Haneen
2014-12-18, 11:17 AM
حديث القدس: الاتحاد الاوروبي بين العصا والجزرة
بقلم: أسرة التحرير
العلاقات الإيرانية - التركية.. الى أين؟
بقلم: سمير صالحة
العاصفة الثلجية ... ماذا تعلمنا منها
بقلم: تحسين عبد النبي النتشة
تقييم حالة للمركز العربي: عن الأغوار ومأزق الحل
بقلم: خالد وليد محمود
مصر: تحديات ما بعد «الاستفتاء»
بقلم: علي جرادات
أين القادة الذين يلبّون النداء؟
بقلم: الون بن مائير
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image007.jpg
أطراف النهار: نشيد "اليرموك"
بقلم: حسن البطل
مفارقة بين جماعتين من أصل واحد
بقلم: طلال عوكل
السّيسي وقيادة مصر إلى برّ الأمان
بقلم: د. عبد المجيد سويلم
على أبواب فشل كيري
بقلم: حمادة فراعنة
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image009.jpg
تغريدة الصباح - رياضة في غياب الكهرباء,,, من يوميات امرأة محاصرة في غزة
بقلم: سما حسن
تهديدات متغابية وشهيد جديد
بقلم: عدلي صادق
اللاجئون والدول المضيفة
بقلم: عادل عبد الرحمن
صناعة الاعلام
بقلم: د. أسامة الفرا
مقالات جريدة القدس,,,
حديث القدس: الاتحاد الاوروبي بين العصا والجزرة
بقلم: أسرة التحرير
اتخذ الاتحاد الاوروبي خطوات ايجابية في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي من اهمها اعتبار المستوطنات في الاراضي التي احتلت عام 67 غير شرعية اطلاقا، والاصرار على التعريف ببضائع المستوطنات ومنتجاتها عند دخولها الاسواق الاوروبية وكذلك عدم تقديم اي دعم لاية مؤسسة اسرائيلية تعمل في المستوطنات باية صورة من الصور، وقد بدأ فعلا بتطبيق بعض هذه المواضيع. كما ان الاتحاد الاوروبي يدعو علنا ورسميا الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود حزيران 1967.
وقد أثارت هذه المواقف أنتقادات اسرائيلية حادة وتم بحثها في اجتماع وزاري برئاسة نتانياهو مما يدل على مدى تأثيرها واهميتها. إلا ان هناك للاتحاد الاوروبي موقفا آخر في هذا الموضوع.
ان السياسة الاوروبية ترتبط عموما بالسياسة والاستراتيجية الاميركية وهي سياسة منحازة للمواقف الاسرائيلية بصورة عامة .. ولهذا فان سفير الاتحاد الاوروبي في فلسطين جون راتر، يؤكد في لقائه مع عدد من الصحفيين الفلسطينيين في رام الله، ان افضل وسيلة لتحقيق المطالب الفلسطينية هي المفاوضات وليس الذهاب الى المؤسسات الدولية لنيل عضويتها .. وكأنه يقول لنا لا تذهبوا الى هذه المؤسسات وتمسكوا بالمفاوضات وقد اقتنعنا بهذا وسرنا على درب المفاوضات، ولكن ماذا اذا لم يحقق التفاوض تقدما ولم تستجب اسرائيل حتى للمواقف الاوروبية بعدم بناء المستوطنات لانها غير شرعية وعدم القبول بالدولة الفلسطينية في حدود 1967، كما تريد اوروبا ؟ ان احدا لم يقل لنا ما هي البدائل وماذا علينا ان نفعل وهل نستمر بالتفاوض عشرين عاما جديدا لكي يصبح التفاوض لمجرد التفاوض لا غير ؟
والاسوأ في الموقف الاوروبي كما اعلنه راتر نفسه، حين قال ان الدعم الذي يقدمه الاتحاد الاوروبي هو لاقامة الدولة الفلسطينية واذا فشلت المساعي فان الاتحاد سيعيد النظر بتقديم اية مساعدات سوى للقضايا الانسانية، وفي هذا ما يشبه التهديد الذي تحدثت عنه بصفة غير رسمية مصادر فلسطينية بان اوروبا هددت بقطع كل المساعدات اذا توقفنا عن التفاوض.
الاتحاد الاوروبي يدعمنا نظريا ولكنه يريدنا أن نسير على الطريق التي يريدها ولا يفعل الكثير عمليا لاجبار اسرائيل على التراجع عن اطماعها التوسعية وشروطها التعجيزية بينما يهددنا ان توقفنا عن التفاوض حتى ولو كان عبثيا... اي انه يقدم لنا جزرة المساعدات وعصا التهديد.
لقد تحدث السفير راتر عن الحروب وتداعياتها ومعاناة الناس والاوروبيين بصورة خاصة من نتائجها وويلاتها .. ونحن ندرك ذلك ونقدره ونتفهمه وقد عانينا وما نزال بسبب الاحتلال وممارساته، وما لم تتوقف اسرائيل عن غطرستها واصرارها على الاستيطان والتهويد والتهجير، فانها تجر المنطقة نحو مزيد من الحروب والمعاناة والدماء .. ويظل الاتحاد الاوروبي ومن قبله الولايات المتحدة، شاهدين او متفرجين على هذا المنزلق نحو العنف بدون ممارسة ضغوط حقيقية لتحقيق السلام كما يدعو اليه المجتمع الدولي وفي مقدمته الاتحاد الاوروبي ..!!
العلاقات الإيرانية - التركية.. الى أين؟
بقلم: سمير صالحة
«المواجهة الطائفية» بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف في دافوس، بسبب النظرة المذهبية التي يعتمدها البعض في التعامل مع الأزمة السورية، لم تصل إلى مستوى «ون ميونيت» التي أطلقها رجب طيب إردوغان من على المنصة نفسها قبل خمس سنوات في وجه الرئيس الإسرائيلي بيريس.
فإردوغان كان يحزم حقائبه استعدادا لزيارة القيادة السياسية والروحية في إيران، ومن المستحيل أن يقع وزير خارجيته في فخ مدير الحوار الذي أراد تأجيج اشتباك من هذا النوع بين الجارين والشريكين التركي والإيراني وسط هذه الظروف الصعبة التي تمر بها حكومة «العدالة والتنمية» داخليا وخارجيا.
العلاقات التركية - الإيرانية تميزت عبر العصور بصعودها وهبوطها.. بتقدمها وتراجعها، تحت رحمة القوى والإمبراطوريات التي استولت على المنطقة وحددت لها مسارها، إلى أن نجحت الدولتان في توقيع معاهدة «قصر شيرين» التاريخية عام 1639 التي حمت علاقاتهما وتحكمت فيها حتى يومنا هذا.
أجواء الزيارة التي من المفترض أن يكون إردوغان يقوم بها إلى طهران وظروفها وملفاتها هذه المرة ستختلف كثيرا عن الزيارة التي قام بها قبل عامين مثلا، ولن تكون مجرد زيارة تهنئة وتعارف بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية.. فهناك أكثر من لقاء واجتماع جمع الطرفين في الأشهر الأخيرة. إردوغان يريد أن يتأكد مما إذا كانت القيادة الإيرانية الحالية، وأمام تطورات وتعقيدات المشهد السياسي في البلدين، على استعداد لحماية هذا التقارب أم إنها ستفرط في عشرات السنين من التنسيق والتعاون العلني والسري بين الجانبين الذي وفر لهما الكثير من الفرص التجارية والمالية والسياسية.
طهران وأنقرة تتمسكان بصلابة العلاقات، لكن ملفات وأزمات تطاردهما من كل صوب تقول عكس ذلك. العلاقات التركية - الإيرانية باتت على المحك وتحتاج إلى مراجعة جدية قلبا وقالبا.
العتاب المتبادل سيكون أولا بسبب تغاضي تركيا عن تصلب أصدقائها وشركائها وتمسكهم برفض حضور طهران «جنيف2»، وهو موقف تركي له علاقة مباشرة بإصرار طهران على عدم التخلي عن النظام السوري ووقوفها إلى جانبه في رفضه أي شروط مسبقة أو الاعتراف ببنود وقرارات «جنيف1» قبل الذهاب إلى مونترو.
المحادثات لا بد أن تطول أيضا حول دعم بعض الدول، وبينها تركيا، الجماعات الإرهابية الناشطة في سوريا كما تزعم القيادة الإيرانية، لكن أنقرة سترد حتما بشرح متابعتها للموقف الإيراني الذي ساهم في إطالة عمر الأزمة السورية سواء عبر الدعم المباشر للنظام هناك، أو عبر إشراك قوات حزب الله ومجموعات قتالية من العراق في المعارك الدائرة، مكنتها لاحقا من التفاوض على ورقة النظام السوري في علاقاتها الانفتاحية مع الغرب.
روحاني سيكرر على مسامع الأتراك أن التطرف في سوريا هو نتيجة التدخل الأجنبي والرؤية الخاطئة للأمور، وسيدعو لعدم إرسال الأسلحة للمقاتلين، وأن النظام السوري ما زال يملك شرعية محلية ودولية، وأن السوريين وحدهم من يحددون مصير ومستقبل قياداتهم وبلادهم.
لكن إردوغان سيذكره أن تركيا لم يعد بمقدورها تحمل ارتدادات الموقف الإيراني في الملف السوري على سياستها هي، وإصرار طهران على تحويل الأنظار نحو مقولة دعم الإرهاب في سوريا لتقدم نفسها على أنها شريك للغرب في مواجهة من هذا النوع.
وهنا ربما قد تجد طهران نفسها محاصرة وأمام ازدواجية المواقف عندما يطرح الأتراك موضوع نشر آلاف الصور المسربة حول ما يرتكبه النظام السوري من مجازر وحروب إبادة وحملات تعذيب وترويع ضد المدنيين السوريين، وهي كلها موثقة بأدلة حاسمة لا ينقصها سوى تحرك المجتمع الدولي ومؤسساته القانونية والسياسية الفاعلة لمقاضاة النظام ومحاسبته. وربما نقطة الخلاف والتباعد الأساسية هنا قد تكون في إصرار أنقرة على الفصل بين وثائق تدين النظام وتتطلب محاكمته دوليا، ومحادثات جنيف التي تعني السوريين بأسرهم وضرورة فصل مستقبل ومصير نظام الأسد عنها.. فكيف سترد إيران عندها؟
من الطبيعي أن تذكر طهران جارها التركي خلال الزيارة بأن صواريخ «الأطلسي» ما زالت منصوبة على جانب من حدودها رغم أن أنقرة تعرف أن النظام السوري لم يعد يشكل أي تهديد أو خطورة عسكرية ولن يقدم على مغامرة استفزاز الأتراك بعد هذه الساعة، ومن الطبيعي أيضا أن تجد أنقرة صعوبة، ربما، في إقناع الإيرانيين بأن نشر مظلة الصواريخ هي حلقة من خطة دفاعية غربية مشتركة تتجاوز العقدة السورية، وهي تحمل بعدا أمنيا إقليميا للغرب وحلفائه في المنطقة.
وهي رسالة لا بد من قراءتها وفهمها بأكثر من طريقة.
تفاعلات الملف الكردي ببعديه السوري والإقليمي أيضا ستكون في قلب النقاشات بعد مسارعة القوى الكردية في شمال سوريا لإعلان دستورها المحلي، والتحرك في إطار حكم ذاتي وإدارة سياسية مستقلة تذكر بحالة شمال العراق، وهي تعد نفسها لنسخ التجربة في سوريا هذه المرة، خصوصا أن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني جلس يكرر على مسامعهما في دافوس أن الكرد في سوريا كانوا محرومين من حقوقهم ولا يزالون، وأن شمال العراق مع أي قرار يتخذه أكراد سوريا بهذا الشأن.
إيران ترى في أنقرة ليس فقط نقطة انطلاق في مشروع إبعاد طهران عن دمشق وحرمانها هذه الورقة الاستراتيجية، بل انها ستتسبب في تركها خارج أي طاولة حوار تعد لمناقشة مستقبل سوريا، وربما هذا هو العامل الآخر الذي دفع إيران إلى الرد استراتيجيا بأن حدود أمنها الإقليمي تجاوزت سوريا ووصلت إلى السواحل اللبنانية نفسها.
لكن في المقابل، أنقرة تتحدث عن وجود تقارير أمنية تشير إلى تحرك إيراني عدائي داخل الأراضي التركية عبر تحريك خلايا تجسس وعمليات تهدف للضغط على أنقرة من أجل تبديل سياساتها السورية. لقاءات كشف النقاب عنها بين رجال من الأمن الإيراني وشبان أتراك محسوبين على حزب العمال لبحث سبل تبادل الخدمات، وحديث دائم عن محاولات إنعاش خلايا قديمة لحزب الله التركي، هي أيضا قضايا لن يتردد الأتراك في طرحها.
الحضور القوي الذي حظيت به القيادة الإيرانية في دافوس لم يرافقه تخلي المجتمع الدولي عن رفضه حضور ومشاركة إيران في لقاءات مونترو قبل أن تعلن قبولها وتأييدها مقررات «جنيف1» وقبول خطة التغيير السياسي في سوريا، وهذا ما أغضب الإيرانيين وقد يتركهم وجها لوجه مع الأتراك بعدما تراجع سيناريو المساومة الغربية - الإيرانية البعيدة عن الأضواء بين تخلي طهران عن تصلبها في الملف النووي والابتعاد عن نظام الأسد، مقابل إشراكها في خطة بناء سوريا الجديدة وحماية حصتها ونفوذها هناك.
أنقرة ستصارح الإيرانيين بأن «مختبر الأفكار» ومركز صناعة القرارات والاستراتيجيات «دافوس» منحهم الفرصة الذهبية التي يريدونها لإثبات رغبتهم في الانفتاح والتعاون، لكنهم أهدروها من خلال محاولة لعب ورقة الطائفية والمذهبية في سوريا تماما باللغة نفسها التي حاول وزير الخارجية السوري أن يلعبها في مونترو ضد المجتمع الدولي الذي تنادي لبحث سبل إخراج سوريا من محنتها.
روحاني يعلن من دافوس أن بلاده على استعداد لمراجعة موقفها من إعادة فتح السفارة الأميركية في طهران، لكن طهران نفسها هي التي تشكك في آلاف الصور والوثائق التي تتحدث عن حرب إبادة ضد المدنيين السوريين يرتكبها النظام الذي تدعمه.
المباحثات قد تطول، لكنها محمية بغطاء حاجة كل طرف إلى الآخر في أكثر من مكان، خصوصا أن هناك قناعة مشتركة حول جهود تبذلها بعض القوى الخارجية بالتعاون مع شركاء محليين لضرب هذه العلاقات ماليا وتجاريا، وكانت آخرها عملية 17 (كانون الأول) في تركيا التي استهدفت مباشرة «هلق بنك» همزة الوصل الأهم بين البلدين.
العاصفة الثلجية ... ماذا تعلمنا منها
بقلم: تحسين عبد النبي النتشة
زارتنا ثلجة القرن بعد أن أدينا صلاة الاستسقاء لله تعالى طلباً للغيث وبنية صادقة، وسأتحدث في بداية هذا المقال عن أحداث أيام العاصفة التي مرت للتأريخ وفي نهايته وبمفهوم هندسي عن كوارث تحطم الإنشاءات المعدنية أو البركسات وكذلك عما استفدناه من هذه العاصفة وما يتوجب علينا فعله باتقاء عواقب ثلجية أخرى قد تفوق هذه في شدتها.
لقد أخذ المواطنون يسألون الكبار منهم إن كانوا قد خبروا في حياتهم أو مرت عليهم ثلوج بهذا القدر من الكثافة والاستمرارية والسمك وبرودة الأجواء ، ويتذكر البعض ما نقله آباؤهم وأجدادهم عن الثلجة الكبيرة التي حصلت في عام 1919م بارتفاع مترين وقد أغلقت أبواب المنازل والتي اتخذها الناس تأريخاً للأحداث مثل تاريخ ولادة أحدهم أو زواجه أو تأديته لفريضة الحج مثلاً أو غير ذلك.
نعم ... لقد جاءت التحذيرات المتعاقبة من قبل مراكز الأرصاد الجوية ووسائل الإعلام المختلفة مشكورة والتي طورت أجهزتها ووصلت الليل بالنهار لمتابعة تطورات العاصفة وإعلام المواطنين بحيثياتها أولاً بأول وذلك عن قدوم منخفض قطبي شديد البرودة ماطر ومصحوب بالكثير من الثلوج والبرد والرعد قبل أكثر من عشرة أيام من حصوله، ونصحوا الناس بالاستعداد له والتزود بوسائل ومواد التدفئة والطبخ كالصوبات والغاز والحطب والكيروسين أو الكاز، وكذلك الأدوية والمؤن والمواد الغذائية كالطحين والخبز وغيرها من المواد الضرورية ، وأيضاً وسائل الإضاءة المؤقتة كالشاحن الكهربائي واللامبات التي تعمل بالكاز (زيت النفط) والشمع والفوانيس والمصابيح اليدوية وبطارياتها وغير ذلك.
أخذ معظم المواطنين تلك التحذيرات بمحمل الجد، واستخف القليل منهم بمثل تلك التحذيرات للأسف ، وصبوا باللائمة على المسؤولين عن مراقبة الأنواء الجوية حيث تنبأ هؤلاء بعاصفة ثلجية أسموها عاصفة القرن ، حيث تنبؤ بهطول أمطار غزيرة حينها لغاية تاريخ 11/12/2013م ، أي قبل العاصفة الثلجية وقد حصل ذلك، وتنبؤ أيضاً ببدء سقوط أو هطول الثلوج ليلة الخميس واستمرار ذلك خلال ثلاثة منخفضات متتالية أكثرها شدة ليلة ويوم السبت 14/12/2013م وقد حصل ذلك وتداعت أجهزة المؤسسات العامة والخاصة وأصحاب النخوة والشباب كل حسب طاقته ومسؤولياته وتخصصه خلال العاصفة للتخفيف عن المواطنين معاناتهم بإزالة الثلوج من الشوارع ومساعدتهم في نقل مرضاهم وحالاتهم الطارئة إلى المراكز الصحية والمستشفيات وإيصال الدعم بالمواد الغذائية والألبسة والأغطية وغاز التدفئة إليهم، وكان للتعليقات في وسائل الإعلام والنكات والكاريكاتير دوراً في التخفيف عن المواطنين معاناتهم ولتسليتهم ، وكذلك تعالت دعوات الإغاثة ونداءات تقديم المساعدة في وسائل الاعلام المرئية بواسطة الأجهزة المحمولة وشبكة التواصل الاجتماعي (الانترنت) والمذياع التي أخذت النصيب الأكبر من ذلك، ولا أقول الوسائل المرئية كجهاز الرائي أو الراني أو (التلفزيون) لأن الثلوج كانت قد غطت الصحون المستقبلة ومنعتها من استقبال المحطات الفضائية المختلفة.
وتكشفت الأضرار الفادحة خاصة بعد انتهاء العاصفة الكارثة التي لم تشهد بلادنا لها مثيلاً منذ ما يقرب من مائة عام ، فمن تحطم الإنشاءات المعدنية المكونة لـ (البركسات) والهناجر والبراكيات والسقوف الفولاذية باستخدام المسنمات أو (الجمالونات) الصناعية والتجارية والزراعية والخدماتية على ما فيها من ماكينات وحافلات وسيارات وأبقار وأغنام ودواجن وبضائع وكراسي وطاولات وكذلك الدفيئات الزراعية ورفوف المحلات التجارية والآرمات واللافتات الدعائية والسقوف والجدران والأشجار المثمرة وغير المثمرة ( الحرجية ) بحيث تعطلت المسيرة الحياتية والمعيشية والدراسية وبلغت التقديرات الأولية لتلك الأضرار والخسائر مئات ملايين الشواكل والدنانير والدولارات وكان العزاء الوحيد لنا هو الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه .
أما عن البركسات التي لم تصمد في معظمها فقد أنشئت إما من قبل فنيين أو عمال مهرة ذوي خبرة بالإنشاءات المعدنية وموادها من مواسير وجسور (دوامر) معدنية مختلفة المقاطع مثل ( H ، I ، L ، U ، T وغيرها ) وطرائق تثبيتها من لحام وبراغي ووصلات دون تصميم هندسي محسوب إلا ما رحم ربي، فهناك مقررات دراسية لتخصص الهندسة المدنية ( Civil Engineering ) في كليات الهندسة بالجامعات العربية والأجنبية منها الإنشاءات (Structures) والإنشاءات المعدنية والفولاذية (Steel Construction) والتي تشمل عناصر الأعمدة (Columns) والجسور (Peams) والجمالونات (Trusses ) والسقوف حيث تنشأ ناطحات السحاب ذات عشرات الطوابق وقد تزيد عن المائة طابق، وكذلك البركسات بمجازات (Spans) أو مسافات أفقية كبيرة جداً بين الأعمدة المعدنية. فالقوى المؤثرة على العناصر المختلفة للبركس والتي يقوم المهندس المدني بحسابها خلال دراسته الجامعية وتطبيقها بعد تخرجه أثناء ممارسته لمهنة الهندسة الإنشائية تتمثل في أوزان تلك العناصر كالحمل الميت ( Dead Load ) والحمل الحي (Live Load) سواء كان ثابتاً ( Static ) كالثلوج والبضائع أو متحركاً ( Dynamic ) كالناس والعربات الناقلة (المزليك) والرافعة ( الونش ) وغيرها وكذلك الرياح الجانبية ووجود مثل تلك الأحمال على أجزاء دون غيرها، كل هذه العوامل تؤثر تأثيراً كبيراً على ماهية التصميم الهندسي وتعرض العناصر المختلفة لقوى الضغط (Compression ) والشد (Tension ) والانحناء (Bending ) والقص (Shear) واللي (Torsion) والكسر (Fraction) والإعوجاج (Distortion ) والانبعاج (Bulging) و التحدب (Buckling) وغيرها ممـا قد يـؤدي إلى هبوط البركس وتحطمـه . كذلك فالوصلات (Joints) كاللحام (Welding) والبراغي (Screws) والبراشيم (Rivets) وكذلك سماكات وأبعاد مكونات تلك العناصر ومقدار عامل الأمان (Safety Factor) كلها عوامل تؤثر تأثيراً كبيراً على دقة التصميم وجودة التنفيذ ودرء المخاطر والأضرار. كما أن الرصد لكميات الثلوج خلال مائة عام سابقه على الأقل وليس لعشرة أعوام أو عشرين عاماً مضت يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.
كلنا يعلم بأن لكل شيء إيجابياته وسلبياته، فهطول الأمطار والثلوج مؤخراً وبنسبة تجاوزت 50% من معدل هطولها السنوي العام في معظم مناطق البلاد سيزيد من الناتج الزراعي وخصوبة التربة وزيادة كميات المياه الجوفية، فتلك ستكون باب سقيا ورحمه إن شاء الله رغم حدوث الكثير من الأضرار والمعاناة كتعطل التيار الكهربائي حتى أربعة أيام متتالية في بعض المناطق والأنحاء مما شكل معاناة كبيرة في شتى مناحي حياة الناس ، وكذلك انزلاق الكثير من المواطنين والطلبة والموظفين وتعرضهم لإصابات كسور في أنحاء مختلفة من أجسادهم نتيجة تشكل الجليد في أول أيام الدوام بعد أسبوع من انتهاء العاصفة ، وتأخير بدء دوامهم لغاية الساعة التاسعة أو العاشرة حسب المنطقة لمدة أربعة أيام بعد ذلك لاستمرارية تشكله نتيجة موجة البرد والصقيع، وما زالت الثلوج تغطي مساحات شاسعة من البلاد في الأراضي وعلى أسطح الأبنية وجنبات الشوارع رغم مرور أكثر من أسبوعين وحتى ثلاثة أسابيع على انتهاء العاصفة الثلجية ، ولأن رضى الناس غاية لا تدرك فلا نستغرب تبادل الاتهامات واللوم والألفاظ السلبية ما بين بعض المواطنين وبعض المسؤولين في المؤسسات عبر وسائل الاعلام المسموعة ولكن نقولها بصدق جزى الله خيراً كل من ساهم في عملية إزالة الثلوج ورفع المعاناة عن المواطنين ودعمهم بالمواد الضرورية ومتابعة إعادة التيار الكهربائي ومساعدتهم في نواح كثيرة وسهرهم طيلة ليال وغيابهم عن أهلهم لأيام وتحملهم للانتقادات والتواصل مع النداءات المختلفة ، ولا تفوتنا الإشارة لسائقي السيارات الذين كانوا يتجولون في الشوارع ذات المسرب الواحد فقط للتمتع بالثلوج مما نتج عنه تعطيل كبير في وصول سيارات الإسعاف والطوارئ لمقصدها رغم توالي النداءات لعدم ذهابهم إلى الشوارع إلا للحالات الضرورية القصوى.
وتوالت التحذيرات بعد ذلك بقدوم منخفضات متتالية أشد قوة مما سبق قبل نهاية العام 2013م وفي أول العام القادم حتى وصف بعضها بغضب من الله لشدته ، وبين مؤيد لها أو نافٍ لم يحصل ذلك سوى تنبئ بمنخفض ماطر في بداية العام الجديد والله تعالى أعلى وأعلم.
وبعد هذا الامتحان والابتلاء من الله لنا بهذه المحنة التي أيقظت فينا روح النخوة والشجاعة والتعاون والتكافل والمحبة بين المواطنين فلا يسعني إلا أن أصل إلى خلاصة مفادها ماذا استفدنا من تلك العاصفة الثلجية غير المتوقعة.
أولاً : أتمنى على كل مواطن يريد إنشاء ( بركس ) أو إعادة خاصته الذي تهدم أن يلجأ إلى المهندسين المدنيين لتصميم تلك المنشآت هندسياً.
ثانياً : أن تقوم المؤسسات العامة كالبلديات مثلاً بزيادة أعداد الجرافات وآليات إزالة الثلوج وأعداد طواقم الطوارئ المختلفة وتعيين طواقم أخرى تعمل في الحالات الطارئة كالتي حصلت.
ثالثاً : إدخال المؤسسات العامة والخاصة إلى الخدمة جرافات ذات شفرة أو مقدمة بشكل حرف ثمانية (^) أو ذات شفرات مائلة جانبياً في مقدمتها لإزالة الثلوج إلى جانبي الشوارع مباشرة بسيرها إلى الأمام فقط مما يزيد من سرعة إزالتها ومواكبة تساقطها.
رابعاً : امتلاك المؤسسات والمواطنين لآليات صغيرة تقوم بتفتيت الثلوج ورميها جانباً .
خامساً : توفير الأنواع الخاصة من الأملاح لإذابة الثلوج عن الممرات والطرق الضيقة والأدراج، ويفي بالغرض ملح الطعام (كلوريد الصوديوم).
سادساً : تأمين المواطن لاحتياجاته الضرورية من وسائل ومواد التدفئة والمواد الغذائية وتصريف المياه وغيرها قبل حصول العاصفة.
سابعاً : تأكد مراكز الأرصاد الجوية من قدوم منخفضات جوية ومدى شدتها خوفاً من نشر الذعر بين المواطنين، وكذلك أخذ المواطنين بمحمل الجد لما تم التأكد منه لأخذ الاحتياطات الضرورية .
ثامناً : تعاون كافة المواطنين في كل ما يخفف من معاناة الآخرين وعدم استعمالهم لسياراتهم خلال العاصفة إلا للضرورة القصوى.
وأخيراً وليس آخراً ، ندعو الله أن يكون ما مر بنا درساً تحذيرياً وابتلاءً من الله نؤجر ونثاب عليه ونستفيد منه وأن يكون ما مر بنا خلال عام 2013م وقد يمر بنا خلال العام 2014م لخيرنا وخير أمتنا التي ندعو لها بالتوحد والنصر والاستقرار والله المستعان.
تقييم حالة للمركز العربي: عن الأغوار ومأزق الحل
بقلم: خالد وليد محمود
عاد الحديث مجددًا عن مسألة السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن على إثر المساعي التي يقودها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للتوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ الأمر الذي أثار جدلًا ونقاشًا واسعًا في المؤسسات الأمنيّة والسياسيّة والإعلامية داخل اسرائيل حول أهمية الأغوار الاستراتيجية والأمنية والاستيطانية، إلى أن وصل الأمر حد طرحه في الكنيست كمشروع قانون لفرض السيادة الاسرائيلية على الأغوار بضم المستوطنات فيها. فقد أقرّت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون سنّ القوانين في التاسع والعشرين من الشهر الماضي مشروع قانون يقضي بضم المستوطنات في الأغوار وذلك بفرض القانون الإسرائيلي عليها على غرار شرق القدس وهضبة الجولان المحتلتَين. وفي حال إقرار هذا المشروع فإن كافة المستوطنات المقامة في غور الأردن ستكون تحت السيطرة الإسرائيلية وكجزء من أراضي دولة إسرائيل يمنع على الحكومة التنازل عنها.
وكانت عضو الكنيست "ميري ريجب"، من حزب الليكود قد قدّمت الاقتراح، مشيرة إلى أنه في حال الإعلان عن إقامة الدولة الفلسطينية، والاعتراف بها دوليّاً فإنّ إسرائيل يجب ألا تتخلّى عن المستوطنات في الأغوار، ويجب عليها ضمها مع الشوارع والطرقات المؤدّية إليها .
وكانت قد نشرت ورقة تقييم حالة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بقلم الباحث خالد محمود سلطت الضوء فيه على مغزى و"توقيت" طرح مشروع القانون في ظل النقاش السياسي والاعلامي المحتدم حول المقترحات الامريكية التي قدمت بشأن منطقة الاغوار ، ورصدت الأسباب التي تسوقها إسرائيل لتبقي سيطرتها على تلك المنطقة، دون أن تطرق إلى خلفيات مشروع القرار والأهداف التكتيكية أو الحزبيّة لمقدميه، في ضوء التنافس بين حزبي الليكود وإسرائيل بيتنا، أو حتى فرص إقراره في الكنيست من عدمه.
توقيت ومبررات الطرح
يمكن القول أنه سواء تمت الموافقة على مشروع قانون ضم مستوطنات الأغوار وإقراره في الكنيست ليصبح ساري المفعول أم لا، فإنّ التوقيت الذي جاءت المصادقة فيه على المشروع يعطيه أهمية خاصة ومعنىً مختلفا، ويمكن قراءته و فهمه في سياق عدد من الاعتبارات، تضاف إلى ارتباطه بمصالح إسرائيل الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية وهي:
أولًا: يأتي مشروع قرار الضم في ظل استئناف المفاوضات للتوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية ووساطة أمريكيّة، وبالتالي جاء تحريك هذا المشروع كخطوة استباقية في ظل ما يرشح من معلومات بأن واشنطن جهزت (اتفاق اطار) للتسوية النهائية عرضها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي وتم رفضها. وتكمن ملاحظة أن ثمة إصرارًا إسرائيليًا على أن يبقى غور الأردن تحت السيطرة العسكرية الاسرائيلية، بينما تضغط الإدارة الأمريكية في اتجاه اقتراح قوات أميركية أو دوليّة تساعد في الحفاظ على الأمن في تلك المنطقة، أو إبقاء تل أبيب سيطرتها على بضع نقاط استراتيجية وبوجود رقابة قوة دولية. إذ تنص خطة كيري إلى "إخلاء كافة المستوطنين في منطقة الأغوار وتواجد جنود أميركيين على طول الحدود مع الأردن ومن ثم إنشاء معابر حدودية بين الأردن وفلسطين يكون فيها تواجد أمني أميركي. و قد تم رفض هذه المقترحات من الجانب الاسرائيلي والفلسطيني جملة وتفصيلًا.
ثانيًا: سعي الحكومة الاسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من خلال طرح هذا المشروع لدفع الفلسطينيين نحو تقديم مزيدٍ من التنازلات، مما سيعطي الحكومة الإسرائيلية مكاسب مستقبلية في مسيرة المفاوضات النهائية ويعزز "شعبيتها" لدى محازبي الليكود والشارع الاسرائيلي ككل، من أجل جني المكاسب في أوساط الجمهور لأغراض انتخابية.
ثالثًا: خلق اليمين الاسرائيلي مبررات على الأرض وفرض حقائق جديدة، تصبح معها العودة إلى حدود 1967 مستحيلة، وبالتالي فإن عودة الحديث عن السيطرة الاسرائيلية على الأغوار وإعادة طرح فرضيات أمنية كانت قد طرحت مباشرة بعد حرب 1967 إنما ينسجم مع جوهر الاستراتيجية الاستيطانية الإسرائيلية ومع جوهر الفكر الصهيوني، بهدف إحكام السيطرة على الأرض الفلسطينية بما يمنع التواصل الجغرافي بين المدن والقرى الفلسطينية ويمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة وبما يشكل للحكومة الاسرائيلية مخرجًا بعدم التوقيع على أي حل نهائي مع الفلسطينيين والاستمرار في سياستها الاستيطانية بدوافع الأمن وهذا يمكنها من خلاله تفجير مسار المفاوضات . مع الأخذ بعين الاعتبار أن ثمة قناعات راسخة لدى معسكر اليمين الاسرائيلي بضرورة فرض خطوات أحادية الجانب بشكل يجنبهم الضغوطات الامريكية وبنفس الوقت يقوض أي فرصة للتوصل إلى اتفاق سلام وإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.
نخلص مما سبق إلى أن الحكومة الاسرائيلية تريد من تصعيد التمسك والسيطرة على الاغوار وفي هذا التوقيت بالذات كمناورة لاعتراض أي أفكار أمريكية جديدة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية والتوصل إلى حل نهائي وفق وضع يخلد ويؤبد الاحتلال عبر تشريع الضم والاستيطان.
بينت المباحثات التي جرت خلال عام 2012 و 2013 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بأن الموقف الاسرائيلي بقي متعنتًا حول بقاء السيطرة العسكرية- الأمنية الاسرائيلية على طول منطقة الأغوار في أي اتفاق مستقبلي بين الجانبين، وهذا ما أكد عليه رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو أخيرا بقوله "سأوقع على تسوية دائمة مع الفلسطينيين فقط إذا شملت بقاء اسرائيل في غور الأردن". وبالتالي فإن حكومة نتنياهو تتبنى شعار "التسوية المستندة إلى أمن إسرائيل" استمراراً لتراث اتفاقيات أوسلو.
وللتذكير فقد خاطب نتنياهو في الشهر الخامس من عام 2011، الكونغرس الأميركي حول هذا الموضوع قائلا إن "إسرائيل لن تعود إلى حدود 1967 التي لا يمكن الدفاع عنها"، و "لن تسلم أبدا وادي الأردن. ولن توافق إسرائيل أبدا على الانسحاب من وادي الأردن بموجب أي اتفاقية سلام توقع مع الفلسطينيين"، وإن "من الحيوي – من الحيوي على الإطلاق – أن تحتفظ إسرائيل بوجود عسكري طويل الأمد على امتداد نهر الأردن"، وإن "الأماكن ذات الأهمية الاستراتيجية والوطنية الحاسمة (سوف) يتم ضمها ضمن الحدود النهائية لإسرائيل" في أي اتفاق مع الفلسطينيين. وفي اللقاء مع المفاوضين الفلسطينيين قبل نحو سنة ونصف السنة قال المحامي "اسحق مولخو" إنه -حسب نتنياهو- ستبقي إسرائيل على تواجد في غور الاردن لفترة زمنية معينة. ومن ثم أعلن نتنياهو عن اقامة جدار أمني في غور الاردن.
ومن اللافت أن معدي مشروع قرار ضم الاغوار الذي صادق عليه الكنيست في التاسع والعشرين من الشهر الماضي سوّغوه أو برروه بالاعتماد على اقتباس قاله رئيس الوزراء الأسبق اسحق رابين، في آخر خطاب له قبل اغتياله عام 1995: "إن الحدود الأمنية لدولة إسرائيل سوف تقع في وادي الأردن".
إنّ النقاش الدائر حول الأغوار في ظل الحديث عن استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية إنما يرجح وجهة النظر التي ترى أن بقاء الأغوار تحت السيادة الاسرائيلية سوف يشكل أساسًا لأي تسوية محتملة عند التفاوض مع الفلسطينيين في القضايا النهائية، وقد يمكن المفاوض الاسرائيلي تشكيل ضغط على الجانب الفلسطيني وقبوله ببقائها تحت السيادة الاسرائيلية او حتى وسيلة ضغط على الدولة الفلسطينية المستقبلية في حال شهدت العلاقات الثنائية أية أزمات لاحقة، وهذا يتناغم مع الطروحات السياسية التي نضجت خلال العقدين الاخيرين في اسرائيل والتي تقول بضرورة "تسوية اقليمية معتدلة" تأخذ فيها منطقة الأغوار موقعا استراتيجيا لفترة محدودة دون ضمها نهائيا للسيادة الاسرائيلية. مع ابقاء قوات دولية لحفظ أمن اسرائيل، وبشكل يدفع لفرض شكل من أشكال التداخل بين الوضع الأردني والوضع الفلسطيني بصيغة وحدوية سواء كانت كونفدرالية أو فيدرالية، وذلك لأجل التخلص أيضًا من هاجس الأمن أولا، ومن إشكالية القدس والمقدسات التي ستبقى ضمن السيادة الإسرائيلية مع ترتيبات تتعلق بوصول الفلسطينيين إليها. وهذا ما يعيد إلى الاذهان الطرح الاسرائيلي (القديم المتجدد) بالمتعلق بما يسمى "الخيار الأردني" في التسوية، أي قيام كيان فلسطيني ممتد على ضفتي الأردن تحت سيطرة أردنية ويشكل بهذا المعنى منطقة عازلة (Buffer Zone). فقد تداولت العديد من وسائل الاعلام الاسرائيلية التصور الاميركي الجديد الذي جاء به وزير الخارجية الامريكي جون كيري في زيارته العاشرة للمنطقة بأنه ينطوي على استجابة مبطنة للرؤية الاسرائيلية، ويقوم على ادخال الاردن كطرف ثالث لإدارة غور الأردن، مع ابقاء مفاتيح السيطرة الحقيقية و حصر الوجود العسكري في الغور بإسرائيل.وهذا يخدم بالأساس تطلعات حزب الليكود الذي يهدف إلى التوسع على حساب الجغرافيا الفلسطينية مع الحفاظ على نقاء ويهودية الدولة، وعليه يرى دعاة هذا الخيار من الاسرائيليين أن انضمام الفلسطينيين لشرق الأردن يصب في النهاية لخدمة المشروع الصهيوني.
عود على بدء
لقد سعت إسرائيل منذ عام 1967 إلى ضم الأغوار فعليًا إلى سيطرتها لكنها امتنعت عن فعل ذلك رسميًّا كما فعلت في القدس الشرقية والجولان مثلاً. وها هي تحاول الاقدام على مثل هذه الخطوة من خلال مقترح مشروع قانون ضم مستوطنات الأغوار والذي لا يمكن قراءته – رغم عدم امكانية إقراره بشكل رسمي- بمعزل عن سياسات الحكومة اليمينية التي يقودها نتنياهو لإحباط المقترحات الأميركية بخصوص الترتيبات الأمنية في الغور والتي ستأتي في سياق أي تسوية، وتتسق مع موقف إسرائيلي ينادي بدولة فلسطينية حدودها الجدار العازل وبدون القدس وغور الأردن كحدود لن تتنازل عنها تل أبيب في أي حل نهائي مع الفلسطينيين؛ وهذا بحد ذاته يعدّ دليلًا على أن اسرائيل تستخدم المفاوضات فقط كغطاء لمشاريع الاستيطان والضم والتهويد وتسوق مبررات السيطرة عليها من خلال "تكتيكات كلاسيكية" تفضي في النهاية إلى خلق وقائع على الأرض تخدم مصالحها وحساباتها وهواجسها الأمنية، وهو ما يكشف الأبعاد الحقيقية لجوهر التسوية حسب الفهم الإسرائيل.
مصر: تحديات ما بعد «الاستفتاء»
بقلم: علي جرادات
كان لافتاً ودالاً إقرار الدستور المصري الجديد الحائز نسبتيْ مشاركة وتأييد غير مسبوقتين بشرعية موجتيْ ثورة 25 يناير . لكن رغم ذلك، ورغم أنه يعبّر عن إرادة أغلبية ساحقة من أبناء الشعب المصري، إلا أن الباقين من بنية نظام الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، لم يسلموا بشرعية الموجة الأولى للثورة بزعم أنها مجرد "مؤامرة إخوانية"، بينما لم يسلم "الإخوان" بشرعية جولتها الثانية، بل ما انفكوا يمارسون العنف والإرهاب التكفيري ويستقوون بالخارج لإسقاطها بزعم أنها مجرد "انقلاب عسكري" .
وكذا بينما لم يَرُق لبقايا النظام الأسبق مساندة جيش مصر الوطني للإرادة الشعبية في تنحية مبارك، ما انفك "الإخوان" يحاربون الجيش ذاته الذي انحاز وحمى الإرادة الشعبية ذاتها لعزل محمد مرسي .
هنا ثمة مفارقة فحواها: تماثل السلوك السياسي لخصمين تجاه ثورة 25 يناير وتجاه انحياز جيش مصر الوطني لها . تماثل يؤكد أن تناقضهما إن هو إلا تناقض ظاهري لأن كليهما، وكل منهما على طريقته، يرفض الإقرار بأن ما بعد ثورة 25 يناير هو نوعياً غير ما قبلها، وبأن استعادة مصر للأمن والاستقرار والاستثمار مشروطة بتلبية مطالب شعب مصر وحقه في "الحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية"، وبأن توجهات نهوض مصر واستعادتها لاستقلالها وسيادتها ودورها القومي ووزنها الإقليمي والدولي غير ممكنة من دون إنهاء تبعيتها للسياسة الأمريكية، ما يحيل إلى حقيقة أن الطرفين المتصارعين على السلطة السياسية ينتميان لقاعدة اجتماعية واحدة تقودها -بتوصيف المفكرين الوطنيين المصريين- "حفنة فاسدة وتابعة من رجال المال والأعمال ورأسمالية المحاسيب"، رغم انشطارها إلى قسمين: "الأول بلحية والثاني من دون لحية" .
وآية ذلك جلية في أن صراعهما على السلطة لم يمنع اتفاقهما على فصل ثورة 25 يناير بموجتيها عما سبقها من انتفاضات وثورات شعبية في مقدمتها ثورة 23 يوليو 1952 التي تعرضت، ولا تزال تتعرض منذ رحيل قائدها عبدالناصر، لعملية "شيطنة" ممنهجة يشارك فيها "الإخوان" ونظام مبارك وريث نظام السادات الذي ارتد عليها، بينما جاءت ثورة 25 يناير بموجتيها لاستعادة البناء على ما حققته من إنجازات وطنية واجتماعية وقومية ما انفكت حاضرة في وجدان الشعب المصري وعقله .
كيف لا بينما كانت صورة عبد الناصر هي الأكثر حضوراً في كل التظاهرات المليونية لموجتي ثورة 25 يناير، بل وكان اسمه هو الاسم الوحيد الذي حظي بتوصيف "الزعيم الخالد" في نصوص الدستور الجديد .
على أية حال، هنا ثمة خصمان سياسيان يجمعهما العناد وتجاهل حقيقة أن الفوز بثقة الشعوب وصوتها الحر يتطلب برنامجاً يستجيب لمصالحها وهمومها ومطالبها . هذا عموماً، فما بالك إذا كان الشعب المعني هو شعب مصر الذي استطاع بثورة شعبية أبهرت العالم أن يطيح سلطة نظامين كان يصعب تخيل إسقاطهما خلال ثلاثة أعوام . ما يعني أن المواجهة التي يخوضها الشعب المصري -تحت حماية جيشه الوطني- مع عنف "الإخوان" وإرهابهم التكفيري منذ عزل محمد مرسي، إنما تحمل المضمون ذاته، وإن اختلف الشكل، لمواجهته السياسية مع بقايا نظام مبارك منذ تنحيته .
إنها المواجهة الشعبية الرافضة لاختطاف الثورة أياً كان اسم ولون الطرف الذي يحاول ذلك . وآخر دليل على ذلك هو أن الشعب المصري الذي رفض دعوات "الإخوان" إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور الجديد وشارك وصوت ب"نعم" بنسبتين غير مسبوقتين، رفض -أيضاً- على لسان رموز حركته السياسية والشبابية والمجتمعية الوطنية - محاولة بقايا نظام مبارك الفصل بين موجتي الثورة، ما يعني أن أغلبية ساحقة من أبناء الشعب المصري ترفض -بدعم من القوات المسلحة- عودة كل من سلطة نظام مبارك وسلطة نظام "الإخوان" في آن . لا جديد في ذلك . أما لماذا؟
هنا ثمة يقظة شعبية تحولت في معمعان ثلاثة أعوام من الانخراط في "ميادين" الثورة إلى بصيرة سياسية عامة تعي معنى التزامن بين تنحية الرئيس الأسبق، حسني مبارك، ودخول "الإخوان" في مساومة مهدت لاستلامهم الحكم عبر استعجال الاستفتاء على "إعلان دستوري" وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية توجتهم "حاكماً بأمره" بعد جوع ثمانين عاماً .
ما يعني أن الخلاف كان منذ البداية بين من أطلق ثورة 25 يناير، "الشباب"، ودعا إلى استمرارها حتى تحقيق مطالبها، و"الإخوان"، الذين نجحوا في التمكن من السلطة مع بقاء بنية نظام مبارك . ف"الإخوان" لم يكتفوا بارتكاب مساومة إحلال "المسار الدستوري" محل "المسار الثوري"، بل ارتكبوا -أيضاً- مساومة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل صياغة دستور جديد يحظى بالتوافق الوطني .
بزعم أن إعادة الاستقرار لمصر يكمن في إجراء "الانتخابات أولاً" وليس في إنجاز دستور متوافق عليه كخيار تبنته الائتلافات الشبابية وأغلبية القوى السياسية والمجتمعية الوطنية بمشاربها المتنوعة .
بهاتين المساومتين، لم يؤسس "الإخوان" لعدم تحقيق مطالب الثورة ولسقوط سلطتهم، فحسب، لكنهم أسسوا -أيضاً- لتحويل الخلاف على مضامين الدستور وآليات صياغته وضمانات نزاهة الاستفتاء عليه إلى صراع سياسي حاد تحول بدوره إلى استقطاب شعبي ومجتمعي ومؤسساتي شامل أنذر بتحويل الدولة المصرية إلى دولة فاشلة، خاصة بعد أن أصدر محمد مرسي في تشرين الثاني 2012 "إعلاناً دستورياً" يحصن قراراته السابقة واللاحقة لتمرير دستور "إخواني" ولمنْعِ "المحكمة الدستورية العليا" من إصدار قرار قضائي كان وشيكاً يقضي بحل "اللجنة التأسيسية" لإعداده .
لذلك من التعسف اختزال خلافات قوى الثورة مع "الإخوان" في الخلاف على دستور ما بعد الثورة، وإن كانت تركزت عليه منذ نهاية عام 2012 حيث جرى تمرير دستور "الإخوان" .
فخلاف "الإخوان" مع قوى الثورة بدأ مباشرة بعد تنحية حسني مبارك، بل قبل ذلك بأيام حين قبل "الإخوان" الدخول في مساومة فحواها إخلاء "الميدان" مقابل تعيين المرحوم عمر سليمان نائباً للرئيس وإحالة صلاحياته إليه وإجراء تعديلات على بعض مواد الدستور . ما يعني أن إدخال الثورة ومطالبها في دهاليز "المسار الدستوري" كان خياراً مشتركاً بين نظام مبارك وقيادة جماعة "الإخوان" .
قصارى القول: إن شعب مصر الذي فجر ثورة بموجتين وأسقط سلطتين في ثلاثة أعوام قد اكتسب خبرة ودراية سياسية جعلته يقظاً تجاه كل سياسة لا تلبي مطالب ثورته التي تجاوزت مطلب الديمقراطية السياسية نحو مطالب التنمية الإنتاجية المستقلة والعدالة الاجتماعية واجتثاث المستويات العالية من الفقر والبطالة والأمية . .، عدا بؤس العيش في "العشوائيات" والمقابر وتدني مستوى الخدمات الصحية، ما يستدعي القطع مع نهج سلطتي مبارك و"الإخوان" اللتين لم تكونا في وارد تلبية كل ذلك، ولا في وارد استعادة مصر لاستقلالها وسيادتها ودورها القومي ووزنها الإقليمي والدولي، على ما بين الأمرين من ترابط .
تلك هي، عدا تحدي محاربة إرهاب جماعة "الإخوان" و"أخواتها"، تحديات مصر وكل سلطة قادمة فيها بعد "عبور" تحدي الاستفتاء على الدستور .
أين القادة الذين يلبّون النداء؟
بقلم: الون بن مائير
لا يستطيع أحد أن يتّهم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بعدم القيام بكلّ ما بوسعه للتوصل لاتفاقية سلام إسرائيلية – فلسطينية. ويعتبر عناده والتزامه ومثابرته صفات مثالية. وإذا كان بإمكان أحد أن ينجح من بعيد في إنهاء الصراع، جون كيري بدون شك على رأس القائمة. وإذا لم يكن كيري يؤمن بإمكانية التوصل إلى اتفاقية، لما استثمر- من الناحية المنطقية – هذا الكم الهائل من الوقت والموارد ورأس المال السياسي على مشروع تملّص من الكثيرين قبله.
السؤال هو لماذا أنا، مثلي مثل الكثيرين من المراقبين، أشك بأن المفاوضات الحالية الإسرائيلية – الفلسطينية ستؤدي إلى حلّ بالرّغم من جهود كيري الجبارة “والالتزام المزمع” للسلام من طرف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس محمود عباس.
هذا ليس بجواب ٍ سهل، ولكن ما ميّز صعوبة حلّ هذا الصراع في الماضي ما زال قائماً حتى اليوم، الأمر الذي زاد تعقيده أيضاً إطار خاطىء للمفاوضات وعدم الإلتزام بالتّوصل إلى اتفاقية التي ستستلزم حتماً تنازلات مؤلمة من كلا الطرفين.
قواعد المشاركة: قال كيري بأن:”المفاوضات ستعالج جميع القضايا الجوهرية التي كنا نحاول علاجها منذ اليوم الأول، شاملة الحدود والأمن ومشكلة اللاجئين والقدس والإعتراف المتبادل ونهاية الصراع وجميع المطالبات”. وهذا يبدو للوهلة الأولى إيجابياً جداً، ولكنه في الواقع وصفة للفشل.
وللبدء في بحث هذا الأمر، فإن الخلل المتأصل في وضع “قواعد المشاركة” هذه هو أنها لم تضع التفاوض حول القضايا الشائكة في مراحل أو في سلسلة من الحلقات المتعاقبة بحيث يسهّل حل الواحدة منها التوصل لحلّ الحلقة أو المرحلة الأخرى.
وبالرّغم من أن المفاوضات شملت جميع القضايا التي عدّدها كيري، غير أن نتنياهو أصرّ أن تكون قضية أمن إسرائيل القومي على رأس جدول الأعمال. ومطالبته على أية حال أن تحتفظ إسرائيل ببعض القوات في غور الأردن لم تعزّز سوى شك الفلسطينيين بأن الإحتلال الإسرائيلي سيستمر إلى أجلٍ غير مسمى فقط بشكلٍ آخر، الأمر الذي أثار بالطبع مقاومة عنيدة. فلو أصرّ كيري على أن التّوصل إلى اتفاقية حول الحدود يجب أن يأتي أولاً بدلاً من استسلامه لطلب نتنياهو، قد يكون بذلك مهّد الطريق للإقتراب كثيراً من لوصول إلى اتفاقية، ليس فقط بشأن مخاوف إسرائيل الأمنيّة، ولكن أيضاً لحلّ مشكلة المستوطنات. ومن السخرية أن يرفع نتنياهو وبإصرار موضوع الحاجة “لحدود قابلة للدفاع” في حين يرفض بعناد مناقشة الحدود أولاً لأنه لا يريد ببساطة أن يضع منذ البداية مقوّمات دولة فلسطينية لم يقرّ بها في الواقع.
إن اتفاقية حول الحدود من شأنها أن تلبي كلا الأمرين، المطلب العملي والراحة النفسية التي تحتاجهما السلطة الفلسطينية للمضي قدماً في سياسة “هذا مقابل ذاك” مع الإسرائيليين. هذا قد يسمح للرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يبيّن بأنه قد أحرز شيئاً لم يتم التوصل إليه سابقاً ويجعله أكثر مرونة للسماح لبعض القوات الإسرائيلية في البقاء بغور الأردن كجزء من قوّة دولية لحفظ السلام لفترة محدودة من الزمن. وحجة نتنياهو بأن مثل هذا التنازل الأساسي سيطيح حتماً بحكومته لا يفسّر أو يبرّر سبب أنّ تمسكه بحكومة الإئتلاف أكثر أهمية من السلام. والتّوصل لاتفاقية مع الفلسطينيين يتطلّب أولاً تغييراً جذرياً في الخارطة السياسية وفي طريقة معالجة الأمور داخل إسرائيل.
يجب على أيّ قائد سياسي إسرائيلي أن يضع السلام على رأس أجندته السياسية وعلى أي رئيس وزراء إسرائيلي أن يخاطر بمركزه وحتى بحياته من أجل قيادة شعبه للسلام وليس للهاوية التي يقود إليها نتنياهو البلاد. حتّى هذه الساعة لا توجد اتفاقية حول موضوع بقاء بعض القوات الإسرائيلية في غور الأردن، لا بل إنه يعقد إجمالي الصعوبات والمشاكل في التفاوض حول قضايا شائكة أخرى، وقد يكون هذا كلّه من تخطيط نتنياهو.
التوسع في المستوطنات
وبالرّغم من أنّ قواعد المشاركة لا تنصّ على وجوب إسرائيل أن تعلّق بناء وحدات سكنية جديدة خلال المفاوضات، غير أن فشل كيري في إقناع نتنياهو في تعليق البناء في المستوطنات أو على الأقلّ القيام بذلك بتحفّظ وبوتيرة أبطأ (بدون استفزاز الفلسطينيين عمداً) قد سمّم الأجواء وعمّق شكوك السلطة الفلسطينية حول نوايا نتنياهو الفعلية.
كان الرئيس عباس غاضباً لأسباب وجيهة عندما قال:”لن نبقى صامتين حيال انتشار سرطان المستوطنات، وبالأخصّ في القدس، وسنستخدم حقنا كدولة عضو في الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات سياسية ودبلوماسية وقانونية لإيقافه”.
وهنا أيضاً فإن إتفاقية حول الحدود أولاً قد تحدّد وضع معظم المستوطنات وتقرّر أيّ منها سيصبح جزءاً من إسرائيل وأي منها لا. مثل هذه الاتفاقية الأولية ستسمح لإسرائيل التّوسع في أية مستوطنات تقع تحت إدارتها القانونية بالإتفاق مع الفلسطينيين وعلى أساس عمليات تبادل أراضي بإنصاف وحتى قبل التّوصل إلى اتفاقية شاملة.
الإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية:
الذي صعّد من تعقيد المفاوضات هو مطالبة نتنياهو بأن تعترف السلطة الفلسطينية بإسرائيل كدولة يهودية. والسخرية هنا إن إسرائيل لا تحتاج لأية حكومة فلسطينية، حالياً أو في المستقبل، للإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية لتمكين إسرائيل من الحفاظ على هويتها الوطنية اليهودية.
لا شكّ أن هناك نوايا شريرة وراء مطالبة نتنياهو، وللأسف وقع كيري في فخّها بالرّغم من افتقارها كلياً للمنطق وبالرّغم من أنها ستأتي بنتائج عكسية. وبصرف النظر عمّا إذا قام نتنياهو بهذا المطلب لإرضاء تحالفه اليميني المحافظ بشدة أو كحيلة لكسب الوقت، أو حتى إذا اعتقد بأن لمثل هذا الإعتراف مزايا حقيقية في تحويل المسألة الديمغرافية التي هي لغير صالح إسرائيل حالياً وقد تلحق ضرراً بهويتها الوطنية المستقبلية، فهو أقلّ ما يقال بأنه مخادع ماكر.
لقد قلت في مقالة سابقة بأن “هناك شكوك متزايدة في إسرائيل حول التزام الفلسطينين بالسلام. ففي الستة أشهر منذ انطلاق مفاوضات السلام لم تنقطع السلطة الفلسطينية عن التحريض ضد دولة إسرائيل”. وللزيادة من تقويض المفاوضات فقد صرّح وزير الاقتصاد نفتالي بينيت بأن المفاوضات الجارية”لم تجلب لنا سوى الإرهاب”. وصرّح في مناسبة أخرى قائلاً:”لقد انتخبتنا الأمّة لحراسة قيم دولة إسرائيل، لا أن نرهن مستقبلنا لأبو مازن”. ولكن أكثر التصريحات العلنية إثارة للغضب جاءت من موشي ياعلون، وزير الدفاع الإسرائيلي، الذي قال بأن كيري”الذي يعمل من منطلق هاجس غير مفهوم وشعور مسياني لا يستطيع أن يعلمني شيئاً واحداً عن الصراع مع الفلسطينيين. الشيء الوحيد الذي بإمكانه أن ينقذنا هو إذا فاز كيري بجائزة نوبل وتركنا وشأننا”.
ولسوء الحظ لم يصرّ كيري على أن يتجنب الطرفان مثل هذه الروايات الشعبية السلبية على النحو الذي أصرّ فيه على الحفاظ على سرّية جوهر المفاوضات.
لقد أُلحق حتى الآن الكثير من الضرر للعملية السلمية والتي ازدادت سوءاً بتصريحات كيري العلنية، وبالأخصّ عندما قال:”إن البديل للعودة للمفاوضات هو احتمال الفوضى، أعني هل تريد إسرائيل انتفاضة ثالثة؟” لم يحرّك هذا النوع من التصريحات شيئاً سوى المزيد من تشبّث الطرفين بموقفهما.
الحقيقة والمصالحة:
بصرف النظر عن القضايا المتنازع عليها، هناك مشاعر عميقة بالكراهية وعدم الثقة وعدم تسوية حسابات تاريخية لا يمكن تسكينها بشكلٍ آلي. وأنا مستعد أن أتجرأ على القول بأنه وحتّى في حالة التّوصل إلى اتفاقية حول جميع القضايا الأخرى (وهو أمر بعيد المنال)، فإنها ستكون مؤقتة على أحسن تقدير.
كان على كيري وبالتزامن مع المفاوضات أن يُطالب (وما زال قادراً على ذلك) بخلق “لجنة الحقيقة والمصالحة” وتكون مشكّلة من شخصيات إسرائيلية وفلسطينية غير سياسية ومعتبرة لمعالجة الشكاوي التي يرفعها كلّ طرفٍ ضد الآخر وذلك لخلق جوّ يؤدي إلى تعايش سلمي دائم. وأنا مقتنع تماماً بأنه ما لم ينظر الإسرائيليون والفلسطينيون لبعضهم البعض في العيون ويصغوا ويفهموا ويظهروا تعاطفاً حقيقيّاً للتاريخ المؤلم الذي مرّ به كلّ منهما ولمخاوف المستقبل، فإن المفاوضات الحالية والمستقبلية ستبقى متعثّرة.
إنّ عملية “الحقيقة والمصالحة” صعبة ومقلقة، وقد تمّ تجنبها لأنها تحتاج للبحث عن الذات وفهم جوهر الغضب العاطفي للطرف الآخر. أضف إلى ذلك حقيقة أن على الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، أن يتعايشا بشكلٍ أو بآخر ولا يستطيعان الإستمرار بالعيش رافضين وجود بعضهما البعض. يجب أن يهتزا لكي يفهما بأن عملية الحقيقة والمصالحة ليست فقط إضافة لإجراء حسن، بل هي أمر مركزي وجوهري لتسهيل المفاوضات الحالية وتعكس كيف ستنظر الأجيال الإسرائيلية والفلسطينية مستقبلاً لبعضها البعض. فإذا كان الطرفان بما لا يقبل الجدل يبحثان عن السلام، عليهما تقديم الدليل القاطع بأنهما مستعدان وراغبان في العمل معاً على ذلك المستوى الإنساني بدلاً من التخبط في تجريم بعضهما البعض، الأمر الذي لن يأتي بشيء سوى دفعهما لمزيد من الفرقة والبغضاء وجعل السلام درباً من دروب الأوهام.
تنفيذ الإطار الأمريكي:
تصبح النقطة المذكورة أعلاه أكثر إقناعاً في ظلّ التشكك المتزايد حول إمكانية التّوصل لاتفاقية نهائية حتّى الموعد الأصلي المحدّد لها وهو شهر نيسان القادم، وهذا بدوره قد أفسح المجال لهدفٍ أكثر تواضعاً للوصول إلى تفاهم مرحلي يعتمد على أساس إطار زمني مرن سيقدمه كيري عن قريب. سيكون هذا لربما أقصى ما يأمله كيري. هذا وبالنظر إلى الوضع المتطاير في المنطقة وتصاعد الصراعات المسلحة التي أصبحت تكتنف إسرائيل والفلسطينيين والتململ المتزايد في الشارع الفلسطيني، فإن اتفاقية مرحلية أو حتّى إطار عام للسلام لن يصمد أمام اختبار الوقت.
وبخلاف رئيس الوزراء الراحل آرئيل شارون، فإن نتنياهو يبقى إيديولوجياً أعمى ليس لديه رؤية أين ستكون إسرائيل بعد 10 أو 15 عاماً وليس لديه الشجاعة لاتخاذ خطوات تصحيحية الآن لحماية إسرائيل من التنازل عن ديمقراطيتها وتعريض الهوية اليهودية القومية للخطر. وهو ما زال يتخبط في تفكيره الرّغبي جالباً خطراً أكبر على إسرائيل كل يومٍ يمرّ.
والرئيس محمود عباس، من الناحية الأخرى، قد يكون راغباً في صنع اتفاق، ولكن فقط بشروطه حيث أنه مقيّد للغاية بدعمٍ شعبي محدود والوقت ينفذ منه. وفي الوقت الذي يدّعي فيه الرئيس الفلسطيني عباس بأنه يمثل جميع الفلسطينيين، فإن حماس التي تسيطر بالكامل على قطاع غزة لا تعترف بسلطة عباس ومن غير المحتمل أن تقبل بأية اتفاقية مع إسرائيل لا تتناسب مع أجندتها السياسية المدمّرة ذاتياً.
الإفتقار إلى قيادة شجاعة وذات رؤية بعيدة
وللتأكيد، لا نتنياهو ولا عباس أظهرا حتى الساعة قيادة شجاعة وذات رؤية بعيدة نحن بحاجة لها بالتأكيد في هذه المرحلة المصيرية. إن السجلات الإسرائيلية – الفلسطينية التاريخية مشبّعة بنكران ومقاومة المصير المحتوم وهناك القليل من الدلائل التي تشير إلى حدوث كثير من التغيير. ولذا من الوهم، لا بل من الخداع أن نفترض بأن تقديم إطار للإسرائيليين والفلسطينيين سيمهّد لهم في الحقيقة الطريق لاتفاقية سلامٍ في وقتٍ ما من المستقبل القريب. ولنقلها بصراحة مكشوفة، لن تحدث نتائج حقيقية سوى بضغط أمريكي مباشر، بشرط أن يفهم نتنياهو وعباس تماماً بأنه سيكون هناك عواقب وخيمة إن هما قاما بتحدي الولايات المتحدة.
ليس هناك حليف أفضل وأقرب لإسرائيل وللفلسطينيين من الولايات المتحدة الأمريكية وهي الدولة الوحيدة التي بإمكانها توفير التغطية السياسية التي يحتاجها كلاهما، ولكن بإمكانها أيضاً أن تستخدم الإكراه و/أو الإغراءات لإجبارهما على إيجاد الأرضية الوسط للوصول إلى اتفاقية. والتهديد بالإمتناع عن الدعم السياسي لإسرائيل في المحافل الدولية سيستمرّ لإقناع نتنياهو وغيره من القادة السياسيين بأن يوم الحساب قد حان. والضغط السياسي والاقتصادي المماثل على محمود عباس سينعكس بشكلٍ سلبي خطير على الفلسطينيين الذين لا يستطيعون رفض الدعم الأمريكي الجوهري لهم. وفي هذا السياق على وزير الخارجية كيري أن يعيد تنشيط مبادرة السلام العربية ويطلب من الدول العربية القيادية، وبالأخصّ المملكة العربية السعودية ومصر والمغرب والأردن وغيرها التي تدعم فعلاً مفاوضات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية على أن تكون أكثر وضوحاً، لا بل “صخباً، في دعمها شعبياً مبادرته من أجل السلام، فعبّاس بحاجة إلى دعم الدول العربية سياسياً واقتصادياً والشعب الإسرائيلي بحاجة للإقناع بأن الأغلبية العظمى للعالم العربي تدعم مفاوضات السلام.
هناك بالطبع من يقول وبحق بأنه نظراً لمقاومة الكونغرس الأمريكي والمعارضة العنيدة لجمهور الناخبين الإنجيليين في أمريكا وما يسمى “اللوبي اليهودي”، فإن إدارة الرئيس أوباما ستبقى مترددة في إجبار إسرائيل على القيام بأية تنازلات لا ترغب فيها للفلسطينيين. هذا بالطبع قد يكون صحيحاً، ولكن مرّة أخرى إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية جادّة في تحقيق السلام وتعتقد بأنه الأفضل لصالح إسرائيل وبأن الوقت عامل أساسي في ذلك، فإنها لا تستطيع بعد الآن أن تتلكأ وتضيع الوقت في جهود وساطية تذهب سدىً. وهنا أيضاً وللقادة في أمريكا دور حاسم، فلا يستطيع الرئيس الأمريكي تسوية الصراع بعظاته حول السلام وترك جون كيري يغطس أو يسبح.
للولايات المتحدة مصالح استراتيجية ضخمة في الشرق الأوسط وبحاجةٍ لسلامٍ إسرائيلي – فلسطيني بالقدر الذي هي بحاجة إلى هذا السلام لمنع “حريق” كبير آخر من المؤكد بأنه سيأتي إذا بقيت الأوضاع الحالية كما هي. وسيشهد الشرق الأوسط اضطراباً هائلاً غير مسبوقاً لسنوات، وقد لا يكون هناك وقت أفضل من الآن للتوصل لسلامٍ فلسطيني – إسرائيلي، ولكن أين هم القادة الذين بمقدورهم تلبية النداء؟
مقالات جريدة الأيـــام
أطراف النهار: نشيد "اليرموك"
بقلم: حسن البطل
"يرموك احنا جنودو/ عنّو ما بنتحوّل
"يرموك أرض المرجلي/ هو صراع المرحلة
"ثورة وجهاد ومرجلة/ ودم الشهداء مسجلة
"يا حيف على اللي غادروا/ جوّا البحر تايغامروا
"يا مهجّرين عودوا/ طال السفر وطوّل
"يرموك يا زحف النصر/ صوب العدا ما ينكسر
هذا النشيد/ النشيج أدّاه، وسط الخراب والدمار، عازف واحد على "البيانو" ورتل أفقي من ستة شباب متكاتفين، يعتمرون الكوفيات.. وعلى بيوت الخراب ترفرف أعلام فلسطين.. وحدها دون شريك!
فعلت ما أفعله نادراً، وشاركت على صفحتي في تعميم هذا "الفيديو" في يوم تصادف مع يوم عرس جماعي في أريحا.
فرح وترح؟ نشيج ونشيد، للوطن والشعب، في البلاد والمنفى: "هي أغنية.. هي أغنية". هي صدى قول شاعر فلسطيني: "ادفنوا قتلاكم وانهضوا" وقول الشاعر: "نحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً".
الشكّاؤون، البكّاؤون، النائحون على ترح "عاصمة المخيمات الفلسطينية في المنفى" استهجنوا، فيسبوكياً، كيف يصدح المغنّون في عاصمة أخفض نقطة في العالم، بالنشيد. كيف ولماذا؟ ألم يقل الشاعر إن الوطن هو، أيضاً، أن "يزوجوا بناتهم لأولادهم"؟
قوة الرُّوح فينا، كشعب، أن نواري الشهيد الثرى، وأن نزفّ العرسان إلى استمرار حياة الشعب. ماتوا لنحيا فهم أحياء. ألا يُهرِّب الأسرى المحكومون بالمؤبّدات في سجون إسرائيل "ماء الحياة" إلى زوجاتهم؟ ألا يوجد في شعبنا تقليد: الشهيد ابن الشهيد (مثلاً: الشهيد أبو حسن سلامة، ابن الشهيد علي حسن سلامة، ووالد علي).
صارت للشعب مناعة صنع الحياة في وجه الموت والفناء منذ أول النكبة، وأول مجزرة وحصار، وأول ضرّ مسّ مخيم فلسطيني خارج فلسطين.
في اليوم التالي للنشيد/ النشيج في خرائب اليرموك والعرس الجماعي في أريحا، نشرت "الأيام" صورة رئيسية في صفحتها الأولى عن دفن سبعة شهداء جدد في مخيم اليرموك، وخبراً رئيسياً.. لكن نشرت خبر الزفاف الجماعي في صفحة التتمّات!
بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، أيلول 1982 بأيام قليلة، حضر القائد ياسر عرفات والسيدة وسيلة بورقيبة، والخارجون من حصار بيروت، عرساً في مقر قيادة المنظمة في فندق سلوى.. وكان زفافاً لمناضلة فلسطينية من مخيم شاتيلا من قوات الـ 17 زفّت إلى مناضل عراقي في الجهاز نفسه.. وما لبثت العروس أن سقطت شهيدة في الغارة الشهيرة على "حمّام الشط". كل ما أذكره عن العروس أنها كانت تهزم الجميع، بمن فيهم زوجها، في مباراة كرة الطاولة (بنغ ـ بونغ)!
نعرف أن المخيم في المنفى هو فلسطين في المنفى، وأن فيزياء المخيم، في المنفى والبلاد، متشابهة؛ وأن المخيمات أقيمت، في البلاد والمنفى، في خاصرة المدن؛ وأن الحروب الأهلية العربية هي دمار في المدن.. وأن لا حصانة للمخيمات من مخاض الحروب الأهلية العربية ولم تعد حصانة لفلسطين والفلسطينيين من فوضى الحروب الأهلية العربية.
تعرفون الكثير عن مخيم اليرموك. مكاناً، وسكاناً وموقعاً من مواقع "المخاض السوري".. لكن المخيمات ليست "غيتوات" بل مراكز جذب سكانية واقتصادية.
في مخيم اليرموك، مثلاً، كانت صبايا وجميلات دمشق، في حي أبو رمّانة والروضة، يذهبن، أواخر سبعينات القرن المنصرم، لشراء أحدث موديلات سراويل "الجينز" من أسواق مخيم اليرموك!
في حصار مخيم "تل الزعتر" كانت المدفعية الفلسطينية في بيروت الغربية تقدّم دعماً من ستار ناري للصامدين في المخيم.
فور بدء حركة "أمل" واللواء السادس، بدعم سوري، في حصار ثانٍ لمخيم شاتيلا، غادر العديد من المقاتلين فندق/ منتجع/ مقرّ المنظمة في "سلوى" وتسلّلوا عائدين للقتال لرفع الحصار عن ذويهم وشعبهم!
نشيد/ نشيج مخيم اليرموك صادر من القلب إلى العصب.. إلى الأمل، وهو يصلح لتوزيع موسيقي، وكورال من المغنين، ولمطرب من وزن محمد عسّاف، ليشكل إضافة للنشيد الفلسطيني، والأغنية الفلسطينية في المقهى، حيث كان التلفاز يبث وقائع حفل الزفاف الجماعي، قال واحد نكد: كم نسبة العرسان الذين سيطلقون بعد سنة.. بعد سنوات؟
نسبة الطلاق في فلسطين هي 20% ونسبة عنوسة البنات هي 7% لا غير.. وهذه وتلك من أقل النسب في العالم العربي... كنا، أوّل النكبة، مليوناً وربع المليون، وصرنا أكثر من عشرة ملايين رغم المعارك والحصارات والمجازر!
مفارقة بين جماعتين من أصل واحد
بقلم: طلال عوكل
لا تزال تونس تمسك بشرف أولوية المبادرة نحو طريق التغيير، والتغيير الهادف، غير العشوائي، والذي يسعى فعلياً لإقامة نظام مدني ديمقراطي أو لنقل، النظام الذي ترضى عنه اغلبية الشعب، وعلى قاعدة الاعتراف الجمعي بأن الشعب هو مصدر السلطات.
ثورة الياسمين نهاية العام 2010، كانت البداية، لاندلاع عمليات التغيير في المنطقة العربية، واتسمت ببعدها الشعبي الديمقراطي وسلميتها، واستمرت منذ ذلك الحين، محافظة على تلك الأبعاد، بالرغم من نشوء فرقة شاذة، تنتمي إلى السلفية، والتي تنتهج سبيل العنف، المرفوض حتى من الفرق الإسلامية التونسية الأخرى، وبالطبع من بقية الفرق والأحزاب السياسية والاجتماعية.
ومنذ أن جرت الانتخابات وأظهرت نتائجها فوز حركة النهضة، وهي الفرع التونسي، لحركة الإخوان المسلمين العالمية، بادرت الحركة لتقديم نموذج مختلف، نموذج يأخذ بعين الاعتبار طبيعة التكوين الاجتماعي والسياسي.
وطبيعة الحركة الوطنية التونسية، التي تتمتع بتنوع كبير، ونموذج يقرأ على نحو معقول، طبيعة العصر، وما تنتجه من إمكانات إزاء تشكل النظام السياسي الجديد. دخلت حركة النهضة في تحالف مع حزبين علمانيين، وقبلت بتوزيع المسؤوليات الرئيسية في البلاد على نحو يمنح حزباً، موقع الرئاسة والآخر موقع رئاسة المجلس التأسيسي فيما احتفظت لنفسها بموقع رئيس الحكومة.
مضت التجربة على نحو لم يجد قبولاً لدى بقية الطيف السياسي والاجتماعي، وواجهت العديد من العقبات، التي أدت إلى تعثرها، فلقد ازداد وتصاعد العنف، وحصد اثنين من زعماء المعارضة، وتحملت الجماعات الإسلامية المسؤولية عن ذلك بما فيها الأحزاب التي ترفض العنف ومنها حركة النهضة، واستمر الاضطراب الاجتماعي والسياسي، وتجاوز المجلس التأسيسي الموعد المقرر لإعادة إجراء الانتخابات، فيما لم ينجح التحالف الثلاثي في تحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية.
في ظل تلك الأوضاع، كانت حركة النهضة أمام احتمالين فإما مواصلة التمسك بنتائج الانتخابات، ومواصلة إدارة الحكم، وبالتالي مواجهة المعارضة المتزايدة، وفي الوقت ذاته التصدي لتصاعد العنف الذي تمارسه الجماعات السلفية، وإما أن تتراجع عن ذلك، وتعود للحوار، بهدف تحقيق توافق وطني.
كانت التجربة المصرية، قد قدمت ملامح أخرى، حيث اندلعت الثورة الشعبية في الثلاثين من حزيران العام الماضي، وتدخل الجيش المصري، وتم إقصاء الرئيس محمد مرسي، ودخلت البلاد في اضطراب شديد، ودخلت مرحلة من العنف المدمر.
ومن الواضح أن المرشد العام لحركة النهضة، راشد الغنوشي، قد قرأ جيداً التجربة المصرية، وهو في الأصل صاحب رؤية ومواقف قبل الثورة التونسية، أكثر عقلانية وأكثر انفتاحاً وأكثر مرونة، من أقرانه من زعماء حركات الإسلام السياسي العربي بما في ذلك حركة الإخوان في مصر.
وإذا كانت القراءة المجردة الأكاديمية، لا تصلح في حال الأحزاب والعمل السياسي، فإن الغنوشي، وبعد أشهر قليلة من التجاذبات السياسية والعناد، آثر أن يحيل نتائج القراءة للتجربة المصرية، إلى مبادرات وسلوك سياسي.
تنازل الغنوشي عن الحكومة، ووافق عبر حوار وتوافق وطني على تكليف شخصية مستقلة بتشكيل الحكومة، حظيت بموافقة المجلس التأسيسي ووافق هو وحركته على دستور لا ينص صراحة على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع وللسلطة، وتم الاتفاق بين الجميع على مواعيد إجراء الانتخابات، ودفع البلاد نحو دولة مدنية ديمقراطية.
لم تتنازل حركة النهضة عن أيديولوجيتها، ولا عن انتمائها الإسلامي ولا عن ارتباطها بحركة الإخوان المسلمين، ولكنه تصرف وفق مقتضيات العصر، ووفق حاجات البلاد، وتطلعات الأغلبية الشعبية، وقدم المصلحة الوطنية العليا عن المصالح الحزبية الضيقة التي كان يعني التمترس حولها، والتمسك بها، تمزيق البلاد، ودفعها نحو أتون صراع مرير، طويل، لا منتصر فيه إلاّ اعداء تونس. أقول ذلك، لا فقط لكي، نستظهر نموذجاً مختلفاً وحيداً للإسلام السياسي الذي يتسم بالتسامح والوطنية، وبالمرونة وبالفهم السليم لمتطلبات العصر، وللتعامل السياسي الناجح، الذي لا ترهقه الأيديولوجيا حتى الإطاحة بأصحابه، وإنما أيضاً، لكي نضع في مقابله، رؤية وسلوك جماعة الإخوان في مصر، ليس بهدف الشماتة، وبعيداً عن روح الانتقام، وإنما من أجل تدارك الأمور نحو تصحيح المسار.
فسواء في مصر، أو في فلسطين أو تونس، أو في أي قطر عربي، فإن الوطنية والقومية الحقة، تستدعي أن لا تهدر الطاقات عبثاً وبدون طائل، وتستدعي توفير كل جهد، للنهوض نحو بناء المستقبل الأفضل لشعوب أمتنا العربية، وادخاره لخوض معارك الأمة العربية التي تواجه تحديات تاريخية صعبة.
نعم فازت جماعة الإخوان في مصر، بأغلبية، وبرئاسة الجمهورية، ولكنها وقعت في جملة من الأخطاء بل الخطايا بقياسات العمل السياسي، أدت الى تحول الأغلبية الشعبية ضدها خلال عام واحد فقط من تسلمها مسؤولياتها الوطنية. لا نقصد العودة لتعداد تلك الأخطاء والخطايا، وأهمها، اتباع سياسة الإقصاء لكل الآخرين بما في ذلك الحليف الأساسي وهو حزب النور السلفي، ما أدى إلى ما أدى إليه، وهو إقصاؤهم عن الحكم. وإذا كان قد فات الأوان على إمكانية تصحيح ما كان يمكن تصحيحه قبل إقصاء الرئيس المعزول محمد مرسي، فلقد كان على الجماعة أن تتعامل بواقعية سياسية مع المتغيرات التي وقعت، لا أن تتحصن حول شعارات غير قابلة للتحقق من قبل إعادة الرئيس الشرعي إلى سدة الرئاسة مرة أخرى.
لجأت الجماعة إلى العنف، ومواصلة النزول إلى الشوارع، وسال الدم المصري الغالي، الأمر الذي شكّل عاملاً مهماً في اضطراب الأوضاع، وتراجع شعبيتهم، وصولاً إلى حل الجماعة، وإعلانها جماعة إرهابية، وكان من الممكن ويفترض أن تستمع إلى نصائح من طالبوا الجماعة بالتكيف، مع ضرورة التواجد في قلب الحركة السياسية والاجتماعية، وخوض التجربة الديمقراطية مرة أخرى. خطأ كبير، وتاريخي تدفع ثمنه الجماعة، ويدفع ثمنه المجتمع المصري، ونتألم لما يجري كعرب يتمنون أن تكون مصر بأفضل حال، لأن ذلك يعني أن الأمة ستكون بأفضل حال.
السّيسي وقيادة مصر إلى برّ الأمان
بقلم: د. عبد المجيد سويلم
كما كان متوقعاً فقد أصبح ترشُّح الفريق أول (المشير) عبد الفتاح السّيسي لرئاسة الجمهورية بحكم المؤكد، وأصبح نجاحه في هذه الانتخابات أمراً مرجحاً إلى أبعد الحدود في ضوء شعبيته الكاسحة، وفي ضوء تعلق ملايين المصريين بشخص استحوذ على عقول وقلوب هذه الملايين في فترة قياسية.
لكن كيف يمكن تفسير "ظاهرة" السّيسي وما هذا الحبّ الجارف الذي أصبح يحيط بهذا الرجل، وكيف تمكن وزير دفاع "جديد" أن يأسر أفئدة المصريين ويتحول إلى ما يشبه الأسطورة؟!
أزعم هنا أن السّيسي لم يكن ليتحول إلى ما تحول إليه لولا أن الشعب المصري كان يبحث عن "مخلّص" في ظل ما وصلت إليه البلاد من مأزق تاريخي غاية في الاستعصاء بعد سنة كاملة من محاولات اختطاف الدولة التي أعقبت اختطاف الثورة.
البحث عن مخلّص ليس مسألة خارج نطاق تفسيرات ونظريات علم النفس الجماهيري، وهي مسألة "منطقية" في مراحل الأزمات السياسية المستفحلة لدى كل شعوب الأرض بما في ذلك الشعوب المتقدمة، وهي مسألة لا تتعلق بالمراحل التاريخية القديمة للمجتمعات البشرية بل هي ظاهرة متكررة في التاريخ الحديث والمعاصر لهذه المجتمعات والشعوب.
يضاف هنا أن المصريين تسكنهم ثقافة دينية هي أقرب إلى الثقافة الشعبية الشيعية وأن فكرة "المخلّص" فكرة كامنة في العقل الباطني للثقافة الدينية للمصريين. ان قداسة الحسن والحسين والسيدة كما نعرف هي قداسة خاصة بالثقافة الدينية الشيعية أكثر مما هي قداسة عند أتباع المذهب السنّي، وتكاد تكون هذه القداسة محصورة في مصر بالمقارنة بكل بلدان العالم الإسلامي التي تتبع المذهب السنّي.
ففكرة المخلّص إذن هي جزء من مكنون السياق التاريخي للثقافة الشعبية في مصر.
التعلق بالحلم والأمل والخلاص ليس فكرة خاصة بالمصريين كما أوضحنا ولكنها فكرة عالية القيمة بالمقارنة مع الشعوب العربية الأخرى.
يضاف إلى ذلك أن الشعب المصري يحب وطنه كما تحب الشعوب أوطانها لكنه يحبّ دولته أيضاً. الفرق بين الدولة والوطن فرق معروف لكن هذا الفرق ليس واضح المعالم في الحالة المصرية.
يعود السبب في ذلك ـ كما أرى ـ إلى عراقة الدولة المصرية ورسوخها في الثقافة الوطنية للمصريين ليس فقط في العهود التاريخية القديمة وإنما في العصر الحديث أيضاً.
ونحن في الحقيقة نستطيع أن نلمس هذه المسألة بمقارنة مؤسسة الدولة في مصر منذ محمد علي باشا ـ على الأقل ـ مع مؤسسات "الدولة" العربية الأخرى وحيث أن هذه المقارنة تفضي حتماً إلى مقارنة فارقة تماماً.
وفي هذا الاطار يمكن القول إن الدولة المصرية هي الدولة العربية الوحيدة التي تنطبق عليها (فعلياً وواقعياً) مسمّيات الدولة وخصائصها.
وبمقارنة الدولة المصرية الحديثة بالدول العربية الأخرى نلحظ أن هذه الدول في تكوينها السياسي وفي منطوقها القانوني وفي مضمونها المجتمعي هي الدولة الوحيدة في كامل هذا الإقليم.
ويضاف إلى كل ذلك دور الجيش المصري نفسه في حماية مشروع الدولة المصرية، وكيف أن الجيش المصري قد ارتبط تاريخه بتاريخ الدولة المصرية الحديثة حتى أن بعض المؤرخين والعلماء يعتبرون الدولة المصرية الحديثة ثمرة من ثمرات الجيش المصري نفسه.
الدور الوطني للجيش والذي أنيطت به على الدوام حماية الدولة المصرية خلق من ثنائية الجيش والدولة في مصر ثنائية خارج نطاق الاستحواذ السياسي المباشر وتحولت هذه الثنائية في الثقافة الشعبية والوطنية إلى نوعٍ من المسلّمات الوطنية الراسخة.
عندما اختطف الإخوان ثورة 25 يناير استشعرت النخبة السياسية هذا الاختطاف ولكنها ترددت في الحكم على هذا الاختطاف، أما عندما تحول الإخوان إلى السطو على الدولة والاستئثار بها وأخونة مؤسساتها وتعريض الأمن القومي للخطر وتحطيم قدراتها تمهيداً للانقضاض عليها شعر المصريون أن البلاد باتت في خطر والدولة في مهب الريح والمجتمع على أبواب حرب داخلية مدمرة.
في هذه اللحظة التاريخية الفارقة ظهر عبد الفتاح السّيسي وكان هذا الظهور بمثابة الأمل والحلم. واستطاع هذا الرجل الحازم والحنون، القائد والزعيم، القوي كالجبال والرقيق الطيب الحاني أن يأسر قلوب المصريين وعقولهم لأنه خلق لديهم الأمل وخلق لديهم الهدف وأصبح للمصريين حلم يتعلقون به ويسعون للوصول إليه.
دور الفرد في التاريخ ينبع كما نعرف من وجوده في اللحظة التاريخية المناسبة ومن مواصفات قيادية قادرة على الاستجابة لتلك اللحظة، ولأن السّيسي على هذه الدرجة من الأهمية فإن الخطر عليه هو خطر حقيقي وأعداء مصر يعرفون هذا جيداً.
على أبواب فشل كيري
بقلم: حمادة فراعنة
ليست المرة الأولى التي تخفق فيها ومن خلالها الإدارات الأميركية المتعاقبة في التوصل إلى حل واقعي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقد أخفق الرئيس كلينتون في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، وأخفق الرئيس بوش في مفاوضات أنابوليس عامي 2007 – 2008، وتعثر الرئيس أوباما طوال ولايته الأولى، وتراجع عن اهتماماته العربية وتخلى عن اندفاعه للتوصل إلى تسوية في عهد وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ومستشاره السيناتور جورج ميتشيل الذي رحل مهزوماً بلا رجعة، بعد تقديم استقالته.
وها هو جون كيري، منذ أن تسلم حقيبة الخارجية، مع ولاية الرئيس أوباما الثانية الجارية، بدأ جهوده واتصالاته وجولاته، من بداية شهر آذار 2013، وهو يسعى لإيجاد أرضية من القواسم المشتركة تقوم على ما قطعته المفاوضات من شوط في عهدي كلينتون ( كامب ديفيد ) وبوش ( أنابوليس )، ولكنه أخفق شديد الإخفاق في بدء التفاوض، من النقطة التي تم التوصل إليها في مفاوضات أنابوليس بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يهود أولمرت.
ومنذ أن بدأت المفاوضات رسمياً في 30 تموز 2013 حتى آخر جلسة يوم 5/11/2013، لم تتقدم خطوة واحدة، فسعى كيري لنقل موضوع التفاوض من معالجة القضايا الجوهرية، إلى التوصل إلى صيغة بيان مبادئ أو إعلان نوايا أو اتفاقية إطار، تغطية لفشله في وضع أرضية، أو رؤية أميركية نزيهة ومتوسطة للقضايا الجوهرية محل الصراع وعناوينها وهي :
أولاً : عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم التي طردوا منها واستعادة ممتلكاتهم فيها وعليها، وفق القرار 194.
ثانياً : الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وفق القرار 242، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق قرار التقسيم 181 وحل الدولتين 1397، وخارطة الطريق 1515، حيث اصطدم بالموقف الفلسطيني الذي يرفض الحلول الانتقالية أو المؤقتة أو المرحلية لأنها تعني جرجرة المفاوضات إلى عناوين إجرائية ليست ذات معنى ولا تضيف شيئاً إلى سلسلة الاتفاقات أو المبادئ أو الوثائق التي تم التوصل إليها وتم توقيعها بلا فائدة، ولم تنعكس على الأرض، حيث يفعل جيش الاحتلال ومستوطنوه وأجهزته الأمنية فعلها بتغيير الحقائق وتدمير الوقائع عبر 1- أسرلة القدس وتهويدها، 2- توسيع الاستيطان في قلب الضفة الفلسطينية وتمزيق جغرافيتها وتقطيعها، 3- أسرلة الغور وضمه ومنع التنمية والبناء الفلسطيني عنه وممارسة التطهير العرقي من أهله وتدمير ممتلكاتهم وتطويقهم ومنع قيم الحياة ومظاهرها عنهم.
واصطدم أيضاً بالموقف الإسرائيلي نحو مسألتين طرحهما ولم يجد الاستجابة لهما وهما:
أولاً: الانسحاب الإسرائيلي من أراضي الضفة الفلسطينية باستثناء القدس والمستوطنات وتوسيع ولاية السلطة الوطنية لتشمل الأراضي التي سينسحب منها جيش الاحتلال.
ثانياً : وضع قوات دولية بديلاً لقوات الاحتلال الإسرائيلي تضمن الأمن، للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بما يشمل الغور والحدود والمعابر، ولكن حكومة نتنياهو ترفض تسليم الأمن لطرف ثالث حتى ولو كان من الأميركيين، وترفض الاعتماد على الأجهزة والتكنولوجيا تعويضاً عن انسحاب قوات الاحتلال من أراضي الدولة الفلسطينية، مثلما ترفض إزالة أي مستوطنة، كما قال نتنياهو، ولا أمن ليهودي إلا من قبل يهودي.
ولهذا يحاول كيري تمديد فترة المفاوضات إلى ما بعد نيسان 2014، حتى نهاية العام الجاري 2014، لسببين أولهما توفير غطاء لتراجعه عن مواصلة جهوده، ولعدم إظهار فشله، وثانيهما لقطع الطريق على منظمة التحرير في خيارها لاستكمال عضوية فلسطين في المؤسسات والمنظمات الدولية المتخصصة أسوة بما حصل في عضوية "اليونسكو" يوم 31/10/2011، وعضوية الدولة المراقب في الجمعية العامة يوم 29/11/2012.
مقالات الحياة الجديدة,,,
تغريدة الصباح - رياضة في غياب الكهرباء,,, من يوميات امرأة محاصرة في غزة
بقلم: سما حسن
في غزة المحاصرة أعيش مع أبنائي الأربعة، امرأة وحيدة تحاول وتجاهد لتبقى في ظل ظروف قاهرة، وأحداث صادمة سواء على صعيد حياتي الشخصية أو على صعيد ما يحيط بي من ظروف معيشية، ولأن أولادي الأربعة في أعمار متفاوتة ما بين الشباب والمراهقة والطفولة المتأخرة فان العيش معهم في بيت واحد أشبه بقمة من تلك القمم التي تدور بين رؤساء الدول في أروقة الأمم المتحدة فلا جدال يتوقف ولا اتفاق يتم التوصل إليه، ومع الكثير من الجد والكثير من الهزل أيضا تسير بي وبهم مركب الحياة ولكن بصعوبة.. بخاصة في ليالي الشتاء الباردة التي تنقطع فيها الكهرباء حيث أصبح ذلك أمرا واقعا بفعل الحصار المفروض على غزة.. في ساعات المساء في احدى تلك الليالي كان الجو باردا جدا داخل شقتي الصغيرة، فيما تهطل الأمطار بغزارة ويعم الظلام، ولأن الكهرباء مقطوعة كالعادة قرر أولادي أن يلوذوا بأسرتهم وأغطيتهم الثقيلة، فلا شيء يبعث الدفء في هذا الجو البارد، وفجأة قدم ابني الأصغر مقترحا حيث نادى بصوته الرجولي المحبب: اللي بدو يتدفا مجانا ييجي هون..
غادرنا الأسرة مسرعين حيث صالة البيت وهتف ابني: بدنا نلعب رياضة وابني هذا يعتبر رياضيا من الدرجة الأولى ويهتم بلياقته البدنية منذ صغره بعكس ابني الأكبر الذي تحول لفيل صغير من فرط كسله.. كنا نصطف في طابور ويقف قبالتنا ابني ونحن نقلد حركاته، واستذكر ابني الفنانة كريمة مختار في فيلم "رجل فقد عقله" مع فريد شوقي حين كان أولادها يمرنونها لكي تنقص وزنها حتى لا تخسر زوجها..
وعلى ذلك وحين بدأت أتحرك مع اشارات ابني الأصغر كان ابني الأكبر يردد:
واحد.. جوزك بيحب
اتنين.. جوزك حيتجوز عليكي
ثلاثة.. حيبدد ثروته
وتعالت ضحكاتنا ولكن ولأن أولادي يعرفون أني طاوعتهم وبدأت ممارسة الرياضة لكي أشعر بالدفء أولا، ولكي أحافظ على لياقتي ثانيا، فلا رجل أنا بحاجة لكي أغدو رشيقة من أجل الحفاظ عليه، فقد قام ابني "الكابتن " بتغيير المشهد وكتم ضحكاته وهو يراني أتحرك مثل"بطة مكتنزة". واحد... لازم تصيري عصفورة يا بطة اتنين... وإلا حتصيري عجوزة كعبورة..
وهكذا كنا وعلى ضوء البطاريات الصغيرة المتناثرة كأشباح تتحرك وتترك ظلالها على الجدران ، فيما يضحك أولادي من حركاتي، كنت أضحك بدوري من أشكال ظلالهم المتحركة على الجدران صعودا ونزولا، وبعد كل تمرين كنت أتباكى وأمسك بأعضاء جسمي واحدا تلو الآخر وأصيح وسط ضحكاتهم: الحقيني ياما.. لكننا شعرنا بالدفء حقيقة يغزو أجسامنا فيما دفء أكثر غمر أجواء بيتي الصغير من حبنا وتلاحمنا وروحنا الآملة بغد أفضل، وهكذا عدنا لأسرتنا لننام في انتظارعودة الكهرباء..
تهديدات متغابية وشهيد جديد
بقلم: عدلي صادق
ما تنفثه أصوات اسرائيلية ضد الرئيس محمود عباس، ليس فيه سوى السموم. فبدل السياسة يحل الغباء ويُعتمد. وأصحاب هذه الأصوات لا يحترمون عقل العالم ولا يأخذون الوقائع بعين الاعتبار، ويظنون أن الدنيا والتاريخ ينعقدان لهم الى الأبد، وأنهم أصحاب الحق في حمل مفاتيح الزمن والمستقبل، ويتحكمون في المصائر الى أن تقوم الساعة، وأن من أكثر قدراتهم تواضعاً، أن يتمكنوا من فرض صيغة اتفاق اسرائيلي، يتحول فيه وطننا الى مهاجع نوم بائسة مغلقة، ومبوّبة يفتحونها لمن يرونه صالحاً للعمل عندهم بالسُخرة. فهؤلاء الظلاميون المعتوهون، الذين نجحوا في تسويق أسطورتهم باعتبارهم شعباً، لا يفهمون معنى الشعوب ولا معنى التاريخ!
فلو أخذنا مقاربة لسيناريو يلاحق العيّار الى باب الدار، على قاعدة انهم ضاقوا ذرعاً بالرئيس «أبو مازن»، فهل يمكن أن نصدق أنهم وصلوا الى درجة من الغباء تجعلهم يلوّحون بتصفيته للتخلص منه، بينما في مقدورهم ابلاغه وهو في الخارج، أن «التنسيق» الاجرائي لدخوله وعودته لم يعد متاحاً؟! فان كان المحتلون أرادوا تصفية الرئيس الشهيد ياسر عرفات، بطريقة لا تترك أثراً لجريمتهم، وهو الذي واجه عنادهم وقاتل ضد انقلابهم على عملية التسوية، وخاصمه الأقربون العرب أو قاطعوه، وعاداه الاميركيون في العامين الأخيرين؛ فكيف يلمّحون الى رغبتهم في التخلص من الرئيس عباس، الذي يؤيده الأقربون والأبعدون، وهو الذي يتزعم تيار التسوية المتوازنة وجعل السلام خياراً استراتيجيا لا بديل له، ولم ولا ولن يعتمد قتالاً بالنيران مراعاة لحقائق ميزان القوة، واستئناساً بالحقائق والمدركات الوازنة للقضية الفلسطينية، بمعايير السياسة والقانون الدولي؟!
انهم يتغابون، اذ لم يبلغ غباؤهم الى درجة الاقتناع بهذه الحماقة، لكنهم يريدون توظيف واقعة جريمتهم التي أودت بحياة عرفات، لتكون عنصر تأثير نفسي على القيادة الفلسطينية!
هؤلاء الذين لا يحترمون عقول الناس ولا الوقائع الكبرى، ويعتمدون مثل هذا الهَذْر القبيح، يعاندون السياسة أيضاً. فهم يعلمون أن بنية الاجتماع السياسي الفلسطيني تقوم على التمسك بثوابت القضية والثوابت المعتمدة للتسوية، وهي التي يقف عندها الفلسطينيون عند الخط الأخير. وهؤلاء المحتلون، يحاولون كسر ارادة الشعب الفلسطيني كله لكي يرضخ، وما جريمة أمس التي راح ضحيتها شاب يافع هو الشهيد محمد محمود مبارك، الا دليل على اختيار طريق الصراع وتعميق الكراهية وحث الناس على الانتفاض، وهم بهذه الجرائم يريدون احالة السلطة الى كيان زائد يقوم بين شقيْ المعادلة ويلتبس أمره على الناس، وهذه وسيلة لاضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية والضغط عليها لكي ترضخ. فالشهيد محمد مبارك، من مخيم الجلزون. معنى ذلك أنهم يقتلون شاباً ولد وترعرع في مخيم للاجئين، وفي هذا رمزية مضافة، فعندما ارتضى الشهيد الجديد أن تقوم دولته المستقلة على ما تبقى من الأرض، استمروا في جرائمهم، لكي يغتالوا حتى مستقبل اللاجئ وشعبه، وهنا هم يحشرون شعبنا في الزاوية لكي ينفجر ثم يتحدثون عن ارهاب. هذه هي لعبتهم التي يسايرهم فيها الاميركيون!
فضلاً عن كون الرئيس عباس لا ولم ولن يقبل الصيغة الاسرائيلية للاتفاق على تسوية مهما تداعت الأمور وتواصلت جرائم الاحتلال؛ فان أي زعيم فلسطيني لن يقبلها، وهذا ما تمليه شرعيته وقناعاته، لذا ان أي مساس بالرئيس عباس أو أية مضايقة له، سيكون مع الاستمرار في الجرائم، من شأنه اعادة الأمور كلها الى المربع الأول والى المعادلة الأولى: شعب يرزح تحت نير أسوأ وآخر احتلال عسكري في العالم، بقوة احتلال أحرقت أكذوبتها بنفسها، ولم تعد في عين العالم تمثل دولة صغيرة محاطة بمن يتهددون وجودها. وستكون اسرائيل استحقت أمام الرأي العام العالمي مقاطعتها وعزلها، كدولة ارهاب، ليس في الاقليم وحده، وانما من سائر الأمم والقوى والدول المحبة للعدالة!
ربما نكون اليوم، في أوقات تشبه ما يسمونه ربع الساعة الأخير. ما ينفثه المحتلون من سموم، هدفه التمهيد لجواب راضخ لمقترحات ظالمة قدمها جون كيري. فبعد رضوخ الادارة الاميركية لمنطق حكومة اسرائيل التي يتقلد فيها مواقع المسؤولية معارضون للتسوية متطرفون أصلاً عندما بدأت؛ يريدون رضوخنا نحن أصحاب الحق وأصحاب الأرض. ورضوخ ادارة أوباما، عندما يكون على حسابنا، يذكرنا بالعبارة المأثورة التي وردت في خطاب طويل أرسله جمال عبد الناصر الى الرئيس جون كينيدي في العام 1960 عندما تقلد منصبه: لقد أعطى من لا يملك، وطناً لمن لا يستحق!
لعل ردود الأفعال الفلسطينية على هذه التهديدات المتغابية، لا تحجب رؤية حكومة المحتلين عن الحقيقة. فـ «أبو مازن» لن يرضخ لمقترحات تنتقص من الحق الفلسطيني وفق محددات التسوية، ولن تخيفة ولن تخيفنا مثل هذه التهديدات. ان أرادوا العودة الى المربع الأول والى المعادلة الأولى، سيكون لنا حديث آخر. ما يستحقونه أصلاً، هو أن نتمسك بموقف لا يقر بمشروعية دولتهم، وسيكون صعباً وعسيراً ان عدنا الى المربع الأول، أن نقر بهذه المشروعية الجارحة والمغايرة لحقائق تاريخ الصراع. ولن يكون ثمة اعتراف بهذه المشروعية، على قاعدة اتفاقات اعلان مبادئ وبموجب صيغة الأطر التي تفتح تاريخاً جديداً من التفاوض العبثي. الموقف الآن: اما التسوية المتوازنة وفق القرارات الأممية، أو العودة الى المربع الأول. فالشعوب لا تموت، وما يقع من السماء تتلقفه الأرض!
اللاجئون والدول المضيفة
بقلم: عادل عبد الرحمن
اللاجئون الفلسطينيون قضيتهم لا تنحصر بأمر عودتهم إلى ديارهم، التي طردوا منها، إنما طاردتهم، وما زالت تطاردهم مجموعة من العناوين تاريخيا، منها: لقمة عيشهم، ومسكنهم، وبقاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين او إنهائها، العلاقة مع الدولة المضيفة لهم خاصة العربية منها، البطالة المنتشرة في صفوفهم، المجازر، التي ترتكب ضدهم من إسرائيل والدول المضيفة، حماية مخيماتهم المؤقتة من قوى الشر المتربصة بهم.... إلخ.
غير ان الموضوع، الذي يطرح بين الفينة والاخرى كلما توترت المواقف، وارتفع منسوب الحل السياسي ولو لفظيا، هو موضوع التعويض، الذي تريده الدول المضيفة عن إقامة اللاجئين على ارض هذه الدولة او تلك. وكأن تلك الدول خسرت بوجود ابناء الشعب الفلسطيني على اراضيها؟!
بالتأكيد من حق الدول الشقيقة والصديقة، ان تحقق مكاسب لموازناتها من القوى الدولية حتى لو كان الامر يتعلق بموضوع اللاجئين الفلسطينيين. لكن المنطق القومي والانساني يقول، انه في حالات الحروب والمصائب هنا أو هناك يستطيع العربي من هذا البلد او ذاك أن يلجأ لاراضي الدول الشقيقة بما لا يؤثر على الوضع الامني والاقتصادي سلبا، ومن حق الدول المضيفة، ان تستفيد من الدعم المالي والاغاثي من الدول الغنية الشقيقة والصديقة ووكالات الغوث الاممية. لكن ليس للحد، الذي يؤثر على حقوق ومصالح هؤلاء أو اولئك من اللاجئين العرب.
واذا توقف المرء امام موضوع اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المختلفة، فإنهم اولا كانوا نتاج مؤامرة شارك فيها اهل النظام العربي الرسمي قبل واثناء وبعد نكبة العام 1948؛ ثانيا على فرض انهم كانوا في البداية عبئا على هذه الدولة او تلك، غير انهم بمواصلة العيش على اراضي الدول المستضيفة لهم، كانوا رافعة لاقتصاد تلك الدول، وساهموا بطاقاتهم البشرية والمالية وخبراتهم وكفاءاتهم المتعددة في نهضة الدول، التي عاشوا بين ظهرانية شعوبها الشقيقة؛ ثالثا بعض الدول ارتكز اقتصادها على الاقتصاد الفلسطيني، حيث تم اتخاذ سلسلة من الاجراءات والحوافز لنقل المصالح والاموال الفلسطينية لمدن وشعاب تلك الدول. رابعا حتى النكبات اللاحقة، التي طالت ابناء الشعب العربي الفلسطيني في المهاجر والشتات، كانت نعيما ووفرا اقتصاديا على العديد من الدول العربية.
إذاً على الدول المضيفة عندما تطرح موضوع التعويضات، ان تدقق في هذا الجانب جيدا جدا، وألا تنسى نفسها كثيرا، وتبقي عيونها مفتوحة، ولا تضع رأسها في الرمال لتتناسى الخدمات الجليلة، التي قدمها اللاجئون الفلسطينيون لها ولاقتصادها.
كما ان الضرورة تملي التوقف عن طرح هذا الموضوع، لاسيما وان أفق الحل السياسي مازال بعيدا، وبالتالي لا يجوز الخلاف على "جلد الدب قبل اصطياده !" وان كان من الضروري البحث في موضوع تعويض اللاجئين عن معاناتهم واستثمار اراضيهم واملاكهم وسرقتها ونهبها من قبل المستعمرين الصهاينة، فإن التركيز يفترض ان يتم على حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وليس تعويض الدول، ليس هذا فحسب، بل على الدول، التي استفادت من الفلسطينيين في نهضتها ان تدفع تعويض لهم عن تلك النهضة، التي ساهموا بها في اقتصادياتها.
القيادة والشعب العربي الفلسطيني لا يمكن ان يبخلوا على اشقائهم العرب، اي كانت جنسياتهم وبلدانهم بكل ما يفيد تطور تلك الدول والشعوب، لان ذلك يصب في المصالح العربية المشتركة، وسيحرص الفلسطينيون على الوقوف الى جانب الاشقاء على امتداد الوطن العربي، ولن يبخلوا بما يملكون على اشقائهم، ولكن على الاشقاء ان يتريثوا قليلا في طرح موضوع التعويضات، وان ينظروا لمصالح اشقائهم الفلسطينيين بذات النظرة، التي ينظرونها لمصالحهم.
صناعة الاعلام
بقلم: د. أسامة الفرا
ما هي القناة الفضائية الأكثر مشاهدة؟، ما هي الصحيفة الأكثر قراءة؟، قد تبدو مثل هذه الأسئلة سطحية لا نعيرها القدر الكافي من الأهمية، وعادة ما نمر على نتائج استطلاعات الرأي المتعلقة بذلك مرور الكرام، ومقياسنا الوحيد في فهمنا للنتائج له علاقة بالمصداقية التي تتحلى بها وسائل الاعلام، بمعنى أن القناة الفضائية الأكثر مشاهدة لا بد وأن تكون الأكثر مصداقية، وكذلك الحال مع باقي وسائل الاعلام المختلفة، ورغم أن استطلاعات الرأي أحياناً ما تأتي بنتائج على غير المتوقع تتحول لدينا لمسلمات قد يدنوها بعض الشك، الا أننا نستند عليها في قياس توجه الرأي العام.
قديماً كانت وسائل الاعلام محدودة العدد ومساحة انتشارها الجغرافي مقننة، وبالتالي لم تحظ المنافسة بينها بأهمية تذكر، اليوم ومع امتلاء الفضاء بالمعلومة عبر وسائل الاعلام المختلفة باتت المنافسة فيما بينها حرباً ضروساً، لا تتعلق فقط بتأثيرها في خلق الرأي العام وتكييف المعلومة بالشكل الذي تخدم السياسات القائمة عليها وسائل الاعلام، بل لما لذلك من أهمية في ترس عجلة صناعة الاعلام، السنوات القليلة الماضية تحول فيها الاعلام الى صناعة يمتزج فيها الاقتصاد بالسياسة، وتغزو بمنتجاتها السوق حالها كحال المنتج الصيني الذي بات يتواجد في كل ركن من حياتنا، بعضها يحمل من الجودة ما يثير الاعجاب والكثير منها من الفئة الرخيصة قيمة وأهمية وجودة.
مؤكد أن ما يعني المشاهد بالمقام الأول المصداقية التي تتحلى بها وسيلة الاعلام، والمصداقية هنا لا تتعلق بالحقيقة فقط بل كذلك بقدرة الصناعة الاعلامية على تقديم منتجها بالشكل الذي يقنع المواطن، وكون الاعلام تحول بقوة في السنوات السابقة لصناعة جذبت اليها أصحاب رؤوس الأموال، فمن البديهي أن يكون السوق هو محط اهتمامهم، وبالتالي كل مؤشر له علاقة بالتسويق ومؤثراته يستقطب الاهتمام البالغ، ولا يمكن لمالكي الصناعة أن يمروا عليه دون تمحيص وتدقيق.
قبل أن تنشر مؤسسة “ابسوس” للأبحاث التسويقية المبنية على استطلاعات الرأي تقريرها المتعلق بالفضائيات الأكثر مشاهدة، ثارت الدنيا ولم تقعد داخل المؤسسات الاعلامية بمجرد تسريب للنتائج التي خلص اليها استطلاع الرأي، الثورة على مؤسسة “ابسوس” لم يكن لها علاقة بما تحمله النتائج من مؤشر على مصداقية القنوات الفضائية، ولا بقدرة هذه القنوات على ملاحقة الأخبار وحياديتها في ذلك، بل لما للنتائج من انعكاسات على المادة الاعلانية في هذه القنوات، فمن الطبيعي أن تذهب الاعلانات الى القنوات التي تحظى بأكبر نسبة مشاهدة، ليس فقط من حيث الكم بل والقيمة ذاتها، والاعلانات اليوم لم تعد كما في الماضي تغطي جزءاً من التكاليف، بل أنها تتجاوز التكاليف لتصب في صندوق المكاسب المادية، وبالتالي بات محرك التشكيك في نزاهة المؤسسة والنتائج التي خلصت مبنياً على علاقتها بوكلاء الاعلانات لبعض القنوات الفضائية، وطبيعي عندما يتعلق الأمر بمساحة الربح والخسارة المادية لا بد وأن يثور القطاع الخاص.
بغض النظر ان كانت النتائج التي خلصت لها المؤسسة دقيقة أم غير ذلك، فمن المؤكد أن الاعلام تحول الى صناعة لا تتوقف مهمتها عند تقديم المعلومة وما تحققه من مكاسب لجهات معينة من خلال صياغة رأي عام، وقدرتها الفعالة في التأثير على رسم السياسات العامة للدول، ومنافستها لصناعة الاسلحة خاصة بعد أن استطاعت أن تحقق ما عجزت عنه الترسانات العسكرية، بل بجانب ذلك كله رغم ما يحمله من قوة نفوذ تتخطى بكثير مكانة الصحافة كسلطة رابعة، بات من المؤكد أن مفهوم الربح والخسارة المادي والسياسي قبل الأدبي يتحكم في مفاصلها.
بقلم: أسرة التحرير
العلاقات الإيرانية - التركية.. الى أين؟
بقلم: سمير صالحة
العاصفة الثلجية ... ماذا تعلمنا منها
بقلم: تحسين عبد النبي النتشة
تقييم حالة للمركز العربي: عن الأغوار ومأزق الحل
بقلم: خالد وليد محمود
مصر: تحديات ما بعد «الاستفتاء»
بقلم: علي جرادات
أين القادة الذين يلبّون النداء؟
بقلم: الون بن مائير
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image007.jpg
أطراف النهار: نشيد "اليرموك"
بقلم: حسن البطل
مفارقة بين جماعتين من أصل واحد
بقلم: طلال عوكل
السّيسي وقيادة مصر إلى برّ الأمان
بقلم: د. عبد المجيد سويلم
على أبواب فشل كيري
بقلم: حمادة فراعنة
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image009.jpg
تغريدة الصباح - رياضة في غياب الكهرباء,,, من يوميات امرأة محاصرة في غزة
بقلم: سما حسن
تهديدات متغابية وشهيد جديد
بقلم: عدلي صادق
اللاجئون والدول المضيفة
بقلم: عادل عبد الرحمن
صناعة الاعلام
بقلم: د. أسامة الفرا
مقالات جريدة القدس,,,
حديث القدس: الاتحاد الاوروبي بين العصا والجزرة
بقلم: أسرة التحرير
اتخذ الاتحاد الاوروبي خطوات ايجابية في ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي من اهمها اعتبار المستوطنات في الاراضي التي احتلت عام 67 غير شرعية اطلاقا، والاصرار على التعريف ببضائع المستوطنات ومنتجاتها عند دخولها الاسواق الاوروبية وكذلك عدم تقديم اي دعم لاية مؤسسة اسرائيلية تعمل في المستوطنات باية صورة من الصور، وقد بدأ فعلا بتطبيق بعض هذه المواضيع. كما ان الاتحاد الاوروبي يدعو علنا ورسميا الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود حزيران 1967.
وقد أثارت هذه المواقف أنتقادات اسرائيلية حادة وتم بحثها في اجتماع وزاري برئاسة نتانياهو مما يدل على مدى تأثيرها واهميتها. إلا ان هناك للاتحاد الاوروبي موقفا آخر في هذا الموضوع.
ان السياسة الاوروبية ترتبط عموما بالسياسة والاستراتيجية الاميركية وهي سياسة منحازة للمواقف الاسرائيلية بصورة عامة .. ولهذا فان سفير الاتحاد الاوروبي في فلسطين جون راتر، يؤكد في لقائه مع عدد من الصحفيين الفلسطينيين في رام الله، ان افضل وسيلة لتحقيق المطالب الفلسطينية هي المفاوضات وليس الذهاب الى المؤسسات الدولية لنيل عضويتها .. وكأنه يقول لنا لا تذهبوا الى هذه المؤسسات وتمسكوا بالمفاوضات وقد اقتنعنا بهذا وسرنا على درب المفاوضات، ولكن ماذا اذا لم يحقق التفاوض تقدما ولم تستجب اسرائيل حتى للمواقف الاوروبية بعدم بناء المستوطنات لانها غير شرعية وعدم القبول بالدولة الفلسطينية في حدود 1967، كما تريد اوروبا ؟ ان احدا لم يقل لنا ما هي البدائل وماذا علينا ان نفعل وهل نستمر بالتفاوض عشرين عاما جديدا لكي يصبح التفاوض لمجرد التفاوض لا غير ؟
والاسوأ في الموقف الاوروبي كما اعلنه راتر نفسه، حين قال ان الدعم الذي يقدمه الاتحاد الاوروبي هو لاقامة الدولة الفلسطينية واذا فشلت المساعي فان الاتحاد سيعيد النظر بتقديم اية مساعدات سوى للقضايا الانسانية، وفي هذا ما يشبه التهديد الذي تحدثت عنه بصفة غير رسمية مصادر فلسطينية بان اوروبا هددت بقطع كل المساعدات اذا توقفنا عن التفاوض.
الاتحاد الاوروبي يدعمنا نظريا ولكنه يريدنا أن نسير على الطريق التي يريدها ولا يفعل الكثير عمليا لاجبار اسرائيل على التراجع عن اطماعها التوسعية وشروطها التعجيزية بينما يهددنا ان توقفنا عن التفاوض حتى ولو كان عبثيا... اي انه يقدم لنا جزرة المساعدات وعصا التهديد.
لقد تحدث السفير راتر عن الحروب وتداعياتها ومعاناة الناس والاوروبيين بصورة خاصة من نتائجها وويلاتها .. ونحن ندرك ذلك ونقدره ونتفهمه وقد عانينا وما نزال بسبب الاحتلال وممارساته، وما لم تتوقف اسرائيل عن غطرستها واصرارها على الاستيطان والتهويد والتهجير، فانها تجر المنطقة نحو مزيد من الحروب والمعاناة والدماء .. ويظل الاتحاد الاوروبي ومن قبله الولايات المتحدة، شاهدين او متفرجين على هذا المنزلق نحو العنف بدون ممارسة ضغوط حقيقية لتحقيق السلام كما يدعو اليه المجتمع الدولي وفي مقدمته الاتحاد الاوروبي ..!!
العلاقات الإيرانية - التركية.. الى أين؟
بقلم: سمير صالحة
«المواجهة الطائفية» بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف في دافوس، بسبب النظرة المذهبية التي يعتمدها البعض في التعامل مع الأزمة السورية، لم تصل إلى مستوى «ون ميونيت» التي أطلقها رجب طيب إردوغان من على المنصة نفسها قبل خمس سنوات في وجه الرئيس الإسرائيلي بيريس.
فإردوغان كان يحزم حقائبه استعدادا لزيارة القيادة السياسية والروحية في إيران، ومن المستحيل أن يقع وزير خارجيته في فخ مدير الحوار الذي أراد تأجيج اشتباك من هذا النوع بين الجارين والشريكين التركي والإيراني وسط هذه الظروف الصعبة التي تمر بها حكومة «العدالة والتنمية» داخليا وخارجيا.
العلاقات التركية - الإيرانية تميزت عبر العصور بصعودها وهبوطها.. بتقدمها وتراجعها، تحت رحمة القوى والإمبراطوريات التي استولت على المنطقة وحددت لها مسارها، إلى أن نجحت الدولتان في توقيع معاهدة «قصر شيرين» التاريخية عام 1639 التي حمت علاقاتهما وتحكمت فيها حتى يومنا هذا.
أجواء الزيارة التي من المفترض أن يكون إردوغان يقوم بها إلى طهران وظروفها وملفاتها هذه المرة ستختلف كثيرا عن الزيارة التي قام بها قبل عامين مثلا، ولن تكون مجرد زيارة تهنئة وتعارف بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية.. فهناك أكثر من لقاء واجتماع جمع الطرفين في الأشهر الأخيرة. إردوغان يريد أن يتأكد مما إذا كانت القيادة الإيرانية الحالية، وأمام تطورات وتعقيدات المشهد السياسي في البلدين، على استعداد لحماية هذا التقارب أم إنها ستفرط في عشرات السنين من التنسيق والتعاون العلني والسري بين الجانبين الذي وفر لهما الكثير من الفرص التجارية والمالية والسياسية.
طهران وأنقرة تتمسكان بصلابة العلاقات، لكن ملفات وأزمات تطاردهما من كل صوب تقول عكس ذلك. العلاقات التركية - الإيرانية باتت على المحك وتحتاج إلى مراجعة جدية قلبا وقالبا.
العتاب المتبادل سيكون أولا بسبب تغاضي تركيا عن تصلب أصدقائها وشركائها وتمسكهم برفض حضور طهران «جنيف2»، وهو موقف تركي له علاقة مباشرة بإصرار طهران على عدم التخلي عن النظام السوري ووقوفها إلى جانبه في رفضه أي شروط مسبقة أو الاعتراف ببنود وقرارات «جنيف1» قبل الذهاب إلى مونترو.
المحادثات لا بد أن تطول أيضا حول دعم بعض الدول، وبينها تركيا، الجماعات الإرهابية الناشطة في سوريا كما تزعم القيادة الإيرانية، لكن أنقرة سترد حتما بشرح متابعتها للموقف الإيراني الذي ساهم في إطالة عمر الأزمة السورية سواء عبر الدعم المباشر للنظام هناك، أو عبر إشراك قوات حزب الله ومجموعات قتالية من العراق في المعارك الدائرة، مكنتها لاحقا من التفاوض على ورقة النظام السوري في علاقاتها الانفتاحية مع الغرب.
روحاني سيكرر على مسامع الأتراك أن التطرف في سوريا هو نتيجة التدخل الأجنبي والرؤية الخاطئة للأمور، وسيدعو لعدم إرسال الأسلحة للمقاتلين، وأن النظام السوري ما زال يملك شرعية محلية ودولية، وأن السوريين وحدهم من يحددون مصير ومستقبل قياداتهم وبلادهم.
لكن إردوغان سيذكره أن تركيا لم يعد بمقدورها تحمل ارتدادات الموقف الإيراني في الملف السوري على سياستها هي، وإصرار طهران على تحويل الأنظار نحو مقولة دعم الإرهاب في سوريا لتقدم نفسها على أنها شريك للغرب في مواجهة من هذا النوع.
وهنا ربما قد تجد طهران نفسها محاصرة وأمام ازدواجية المواقف عندما يطرح الأتراك موضوع نشر آلاف الصور المسربة حول ما يرتكبه النظام السوري من مجازر وحروب إبادة وحملات تعذيب وترويع ضد المدنيين السوريين، وهي كلها موثقة بأدلة حاسمة لا ينقصها سوى تحرك المجتمع الدولي ومؤسساته القانونية والسياسية الفاعلة لمقاضاة النظام ومحاسبته. وربما نقطة الخلاف والتباعد الأساسية هنا قد تكون في إصرار أنقرة على الفصل بين وثائق تدين النظام وتتطلب محاكمته دوليا، ومحادثات جنيف التي تعني السوريين بأسرهم وضرورة فصل مستقبل ومصير نظام الأسد عنها.. فكيف سترد إيران عندها؟
من الطبيعي أن تذكر طهران جارها التركي خلال الزيارة بأن صواريخ «الأطلسي» ما زالت منصوبة على جانب من حدودها رغم أن أنقرة تعرف أن النظام السوري لم يعد يشكل أي تهديد أو خطورة عسكرية ولن يقدم على مغامرة استفزاز الأتراك بعد هذه الساعة، ومن الطبيعي أيضا أن تجد أنقرة صعوبة، ربما، في إقناع الإيرانيين بأن نشر مظلة الصواريخ هي حلقة من خطة دفاعية غربية مشتركة تتجاوز العقدة السورية، وهي تحمل بعدا أمنيا إقليميا للغرب وحلفائه في المنطقة.
وهي رسالة لا بد من قراءتها وفهمها بأكثر من طريقة.
تفاعلات الملف الكردي ببعديه السوري والإقليمي أيضا ستكون في قلب النقاشات بعد مسارعة القوى الكردية في شمال سوريا لإعلان دستورها المحلي، والتحرك في إطار حكم ذاتي وإدارة سياسية مستقلة تذكر بحالة شمال العراق، وهي تعد نفسها لنسخ التجربة في سوريا هذه المرة، خصوصا أن رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني جلس يكرر على مسامعهما في دافوس أن الكرد في سوريا كانوا محرومين من حقوقهم ولا يزالون، وأن شمال العراق مع أي قرار يتخذه أكراد سوريا بهذا الشأن.
إيران ترى في أنقرة ليس فقط نقطة انطلاق في مشروع إبعاد طهران عن دمشق وحرمانها هذه الورقة الاستراتيجية، بل انها ستتسبب في تركها خارج أي طاولة حوار تعد لمناقشة مستقبل سوريا، وربما هذا هو العامل الآخر الذي دفع إيران إلى الرد استراتيجيا بأن حدود أمنها الإقليمي تجاوزت سوريا ووصلت إلى السواحل اللبنانية نفسها.
لكن في المقابل، أنقرة تتحدث عن وجود تقارير أمنية تشير إلى تحرك إيراني عدائي داخل الأراضي التركية عبر تحريك خلايا تجسس وعمليات تهدف للضغط على أنقرة من أجل تبديل سياساتها السورية. لقاءات كشف النقاب عنها بين رجال من الأمن الإيراني وشبان أتراك محسوبين على حزب العمال لبحث سبل تبادل الخدمات، وحديث دائم عن محاولات إنعاش خلايا قديمة لحزب الله التركي، هي أيضا قضايا لن يتردد الأتراك في طرحها.
الحضور القوي الذي حظيت به القيادة الإيرانية في دافوس لم يرافقه تخلي المجتمع الدولي عن رفضه حضور ومشاركة إيران في لقاءات مونترو قبل أن تعلن قبولها وتأييدها مقررات «جنيف1» وقبول خطة التغيير السياسي في سوريا، وهذا ما أغضب الإيرانيين وقد يتركهم وجها لوجه مع الأتراك بعدما تراجع سيناريو المساومة الغربية - الإيرانية البعيدة عن الأضواء بين تخلي طهران عن تصلبها في الملف النووي والابتعاد عن نظام الأسد، مقابل إشراكها في خطة بناء سوريا الجديدة وحماية حصتها ونفوذها هناك.
أنقرة ستصارح الإيرانيين بأن «مختبر الأفكار» ومركز صناعة القرارات والاستراتيجيات «دافوس» منحهم الفرصة الذهبية التي يريدونها لإثبات رغبتهم في الانفتاح والتعاون، لكنهم أهدروها من خلال محاولة لعب ورقة الطائفية والمذهبية في سوريا تماما باللغة نفسها التي حاول وزير الخارجية السوري أن يلعبها في مونترو ضد المجتمع الدولي الذي تنادي لبحث سبل إخراج سوريا من محنتها.
روحاني يعلن من دافوس أن بلاده على استعداد لمراجعة موقفها من إعادة فتح السفارة الأميركية في طهران، لكن طهران نفسها هي التي تشكك في آلاف الصور والوثائق التي تتحدث عن حرب إبادة ضد المدنيين السوريين يرتكبها النظام الذي تدعمه.
المباحثات قد تطول، لكنها محمية بغطاء حاجة كل طرف إلى الآخر في أكثر من مكان، خصوصا أن هناك قناعة مشتركة حول جهود تبذلها بعض القوى الخارجية بالتعاون مع شركاء محليين لضرب هذه العلاقات ماليا وتجاريا، وكانت آخرها عملية 17 (كانون الأول) في تركيا التي استهدفت مباشرة «هلق بنك» همزة الوصل الأهم بين البلدين.
العاصفة الثلجية ... ماذا تعلمنا منها
بقلم: تحسين عبد النبي النتشة
زارتنا ثلجة القرن بعد أن أدينا صلاة الاستسقاء لله تعالى طلباً للغيث وبنية صادقة، وسأتحدث في بداية هذا المقال عن أحداث أيام العاصفة التي مرت للتأريخ وفي نهايته وبمفهوم هندسي عن كوارث تحطم الإنشاءات المعدنية أو البركسات وكذلك عما استفدناه من هذه العاصفة وما يتوجب علينا فعله باتقاء عواقب ثلجية أخرى قد تفوق هذه في شدتها.
لقد أخذ المواطنون يسألون الكبار منهم إن كانوا قد خبروا في حياتهم أو مرت عليهم ثلوج بهذا القدر من الكثافة والاستمرارية والسمك وبرودة الأجواء ، ويتذكر البعض ما نقله آباؤهم وأجدادهم عن الثلجة الكبيرة التي حصلت في عام 1919م بارتفاع مترين وقد أغلقت أبواب المنازل والتي اتخذها الناس تأريخاً للأحداث مثل تاريخ ولادة أحدهم أو زواجه أو تأديته لفريضة الحج مثلاً أو غير ذلك.
نعم ... لقد جاءت التحذيرات المتعاقبة من قبل مراكز الأرصاد الجوية ووسائل الإعلام المختلفة مشكورة والتي طورت أجهزتها ووصلت الليل بالنهار لمتابعة تطورات العاصفة وإعلام المواطنين بحيثياتها أولاً بأول وذلك عن قدوم منخفض قطبي شديد البرودة ماطر ومصحوب بالكثير من الثلوج والبرد والرعد قبل أكثر من عشرة أيام من حصوله، ونصحوا الناس بالاستعداد له والتزود بوسائل ومواد التدفئة والطبخ كالصوبات والغاز والحطب والكيروسين أو الكاز، وكذلك الأدوية والمؤن والمواد الغذائية كالطحين والخبز وغيرها من المواد الضرورية ، وأيضاً وسائل الإضاءة المؤقتة كالشاحن الكهربائي واللامبات التي تعمل بالكاز (زيت النفط) والشمع والفوانيس والمصابيح اليدوية وبطارياتها وغير ذلك.
أخذ معظم المواطنين تلك التحذيرات بمحمل الجد، واستخف القليل منهم بمثل تلك التحذيرات للأسف ، وصبوا باللائمة على المسؤولين عن مراقبة الأنواء الجوية حيث تنبأ هؤلاء بعاصفة ثلجية أسموها عاصفة القرن ، حيث تنبؤ بهطول أمطار غزيرة حينها لغاية تاريخ 11/12/2013م ، أي قبل العاصفة الثلجية وقد حصل ذلك، وتنبؤ أيضاً ببدء سقوط أو هطول الثلوج ليلة الخميس واستمرار ذلك خلال ثلاثة منخفضات متتالية أكثرها شدة ليلة ويوم السبت 14/12/2013م وقد حصل ذلك وتداعت أجهزة المؤسسات العامة والخاصة وأصحاب النخوة والشباب كل حسب طاقته ومسؤولياته وتخصصه خلال العاصفة للتخفيف عن المواطنين معاناتهم بإزالة الثلوج من الشوارع ومساعدتهم في نقل مرضاهم وحالاتهم الطارئة إلى المراكز الصحية والمستشفيات وإيصال الدعم بالمواد الغذائية والألبسة والأغطية وغاز التدفئة إليهم، وكان للتعليقات في وسائل الإعلام والنكات والكاريكاتير دوراً في التخفيف عن المواطنين معاناتهم ولتسليتهم ، وكذلك تعالت دعوات الإغاثة ونداءات تقديم المساعدة في وسائل الاعلام المرئية بواسطة الأجهزة المحمولة وشبكة التواصل الاجتماعي (الانترنت) والمذياع التي أخذت النصيب الأكبر من ذلك، ولا أقول الوسائل المرئية كجهاز الرائي أو الراني أو (التلفزيون) لأن الثلوج كانت قد غطت الصحون المستقبلة ومنعتها من استقبال المحطات الفضائية المختلفة.
وتكشفت الأضرار الفادحة خاصة بعد انتهاء العاصفة الكارثة التي لم تشهد بلادنا لها مثيلاً منذ ما يقرب من مائة عام ، فمن تحطم الإنشاءات المعدنية المكونة لـ (البركسات) والهناجر والبراكيات والسقوف الفولاذية باستخدام المسنمات أو (الجمالونات) الصناعية والتجارية والزراعية والخدماتية على ما فيها من ماكينات وحافلات وسيارات وأبقار وأغنام ودواجن وبضائع وكراسي وطاولات وكذلك الدفيئات الزراعية ورفوف المحلات التجارية والآرمات واللافتات الدعائية والسقوف والجدران والأشجار المثمرة وغير المثمرة ( الحرجية ) بحيث تعطلت المسيرة الحياتية والمعيشية والدراسية وبلغت التقديرات الأولية لتلك الأضرار والخسائر مئات ملايين الشواكل والدنانير والدولارات وكان العزاء الوحيد لنا هو الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه .
أما عن البركسات التي لم تصمد في معظمها فقد أنشئت إما من قبل فنيين أو عمال مهرة ذوي خبرة بالإنشاءات المعدنية وموادها من مواسير وجسور (دوامر) معدنية مختلفة المقاطع مثل ( H ، I ، L ، U ، T وغيرها ) وطرائق تثبيتها من لحام وبراغي ووصلات دون تصميم هندسي محسوب إلا ما رحم ربي، فهناك مقررات دراسية لتخصص الهندسة المدنية ( Civil Engineering ) في كليات الهندسة بالجامعات العربية والأجنبية منها الإنشاءات (Structures) والإنشاءات المعدنية والفولاذية (Steel Construction) والتي تشمل عناصر الأعمدة (Columns) والجسور (Peams) والجمالونات (Trusses ) والسقوف حيث تنشأ ناطحات السحاب ذات عشرات الطوابق وقد تزيد عن المائة طابق، وكذلك البركسات بمجازات (Spans) أو مسافات أفقية كبيرة جداً بين الأعمدة المعدنية. فالقوى المؤثرة على العناصر المختلفة للبركس والتي يقوم المهندس المدني بحسابها خلال دراسته الجامعية وتطبيقها بعد تخرجه أثناء ممارسته لمهنة الهندسة الإنشائية تتمثل في أوزان تلك العناصر كالحمل الميت ( Dead Load ) والحمل الحي (Live Load) سواء كان ثابتاً ( Static ) كالثلوج والبضائع أو متحركاً ( Dynamic ) كالناس والعربات الناقلة (المزليك) والرافعة ( الونش ) وغيرها وكذلك الرياح الجانبية ووجود مثل تلك الأحمال على أجزاء دون غيرها، كل هذه العوامل تؤثر تأثيراً كبيراً على ماهية التصميم الهندسي وتعرض العناصر المختلفة لقوى الضغط (Compression ) والشد (Tension ) والانحناء (Bending ) والقص (Shear) واللي (Torsion) والكسر (Fraction) والإعوجاج (Distortion ) والانبعاج (Bulging) و التحدب (Buckling) وغيرها ممـا قد يـؤدي إلى هبوط البركس وتحطمـه . كذلك فالوصلات (Joints) كاللحام (Welding) والبراغي (Screws) والبراشيم (Rivets) وكذلك سماكات وأبعاد مكونات تلك العناصر ومقدار عامل الأمان (Safety Factor) كلها عوامل تؤثر تأثيراً كبيراً على دقة التصميم وجودة التنفيذ ودرء المخاطر والأضرار. كما أن الرصد لكميات الثلوج خلال مائة عام سابقه على الأقل وليس لعشرة أعوام أو عشرين عاماً مضت يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.
كلنا يعلم بأن لكل شيء إيجابياته وسلبياته، فهطول الأمطار والثلوج مؤخراً وبنسبة تجاوزت 50% من معدل هطولها السنوي العام في معظم مناطق البلاد سيزيد من الناتج الزراعي وخصوبة التربة وزيادة كميات المياه الجوفية، فتلك ستكون باب سقيا ورحمه إن شاء الله رغم حدوث الكثير من الأضرار والمعاناة كتعطل التيار الكهربائي حتى أربعة أيام متتالية في بعض المناطق والأنحاء مما شكل معاناة كبيرة في شتى مناحي حياة الناس ، وكذلك انزلاق الكثير من المواطنين والطلبة والموظفين وتعرضهم لإصابات كسور في أنحاء مختلفة من أجسادهم نتيجة تشكل الجليد في أول أيام الدوام بعد أسبوع من انتهاء العاصفة ، وتأخير بدء دوامهم لغاية الساعة التاسعة أو العاشرة حسب المنطقة لمدة أربعة أيام بعد ذلك لاستمرارية تشكله نتيجة موجة البرد والصقيع، وما زالت الثلوج تغطي مساحات شاسعة من البلاد في الأراضي وعلى أسطح الأبنية وجنبات الشوارع رغم مرور أكثر من أسبوعين وحتى ثلاثة أسابيع على انتهاء العاصفة الثلجية ، ولأن رضى الناس غاية لا تدرك فلا نستغرب تبادل الاتهامات واللوم والألفاظ السلبية ما بين بعض المواطنين وبعض المسؤولين في المؤسسات عبر وسائل الاعلام المسموعة ولكن نقولها بصدق جزى الله خيراً كل من ساهم في عملية إزالة الثلوج ورفع المعاناة عن المواطنين ودعمهم بالمواد الضرورية ومتابعة إعادة التيار الكهربائي ومساعدتهم في نواح كثيرة وسهرهم طيلة ليال وغيابهم عن أهلهم لأيام وتحملهم للانتقادات والتواصل مع النداءات المختلفة ، ولا تفوتنا الإشارة لسائقي السيارات الذين كانوا يتجولون في الشوارع ذات المسرب الواحد فقط للتمتع بالثلوج مما نتج عنه تعطيل كبير في وصول سيارات الإسعاف والطوارئ لمقصدها رغم توالي النداءات لعدم ذهابهم إلى الشوارع إلا للحالات الضرورية القصوى.
وتوالت التحذيرات بعد ذلك بقدوم منخفضات متتالية أشد قوة مما سبق قبل نهاية العام 2013م وفي أول العام القادم حتى وصف بعضها بغضب من الله لشدته ، وبين مؤيد لها أو نافٍ لم يحصل ذلك سوى تنبئ بمنخفض ماطر في بداية العام الجديد والله تعالى أعلى وأعلم.
وبعد هذا الامتحان والابتلاء من الله لنا بهذه المحنة التي أيقظت فينا روح النخوة والشجاعة والتعاون والتكافل والمحبة بين المواطنين فلا يسعني إلا أن أصل إلى خلاصة مفادها ماذا استفدنا من تلك العاصفة الثلجية غير المتوقعة.
أولاً : أتمنى على كل مواطن يريد إنشاء ( بركس ) أو إعادة خاصته الذي تهدم أن يلجأ إلى المهندسين المدنيين لتصميم تلك المنشآت هندسياً.
ثانياً : أن تقوم المؤسسات العامة كالبلديات مثلاً بزيادة أعداد الجرافات وآليات إزالة الثلوج وأعداد طواقم الطوارئ المختلفة وتعيين طواقم أخرى تعمل في الحالات الطارئة كالتي حصلت.
ثالثاً : إدخال المؤسسات العامة والخاصة إلى الخدمة جرافات ذات شفرة أو مقدمة بشكل حرف ثمانية (^) أو ذات شفرات مائلة جانبياً في مقدمتها لإزالة الثلوج إلى جانبي الشوارع مباشرة بسيرها إلى الأمام فقط مما يزيد من سرعة إزالتها ومواكبة تساقطها.
رابعاً : امتلاك المؤسسات والمواطنين لآليات صغيرة تقوم بتفتيت الثلوج ورميها جانباً .
خامساً : توفير الأنواع الخاصة من الأملاح لإذابة الثلوج عن الممرات والطرق الضيقة والأدراج، ويفي بالغرض ملح الطعام (كلوريد الصوديوم).
سادساً : تأمين المواطن لاحتياجاته الضرورية من وسائل ومواد التدفئة والمواد الغذائية وتصريف المياه وغيرها قبل حصول العاصفة.
سابعاً : تأكد مراكز الأرصاد الجوية من قدوم منخفضات جوية ومدى شدتها خوفاً من نشر الذعر بين المواطنين، وكذلك أخذ المواطنين بمحمل الجد لما تم التأكد منه لأخذ الاحتياطات الضرورية .
ثامناً : تعاون كافة المواطنين في كل ما يخفف من معاناة الآخرين وعدم استعمالهم لسياراتهم خلال العاصفة إلا للضرورة القصوى.
وأخيراً وليس آخراً ، ندعو الله أن يكون ما مر بنا درساً تحذيرياً وابتلاءً من الله نؤجر ونثاب عليه ونستفيد منه وأن يكون ما مر بنا خلال عام 2013م وقد يمر بنا خلال العام 2014م لخيرنا وخير أمتنا التي ندعو لها بالتوحد والنصر والاستقرار والله المستعان.
تقييم حالة للمركز العربي: عن الأغوار ومأزق الحل
بقلم: خالد وليد محمود
عاد الحديث مجددًا عن مسألة السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن على إثر المساعي التي يقودها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للتوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ الأمر الذي أثار جدلًا ونقاشًا واسعًا في المؤسسات الأمنيّة والسياسيّة والإعلامية داخل اسرائيل حول أهمية الأغوار الاستراتيجية والأمنية والاستيطانية، إلى أن وصل الأمر حد طرحه في الكنيست كمشروع قانون لفرض السيادة الاسرائيلية على الأغوار بضم المستوطنات فيها. فقد أقرّت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون سنّ القوانين في التاسع والعشرين من الشهر الماضي مشروع قانون يقضي بضم المستوطنات في الأغوار وذلك بفرض القانون الإسرائيلي عليها على غرار شرق القدس وهضبة الجولان المحتلتَين. وفي حال إقرار هذا المشروع فإن كافة المستوطنات المقامة في غور الأردن ستكون تحت السيطرة الإسرائيلية وكجزء من أراضي دولة إسرائيل يمنع على الحكومة التنازل عنها.
وكانت عضو الكنيست "ميري ريجب"، من حزب الليكود قد قدّمت الاقتراح، مشيرة إلى أنه في حال الإعلان عن إقامة الدولة الفلسطينية، والاعتراف بها دوليّاً فإنّ إسرائيل يجب ألا تتخلّى عن المستوطنات في الأغوار، ويجب عليها ضمها مع الشوارع والطرقات المؤدّية إليها .
وكانت قد نشرت ورقة تقييم حالة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بقلم الباحث خالد محمود سلطت الضوء فيه على مغزى و"توقيت" طرح مشروع القانون في ظل النقاش السياسي والاعلامي المحتدم حول المقترحات الامريكية التي قدمت بشأن منطقة الاغوار ، ورصدت الأسباب التي تسوقها إسرائيل لتبقي سيطرتها على تلك المنطقة، دون أن تطرق إلى خلفيات مشروع القرار والأهداف التكتيكية أو الحزبيّة لمقدميه، في ضوء التنافس بين حزبي الليكود وإسرائيل بيتنا، أو حتى فرص إقراره في الكنيست من عدمه.
توقيت ومبررات الطرح
يمكن القول أنه سواء تمت الموافقة على مشروع قانون ضم مستوطنات الأغوار وإقراره في الكنيست ليصبح ساري المفعول أم لا، فإنّ التوقيت الذي جاءت المصادقة فيه على المشروع يعطيه أهمية خاصة ومعنىً مختلفا، ويمكن قراءته و فهمه في سياق عدد من الاعتبارات، تضاف إلى ارتباطه بمصالح إسرائيل الاستراتيجية والعسكرية والاقتصادية وهي:
أولًا: يأتي مشروع قرار الضم في ظل استئناف المفاوضات للتوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية ووساطة أمريكيّة، وبالتالي جاء تحريك هذا المشروع كخطوة استباقية في ظل ما يرشح من معلومات بأن واشنطن جهزت (اتفاق اطار) للتسوية النهائية عرضها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي وتم رفضها. وتكمن ملاحظة أن ثمة إصرارًا إسرائيليًا على أن يبقى غور الأردن تحت السيطرة العسكرية الاسرائيلية، بينما تضغط الإدارة الأمريكية في اتجاه اقتراح قوات أميركية أو دوليّة تساعد في الحفاظ على الأمن في تلك المنطقة، أو إبقاء تل أبيب سيطرتها على بضع نقاط استراتيجية وبوجود رقابة قوة دولية. إذ تنص خطة كيري إلى "إخلاء كافة المستوطنين في منطقة الأغوار وتواجد جنود أميركيين على طول الحدود مع الأردن ومن ثم إنشاء معابر حدودية بين الأردن وفلسطين يكون فيها تواجد أمني أميركي. و قد تم رفض هذه المقترحات من الجانب الاسرائيلي والفلسطيني جملة وتفصيلًا.
ثانيًا: سعي الحكومة الاسرائيلية بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من خلال طرح هذا المشروع لدفع الفلسطينيين نحو تقديم مزيدٍ من التنازلات، مما سيعطي الحكومة الإسرائيلية مكاسب مستقبلية في مسيرة المفاوضات النهائية ويعزز "شعبيتها" لدى محازبي الليكود والشارع الاسرائيلي ككل، من أجل جني المكاسب في أوساط الجمهور لأغراض انتخابية.
ثالثًا: خلق اليمين الاسرائيلي مبررات على الأرض وفرض حقائق جديدة، تصبح معها العودة إلى حدود 1967 مستحيلة، وبالتالي فإن عودة الحديث عن السيطرة الاسرائيلية على الأغوار وإعادة طرح فرضيات أمنية كانت قد طرحت مباشرة بعد حرب 1967 إنما ينسجم مع جوهر الاستراتيجية الاستيطانية الإسرائيلية ومع جوهر الفكر الصهيوني، بهدف إحكام السيطرة على الأرض الفلسطينية بما يمنع التواصل الجغرافي بين المدن والقرى الفلسطينية ويمنع إقامة دولة فلسطينية مستقلة وبما يشكل للحكومة الاسرائيلية مخرجًا بعدم التوقيع على أي حل نهائي مع الفلسطينيين والاستمرار في سياستها الاستيطانية بدوافع الأمن وهذا يمكنها من خلاله تفجير مسار المفاوضات . مع الأخذ بعين الاعتبار أن ثمة قناعات راسخة لدى معسكر اليمين الاسرائيلي بضرورة فرض خطوات أحادية الجانب بشكل يجنبهم الضغوطات الامريكية وبنفس الوقت يقوض أي فرصة للتوصل إلى اتفاق سلام وإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة.
نخلص مما سبق إلى أن الحكومة الاسرائيلية تريد من تصعيد التمسك والسيطرة على الاغوار وفي هذا التوقيت بالذات كمناورة لاعتراض أي أفكار أمريكية جديدة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية والتوصل إلى حل نهائي وفق وضع يخلد ويؤبد الاحتلال عبر تشريع الضم والاستيطان.
بينت المباحثات التي جرت خلال عام 2012 و 2013 بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بأن الموقف الاسرائيلي بقي متعنتًا حول بقاء السيطرة العسكرية- الأمنية الاسرائيلية على طول منطقة الأغوار في أي اتفاق مستقبلي بين الجانبين، وهذا ما أكد عليه رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو أخيرا بقوله "سأوقع على تسوية دائمة مع الفلسطينيين فقط إذا شملت بقاء اسرائيل في غور الأردن". وبالتالي فإن حكومة نتنياهو تتبنى شعار "التسوية المستندة إلى أمن إسرائيل" استمراراً لتراث اتفاقيات أوسلو.
وللتذكير فقد خاطب نتنياهو في الشهر الخامس من عام 2011، الكونغرس الأميركي حول هذا الموضوع قائلا إن "إسرائيل لن تعود إلى حدود 1967 التي لا يمكن الدفاع عنها"، و "لن تسلم أبدا وادي الأردن. ولن توافق إسرائيل أبدا على الانسحاب من وادي الأردن بموجب أي اتفاقية سلام توقع مع الفلسطينيين"، وإن "من الحيوي – من الحيوي على الإطلاق – أن تحتفظ إسرائيل بوجود عسكري طويل الأمد على امتداد نهر الأردن"، وإن "الأماكن ذات الأهمية الاستراتيجية والوطنية الحاسمة (سوف) يتم ضمها ضمن الحدود النهائية لإسرائيل" في أي اتفاق مع الفلسطينيين. وفي اللقاء مع المفاوضين الفلسطينيين قبل نحو سنة ونصف السنة قال المحامي "اسحق مولخو" إنه -حسب نتنياهو- ستبقي إسرائيل على تواجد في غور الاردن لفترة زمنية معينة. ومن ثم أعلن نتنياهو عن اقامة جدار أمني في غور الاردن.
ومن اللافت أن معدي مشروع قرار ضم الاغوار الذي صادق عليه الكنيست في التاسع والعشرين من الشهر الماضي سوّغوه أو برروه بالاعتماد على اقتباس قاله رئيس الوزراء الأسبق اسحق رابين، في آخر خطاب له قبل اغتياله عام 1995: "إن الحدود الأمنية لدولة إسرائيل سوف تقع في وادي الأردن".
إنّ النقاش الدائر حول الأغوار في ظل الحديث عن استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية إنما يرجح وجهة النظر التي ترى أن بقاء الأغوار تحت السيادة الاسرائيلية سوف يشكل أساسًا لأي تسوية محتملة عند التفاوض مع الفلسطينيين في القضايا النهائية، وقد يمكن المفاوض الاسرائيلي تشكيل ضغط على الجانب الفلسطيني وقبوله ببقائها تحت السيادة الاسرائيلية او حتى وسيلة ضغط على الدولة الفلسطينية المستقبلية في حال شهدت العلاقات الثنائية أية أزمات لاحقة، وهذا يتناغم مع الطروحات السياسية التي نضجت خلال العقدين الاخيرين في اسرائيل والتي تقول بضرورة "تسوية اقليمية معتدلة" تأخذ فيها منطقة الأغوار موقعا استراتيجيا لفترة محدودة دون ضمها نهائيا للسيادة الاسرائيلية. مع ابقاء قوات دولية لحفظ أمن اسرائيل، وبشكل يدفع لفرض شكل من أشكال التداخل بين الوضع الأردني والوضع الفلسطيني بصيغة وحدوية سواء كانت كونفدرالية أو فيدرالية، وذلك لأجل التخلص أيضًا من هاجس الأمن أولا، ومن إشكالية القدس والمقدسات التي ستبقى ضمن السيادة الإسرائيلية مع ترتيبات تتعلق بوصول الفلسطينيين إليها. وهذا ما يعيد إلى الاذهان الطرح الاسرائيلي (القديم المتجدد) بالمتعلق بما يسمى "الخيار الأردني" في التسوية، أي قيام كيان فلسطيني ممتد على ضفتي الأردن تحت سيطرة أردنية ويشكل بهذا المعنى منطقة عازلة (Buffer Zone). فقد تداولت العديد من وسائل الاعلام الاسرائيلية التصور الاميركي الجديد الذي جاء به وزير الخارجية الامريكي جون كيري في زيارته العاشرة للمنطقة بأنه ينطوي على استجابة مبطنة للرؤية الاسرائيلية، ويقوم على ادخال الاردن كطرف ثالث لإدارة غور الأردن، مع ابقاء مفاتيح السيطرة الحقيقية و حصر الوجود العسكري في الغور بإسرائيل.وهذا يخدم بالأساس تطلعات حزب الليكود الذي يهدف إلى التوسع على حساب الجغرافيا الفلسطينية مع الحفاظ على نقاء ويهودية الدولة، وعليه يرى دعاة هذا الخيار من الاسرائيليين أن انضمام الفلسطينيين لشرق الأردن يصب في النهاية لخدمة المشروع الصهيوني.
عود على بدء
لقد سعت إسرائيل منذ عام 1967 إلى ضم الأغوار فعليًا إلى سيطرتها لكنها امتنعت عن فعل ذلك رسميًّا كما فعلت في القدس الشرقية والجولان مثلاً. وها هي تحاول الاقدام على مثل هذه الخطوة من خلال مقترح مشروع قانون ضم مستوطنات الأغوار والذي لا يمكن قراءته – رغم عدم امكانية إقراره بشكل رسمي- بمعزل عن سياسات الحكومة اليمينية التي يقودها نتنياهو لإحباط المقترحات الأميركية بخصوص الترتيبات الأمنية في الغور والتي ستأتي في سياق أي تسوية، وتتسق مع موقف إسرائيلي ينادي بدولة فلسطينية حدودها الجدار العازل وبدون القدس وغور الأردن كحدود لن تتنازل عنها تل أبيب في أي حل نهائي مع الفلسطينيين؛ وهذا بحد ذاته يعدّ دليلًا على أن اسرائيل تستخدم المفاوضات فقط كغطاء لمشاريع الاستيطان والضم والتهويد وتسوق مبررات السيطرة عليها من خلال "تكتيكات كلاسيكية" تفضي في النهاية إلى خلق وقائع على الأرض تخدم مصالحها وحساباتها وهواجسها الأمنية، وهو ما يكشف الأبعاد الحقيقية لجوهر التسوية حسب الفهم الإسرائيل.
مصر: تحديات ما بعد «الاستفتاء»
بقلم: علي جرادات
كان لافتاً ودالاً إقرار الدستور المصري الجديد الحائز نسبتيْ مشاركة وتأييد غير مسبوقتين بشرعية موجتيْ ثورة 25 يناير . لكن رغم ذلك، ورغم أنه يعبّر عن إرادة أغلبية ساحقة من أبناء الشعب المصري، إلا أن الباقين من بنية نظام الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، لم يسلموا بشرعية الموجة الأولى للثورة بزعم أنها مجرد "مؤامرة إخوانية"، بينما لم يسلم "الإخوان" بشرعية جولتها الثانية، بل ما انفكوا يمارسون العنف والإرهاب التكفيري ويستقوون بالخارج لإسقاطها بزعم أنها مجرد "انقلاب عسكري" .
وكذا بينما لم يَرُق لبقايا النظام الأسبق مساندة جيش مصر الوطني للإرادة الشعبية في تنحية مبارك، ما انفك "الإخوان" يحاربون الجيش ذاته الذي انحاز وحمى الإرادة الشعبية ذاتها لعزل محمد مرسي .
هنا ثمة مفارقة فحواها: تماثل السلوك السياسي لخصمين تجاه ثورة 25 يناير وتجاه انحياز جيش مصر الوطني لها . تماثل يؤكد أن تناقضهما إن هو إلا تناقض ظاهري لأن كليهما، وكل منهما على طريقته، يرفض الإقرار بأن ما بعد ثورة 25 يناير هو نوعياً غير ما قبلها، وبأن استعادة مصر للأمن والاستقرار والاستثمار مشروطة بتلبية مطالب شعب مصر وحقه في "الحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية"، وبأن توجهات نهوض مصر واستعادتها لاستقلالها وسيادتها ودورها القومي ووزنها الإقليمي والدولي غير ممكنة من دون إنهاء تبعيتها للسياسة الأمريكية، ما يحيل إلى حقيقة أن الطرفين المتصارعين على السلطة السياسية ينتميان لقاعدة اجتماعية واحدة تقودها -بتوصيف المفكرين الوطنيين المصريين- "حفنة فاسدة وتابعة من رجال المال والأعمال ورأسمالية المحاسيب"، رغم انشطارها إلى قسمين: "الأول بلحية والثاني من دون لحية" .
وآية ذلك جلية في أن صراعهما على السلطة لم يمنع اتفاقهما على فصل ثورة 25 يناير بموجتيها عما سبقها من انتفاضات وثورات شعبية في مقدمتها ثورة 23 يوليو 1952 التي تعرضت، ولا تزال تتعرض منذ رحيل قائدها عبدالناصر، لعملية "شيطنة" ممنهجة يشارك فيها "الإخوان" ونظام مبارك وريث نظام السادات الذي ارتد عليها، بينما جاءت ثورة 25 يناير بموجتيها لاستعادة البناء على ما حققته من إنجازات وطنية واجتماعية وقومية ما انفكت حاضرة في وجدان الشعب المصري وعقله .
كيف لا بينما كانت صورة عبد الناصر هي الأكثر حضوراً في كل التظاهرات المليونية لموجتي ثورة 25 يناير، بل وكان اسمه هو الاسم الوحيد الذي حظي بتوصيف "الزعيم الخالد" في نصوص الدستور الجديد .
على أية حال، هنا ثمة خصمان سياسيان يجمعهما العناد وتجاهل حقيقة أن الفوز بثقة الشعوب وصوتها الحر يتطلب برنامجاً يستجيب لمصالحها وهمومها ومطالبها . هذا عموماً، فما بالك إذا كان الشعب المعني هو شعب مصر الذي استطاع بثورة شعبية أبهرت العالم أن يطيح سلطة نظامين كان يصعب تخيل إسقاطهما خلال ثلاثة أعوام . ما يعني أن المواجهة التي يخوضها الشعب المصري -تحت حماية جيشه الوطني- مع عنف "الإخوان" وإرهابهم التكفيري منذ عزل محمد مرسي، إنما تحمل المضمون ذاته، وإن اختلف الشكل، لمواجهته السياسية مع بقايا نظام مبارك منذ تنحيته .
إنها المواجهة الشعبية الرافضة لاختطاف الثورة أياً كان اسم ولون الطرف الذي يحاول ذلك . وآخر دليل على ذلك هو أن الشعب المصري الذي رفض دعوات "الإخوان" إلى مقاطعة الاستفتاء على الدستور الجديد وشارك وصوت ب"نعم" بنسبتين غير مسبوقتين، رفض -أيضاً- على لسان رموز حركته السياسية والشبابية والمجتمعية الوطنية - محاولة بقايا نظام مبارك الفصل بين موجتي الثورة، ما يعني أن أغلبية ساحقة من أبناء الشعب المصري ترفض -بدعم من القوات المسلحة- عودة كل من سلطة نظام مبارك وسلطة نظام "الإخوان" في آن . لا جديد في ذلك . أما لماذا؟
هنا ثمة يقظة شعبية تحولت في معمعان ثلاثة أعوام من الانخراط في "ميادين" الثورة إلى بصيرة سياسية عامة تعي معنى التزامن بين تنحية الرئيس الأسبق، حسني مبارك، ودخول "الإخوان" في مساومة مهدت لاستلامهم الحكم عبر استعجال الاستفتاء على "إعلان دستوري" وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية توجتهم "حاكماً بأمره" بعد جوع ثمانين عاماً .
ما يعني أن الخلاف كان منذ البداية بين من أطلق ثورة 25 يناير، "الشباب"، ودعا إلى استمرارها حتى تحقيق مطالبها، و"الإخوان"، الذين نجحوا في التمكن من السلطة مع بقاء بنية نظام مبارك . ف"الإخوان" لم يكتفوا بارتكاب مساومة إحلال "المسار الدستوري" محل "المسار الثوري"، بل ارتكبوا -أيضاً- مساومة إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية قبل صياغة دستور جديد يحظى بالتوافق الوطني .
بزعم أن إعادة الاستقرار لمصر يكمن في إجراء "الانتخابات أولاً" وليس في إنجاز دستور متوافق عليه كخيار تبنته الائتلافات الشبابية وأغلبية القوى السياسية والمجتمعية الوطنية بمشاربها المتنوعة .
بهاتين المساومتين، لم يؤسس "الإخوان" لعدم تحقيق مطالب الثورة ولسقوط سلطتهم، فحسب، لكنهم أسسوا -أيضاً- لتحويل الخلاف على مضامين الدستور وآليات صياغته وضمانات نزاهة الاستفتاء عليه إلى صراع سياسي حاد تحول بدوره إلى استقطاب شعبي ومجتمعي ومؤسساتي شامل أنذر بتحويل الدولة المصرية إلى دولة فاشلة، خاصة بعد أن أصدر محمد مرسي في تشرين الثاني 2012 "إعلاناً دستورياً" يحصن قراراته السابقة واللاحقة لتمرير دستور "إخواني" ولمنْعِ "المحكمة الدستورية العليا" من إصدار قرار قضائي كان وشيكاً يقضي بحل "اللجنة التأسيسية" لإعداده .
لذلك من التعسف اختزال خلافات قوى الثورة مع "الإخوان" في الخلاف على دستور ما بعد الثورة، وإن كانت تركزت عليه منذ نهاية عام 2012 حيث جرى تمرير دستور "الإخوان" .
فخلاف "الإخوان" مع قوى الثورة بدأ مباشرة بعد تنحية حسني مبارك، بل قبل ذلك بأيام حين قبل "الإخوان" الدخول في مساومة فحواها إخلاء "الميدان" مقابل تعيين المرحوم عمر سليمان نائباً للرئيس وإحالة صلاحياته إليه وإجراء تعديلات على بعض مواد الدستور . ما يعني أن إدخال الثورة ومطالبها في دهاليز "المسار الدستوري" كان خياراً مشتركاً بين نظام مبارك وقيادة جماعة "الإخوان" .
قصارى القول: إن شعب مصر الذي فجر ثورة بموجتين وأسقط سلطتين في ثلاثة أعوام قد اكتسب خبرة ودراية سياسية جعلته يقظاً تجاه كل سياسة لا تلبي مطالب ثورته التي تجاوزت مطلب الديمقراطية السياسية نحو مطالب التنمية الإنتاجية المستقلة والعدالة الاجتماعية واجتثاث المستويات العالية من الفقر والبطالة والأمية . .، عدا بؤس العيش في "العشوائيات" والمقابر وتدني مستوى الخدمات الصحية، ما يستدعي القطع مع نهج سلطتي مبارك و"الإخوان" اللتين لم تكونا في وارد تلبية كل ذلك، ولا في وارد استعادة مصر لاستقلالها وسيادتها ودورها القومي ووزنها الإقليمي والدولي، على ما بين الأمرين من ترابط .
تلك هي، عدا تحدي محاربة إرهاب جماعة "الإخوان" و"أخواتها"، تحديات مصر وكل سلطة قادمة فيها بعد "عبور" تحدي الاستفتاء على الدستور .
أين القادة الذين يلبّون النداء؟
بقلم: الون بن مائير
لا يستطيع أحد أن يتّهم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بعدم القيام بكلّ ما بوسعه للتوصل لاتفاقية سلام إسرائيلية – فلسطينية. ويعتبر عناده والتزامه ومثابرته صفات مثالية. وإذا كان بإمكان أحد أن ينجح من بعيد في إنهاء الصراع، جون كيري بدون شك على رأس القائمة. وإذا لم يكن كيري يؤمن بإمكانية التوصل إلى اتفاقية، لما استثمر- من الناحية المنطقية – هذا الكم الهائل من الوقت والموارد ورأس المال السياسي على مشروع تملّص من الكثيرين قبله.
السؤال هو لماذا أنا، مثلي مثل الكثيرين من المراقبين، أشك بأن المفاوضات الحالية الإسرائيلية – الفلسطينية ستؤدي إلى حلّ بالرّغم من جهود كيري الجبارة “والالتزام المزمع” للسلام من طرف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس محمود عباس.
هذا ليس بجواب ٍ سهل، ولكن ما ميّز صعوبة حلّ هذا الصراع في الماضي ما زال قائماً حتى اليوم، الأمر الذي زاد تعقيده أيضاً إطار خاطىء للمفاوضات وعدم الإلتزام بالتّوصل إلى اتفاقية التي ستستلزم حتماً تنازلات مؤلمة من كلا الطرفين.
قواعد المشاركة: قال كيري بأن:”المفاوضات ستعالج جميع القضايا الجوهرية التي كنا نحاول علاجها منذ اليوم الأول، شاملة الحدود والأمن ومشكلة اللاجئين والقدس والإعتراف المتبادل ونهاية الصراع وجميع المطالبات”. وهذا يبدو للوهلة الأولى إيجابياً جداً، ولكنه في الواقع وصفة للفشل.
وللبدء في بحث هذا الأمر، فإن الخلل المتأصل في وضع “قواعد المشاركة” هذه هو أنها لم تضع التفاوض حول القضايا الشائكة في مراحل أو في سلسلة من الحلقات المتعاقبة بحيث يسهّل حل الواحدة منها التوصل لحلّ الحلقة أو المرحلة الأخرى.
وبالرّغم من أن المفاوضات شملت جميع القضايا التي عدّدها كيري، غير أن نتنياهو أصرّ أن تكون قضية أمن إسرائيل القومي على رأس جدول الأعمال. ومطالبته على أية حال أن تحتفظ إسرائيل ببعض القوات في غور الأردن لم تعزّز سوى شك الفلسطينيين بأن الإحتلال الإسرائيلي سيستمر إلى أجلٍ غير مسمى فقط بشكلٍ آخر، الأمر الذي أثار بالطبع مقاومة عنيدة. فلو أصرّ كيري على أن التّوصل إلى اتفاقية حول الحدود يجب أن يأتي أولاً بدلاً من استسلامه لطلب نتنياهو، قد يكون بذلك مهّد الطريق للإقتراب كثيراً من لوصول إلى اتفاقية، ليس فقط بشأن مخاوف إسرائيل الأمنيّة، ولكن أيضاً لحلّ مشكلة المستوطنات. ومن السخرية أن يرفع نتنياهو وبإصرار موضوع الحاجة “لحدود قابلة للدفاع” في حين يرفض بعناد مناقشة الحدود أولاً لأنه لا يريد ببساطة أن يضع منذ البداية مقوّمات دولة فلسطينية لم يقرّ بها في الواقع.
إن اتفاقية حول الحدود من شأنها أن تلبي كلا الأمرين، المطلب العملي والراحة النفسية التي تحتاجهما السلطة الفلسطينية للمضي قدماً في سياسة “هذا مقابل ذاك” مع الإسرائيليين. هذا قد يسمح للرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يبيّن بأنه قد أحرز شيئاً لم يتم التوصل إليه سابقاً ويجعله أكثر مرونة للسماح لبعض القوات الإسرائيلية في البقاء بغور الأردن كجزء من قوّة دولية لحفظ السلام لفترة محدودة من الزمن. وحجة نتنياهو بأن مثل هذا التنازل الأساسي سيطيح حتماً بحكومته لا يفسّر أو يبرّر سبب أنّ تمسكه بحكومة الإئتلاف أكثر أهمية من السلام. والتّوصل لاتفاقية مع الفلسطينيين يتطلّب أولاً تغييراً جذرياً في الخارطة السياسية وفي طريقة معالجة الأمور داخل إسرائيل.
يجب على أيّ قائد سياسي إسرائيلي أن يضع السلام على رأس أجندته السياسية وعلى أي رئيس وزراء إسرائيلي أن يخاطر بمركزه وحتى بحياته من أجل قيادة شعبه للسلام وليس للهاوية التي يقود إليها نتنياهو البلاد. حتّى هذه الساعة لا توجد اتفاقية حول موضوع بقاء بعض القوات الإسرائيلية في غور الأردن، لا بل إنه يعقد إجمالي الصعوبات والمشاكل في التفاوض حول قضايا شائكة أخرى، وقد يكون هذا كلّه من تخطيط نتنياهو.
التوسع في المستوطنات
وبالرّغم من أنّ قواعد المشاركة لا تنصّ على وجوب إسرائيل أن تعلّق بناء وحدات سكنية جديدة خلال المفاوضات، غير أن فشل كيري في إقناع نتنياهو في تعليق البناء في المستوطنات أو على الأقلّ القيام بذلك بتحفّظ وبوتيرة أبطأ (بدون استفزاز الفلسطينيين عمداً) قد سمّم الأجواء وعمّق شكوك السلطة الفلسطينية حول نوايا نتنياهو الفعلية.
كان الرئيس عباس غاضباً لأسباب وجيهة عندما قال:”لن نبقى صامتين حيال انتشار سرطان المستوطنات، وبالأخصّ في القدس، وسنستخدم حقنا كدولة عضو في الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات سياسية ودبلوماسية وقانونية لإيقافه”.
وهنا أيضاً فإن إتفاقية حول الحدود أولاً قد تحدّد وضع معظم المستوطنات وتقرّر أيّ منها سيصبح جزءاً من إسرائيل وأي منها لا. مثل هذه الاتفاقية الأولية ستسمح لإسرائيل التّوسع في أية مستوطنات تقع تحت إدارتها القانونية بالإتفاق مع الفلسطينيين وعلى أساس عمليات تبادل أراضي بإنصاف وحتى قبل التّوصل إلى اتفاقية شاملة.
الإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية:
الذي صعّد من تعقيد المفاوضات هو مطالبة نتنياهو بأن تعترف السلطة الفلسطينية بإسرائيل كدولة يهودية. والسخرية هنا إن إسرائيل لا تحتاج لأية حكومة فلسطينية، حالياً أو في المستقبل، للإعتراف بإسرائيل كدولة يهودية لتمكين إسرائيل من الحفاظ على هويتها الوطنية اليهودية.
لا شكّ أن هناك نوايا شريرة وراء مطالبة نتنياهو، وللأسف وقع كيري في فخّها بالرّغم من افتقارها كلياً للمنطق وبالرّغم من أنها ستأتي بنتائج عكسية. وبصرف النظر عمّا إذا قام نتنياهو بهذا المطلب لإرضاء تحالفه اليميني المحافظ بشدة أو كحيلة لكسب الوقت، أو حتى إذا اعتقد بأن لمثل هذا الإعتراف مزايا حقيقية في تحويل المسألة الديمغرافية التي هي لغير صالح إسرائيل حالياً وقد تلحق ضرراً بهويتها الوطنية المستقبلية، فهو أقلّ ما يقال بأنه مخادع ماكر.
لقد قلت في مقالة سابقة بأن “هناك شكوك متزايدة في إسرائيل حول التزام الفلسطينين بالسلام. ففي الستة أشهر منذ انطلاق مفاوضات السلام لم تنقطع السلطة الفلسطينية عن التحريض ضد دولة إسرائيل”. وللزيادة من تقويض المفاوضات فقد صرّح وزير الاقتصاد نفتالي بينيت بأن المفاوضات الجارية”لم تجلب لنا سوى الإرهاب”. وصرّح في مناسبة أخرى قائلاً:”لقد انتخبتنا الأمّة لحراسة قيم دولة إسرائيل، لا أن نرهن مستقبلنا لأبو مازن”. ولكن أكثر التصريحات العلنية إثارة للغضب جاءت من موشي ياعلون، وزير الدفاع الإسرائيلي، الذي قال بأن كيري”الذي يعمل من منطلق هاجس غير مفهوم وشعور مسياني لا يستطيع أن يعلمني شيئاً واحداً عن الصراع مع الفلسطينيين. الشيء الوحيد الذي بإمكانه أن ينقذنا هو إذا فاز كيري بجائزة نوبل وتركنا وشأننا”.
ولسوء الحظ لم يصرّ كيري على أن يتجنب الطرفان مثل هذه الروايات الشعبية السلبية على النحو الذي أصرّ فيه على الحفاظ على سرّية جوهر المفاوضات.
لقد أُلحق حتى الآن الكثير من الضرر للعملية السلمية والتي ازدادت سوءاً بتصريحات كيري العلنية، وبالأخصّ عندما قال:”إن البديل للعودة للمفاوضات هو احتمال الفوضى، أعني هل تريد إسرائيل انتفاضة ثالثة؟” لم يحرّك هذا النوع من التصريحات شيئاً سوى المزيد من تشبّث الطرفين بموقفهما.
الحقيقة والمصالحة:
بصرف النظر عن القضايا المتنازع عليها، هناك مشاعر عميقة بالكراهية وعدم الثقة وعدم تسوية حسابات تاريخية لا يمكن تسكينها بشكلٍ آلي. وأنا مستعد أن أتجرأ على القول بأنه وحتّى في حالة التّوصل إلى اتفاقية حول جميع القضايا الأخرى (وهو أمر بعيد المنال)، فإنها ستكون مؤقتة على أحسن تقدير.
كان على كيري وبالتزامن مع المفاوضات أن يُطالب (وما زال قادراً على ذلك) بخلق “لجنة الحقيقة والمصالحة” وتكون مشكّلة من شخصيات إسرائيلية وفلسطينية غير سياسية ومعتبرة لمعالجة الشكاوي التي يرفعها كلّ طرفٍ ضد الآخر وذلك لخلق جوّ يؤدي إلى تعايش سلمي دائم. وأنا مقتنع تماماً بأنه ما لم ينظر الإسرائيليون والفلسطينيون لبعضهم البعض في العيون ويصغوا ويفهموا ويظهروا تعاطفاً حقيقيّاً للتاريخ المؤلم الذي مرّ به كلّ منهما ولمخاوف المستقبل، فإن المفاوضات الحالية والمستقبلية ستبقى متعثّرة.
إنّ عملية “الحقيقة والمصالحة” صعبة ومقلقة، وقد تمّ تجنبها لأنها تحتاج للبحث عن الذات وفهم جوهر الغضب العاطفي للطرف الآخر. أضف إلى ذلك حقيقة أن على الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، أن يتعايشا بشكلٍ أو بآخر ولا يستطيعان الإستمرار بالعيش رافضين وجود بعضهما البعض. يجب أن يهتزا لكي يفهما بأن عملية الحقيقة والمصالحة ليست فقط إضافة لإجراء حسن، بل هي أمر مركزي وجوهري لتسهيل المفاوضات الحالية وتعكس كيف ستنظر الأجيال الإسرائيلية والفلسطينية مستقبلاً لبعضها البعض. فإذا كان الطرفان بما لا يقبل الجدل يبحثان عن السلام، عليهما تقديم الدليل القاطع بأنهما مستعدان وراغبان في العمل معاً على ذلك المستوى الإنساني بدلاً من التخبط في تجريم بعضهما البعض، الأمر الذي لن يأتي بشيء سوى دفعهما لمزيد من الفرقة والبغضاء وجعل السلام درباً من دروب الأوهام.
تنفيذ الإطار الأمريكي:
تصبح النقطة المذكورة أعلاه أكثر إقناعاً في ظلّ التشكك المتزايد حول إمكانية التّوصل لاتفاقية نهائية حتّى الموعد الأصلي المحدّد لها وهو شهر نيسان القادم، وهذا بدوره قد أفسح المجال لهدفٍ أكثر تواضعاً للوصول إلى تفاهم مرحلي يعتمد على أساس إطار زمني مرن سيقدمه كيري عن قريب. سيكون هذا لربما أقصى ما يأمله كيري. هذا وبالنظر إلى الوضع المتطاير في المنطقة وتصاعد الصراعات المسلحة التي أصبحت تكتنف إسرائيل والفلسطينيين والتململ المتزايد في الشارع الفلسطيني، فإن اتفاقية مرحلية أو حتّى إطار عام للسلام لن يصمد أمام اختبار الوقت.
وبخلاف رئيس الوزراء الراحل آرئيل شارون، فإن نتنياهو يبقى إيديولوجياً أعمى ليس لديه رؤية أين ستكون إسرائيل بعد 10 أو 15 عاماً وليس لديه الشجاعة لاتخاذ خطوات تصحيحية الآن لحماية إسرائيل من التنازل عن ديمقراطيتها وتعريض الهوية اليهودية القومية للخطر. وهو ما زال يتخبط في تفكيره الرّغبي جالباً خطراً أكبر على إسرائيل كل يومٍ يمرّ.
والرئيس محمود عباس، من الناحية الأخرى، قد يكون راغباً في صنع اتفاق، ولكن فقط بشروطه حيث أنه مقيّد للغاية بدعمٍ شعبي محدود والوقت ينفذ منه. وفي الوقت الذي يدّعي فيه الرئيس الفلسطيني عباس بأنه يمثل جميع الفلسطينيين، فإن حماس التي تسيطر بالكامل على قطاع غزة لا تعترف بسلطة عباس ومن غير المحتمل أن تقبل بأية اتفاقية مع إسرائيل لا تتناسب مع أجندتها السياسية المدمّرة ذاتياً.
الإفتقار إلى قيادة شجاعة وذات رؤية بعيدة
وللتأكيد، لا نتنياهو ولا عباس أظهرا حتى الساعة قيادة شجاعة وذات رؤية بعيدة نحن بحاجة لها بالتأكيد في هذه المرحلة المصيرية. إن السجلات الإسرائيلية – الفلسطينية التاريخية مشبّعة بنكران ومقاومة المصير المحتوم وهناك القليل من الدلائل التي تشير إلى حدوث كثير من التغيير. ولذا من الوهم، لا بل من الخداع أن نفترض بأن تقديم إطار للإسرائيليين والفلسطينيين سيمهّد لهم في الحقيقة الطريق لاتفاقية سلامٍ في وقتٍ ما من المستقبل القريب. ولنقلها بصراحة مكشوفة، لن تحدث نتائج حقيقية سوى بضغط أمريكي مباشر، بشرط أن يفهم نتنياهو وعباس تماماً بأنه سيكون هناك عواقب وخيمة إن هما قاما بتحدي الولايات المتحدة.
ليس هناك حليف أفضل وأقرب لإسرائيل وللفلسطينيين من الولايات المتحدة الأمريكية وهي الدولة الوحيدة التي بإمكانها توفير التغطية السياسية التي يحتاجها كلاهما، ولكن بإمكانها أيضاً أن تستخدم الإكراه و/أو الإغراءات لإجبارهما على إيجاد الأرضية الوسط للوصول إلى اتفاقية. والتهديد بالإمتناع عن الدعم السياسي لإسرائيل في المحافل الدولية سيستمرّ لإقناع نتنياهو وغيره من القادة السياسيين بأن يوم الحساب قد حان. والضغط السياسي والاقتصادي المماثل على محمود عباس سينعكس بشكلٍ سلبي خطير على الفلسطينيين الذين لا يستطيعون رفض الدعم الأمريكي الجوهري لهم. وفي هذا السياق على وزير الخارجية كيري أن يعيد تنشيط مبادرة السلام العربية ويطلب من الدول العربية القيادية، وبالأخصّ المملكة العربية السعودية ومصر والمغرب والأردن وغيرها التي تدعم فعلاً مفاوضات السلام الإسرائيلية – الفلسطينية على أن تكون أكثر وضوحاً، لا بل “صخباً، في دعمها شعبياً مبادرته من أجل السلام، فعبّاس بحاجة إلى دعم الدول العربية سياسياً واقتصادياً والشعب الإسرائيلي بحاجة للإقناع بأن الأغلبية العظمى للعالم العربي تدعم مفاوضات السلام.
هناك بالطبع من يقول وبحق بأنه نظراً لمقاومة الكونغرس الأمريكي والمعارضة العنيدة لجمهور الناخبين الإنجيليين في أمريكا وما يسمى “اللوبي اليهودي”، فإن إدارة الرئيس أوباما ستبقى مترددة في إجبار إسرائيل على القيام بأية تنازلات لا ترغب فيها للفلسطينيين. هذا بالطبع قد يكون صحيحاً، ولكن مرّة أخرى إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية جادّة في تحقيق السلام وتعتقد بأنه الأفضل لصالح إسرائيل وبأن الوقت عامل أساسي في ذلك، فإنها لا تستطيع بعد الآن أن تتلكأ وتضيع الوقت في جهود وساطية تذهب سدىً. وهنا أيضاً وللقادة في أمريكا دور حاسم، فلا يستطيع الرئيس الأمريكي تسوية الصراع بعظاته حول السلام وترك جون كيري يغطس أو يسبح.
للولايات المتحدة مصالح استراتيجية ضخمة في الشرق الأوسط وبحاجةٍ لسلامٍ إسرائيلي – فلسطيني بالقدر الذي هي بحاجة إلى هذا السلام لمنع “حريق” كبير آخر من المؤكد بأنه سيأتي إذا بقيت الأوضاع الحالية كما هي. وسيشهد الشرق الأوسط اضطراباً هائلاً غير مسبوقاً لسنوات، وقد لا يكون هناك وقت أفضل من الآن للتوصل لسلامٍ فلسطيني – إسرائيلي، ولكن أين هم القادة الذين بمقدورهم تلبية النداء؟
مقالات جريدة الأيـــام
أطراف النهار: نشيد "اليرموك"
بقلم: حسن البطل
"يرموك احنا جنودو/ عنّو ما بنتحوّل
"يرموك أرض المرجلي/ هو صراع المرحلة
"ثورة وجهاد ومرجلة/ ودم الشهداء مسجلة
"يا حيف على اللي غادروا/ جوّا البحر تايغامروا
"يا مهجّرين عودوا/ طال السفر وطوّل
"يرموك يا زحف النصر/ صوب العدا ما ينكسر
هذا النشيد/ النشيج أدّاه، وسط الخراب والدمار، عازف واحد على "البيانو" ورتل أفقي من ستة شباب متكاتفين، يعتمرون الكوفيات.. وعلى بيوت الخراب ترفرف أعلام فلسطين.. وحدها دون شريك!
فعلت ما أفعله نادراً، وشاركت على صفحتي في تعميم هذا "الفيديو" في يوم تصادف مع يوم عرس جماعي في أريحا.
فرح وترح؟ نشيج ونشيد، للوطن والشعب، في البلاد والمنفى: "هي أغنية.. هي أغنية". هي صدى قول شاعر فلسطيني: "ادفنوا قتلاكم وانهضوا" وقول الشاعر: "نحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً".
الشكّاؤون، البكّاؤون، النائحون على ترح "عاصمة المخيمات الفلسطينية في المنفى" استهجنوا، فيسبوكياً، كيف يصدح المغنّون في عاصمة أخفض نقطة في العالم، بالنشيد. كيف ولماذا؟ ألم يقل الشاعر إن الوطن هو، أيضاً، أن "يزوجوا بناتهم لأولادهم"؟
قوة الرُّوح فينا، كشعب، أن نواري الشهيد الثرى، وأن نزفّ العرسان إلى استمرار حياة الشعب. ماتوا لنحيا فهم أحياء. ألا يُهرِّب الأسرى المحكومون بالمؤبّدات في سجون إسرائيل "ماء الحياة" إلى زوجاتهم؟ ألا يوجد في شعبنا تقليد: الشهيد ابن الشهيد (مثلاً: الشهيد أبو حسن سلامة، ابن الشهيد علي حسن سلامة، ووالد علي).
صارت للشعب مناعة صنع الحياة في وجه الموت والفناء منذ أول النكبة، وأول مجزرة وحصار، وأول ضرّ مسّ مخيم فلسطيني خارج فلسطين.
في اليوم التالي للنشيد/ النشيج في خرائب اليرموك والعرس الجماعي في أريحا، نشرت "الأيام" صورة رئيسية في صفحتها الأولى عن دفن سبعة شهداء جدد في مخيم اليرموك، وخبراً رئيسياً.. لكن نشرت خبر الزفاف الجماعي في صفحة التتمّات!
بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، أيلول 1982 بأيام قليلة، حضر القائد ياسر عرفات والسيدة وسيلة بورقيبة، والخارجون من حصار بيروت، عرساً في مقر قيادة المنظمة في فندق سلوى.. وكان زفافاً لمناضلة فلسطينية من مخيم شاتيلا من قوات الـ 17 زفّت إلى مناضل عراقي في الجهاز نفسه.. وما لبثت العروس أن سقطت شهيدة في الغارة الشهيرة على "حمّام الشط". كل ما أذكره عن العروس أنها كانت تهزم الجميع، بمن فيهم زوجها، في مباراة كرة الطاولة (بنغ ـ بونغ)!
نعرف أن المخيم في المنفى هو فلسطين في المنفى، وأن فيزياء المخيم، في المنفى والبلاد، متشابهة؛ وأن المخيمات أقيمت، في البلاد والمنفى، في خاصرة المدن؛ وأن الحروب الأهلية العربية هي دمار في المدن.. وأن لا حصانة للمخيمات من مخاض الحروب الأهلية العربية ولم تعد حصانة لفلسطين والفلسطينيين من فوضى الحروب الأهلية العربية.
تعرفون الكثير عن مخيم اليرموك. مكاناً، وسكاناً وموقعاً من مواقع "المخاض السوري".. لكن المخيمات ليست "غيتوات" بل مراكز جذب سكانية واقتصادية.
في مخيم اليرموك، مثلاً، كانت صبايا وجميلات دمشق، في حي أبو رمّانة والروضة، يذهبن، أواخر سبعينات القرن المنصرم، لشراء أحدث موديلات سراويل "الجينز" من أسواق مخيم اليرموك!
في حصار مخيم "تل الزعتر" كانت المدفعية الفلسطينية في بيروت الغربية تقدّم دعماً من ستار ناري للصامدين في المخيم.
فور بدء حركة "أمل" واللواء السادس، بدعم سوري، في حصار ثانٍ لمخيم شاتيلا، غادر العديد من المقاتلين فندق/ منتجع/ مقرّ المنظمة في "سلوى" وتسلّلوا عائدين للقتال لرفع الحصار عن ذويهم وشعبهم!
نشيد/ نشيج مخيم اليرموك صادر من القلب إلى العصب.. إلى الأمل، وهو يصلح لتوزيع موسيقي، وكورال من المغنين، ولمطرب من وزن محمد عسّاف، ليشكل إضافة للنشيد الفلسطيني، والأغنية الفلسطينية في المقهى، حيث كان التلفاز يبث وقائع حفل الزفاف الجماعي، قال واحد نكد: كم نسبة العرسان الذين سيطلقون بعد سنة.. بعد سنوات؟
نسبة الطلاق في فلسطين هي 20% ونسبة عنوسة البنات هي 7% لا غير.. وهذه وتلك من أقل النسب في العالم العربي... كنا، أوّل النكبة، مليوناً وربع المليون، وصرنا أكثر من عشرة ملايين رغم المعارك والحصارات والمجازر!
مفارقة بين جماعتين من أصل واحد
بقلم: طلال عوكل
لا تزال تونس تمسك بشرف أولوية المبادرة نحو طريق التغيير، والتغيير الهادف، غير العشوائي، والذي يسعى فعلياً لإقامة نظام مدني ديمقراطي أو لنقل، النظام الذي ترضى عنه اغلبية الشعب، وعلى قاعدة الاعتراف الجمعي بأن الشعب هو مصدر السلطات.
ثورة الياسمين نهاية العام 2010، كانت البداية، لاندلاع عمليات التغيير في المنطقة العربية، واتسمت ببعدها الشعبي الديمقراطي وسلميتها، واستمرت منذ ذلك الحين، محافظة على تلك الأبعاد، بالرغم من نشوء فرقة شاذة، تنتمي إلى السلفية، والتي تنتهج سبيل العنف، المرفوض حتى من الفرق الإسلامية التونسية الأخرى، وبالطبع من بقية الفرق والأحزاب السياسية والاجتماعية.
ومنذ أن جرت الانتخابات وأظهرت نتائجها فوز حركة النهضة، وهي الفرع التونسي، لحركة الإخوان المسلمين العالمية، بادرت الحركة لتقديم نموذج مختلف، نموذج يأخذ بعين الاعتبار طبيعة التكوين الاجتماعي والسياسي.
وطبيعة الحركة الوطنية التونسية، التي تتمتع بتنوع كبير، ونموذج يقرأ على نحو معقول، طبيعة العصر، وما تنتجه من إمكانات إزاء تشكل النظام السياسي الجديد. دخلت حركة النهضة في تحالف مع حزبين علمانيين، وقبلت بتوزيع المسؤوليات الرئيسية في البلاد على نحو يمنح حزباً، موقع الرئاسة والآخر موقع رئاسة المجلس التأسيسي فيما احتفظت لنفسها بموقع رئيس الحكومة.
مضت التجربة على نحو لم يجد قبولاً لدى بقية الطيف السياسي والاجتماعي، وواجهت العديد من العقبات، التي أدت إلى تعثرها، فلقد ازداد وتصاعد العنف، وحصد اثنين من زعماء المعارضة، وتحملت الجماعات الإسلامية المسؤولية عن ذلك بما فيها الأحزاب التي ترفض العنف ومنها حركة النهضة، واستمر الاضطراب الاجتماعي والسياسي، وتجاوز المجلس التأسيسي الموعد المقرر لإعادة إجراء الانتخابات، فيما لم ينجح التحالف الثلاثي في تحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية.
في ظل تلك الأوضاع، كانت حركة النهضة أمام احتمالين فإما مواصلة التمسك بنتائج الانتخابات، ومواصلة إدارة الحكم، وبالتالي مواجهة المعارضة المتزايدة، وفي الوقت ذاته التصدي لتصاعد العنف الذي تمارسه الجماعات السلفية، وإما أن تتراجع عن ذلك، وتعود للحوار، بهدف تحقيق توافق وطني.
كانت التجربة المصرية، قد قدمت ملامح أخرى، حيث اندلعت الثورة الشعبية في الثلاثين من حزيران العام الماضي، وتدخل الجيش المصري، وتم إقصاء الرئيس محمد مرسي، ودخلت البلاد في اضطراب شديد، ودخلت مرحلة من العنف المدمر.
ومن الواضح أن المرشد العام لحركة النهضة، راشد الغنوشي، قد قرأ جيداً التجربة المصرية، وهو في الأصل صاحب رؤية ومواقف قبل الثورة التونسية، أكثر عقلانية وأكثر انفتاحاً وأكثر مرونة، من أقرانه من زعماء حركات الإسلام السياسي العربي بما في ذلك حركة الإخوان في مصر.
وإذا كانت القراءة المجردة الأكاديمية، لا تصلح في حال الأحزاب والعمل السياسي، فإن الغنوشي، وبعد أشهر قليلة من التجاذبات السياسية والعناد، آثر أن يحيل نتائج القراءة للتجربة المصرية، إلى مبادرات وسلوك سياسي.
تنازل الغنوشي عن الحكومة، ووافق عبر حوار وتوافق وطني على تكليف شخصية مستقلة بتشكيل الحكومة، حظيت بموافقة المجلس التأسيسي ووافق هو وحركته على دستور لا ينص صراحة على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع وللسلطة، وتم الاتفاق بين الجميع على مواعيد إجراء الانتخابات، ودفع البلاد نحو دولة مدنية ديمقراطية.
لم تتنازل حركة النهضة عن أيديولوجيتها، ولا عن انتمائها الإسلامي ولا عن ارتباطها بحركة الإخوان المسلمين، ولكنه تصرف وفق مقتضيات العصر، ووفق حاجات البلاد، وتطلعات الأغلبية الشعبية، وقدم المصلحة الوطنية العليا عن المصالح الحزبية الضيقة التي كان يعني التمترس حولها، والتمسك بها، تمزيق البلاد، ودفعها نحو أتون صراع مرير، طويل، لا منتصر فيه إلاّ اعداء تونس. أقول ذلك، لا فقط لكي، نستظهر نموذجاً مختلفاً وحيداً للإسلام السياسي الذي يتسم بالتسامح والوطنية، وبالمرونة وبالفهم السليم لمتطلبات العصر، وللتعامل السياسي الناجح، الذي لا ترهقه الأيديولوجيا حتى الإطاحة بأصحابه، وإنما أيضاً، لكي نضع في مقابله، رؤية وسلوك جماعة الإخوان في مصر، ليس بهدف الشماتة، وبعيداً عن روح الانتقام، وإنما من أجل تدارك الأمور نحو تصحيح المسار.
فسواء في مصر، أو في فلسطين أو تونس، أو في أي قطر عربي، فإن الوطنية والقومية الحقة، تستدعي أن لا تهدر الطاقات عبثاً وبدون طائل، وتستدعي توفير كل جهد، للنهوض نحو بناء المستقبل الأفضل لشعوب أمتنا العربية، وادخاره لخوض معارك الأمة العربية التي تواجه تحديات تاريخية صعبة.
نعم فازت جماعة الإخوان في مصر، بأغلبية، وبرئاسة الجمهورية، ولكنها وقعت في جملة من الأخطاء بل الخطايا بقياسات العمل السياسي، أدت الى تحول الأغلبية الشعبية ضدها خلال عام واحد فقط من تسلمها مسؤولياتها الوطنية. لا نقصد العودة لتعداد تلك الأخطاء والخطايا، وأهمها، اتباع سياسة الإقصاء لكل الآخرين بما في ذلك الحليف الأساسي وهو حزب النور السلفي، ما أدى إلى ما أدى إليه، وهو إقصاؤهم عن الحكم. وإذا كان قد فات الأوان على إمكانية تصحيح ما كان يمكن تصحيحه قبل إقصاء الرئيس المعزول محمد مرسي، فلقد كان على الجماعة أن تتعامل بواقعية سياسية مع المتغيرات التي وقعت، لا أن تتحصن حول شعارات غير قابلة للتحقق من قبل إعادة الرئيس الشرعي إلى سدة الرئاسة مرة أخرى.
لجأت الجماعة إلى العنف، ومواصلة النزول إلى الشوارع، وسال الدم المصري الغالي، الأمر الذي شكّل عاملاً مهماً في اضطراب الأوضاع، وتراجع شعبيتهم، وصولاً إلى حل الجماعة، وإعلانها جماعة إرهابية، وكان من الممكن ويفترض أن تستمع إلى نصائح من طالبوا الجماعة بالتكيف، مع ضرورة التواجد في قلب الحركة السياسية والاجتماعية، وخوض التجربة الديمقراطية مرة أخرى. خطأ كبير، وتاريخي تدفع ثمنه الجماعة، ويدفع ثمنه المجتمع المصري، ونتألم لما يجري كعرب يتمنون أن تكون مصر بأفضل حال، لأن ذلك يعني أن الأمة ستكون بأفضل حال.
السّيسي وقيادة مصر إلى برّ الأمان
بقلم: د. عبد المجيد سويلم
كما كان متوقعاً فقد أصبح ترشُّح الفريق أول (المشير) عبد الفتاح السّيسي لرئاسة الجمهورية بحكم المؤكد، وأصبح نجاحه في هذه الانتخابات أمراً مرجحاً إلى أبعد الحدود في ضوء شعبيته الكاسحة، وفي ضوء تعلق ملايين المصريين بشخص استحوذ على عقول وقلوب هذه الملايين في فترة قياسية.
لكن كيف يمكن تفسير "ظاهرة" السّيسي وما هذا الحبّ الجارف الذي أصبح يحيط بهذا الرجل، وكيف تمكن وزير دفاع "جديد" أن يأسر أفئدة المصريين ويتحول إلى ما يشبه الأسطورة؟!
أزعم هنا أن السّيسي لم يكن ليتحول إلى ما تحول إليه لولا أن الشعب المصري كان يبحث عن "مخلّص" في ظل ما وصلت إليه البلاد من مأزق تاريخي غاية في الاستعصاء بعد سنة كاملة من محاولات اختطاف الدولة التي أعقبت اختطاف الثورة.
البحث عن مخلّص ليس مسألة خارج نطاق تفسيرات ونظريات علم النفس الجماهيري، وهي مسألة "منطقية" في مراحل الأزمات السياسية المستفحلة لدى كل شعوب الأرض بما في ذلك الشعوب المتقدمة، وهي مسألة لا تتعلق بالمراحل التاريخية القديمة للمجتمعات البشرية بل هي ظاهرة متكررة في التاريخ الحديث والمعاصر لهذه المجتمعات والشعوب.
يضاف هنا أن المصريين تسكنهم ثقافة دينية هي أقرب إلى الثقافة الشعبية الشيعية وأن فكرة "المخلّص" فكرة كامنة في العقل الباطني للثقافة الدينية للمصريين. ان قداسة الحسن والحسين والسيدة كما نعرف هي قداسة خاصة بالثقافة الدينية الشيعية أكثر مما هي قداسة عند أتباع المذهب السنّي، وتكاد تكون هذه القداسة محصورة في مصر بالمقارنة بكل بلدان العالم الإسلامي التي تتبع المذهب السنّي.
ففكرة المخلّص إذن هي جزء من مكنون السياق التاريخي للثقافة الشعبية في مصر.
التعلق بالحلم والأمل والخلاص ليس فكرة خاصة بالمصريين كما أوضحنا ولكنها فكرة عالية القيمة بالمقارنة مع الشعوب العربية الأخرى.
يضاف إلى ذلك أن الشعب المصري يحب وطنه كما تحب الشعوب أوطانها لكنه يحبّ دولته أيضاً. الفرق بين الدولة والوطن فرق معروف لكن هذا الفرق ليس واضح المعالم في الحالة المصرية.
يعود السبب في ذلك ـ كما أرى ـ إلى عراقة الدولة المصرية ورسوخها في الثقافة الوطنية للمصريين ليس فقط في العهود التاريخية القديمة وإنما في العصر الحديث أيضاً.
ونحن في الحقيقة نستطيع أن نلمس هذه المسألة بمقارنة مؤسسة الدولة في مصر منذ محمد علي باشا ـ على الأقل ـ مع مؤسسات "الدولة" العربية الأخرى وحيث أن هذه المقارنة تفضي حتماً إلى مقارنة فارقة تماماً.
وفي هذا الاطار يمكن القول إن الدولة المصرية هي الدولة العربية الوحيدة التي تنطبق عليها (فعلياً وواقعياً) مسمّيات الدولة وخصائصها.
وبمقارنة الدولة المصرية الحديثة بالدول العربية الأخرى نلحظ أن هذه الدول في تكوينها السياسي وفي منطوقها القانوني وفي مضمونها المجتمعي هي الدولة الوحيدة في كامل هذا الإقليم.
ويضاف إلى كل ذلك دور الجيش المصري نفسه في حماية مشروع الدولة المصرية، وكيف أن الجيش المصري قد ارتبط تاريخه بتاريخ الدولة المصرية الحديثة حتى أن بعض المؤرخين والعلماء يعتبرون الدولة المصرية الحديثة ثمرة من ثمرات الجيش المصري نفسه.
الدور الوطني للجيش والذي أنيطت به على الدوام حماية الدولة المصرية خلق من ثنائية الجيش والدولة في مصر ثنائية خارج نطاق الاستحواذ السياسي المباشر وتحولت هذه الثنائية في الثقافة الشعبية والوطنية إلى نوعٍ من المسلّمات الوطنية الراسخة.
عندما اختطف الإخوان ثورة 25 يناير استشعرت النخبة السياسية هذا الاختطاف ولكنها ترددت في الحكم على هذا الاختطاف، أما عندما تحول الإخوان إلى السطو على الدولة والاستئثار بها وأخونة مؤسساتها وتعريض الأمن القومي للخطر وتحطيم قدراتها تمهيداً للانقضاض عليها شعر المصريون أن البلاد باتت في خطر والدولة في مهب الريح والمجتمع على أبواب حرب داخلية مدمرة.
في هذه اللحظة التاريخية الفارقة ظهر عبد الفتاح السّيسي وكان هذا الظهور بمثابة الأمل والحلم. واستطاع هذا الرجل الحازم والحنون، القائد والزعيم، القوي كالجبال والرقيق الطيب الحاني أن يأسر قلوب المصريين وعقولهم لأنه خلق لديهم الأمل وخلق لديهم الهدف وأصبح للمصريين حلم يتعلقون به ويسعون للوصول إليه.
دور الفرد في التاريخ ينبع كما نعرف من وجوده في اللحظة التاريخية المناسبة ومن مواصفات قيادية قادرة على الاستجابة لتلك اللحظة، ولأن السّيسي على هذه الدرجة من الأهمية فإن الخطر عليه هو خطر حقيقي وأعداء مصر يعرفون هذا جيداً.
على أبواب فشل كيري
بقلم: حمادة فراعنة
ليست المرة الأولى التي تخفق فيها ومن خلالها الإدارات الأميركية المتعاقبة في التوصل إلى حل واقعي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقد أخفق الرئيس كلينتون في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، وأخفق الرئيس بوش في مفاوضات أنابوليس عامي 2007 – 2008، وتعثر الرئيس أوباما طوال ولايته الأولى، وتراجع عن اهتماماته العربية وتخلى عن اندفاعه للتوصل إلى تسوية في عهد وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون ومستشاره السيناتور جورج ميتشيل الذي رحل مهزوماً بلا رجعة، بعد تقديم استقالته.
وها هو جون كيري، منذ أن تسلم حقيبة الخارجية، مع ولاية الرئيس أوباما الثانية الجارية، بدأ جهوده واتصالاته وجولاته، من بداية شهر آذار 2013، وهو يسعى لإيجاد أرضية من القواسم المشتركة تقوم على ما قطعته المفاوضات من شوط في عهدي كلينتون ( كامب ديفيد ) وبوش ( أنابوليس )، ولكنه أخفق شديد الإخفاق في بدء التفاوض، من النقطة التي تم التوصل إليها في مفاوضات أنابوليس بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يهود أولمرت.
ومنذ أن بدأت المفاوضات رسمياً في 30 تموز 2013 حتى آخر جلسة يوم 5/11/2013، لم تتقدم خطوة واحدة، فسعى كيري لنقل موضوع التفاوض من معالجة القضايا الجوهرية، إلى التوصل إلى صيغة بيان مبادئ أو إعلان نوايا أو اتفاقية إطار، تغطية لفشله في وضع أرضية، أو رؤية أميركية نزيهة ومتوسطة للقضايا الجوهرية محل الصراع وعناوينها وهي :
أولاً : عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم التي طردوا منها واستعادة ممتلكاتهم فيها وعليها، وفق القرار 194.
ثانياً : الانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وفق القرار 242، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفق قرار التقسيم 181 وحل الدولتين 1397، وخارطة الطريق 1515، حيث اصطدم بالموقف الفلسطيني الذي يرفض الحلول الانتقالية أو المؤقتة أو المرحلية لأنها تعني جرجرة المفاوضات إلى عناوين إجرائية ليست ذات معنى ولا تضيف شيئاً إلى سلسلة الاتفاقات أو المبادئ أو الوثائق التي تم التوصل إليها وتم توقيعها بلا فائدة، ولم تنعكس على الأرض، حيث يفعل جيش الاحتلال ومستوطنوه وأجهزته الأمنية فعلها بتغيير الحقائق وتدمير الوقائع عبر 1- أسرلة القدس وتهويدها، 2- توسيع الاستيطان في قلب الضفة الفلسطينية وتمزيق جغرافيتها وتقطيعها، 3- أسرلة الغور وضمه ومنع التنمية والبناء الفلسطيني عنه وممارسة التطهير العرقي من أهله وتدمير ممتلكاتهم وتطويقهم ومنع قيم الحياة ومظاهرها عنهم.
واصطدم أيضاً بالموقف الإسرائيلي نحو مسألتين طرحهما ولم يجد الاستجابة لهما وهما:
أولاً: الانسحاب الإسرائيلي من أراضي الضفة الفلسطينية باستثناء القدس والمستوطنات وتوسيع ولاية السلطة الوطنية لتشمل الأراضي التي سينسحب منها جيش الاحتلال.
ثانياً : وضع قوات دولية بديلاً لقوات الاحتلال الإسرائيلي تضمن الأمن، للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بما يشمل الغور والحدود والمعابر، ولكن حكومة نتنياهو ترفض تسليم الأمن لطرف ثالث حتى ولو كان من الأميركيين، وترفض الاعتماد على الأجهزة والتكنولوجيا تعويضاً عن انسحاب قوات الاحتلال من أراضي الدولة الفلسطينية، مثلما ترفض إزالة أي مستوطنة، كما قال نتنياهو، ولا أمن ليهودي إلا من قبل يهودي.
ولهذا يحاول كيري تمديد فترة المفاوضات إلى ما بعد نيسان 2014، حتى نهاية العام الجاري 2014، لسببين أولهما توفير غطاء لتراجعه عن مواصلة جهوده، ولعدم إظهار فشله، وثانيهما لقطع الطريق على منظمة التحرير في خيارها لاستكمال عضوية فلسطين في المؤسسات والمنظمات الدولية المتخصصة أسوة بما حصل في عضوية "اليونسكو" يوم 31/10/2011، وعضوية الدولة المراقب في الجمعية العامة يوم 29/11/2012.
مقالات الحياة الجديدة,,,
تغريدة الصباح - رياضة في غياب الكهرباء,,, من يوميات امرأة محاصرة في غزة
بقلم: سما حسن
في غزة المحاصرة أعيش مع أبنائي الأربعة، امرأة وحيدة تحاول وتجاهد لتبقى في ظل ظروف قاهرة، وأحداث صادمة سواء على صعيد حياتي الشخصية أو على صعيد ما يحيط بي من ظروف معيشية، ولأن أولادي الأربعة في أعمار متفاوتة ما بين الشباب والمراهقة والطفولة المتأخرة فان العيش معهم في بيت واحد أشبه بقمة من تلك القمم التي تدور بين رؤساء الدول في أروقة الأمم المتحدة فلا جدال يتوقف ولا اتفاق يتم التوصل إليه، ومع الكثير من الجد والكثير من الهزل أيضا تسير بي وبهم مركب الحياة ولكن بصعوبة.. بخاصة في ليالي الشتاء الباردة التي تنقطع فيها الكهرباء حيث أصبح ذلك أمرا واقعا بفعل الحصار المفروض على غزة.. في ساعات المساء في احدى تلك الليالي كان الجو باردا جدا داخل شقتي الصغيرة، فيما تهطل الأمطار بغزارة ويعم الظلام، ولأن الكهرباء مقطوعة كالعادة قرر أولادي أن يلوذوا بأسرتهم وأغطيتهم الثقيلة، فلا شيء يبعث الدفء في هذا الجو البارد، وفجأة قدم ابني الأصغر مقترحا حيث نادى بصوته الرجولي المحبب: اللي بدو يتدفا مجانا ييجي هون..
غادرنا الأسرة مسرعين حيث صالة البيت وهتف ابني: بدنا نلعب رياضة وابني هذا يعتبر رياضيا من الدرجة الأولى ويهتم بلياقته البدنية منذ صغره بعكس ابني الأكبر الذي تحول لفيل صغير من فرط كسله.. كنا نصطف في طابور ويقف قبالتنا ابني ونحن نقلد حركاته، واستذكر ابني الفنانة كريمة مختار في فيلم "رجل فقد عقله" مع فريد شوقي حين كان أولادها يمرنونها لكي تنقص وزنها حتى لا تخسر زوجها..
وعلى ذلك وحين بدأت أتحرك مع اشارات ابني الأصغر كان ابني الأكبر يردد:
واحد.. جوزك بيحب
اتنين.. جوزك حيتجوز عليكي
ثلاثة.. حيبدد ثروته
وتعالت ضحكاتنا ولكن ولأن أولادي يعرفون أني طاوعتهم وبدأت ممارسة الرياضة لكي أشعر بالدفء أولا، ولكي أحافظ على لياقتي ثانيا، فلا رجل أنا بحاجة لكي أغدو رشيقة من أجل الحفاظ عليه، فقد قام ابني "الكابتن " بتغيير المشهد وكتم ضحكاته وهو يراني أتحرك مثل"بطة مكتنزة". واحد... لازم تصيري عصفورة يا بطة اتنين... وإلا حتصيري عجوزة كعبورة..
وهكذا كنا وعلى ضوء البطاريات الصغيرة المتناثرة كأشباح تتحرك وتترك ظلالها على الجدران ، فيما يضحك أولادي من حركاتي، كنت أضحك بدوري من أشكال ظلالهم المتحركة على الجدران صعودا ونزولا، وبعد كل تمرين كنت أتباكى وأمسك بأعضاء جسمي واحدا تلو الآخر وأصيح وسط ضحكاتهم: الحقيني ياما.. لكننا شعرنا بالدفء حقيقة يغزو أجسامنا فيما دفء أكثر غمر أجواء بيتي الصغير من حبنا وتلاحمنا وروحنا الآملة بغد أفضل، وهكذا عدنا لأسرتنا لننام في انتظارعودة الكهرباء..
تهديدات متغابية وشهيد جديد
بقلم: عدلي صادق
ما تنفثه أصوات اسرائيلية ضد الرئيس محمود عباس، ليس فيه سوى السموم. فبدل السياسة يحل الغباء ويُعتمد. وأصحاب هذه الأصوات لا يحترمون عقل العالم ولا يأخذون الوقائع بعين الاعتبار، ويظنون أن الدنيا والتاريخ ينعقدان لهم الى الأبد، وأنهم أصحاب الحق في حمل مفاتيح الزمن والمستقبل، ويتحكمون في المصائر الى أن تقوم الساعة، وأن من أكثر قدراتهم تواضعاً، أن يتمكنوا من فرض صيغة اتفاق اسرائيلي، يتحول فيه وطننا الى مهاجع نوم بائسة مغلقة، ومبوّبة يفتحونها لمن يرونه صالحاً للعمل عندهم بالسُخرة. فهؤلاء الظلاميون المعتوهون، الذين نجحوا في تسويق أسطورتهم باعتبارهم شعباً، لا يفهمون معنى الشعوب ولا معنى التاريخ!
فلو أخذنا مقاربة لسيناريو يلاحق العيّار الى باب الدار، على قاعدة انهم ضاقوا ذرعاً بالرئيس «أبو مازن»، فهل يمكن أن نصدق أنهم وصلوا الى درجة من الغباء تجعلهم يلوّحون بتصفيته للتخلص منه، بينما في مقدورهم ابلاغه وهو في الخارج، أن «التنسيق» الاجرائي لدخوله وعودته لم يعد متاحاً؟! فان كان المحتلون أرادوا تصفية الرئيس الشهيد ياسر عرفات، بطريقة لا تترك أثراً لجريمتهم، وهو الذي واجه عنادهم وقاتل ضد انقلابهم على عملية التسوية، وخاصمه الأقربون العرب أو قاطعوه، وعاداه الاميركيون في العامين الأخيرين؛ فكيف يلمّحون الى رغبتهم في التخلص من الرئيس عباس، الذي يؤيده الأقربون والأبعدون، وهو الذي يتزعم تيار التسوية المتوازنة وجعل السلام خياراً استراتيجيا لا بديل له، ولم ولا ولن يعتمد قتالاً بالنيران مراعاة لحقائق ميزان القوة، واستئناساً بالحقائق والمدركات الوازنة للقضية الفلسطينية، بمعايير السياسة والقانون الدولي؟!
انهم يتغابون، اذ لم يبلغ غباؤهم الى درجة الاقتناع بهذه الحماقة، لكنهم يريدون توظيف واقعة جريمتهم التي أودت بحياة عرفات، لتكون عنصر تأثير نفسي على القيادة الفلسطينية!
هؤلاء الذين لا يحترمون عقول الناس ولا الوقائع الكبرى، ويعتمدون مثل هذا الهَذْر القبيح، يعاندون السياسة أيضاً. فهم يعلمون أن بنية الاجتماع السياسي الفلسطيني تقوم على التمسك بثوابت القضية والثوابت المعتمدة للتسوية، وهي التي يقف عندها الفلسطينيون عند الخط الأخير. وهؤلاء المحتلون، يحاولون كسر ارادة الشعب الفلسطيني كله لكي يرضخ، وما جريمة أمس التي راح ضحيتها شاب يافع هو الشهيد محمد محمود مبارك، الا دليل على اختيار طريق الصراع وتعميق الكراهية وحث الناس على الانتفاض، وهم بهذه الجرائم يريدون احالة السلطة الى كيان زائد يقوم بين شقيْ المعادلة ويلتبس أمره على الناس، وهذه وسيلة لاضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية والضغط عليها لكي ترضخ. فالشهيد محمد مبارك، من مخيم الجلزون. معنى ذلك أنهم يقتلون شاباً ولد وترعرع في مخيم للاجئين، وفي هذا رمزية مضافة، فعندما ارتضى الشهيد الجديد أن تقوم دولته المستقلة على ما تبقى من الأرض، استمروا في جرائمهم، لكي يغتالوا حتى مستقبل اللاجئ وشعبه، وهنا هم يحشرون شعبنا في الزاوية لكي ينفجر ثم يتحدثون عن ارهاب. هذه هي لعبتهم التي يسايرهم فيها الاميركيون!
فضلاً عن كون الرئيس عباس لا ولم ولن يقبل الصيغة الاسرائيلية للاتفاق على تسوية مهما تداعت الأمور وتواصلت جرائم الاحتلال؛ فان أي زعيم فلسطيني لن يقبلها، وهذا ما تمليه شرعيته وقناعاته، لذا ان أي مساس بالرئيس عباس أو أية مضايقة له، سيكون مع الاستمرار في الجرائم، من شأنه اعادة الأمور كلها الى المربع الأول والى المعادلة الأولى: شعب يرزح تحت نير أسوأ وآخر احتلال عسكري في العالم، بقوة احتلال أحرقت أكذوبتها بنفسها، ولم تعد في عين العالم تمثل دولة صغيرة محاطة بمن يتهددون وجودها. وستكون اسرائيل استحقت أمام الرأي العام العالمي مقاطعتها وعزلها، كدولة ارهاب، ليس في الاقليم وحده، وانما من سائر الأمم والقوى والدول المحبة للعدالة!
ربما نكون اليوم، في أوقات تشبه ما يسمونه ربع الساعة الأخير. ما ينفثه المحتلون من سموم، هدفه التمهيد لجواب راضخ لمقترحات ظالمة قدمها جون كيري. فبعد رضوخ الادارة الاميركية لمنطق حكومة اسرائيل التي يتقلد فيها مواقع المسؤولية معارضون للتسوية متطرفون أصلاً عندما بدأت؛ يريدون رضوخنا نحن أصحاب الحق وأصحاب الأرض. ورضوخ ادارة أوباما، عندما يكون على حسابنا، يذكرنا بالعبارة المأثورة التي وردت في خطاب طويل أرسله جمال عبد الناصر الى الرئيس جون كينيدي في العام 1960 عندما تقلد منصبه: لقد أعطى من لا يملك، وطناً لمن لا يستحق!
لعل ردود الأفعال الفلسطينية على هذه التهديدات المتغابية، لا تحجب رؤية حكومة المحتلين عن الحقيقة. فـ «أبو مازن» لن يرضخ لمقترحات تنتقص من الحق الفلسطيني وفق محددات التسوية، ولن تخيفة ولن تخيفنا مثل هذه التهديدات. ان أرادوا العودة الى المربع الأول والى المعادلة الأولى، سيكون لنا حديث آخر. ما يستحقونه أصلاً، هو أن نتمسك بموقف لا يقر بمشروعية دولتهم، وسيكون صعباً وعسيراً ان عدنا الى المربع الأول، أن نقر بهذه المشروعية الجارحة والمغايرة لحقائق تاريخ الصراع. ولن يكون ثمة اعتراف بهذه المشروعية، على قاعدة اتفاقات اعلان مبادئ وبموجب صيغة الأطر التي تفتح تاريخاً جديداً من التفاوض العبثي. الموقف الآن: اما التسوية المتوازنة وفق القرارات الأممية، أو العودة الى المربع الأول. فالشعوب لا تموت، وما يقع من السماء تتلقفه الأرض!
اللاجئون والدول المضيفة
بقلم: عادل عبد الرحمن
اللاجئون الفلسطينيون قضيتهم لا تنحصر بأمر عودتهم إلى ديارهم، التي طردوا منها، إنما طاردتهم، وما زالت تطاردهم مجموعة من العناوين تاريخيا، منها: لقمة عيشهم، ومسكنهم، وبقاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين او إنهائها، العلاقة مع الدولة المضيفة لهم خاصة العربية منها، البطالة المنتشرة في صفوفهم، المجازر، التي ترتكب ضدهم من إسرائيل والدول المضيفة، حماية مخيماتهم المؤقتة من قوى الشر المتربصة بهم.... إلخ.
غير ان الموضوع، الذي يطرح بين الفينة والاخرى كلما توترت المواقف، وارتفع منسوب الحل السياسي ولو لفظيا، هو موضوع التعويض، الذي تريده الدول المضيفة عن إقامة اللاجئين على ارض هذه الدولة او تلك. وكأن تلك الدول خسرت بوجود ابناء الشعب الفلسطيني على اراضيها؟!
بالتأكيد من حق الدول الشقيقة والصديقة، ان تحقق مكاسب لموازناتها من القوى الدولية حتى لو كان الامر يتعلق بموضوع اللاجئين الفلسطينيين. لكن المنطق القومي والانساني يقول، انه في حالات الحروب والمصائب هنا أو هناك يستطيع العربي من هذا البلد او ذاك أن يلجأ لاراضي الدول الشقيقة بما لا يؤثر على الوضع الامني والاقتصادي سلبا، ومن حق الدول المضيفة، ان تستفيد من الدعم المالي والاغاثي من الدول الغنية الشقيقة والصديقة ووكالات الغوث الاممية. لكن ليس للحد، الذي يؤثر على حقوق ومصالح هؤلاء أو اولئك من اللاجئين العرب.
واذا توقف المرء امام موضوع اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المختلفة، فإنهم اولا كانوا نتاج مؤامرة شارك فيها اهل النظام العربي الرسمي قبل واثناء وبعد نكبة العام 1948؛ ثانيا على فرض انهم كانوا في البداية عبئا على هذه الدولة او تلك، غير انهم بمواصلة العيش على اراضي الدول المستضيفة لهم، كانوا رافعة لاقتصاد تلك الدول، وساهموا بطاقاتهم البشرية والمالية وخبراتهم وكفاءاتهم المتعددة في نهضة الدول، التي عاشوا بين ظهرانية شعوبها الشقيقة؛ ثالثا بعض الدول ارتكز اقتصادها على الاقتصاد الفلسطيني، حيث تم اتخاذ سلسلة من الاجراءات والحوافز لنقل المصالح والاموال الفلسطينية لمدن وشعاب تلك الدول. رابعا حتى النكبات اللاحقة، التي طالت ابناء الشعب العربي الفلسطيني في المهاجر والشتات، كانت نعيما ووفرا اقتصاديا على العديد من الدول العربية.
إذاً على الدول المضيفة عندما تطرح موضوع التعويضات، ان تدقق في هذا الجانب جيدا جدا، وألا تنسى نفسها كثيرا، وتبقي عيونها مفتوحة، ولا تضع رأسها في الرمال لتتناسى الخدمات الجليلة، التي قدمها اللاجئون الفلسطينيون لها ولاقتصادها.
كما ان الضرورة تملي التوقف عن طرح هذا الموضوع، لاسيما وان أفق الحل السياسي مازال بعيدا، وبالتالي لا يجوز الخلاف على "جلد الدب قبل اصطياده !" وان كان من الضروري البحث في موضوع تعويض اللاجئين عن معاناتهم واستثمار اراضيهم واملاكهم وسرقتها ونهبها من قبل المستعمرين الصهاينة، فإن التركيز يفترض ان يتم على حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وليس تعويض الدول، ليس هذا فحسب، بل على الدول، التي استفادت من الفلسطينيين في نهضتها ان تدفع تعويض لهم عن تلك النهضة، التي ساهموا بها في اقتصادياتها.
القيادة والشعب العربي الفلسطيني لا يمكن ان يبخلوا على اشقائهم العرب، اي كانت جنسياتهم وبلدانهم بكل ما يفيد تطور تلك الدول والشعوب، لان ذلك يصب في المصالح العربية المشتركة، وسيحرص الفلسطينيون على الوقوف الى جانب الاشقاء على امتداد الوطن العربي، ولن يبخلوا بما يملكون على اشقائهم، ولكن على الاشقاء ان يتريثوا قليلا في طرح موضوع التعويضات، وان ينظروا لمصالح اشقائهم الفلسطينيين بذات النظرة، التي ينظرونها لمصالحهم.
صناعة الاعلام
بقلم: د. أسامة الفرا
ما هي القناة الفضائية الأكثر مشاهدة؟، ما هي الصحيفة الأكثر قراءة؟، قد تبدو مثل هذه الأسئلة سطحية لا نعيرها القدر الكافي من الأهمية، وعادة ما نمر على نتائج استطلاعات الرأي المتعلقة بذلك مرور الكرام، ومقياسنا الوحيد في فهمنا للنتائج له علاقة بالمصداقية التي تتحلى بها وسائل الاعلام، بمعنى أن القناة الفضائية الأكثر مشاهدة لا بد وأن تكون الأكثر مصداقية، وكذلك الحال مع باقي وسائل الاعلام المختلفة، ورغم أن استطلاعات الرأي أحياناً ما تأتي بنتائج على غير المتوقع تتحول لدينا لمسلمات قد يدنوها بعض الشك، الا أننا نستند عليها في قياس توجه الرأي العام.
قديماً كانت وسائل الاعلام محدودة العدد ومساحة انتشارها الجغرافي مقننة، وبالتالي لم تحظ المنافسة بينها بأهمية تذكر، اليوم ومع امتلاء الفضاء بالمعلومة عبر وسائل الاعلام المختلفة باتت المنافسة فيما بينها حرباً ضروساً، لا تتعلق فقط بتأثيرها في خلق الرأي العام وتكييف المعلومة بالشكل الذي تخدم السياسات القائمة عليها وسائل الاعلام، بل لما لذلك من أهمية في ترس عجلة صناعة الاعلام، السنوات القليلة الماضية تحول فيها الاعلام الى صناعة يمتزج فيها الاقتصاد بالسياسة، وتغزو بمنتجاتها السوق حالها كحال المنتج الصيني الذي بات يتواجد في كل ركن من حياتنا، بعضها يحمل من الجودة ما يثير الاعجاب والكثير منها من الفئة الرخيصة قيمة وأهمية وجودة.
مؤكد أن ما يعني المشاهد بالمقام الأول المصداقية التي تتحلى بها وسيلة الاعلام، والمصداقية هنا لا تتعلق بالحقيقة فقط بل كذلك بقدرة الصناعة الاعلامية على تقديم منتجها بالشكل الذي يقنع المواطن، وكون الاعلام تحول بقوة في السنوات السابقة لصناعة جذبت اليها أصحاب رؤوس الأموال، فمن البديهي أن يكون السوق هو محط اهتمامهم، وبالتالي كل مؤشر له علاقة بالتسويق ومؤثراته يستقطب الاهتمام البالغ، ولا يمكن لمالكي الصناعة أن يمروا عليه دون تمحيص وتدقيق.
قبل أن تنشر مؤسسة “ابسوس” للأبحاث التسويقية المبنية على استطلاعات الرأي تقريرها المتعلق بالفضائيات الأكثر مشاهدة، ثارت الدنيا ولم تقعد داخل المؤسسات الاعلامية بمجرد تسريب للنتائج التي خلص اليها استطلاع الرأي، الثورة على مؤسسة “ابسوس” لم يكن لها علاقة بما تحمله النتائج من مؤشر على مصداقية القنوات الفضائية، ولا بقدرة هذه القنوات على ملاحقة الأخبار وحياديتها في ذلك، بل لما للنتائج من انعكاسات على المادة الاعلانية في هذه القنوات، فمن الطبيعي أن تذهب الاعلانات الى القنوات التي تحظى بأكبر نسبة مشاهدة، ليس فقط من حيث الكم بل والقيمة ذاتها، والاعلانات اليوم لم تعد كما في الماضي تغطي جزءاً من التكاليف، بل أنها تتجاوز التكاليف لتصب في صندوق المكاسب المادية، وبالتالي بات محرك التشكيك في نزاهة المؤسسة والنتائج التي خلصت مبنياً على علاقتها بوكلاء الاعلانات لبعض القنوات الفضائية، وطبيعي عندما يتعلق الأمر بمساحة الربح والخسارة المادية لا بد وأن يثور القطاع الخاص.
بغض النظر ان كانت النتائج التي خلصت لها المؤسسة دقيقة أم غير ذلك، فمن المؤكد أن الاعلام تحول الى صناعة لا تتوقف مهمتها عند تقديم المعلومة وما تحققه من مكاسب لجهات معينة من خلال صياغة رأي عام، وقدرتها الفعالة في التأثير على رسم السياسات العامة للدول، ومنافستها لصناعة الاسلحة خاصة بعد أن استطاعت أن تحقق ما عجزت عنه الترسانات العسكرية، بل بجانب ذلك كله رغم ما يحمله من قوة نفوذ تتخطى بكثير مكانة الصحافة كسلطة رابعة، بات من المؤكد أن مفهوم الربح والخسارة المادي والسياسي قبل الأدبي يتحكم في مفاصلها.