بصدد الخوض نظرياً في المصطلحات، وما إذا كان ما جرى في مصر فصلا بل الفصل الأهم في الربيع العربي، أو ان كان من الصحيح أن نطلق على ما جرى ويجري ربيعاً أم خريفا، أو ما اذا كان ما وقع في مصر قبل ثلاث سنوات ثورة أم انتفاضة أم هبة شعبية، أم انقلابا، إذ ليس لنا الا أن نتبنى الفهم المصري الذي اجتمع عليه كل المختلفين، والذين يعتبرون ما جرى ثورة شعبية.
كما أننا لسنا بصدد اجترار تقييماتنا السابقة، بشأن الاخطاء والخطايا، والسلبيات والإيجابيات التي رافقت الثورة منذ يومها الأول وحتى اندلاع الثورة الثانية في الثلاثين من حزيران العام الماضي، ولسنا في الوقت ذاته مضطرين للانضمام إلى جولة المطبلين والمزمرين لهذا الطرف أو ذاك.
ما يجري في مصر، هو إلى حد بعيد، العامل الأساس، الذي يقرر الوجهة العامة، التي تسير نحوها الأمة العربية، فصلاح الأمة وتطورها من صلاح مصر، أما بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين فالأمر أبعد من ذلك كثيراً، فصداع مصر، يتسبب لنا بصداع نصفي مؤلم، والواقع القائم يشهد على ذلك، إن لم تكن كل وقائع التاريخ المعاصر والقديم.
لقد اختارت الولايات المتحدة، أن تبادر لتحريك عملية التسوية، في ظل ظروف مقروءة بالنسبة لهم، ومناسبة جداً لإسرائيل، ذلك أن ولاة الإدارة، الأميركية يعتقدون أن الأوضاع العربية وفي القلب منها أوضاع مصر، تجعل الفلسطينيين أيتاماً، مستعدين للخضوع، ولتقديم كل التنازلات، التي تتيح توقيع اتفاقية سلام، هي أقرب إلى الاستسلام، دون أن تتضرر الشروط والمطالب الإسرائيلية عالية السقوف.
لن تنجح الولايات المتحدة في تحقيق ذلك، فمهما بدا الوضع العربي صعباً، مشتتاً، منشغلاً في أوضاعه الداخلية، فإن الفلسطينيين لن يرفعوا الرايات البيضاء وسيترتب عليهم أن يدفعوا أثمان تمسكهم بحقوقهم، وأن يدفعوا أيضاً أثمان الوضع العربي الرديء.
ما يجري في مصر، يثير أسئلة كثيرة، وصعبة، أهمها، سؤالان: الأول، هو من أين جاء كل هذا العنف الذي لا يرحم، وهل كان وجود الجماعات التكفيرية في سيناء فجائيا، أم انه موجود منذ فترة طويلة، ولماذا لم تظهر براعة هؤلاء واستعداداتهم للتضحية، ضد إسرائيل؟ أما السؤال الثاني فهو، هل تعتقد جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومن يشايعهم، بأن سبيل العنف الجاري، في مختلف أنحاء البلد، يمكن أن يعيدهم إلى السلطة، أو يقدم خدمة ما لبلد، يحتاج إلى الاستقرار والتكافل، من أجل النهوض بالأهداف التي قامت من أجلها الثورة؟
السؤال الأول يلقي بظلال كثيفة على كل حالة الجماعات التكفيرية والإرهابية بكل مسمياتها في المنطقة العربية، والتي يظهر العدد الأكبر من هذه المسميات في سورية، ومعظمها ينتمي إلى القاعدة، فكراً وسلوكاً، حتى لو لم تكن هناك صلات تنظيمية، أو لوجستية.
لماذا لا تفعل ولم تفعل كل هذه الجماعات، شيئاً ضد إسرائيل والولايات المتحدة، لكنها تبدع في استخدام العنف المقيت ضد الشعوب العربية بمسلميها ومسيحييها، وأقلياتها العرقية، والدينية.
إلى متى يستمر هذا النهج الذي يعطي الأولوية لقتال الأشقاء، والأهل، قبل قتال رؤوس الكفر، والمستعمرين، الذين يستبيحون المقدسات الإسلامية والمسيحية، في القدس ويستبيحون أرض فلسطين؟
إن ما نشاهده من عنف مفزع، ومقرف على الفضائيات، في العراق، وسورية وفي ليبيا، واليمن، على يد هذه الجماعات ينطوي على إساءات بالغة للإسلام والمسلمين، دون أن يحقق للمسلمين أية فائدة، فلا كل هذا العنف أدى إلى تحسين صورة الإسلام، على إقامة أنظمة إسلامية، ولا يخلف وراءه سوى الدمار والخراب.
الدمار والخراب، هو الهدف الذي لطالما سعت إسرائيل، والولايات المتحدة إلى تحقيقه خصوصاً في الدول العربية المركزية، والمحيطة بفلسطين، ومن أجل حماية أمن إسرائيل ومصالحها، وإطالة عمرها، ومن أجل استعباد شعوب الامة العربية والامة الاسلامية، ونهب ثرواتها.
أما بصدد السؤال الثاني، فإنني أعتقد جازماً أن استمرار جماعة الإخوان المسلمين ومن يشايعهم في مصر، في استخدام العنف، وبث الفوضى، والفرقة في المجتمع المصري، لن يعيد لهم مجدهم الذي فقدوه خلال عام واحد من حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، ولن يساهم في تحقيق الحد الأدنى من أهداف الثورة التي شاركوا فيها بقوة، سواء من موقع الشريك الأول أو من موقع الملتحق بالثورة.
لن نعود إلى فكرة انقلاب أم ثورة، فنحن أمام واقع محدد ومشخص وعلى السياسة الحكيمة أن تتبصر بواقعية، ما يجري، وأن تقود خطواتها وسياساتها ومواقفها بناء للمصالح الوطنية العليا، التي تضعها كل الأحزاب السياسية على رأس برامجها.
إن استمرار العنف ضد النظام والمجتمع لن يجلب للمصريين سوى توسيع الثغرات والشقوق التي يمكن أن تغري الآخرين بالتدخل، ولن يجلب للمصريين سوى المزيد من الخراب والدمار، وكراهية الطرف الذي يمارسه، وهو لن يؤدي بأي حال إلى وقف المسيرة التي اتخذتها خارطة الطريق، وبدأت بنجاح عملية التصويت على الدستور.
إن ما يجري في مصر، ينتمي إلى التغيرات التاريخية التي تستغرق وقتاً، وتستدعي دفع أثمان مقابل الأهداف الكبيرة والنبيلة التي يرفعها الثوار، ولذلك فإن العنف الذي يتجول في مصر، ليس سبباً للقلق، والاحباط، أو الخوف من الفشل.
بقيت ملاحظة أخيرة أو نصيحة، تتصل بالجدل الدائر في مصر، ويعبر خلاله بعض السياسيين عن مخاوفهم من ترشح وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي للرئاسة، الملاحظة تقول إنه ليس بالضرورة أن يكون المستبد عسكرياً، وليس بالضرورة أن يكون العسكري مستبداً.
فالأصل هو النظام، ومنظومة القوانين التي تحدد طبيعته وآليات عمله، فإن كان النظام يلزم الحاكم، بالعودة إلى صناديق الاقتراع كل أربع أو خمس سنوات، فما الضير في أن يكون السيسي، أو غيره في موقع الرئاسة؟
تونس: عبقرية التوافق وروح خير الدين باشا
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
آن لروح المصلح الدستوري الكبير خير الدين تونسي (1830-1889) أن تهدأ، ذلك أن التونسيين الذين حلم بأن يمارسوا حياة سياسية عصرية قائمة على الانتخاب الحر والدستور، وبما يقرر ويرسخ مبادئ العدل، والمساواة، والحرية، يقرون اليوم دستوراً عصرياً ومدنياً بروح توافقية حرة. خير الدين باشا كان مهجوساً بالإرادة الحرة، يكتب ويؤكد أن الرجال الأحرار هم وحدهم من يبنون مجتمعات ودولاً قوية.
التهم التونسي، القوقازي المولد، العثماني التوجه، التنويري الثقافة، الباريسي القراءات، أفكار عصره، وأدرك أن "أقوم المسالك في أحوال الممالك" يتأتى من انتمائها إلى زمنها، واستيعابها لما انتجته الشعوب والحضارات. وترجمة ذلك كله على صعيد جماعي عريض لا يتم إلا من خلال التعليم، وهناك كان هاجسه التقني الأكبر. تماماً كما كان مجايله المشرقي رفاعة رافع الطهطاوي مهجوساً ومهموماً في التعليم، كان خير الدين صاحب قناعة تقترب من القناعات الدينية بأولوية تنوير الأجيال وتعليمهم. لا ينبني الاقتصاد المتين، ولا الجيش القوي إلا على التعليم، هذا ما كان مترسخاً في وعيه ووجدانه. بيد أن الاقتصاد والجيش القويين ليسا سوى مناخ الحماية لما هو أهم: العدل، والمساواة، والحرية، وهي ما يلهج به السياسي الناشط آنذاك، وهي الروح التي كان يبثها في مستقبل تونس.
دستور تونس ما بعد الثورة الذي صاغه المجلس التأسيسي "فصلا فصلا" هو أرقى وثيقة دستورية مدنية تضبط الاجتماع السياسي في فضاء عربي منذ دستور المدينة في العهد النبوي. جوانب أهميته عديدة، بعضها وربما أهمها يتعلق بالتمرين والممارسة السياسية والديمقراطية الطويلة، التي خاضها الأطراف والخصوم في هدف الوصول إليه، والجوانب الأخرى تكمن في النص المُنتج ذاته وسماته القانونية والمدنية المتفوقة.
هذا الدستور إنتاج توافقي يمثل خلاصة جدل وسجال وخلاف ووفاق وتنازلات مُتبادلة من قبل الشرائح الأوسع تمثيلاً للتونسيين، وليس وثيقة فوقية صاغها شخص أو سلطة دكتاتورية وفرضها على الجميع. يمكن بكل ثقة القول إن الدستور هو وثيقة الشعب التونسي وثورته. بالتأكيد هناك ما يمكن نقده في الدستور الجديد واقتراح صيغ لمواد أفضل، لكن الأفضل الخلافي وغير لا معنى له أو فائدة منه، ويبزه الأقل فضلا والمتوافق عليه.
هنا بالضبط تكمن إحدى فضائل الديمقراطية وهي التمرين الصعب والمرير والمديد على الحوار والتنازل للأطراف الوطنية الأخرى، للوصول إلى المساحات المشتركة الوسطى، حيث يلتقي الجميع أو معظمهم على قاعدة المشاركة بالحكم وليس الاستئثار به. وهذه الممارسة الديمقراطية التي شهدناها في تونس، على اختلالتها وبطئها وما بثته من احتجاج بل وحتى حنين للعهد البائد بسبب غموض مساراتها وتعثر إنجازاتها الآنية هي الجوهر المهم في عملية إنتاج الدستور والتوافق عليه. في هذه العملية الطويلة صارت الغالبية السياسية تدرك بالممارسة والمعايشة، وليس بالتنظير الترفي، معنى السياسة الديمقراطية، حيث تتكبل أيادي كل طرف عن البطش بالأطراف الأخرى، وعدم إمكانية فرض ما يريد عليهم. تتحرك الكتلة السياسية الأهم والنخب في قلبها إلى الأمام، ببطء ممل، لكنه مترسخ على مبدأ جوهري هو "حتمية التعايش" مع الخصوم السياسيين، وهو الأمر (المرير ربما) لكن الذي لا مناص عنه.
التجربة التونسية تنتزع الإعجاب في وسط عواصف الفشل العربي والإقصاء والتشنج والدم المُراق في التجارب المشرقية، والتي أحالت "ربيعها" إلى خريف باهت. الفرادة الكبيرة والمُلهمة في التجربة التونسية تكمن في عبقرية التوافق وكبح جماح شبق وشهوة الاستئثار بالسلطة أو القرار. لم يتم ذلك من خلال مسيرة هادئة ووئيدة، بل على العكس كانت صاخبة، ومتوترة، وشهدت فصولا صعبة، جرتها إلى حواف الهاوية في اكثر من مفصل زمني. لكن عقلانية ووسطية التوانسة ظلت هي الظافرة تسحب الجميع من تلك الحواف وتعيدهم إلى الوسط. في قلب الوسط كان كان حجر الزاوية متمثلا في فكرة ضرورة اللقاء بين "الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين المعتدلين" وتكوينهم كتلة مستقرة تقوم عليها المسيرة السياسية، وتتمثل حزبيا ومؤسساتيا بـ ترويكا "النهضة" و"حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل الديمقراطي".
مثل هذا الوسط السياسي الإطار العريض للتوافق والاعتدال التونسي والسد الذي وقف في وجه التطرف الديني الأصولي من جهة والتطرف الحداثوي العلماني من جهة أخرى. في التمسك بهذا الوسط كان على الرموز السياسية والقيادية أن تقدم تنازلات كبيرة وأحيانا ممضة. كان على راشد الغنوشي أن يدين بالفم الملآن إرهاب السلفية الجهادية التي انتقلت من التكفير إلى التقتيل في تونس. وكان على المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر أن يدينا الخطاب والممارسة المتطرفين لأصوليي الحداثة والعلمنة في تونس، وهي مواقف لم يكن بالسهولة تبنيها واجتراحها.
فضلا عن الآلية والتجربة والسياسة التي عكست نضجا متطورا باضطراد، هناك النص الدستوري نفسه وروحه المدنية المتميزة. الدستور التونسي الجديد يتشرب معاني المواطنة والمساواة والمدنية والحرية الفردية. يعكس انهماكاً بحرية الأفراد وكرامتهم والمساواة بينهم، ولا يعكس خوفا وتوترا لا حاجة لهما حول الهوية وتعريف الذات. منذ منتصف القرن التاسع عشر وسؤال الهوية و"من نحن" يطرق رؤوس المفكرين والمنظرين والأحزاب الأيديولوجية وصاغة الدساتير المسلوقة، وينهكهم ويضيع جهودهم. ثم أصبح هذا السؤال المفتعل وغير العملي، "من نحن"، الهاجس الأكبر للحركات الإسلامية التي طغت على الساحة منذ نصف قرن تقريبا. وإحدى المشكلات الكبرى في هذا السؤال المفتوح والذي لا يمكن غلقه لأنه متعلق بالهويات المتغيرة فرديا وجماعيا، إن تناوله دستوريا وقانونيا لا بد وأن يقود إلى قوننة ودسترة العنصريات الإثنية أو الطائفية. الإجابة الوحيدة الفعَالة عليه هي "المواطنة الدستورية": كل فرد في الدولة المعنية هويته تتمثل في مواطنته وانتمائه للدولة وفق تعريف دستوري يحدد الحقوق والواجبات، وليس الانتماءات الإثنية أو الدينية أو الهوى الأيديولوجي.
كل الدساتير العربية بلا استثناء تورطت في سؤال "من نحن" وبدأت به، ثم ارتبكت، وأدى ارتباكها إلى تقسيم مواطنيها بحسب دينهم أو عرقهم. في الدستور التونسي الجديد ليس هناك غرق في هذا السؤال، بل تأكيد على مدنية الأفراد ومواطنتهم. وفيه تحييد للدين بطريقة إيجابية وإناطة مسؤولية حماية الاعتقادات والحريات إلى الدولة، بما في ذلك حرية "الضمير" أي الاعتقاد والإيمان بأي معتقد. ينص الدستور أيضا، في واحد من أهم أوجه الفرادة فيه السياق العربي والإسلامي، على حظر استخدام المساجد للأغراض السياسية. ومناط الفرادة هنا يتمثل في قناعة حزب النهضة الإسلامي بهذا النص وإقراره له، وهو ما يُسجل لإسلاميي تونس، وهو للإنصاف ليس موقفا انتهازيا بل هو قناعة لديهم تمثلت في عدم توريطهم للمساجد في الدعاية الحزبية، وفي تخييرهم لأحد أئمة المساجد التابعين للنهضة بين استمراره في موقعه كإمام مسجد، أو الترشح للانتخابات النيابية، لأنهم لم يسمحوا له بالجمع بين الموقعين: النيابة، وهي السياسة، وإمامة المسجد وهي الدين. لعلنا سنرى على ارض تونس ما كان قد كتبه وحلم به وزيرها خير الدين باشا على الورق قبل أكثر من قرن!
السلام الأميركي
بقلم: عاطف أبو سيف – الايام
يدرك جون كيري أن مهمته دخلته ثلثها الافتراضي الأخير، إذ أن نهاية نيسان ستعني انتهاء المدة التي نجح في انتزاعها من الطرفين لتحقيق إنجاز في ملف الصراع الأكثر تعقيداً في العالم. لم يملك الرجل الكثير من الوقت، وهو إن أراد أن يطلب تمديد "عقد الإيجار" فعليه أن ينجح على الأقل في إحداث تقدم ما. من المشكوك فيه أنه سينجح حتى ذلك الوقت، إذ أن جملة التصورات التي يقدمها تثير شكوكاً أكبر حول حقيقة ترجمته لما سمعه من مطالب، خاصة من الطرف الفلسطيني، بالقدر الذي يبدو من ردة الفعل الإسرائيلية أن كيري لا يفلح كثيراً في صياغة هواجس إسرائيل الأمنية باللغة نفسها التي يحترفها نتنياهو وبينيت وليبرمان – وكما يرغبون له.
كيري المتحمس بذل جهداً كبيراً مع الجانبين في سبيل الوصول إلى قواسم مشتركة، لكنه في نهاية المطاف وصل إلى نتيجة خاطئة حين ساوى بين الحاجة الوطنية الفلسطينية لإقامة دولة مستقلة، وبين المزاعم الإسرائيلية بالأمن. لقد سار الرجل في الطريق الخطأ حين وقع ضحية "البعبع" الإسرائيلي الذي يسمى الأمن، أو مثلما يقول المثل الشعبي "خذوهم بالصوت".
لقد أخذ كيري بالصراخ الإسرائيلي متناسياً أن أصل الصراع في المنطقة أن ثمة شعباً يبتلع حقوق شعب آخر، وأن هذا الشعب المبتلعة حقوقه هو آخر شعوب الأرض وقوعاً تحت الاحتلال الكامل بما تحمله الكلمة من هيمنة ومصادرة وقتل وتنكيل والأهم تغييب للحقوق السياسية.
يبدو أن كيري لم يقرأ كثيراً في كتب التاريخ ليعرف أصل المشكلة، أو هو قرأ ما وفره له أصدقاؤه من "إيباك" أو "جي ستريت" أو أعضاء الكونغرس من الموالين لإسرائيل، ونسي أن الفصل الأكثر دراماتيكية في هذا الصراع عنوانه "النكبة". أو هو فعلاً لم يعرف شيئاً عن وصول المستعمرين اليهود إلى فلسطين، التي كان فيها قبل وصولهم ثاني أكبر صحيفة انتشاراً في الوطن العربي حين لم يبلغ سكان فلسطين المليون والنصف مليون، وفريقها لكرة القدم كاد يكون أول فريق عربي يتأهل لكأس العالم، ناهيك عن مسارحها ودور السينما ومصانعها ونقاباتها ومدارسها التي كانت تستقطب طلاباً من كل الوطن العربي الكبير.
يبدو أن كيري يجازف بالخسارة، وهذه المرة قرر أن يصطف بشكل كامل وراء الرواية الإسرائيلية. صحيح أن التاريخ مؤلم، ولكن أي واقع هذا الذي يمكن أن يتم بناؤه على تاريخ مزور. إن الرجوع إلى أصل الصراع - كما للمفارقة يصر نتنياهو ولأسباب أخرى - يمكن لها أن تكشف لكيري الكثير من الأزمات. الغريب أن كيري لم يسمع نصيحة نتنياهو بالعودة لأصل الصراع، حيث، وكما يزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن أصل الصراع هو هجوم أهل يافا على المستوطنين اليهود الذين وصلوا لعروس الساحل الفلسطيني من أوروبا عام 1921. بالطبع نتنياهو كان سيمتعض لو سأله كيري إذا ما كان هؤلاء المستوطنون جاؤوا من خارج البلاد.
إن السلام على الطريقة الأميركية لا يهم الفلسطينيين كثيراً. حيث إن شعباً أراد أن يعيش بسلام ولو لبعض الوقت قبل أن يفاوض أعداءه على عشرين بالمئة من أرض الآباء والأجداد لم يكن ينتظر من كيري أن يعيد صياغة المطالب الإسرائيلية له بلغة مختلفة. السلام الأمني والاقتصادي الأميركي وفق الرواية الإسرائيلية وبإخراج طاقم كيري لا يلزم الفلسطينيين كثيراً. لم يقل الفلسطينيون لكيري ما قالته اليمامة ابنة كليب للعرب "أريد أبي حياً"، لكنهم أيضاً لن يقبلوا أنه يكونوا ضحية رغبة كيري بالحصول على جائزة نوبل للسلام أو بنزيناً يدفع ماكينة ترشحه للرئاسة في المرة القادمة.
ليست المشكلة بإيجاد حلول أمنية تكفل أن تغلق فم الطفل الإسرائيلي المدلل الذي يشتكي نقص الأمن فيما هو يمتلك السلاح النووي والطائرات الزنانة ودبابات الميركافاة وصواريخ حيتس. إن السؤال الأمني الذي يجب صياغته بطريقة أخرى هو: كيف يمكن بعد أن ينال الفلسطينيون استقلالهم أن يضمنوا أمنهم أمام الغول الإسرائيلي. لكن كيري وكما أراد نتنياهو وقع في الشرك، فصاغ السؤال بطريقة معاكسة. فبدلاً من الانشغال بتلبية حاجة الفلسطيني للأمن، انشغل في سبل الاقتطاع من الجزء القليل من الأرض المخصص للدولة الفلسطينية لحماية إسرائيل. وربما لو أعمل مساعدوه عقولهم قليلاً لصار اقتراحهم: لماذا لا تقتطع إسرائيل من ارضها لإقامة مناطق عازلة بينها وبين الفلسطينيين إذا كانت حقاً مرعوبة منهم، كما أن أي حاجة أمنية لتواجد فيزيائي ومراقبة على طول منطقة الأغوار طالما ثمة اتفاق سلام بين الأردن وإسرائيل.
لكن المؤكد أن هذه لم تكن هواجس كيري بالمطلق، ولم تشغل بال الفريق المساعد، بقدر ما كانوا منهمكين في كيفية تخريج المطالب الإسرائيلية وتكييفها بلغة وتصور أميركيين. وعليه جاء كيري باتفاق الإطار الذي سيقدر له بالطبع لو تم - لا سمح الله - أن يعيش عشرين سنة.
لقد استبقت إسرائيل الأمر بشن حملة على الرئيس محمود عباس الذي نجح بأدوات مختلفة في إضعاف إسرائيل دولياً وفي جعل العالم – في سابقة من نوعها - يقف دفعة واحدة خلف المطالب الفلسطينية.
بدأ الأمر منذ جلسات كيري الأولى ونجاح الفلسطينيين بإطلاق سراح أسرى ما قبل أوسلو. ثمة وعود لا يمكن لأحد إلا أن يلتزم بها، وثمة ثوابت هي جوهر العمل السياسي الذي وفقه يمكن للحقوق الوطنية ان تنتزع. يبدو أن كيري لا يفهم ذلك، ويظن أن تحقيق السلام في الشرق الأوسط يمكن له أن يكون على حساب أحلام أطفال عين الحلوة وجباليا بوطن يعيشون فيه بسلام.
بوادر خير قادم
بقلم: سميح شبيب – الايام
ما تشهده غزة، من احتفالات واستقبالات وطنية، بمناسبة وصول مسؤولين من حركة فتح، بات يوحي بوضوح، بأن الإرادة الشعبية والرغبة الوطنية، لا تزال على حالها، وهي حالة الوحدة الوطنية وضرورة تجاوز حالة الانقسام السياسي والجغرافي.
كان واضحاً للعيان، ومنذ الحسم العسكري الذي قامت به حركة حماس، بأن ما نتج عنه هو حالة طارئة لا يمكن القبول بها شعبياً، وبأن البحث عن نقاط الالتقاء ما بين القوى المختلفة، هو الطريق الأقصر لتجاوز الحالة القائمة.
تم تغذية نقاط الخلاف وتعميقها بوسائل عدة، ولاقت تلك التغذية قبولاً من بعض الأوساط، لكن حقيقة الأمر، بقيت على حالها، وهي أن حالة الانشقاق، حالة ضارة بالجميع الوطني، وبأنها تشكل عقبة في وجه الوطنية الفلسطينية بالاجمال، ذلك أنه لا يمكن لشعب منشق على نفسه، أن يقرر مصيره بنفسه.
وصلت الأمور إلى حد الضرورة، ضرورة الالتقاء وتجاوز الخلاف، وبأن المشروع الوطني برمته، بات مرهوناً إلى تلك الضرورة.
هنالك نقاط الائتلاف، ثم التوافق حولها سابقاً، وهي نقاط مهمة للغاية، وهنالك نقاط تبرز الآن، ويتم التوافق حولها. لعل أهم وأبرز ما تم التوافق عليه سابقاً، هو ضرورة الإسراع، بالتحضيرات الجدية لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وذلك بتجديد السجل الانتخابي، والاستعداد ميدانياً لإجراء تلك الانتخابات، بشكل حر ونزيه ومراقب وشفاف، دون الاحتكام لصندوق الاقتراع، ستبقى الأمور غير محسومة، وغير مفهومة في آن.
هنالك وعي شعبي واسع، لتلك الحقيقة، وأهميتها، ولا أبالغ قولاً، بأن الشارع الفلسطيني، بات مهيئاً لإشاعة أجواء الانتخابات، وخلق المناخات المناسبة لإجرائها، بما يكفل المصالح الوطنية الفلسطينية، والحفاظ على الكيانية السياسية، عبر أجواء خطرة، نشهدها جميعاً، خاصة المتعنتة، الأمر الذي يمهد لمرحلة جديدة قادمة، في النضال الوطني الفلسطيني.
ما يلزمنا الآن، هو تحشيد المواقف حول نقاط الائتلاف وتعزيز تلك النقاط، وصولاً إلى حالة التلاقي حول القضايا الوطنية الأساسية ـ الكبرى وهو أمر متاح وممكن. وبالتالي الابتعاد، قدر الامكان عن نقاط الخلاف، أو ما يمكن أن يفضي لتلك النقاط. العمل المشترك في ظل الخلاف، أكثر فائدة وحكمة من العمل على أساس الخلاف. القضية الوطنية تتسع لخلافات داخل بوتقة العمل المشترك، لكن الوطن لا يتسع لممارسة الخلافات على أساس الانشقاق الجيو ـ سياسي.
حـكـمــة الإصـغــاء
بقلم: غسان زقطان – الايام
يبدو أن على الفلسطينيين في هذه المرحلة استعادة مهارات الإصغاء وحكمته، الإصغاء إلى الزلزال، وتأمل اتجاهاته وممراته وأذرعه، الإصغاء إلى ميادين وشوارع مصر حيث المواجهة تأخذ بعدها الأقصى بين "الإسلام السياسي" الزاحف برؤاه ومفاهيمه للحكم والدولة والمجتمع، وبنية الدولة الوطنية في المنطقة الممثلة بنموذجها الأهم في الدولة المصرية.
الإصغاء لأصوات الحرب وفوضى الاصطفافات وتعثر خطاب الثورة المخطوفة في سورية، وتبين الصوت الحقيقي للثورة وتنظيفه وتنقيته من الارتباك الذي أحدثه زحف المجموعات الظلامية على الأرض السورية والثقافة السورية العميقة الجذور، فيما يشبه تصفية حسابات مع تاريخ حضاري متجدد وجد امتدادا له في انطلاقة الثورة في سورية، وأهدافها التي دافعت عن حق المواطنة لكافة مكونات المجتمع السوري وأطيافه والديمقراطية ووحدة التراب، هناك بالضبط تكمن روح الثورة ونداؤها، وتلك هي النواة الحقيقية، الصياح الذي يرتفع تحت أسماء غريبة من نوع داعش والنصرة... الآن لا يشبه تلك النواة ولا يمثلها، صراخ خارج السياق وخارج الزمن ولا يملك تربة في سورية ليمد جذوره.
الإصغاء إلى الصوت الخافت للرمل الذي يتسرب من الساعة المعلقة في أحلام الناس كلما ارتكبت حماقة، أو أدلى مسؤول بتصريح أو موقف محاولا منح مصلحته الشخصية أو فهمه الخاص مسحة وطنية.
الإصغاء إلى أصوات البيت وهموم ساكنيه، المصالحة على سبيل المثال، التي تسري مسرى الخديعة وتكتسب صفاتها تحت سمع الناس ونظرهم، حماس التي تواصل بناء سلطتها الانفصالية وتعزيزها تحت مظلة هدنة هشة زمامها بيد الاحتلال، وتواصل في الوقت نفسه اداء دورها في "المصالحة"، وفتح التي تتجاهل حاجتها لتصفية خلافاتها، وانقسامها العميق تحت السطح، وتتجاهل في الوقت نفسه حاجتها وحاجة المشروع الوطني لوحدة اجنحتها في اطار الاختلاف والتعددية، الذي حافظ على وجودها خلال عقود طويلة وعبر بها ارض الزلازل. تلك هي أولوية تسبق البحث عن "المصالحة" ينبغي تأملها بعمق ومسؤولية وطنية.
الإصغاء إلى أصوات جنازير الميركافا وجرافات الـ (D9)، ومواكب القبة الحديدية وهي تتجه نحو الشمال لتصفية الحساب مع "حزب الله" الغارق في الكمين السوري، أو تلك المتجهة للجنوب للبحث عن ذريعة جديدة لقتل الفلسطينيين تنقذ الاحتلال من استحقاقات الجلاء عن الأرض الفلسطينية، وتنقذ الانقسام الفلسطيني وتنقذ حماس من كابوس المصالحة.
تغريدة الصباح - المحبّة ام الكراهيّة ؟
بقلم: محمد علي طه – الحياة
سُئل المفكّر والكاتب الرّوائيّ الايطاليّ الكبير امبرتو ايكو عن السّرّ الخفيّ الذي الهمه روايته الرّائعة "اسم الوردة" التي تُرجمت الى عدّة لغات عالميّة وبيع منها ملايين النّسخ فاجاب: شدّة كراهيّتي للرّهبان.
هذه الاجابة الحادّة اذهلتني وجعلتني افكّر بعمق لفترات طويلة ومتكرّرة بفحواها وابعادها، فلا يُعقل ان يلقي الكلام على عواهنه مفكّر كبير وروائيّ عالميّ واستاذ جامعيّ له تاثير كبير على طلابه وقرّائه مثل امبرتو ايكو. ووقفتُ والاصحّ توقّفتُ مليّا امام السّؤال الصّعب: هل المحبّة ام الكراهيّة هي ينبوع الابداع ؟
يحبّ الانسان الطّبيعة: جبالها وسهولها ومروجها ووديانها وانهارها واشجارها وازهارها ونباتاتها وعصافيرها وفراشاتها فيكتب القصص وينظم القصائد ويؤلّف الاغاني والسّمفونيّات ويرسم اللوحات في مديحها. ويحبّ الرّجل المرأة او تحبّ المرأة الرّجل فيبدع القصائد والقصص والروايات والاغاني والموسيقى والرسومات معبّرا عن هذا الحبّ. ويحبّ المناضل والثّائر الحريّة فيحلّق في التّغنّي بها.
لولا حبّ الحريّة ما قرأنا قصائد لوركا واراغون وناظم حكمت ونيرودا وبرخت. ولولا حبّ الرّجل للمرأة ما قرأنا قصائد عمر بن ابي ربيعة وابن الملوّح ونزار قبّاني. ولولا حبّ الانسان للطّبيعة ما قرأنا اعمال جون كيتس ووليام وردزورث وجبران خليل جبران. ولولا حبّ المرء لوطنه ومسقط راسه ما قرأنا روايات نجيب محفوظ وامين معلوف والطّاهر وطّار ومحمد ديب. ولولا حبّ الانسان للحياة ما كتب اليونانيّ نيكوس كازانتيزاكيس رائعته "زوربا اليونانيّ.
يقولون انّ الحبّ يفعل المعجزات وامّا امبرتو ايكو فيرى انّ الكراهيّة قد فعلت المعجزة معه.
لولا كراهيّة ليون تولستوي للحرب وللجنرال نابليون بونابرت الذي غزا روسيا ما كانت رائعته الخالدة "الحرب والسّلام". ولولا كراهيّة عبد الرّحمن منيف لحضارة النفط وما ترتّب عليها ما كتب عمله الرّوائيّ الكبير "مدن الملح".
قد نطرح امثلة عديدة في المحبّة والكراهيّة، في الشّعر وفي النّثر، كما تجيب على سؤالنا ايضا لوحات فنيّة خالدة للفنّانين العظماء امثال فان كوخ وبابلو بيكاسو ودافينتشي ومؤلفات موسيقيّة لبيتهوفن وموتسارت وباخ و"بحيرة البجع" لتشايكوفسكي.
ويبقى السّؤال الكبير الحادّ: المحبّة ام الكراهيّة ام كلاهما ينبوع الفن والعطاء والابداع؟
قد يجد كلّ مبدع سواء كان شاعرا او روائيّا او رسّاما او موسيقيّا او غير ذلك اجابة على هذا السّؤال في اعماله، ولكن يرحل الانسان من على الارض ومن الحياة وتتلاشى الكراهيّة في الفضاء او تُدفن في لحده وامّا الحبّ فيبقى على وجه الارض وبين البشر.
الحكيم .. في ذكراه 2 من 2
بقلم: عدلي صادق – الحياة
لم يكن يريد العودة الى الجامعة. اصطخب في رأسه السؤال: "كيف نعود الى اللد والى كل فلسطين المحررة؟". لكن أمه هتفت:"يا إبني الله يرضى عليك، لازم ترجع الى الجامعة". استجاب لهتاف الأم التي كان يحبها كثيراً ويتعلق بها، فقد تبقت لديه ثلاثة أعوام دراسية.
في جامعته، كان المؤرخ الدمشقي قسطنطين زريق هو قبلته الأولى. فالرجل هو رئيس الجامعة بالوكالة، ومثقف موسوعي تخصص في التاريخ وثابر عليه بذهنية شاب متفوق في الرياضيات التي درسها في المرحلة الجامعية الأولى. وقسطنطين، هو صاحب كتاب "الوعي القومي" بعد كتابه عن "النكبة" وقد درس في اثنتين من أعرق الجامعات الأمريكية، وأصدر "الكتاب الأحمر" الذي اعتبره القوميون ميثاقاً للعمل القومي المغاير للشيوعية!
في مناخ الجامعة، وفي خضم النشاط الطلابي، بدأت أولى مقاربات "جورج" لإطلاق حركة سياسية. فهدف تحرير فلسطين، لن يتحقق إلا من خلال وحدة الأمة. أنشأ "الحكيم" في شبابه اليافع، جمعية "العروة الوثقى" واجتذب المجتمع الطلابي. كان الاسم لمجلة أنشأها الشيخ الإصلاحي جمال الدين الأفغاني من غرفة على سطح أحد أبنية باريس لكي يدعو الى وحدة الأمة الإسلامية، لكن "جورج" أرادها وحدة عربية تساعد عليها وحدة التاريخ والثقافة واللغة والمصير. في ذلك السياق تواصلت الندوات لتطوير الوعي السياسي القومي لدى نخبة شابة متعلمة، وسط دياجير الجهل والتخلف. ومن "العروة الوثقى" كان الانطلاق نحو تأسيس حركة أوسع للتيار القومي، تستند أدبياتها الى كتابات قسطنطين زريق وساطع الحصري، الذي كان أب القومية العربية آنذاك. ومع زريق والحصري مفكرون من كل منبت ومذهب عربي. كان وجود المنافسين المنتمين لتيارات أخرى، بعضها قومية شاملة وبعضها الآخر قومية محدودة، كـ "البعث" و"القومي السوري"؛ يقتضي التركيز على الرؤية السياسية والتنظيم الحديدي. ولما سُئل "جورج" عن سبب الامتناع عن الالتحاق بـ "البعث"، قال إن أولويتنا القومية هي فلسطين والموقف من المشروع الصهيوني "ربما لأنني رأيت ما رأيت في اللد" حسب قوله. لكن "البعث" آنذاك لم يكن يركز على فلسطين، وهذا سبب أول. أما عن السبب الثاني فقد قال "الحكيم" بالحرف: في "مطعم فيصل" في الجامعة، كنا نرى شباب "البعث" يجلسون ويتمازحون وشعرنا بأنهم في واد ونحن في وادٍ آخر. كنا نؤمن بالتنظيم الحديدي، أي إن كل شيء للعمل، وقد أضفى ذلك علينا خصوصية معينة. كنا نمثل شيئاً جديداً، وهذا الشيء الجديد هو الذي جعل وضعنا في الأردن ينمو في غضون ثلاث سنوات لنصبح مثل "البعث" وأكثر. أما الاشتراكية فقد دار بعض النقاش في شأنها، وكان رأيي أنها تأتي في مرحلة لاحقة!
بدا من خلال الخطوات الأولى لحركة "القوميين العرب" أن التركيز كان على جوار فلسطين فضلاً عن قلبها. هنا، شكلت مواضع التركيز، عامل اجتذاب للعروبيين في كل أرجاء الوطن العربي. ورأى "الحكيم" أن تسمية التنظيم بـ "الحركة" من شأنه التوافق مع الطموح الى إطار يتسع للأمة العربية كلها، ما يعني أن هذه الأمة باتت في مواجهة المشروع الصهيوني. وكان "محسن ابراهيم" يريدها حزباً، لكن تسمية الحزب أضيق من تسمية الحركة!
عندما وقع الانفصال بين مصر وسوريا بفعل دسائس القوى المرتبطة بالإمبريالية والمتحالفة مع شرائح التربح في السوق؛ تأثرت توجهات "الحكيم" وتعززت وجهته للعمل الفلسطيني القُطري والإبقاء على ضرورة الترابط بين القومي والقُطري، وتأسست قيادة للقطر الفلسطيني، مع تشكيل نواة لتنظيم الحركة المسلح، وشجعه على ذلك الرئيس جمال عبد الناصر في لقاء "الحكيم" الأول معه، في العام 1964. وقد تهيأت الظروف، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1967 ليتم الإعلان في ختام مؤتمر بمدينة "جرش" عن قيام ائتلاف لمجموعات قومية ويسارية باسم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي شغل "جورج حبش" منصب أمينها العام. وكانت مجموعة "أحمد جبريل" مشاركة في الائتلاف. وكعادة "جبريل" كلما تعلق الأمر بالنظام السوري أياً كان الذين يحكمون أو يعترضون؛ أوقع هذا الموالي للأجهزة السورية الانشقاق الأول في "الجبهة" في تشرين الأول (أكتوبر) 1968 عندما اعتقل "الحكيم" في سوريا قبل ان يتمكن رفيقه المناضل "وديع حداد" من اختطافه، ليعود "الحكيم" الى الأردن ويجمع الغالبية العظمى من جسم "الجبهة". لكن الانشقاق الثاني بقيادة نايف حواتمة في شباط ربيع العام 1969 وقع على أسس تتعلق بالتنظير السياسي وبأساليب العمل الحزبي. وفي كل تلك المحطات، حافظ "الحكيم" على رباطة جأشه ومواقفه، وإن ارتبكت تجربة "الجبهة" وتبدلت تنظيراتها في محاولات التوفيق بين القُطري والقومي والأممي. رأى "جورج" أن القومية ستظل هي الإطار، بينما يكون الطموح الى الاشتراكية في المضمون. كان ذلك في زمن رواج الفكر الماركسي ووجود اتحاد سوفييتي قوي. غير أن طوفان الأحداث والتراجعات على صعيد أقطار الأمة وانهيار المعسكر الاشتراكي، كانت أسباباً لمواقف عملية في "الجبهة" تُجاري الواقع الفلسطيني والعربي، دون التماشي معه في التنظير. لكن "جورج حبش" ظل يحافظ على خصوصية مواقفه، راسخاً لا يفارق ما جُبل عليه، وقامةً لا تهزها الرياح، وبوصلة قياس للاتجاهات ولمعاينة المواقف والنصح السديد. كان متطيراً من "أوسلو" التي استعاد بعدها رؤيته وتنظيره الطبقي، ليضع ــ بطريقته ــ النقاط على الحروف: برجوازية تشارك في الكفاح الوطني، لكنها تتوقف أو تتلكأ عندما تحقق مصالحها الطبقية، ليبقى الفقراء والمظلومون والمستلبة حقوقهم يكابدون الواقع ويحاولون الاستمرار. لم يدخل، لا بجسده ولا بروحه، الى مشروع التسوية، وقال باختصار: لا يستطيع الإنسان أن يستحم في شُح المياه!
التجربة الشبابية للقائد هاني الحسن في الثورة الفلسطينية .. دروس وعبر
بقلم: مروان عبد الحميد – الحياة
ولد هاني الحسن في عائلة حيفاوية في المدينة التي كانت تعد عروس البحر الابيض المتوسط على ساحله الفلسطيني. وكانت هذه العائلة ميسورة الحال يرعاها الأب الذي كان القاضي الشرعي في المدينة. وربى الاب اولاده الاناث والذكور تربية دينية مبراةً من التزمت، وحرص على التعامل مع اولاده بمودة، وشجع الثقة بين الجميع وارسى بينهم تقاليد النقاش والحوار ودفعهم الى التعليم والمطالعة.
في كنف العائلة المتميزة، عاش هاني مع شقيقاته واشقائه. كان اخوه الاكبر منه هو خالد الحسن الذي سيهجّر من حيفا وهو فتى في مطلع شبابه، والذي سيحل مع الاسرة في دمشق، والذي سينضم الى فريق القادة الكبار الذين اسسوا "فتح" وسيحتفظ بعضويته في لجنتها المركزية حتى رحيله عن دنيانا. وبمساهمته البارزة في تأسيس فتح، كان القائد الشهيد ابو السعيد تخلى عن عضويته في حزب التحرير الاسلامي وبدا دوره الكبير في اعادة تأسيس الكيان الوطني الفلسطيني ومباشرة العمل الثوري الذي اتبعته "فتح".
وعلى الطريق ذاته، سار اخو هاني الثاني، علي الحسن، الذي تحرر مبكرا من تأثره بأفكار حزب التحرير الاسلامي، وانضم الى "فتح"، وصار واحدا من قادة الحركة المهمين.
الاخ الاصغر من هاني هو بلال الحسن، الذي اتبع طريقا اختلف عن طريق اخويه. انضم بلال منذ كان طالبا الى حركة القوميين العرب، ثم اسهم في تأسيس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ومثّل هذه الجبهة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ثم انتهى بلال الى ان صار الكاتب الكبير المستقل الذي عرفناه على مدى عقود.
وللاسرة ابن آخر، نأى بنفسه عن العمل مع الفصائل وركز جهده في العمل الخاص، دون ان ينأى عن مسيرة شعبه الوطنية.
بهذا ترون كيف نشأ حبيبنا هاني الحسن في بيئة اسرية تميزت بأمرين معا: الاول هو التمتع بالتعددية، واتباع منهج الحوار بين ابناء الاسرة، دون ان يؤثر اختلاف الاراء والمواقع على العلاقة الودية بين اعضائها، والثاني هو الانهماك في العمل الوطني الفلسطيني الذي تجدد بعد العام 1948، واشغال مواقع مهمة فيه.
لقد وجد هاني، وهو الطفلُ ابنُ العاشرة نفسه، ضحية العدوان الصهيوني على فلسطين، وكابد ما كابده جيله. التهجير من الوطن، وفقدان الحياة الميسورة التي حظيت بها اسرته في حيفا، والسير على طريق التشرد، والابتداء من خانة الصفر. وكان لهذه المكابدة تأثير حاسم على خيارات الطفل ومسيرة حياته كلها.
فور وصول الاسرة الى دمشق، انتسب هاني الحسن الى الصف الأخير من المرحلة الاساسية، في مدرسة دمشقية خاصة تدفع الاونروا رسوم تلاميذها الفلسطينيين. وتميزت هذه المدرسة واسمها الثانوية الاهلية، بوجود مدير لها يحفز على الروح الوطينة لدى تلاميذها، كما تميزت بما تميزت به كل مدارس دمشق في تلك الفترة، وهو وفرة الاهتمام بالشؤون الفكرية والسياسية والنشاط السياسي.
وفي هذه المدرسة التي واصل فيها هاني تعليمه التأسيسي، التقى الطفلُ القادم من حيفا بأفراد فلسطينيين قدموا من شتى انحاء الوطن الذي نُكب. وكان السؤال الذي برز منذ البداية وراح يكبر بمضي الوقت هو: ماذا نحن فاعلون لتحرير الارض والعودة الى الوطن الذي ابعدنا عنه، وما الذي ينبغي ان يفعله الفلسطينيون فيما هم يشهدون الحال العربي الذي لا يبشرهم بتحقيق الامال؟
ووجد هاني المعجونُ بالتوق الى لعب دور لرفع الظلم عن نفسه واسرته وشعبه، وجد ما وجده اقرانه: الحكام العرب لا يُرجى منهم خير، والاحزاب القائمة حولهم تتبارى في رفع الشعارات الكبيرة بشان القضية الفلسطينة، وتجتهد لاجتذاب النشطاء من الفلسطينيين الى صفوفها، وذلك دون ان يصير عمل هذه الاحزاب الفعلي أو تصير منجزاتها معادلة لشعاراتها. وتلقى هاني خيبات الامل المبكرة، خصوصا وهو يشهد في الفترة التي تشكل فيها وعيه على الشان العام، تواترَ الانقلابات العسكرية في سوريا منذ حلوله فيها.
هنا، كان هاني الحسن بين اوائل الفتيان الفلسطينيين في سوريا الذي تقصدوا منذ البداية التوجه نحو تأسيس بنى سياسية خاصة بالفلسطينيين، لقد هدته ثقافته الى اول الطريق: العلمُ هو مفتاح السير، والشعب الفلسطيني هو المؤهل لتولي زمام المبادرة الاولى لتحرير وطنه، والمحيط العربي مؤهل ليستفيد منه الفلسطينيون مصدرا للدعم. وبهذا ناى هاني بنفسه عن الانخراط في اي حزب عربي أو اسلامي، دون ان يصير معاديا لاي حزب، وما ان انهى هاني دراسته الثانوية حتى توجه الى المانيا الغربية التي سبقه اليها فلسطينيون كثيرون، واختارمدينة فرانكفورت، حيث نشأ تجمع كبير للطلاب والعمال العرب. وانتسب هاني الى الجامعة ليدرس الهندسة المدنية، وفعل ما فعله كثيرون غيره، فعمل الى جانب الدراسة في اعمال شاقة ليؤمن تكاليف عيشه، فصار بهذا على صلة بالوسطين الطلابي والعمالي.
وهنا، تعززت فكرة هاني حول اهمية بناء الكيانية الفلسطينية، وتيسرت الفرصة لوضع الفكرة موضع التطبيق، وذلك بالطبع على قدّ الحال الذي تسمح به الساحة الالمانية.
تأمل هاني في المحيط الذي وجد نفسه فيه، وصنف الشباب الموجودين في هذا المحيط الى ثلاث فئات: واحدة جرفتها متطلبات تأمين العيش الكريم، فلم تهتم بالشأن العام; وثانية كان اهتمامها بالشأن العام حاضرا ولكن ناسها كانوا هيابين ازاء المشاكل التي قد تنجم عن الانهماك في العمل لتحرير فلسطين; وثالثة هي الفئة التي تملّكها التوقُ الى النضال وسكَنها الايمانُ بالدور الفلسطيني، وكان لديها الاستعداد الكامل لتحمل الاعباء والتضحية.
باشر هاني الحسن الدعوة الى تأسيس تنظيم فلسطيني خاص. وفيما هو ناشط في بثّ دعوته، التقى هاني بمن سيصير رفيق عمره الذي سبقه بالدعوة الى اعمتاد الفلسطينيين على انفسهم. التقى هاني بهايل عبد الحميد الذي كان قد توجه الى المانيا للدراسة ومتابعة جهده العام، كان هايل، (شقيقي هايل)، "ابو الهول" قد باشر منذ العام 1953 بانشاء تنظيم فلسطيني خاص سماه هو ومن شاركوه الجهد لانشائه، تنظيم "عرب فلسطين". وكان هايل قد توجه الى المانيا في الوقت ذاته الذي توجه اليها هاني. فالتقى الاثنان المتماثلان في التفكير وفي المنهج، ثم لم يفرقهما بعد ذلك سوى الوفاة. ومعا ومع من شاركهما الراي، اسس هاني وهايل تنظيما في المانيا ضم طلبة وعمالا فلسطينيين حمل اسم تنظيم "طلائع العائدين".
في ذلك الوقت، وانا اتحدث عن السنوات الاولى من ستينيات القرن المنصرم، كان معظم الفلسطينيين الذين وفدوا الى المانيا، قد تاثروا بالاحداث التي شهدتها بلدان العالم العربي التي جاءوا منها. وكان هؤلاء قد تأثروا خصوصا، بحدثين كبيرين: حدث سلبي هو فك وحدة سوريا ومصر في العام 1961م، وهو الحدث الذي زعزع التعويل الفلسطيني الواسع على الوحدة العربية لتحرير فلسطين; وحدث ثان ايجابي، هو نجاح الثورة الجزائرية في تحرير الجزائر من الاستيطان الفرنسي الاستيطاني في العام 1962، وهو الحدث الذي دفع الدعوة الفلسطينية لاعتماد الفلسطينيين على انفسهم والاقتداء بجبهة التحرير الجزائرية دفعةً كبيرة الى الامام.
بانتشار الفكرة وتعززها على نطاق واسع وبهمّة الاثنين ومن شاركهما الاندفاع في تنفيذ الفكرة، وبالهمّة المشهودة لفريق متجانس، نجح تنظيم "طلائع العائدين" في بناء البناء، دون ان يعادي ايا من الاخرين الذين شكلوا فروعا للاحزاب العربية الكثيرة. ولقي التنظيم الفلسطيني الناشئ تفهما ومساعدة من الاعضاء الفلسطينيين وغير الفلسطينيين في الاحزاب العربية. وكان هؤلاء قد بداوا من جانبهم المطالبة بتمكين الاعضاء الفلسطينيين من عمل شيء يجعلهم متخصصين في العمل لقضية وطنهم الفلسطيني. وجاءت المساندة خصوصا من اعضاء فلسطينيين في حزب البعث وحركة القوميين العرب. وتضافر الجميع في الدفع باتجاه ما اشتهر آنذاك باسم ابراز الشخصية الوطنية الفلسطينية وتولي الفلسطينيين زمام المباردة في الكفاح لتحرير وطنهم وعودة لاجئين اليه. وثابر هاني وهايل ومعهم آخرون ممن سيبرز دورهم مستقبلا في تأسيس حركة "فتح" على توسيع التأييد للنهج الذي بدأوه.
وفي المحصلة، صار لتنظيم "طلائع العائدين" شأن ملموس ومحترم في الساحة الالمانية، وبلغ صيته ساحات اخرى. ومن الفلسطينيين الذين اسهموا في هذا العمل تختزن الذاكرة اسماء كثيرين، اذكر منهم امين الهندي، ونبيل نصار، وعبدالله الافرنجي، وحمدان عاشور.
عبدالله الافرنجي، بالذات، كان له دور بارز في تحقيق الصلة بين "طلائع العائدين" في المانيا وبين الاخ خليل الوزير الذي كان انذاك في غزة منهمكا في الجهد الواسع لتأسيس "فتح".
فقد كانت لعبدالله في غزة قبل مجيئه الى المانيا صلة بابي جهاد. وعبدالله هو الذي ابلغ الى ابي جهاد ما يلزم عن وجود طلائع العائدين وعمله في المانيا. وطلب ابو جهاد من عبدالله الافرنجي ان ينظم له لقاء يجمعه بهايل وهاني.
استطردُ هنا قليلا لأقول ان عمل الشهيد ابي جهاد، لانشاء منظمة فلسطينية للكفاح المسلح ضد العدوان الاسرائيلي، كان قد بدا منذ 1956، حين احتلت اسرائيل قطاع غزة بين ما احتلته من اراضي، ابان العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الاسرائيلي في ذلك العام.
وهذه البداية تطورت بتقاطعها مع محاولات كثيرة اخرى متفرقة، لتشكل المسعى الاهم لتأسيس "فتح" حركة للكفاح المسلح، والسعي لاعداد اللقاء الذي طلبه ابو جهاد، اثمر لقاء في الكويت جاء اليه هاني الحسن، فيما بقي هايل عبد الحميد في المانيا. وفي هذا اللقاء، تبلور الاتفاق الذي افضى الى انضمام طلائع العائدين الى "فتح". وبهذا رفد الجدول الذي نشا في المانيا النهرَ الكبير الذي نشأ في ساحات عديدة، في فلسطين وساحات عربية اخرى.
انضمام طلائع العائدين الى "فتح"، حمل الى الفصيل الفلسطيني الكبير خبرة مؤسسي هذا التنظيم. فاضافت هذه الخبرة الى "فتح" بعدا جديدا شديد الاهمية. فالتوجه الذي حفزّه ياسر عرفات وخليل الوزير وغيرهما، ركز خصوصا على الكفاح المسلح بالمفهوم الاولّي الذي راح في ذالك الوقت. اما طلائع العائدين وجداول اخرى مماثلة انضمت مبكرا الى فتح، فان ناسها امتلكوا خبرة العمل السياسي والنشاط المباشر بين القطاعات الطلابية والعمالية، والجماهيرية الاخرى. وبانضمام هؤلاء الى "فتح"، تدعمت الصلة بين السياسة والبندقية. وبكلمات اخرى: رفدت الخبرة المكتسبة من العمل السياسي والشعبي الواسع في بلدان شهدت هذا العمل، كما كان عليه الحال في سوريا والاردن ولبنان، ومع الدعوة الى العمل المسلح وتدعمت الصلة في "فتح" بين السياسة والبندقية، الصلة التي ما اكثر ما انتفع بها العمل الوطني.
هذه الصلة وسعت مجال العمل امام هاني، كما امام هايل والاخرين من نشطاء العمل الفلسطيني العام.
وبين اهم التجارب التي خيضت في هذا المجال كانت تجربة تولي مسؤولية قيادة الاتحاد العام لطلبة فلسطين، اكبر المنظمات الشعبية الفلسطينية، واوسعها نشاطا، واعمقها جهدا في تأسيس القواعد الشعبية المنظمة التي استندت اليها الحركة الوطنية المتجددة. هنا، ينبغي التذكير بان الحركة الطالبية الفلسطينية بدأ تأسيسها في وقت مبكر. وكان لمن سيصيرون قادة العمل الوطني، وفي المقدمة ياسر عرفات، دور كبير في تأسيس رابطة الطلاب الفلسطينيين في القاهرة ومعها رابطة الاسكندرية. كما كان لحزب البعث وحركة القوميين العرب وتنظيم عرب فلسطين دور حاسم في تأسيس رابطة دمشق. وكان لحركة القوميين العرب، التي نشأت بداياتها الاولى في بيروت، دور حاسم في تأسيس رابطة بيروت. الروابط الاربعة هذه، القاهرة والاسكندرية وبيروت ودمشق، أسست معا الاتحاد العام لطلبة فلسطين. حدث هذا في العام 1959. وثابر الاتحاد منذ ذلك الوقت على تأسيس فروع له في كل مكان يوجد فيه طلبة فلسطينيون داخل العالم العربي وخارجه.
في ظروف ذلك الوقت، تحققت الاغلبية في قيادة الاتحاد العام للطلبة لاعضائه المنتمين الى حزب البعث، فيما توزعت الهيمنة على قيادات الروابط بين البعثيين والقوميين العرب، ولم يكن لـ"فتح" الناشئة، أو لم يعد لها، دورٌ بارز في قيادة الاتحاد.
بجهود هاني وهايل، وغيرهم، في الساحة الالمانية بدا هؤلاء في تأسيس فرع للاتحاد على هذه الساحة، تحققت الغلبة في قيادته لـ"فتح".
وفي العام 1963، وقع الصدام المسلح في سوريا بين البعثيين والناصريين، وكان القوميون العرب انذاك، ضمن الناصريين، فافضى هذا الحدث الى احتدام الصراع بين الطرفين داخل الاتحاد، وانتهى الامر باقصاء البعثيين عن قيادة الاتحاد العام وفشلِ المنفصلين في تأسيس قيادة موازية للاتحاد في دمشق. وتشكلت لجنة قيادة مؤقتة لقيادة الاتحاد من مقر قيادته بالقاهرة، وهي اللجنة التي دعت الى مؤتمر عام، انعقد في اوائل 1964م. في مدينة غزة، حيث إنتخبت قيادة جديدة ليس فيها بعثييون.
في غضون ذلك، كان الفرع الذي تاسس في المانيا قد غدا اقوى الفروع وكان نشطاء "فتح" قد اخترقوا الهيمنة البعثية أو القومية العربية على فروع اخرى، واوصلوا الى المؤتمر الذي عقد في غزة عددا من الفتحاويين. وبوجود هؤلاء واهمية هذا الوجود، انتخب مؤتمر غزة هاني الحسن رئيسا له، وانتخب هايل عبد الحميد للامانة العامة للاتحاد، ليصيرهايل نائبا للرئيس، ومسؤولا عن العلاقات الداخلية فيه.
بهذا التطور، انتقل هايل الى القاهرة، وبقي هاني في المانيا لبعض الوقت ليتابع البناء الذي بداه الاثنان معا. واستمر هاني في المانيا حتى العام 1967، حين وقعت الحرب. وكان ما حققته "فتح" في مؤتمر الاتحاد في العام 1963 هو البداية التي اطرد توسيعها الى ان تمكنت "فتح" في مقبل السنين عن الهيمنة على قيادة الاتحاد العام ومعظم قيادات الفروع.
بعد حرب 1967، شهد العمل الوطني الفلسطيني الذي صارت "فتح" هي عاموده الفقري، موجةَ توسعه الكبيرة وامتداده على الساحات كافة في الدول العربية والدول الاجنبية. وتولت "فتح" ومعها فصائل العمل المسلح، الذي اشتهر ايضا باسم العمل الفدائي، المسؤولية الاولى في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، عندها، توجب ان ينتقل هاني الى حيث مركز (م. ت. ف) وصار هو المفوضَ السياسي لقوات الثورة الفلسطينية، فيما واصل هايل المهمة التي تولاها سرا منذ انتقاله الى القاهرة لتأسيس وتوسيع تنظيم "فتح" في الساحة المصرية.
وبصفته المفوض السياسي لقوات الثورة، ذهب هاني بصحبة هايل في عِداد وفد فتحاوي رئيسه هو،عضو مركزية، "فتح"، ممدوح صيدم "ابو صبري"، لاتباع دورة عسكرية خاصة بالقادة في الصين. واتم هاني الدورة، ثم عاد لتولي المسؤوليات السياسية والامنية العديدة التي مارسها منذ ذلك الوقت حتى وفاته.
سيتحدث غيري عن مسيرة حبيبنا الراحل كما اطردت بعد 1967. اما انا فاحب ان اقول شيئا قبل ان اختم هذا الحديث عن الراحل العزيز: ان هاني كان بالنسبة لي، كما هو بالنسبة لاخوة المسيرة الصعبة، هو المفكر المبدع والمناضل الثائر والقائد متعدد الخبرات. اني افتقد هاني في الحياة الخاصة والعامة، وافتقد ابتسامته الودودة التي كانت تنم دائما عن ثقته العالية بالنفس وايمانه بالوطن، والتفاؤل حيث يحل. رحم الله هاني، ولتدم ذكراه.
أزمة الإسمنت والبناء!!
بقلم: حديث القدس – القدس
د. جورج حبش في ذكراه
بقلم: عبد الرحيم ملوح – القدس
عام جديد ببصمات آسيوية
بقلم: جميل مطر – القدس
دبلوماسية «الممرات»...
بقلم: غسان شربل – القدس
الخيارات السياسية وفن الممكن بعد استهلاك الثورات!
بقلم: محمد جلال عناية - القدس
في ذكرى الحكيم
بقلم: راسم عبيدات – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image007.jpg
الجانب المنير لجامعة بيرزيت
بقلم: حسن البطل – الايام
مصر التي لا تنحني ...
بقلم: طلال عوكل – الايام
تونس: عبقرية التوافق وروح خير الدين باشا
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
السلام الأميركي
بقلم: عاطف أبو سيف – الايام
بوادر خير قادم
بقلم: سميح شبيب – الايام
حـكـمــة الإصـغــاء
بقلم: غسان زقطان – الايام
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image009.jpg
تغريدة الصباح - المحبّة ام الكراهيّة ؟
بقلم: محمد علي طه – الحياة
الحكيم .. في ذكراه 2 من 2
بقلم: عدلي صادق – الحياة
التجربة الشبابية للقائد هاني الحسن في الثورة الفلسطينية .. دروس وعبر
بقلم: مروان عبد الحميد – الحياة
أزمة الإسمنت والبناء!!
بقلم: حديث القدس – القدس
في الوقت الذي يتواصل فيه اضراب العاملين في وكالة الغوث «الاونروا» منذ اسابيع دون ان تستجيب الوكالة حتى الآن لمطالب العاملين مع كل ما ينطوي على ذلك من تداعيات كارثية، وفيما شهدنا اضرابات متتالية في القطاعين الصحي والتعليمي وفي الوظيفة العمومية يبدو اننا امام اضراب آخر وشيك لقطاع الانشاءات بعد ان اعلن اتحاد الصناعات الانشائية واتحاد المقاولين واتحاد المطورين امس الاول اعتزامهم التوقف عن العمل اثر قرار الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية، الوكيل الحصري الوحيد لاستيراد الاسمنت والذراع الاستثماري لصندوق الاستثمار الفلسطيني في قطاع الانشاءات اعتزامها رفع سعر طن الاسمنت بقيمة ثمانية عشر شيكلاً، وهو ما اعتبره اتحاد الصناعات الانشائية وخاصة شركات الباطون واتحاد المقاولين رفعاً غير مبرر للاسعار بعد ان تم رفع سعر الطن العام الماضي ثلاثين شيكلاً وفي الوقت الذي لم يرتفع فيه السعر عالمياً.
الجهات التي اتخذت قراراً بالتوقف عن العمل اعتباراً من الاول من شباط اذا ما اصرت الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية على رفع السعر، هي الجهات التي تقوم بالمشاريع الانشائية في فلسطين من مقاولين وشركات باطون وصناعيين عموميين ..الخ ، وهو ما يعني ان الاضراب في حال بدئه سيشل حركة العمران والانشاءات في مختلف انحاء فلسطين مع كل ما ينطوي عليه ذلك ايضاً من تداعيات كارثية في الوقت الذي نعاني فيه من نسبة البطالة المرتفعة والتدهور الاقتصادي وفي الوقت الذي تشكل فيه الانشاءات والحركة العمرانية احد المحاور الرئيسية في بناء دولتنا العتيدة، وهو ما يثير تساؤلات عدة حول سبب هذه الازمة الحقيقي وحول كيفية تجاوزها قبل الاول من شباط .
والسؤال الذي يُطرح هنا: هل يعود الرفع الجديد لسعر الاسمنت الى احتكار استيراده من شركة «نيشر» الاسرائيلية من قبل الشركة الفلسطينية للخدمات التجارية في ظل غياب سوق اسمنت حرة وغياب المنافسة واغلاق الباب امام الاستيراد المباشر ؟! ام ان ارتفاع الاسعار يعود الى قيود اقتصادية مفروضة على الجانب الفلسطيني تربط هذا القطاع الحيوي بالاستيراد الحصري من «نيشر» الاسرائيلية ؟ واذا كانت اسعار مكونات الباطون خاصة الرمل لدينا تصل الى ضعفي او ثلاثة اضعاف السعر في اسرائيل وان السعر الجديد للاسمنت لدينا سيصبح اعلى مما هو عليه في اسرائيل فكيف يمكن لقطاع الانشاءات الاستمرار في عمله على هذا النحو ؟!
ان ما يجب ان يقال هنا اولاً ان ازمة على هذا النحو من الخطورة وتطال قطاعاً حيوياً جداً في فلسطين تستوجب تدخلاً فورياً من الرئاسة والحكومة لإيجاد حل سريع يأخذ بالاعتبار واقع الانشاءات الفلسطيني واهميته وضرورة دعمه من جهة، والحفاظ على سعر معقول للاسمنت يجنب هذا القطاع اضراراً وتوقفاً عن العمل سيطال ليس فقط حركة البناء على اهميتها وانما سيطال العمال رغم كل اوضاعهم الصعبة حالياً كما سيطال اصحاب الدخل المحدود وهم غالبية ممن سيحرمهم رفع الاسعار المتواصل من امكانية البناء والتعمير.
واذا كانت جذور الازمة تعود الى قيود اقتصادية بفعل اتفاقيات فرضتها اسرائيل فمن غير المعقول ان نبقى اوفياء لاتفاقيات كهذه اتضح انها تضر بنا وتجعلنا رهائن ووسطاء للشركات الاسرائيلية الكبرى، ولن يكون منافياً للمنطق اعادة النظر بهذه الاتفاقيات وتغييرها بما ينسجم والمصلحة الفلسطينية العليا.
المسألة الاخرى التي تحتاج الى دراسة واعادة نظر هي مسألة الاحتكار وتغييب المنافسة والبدائل الاخرى كالاستيراد المباشر. فمن الواضح لكل ذي بصيرة ان الاحتكار في اقتصاد اي دولة يؤدي الى رفع الاسعار وربما ايضاً الى تدني جودة المنتج فيما تؤدي المنافسة والبدائل الاخرى الى خفض الاسعار وزيادة الجودة، فلماذا لا نطبق ذلك على قطاع الاسمنت وغيره من السلع الاحتكارية الحيوية خاصة واننا نمر بمرحلة بناء دولتنا العتيدة؟!.
واخيراً فان المواطن الفلسطيني الذي يعاني اساساً من استمرار الاحتلال بكل تجلياته ومظاهره وممارساته ويعاني حالة الانقسام المأساوي ويعاني ظروفاً اقتصادية متردية لا يحتاج بالتأكيد الى ازمة اخرى تطال قطاعاً حيوياً هو قطاع البناء والانشاءات، ولهذا فإن المطلوب المسارعة الى حل هذه الازمة قبل استفحالها خاصة واننا ما زلنا تحت وطأة ازمة وكالة الغوث والاضرابات المتتالية الاخرى.
د. جورج حبش في ذكراه
بقلم: عبد الرحيم ملوح – القدس
في السادس والعشرين من هذا الشهر عام 2008 ، غيب الموت د . جورج حبش القائد المؤسس لحركة القوميين العرب ومن ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأول قائد حزبي على مستوى العالم يتخلى عن موقعه القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفي منظمة التحرير الفلسطينية ، كونه كان عضواً في المجلس المركزي الفلسطيني وفي المجلس الوطني الفلسطيني . وهو من الشخصيات التي رفضت العودة للوطن بعد اتفاقات أوسلو رغم أن مؤسسات الجبهة الشعبية القيادية خيرت كل أعضائها وقيادييها بالعودة لأرض الوطن أو البقاء في الخارج . وقد عاد عدد من قيادتها في هذا الإطار . وأصر على أنه لا يريد العودة وجندي إسرائيلي يقف على الحدود ، وأنه لن يعود إلا مع اللاجئين الفلسطينيين كما صرح في ذلك الوقت.
إن د . جورج حبش قدم للحركة الوطنية العربية والفلسطينية الكثير في الممارسة والأفكار الفكرية والسياسية والتنظيمية . وحصر مسؤوليته منتصف عام 2000 تاريخ تخليه عن موقعه القيادي في تقديم الاستشارة لقيادة الجبهة الشعبية ومنظمة التحرير الفلسطينية . وبخاصة في قضايا الوحدة الوطنية الفلسطينية والفكر الصهيوني .
لقد عمل د . حبش منذ نعومة أظافره في خدمة أبناء شعبه الفلسطيني ، بدءاً بعودته للعمل في مدينة اللد مع العاملين في المجال الصحي عام 1948 وهجرته مع ذويه من مدينته إلى رام الله ومن ثم لعمان ، وعمل في عيادته مع د . وديع حداد لخدمة قرى ومخيمات ومدن الضفة والأردن وبخاصة في مخيم الكرامة . وفي العمل السياسي ساهم بتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وأفرز لها الكادر السياسي والعسكري للعمل معهم ومنظمة أبطال العودة أكبر دليل على هذا . حيث أفرزت هذه المنظمة للعمل مع منظمة التحرير الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي قبل تأسيس الجبهة الشعبية ، التي كانت منظمة أبطال العودة أحد مؤسسيها . وبنفس الوقت ساهم في تأسيس فرع فلسطين وشباب الثأر وهما عضوان في حركة القوميين العرب ، ومن شهدائهما خالد أبو عيشه عام 1964، ورفيق عساف ومحمد اليماني عام 1966 وأسر لها أعضاء مثال سكران سكران .
لقد حافظ د . ج . حبش على الوحدة الوطنية الفلسطينية ، فكان يقول ويعمل دائماً من أجل إزالة الاحتلال وكان يرى انه بدون الوحدة الوطنية من الصعب جداً إزالة الاحتلال الإسرائيلي عن الأرض والشعب الفلسطيني . حتى وهو يعمل من أجل الفقراء والمهمشين من أبناء شعبنا فإنه لم ينس بأن إزالة الاحتلال وعودة اللاجئين وتقرير المصير لشعبنا ، يحتاج دائماً للوحدة الوطنية ولمنظمة التحرير الفلسطينية ببرنامجها الوطني .
وكان د . حبش دائماً مع الديمقراطية الحزبية وللشعب كله . فقد كان أول من تخلى عن موقعه القيادي كأمين عام للجبهة الشعبية عام 2000 على مستوى الأحزاب في العالم أجمع ، ولا أذيع سراً أنه كان يريد أن يتخلى عن هذا الموقع عام 1987 . وكان يريد الإعلان عن هذا في عيد الجبهة في يوم 11 / 12 / 1987 في حينه ولكن ما منعه من ذلك هو اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى قبل هذا التاريخ بأيام فقط . لقد كان دائماً مع الديمقراطية أكان ذلك في إطار الحزب أو الشعب .
لقد حرص د . حبش على الموقف السياسي للتنظيم في كل مراحل النضال الفلسطيني وعلى الجماعية في اتخاذه ، وعلى وحدة الشعب الفلسطيني في مجابهة الاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينية ، وعلى ديمقراطية الشعب في اتخاذ القرار النهائي . وما يميز د . حبش عن غيره من القادة هو تواضعه وسماعه للآراء وبخاصة آراء الأعزاء الفاعلين في الدفاع عن الوحدة وعن المهمشين والمناضلين من أبناء شعبنا ؛ وأفرد وقتاً للمثقفين من أبناء شعبنا وأمتنا العربية . وهذا ما دفع الرئيس ياسر عرفات للقول : " إن ضمير الثورة والشعب هو د.جورج حبش ".
- ماذا لو كان جورج حبش لا زال حياً في هذه المرحلة ، ولا زال قيادياً فاعلاً فلسطينياً وعربياً ، او لا زال أميناً عاماً للجبهة الشعبية ولا زال أميناً عاماً لحركة القوميين العرب ؟!
لقد كان عضواً أساسياً في منظمة التحرير الفلسطينية ، وكان الرئيس عرفات يقدره ويجله حتى أنه أطلق عليه لقب ضمير الشعب والثورة . ورغم ذلك فقد كانت الوطنية الفلسطينية عنده فوق كل اعتبار تنظيمي أو شخصي , فقاد جبهة الرفض الفلسطينية ، والمعارضة الفلسطينية ضد اتفاق أوسلو ، وحرص على الوحدة الوطنية وعلى منظمة التحرير الفلسطينية لأن بوصلته دائماً ضد الاحتلال للأرض والشعب . فكان حريصاً على وحدة كل التيارات الفلسطينية رغم كونه وتنظيمه يمثلان تيار العمال والمهمشين من أبناء شعبنا .
- ولو كان بيننا الآن ، لحرص أولاً ؛ على مواجهة الاحتلال . وثانياً على الوحدة الوطنية وليس على المفاوضات مع إسرائيل أولاً . لأن الأمران لهما صلة وثيقة بالتناقض الأساس مع الاحتلال . وهذا يتطلب عدم الرهان على أمريكا ووزير خارجيتها ، فأمريكا وقبل تأسيس إسرائيل كانت تنظر لتواجدها هنا وفي منطقتنا باعتبارها مصلحة عليا لأمريكا ، فإسرائيل قوية مصلحة عليا أمريكية هكذا كانت ولا زالت . والمصالح العليا الفلسطينية ، تتطلب منا مجابهة الاحتلال ميدانياً وعلى المستوى السياسي الدولي .
هكذا كان ينظر جورج حبش للاحتلال وهذا هو الاحتلال الآن . وهكذا علينا أن ننظر له ونتعامل معه . وللمواجهة على المستوى السياسي : هي الشرعية الدولية وقراراتها . لهذا اعتبر د . حبش الشرعية الدولية والتمسك بها ، والمؤتمر الدولي لتنفيذ قراراتها وليس للتفاوض عليها . أساساً للتحرك السياسي الفلسطيني دولياً .
لقد كان د . حبش مع الديمقراطية للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية ولكل شعوب العالم ، لأنه كان ينظر لها باعتبارها قيمة . لهذا بدأها بنفسه هو ، وسار على دربه آخرون من رفاقه .
وكان يعتبر د . حبش أن الشعوب العربية هي دائماً مع الثورة الفلسطينية ، وأن الحكام العرب لا يريدون لهذه الثورة أن تقوى لأنها تقوي هذه الشعوب على حكامها .
هذا هو د . جورج حبش الذي قضى حياته منذ ما قبل 1948 وحتى استشهاده عام 2008 وهو يناضل من أجل شعب فلسطين وحريته واستقلاله ، ومن أجل وحدة الأمة العربية ، وكان قائداً ومؤسساً لحركة القوميين العرب وللجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
ونحن أبناء وأحفاد د . حبش ورفاق الدرب نقول في ذكراه للشعب الفلسطيني ولشعوب الأمة العربية جمعاء أننا سنبقى أوفياء لنضال حبش ورفاق دربه .
عام جديد ببصمات آسيوية
بقلم: جميل مطر – القدس
بضع صخور في بحر الصين الشرقي وبضع صخور في بحر الصين الجنوبي مسؤولة عن حال التوتر في منطقة شرقي وجنوب شرقي آسيا . هكذا يجري في بعض الكتابات الغربية تبسيط الوضع في آسيا . يصورونه على أنه خلاف بين الصين من ناحية واليابان ودول في جنوب شرقي آسيا من ناحية أخرى على مجموعة جزر غير ذات أهمية . ولكنهما في نظرهم يهددان بصراع أوسع وأشد خطورة .
التبسيط مخل، ولكن ليس كثيراً . بعض الصخور، وبخاصة الصخرتان الكبيرتان في بحر الصين الشرقي، بالفعل غير ذات قيمة اقتصادية أو استراتيجية كبيرة، إلا إذا كانتا تحتويان على الطين الأسود الحيوي في بعض الصناعات الاستراتيجية، وهو الأمر الذي لم يتأكد بعد . القيمة المؤكدة لهاتين الصخرتين هي في كونهما رمزاً قومياً تضخمه أجهزة الدعاية في كلا الدولتين .
أما صخور بحر الصين الجنوبي فأغلبها له قيمة استراتيجية كبرى كمحطات بحرية تهيمن على حركة المرور في واحد من أهم الممرات المائية في العالم .
لاشك في أن تصعيد الخلافات بين الصين واليابان ستكون له آثار مباشرة في القارة الآسيوية بأسرها . ليس خافياً أن آسيا بدأت تشعر بثقل التوتر الملحوظ في أقصى الشرق على مختلف تفاعلاتها . يعرف الآسيويون أن اليابان لن تشعر بالراحة والطمأنينة طالما استمرت الصين تتسلح وتبدع في اختراعاتها التكنولوجية، وتوسع من نشاط أساطيلها البحرية وتغلق مجالات جوية على طائرات الدول الأخرى .
يعرفون أيضاً أن الصين لم تشعر بالراحة والطمأنينة منذ أن بدأت اليابان تخرج من عزلتها العسكرية التي فرضتها على نفسها . خرجت فتسلحت برضاء القوى العظمى في العالم وهي الآن تشارك في مناورات بحرية مع الهند، العدو القديم والمحتمل دائماً للصين، وتحصل منها على تسهيلات في الموانئ والممرات المائية لتتمكن من حماية قوافل تجارتها البحرية .
ومع ذلك نخطئ خطأ جسيماً لو قصرنا اهتمامنا على العلاقات اليابانية- الصينية على أهميتها القصوى، ففي كافة أنحاء آسيا بؤر قلق وتوتر تنفجر بكثافة مدهشة وبعواقب وتداعيات غير عادية، ليس فقط بالنسبة إلى الأمن هذا الجزء أو ذاك من القارة، ولكن بالنسبة إلى أمن القارة بأسرها، وبالتالي بالنسبة إلى الأمن الدولي .
نظرة إلى خريطة الانفجارات الآسيوية توضح كيف أن التوتر الإقليمي لا يقتصر على الدول الأكبر في القارة والعلاقات بينها فقط، بل نراه ممتداً إلى الدول الأصغر جداً .
هناك قلق له ما يبرره سببه الخشية السائدة في عواصم آسيوية وأوروبية عدة من احتمالات عودة الصراع الداخلي في سيريلانكا، بعد ان تأكد أن نمور التاميل عادوا يستجمعون قواهم بعد ان خاب أملهم في تنفيذ اتفاق السلام المعقود بينهم وبين الأغلبية الحاكمة في كولومبو . احتدام الصراع داخل سيريلانكا من جديد يعني عنصراً إضافياً لتشتيت جهود قوى الأمن الهندية، بعيداً عن الأخطار التي تهددها من المتمردين الماويين والقبليين في الوسط وثوار كشمير وحركات الاحتجاج في الشمال .
وإلى الشرق من الهند، حيث تحقق لأمريكا ودول أوروبا بعض ما أرادت فقامت حكومة ميانمار العسكرية بتعديلات في نظم الحكم تسمح بانتخابات برلمانية، وما تلاه من تغير في مكانة بورما فجأة في نظر الغرب والهند فأقبلوا جميعا عليها ليحظوا باتفاقات تجارية وعسكرية، والوقوف ضد الصين لمنعها من احتكار النفوذ في بورما . خلف هذه الواجهة الديمقراطية البراقة تتنشر الآن في كافة أنحاء ميانمار ثورات وانتفاضات قبلية ودينية وحملات إبادة ومذابح، لا شيء منها يثير اهتمام أو غضب العالم الخارجي الذي قضى سنوات عدة منشغلا بكفاح النشطاء في حركة المجتمع المدني ضد الحكم العسكري .
وعلى حدود بورما، دولة صغيرة ثالثة، لم يعرف شعبها الراحة أو النوم طيلة الشهور الماضية . إذ تربعت على كرسي الحكم في تايلاند سيدة تنتمي لطبقة رجال الأعمال وصلت إلى كرسيها بانتخابات ديمقراطية سليمة، ونشطت قوى اشتهرت عبر التاريخ الحديث لتايلاند بالعناد وحب السلطة وقلب النظام عن طريق تحريض قطاعات شعبية متضررة اجتماعياً واقتصادياً ضد الحكومة .
تايلاند، مثل أكثر دول الربيع العربي، دولة موقوفة بإرادة جماهير تحتل الميادين والشوارع منذ شهور، وتغلق المباني الحكومية، وتعطل حال التجارة والسياحة، وفي الوقت نفسه تثير قلق الهند والصين ودول أخرى مجاورة، وأكثرها لا يريد عودة الجيش إلى مقاعد الحكم في بانكوك واستئناف المعارك ضد الأقليات .
وفي نيبال، الدولة التي عاشت عقوداً تطل بخجل ووجل على عملاقين يسكنان أراضي شاسعة تحت سطوتهما، يعيش الناس في توتر شديد تحت وقع الاحتمال المتزايد بعودة الماويين وغيرهم من كتائب اليسار المتطرف إلى إثارة الفوضى في البلاد، وربما الهيمنة على الحكم .
لن تكون الهند راضية عن هذا التطور لو حدث، وكذلك الصين، كلاهما اختلق لنيبال وضعاً حيادياً لا يجوز النيل منه، ومع ذلك، لم يعد خافياً أن الصين مدت في السنوات الأخيرة طرقاً وسكك حديد إلى مسافات قريبة من حدودها مع نيبال، ووضعت قوات إضافية على هذه الحدود، الأمر الذي أثار احتجاج الهنود الذين يصعب عليهم مجارات الصينيين في الإنفاق والحشد . يثير قلق الهنود أيضاً ان الظاهرة النيبالية قد تتكرر في دويلات سفوح الهيمالايا، مثل آسام .
هناك في هذه المنطقة شعوب عزلها الإنجليز خارج التاريخ، ولم يفرج عنها الهنود . هذه الشعوب تتمرد الآن، ولم تجد حكومة نيودلهي بداً من إرسال قوات عسكرية لاستعادة النظام وتثبيت الانعزال .
إذا أضفت الانتفاضات الداخلية العنيفة في كل من كمبوديا والفلبين وبنغلاديش أستطيع أن أخلص إلى أن معظم هوامش الدول الآسيوية الكبرى ملتهبة أو على الأقل مهددة بعناصر عدم استقرار . وسوف تبدو الصورة الكاملة أشد التهاباً لو أنني أضفت احتمالات تطور أوضاع إقليمية أخرى نحو مزيد من التدهور أو الاضطراب . أقصد أولاً: الوضع في أفغانستان خلال عام 2014 أي مع الاقتراب من مدى تسليم شؤون الأمن من أمريكا والناتو إلى جيش قرضاي، في وجه استعدادات قوية من جانب الطالبان لإطاحة نظام الحكم في كابول .
أقصد ثانياً: التطورات في باكستان، وأغلبها يشير إلى وضع لا يبتعد كثيراً عن نموذج "الدولة الفاشلة"، بكل ما يمكن أن يسبقه من اغتيالات وتمرد وحروب أهلية وانفصالية .
أقصد ثالثاً: التصعيد المتعمد والمتصاعد من جانب قوى أجنبية لإثارة حالة من التمرد والعصيان في إقليم سنكيانغ في غربي الصين، والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه حكومة بكين لردع هذه القوى خارج حدودها .
أقصد رابعاً: الزحف الهادئ ولكن المؤثر من جانب روسيا البوتينية لاستعادة النفوذ الذي كان من نصيب الاتحاد السوفييتي في أقاليم وسط آسيا، والانتهاء من الزحف، إن امكن، قبل خروج الغرب من أفغانستان، وقبل حلول النفوذ الصيني والهندي محل النفوذ الغربي.
أقصد خامساً: زحف الجناح الآسيوي من الشرق الأوسط تجاه الشرق، وبخاصة بعد ان أصبحت كل من إيران وباكستان قوتي جذب شديد الفاعلية، تشدان اهتمام عدد متزايد من الدول العربية، وبخاصة السعودية بآسيا وبعدها بقليل دول أخرى في الخليج ثم مصر . الدولتان هما باكستان وإيران . كلتاهما ولأسباب مختلفة تماماً سوف تترك بصمتها واضحة على كثير من صفحات العام الجديد، عام 2014 .
دبلوماسية «الممرات»...
بقلم: غسان شربل – القدس
يبحث الاخضر الابراهيمي عن الحل في بحر من الدم والفشل. هذا ما يشعر به الصحافي حين يقترب من مقر المفاوضات السورية في جنيف. ولولا الفشل لما كانت مهمة الابراهيمي ولا المشهد الذي شهدته مدينة مونترو السويسرية حين جلس وليد المعلم وأحمد الجربا تحت سقف واحد.
يبدأ الفشل من الارض السورية نفسها. فشل الجيش السوري في سحق المعارضة. فشل في إعادة فرض سلطته على كامل الاراضي السورية. استعانته بحلفاء من الخارج حسّنت بعض اوضاعه، لكنها لم تحسم الصراع. في المقابل، فشلت المعارضة السورية في دحر النظام. الانشقاقات لم تفكك آلته العسكرية. المقاتلون الجوالون الذين وفدوا بذريعة مقاتلة النظام تحولوا عبئاً على المعارضة واضطرت الى مقاتلتهم.
فشلت الدول الاقليمية الرئيسية في وضع اطار يحاصر النار السورية تمهيداً لإطفائها. استدرجها النزاع السوري خصوصاً حين احتل موقعه على خريطة النزاع الشيعي - السنّي. انخرطت بدرجات متفاوتة وبدت سورية مسرحاً لنزاع اكبر منها. الإطفائي الاقليمي غير موجود.
فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرار يمنع سورية من الانحدار في اتجاه الهاوية. احبطت روسيا جملة محاولات غربية. كان يمكن تهمة استخدام السلاح الكيماوي ان تكون قاتلة للنظام السوري. قدم له لافروف طوق النجاة. التقط سيد البيت الابيض العرض. لا يريد ارسال الجيش الى حرب جديدة. بدا جلياً ان القيادة الاميركية للعالم مصابة بعطل واضح في المكتب البيضاوي. تقدم فلاديمير بوتين موقظاً شيئاً من ممارسات الحرب الباردة. في المقابل، فشلت روسيا ومعها ايران في تمكين النظام السوري من الحسم. تداخل ملف الازمة السورية مع ملف المفاوضات الاميركية - الايرانية. من يسجل نقاطاً في الثاني لا يستطيع تفادي قدر من التنازلات في الاول.
من اهوال اليوميات السورية والفشل المتعدد الأطراف ولدت فكرة جنيف. تفاهم اميركي - روسي على عدد من المبادئ، بينها اعتبار الحل السياسي الخيار الوحيد للخروج من الازمة والعمل لمنع انهيار مؤسسات الدولة السورية العسكرية والأمنية وتشكيل هيئة حكم انتقالية غير بعيدة في مفهومها عن مجلس الحكم الذي شكل غداة اقتلاع النظام العراقي مع الالتفات الى الفوارق الكثيرة. لكن الفترة الفاصلة بين «جنيف 1» و «جنيف 2» اظهرت ان التفاهم الاميركي - الروسي ليس كاملاً وأن الشيطان يكمن في ما هو ابعد من التفاصيل.
في جنيف كل شيء يوحي ان المفاوضات ستكون طويلة ومريرة. هذا ما يستنتجه الصحافي اذا تحدث الى الطهاة الدوليين الموزعين في الممرات. والطهاة معروفون وحاضرون. روبرت فورد السفير الاميركي السابق في دمشق. وإريك شوفالييه السفير السابق في المكان نفسه. وجون ولكس المبعوث البريطاني الى الازمة السورية. والسفير التركي السابق في دمشق عمر اونهن. ألمانيا ليست غائبة وكذلك السويد. لكن ثمة من يعتقد ان لافروف يستحق لقب كبير الطهاة.
يتفق الطهاة على الاهمية الرمزية والفعلية لجلوس المعلم والجربا تحت سقف واحد. تسمع في الممرات «ان الامر في النهاية في يد السوريين انفسهم». كأنهم يغسلون ايديهم سلفاً من الاهوال المقبلة في سورية «قبل ان يشعر كل من الطرفين بأنه ضعيف ومستنزف وعندها تنطلق المفاوضات الفعلية». وتسمع ايضاً ان المشكلة هي ان النظام السوري غير قابل للإصلاح وأن فتح كوة صغيرة في جداره يعني الانهيار. ثمة من يلمّح الى ان الحل قد ينتظر خليفة اوباما في البيت الابيض. هذا فظيع.
يستطيع الطهاة الانتظار طويلاً في الممرات والردهات. ولكن ماذا عن السوريين المبعثرين على اطراف بلادهم المشتعلة. ماذا عن السوريين العالقين على ارض وطنهم يتقلبون على نار الطهاة.
الخيارات السياسية وفن الممكن بعد استهلاك الثورات!
بقلم: محمد جلال عناية - القدس
ان "دولة فلسطين" ليست حدثا غريبا او كيانا سوف يأتينا من كوكب آخر، ان دولة فلسطين هي نحن، نحن بما نحن عليه، ونحن بما نحن فيه. فلنتفحص انفسنا من الرأس الى القدمين، ووجها لظهر، وجنبا الى جنب، فإن هذا الذي نراه ونلمسه، مضافا الى ارضها وسمائها هو "دولة فلسطين".
ان "دولة فلسطين" لن تكون محل سخطنا ورضانا، بل نحن الذين سوف نكون، من خلال حركتنا بين الشح والعطاء محل سخطها ورضاها. فنحن الذين نشكلها بأنفسنا ومن انفسنا، فلنسارع الى اصلاح انفسنا حتى نرسّخ اسسها ونصلّب بنيانها.
ان دولة فلسطين لن تكون كأي دولة، دولة تقود العرب لا ان تجرجر نفسها وراءهم. دولة فلسطين ستكون دولة الاخلاق ذات النفع، التي تتجسد في التنازل لمن هو احق منا، واتباع من هو ارشد منا، ولا نريدها اخلاقا تجريدية نعجز عن فهمها ونحار في تفسيرها، ونترك الباب مفتوحا ليكيّف كل منا اخلاقه على هواه.
ليتنا نتمكن من مراجعة تجربتنا الطويلة والقاسية بين التشرد والاحتلال، بطريقة موضوعية، وبعيدة عن الغوغائية والشعارات الجوفاء. ولعلنا من خلال هذه المراجعة نتخلص من كثير من الاحمال، ونتحرر من كثير من الاغلال، مما اعاق تطورنا على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية، مع اننا الى حد ما وبقدر محدود نلنا نصيبا من التلمذة على حضارة العصر، فمن هم اكثر منا تقدما، وساهمنا بقدر من العطاء الحضاري لمن هم اكثر تخلفا عنا من الاشقاء العرب.
عندما نتساءل: من نحن؟
لابد ان نفتح باب حجرة الاشباح، التي امضينا اربعة اجيال نخيف بعضنا بعضاً من فتح بابها. ولكن قبل فتح الباب نريد ان نحدد المعايير للتفريق بين الخطأ والصواب، وان نميز بين الصدق والكذب. وسوف نأتي بمثل لتوضيح ما نهدف اليه. فعندما تحدث جريمة قتل، فهناك خنجر الجاني، وهناك مشرط الطبيب الشرعي. فأحدهما يرتكب الجريمة والثاني يسعى الى تحقيق العدالة.
ولذلك عندما نتساءل من نحن؟ سوف نشير الى نقائصنا واخطائنا، ونحن نقوم بدور الطبيب الشرعي ومشرطه، سعياً وراء العدالة في تحديد المسؤولية، وعقد النية على تعديل المسار. والامر الآخر الذي نريد التحذير منه، هو الامعان في اللجوء الى الارهاب الفكري لقمع النقد وحتى النقد الذاتي، عندما يلجأ السفهاء منا للخلط بينه وبين الدعاية الصهيونية حتى يبقى العقل الفلسطيني عقيماً وقاحلاً.
لمزيد من التوضيح، سوف نتعرض لمفهومي «الشهادة» و«الارهاب»، اللذين يستعملان بشكل تجريدي مطلق يؤدي الى الخلط في المعاني. فيجب ان نميز بين «الشهادة» المرغوبة و«التهلكة» المنهي عنها.
اما الارهاب، فإن اسرائيل تلصقه بكل عمل مشروع يقاوم الاحتلال، و«الارهاب الاسرائيلي»، فإننا نطلقه على الاحتلال والاعتقال ومضاعفاته من القتل والدمار.
ومؤخراً تداولنا عبارة «الارهاب الذاتي» التي نطلقها على جرائم القتل فيما بين الفلسطينيين بعضهم البعض لخلاف في الرأي، دون ان نحدد او نستثني فئة بعينها.
ما زلنا نحن اليوم ابناء الامس، شعب ثائر منذ ان اعلنت عليه الحرب المتعددة الاطراف مع صدور وعد بلفور «1917». ولقد نزل ذلك الوعد على رؤوسنا نزول الصاعقة دون ما وقاية او تحذير. فإن قوى عاتية احاطت بشعب صغير ومعزول لا يتجاوز عدده 700 الف نسمة، للاستيلاء ارض وطنه وتشريده وبعثرته في الآفاق.
لم نستوعب في البداية، على الصعيد الشعبي، الهدف الحقيقي لوعد بلفور بأنه انتزاع الوطن كلية وتشتيتا بين الاعراب، وفي النهاية في بلاد الاغراب. لم يدر بخلدنا ان مثل هذا الامر سوف يحدث، فكل ما تصورناه على الصعيد الشعبي، من يحكم من؟ هل يحكم العرب اليهود، ام يحكم اليهود العرب؟
عندما تتراءى امامنا هذه الصورة يتولد منها التفكير في السياسة. والسياسة ظاهرة عالمية ضرورية لاتخاذ القرارات وتنفيذها. فهي ضرورية داخل الوحدات الاجتماعية الانسانية لتجنب الفوضى والاضطراب، وضرورية على مستوى العالم لتنظيم العلاقة بين الامم والسياسة عرّفها علماؤها بتعريفات كثيرة، ولكننا في حالتنا هذه سنأخذ ابسط هذه التعريفات، وهو «فن الممكن».
لم تكن لدى شعبنا الصغير، والمحدود الامكانيات المادية والمعرفية، من الوسائل التي تمكنه ان يحدد بها الممكن، ولا الدراية لتحقيق هذا الممكن. ولكن كانت لديه الحمية التي تدفعه الى التضحية. فاشتعل الحماس الفلسطيني في مواجهة الدهاء البريطاني والمكر الصهيوني، في ضوء اختلال موازين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية لصالح الآخرين.
كما تعلمنا من التاريخ والجغرافيا، كان علينا ان نبعث الامل في نفوسنا بأن الشعب الفلسطيني جزء من الامة العربية، وان ارض فلسطين جزء من الوطن العربي. وبالتالي فإن الضرر الاسرائيلي على صعيد الواقع يؤدي الى تقطيع الوطن العربي، ويفصل الآسيوي منه عن الافريقي. وانه يفتت الامة العربية الى شعوب متباعدة.
ولكن الوسط السياسي الذي كان يهيمن على كل هذا في غياب الديمقراطية، استشرى فيه الفساد، وطغى عليه الاستبداد، فأنتج لنا مجتمعات ضعيفة لا تستطيع ان تدفع عن نفسها الضرر، ولا تملك القدرة على اصلاحه ان وقع عليها ذلك الضرر.
سوف نتحدث الآن عن «لغز» الثورة الفلسطينية. وقبل ذلك نريد ان نتساءل: ما الذي جعل الثورة الفلسطينية توصف باللغز؟ ببساطة، كان ذلك لطول الزمن « 93 عاما» وقلة الانتاج. والعرض المتكرر لصورة لها لا تتبدل، بتعظيم العدو لخطرها ليبرر عدوانه وتسترنا على فشلها لنغطي على تقصيرنا.
لقد سئمنا من هذا التكرار، الذي تتكدس فيه خسائرنا وتتعاظم مكاسب الطرف الآخر مع استمرار الثورة المسلحة، حيث تخلى عنا في محنتنا القريب والغريب، فالقريب استكان واعتزل الحرب، والغريب لم يجد في هذه الوسيلة اداة مقبولة لحل النزاع.
ومع عجزنا العسكري، وإشهار العرب للسلاح الدبلوماسي المتمثل في المبادرة العربية (2002)، واتجاه الرئيس الاميركي الى تنظيم العلاقات الدولية بشكل يخدم اهداف الولايات المتحدة الاميركية ويخفف عنها الاعباء. اعلن الرئيس اوباما عن الحل بقيام «دولة فلسطين» خلال سنتين لتهدئة الاوضاع في الشرق الاوسط.
واليوم نضيف، بعد ان تأخرنا 96 عاما، لماذا لا نتحول الى مهارة الخيارات السياسية، وفن الممكن لبناء «دولة فلسطين» بعد استهلاك الثورات بدلا من الانزلاق في سفسطة فارغة من اي محتوى، ولا مكان لها في تقنية اتخاذ القرارات السياسية في هذا العصر، نقول بأن «دولة فلسطين» لن تكون لخدمة الايديولوجيات، بل ان الايديولوجيات اذا كانت تريد ان تثبت شرعتها عليها ان تكون في خدمة الوطن.
ان «دولة فلسطين» هي الاحق بالبقاء، والايديولوجيات حرة في ان تستمر كما هي، او تغير نفسها، او يغير بعضها بعضا، عندما نلتقي امام صناديق الاقتراع.
عند ذلك نكون، كشعب فلسطيني، قد بلغنا سن الرشد، ولا مكان للمساومة على اقتسام المنافع باسم الوحدة الوطنية، ولا حاجة بنا الى مبادرات عربية مراوغة لتعميق الانقسام بيننا.
في ذكرى الحكيم
بقلم: راسم عبيدات – القدس
ثمة سؤال يلح علي بقوة،ماذا لو كان الحكيم حياً،وشاهداً على ما وصلنا إليه عربياً وفلسطينياً من حالة انهيار وضعف وذل وإنكسار وإنحطاط،ماذا عساه ان يقول..؟؟؟ عندما يختزل الوطن في كانتونات ومعازل،ويتعرض لأبشع عملية تصفية للحقوق والثوابت لا لاجئين ولا قدس ولا سيطرة على حدود ومعابر وسماء،والمأساة هنا ان البعض فلسطينياً ما زال يمني النفس بحلب الثور،أو الحصول على دبس من قفا النمس،وكأنه يعاند الحقائق والوقائع على الأرض،وتصاعد مخططات التهويد والأسرلة وتغول وتوحش الإستيطان،ليست كافية لكي تزيل الغشاوة عن عينيه،فهو يتعامل مع الأمور وفق منطق "‘عنزة ولو طارت"،وعربيا إستبشرنا خيرا ب"الثورات" وما يسمى ب"الربيع العربي" لكي نكتشف ونصحو على أنها ليست سوى مخططات جديدة إستعمارية تشارك فيه قوى عربية وإقليمية من أجل إقامة سايكس- بيكو جديد،يقسم ويذرر المنطقة العربية ويفككها ويعيد تركيبها على أسس مذهبية وطائفية ووفق الثروات وليس الجغرافيا،والأخطر هنا ما جلبته تلك"الثورات" من أفكار وجماعات تعاني من تشوهات ليست فقط فكرية،بل هي في نهجها وتصرفاتها وسلوكها أقرب إلى الوحشية البشرية في مرحلة المشاعيات البدائية،وكذلك أفكارها قائمة على القتل البربري والوحشي،وممارسة كل ما هو ضد الحضارة والإنسانية والتمسح بالدين،وكأن تلك الجماعات كرموسوماتها وجيناتها البشرية أقرب الى الوحوش والحيوانات البرية.
يا حكيم أنت من قلت بأن صراعنا مع المحتل صراع وجود وليس حدود،وهذا الصراع قد يمتد لمائة عام،وعلى قصار النفس ان يتنحوا جانباً،ولكن يا حكيم،هو زمن قحط وجدب،وكأن فلسطين باتت عاقراً،قصار النفس لم يتنحوا جانباً،وهم يتسيدون ويتصدرون المشهد الفلسطيني،وينطقون زوراً باسم الثورة والشعب،إنهض يا حكيم،تمرد على موتك السرمدي الأبدي،فالثورة والفصائل يزنى فيها،وقيادتها تختطف.
الثورة لم تعد ثورة يا حكيم وكذلك هم الثوار أفرغوا من محتواهم الوطني والكفاحي والنضالي،واصبح هم الكثيرين منهم الرتب والرواتب والأوسمة والنياشين،ولم يبق منهم ثائراً إلا من رحم ربي،ومشروعك القومي الحالم يتعرض للذبح،على أيدي المتأسلمين الجدد،وعلي يد مشيخات نفط وكاز وغاز،اصبحت تنطق زوراً بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتداول السلطة،وهي في بلدانها تجلد وتسجن وتشنق كل من يهمس وليس ينادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان،وكذلك هي على عرشها خالدة مخلدة،لا ينزلها او يغيبها عن عروشها سوى الموت،وحتى الخرف والعته والجنون،ليست من الأسباب الموجبة لتخليها عن العرش.
كانت قبلتك فلسطين وليس غير فلسطين،كانت لديك رؤية ثاقبة وإيمان عميق بالشعب والثورة وبالوحدة العربية والقومية،كنت النموذج والمثال الصلب والعنيد،المتجذر في إنتمائه وقناعاته،لا تخشى في الحق لومة لائم ،وكنت تقول كلمة الحق عند أكبر سلطان جائر،ترفض أن يسجل في تاريخك الثوري،انك في يوم من الأيام،أوغلت في الدم الفلسطيني،او تجاوزت المحرمات والثوابت،ولكن هناك من آتى ليغول في الدم الفلسطيني ويتجاوز كل الخطوط الحمراء،ويتنكر لكل الثوابت والمنجزات،وليتسلق على كل نضالات وتضحيات شعبنا الفلسطيني العظيم،كنت تجاهد وتناضل من أجل وطن عربي اشتراكي حر،يتساوى فيه كل أبناء الوطن في الحقوق،وتوزع الثروات بين أبنائه بالعدالة،ويقضى على الفقر والجوع والتخلف والأمية فيه،وتسوده قيم ومبادىء الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية وتصان فيه الكرامات الشخصية والعامة.
واليوم يا حكيم لم تعد فلسطين لا قبلة من يدعون الثورة والنضال والجهاد،بل فرغوا الجهاد الحقيقي من معانيه ومضامينه وعطلوه في فلسطين وكل البلدان العربية المحتلة والمغتصبة،وحرفوه وأوجدوا بدلاً منه جهاد النكاح وطلب الحور العين في طرابلس وبغداد والشام وقاهرة المعز.
اليوم يا حكيم يطارد الثائر والمناضل،والفاسد يحاكم الشريف،والتطبيع أصبح شكلاً من أشكال"النضال" ومحاربته شكلاً من أشكال التطرف والعدمية،والتنسيق الأمني "مصلحة" فلسطينية.
المنظمة يا حكيم لم تعد هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا،هناك من جوفها،وأفسد مؤسساتها وسطا على قراراتها،وأصبحت خاوية،لا تحترم لا هيئاتها ولا قرارات مؤسساتها،ولم يحدث أي إصلاح فيها او إعادة بناء لها على أسس ديمقراطية،لكي تستوعب كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني،عضوية مؤسساتها معومة لا تعرف من هم أعضاؤها،وحتى هيئتها الأولى،أصبحت قرارتها لا تساوي قيمة الحبر الذي تكتب به.
الفصائل يا حكيم ضاعت الفواصل والتخوم بين فصائلها،ولم تعد تعرف هويتها لا السياسية ولا الفكرية،تغلغلت منظمات "الأنجزة" و"التكنوقراط" في قياداتها،ولم تعد تعرف هذا القائد لأي حزب ينتمي،فتجد احياناً مدعياً لليسار على يمين اليمين ويميناً على يسار اليسار.
أصحاب الجمل الثورية اللفظية يا حكيم يتزايدون وينمون كما هي الطحالب في المياه الآسنة،وأدعياء البطولات الوهمية هم كذلك.
واليسار الفلسطيني الذي كنت واحداً من اهم المعاول في بنائه وإقامته،ما زال يا حكيم نخبوياً فوقياً،قياداته تصرخ اكثر مما تفعل،والعديد منها منعزلة عن الجماهير،هي بحاجة لثورة في الثورة،والعمود الفقري للمنظمة والثورة إشكالاته كثيرة ومتعددة وعميقة،بتعدد محاوره وجهويته ومناطقيته.
أما جماعات الإسلام السياسي،فهي ركبت موجة المقاومة،وعندما وصلت للسلطة لجمت ومنعت كل مقاوم.
مشهد محزن يا حكيم،ولكن يبقى الأمل في هذا الشعب العظيم المناضل والمكافح والمضحي،والذي لا بد ان تولد من رحم المعاناة والنضال قيادة تكون بحجم نضالاته وتضحياته.
الجانب المنير لجامعة بيرزيت
بقلم: حسن البطل – الايام
ألقى زائر أجنبي نظرة من شرفة مطعم "زرياب" ـ الشارع الرئيسي لرام الله، وقال: في مدينتكم سيارات حديثة أكثر من لندن.
بانجمين بارت، مراسل "لوموند" كان مراسلاً لها بين العامين 2002 ـ 2011 وألّف عن رام الله كتاباً معنوناً "حلم رام الله ـ رحلة في السراب الفلسطيني" ومما جاء في تقديمه لكتابه أن الإدارة الفلسطينية "مجهزة بشبكة معلوماتية محبكة جيداً وفائقة الإتقان".
في معلومات غير ذائعة أن مصانع النسيج في كالكوتا تستورد آخر تكنولوجيا من إنتاج مصانع النسيج في مانشستر الإنكليزية (تذكروا فريق مانشستر يونايتد)! وما تستورده من مصانع أحدث تكنولوجيا من مصانع النسيج البريطانية.
والآن، إلى جامعة بيرزيت، عميدة جامعات فلسطين ـ السلطوية" ولها وجهان قاتم ديمقراطياً، ومنير أكاديمياً.
القاتم هو ضعف ثقافة طلابها الديمقراطية، والمنير هو وجهها الأكاديمي ـ البحثي، في بعض مجالات البحوث على الأقل.
في الجامعة معهد للحقوق أنجز، خلال عشر سنوات من البحث والعمل، مفخرة ترونها على الموقع التالي:
www.muqtafi.birzeit.edu
وهو أكثر تقدماً على مثيلاته في جامعات بريطانيا وأميركا، بشهادة أكاديميين بريطانيين "علينا أن نتعلم منكم".
"المقتفي" بنك معلومات قانوني وقضائي فلسطيني، وفق أحدث التكنولوجيا والبرمجيات في تصميم أنظمة جديدة. لماذا؟ لأن الباحثين جاؤوا متأخرين، والأنظمة الجديدة أفضل من ترقيع القديم عادة.
صديقي غسان عبد الله أنجز الدراسات الأولى لتحليل النظم، بعد الاطلاع المباشر على النظم المعمول بها في جامعات مصر ولبنان وبريطانيا وفرنسا، والاطلاع على تجربة تونس... ومن ثمّ وضع التصاميم وبوشر العمل بدعم منحة من مؤسسة "فورد فاونديشين" بقيمة 50 ألف دولار وأُتبع بدعم أوروبي متعدد، وحتى من وزير العدل القطري في حينه (قبل هوجة فضائيات "الجزيرة").
المسؤول الأول عن البرنامج كان د. كحيل منصور، من حيفا، وهو أستاذ في جامعة "السوربون" الفرنسية، ومشرف أبحاث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، وتوفرت في شخصه وعلمه صفات: الذكاء، والعلم.. والأهم الإدارة الجيدة.
الدخول إلى موقع "المقتفي" مجاني، مع اشتراك شكلي، ويحتوي على كافة التشريعات التي سُنّت في فلسطين، منذ العهد العثماني، مروراً بالبريطاني والأردني والمصري والإسرائيلي.. والسلطوي الفلسطيني. بعضها لم يكن تعريفها سهلاً كسارية المفعول، ولكنها موجودة بنصوصها الكاملة وأصلية.. وبأساليب بحث متطورة عن مثيلاتها في برامج جامعات ودول متقدمة وعريقة (لأننا بدأنا من آخر منجزات التكنولوجيا والإنترنت) وتتضمن نصوصاً كثيرة وأساليب بحث بالإنكليزية، أيضاً.
ما معنى هذا؟ جامعة بيرزيت تطورت من مدرسة إلى كلية، إلى جامعة قبل تأسيس السلطة الوطنية.. أي أن التعليم والعلم قبل السلطة والدولة بكثير.. وهذا، مثلاً، حال "معهد التخنيون" الإسرائيلي، الذي تأسس العام 1912 من قبل يهود ألمان (كان التعليم فيه بداية بالألمانية) وكذلك فإن "الجامعة العبرية" أقيمت في العام 1924.
بعض جامعات أوروبا تأسست في القرن السادس عشر، وبدايات "جامعة دمشق ـ معهد الحقوق" مثلاً تأسست مطلع النصف الأول من سنوات عشرينيات القرن العشرين، وتعتبر كلية الطب في الجامعة المذكورة فخر كليات الطب في الجامعات العربية.
جامعة بيرزيت حديثة العهد نسبياً في عمر الجامعات العالمية العريقة، وهي تفتقر إلى التقاليد الأكاديمية أحياناً، وبخاصة من جانب بعض طلابها، الذين لا يطيقون سماع "الرأي الآخر" كما في مقاطعة وزير العمل ـ عضو اللجنة التنفيذية أحمد المجدلاني، ومن قبل القنصل البريطاني في القدس، ومن قبل السياسي الفرنسي ليونيل جوسبان.. هذا في حقبة السلطة، وقبلها ضرب بعض الطلاب أستاذهم سري نسيبة لآرائه السياسية، منتصف ثمانينيات القرن المنصرم.
صحيح، أن "بيرزيت" رائدة التمثيل النسبي في انتخابات مجالس الطلبة، لكن العلاقات عكرة مع عمادة الجامعة، وبعض الطلاب يقاطعون المحاضرين بتهجمات لفظية وجسدية وشخصية غير لائقة.
.. وهذا هو الوجه القاتم في "أم الجامعات الفلسطينية" وتحاول عمادة الجامعة الحالية مع البروفيسور خليل الهندي إرساء تقاليد ديمقراطية وأكاديمية.
مصر التي لا تنحني ...
بقلم: طلال عوكل – الايام
قبل يومين فقط مرت الذكرى الأولى لاندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر الكبيرة، وكنا نتمنى أن تعم الاحتفالات كل انحاء مصر والوطن العربي، غير أن الأمور سارت بعكس ما تشتهي المراكب.
لسنا بصدد الخوض نظرياً في المصطلحات، وما إذا كان ما جرى في مصر فصلا بل الفصل الأهم في الربيع العربي، أو ان كان من الصحيح أن نطلق على ما جرى ويجري ربيعاً أم خريفا، أو ما اذا كان ما وقع في مصر قبل ثلاث سنوات ثورة أم انتفاضة أم هبة شعبية، أم انقلابا، إذ ليس لنا الا أن نتبنى الفهم المصري الذي اجتمع عليه كل المختلفين، والذين يعتبرون ما جرى ثورة شعبية.
كما أننا لسنا بصدد اجترار تقييماتنا السابقة، بشأن الاخطاء والخطايا، والسلبيات والإيجابيات التي رافقت الثورة منذ يومها الأول وحتى اندلاع الثورة الثانية في الثلاثين من حزيران العام الماضي، ولسنا في الوقت ذاته مضطرين للانضمام إلى جولة المطبلين والمزمرين لهذا الطرف أو ذاك.
ما يجري في مصر، هو إلى حد بعيد، العامل الأساس، الذي يقرر الوجهة العامة، التي تسير نحوها الأمة العربية، فصلاح الأمة وتطورها من صلاح مصر، أما بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين فالأمر أبعد من ذلك كثيراً، فصداع مصر، يتسبب لنا بصداع نصفي مؤلم، والواقع القائم يشهد على ذلك، إن لم تكن كل وقائع التاريخ المعاصر والقديم.
لقد اختارت الولايات المتحدة، أن تبادر لتحريك عملية التسوية، في ظل ظروف مقروءة بالنسبة لهم، ومناسبة جداً لإسرائيل، ذلك أن ولاة الإدارة، الأميركية يعتقدون أن الأوضاع العربية وفي القلب منها أوضاع مصر، تجعل الفلسطينيين أيتاماً، مستعدين للخضوع، ولتقديم كل التنازلات، التي تتيح توقيع اتفاقية سلام، هي أقرب إلى الاستسلام، دون أن تتضرر الشروط والمطالب الإسرائيلية عالية السقوف.
لن تنجح الولايات المتحدة في تحقيق ذلك، فمهما بدا الوضع العربي صعباً، مشتتاً، منشغلاً في أوضاعه الداخلية، فإن الفلسطينيين لن يرفعوا الرايات البيضاء وسيترتب عليهم أن يدفعوا أثمان تمسكهم بحقوقهم، وأن يدفعوا أيضاً أثمان الوضع العربي الرديء.
ما يجري في مصر، يثير أسئلة كثيرة، وصعبة، أهمها، سؤالان: الأول، هو من أين جاء كل هذا العنف الذي لا يرحم، وهل كان وجود الجماعات التكفيرية في سيناء فجائيا، أم انه موجود منذ فترة طويلة، ولماذا لم تظهر براعة هؤلاء واستعداداتهم للتضحية، ضد إسرائيل؟ أما السؤال الثاني فهو، هل تعتقد جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومن يشايعهم، بأن سبيل العنف الجاري، في مختلف أنحاء البلد، يمكن أن يعيدهم إلى السلطة، أو يقدم خدمة ما لبلد، يحتاج إلى الاستقرار والتكافل، من أجل النهوض بالأهداف التي قامت من أجلها الثورة؟
السؤال الأول يلقي بظلال كثيفة على كل حالة الجماعات التكفيرية والإرهابية بكل مسمياتها في المنطقة العربية، والتي يظهر العدد الأكبر من هذه المسميات في سورية، ومعظمها ينتمي إلى القاعدة، فكراً وسلوكاً، حتى لو لم تكن هناك صلات تنظيمية، أو لوجستية.
لماذا لا تفعل ولم تفعل كل هذه الجماعات، شيئاً ضد إسرائيل والولايات المتحدة، لكنها تبدع في استخدام العنف المقيت ضد الشعوب العربية بمسلميها ومسيحييها، وأقلياتها العرقية، والدينية.
إلى متى يستمر هذا النهج الذي يعطي الأولوية لقتال الأشقاء، والأهل، قبل قتال رؤوس الكفر، والمستعمرين، الذين يستبيحون المقدسات الإسلامية والمسيحية، في القدس ويستبيحون أرض فلسطين؟
إن ما نشاهده من عنف مفزع، ومقرف على الفضائيات، في العراق، وسورية وفي ليبيا، واليمن، على يد هذه الجماعات ينطوي على إساءات بالغة للإسلام والمسلمين، دون أن يحقق للمسلمين أية فائدة، فلا كل هذا العنف أدى إلى تحسين صورة الإسلام، على إقامة أنظمة إسلامية، ولا يخلف وراءه سوى الدمار والخراب.
الدمار والخراب، هو الهدف الذي لطالما سعت إسرائيل، والولايات المتحدة إلى تحقيقه خصوصاً في الدول العربية المركزية، والمحيطة بفلسطين، ومن أجل حماية أمن إسرائيل ومصالحها، وإطالة عمرها، ومن أجل استعباد شعوب الامة العربية والامة الاسلامية، ونهب ثرواتها.
أما بصدد السؤال الثاني، فإنني أعتقد جازماً أن استمرار جماعة الإخوان المسلمين ومن يشايعهم في مصر، في استخدام العنف، وبث الفوضى، والفرقة في المجتمع المصري، لن يعيد لهم مجدهم الذي فقدوه خلال عام واحد من حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، ولن يساهم في تحقيق الحد الأدنى من أهداف الثورة التي شاركوا فيها بقوة، سواء من موقع الشريك الأول أو من موقع الملتحق بالثورة.
لن نعود إلى فكرة انقلاب أم ثورة، فنحن أمام واقع محدد ومشخص وعلى السياسة الحكيمة أن تتبصر بواقعية، ما يجري، وأن تقود خطواتها وسياساتها ومواقفها بناء للمصالح الوطنية العليا، التي تضعها كل الأحزاب السياسية على رأس برامجها.
إن استمرار العنف ضد النظام والمجتمع لن يجلب للمصريين سوى توسيع الثغرات والشقوق التي يمكن أن تغري الآخرين بالتدخل، ولن يجلب للمصريين سوى المزيد من الخراب والدمار، وكراهية الطرف الذي يمارسه، وهو لن يؤدي بأي حال إلى وقف المسيرة التي اتخذتها خارطة الطريق، وبدأت بنجاح عملية التصويت على الدستور.
إن ما يجري في مصر، ينتمي إلى التغيرات التاريخية التي تستغرق وقتاً، وتستدعي دفع أثمان مقابل الأهداف الكبيرة والنبيلة التي يرفعها الثوار، ولذلك فإن العنف الذي يتجول في مصر، ليس سبباً للقلق، والاحباط، أو الخوف من الفشل.
بقيت ملاحظة أخيرة أو نصيحة، تتصل بالجدل الدائر في مصر، ويعبر خلاله بعض السياسيين عن مخاوفهم من ترشح وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي للرئاسة، الملاحظة تقول إنه ليس بالضرورة أن يكون المستبد عسكرياً، وليس بالضرورة أن يكون العسكري مستبداً.
فالأصل هو النظام، ومنظومة القوانين التي تحدد طبيعته وآليات عمله، فإن كان النظام يلزم الحاكم، بالعودة إلى صناديق الاقتراع كل أربع أو خمس سنوات، فما الضير في أن يكون السيسي، أو غيره في موقع الرئاسة؟
تونس: عبقرية التوافق وروح خير الدين باشا
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
آن لروح المصلح الدستوري الكبير خير الدين تونسي (1830-1889) أن تهدأ، ذلك أن التونسيين الذين حلم بأن يمارسوا حياة سياسية عصرية قائمة على الانتخاب الحر والدستور، وبما يقرر ويرسخ مبادئ العدل، والمساواة، والحرية، يقرون اليوم دستوراً عصرياً ومدنياً بروح توافقية حرة. خير الدين باشا كان مهجوساً بالإرادة الحرة، يكتب ويؤكد أن الرجال الأحرار هم وحدهم من يبنون مجتمعات ودولاً قوية.
التهم التونسي، القوقازي المولد، العثماني التوجه، التنويري الثقافة، الباريسي القراءات، أفكار عصره، وأدرك أن "أقوم المسالك في أحوال الممالك" يتأتى من انتمائها إلى زمنها، واستيعابها لما انتجته الشعوب والحضارات. وترجمة ذلك كله على صعيد جماعي عريض لا يتم إلا من خلال التعليم، وهناك كان هاجسه التقني الأكبر. تماماً كما كان مجايله المشرقي رفاعة رافع الطهطاوي مهجوساً ومهموماً في التعليم، كان خير الدين صاحب قناعة تقترب من القناعات الدينية بأولوية تنوير الأجيال وتعليمهم. لا ينبني الاقتصاد المتين، ولا الجيش القوي إلا على التعليم، هذا ما كان مترسخاً في وعيه ووجدانه. بيد أن الاقتصاد والجيش القويين ليسا سوى مناخ الحماية لما هو أهم: العدل، والمساواة، والحرية، وهي ما يلهج به السياسي الناشط آنذاك، وهي الروح التي كان يبثها في مستقبل تونس.
دستور تونس ما بعد الثورة الذي صاغه المجلس التأسيسي "فصلا فصلا" هو أرقى وثيقة دستورية مدنية تضبط الاجتماع السياسي في فضاء عربي منذ دستور المدينة في العهد النبوي. جوانب أهميته عديدة، بعضها وربما أهمها يتعلق بالتمرين والممارسة السياسية والديمقراطية الطويلة، التي خاضها الأطراف والخصوم في هدف الوصول إليه، والجوانب الأخرى تكمن في النص المُنتج ذاته وسماته القانونية والمدنية المتفوقة.
هذا الدستور إنتاج توافقي يمثل خلاصة جدل وسجال وخلاف ووفاق وتنازلات مُتبادلة من قبل الشرائح الأوسع تمثيلاً للتونسيين، وليس وثيقة فوقية صاغها شخص أو سلطة دكتاتورية وفرضها على الجميع. يمكن بكل ثقة القول إن الدستور هو وثيقة الشعب التونسي وثورته. بالتأكيد هناك ما يمكن نقده في الدستور الجديد واقتراح صيغ لمواد أفضل، لكن الأفضل الخلافي وغير لا معنى له أو فائدة منه، ويبزه الأقل فضلا والمتوافق عليه.
هنا بالضبط تكمن إحدى فضائل الديمقراطية وهي التمرين الصعب والمرير والمديد على الحوار والتنازل للأطراف الوطنية الأخرى، للوصول إلى المساحات المشتركة الوسطى، حيث يلتقي الجميع أو معظمهم على قاعدة المشاركة بالحكم وليس الاستئثار به. وهذه الممارسة الديمقراطية التي شهدناها في تونس، على اختلالتها وبطئها وما بثته من احتجاج بل وحتى حنين للعهد البائد بسبب غموض مساراتها وتعثر إنجازاتها الآنية هي الجوهر المهم في عملية إنتاج الدستور والتوافق عليه. في هذه العملية الطويلة صارت الغالبية السياسية تدرك بالممارسة والمعايشة، وليس بالتنظير الترفي، معنى السياسة الديمقراطية، حيث تتكبل أيادي كل طرف عن البطش بالأطراف الأخرى، وعدم إمكانية فرض ما يريد عليهم. تتحرك الكتلة السياسية الأهم والنخب في قلبها إلى الأمام، ببطء ممل، لكنه مترسخ على مبدأ جوهري هو "حتمية التعايش" مع الخصوم السياسيين، وهو الأمر (المرير ربما) لكن الذي لا مناص عنه.
التجربة التونسية تنتزع الإعجاب في وسط عواصف الفشل العربي والإقصاء والتشنج والدم المُراق في التجارب المشرقية، والتي أحالت "ربيعها" إلى خريف باهت. الفرادة الكبيرة والمُلهمة في التجربة التونسية تكمن في عبقرية التوافق وكبح جماح شبق وشهوة الاستئثار بالسلطة أو القرار. لم يتم ذلك من خلال مسيرة هادئة ووئيدة، بل على العكس كانت صاخبة، ومتوترة، وشهدت فصولا صعبة، جرتها إلى حواف الهاوية في اكثر من مفصل زمني. لكن عقلانية ووسطية التوانسة ظلت هي الظافرة تسحب الجميع من تلك الحواف وتعيدهم إلى الوسط. في قلب الوسط كان كان حجر الزاوية متمثلا في فكرة ضرورة اللقاء بين "الإسلاميين المعتدلين والعلمانيين المعتدلين" وتكوينهم كتلة مستقرة تقوم عليها المسيرة السياسية، وتتمثل حزبيا ومؤسساتيا بـ ترويكا "النهضة" و"حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" و"التكتل الديمقراطي".
مثل هذا الوسط السياسي الإطار العريض للتوافق والاعتدال التونسي والسد الذي وقف في وجه التطرف الديني الأصولي من جهة والتطرف الحداثوي العلماني من جهة أخرى. في التمسك بهذا الوسط كان على الرموز السياسية والقيادية أن تقدم تنازلات كبيرة وأحيانا ممضة. كان على راشد الغنوشي أن يدين بالفم الملآن إرهاب السلفية الجهادية التي انتقلت من التكفير إلى التقتيل في تونس. وكان على المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر أن يدينا الخطاب والممارسة المتطرفين لأصوليي الحداثة والعلمنة في تونس، وهي مواقف لم يكن بالسهولة تبنيها واجتراحها.
فضلا عن الآلية والتجربة والسياسة التي عكست نضجا متطورا باضطراد، هناك النص الدستوري نفسه وروحه المدنية المتميزة. الدستور التونسي الجديد يتشرب معاني المواطنة والمساواة والمدنية والحرية الفردية. يعكس انهماكاً بحرية الأفراد وكرامتهم والمساواة بينهم، ولا يعكس خوفا وتوترا لا حاجة لهما حول الهوية وتعريف الذات. منذ منتصف القرن التاسع عشر وسؤال الهوية و"من نحن" يطرق رؤوس المفكرين والمنظرين والأحزاب الأيديولوجية وصاغة الدساتير المسلوقة، وينهكهم ويضيع جهودهم. ثم أصبح هذا السؤال المفتعل وغير العملي، "من نحن"، الهاجس الأكبر للحركات الإسلامية التي طغت على الساحة منذ نصف قرن تقريبا. وإحدى المشكلات الكبرى في هذا السؤال المفتوح والذي لا يمكن غلقه لأنه متعلق بالهويات المتغيرة فرديا وجماعيا، إن تناوله دستوريا وقانونيا لا بد وأن يقود إلى قوننة ودسترة العنصريات الإثنية أو الطائفية. الإجابة الوحيدة الفعَالة عليه هي "المواطنة الدستورية": كل فرد في الدولة المعنية هويته تتمثل في مواطنته وانتمائه للدولة وفق تعريف دستوري يحدد الحقوق والواجبات، وليس الانتماءات الإثنية أو الدينية أو الهوى الأيديولوجي.
كل الدساتير العربية بلا استثناء تورطت في سؤال "من نحن" وبدأت به، ثم ارتبكت، وأدى ارتباكها إلى تقسيم مواطنيها بحسب دينهم أو عرقهم. في الدستور التونسي الجديد ليس هناك غرق في هذا السؤال، بل تأكيد على مدنية الأفراد ومواطنتهم. وفيه تحييد للدين بطريقة إيجابية وإناطة مسؤولية حماية الاعتقادات والحريات إلى الدولة، بما في ذلك حرية "الضمير" أي الاعتقاد والإيمان بأي معتقد. ينص الدستور أيضا، في واحد من أهم أوجه الفرادة فيه السياق العربي والإسلامي، على حظر استخدام المساجد للأغراض السياسية. ومناط الفرادة هنا يتمثل في قناعة حزب النهضة الإسلامي بهذا النص وإقراره له، وهو ما يُسجل لإسلاميي تونس، وهو للإنصاف ليس موقفا انتهازيا بل هو قناعة لديهم تمثلت في عدم توريطهم للمساجد في الدعاية الحزبية، وفي تخييرهم لأحد أئمة المساجد التابعين للنهضة بين استمراره في موقعه كإمام مسجد، أو الترشح للانتخابات النيابية، لأنهم لم يسمحوا له بالجمع بين الموقعين: النيابة، وهي السياسة، وإمامة المسجد وهي الدين. لعلنا سنرى على ارض تونس ما كان قد كتبه وحلم به وزيرها خير الدين باشا على الورق قبل أكثر من قرن!
السلام الأميركي
بقلم: عاطف أبو سيف – الايام
يدرك جون كيري أن مهمته دخلته ثلثها الافتراضي الأخير، إذ أن نهاية نيسان ستعني انتهاء المدة التي نجح في انتزاعها من الطرفين لتحقيق إنجاز في ملف الصراع الأكثر تعقيداً في العالم. لم يملك الرجل الكثير من الوقت، وهو إن أراد أن يطلب تمديد "عقد الإيجار" فعليه أن ينجح على الأقل في إحداث تقدم ما. من المشكوك فيه أنه سينجح حتى ذلك الوقت، إذ أن جملة التصورات التي يقدمها تثير شكوكاً أكبر حول حقيقة ترجمته لما سمعه من مطالب، خاصة من الطرف الفلسطيني، بالقدر الذي يبدو من ردة الفعل الإسرائيلية أن كيري لا يفلح كثيراً في صياغة هواجس إسرائيل الأمنية باللغة نفسها التي يحترفها نتنياهو وبينيت وليبرمان – وكما يرغبون له.
كيري المتحمس بذل جهداً كبيراً مع الجانبين في سبيل الوصول إلى قواسم مشتركة، لكنه في نهاية المطاف وصل إلى نتيجة خاطئة حين ساوى بين الحاجة الوطنية الفلسطينية لإقامة دولة مستقلة، وبين المزاعم الإسرائيلية بالأمن. لقد سار الرجل في الطريق الخطأ حين وقع ضحية "البعبع" الإسرائيلي الذي يسمى الأمن، أو مثلما يقول المثل الشعبي "خذوهم بالصوت".
لقد أخذ كيري بالصراخ الإسرائيلي متناسياً أن أصل الصراع في المنطقة أن ثمة شعباً يبتلع حقوق شعب آخر، وأن هذا الشعب المبتلعة حقوقه هو آخر شعوب الأرض وقوعاً تحت الاحتلال الكامل بما تحمله الكلمة من هيمنة ومصادرة وقتل وتنكيل والأهم تغييب للحقوق السياسية.
يبدو أن كيري لم يقرأ كثيراً في كتب التاريخ ليعرف أصل المشكلة، أو هو قرأ ما وفره له أصدقاؤه من "إيباك" أو "جي ستريت" أو أعضاء الكونغرس من الموالين لإسرائيل، ونسي أن الفصل الأكثر دراماتيكية في هذا الصراع عنوانه "النكبة". أو هو فعلاً لم يعرف شيئاً عن وصول المستعمرين اليهود إلى فلسطين، التي كان فيها قبل وصولهم ثاني أكبر صحيفة انتشاراً في الوطن العربي حين لم يبلغ سكان فلسطين المليون والنصف مليون، وفريقها لكرة القدم كاد يكون أول فريق عربي يتأهل لكأس العالم، ناهيك عن مسارحها ودور السينما ومصانعها ونقاباتها ومدارسها التي كانت تستقطب طلاباً من كل الوطن العربي الكبير.
يبدو أن كيري يجازف بالخسارة، وهذه المرة قرر أن يصطف بشكل كامل وراء الرواية الإسرائيلية. صحيح أن التاريخ مؤلم، ولكن أي واقع هذا الذي يمكن أن يتم بناؤه على تاريخ مزور. إن الرجوع إلى أصل الصراع - كما للمفارقة يصر نتنياهو ولأسباب أخرى - يمكن لها أن تكشف لكيري الكثير من الأزمات. الغريب أن كيري لم يسمع نصيحة نتنياهو بالعودة لأصل الصراع، حيث، وكما يزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي، فإن أصل الصراع هو هجوم أهل يافا على المستوطنين اليهود الذين وصلوا لعروس الساحل الفلسطيني من أوروبا عام 1921. بالطبع نتنياهو كان سيمتعض لو سأله كيري إذا ما كان هؤلاء المستوطنون جاؤوا من خارج البلاد.
إن السلام على الطريقة الأميركية لا يهم الفلسطينيين كثيراً. حيث إن شعباً أراد أن يعيش بسلام ولو لبعض الوقت قبل أن يفاوض أعداءه على عشرين بالمئة من أرض الآباء والأجداد لم يكن ينتظر من كيري أن يعيد صياغة المطالب الإسرائيلية له بلغة مختلفة. السلام الأمني والاقتصادي الأميركي وفق الرواية الإسرائيلية وبإخراج طاقم كيري لا يلزم الفلسطينيين كثيراً. لم يقل الفلسطينيون لكيري ما قالته اليمامة ابنة كليب للعرب "أريد أبي حياً"، لكنهم أيضاً لن يقبلوا أنه يكونوا ضحية رغبة كيري بالحصول على جائزة نوبل للسلام أو بنزيناً يدفع ماكينة ترشحه للرئاسة في المرة القادمة.
ليست المشكلة بإيجاد حلول أمنية تكفل أن تغلق فم الطفل الإسرائيلي المدلل الذي يشتكي نقص الأمن فيما هو يمتلك السلاح النووي والطائرات الزنانة ودبابات الميركافاة وصواريخ حيتس. إن السؤال الأمني الذي يجب صياغته بطريقة أخرى هو: كيف يمكن بعد أن ينال الفلسطينيون استقلالهم أن يضمنوا أمنهم أمام الغول الإسرائيلي. لكن كيري وكما أراد نتنياهو وقع في الشرك، فصاغ السؤال بطريقة معاكسة. فبدلاً من الانشغال بتلبية حاجة الفلسطيني للأمن، انشغل في سبل الاقتطاع من الجزء القليل من الأرض المخصص للدولة الفلسطينية لحماية إسرائيل. وربما لو أعمل مساعدوه عقولهم قليلاً لصار اقتراحهم: لماذا لا تقتطع إسرائيل من ارضها لإقامة مناطق عازلة بينها وبين الفلسطينيين إذا كانت حقاً مرعوبة منهم، كما أن أي حاجة أمنية لتواجد فيزيائي ومراقبة على طول منطقة الأغوار طالما ثمة اتفاق سلام بين الأردن وإسرائيل.
لكن المؤكد أن هذه لم تكن هواجس كيري بالمطلق، ولم تشغل بال الفريق المساعد، بقدر ما كانوا منهمكين في كيفية تخريج المطالب الإسرائيلية وتكييفها بلغة وتصور أميركيين. وعليه جاء كيري باتفاق الإطار الذي سيقدر له بالطبع لو تم - لا سمح الله - أن يعيش عشرين سنة.
لقد استبقت إسرائيل الأمر بشن حملة على الرئيس محمود عباس الذي نجح بأدوات مختلفة في إضعاف إسرائيل دولياً وفي جعل العالم – في سابقة من نوعها - يقف دفعة واحدة خلف المطالب الفلسطينية.
بدأ الأمر منذ جلسات كيري الأولى ونجاح الفلسطينيين بإطلاق سراح أسرى ما قبل أوسلو. ثمة وعود لا يمكن لأحد إلا أن يلتزم بها، وثمة ثوابت هي جوهر العمل السياسي الذي وفقه يمكن للحقوق الوطنية ان تنتزع. يبدو أن كيري لا يفهم ذلك، ويظن أن تحقيق السلام في الشرق الأوسط يمكن له أن يكون على حساب أحلام أطفال عين الحلوة وجباليا بوطن يعيشون فيه بسلام.
بوادر خير قادم
بقلم: سميح شبيب – الايام
ما تشهده غزة، من احتفالات واستقبالات وطنية، بمناسبة وصول مسؤولين من حركة فتح، بات يوحي بوضوح، بأن الإرادة الشعبية والرغبة الوطنية، لا تزال على حالها، وهي حالة الوحدة الوطنية وضرورة تجاوز حالة الانقسام السياسي والجغرافي.
كان واضحاً للعيان، ومنذ الحسم العسكري الذي قامت به حركة حماس، بأن ما نتج عنه هو حالة طارئة لا يمكن القبول بها شعبياً، وبأن البحث عن نقاط الالتقاء ما بين القوى المختلفة، هو الطريق الأقصر لتجاوز الحالة القائمة.
تم تغذية نقاط الخلاف وتعميقها بوسائل عدة، ولاقت تلك التغذية قبولاً من بعض الأوساط، لكن حقيقة الأمر، بقيت على حالها، وهي أن حالة الانشقاق، حالة ضارة بالجميع الوطني، وبأنها تشكل عقبة في وجه الوطنية الفلسطينية بالاجمال، ذلك أنه لا يمكن لشعب منشق على نفسه، أن يقرر مصيره بنفسه.
وصلت الأمور إلى حد الضرورة، ضرورة الالتقاء وتجاوز الخلاف، وبأن المشروع الوطني برمته، بات مرهوناً إلى تلك الضرورة.
هنالك نقاط الائتلاف، ثم التوافق حولها سابقاً، وهي نقاط مهمة للغاية، وهنالك نقاط تبرز الآن، ويتم التوافق حولها. لعل أهم وأبرز ما تم التوافق عليه سابقاً، هو ضرورة الإسراع، بالتحضيرات الجدية لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وذلك بتجديد السجل الانتخابي، والاستعداد ميدانياً لإجراء تلك الانتخابات، بشكل حر ونزيه ومراقب وشفاف، دون الاحتكام لصندوق الاقتراع، ستبقى الأمور غير محسومة، وغير مفهومة في آن.
هنالك وعي شعبي واسع، لتلك الحقيقة، وأهميتها، ولا أبالغ قولاً، بأن الشارع الفلسطيني، بات مهيئاً لإشاعة أجواء الانتخابات، وخلق المناخات المناسبة لإجرائها، بما يكفل المصالح الوطنية الفلسطينية، والحفاظ على الكيانية السياسية، عبر أجواء خطرة، نشهدها جميعاً، خاصة المتعنتة، الأمر الذي يمهد لمرحلة جديدة قادمة، في النضال الوطني الفلسطيني.
ما يلزمنا الآن، هو تحشيد المواقف حول نقاط الائتلاف وتعزيز تلك النقاط، وصولاً إلى حالة التلاقي حول القضايا الوطنية الأساسية ـ الكبرى وهو أمر متاح وممكن. وبالتالي الابتعاد، قدر الامكان عن نقاط الخلاف، أو ما يمكن أن يفضي لتلك النقاط. العمل المشترك في ظل الخلاف، أكثر فائدة وحكمة من العمل على أساس الخلاف. القضية الوطنية تتسع لخلافات داخل بوتقة العمل المشترك، لكن الوطن لا يتسع لممارسة الخلافات على أساس الانشقاق الجيو ـ سياسي.
حـكـمــة الإصـغــاء
بقلم: غسان زقطان – الايام
يبدو أن على الفلسطينيين في هذه المرحلة استعادة مهارات الإصغاء وحكمته، الإصغاء إلى الزلزال، وتأمل اتجاهاته وممراته وأذرعه، الإصغاء إلى ميادين وشوارع مصر حيث المواجهة تأخذ بعدها الأقصى بين "الإسلام السياسي" الزاحف برؤاه ومفاهيمه للحكم والدولة والمجتمع، وبنية الدولة الوطنية في المنطقة الممثلة بنموذجها الأهم في الدولة المصرية.
الإصغاء لأصوات الحرب وفوضى الاصطفافات وتعثر خطاب الثورة المخطوفة في سورية، وتبين الصوت الحقيقي للثورة وتنظيفه وتنقيته من الارتباك الذي أحدثه زحف المجموعات الظلامية على الأرض السورية والثقافة السورية العميقة الجذور، فيما يشبه تصفية حسابات مع تاريخ حضاري متجدد وجد امتدادا له في انطلاقة الثورة في سورية، وأهدافها التي دافعت عن حق المواطنة لكافة مكونات المجتمع السوري وأطيافه والديمقراطية ووحدة التراب، هناك بالضبط تكمن روح الثورة ونداؤها، وتلك هي النواة الحقيقية، الصياح الذي يرتفع تحت أسماء غريبة من نوع داعش والنصرة... الآن لا يشبه تلك النواة ولا يمثلها، صراخ خارج السياق وخارج الزمن ولا يملك تربة في سورية ليمد جذوره.
الإصغاء إلى الصوت الخافت للرمل الذي يتسرب من الساعة المعلقة في أحلام الناس كلما ارتكبت حماقة، أو أدلى مسؤول بتصريح أو موقف محاولا منح مصلحته الشخصية أو فهمه الخاص مسحة وطنية.
الإصغاء إلى أصوات البيت وهموم ساكنيه، المصالحة على سبيل المثال، التي تسري مسرى الخديعة وتكتسب صفاتها تحت سمع الناس ونظرهم، حماس التي تواصل بناء سلطتها الانفصالية وتعزيزها تحت مظلة هدنة هشة زمامها بيد الاحتلال، وتواصل في الوقت نفسه اداء دورها في "المصالحة"، وفتح التي تتجاهل حاجتها لتصفية خلافاتها، وانقسامها العميق تحت السطح، وتتجاهل في الوقت نفسه حاجتها وحاجة المشروع الوطني لوحدة اجنحتها في اطار الاختلاف والتعددية، الذي حافظ على وجودها خلال عقود طويلة وعبر بها ارض الزلازل. تلك هي أولوية تسبق البحث عن "المصالحة" ينبغي تأملها بعمق ومسؤولية وطنية.
الإصغاء إلى أصوات جنازير الميركافا وجرافات الـ (D9)، ومواكب القبة الحديدية وهي تتجه نحو الشمال لتصفية الحساب مع "حزب الله" الغارق في الكمين السوري، أو تلك المتجهة للجنوب للبحث عن ذريعة جديدة لقتل الفلسطينيين تنقذ الاحتلال من استحقاقات الجلاء عن الأرض الفلسطينية، وتنقذ الانقسام الفلسطيني وتنقذ حماس من كابوس المصالحة.
تغريدة الصباح - المحبّة ام الكراهيّة ؟
بقلم: محمد علي طه – الحياة
سُئل المفكّر والكاتب الرّوائيّ الايطاليّ الكبير امبرتو ايكو عن السّرّ الخفيّ الذي الهمه روايته الرّائعة "اسم الوردة" التي تُرجمت الى عدّة لغات عالميّة وبيع منها ملايين النّسخ فاجاب: شدّة كراهيّتي للرّهبان.
هذه الاجابة الحادّة اذهلتني وجعلتني افكّر بعمق لفترات طويلة ومتكرّرة بفحواها وابعادها، فلا يُعقل ان يلقي الكلام على عواهنه مفكّر كبير وروائيّ عالميّ واستاذ جامعيّ له تاثير كبير على طلابه وقرّائه مثل امبرتو ايكو. ووقفتُ والاصحّ توقّفتُ مليّا امام السّؤال الصّعب: هل المحبّة ام الكراهيّة هي ينبوع الابداع ؟
يحبّ الانسان الطّبيعة: جبالها وسهولها ومروجها ووديانها وانهارها واشجارها وازهارها ونباتاتها وعصافيرها وفراشاتها فيكتب القصص وينظم القصائد ويؤلّف الاغاني والسّمفونيّات ويرسم اللوحات في مديحها. ويحبّ الرّجل المرأة او تحبّ المرأة الرّجل فيبدع القصائد والقصص والروايات والاغاني والموسيقى والرسومات معبّرا عن هذا الحبّ. ويحبّ المناضل والثّائر الحريّة فيحلّق في التّغنّي بها.
لولا حبّ الحريّة ما قرأنا قصائد لوركا واراغون وناظم حكمت ونيرودا وبرخت. ولولا حبّ الرّجل للمرأة ما قرأنا قصائد عمر بن ابي ربيعة وابن الملوّح ونزار قبّاني. ولولا حبّ الانسان للطّبيعة ما قرأنا اعمال جون كيتس ووليام وردزورث وجبران خليل جبران. ولولا حبّ المرء لوطنه ومسقط راسه ما قرأنا روايات نجيب محفوظ وامين معلوف والطّاهر وطّار ومحمد ديب. ولولا حبّ الانسان للحياة ما كتب اليونانيّ نيكوس كازانتيزاكيس رائعته "زوربا اليونانيّ.
يقولون انّ الحبّ يفعل المعجزات وامّا امبرتو ايكو فيرى انّ الكراهيّة قد فعلت المعجزة معه.
لولا كراهيّة ليون تولستوي للحرب وللجنرال نابليون بونابرت الذي غزا روسيا ما كانت رائعته الخالدة "الحرب والسّلام". ولولا كراهيّة عبد الرّحمن منيف لحضارة النفط وما ترتّب عليها ما كتب عمله الرّوائيّ الكبير "مدن الملح".
قد نطرح امثلة عديدة في المحبّة والكراهيّة، في الشّعر وفي النّثر، كما تجيب على سؤالنا ايضا لوحات فنيّة خالدة للفنّانين العظماء امثال فان كوخ وبابلو بيكاسو ودافينتشي ومؤلفات موسيقيّة لبيتهوفن وموتسارت وباخ و"بحيرة البجع" لتشايكوفسكي.
ويبقى السّؤال الكبير الحادّ: المحبّة ام الكراهيّة ام كلاهما ينبوع الفن والعطاء والابداع؟
قد يجد كلّ مبدع سواء كان شاعرا او روائيّا او رسّاما او موسيقيّا او غير ذلك اجابة على هذا السّؤال في اعماله، ولكن يرحل الانسان من على الارض ومن الحياة وتتلاشى الكراهيّة في الفضاء او تُدفن في لحده وامّا الحبّ فيبقى على وجه الارض وبين البشر.
الحكيم .. في ذكراه 2 من 2
بقلم: عدلي صادق – الحياة
لم يكن يريد العودة الى الجامعة. اصطخب في رأسه السؤال: "كيف نعود الى اللد والى كل فلسطين المحررة؟". لكن أمه هتفت:"يا إبني الله يرضى عليك، لازم ترجع الى الجامعة". استجاب لهتاف الأم التي كان يحبها كثيراً ويتعلق بها، فقد تبقت لديه ثلاثة أعوام دراسية.
في جامعته، كان المؤرخ الدمشقي قسطنطين زريق هو قبلته الأولى. فالرجل هو رئيس الجامعة بالوكالة، ومثقف موسوعي تخصص في التاريخ وثابر عليه بذهنية شاب متفوق في الرياضيات التي درسها في المرحلة الجامعية الأولى. وقسطنطين، هو صاحب كتاب "الوعي القومي" بعد كتابه عن "النكبة" وقد درس في اثنتين من أعرق الجامعات الأمريكية، وأصدر "الكتاب الأحمر" الذي اعتبره القوميون ميثاقاً للعمل القومي المغاير للشيوعية!
في مناخ الجامعة، وفي خضم النشاط الطلابي، بدأت أولى مقاربات "جورج" لإطلاق حركة سياسية. فهدف تحرير فلسطين، لن يتحقق إلا من خلال وحدة الأمة. أنشأ "الحكيم" في شبابه اليافع، جمعية "العروة الوثقى" واجتذب المجتمع الطلابي. كان الاسم لمجلة أنشأها الشيخ الإصلاحي جمال الدين الأفغاني من غرفة على سطح أحد أبنية باريس لكي يدعو الى وحدة الأمة الإسلامية، لكن "جورج" أرادها وحدة عربية تساعد عليها وحدة التاريخ والثقافة واللغة والمصير. في ذلك السياق تواصلت الندوات لتطوير الوعي السياسي القومي لدى نخبة شابة متعلمة، وسط دياجير الجهل والتخلف. ومن "العروة الوثقى" كان الانطلاق نحو تأسيس حركة أوسع للتيار القومي، تستند أدبياتها الى كتابات قسطنطين زريق وساطع الحصري، الذي كان أب القومية العربية آنذاك. ومع زريق والحصري مفكرون من كل منبت ومذهب عربي. كان وجود المنافسين المنتمين لتيارات أخرى، بعضها قومية شاملة وبعضها الآخر قومية محدودة، كـ "البعث" و"القومي السوري"؛ يقتضي التركيز على الرؤية السياسية والتنظيم الحديدي. ولما سُئل "جورج" عن سبب الامتناع عن الالتحاق بـ "البعث"، قال إن أولويتنا القومية هي فلسطين والموقف من المشروع الصهيوني "ربما لأنني رأيت ما رأيت في اللد" حسب قوله. لكن "البعث" آنذاك لم يكن يركز على فلسطين، وهذا سبب أول. أما عن السبب الثاني فقد قال "الحكيم" بالحرف: في "مطعم فيصل" في الجامعة، كنا نرى شباب "البعث" يجلسون ويتمازحون وشعرنا بأنهم في واد ونحن في وادٍ آخر. كنا نؤمن بالتنظيم الحديدي، أي إن كل شيء للعمل، وقد أضفى ذلك علينا خصوصية معينة. كنا نمثل شيئاً جديداً، وهذا الشيء الجديد هو الذي جعل وضعنا في الأردن ينمو في غضون ثلاث سنوات لنصبح مثل "البعث" وأكثر. أما الاشتراكية فقد دار بعض النقاش في شأنها، وكان رأيي أنها تأتي في مرحلة لاحقة!
بدا من خلال الخطوات الأولى لحركة "القوميين العرب" أن التركيز كان على جوار فلسطين فضلاً عن قلبها. هنا، شكلت مواضع التركيز، عامل اجتذاب للعروبيين في كل أرجاء الوطن العربي. ورأى "الحكيم" أن تسمية التنظيم بـ "الحركة" من شأنه التوافق مع الطموح الى إطار يتسع للأمة العربية كلها، ما يعني أن هذه الأمة باتت في مواجهة المشروع الصهيوني. وكان "محسن ابراهيم" يريدها حزباً، لكن تسمية الحزب أضيق من تسمية الحركة!
عندما وقع الانفصال بين مصر وسوريا بفعل دسائس القوى المرتبطة بالإمبريالية والمتحالفة مع شرائح التربح في السوق؛ تأثرت توجهات "الحكيم" وتعززت وجهته للعمل الفلسطيني القُطري والإبقاء على ضرورة الترابط بين القومي والقُطري، وتأسست قيادة للقطر الفلسطيني، مع تشكيل نواة لتنظيم الحركة المسلح، وشجعه على ذلك الرئيس جمال عبد الناصر في لقاء "الحكيم" الأول معه، في العام 1964. وقد تهيأت الظروف، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1967 ليتم الإعلان في ختام مؤتمر بمدينة "جرش" عن قيام ائتلاف لمجموعات قومية ويسارية باسم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" التي شغل "جورج حبش" منصب أمينها العام. وكانت مجموعة "أحمد جبريل" مشاركة في الائتلاف. وكعادة "جبريل" كلما تعلق الأمر بالنظام السوري أياً كان الذين يحكمون أو يعترضون؛ أوقع هذا الموالي للأجهزة السورية الانشقاق الأول في "الجبهة" في تشرين الأول (أكتوبر) 1968 عندما اعتقل "الحكيم" في سوريا قبل ان يتمكن رفيقه المناضل "وديع حداد" من اختطافه، ليعود "الحكيم" الى الأردن ويجمع الغالبية العظمى من جسم "الجبهة". لكن الانشقاق الثاني بقيادة نايف حواتمة في شباط ربيع العام 1969 وقع على أسس تتعلق بالتنظير السياسي وبأساليب العمل الحزبي. وفي كل تلك المحطات، حافظ "الحكيم" على رباطة جأشه ومواقفه، وإن ارتبكت تجربة "الجبهة" وتبدلت تنظيراتها في محاولات التوفيق بين القُطري والقومي والأممي. رأى "جورج" أن القومية ستظل هي الإطار، بينما يكون الطموح الى الاشتراكية في المضمون. كان ذلك في زمن رواج الفكر الماركسي ووجود اتحاد سوفييتي قوي. غير أن طوفان الأحداث والتراجعات على صعيد أقطار الأمة وانهيار المعسكر الاشتراكي، كانت أسباباً لمواقف عملية في "الجبهة" تُجاري الواقع الفلسطيني والعربي، دون التماشي معه في التنظير. لكن "جورج حبش" ظل يحافظ على خصوصية مواقفه، راسخاً لا يفارق ما جُبل عليه، وقامةً لا تهزها الرياح، وبوصلة قياس للاتجاهات ولمعاينة المواقف والنصح السديد. كان متطيراً من "أوسلو" التي استعاد بعدها رؤيته وتنظيره الطبقي، ليضع ــ بطريقته ــ النقاط على الحروف: برجوازية تشارك في الكفاح الوطني، لكنها تتوقف أو تتلكأ عندما تحقق مصالحها الطبقية، ليبقى الفقراء والمظلومون والمستلبة حقوقهم يكابدون الواقع ويحاولون الاستمرار. لم يدخل، لا بجسده ولا بروحه، الى مشروع التسوية، وقال باختصار: لا يستطيع الإنسان أن يستحم في شُح المياه!
التجربة الشبابية للقائد هاني الحسن في الثورة الفلسطينية .. دروس وعبر
بقلم: مروان عبد الحميد – الحياة
ولد هاني الحسن في عائلة حيفاوية في المدينة التي كانت تعد عروس البحر الابيض المتوسط على ساحله الفلسطيني. وكانت هذه العائلة ميسورة الحال يرعاها الأب الذي كان القاضي الشرعي في المدينة. وربى الاب اولاده الاناث والذكور تربية دينية مبراةً من التزمت، وحرص على التعامل مع اولاده بمودة، وشجع الثقة بين الجميع وارسى بينهم تقاليد النقاش والحوار ودفعهم الى التعليم والمطالعة.
في كنف العائلة المتميزة، عاش هاني مع شقيقاته واشقائه. كان اخوه الاكبر منه هو خالد الحسن الذي سيهجّر من حيفا وهو فتى في مطلع شبابه، والذي سيحل مع الاسرة في دمشق، والذي سينضم الى فريق القادة الكبار الذين اسسوا "فتح" وسيحتفظ بعضويته في لجنتها المركزية حتى رحيله عن دنيانا. وبمساهمته البارزة في تأسيس فتح، كان القائد الشهيد ابو السعيد تخلى عن عضويته في حزب التحرير الاسلامي وبدا دوره الكبير في اعادة تأسيس الكيان الوطني الفلسطيني ومباشرة العمل الثوري الذي اتبعته "فتح".
وعلى الطريق ذاته، سار اخو هاني الثاني، علي الحسن، الذي تحرر مبكرا من تأثره بأفكار حزب التحرير الاسلامي، وانضم الى "فتح"، وصار واحدا من قادة الحركة المهمين.
الاخ الاصغر من هاني هو بلال الحسن، الذي اتبع طريقا اختلف عن طريق اخويه. انضم بلال منذ كان طالبا الى حركة القوميين العرب، ثم اسهم في تأسيس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ومثّل هذه الجبهة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ثم انتهى بلال الى ان صار الكاتب الكبير المستقل الذي عرفناه على مدى عقود.
وللاسرة ابن آخر، نأى بنفسه عن العمل مع الفصائل وركز جهده في العمل الخاص، دون ان ينأى عن مسيرة شعبه الوطنية.
بهذا ترون كيف نشأ حبيبنا هاني الحسن في بيئة اسرية تميزت بأمرين معا: الاول هو التمتع بالتعددية، واتباع منهج الحوار بين ابناء الاسرة، دون ان يؤثر اختلاف الاراء والمواقع على العلاقة الودية بين اعضائها، والثاني هو الانهماك في العمل الوطني الفلسطيني الذي تجدد بعد العام 1948، واشغال مواقع مهمة فيه.
لقد وجد هاني، وهو الطفلُ ابنُ العاشرة نفسه، ضحية العدوان الصهيوني على فلسطين، وكابد ما كابده جيله. التهجير من الوطن، وفقدان الحياة الميسورة التي حظيت بها اسرته في حيفا، والسير على طريق التشرد، والابتداء من خانة الصفر. وكان لهذه المكابدة تأثير حاسم على خيارات الطفل ومسيرة حياته كلها.
فور وصول الاسرة الى دمشق، انتسب هاني الحسن الى الصف الأخير من المرحلة الاساسية، في مدرسة دمشقية خاصة تدفع الاونروا رسوم تلاميذها الفلسطينيين. وتميزت هذه المدرسة واسمها الثانوية الاهلية، بوجود مدير لها يحفز على الروح الوطينة لدى تلاميذها، كما تميزت بما تميزت به كل مدارس دمشق في تلك الفترة، وهو وفرة الاهتمام بالشؤون الفكرية والسياسية والنشاط السياسي.
وفي هذه المدرسة التي واصل فيها هاني تعليمه التأسيسي، التقى الطفلُ القادم من حيفا بأفراد فلسطينيين قدموا من شتى انحاء الوطن الذي نُكب. وكان السؤال الذي برز منذ البداية وراح يكبر بمضي الوقت هو: ماذا نحن فاعلون لتحرير الارض والعودة الى الوطن الذي ابعدنا عنه، وما الذي ينبغي ان يفعله الفلسطينيون فيما هم يشهدون الحال العربي الذي لا يبشرهم بتحقيق الامال؟
ووجد هاني المعجونُ بالتوق الى لعب دور لرفع الظلم عن نفسه واسرته وشعبه، وجد ما وجده اقرانه: الحكام العرب لا يُرجى منهم خير، والاحزاب القائمة حولهم تتبارى في رفع الشعارات الكبيرة بشان القضية الفلسطينة، وتجتهد لاجتذاب النشطاء من الفلسطينيين الى صفوفها، وذلك دون ان يصير عمل هذه الاحزاب الفعلي أو تصير منجزاتها معادلة لشعاراتها. وتلقى هاني خيبات الامل المبكرة، خصوصا وهو يشهد في الفترة التي تشكل فيها وعيه على الشان العام، تواترَ الانقلابات العسكرية في سوريا منذ حلوله فيها.
هنا، كان هاني الحسن بين اوائل الفتيان الفلسطينيين في سوريا الذي تقصدوا منذ البداية التوجه نحو تأسيس بنى سياسية خاصة بالفلسطينيين، لقد هدته ثقافته الى اول الطريق: العلمُ هو مفتاح السير، والشعب الفلسطيني هو المؤهل لتولي زمام المبادرة الاولى لتحرير وطنه، والمحيط العربي مؤهل ليستفيد منه الفلسطينيون مصدرا للدعم. وبهذا ناى هاني بنفسه عن الانخراط في اي حزب عربي أو اسلامي، دون ان يصير معاديا لاي حزب، وما ان انهى هاني دراسته الثانوية حتى توجه الى المانيا الغربية التي سبقه اليها فلسطينيون كثيرون، واختارمدينة فرانكفورت، حيث نشأ تجمع كبير للطلاب والعمال العرب. وانتسب هاني الى الجامعة ليدرس الهندسة المدنية، وفعل ما فعله كثيرون غيره، فعمل الى جانب الدراسة في اعمال شاقة ليؤمن تكاليف عيشه، فصار بهذا على صلة بالوسطين الطلابي والعمالي.
وهنا، تعززت فكرة هاني حول اهمية بناء الكيانية الفلسطينية، وتيسرت الفرصة لوضع الفكرة موضع التطبيق، وذلك بالطبع على قدّ الحال الذي تسمح به الساحة الالمانية.
تأمل هاني في المحيط الذي وجد نفسه فيه، وصنف الشباب الموجودين في هذا المحيط الى ثلاث فئات: واحدة جرفتها متطلبات تأمين العيش الكريم، فلم تهتم بالشأن العام; وثانية كان اهتمامها بالشأن العام حاضرا ولكن ناسها كانوا هيابين ازاء المشاكل التي قد تنجم عن الانهماك في العمل لتحرير فلسطين; وثالثة هي الفئة التي تملّكها التوقُ الى النضال وسكَنها الايمانُ بالدور الفلسطيني، وكان لديها الاستعداد الكامل لتحمل الاعباء والتضحية.
باشر هاني الحسن الدعوة الى تأسيس تنظيم فلسطيني خاص. وفيما هو ناشط في بثّ دعوته، التقى هاني بمن سيصير رفيق عمره الذي سبقه بالدعوة الى اعمتاد الفلسطينيين على انفسهم. التقى هاني بهايل عبد الحميد الذي كان قد توجه الى المانيا للدراسة ومتابعة جهده العام، كان هايل، (شقيقي هايل)، "ابو الهول" قد باشر منذ العام 1953 بانشاء تنظيم فلسطيني خاص سماه هو ومن شاركوه الجهد لانشائه، تنظيم "عرب فلسطين". وكان هايل قد توجه الى المانيا في الوقت ذاته الذي توجه اليها هاني. فالتقى الاثنان المتماثلان في التفكير وفي المنهج، ثم لم يفرقهما بعد ذلك سوى الوفاة. ومعا ومع من شاركهما الراي، اسس هاني وهايل تنظيما في المانيا ضم طلبة وعمالا فلسطينيين حمل اسم تنظيم "طلائع العائدين".
في ذلك الوقت، وانا اتحدث عن السنوات الاولى من ستينيات القرن المنصرم، كان معظم الفلسطينيين الذين وفدوا الى المانيا، قد تاثروا بالاحداث التي شهدتها بلدان العالم العربي التي جاءوا منها. وكان هؤلاء قد تأثروا خصوصا، بحدثين كبيرين: حدث سلبي هو فك وحدة سوريا ومصر في العام 1961م، وهو الحدث الذي زعزع التعويل الفلسطيني الواسع على الوحدة العربية لتحرير فلسطين; وحدث ثان ايجابي، هو نجاح الثورة الجزائرية في تحرير الجزائر من الاستيطان الفرنسي الاستيطاني في العام 1962، وهو الحدث الذي دفع الدعوة الفلسطينية لاعتماد الفلسطينيين على انفسهم والاقتداء بجبهة التحرير الجزائرية دفعةً كبيرة الى الامام.
بانتشار الفكرة وتعززها على نطاق واسع وبهمّة الاثنين ومن شاركهما الاندفاع في تنفيذ الفكرة، وبالهمّة المشهودة لفريق متجانس، نجح تنظيم "طلائع العائدين" في بناء البناء، دون ان يعادي ايا من الاخرين الذين شكلوا فروعا للاحزاب العربية الكثيرة. ولقي التنظيم الفلسطيني الناشئ تفهما ومساعدة من الاعضاء الفلسطينيين وغير الفلسطينيين في الاحزاب العربية. وكان هؤلاء قد بداوا من جانبهم المطالبة بتمكين الاعضاء الفلسطينيين من عمل شيء يجعلهم متخصصين في العمل لقضية وطنهم الفلسطيني. وجاءت المساندة خصوصا من اعضاء فلسطينيين في حزب البعث وحركة القوميين العرب. وتضافر الجميع في الدفع باتجاه ما اشتهر آنذاك باسم ابراز الشخصية الوطنية الفلسطينية وتولي الفلسطينيين زمام المباردة في الكفاح لتحرير وطنهم وعودة لاجئين اليه. وثابر هاني وهايل ومعهم آخرون ممن سيبرز دورهم مستقبلا في تأسيس حركة "فتح" على توسيع التأييد للنهج الذي بدأوه.
وفي المحصلة، صار لتنظيم "طلائع العائدين" شأن ملموس ومحترم في الساحة الالمانية، وبلغ صيته ساحات اخرى. ومن الفلسطينيين الذين اسهموا في هذا العمل تختزن الذاكرة اسماء كثيرين، اذكر منهم امين الهندي، ونبيل نصار، وعبدالله الافرنجي، وحمدان عاشور.
عبدالله الافرنجي، بالذات، كان له دور بارز في تحقيق الصلة بين "طلائع العائدين" في المانيا وبين الاخ خليل الوزير الذي كان انذاك في غزة منهمكا في الجهد الواسع لتأسيس "فتح".
فقد كانت لعبدالله في غزة قبل مجيئه الى المانيا صلة بابي جهاد. وعبدالله هو الذي ابلغ الى ابي جهاد ما يلزم عن وجود طلائع العائدين وعمله في المانيا. وطلب ابو جهاد من عبدالله الافرنجي ان ينظم له لقاء يجمعه بهايل وهاني.
استطردُ هنا قليلا لأقول ان عمل الشهيد ابي جهاد، لانشاء منظمة فلسطينية للكفاح المسلح ضد العدوان الاسرائيلي، كان قد بدا منذ 1956، حين احتلت اسرائيل قطاع غزة بين ما احتلته من اراضي، ابان العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الاسرائيلي في ذلك العام.
وهذه البداية تطورت بتقاطعها مع محاولات كثيرة اخرى متفرقة، لتشكل المسعى الاهم لتأسيس "فتح" حركة للكفاح المسلح، والسعي لاعداد اللقاء الذي طلبه ابو جهاد، اثمر لقاء في الكويت جاء اليه هاني الحسن، فيما بقي هايل عبد الحميد في المانيا. وفي هذا اللقاء، تبلور الاتفاق الذي افضى الى انضمام طلائع العائدين الى "فتح". وبهذا رفد الجدول الذي نشا في المانيا النهرَ الكبير الذي نشأ في ساحات عديدة، في فلسطين وساحات عربية اخرى.
انضمام طلائع العائدين الى "فتح"، حمل الى الفصيل الفلسطيني الكبير خبرة مؤسسي هذا التنظيم. فاضافت هذه الخبرة الى "فتح" بعدا جديدا شديد الاهمية. فالتوجه الذي حفزّه ياسر عرفات وخليل الوزير وغيرهما، ركز خصوصا على الكفاح المسلح بالمفهوم الاولّي الذي راح في ذالك الوقت. اما طلائع العائدين وجداول اخرى مماثلة انضمت مبكرا الى فتح، فان ناسها امتلكوا خبرة العمل السياسي والنشاط المباشر بين القطاعات الطلابية والعمالية، والجماهيرية الاخرى. وبانضمام هؤلاء الى "فتح"، تدعمت الصلة بين السياسة والبندقية. وبكلمات اخرى: رفدت الخبرة المكتسبة من العمل السياسي والشعبي الواسع في بلدان شهدت هذا العمل، كما كان عليه الحال في سوريا والاردن ولبنان، ومع الدعوة الى العمل المسلح وتدعمت الصلة في "فتح" بين السياسة والبندقية، الصلة التي ما اكثر ما انتفع بها العمل الوطني.
هذه الصلة وسعت مجال العمل امام هاني، كما امام هايل والاخرين من نشطاء العمل الفلسطيني العام.
وبين اهم التجارب التي خيضت في هذا المجال كانت تجربة تولي مسؤولية قيادة الاتحاد العام لطلبة فلسطين، اكبر المنظمات الشعبية الفلسطينية، واوسعها نشاطا، واعمقها جهدا في تأسيس القواعد الشعبية المنظمة التي استندت اليها الحركة الوطنية المتجددة. هنا، ينبغي التذكير بان الحركة الطالبية الفلسطينية بدأ تأسيسها في وقت مبكر. وكان لمن سيصيرون قادة العمل الوطني، وفي المقدمة ياسر عرفات، دور كبير في تأسيس رابطة الطلاب الفلسطينيين في القاهرة ومعها رابطة الاسكندرية. كما كان لحزب البعث وحركة القوميين العرب وتنظيم عرب فلسطين دور حاسم في تأسيس رابطة دمشق. وكان لحركة القوميين العرب، التي نشأت بداياتها الاولى في بيروت، دور حاسم في تأسيس رابطة بيروت. الروابط الاربعة هذه، القاهرة والاسكندرية وبيروت ودمشق، أسست معا الاتحاد العام لطلبة فلسطين. حدث هذا في العام 1959. وثابر الاتحاد منذ ذلك الوقت على تأسيس فروع له في كل مكان يوجد فيه طلبة فلسطينيون داخل العالم العربي وخارجه.
في ظروف ذلك الوقت، تحققت الاغلبية في قيادة الاتحاد العام للطلبة لاعضائه المنتمين الى حزب البعث، فيما توزعت الهيمنة على قيادات الروابط بين البعثيين والقوميين العرب، ولم يكن لـ"فتح" الناشئة، أو لم يعد لها، دورٌ بارز في قيادة الاتحاد.
بجهود هاني وهايل، وغيرهم، في الساحة الالمانية بدا هؤلاء في تأسيس فرع للاتحاد على هذه الساحة، تحققت الغلبة في قيادته لـ"فتح".
وفي العام 1963، وقع الصدام المسلح في سوريا بين البعثيين والناصريين، وكان القوميون العرب انذاك، ضمن الناصريين، فافضى هذا الحدث الى احتدام الصراع بين الطرفين داخل الاتحاد، وانتهى الامر باقصاء البعثيين عن قيادة الاتحاد العام وفشلِ المنفصلين في تأسيس قيادة موازية للاتحاد في دمشق. وتشكلت لجنة قيادة مؤقتة لقيادة الاتحاد من مقر قيادته بالقاهرة، وهي اللجنة التي دعت الى مؤتمر عام، انعقد في اوائل 1964م. في مدينة غزة، حيث إنتخبت قيادة جديدة ليس فيها بعثييون.
في غضون ذلك، كان الفرع الذي تاسس في المانيا قد غدا اقوى الفروع وكان نشطاء "فتح" قد اخترقوا الهيمنة البعثية أو القومية العربية على فروع اخرى، واوصلوا الى المؤتمر الذي عقد في غزة عددا من الفتحاويين. وبوجود هؤلاء واهمية هذا الوجود، انتخب مؤتمر غزة هاني الحسن رئيسا له، وانتخب هايل عبد الحميد للامانة العامة للاتحاد، ليصيرهايل نائبا للرئيس، ومسؤولا عن العلاقات الداخلية فيه.
بهذا التطور، انتقل هايل الى القاهرة، وبقي هاني في المانيا لبعض الوقت ليتابع البناء الذي بداه الاثنان معا. واستمر هاني في المانيا حتى العام 1967، حين وقعت الحرب. وكان ما حققته "فتح" في مؤتمر الاتحاد في العام 1963 هو البداية التي اطرد توسيعها الى ان تمكنت "فتح" في مقبل السنين عن الهيمنة على قيادة الاتحاد العام ومعظم قيادات الفروع.
بعد حرب 1967، شهد العمل الوطني الفلسطيني الذي صارت "فتح" هي عاموده الفقري، موجةَ توسعه الكبيرة وامتداده على الساحات كافة في الدول العربية والدول الاجنبية. وتولت "فتح" ومعها فصائل العمل المسلح، الذي اشتهر ايضا باسم العمل الفدائي، المسؤولية الاولى في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، عندها، توجب ان ينتقل هاني الى حيث مركز (م. ت. ف) وصار هو المفوضَ السياسي لقوات الثورة الفلسطينية، فيما واصل هايل المهمة التي تولاها سرا منذ انتقاله الى القاهرة لتأسيس وتوسيع تنظيم "فتح" في الساحة المصرية.
وبصفته المفوض السياسي لقوات الثورة، ذهب هاني بصحبة هايل في عِداد وفد فتحاوي رئيسه هو،عضو مركزية، "فتح"، ممدوح صيدم "ابو صبري"، لاتباع دورة عسكرية خاصة بالقادة في الصين. واتم هاني الدورة، ثم عاد لتولي المسؤوليات السياسية والامنية العديدة التي مارسها منذ ذلك الوقت حتى وفاته.
سيتحدث غيري عن مسيرة حبيبنا الراحل كما اطردت بعد 1967. اما انا فاحب ان اقول شيئا قبل ان اختم هذا الحديث عن الراحل العزيز: ان هاني كان بالنسبة لي، كما هو بالنسبة لاخوة المسيرة الصعبة، هو المفكر المبدع والمناضل الثائر والقائد متعدد الخبرات. اني افتقد هاني في الحياة الخاصة والعامة، وافتقد ابتسامته الودودة التي كانت تنم دائما عن ثقته العالية بالنفس وايمانه بالوطن، والتفاؤل حيث يحل. رحم الله هاني، ولتدم ذكراه.