Haneen
2014-12-18, 11:27 AM
تهويد القدس يستمر من قلبها إلى أطرافها
بقلم: حديث القدس – القدس
قراءة سياسية راهنة في ظل فن الممكن ....
بقلم: يونس العموري – القدس
مروان البرغوثي أمام زنزانة نيلسون مانديلا
بقلم: بقلم :عيسى قراقع - القدس
هل يستطيع كيري تحويل فلسفته الى واقع؟؟
بقلم: بقلم : الدكتور عيسى – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image007.jpg
عـيـون الأكـاسـيــا ؟
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
"فتح" / "حماس" : الأزمة داخلية والمأزق خارجي !
بقلم: رجب أبو سرية – الايام
الشعوب العربية تدير ظهرها للإسلاميين!
بقلم: محمد ياغي – الايام
سورية: هل من جديد!؟
بقلم: هاني عوكل – الايام
العزلة والتعنت الإسرائيلي!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image009.jpg
تغريدة الصباح - الحب والوطنية في "فالنتاين"!
بقلم: عدلي صادق – الحياة
الاستعداد لما هو أكبر !!!
بقلم: يحيى رباح – الحياة
خطر سياسة الدحرجة
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
الشيخ والقس
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
موسكو وواشنطن: تحولات في الأدوار؟
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
تهويد القدس يستمر من قلبها إلى أطرافها
بقلم: حديث القدس – القدس
عملية التهويد التي تجري في القدس منذ الاحتلال عام 1967 ما تزال متواصلة بنفس الوتيرة. وهناك ما يشبه المخطط المرسوم لمنهجة العملية وتسلسلها. ففي قلب المدينة تتواصل عمليات الاستيلاء على البيوت والعقارات العربية التي سكنتها ،وتسكنها، عائلات فلسطينية منذ مئات السنين.
ويقتحم المستوطنون منازل وأحواشا لعائلات مقدسية معروفة مدعين ملكيتها، هذا في الوقت الذي تشهد فيه الوثائق وسجلات الطابو أن هذه البيوت لم يجر عليها بيع ولا شراء، وبالتالي فإن مزاعم المستوطنين ما هي إلا وسيلة لسلب هذه العقارات تحت غطاء قضائي متحيز، وفي ظل الهيمنة العسكرية الاسرائيلية.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن إغلاق المدينة في وجه المواطنين الذين يعيشون في محيطها بالضفة الغربية أدى إلى ما يشبه الشلل في الحركة التجارية التي كانت تعتمد على تدفق هؤلاء المواطنين لقضاء مصالحهم وزيارة أقاربهم، وأداء الصلاة في المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، وزيارة كنيسة القيامة وغيرها من الكنائس في ما يتعلق بالمسيحيين.
وتركز السلطات الاسرائيلية جهودها منذ عدة سنوات على أطراف المدينة المقدسة :فقد أقامت حول المدينة حزاما استيطانيا من جهاتها الثلاث المتماسة مع امتدادها في الضفة الغربية، مانعة بذلك أي توسع عمراني مقدسي نحو هذه الجهات، ما جعل المدينة المقدسة نوعا من الجيوب المغلقة، خصوصا مع إقامة جدار الفصل الذي أكمل الخناق والعزلة حول القدس الشرقية تماما.
وبعد إحكام الطوق حول القدس تواصلت عملية التهويد، وتركزت في مختلف أحياء المدينة جنوبا وشرقا وشمالا. وكانت الهجمة على أحياء سلوان وراس العمود حيث أقيمت أكثر من نواة استيطانية وسط التواجد الفلسطيني السكني المكثف.
وهذه البؤر الاستيطانية أثارت وما تزال تثير احتكاكات وتوترات في هذين الحيين، كان من الممكن تفاديها لو أن السلطات الاسرائيلية حالت دون إقامتها منذ البداية.
وما تزال الأطماع الاستيطانية في حي البستان ومشروع الحديقة التلمودية تؤرق المواطنين في هذا الحي الذين يتهددهم خطر هدم عدد من بيوتهم، وتشريد سكانها من الأطفال والشيوخ والنساء.
وفي حي الشيخ جراح تم خلال الأعوام الأخيرة استيلاء المستوطنين على عدة منازل في الحي، وإخلاء السكان العرب من هذه المنازل، وأصبح الوجود الفلسطيني فيه مهددا مع تزايد الإخطارات بالإخلاء، ومع مشاريع البناء الاستيطانية الكبيرة، خصوصا في كرم المفتي الذي استولت عليه السلطات الاسرائيلية بذرائع سياسية ليس لها علاقة بالقانون ولا بحقوق عائلة الحسيني التي لم تتوقف عن المطالبة بها.
وفي هذا السياق فقد تحدثت الأنباء عن مخطط أقرته بلدية القدس لإقامة مشروع استيطاني ضخم في هذا الحي، يتم من خلاله بناء مدرسة دينية وكنيس بارتفاع تسعة طوابق ومركز تهويدي على مساحة أربعة دونمات من أراضي الحي ذي الموقع الاستراتيجي، والأهمية البالغة للفلسطينيين.
لقد وصل الوضع في المدينة المقدسة إلى نقطة اللارجوع، ولم تعد عملية التهويد خافية على أحد. ومن واجب كل الجهات الفلسطينية والعربية والدولية التدخل لدى اسرائيل، ومن خلال المنظمات الدولية، للمحافظة على التواجد الفلسطيني في القدس، ووقف الإجراءات الاستيطانية فيها قبل أن يفوت الأوان وتضيع الفرصة- إن لم تكن قد ضاعت بالفعل منذ وقت طويل.
قراءة سياسية راهنة في ظل فن الممكن ....
بقلم: يونس العموري – القدس
ما بين فن الممكن وفن المستحيل تكمن الحكاية الفلسطينية بكل فصولها، حيث باتت عبارة فن الممكن وتحقيق الممكن من خلال المسيرة التسووية هي الشغل الشاغل لقادة الرأي والموقف الفلسطيني، وإنجاز وتواصل التهدئة بالشطر الأخر من الوطن من خلال الممكن لترسيخ الحكم العقائدي بقطاع غزة اساس فعل قادة وامراء حماس. وسياسات الممكن قد اصبحت هي الأساس في النهج القيادي الفلسطيني على مختلف توجهاتها وكأنهم قادة لأحزاب في دولة ذات سيادة يحترفون العمل السياسي ....
ومن خلال رصد وقائع الحركة السياسية المعاصرة بكافة مراحلها في الأراضي الفلسطينية المحتلة نلاحظ ان العمل السياسي بكافة دهاليزه وأطره قد اصبح سياسة لفن الممكن حفاظا على مصالح مراكز القوى المتنفذة على مختلف مستوياتها واشكالها، بل ان العمل السياسي قد تحول وفي معظم الدوائر لفن تحقيق الوصول عبر الموقع التنفيذي أو التشريعي الى أعلى المرتبات، وتأمين وظائف للأبناء والأقارب، وتحقيق المصالح ذات الطابع الشخصي والفردي، وحتى المصالح التنظيمية الحزبية على ارضية الحسابات الفصائلية ومصالحها اولا. وإهمال القضايا ذات الاتصال المباشر بالجمهور والتي لها علاقة مباشرة بنبض وجوده واستمراره وتوفير مقومات الصمود والانتقال من حالة ردة الفعل الى حالة الفعل والمبادرة على طريق تحقيق تطلعات وطموحات الجماهير الرابضة في ظل الاحتلال.
وهنا لابد من اجراء مراجعة فكرية سياسية لماهية الواقع المعاش بالظرف الراهن، وهل اصبحت سياسات فن الممكن هي حجر
واعتقد اننا بحاجة لإعادة صياغة مفاهيم العمل السياسي الفلسطيني من جديد على قاعدة اعادة توصيف طبيعة المرحلة ذاتها حيث مقولة ان السياسة فن الممكن قد باتت تتردد على السنة الكثير من الأكاديميين الفلسطينيين والعرب الذين يحترفون دراسة العلوم السياسية وفقا لنظريات سياسية غربية لها اهداف تطبيقية بعيدة المدى على مستوى المنطقة ككل. تصب في خانة استعمار الشعوب والسيطرة على مقدراتها عن طريق فعل التدجين والتهجين للجماهير واحالتها الى حالة شعبوية مستهلكة لكل ما من شانه ان يخدم اهداف ما وراء هذه النظريات الممكنة في اطار سياسات فن الممكن، ومحاولة الإيحاء بأن انجاز التغيير المطلوب وانجاز اهداف عملية التحرير وتحقيق سيادة الشعوب على ارضها وتقرير مصائرها واحدة من المستحيلات وبالتالي يتم دفع الشعوب بكافة قواها وفعالياتها الحية نحو العمل السياسي ضمن هوامش فن الممكن تحقيقه من خلال هكذا نظريات مصممة على مقاسات انظمة الحكم المتناغمة ومصالح رعاة المنطقة وبالتالي مشاريعها.
الا ان الحالة الفلسطينية من المفروض انها مختلفة ولا اساس لنظريات سياسات فن الممكن في اجندة التعاطي السياسي والقضية الفلسطينية ذاتها، على اعتبار انها قضية تخضع لمنطق الصراع بين الظالم والمظلوم، ما بين الاحتلال والجماهير الفلسطينية التي أبدعت وأبتدعت كل أشكال الفعل والفعل المقاوم، وكانت ان أطرت ذاتها في بوتقة الفعل الكفاحي من خلال انجاز الإطار الثوري الذي اعتمد النظرية الثورية ذات الطابع النضالي كأسلوب للتصدي لسياسات الاحتلال ومحاولته طمس هوية الحضارية العروبية، وبالتالي اعتمد على فنون العمل الثوري والذي ما كان يوصف بفن المستحيل. وما بين فن الممكن وفن المستحيل خضعت فصول الحكاية الفلسطينية للشد والجذب. والمستحيل هنا ليس المقصود به استحالة تحقيق اهداف الشعوب بل انها عملية تغيير شاقة للواقع السيء المُعاش، حيث ان انطلاق العمل الثوري واعلان حالة العصيان وبكافة السبل والوسائل الممكنة والمتاحة في وجه الاحتلال وسياساته يعتبر الطريق الوحيد التي على الشعوب السير فيه ومن خلاله، والا فإن مصيره سيكون ضياع هويته وطمس معالم وجوده الانسانية والحضارية.
وغالبا ما يكون الظالم (الاحتلال) ذا قوة مادية جبارة وغالبا ما يكون المظلوم (المُحتل) ضعيف الحال المادي وحيث ذلك فإن عبارة السياسة فن الممكن تعطي المظلوم جرعة من الجبن والتخاذل كي يكسر إرادته للظالم ويستسلم له، لكن إذا ما حسبنا الإمكانيات الروحية للمظلوم فنجد أنها هائلة لأن إحساسه بالظلم له رد فعل عكسي حسب القانون الثالث لنيوتن (لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه) أي أن المظلوم يملك بحسب القانون المذكور طاقة روحية (تتحول إلى طاقة مادية) تعادل طاقة الظالم القوي الجبار.
إن عبارة السياسة فن الممكن!!؟؟ قامت عليها كل الاتفاقيات السياسية للأمة من اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل واتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل إلى اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وأخيرا صناعة وصياغة التهدئة بقطاع غزة. وما خفي لربما يكون الأعظم ....
وبالعودة لسياسة الحسابات الدقيقة في مفاهيم فن الممكن وتحقيق الانجازات من وراءها وفن المستحيل وتحقيق المُراد من خلاله نلاحظ ان حزب الله مثلا واجه إسرائيل في الحرب السادسة 2006 وخاض معها حربا مدتها ثلاث وثلاثين يوما كسر فيها شوكة جيش الدفاع الذي لا يقهر الذي كان يدوس على بطون عشرين جيشا عربيا متخصصين في قمع مواطنيهم بالأساس. حينها لم يحسب حزب الله فن الممكن ولو حسبها لاستسلم ولن يلمه أحد، وكذلك عبد الناصر عام 1956 لو حسب فن الممكن لما أمم قناة السويس وواجه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وسطر ملحمة تاريخية بدماء أبطال بورسعيد وأبطال الشعب المصري، كذلك لم يحسب ياسر عرفات فن الممكن عندما واجه الجيش الإسرائيلي المنتصر قبل عام في معركة الكرامة عام 1968 حيث انهزم الجيش الإسرائيلي. ولم يحسب كذلك فن الممكن في مفاوضات كامب ديفيد حينما قال اللا بحضرة سيد البيت الأبيض ورفض اطروحات التسوية السياسية.
وفي ذات الاطار فان الواقع السياسي الراهن ينذر بما يسمى بالاطروحة الاوسلوية الجديدة والمسماه باتفاق الاطار الجديد وفقا للتسمية السياسية الحالية لخطة وزير خارجية البيت الابيض كيري وهي الخطة المعتمدة اصلا على سياسة فن الممكن انجازه هذا الممكن في ظل الوقائع الفلسطينية الراهنة وحساباتها والحال العربي والاقليمي السائد في المنطقة ... واذا تأتي هذه الخطة ووفقا للتسريبات لتؤكد من جديد على حقيقة الانحياز الامريكي الواضح اتجاه المصالح العليا للدولة العبرية بشكل او باخر.
مرة اخرى اعتقد ان الحالة فلسطينية بحاجة الى ثورة على وقائع وتفاصيل سياسات فن الممكن الراهنة التي باتت مسيطرة على العقل القيادي الفلسطيني وفلسفته اتجاه مختلف قضايانا الأساسية والجوهرية وبهذا السياق لابد من اعادة تموضع جديدة لفن الثورة والمقاومة ونبذ قوانين احتراف العمل السياسي ودهاليزه التي اصبحت تثقل كاهل قضيتنا وتحملها ما لا يمكن احتماله كالإلتزام بقوانين العمل السياسي الدبلوماسي واصوله.
إن عبارة (السياسة فن الممكن)هي جزء من سياسات القوى الاستعمارية لضمان الخنوع والاستكانة لأجندتها في سبيل انجاز التخاذل والاستسلام . واطفاء جذوة المقاومة بكافة اشكالها.
مروان البرغوثي أمام زنزانة نيلسون مانديلا
بقلم: بقلم :عيسى قراقع - القدس
ألم اقل لك يا أبا الإنسانية ، ومحرر المضطهدين من نير العبودية والعنصرية أن واحدا منك يكفي شعب فلسطين ليتألق عاليا في سماء حريته، ويضع كل سجاني وجلادي العالم في قفص الاتهام أمام حشود الضحايا النازفة الناهضة من آلامها وقبورها لتجدد حياتها كاملة.
وقال مروان البرغوثي الواقف أمام زنزانة المناضل الكبير المرحوم نيلسون مانديلا خلال إطلاق الحملة الدولية لإطلاق سراحه في جنوب أفريقيا وبحضور شخصيات دولية وأسرى محررين وممثلين عن الأحزاب المختلفة يوم 25/10/2013 : أن روح مانديلا تتفجر في أعماق آلاف الاسرى الفلسطينيين المعتقلين في الزنازين والمعسكرات ، يقتربون من خلاله إلى أقصى درجات الحرية، بل أن اسم مانديلا هو الاسم السحري لحتمية انتهاء عهود الاحتلال والاستعمار في العالم.
وقال :جئتك من فلسطين المجروحة عميقا إلى جزيرة "روبن ايلاند" حيث احتجزت 27 عاما لأقول لك: كما أنت نجحت في امتحان المعجزة الثورية بإسقاط نظام الابرتهايد البشع، وجلبت لشعبك العظيم الحرية والديمقراطية والمصالحة والسلام، فنحن لا زلنا في امتحان المعجزة الفلسطينية صمودا على حواجز عسكرية قاتلة ، وصمودا في حماية شجرة يقتلعها المستوطنون بلا رحمة، وصمودا في حماية تاريخنا وأسماءنا من العبرنة والحفريات وتشويه المكان.
جئتك من زنزانة رقم 28 في سجن هداريم الإسرائيلي بعد 12 عاما من اعتقالي لأكشف لك عن تلك المسرحية الإسرائيلية التي تؤسس السلام على استحضار شبح من أجل الاحتفال بتغييبه حقوقا وشرعية ، مما يجعل هذه المسرحية خالية من أي شيء ، الأرض خالية منا بعد أن حل مكاننا مستوطنون عتاة، والسلام خال منا بعد أن حشرنا في أقفاص متباعدة وضيقة.
سأقول لك ما قلته أنت يوم تحولت إلى رمز للعدالة في محكمة الظالم ممثلا للمثل العليا للحرية والعدالة والديمقراطية : بأننا الشعب الفلسطيني سنواصل المقاومة حتى في قلعة العدو، وداخل معسكراته حتى تسقط جدران الاحتلال ، وحتى يفوق ويعود إلى نفسه إذا أراد أن يتحرر من الانغلاق ومن هاجس البندقية.
لقد أمضيت مدة طويلة في هذه الجزيرة المعزولة وداخل زنزانة رطبة بمقاس 8 أقدام في 7 أقدام، وقضيت سنوات طويلة في كسر الصخور في المحاجر، لأنقل لك تحيات آلاف الاسرى الفلسطينيين الشهداء والأحياء، مرضى وأطفال ونساء وكبارا في السن، تحيات شعب كسر السلاسل مرارا بأرواحه وأجساده ، يحيا بعد الموت، ويحوّل موته إلى حياة أخرى، لا يتعب ، يسير على خطواتك عندما سقط نظام الفصل العنصري وجاء كل العالم يفتح الأبواب المغلقة عليك.
أيها القائد الذي أعطى الشعوب المعذبة ترياق الأمل، وأعاد للمقهورين ابتسامتهم الغائبة ، انهض قليلا ونبه قادة تل أبيب أنهم يسيرون نحو الزوال والانقراض الإنساني، وأن عليهم إعادة قراءة تاريخهم ووجودهم على هذه الأرض باعتبارهم وجودا غير شرعي ، وأنهم أصيبوا بالجنون الفوق عنصري عندما يطالبون الاعتراف بتحويل ديانتهم اليهودية إلى قومية، محلقين في اللاهوتية العدائية التي لا حدود لها في شطب الآخرين.
أمام زنزانة مانديلا التي زينتها صورة مروان البرغوثي ظل صوت مروان يصدح عاليا، مفعما باشرا قات الفرح، محتفلا بالحرية في بلد الحرية كأنه في القدس يتحرر من الحاضر إلى الغد بنبوءة واضحة المعاني تقول: بأننا لا ننافس العالم كضحايا ، بل ننافس العالم كبشر عاديين استطاعوا أن يجردوا الجلادين من بطولاتهم الوهمية.
مروان البرغوثي يتحرك في زنازين سجن روبن آيلاند، هنا سقطنا ، هنا نهضنا، هنا شبحنا، وهنا سال دمنا، وهنا عزلنا ، وهنا جرى قمعنا بالرصاص والغاز السام، هنا صرخنا وأنشدنا وتوحدنا، وهنا أيضا كنا قادرين على إثبات حضورنا الحيّ، متحررين من عقدة الخوف، ومتيقنين أن النهار يتسع لنا جميعا، يقترب من أبواب الحديد ليطرد الظلام والظالمين.
هنا نظام ابرتهايد عسكري وجغرافي وثقافي، ولم يبق فلسطينيا إلا ودخل السجن وحفظ أسماء السجانين منذ معتقل صرفند حتى إسطبلات الفارعة ، فالظلم واحد، والجلاد واحد ، وللحرية أيضا نشيدا واحدا تشاركنا فيه الأرض والسماء.
مروان البرغوثي يعانق نيسلون مانديلا حاملا روحه ونبضات عروقه العنيدات، يتلفت إلى كل الجهات، تصده أقسام السجون وتفتيشات وآهات، ما اطول الرحلة وما أقرب الفرحة، يقول مروان البرغوثي وهو يراقب عودة قدامى الاسرى من بوابة السجن إلى بوابة رئاسة الدولة في ذلك الفجر الابيض.
مروان يطمئن مانديلا : لا تخش علينا، أشجارنا عالية تنام أغصانها في فم العاصفة، عرق بشري في حجارتنا ، شمسنا عمودية دائما، رائحة ضوء في قمحنا، البئر ملآن، شهوتنا للحياة أقوى من الموت وإن خذلتنا ضمائر العالم أحيانا، مسيحنا قام وأضاء شجرة الميلاد، لا تقلق نحن على موعد مع النصر الإنساني وليس مع الخسارة، سائرون إلى الحقيقة وهم سائرون إلى الخطيئة.
يردد مروان ما قاله مانديلا: الجبناء يموتون مرات عديدة قبل موتهم والشجاع لا يذوق الموت إلا مرة واحدة، ونحن لن نقتل أنفسنا، ولن نضيق خياراتنا في الحياة والسلام، ولن نوقع على اتفاق لتأجير وطننا لنا كعبيد سخرة، ونحن الشعب الوحيد الذي أدمن الحضور الكثيف في الغياب، ولمانديلا وروحه الطاهرة هذا العهد وهذا الحلم والوفاء.
هل يستطيع كيري تحويل فلسفته الى واقع؟؟
بقلم: بقلم : الدكتور عيسى – القدس
هناك قاعدة فلسفية وعلمية ومنهجية ذهبية تقول : " لكل سياسية نهج ومنهج وبرنامج اجرائي وفكرة عملية للتطبيق ، وليس لكل فلسفة او فكرة مكان للتطبيق العملي السياسي " . نعم لكل فعل سياسي فكرة مجردة واخرى عملية تطبيقية تخدم نفسها ومحيطها ، وليس لكل فكرة تنزل من سماء ادمغتنا مكان لها في الوجود الفعلي .
ما الذي يجعل فكرة تنبت وتعيش وتترعرع واخرى تموت وتتلاشى وتنهار ؟ وما هو المحدد الانسان حامل الفكرة ام البيئة المحيطة ام تفاعل العقل مع الواقع ؟ وما الذي يجعل فكرة شخص ما تنجح وتدفع بفكرة الاخر الى الفشل والتلاشي ؟ هل هي الارادة لدى المفكر وفاعلية الفكرة والقوة الدافعة لها والبرنامج العملي والخطوات والاجراءات على الارض والتفاعل بين كل العوامل المكونة لها ولروحها ؟ هل السيد كيري يملك الملكات الذاتية والشخضية والعوامل الموضوعية من قوة وتاثير ونفوذ لتحويل فكره وفلسفته الى واقع سياسي مستقبلي معاش ؟
هذا الامر محل دراسة وترقب وتحليل ، ولا يمكن له الحدوث الا على مراحل ووفق زمن طويل وتوزيع المكاسب على جميع الاطراف وتلبية مطالب وحقوق وثوابت بتضافر مجموعة كبيرة من دول العالم وبصبر وهدوء وحكمة ونوع من العدالة والواقعية والتسويات في مسائل معقدة مثل القدس وحق العودة والتعويض .....الخ .
هذا الامر يطول شرحه نظريا ، والمهم ان لا يعمل كيري في المجال النظري وعليه ان يعرف كيف يبني واقعا حتى لو كان صغيرا اول الامر ويشيد عليه ( وفق نظرية دعنا نعمل ونرى الامريكية ). كيري يستطيع ان يحول فلسفته الى واقع اذا احسن التصرف بزمنه وادواته وقوته وحكمته وصبره وجلده ونفوذ بلده وخبرة زملائه وعلاقاته الاكاديمية والاعلامية والامنية والمالية .......الخ
نقول دائما أن فلان صاحب نظرية أو فكر أو فلسفة، أو عقيدة، أو مبدأ وفق التاريخ السياسي الأمريكي، وفلان هنا ليس رجل عادي أو شخصية عابرة بل انسان ذو عزم وارادة وفكر وجهد وعمل شاق ومتواصل ، ولا شك ان السيد كيري رجل مثابر وذو حنكة ومقدرة ودراية وارادة وعليه الاستمرار دول الذهاب الى القضايا الحساسة والمعقدة قدر الامكان ؛ وعليه خلق حقائق على الارض كما حصل مع خروج الاسرى العمداء .
التاريخ الحديث مليئين بمثل هذه الشخصيات المثابرة والجادة والحازمة والمستنيرة ؛ الى الحد الذي يمكن القول فيه ان هؤلاء كانوا المحرك الجبار لحياة مجتمعهم وشعوبهم ودولهم دون شك ؛ ومن يريد ان ينجح عليه ان لا يغادر العملية بكل مشاقها ومتاعبها .
يمكن لنا القول ان هناك مجموعة من العوامل الفلسفية والنفسية والسياسية والفكرية تساهم في نجاح شخصية في احداث تغير في الحياة المجتمعية والسياحية والفكرية والسياسية . ان احداث التغيير في حياة الشعوب ليس بالامر السهل بل أمر غاية في التعقيد وبحاجة الى ارادة ونفس وروح وعقل وقوة ومثابرة وجهد متواصل. هل العوامل السابقة موجودة في شخصية وزير الخارجية الأمريكي ؟؟ مبدئيا نقول نعم ، فالرجل جاد ومثابر لا يعرف الكلل أو الملل رغم كبر سنه من ناحية ؛ ويأس زملائه وتاريخ بلده من الصراع العربي الاسرائيلي عامة والصراع في فلسطين خاصة.
من المهم بمكان أن نعرف ونحلل مغزى ذلك وتاثيره على العملية التفاوضية . أن كيري أدى اليمين الدستورية في الأول من شهر شباط 2013، لتولي منصب وزير الخارجية الأمريكية الثامن والستين ، ليكون أول رئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ يتبوأ منصب وزير الخارجية منذ أكثر من قرن من الزمن، ودلالة ذلك تكمن في أنه فتح ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي فور تسلمه المنصب رغم كل نصائح محيطه بعدم التعاطي جديا مع هذه القضية المعقدة والشائكة والمرهقة والتي أخذت من وقت الولايات المتحدة الكثير !! ( هذا يعطي انطباعا مبدئيا ان الرجل اختار الصعب والمعقد والشائك من اجل مصالح بلده في المنطقة وهذا امر يحسب له ولدبلوماسيته ).
أمر آخر مهم وبحاجة الى تنويه (أصبح كيري وزيرا للخارجية بعد قضاء 28 عاما في مجلس الشيوخ الأميركي ، وكان خلال الأربع سنوات الأخيرة منها رئيسا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ..........بل انه كان على مسافة قريبة جدا من كرسي الرئاسة ) ، وهذا يعطينا انطباعا اخر وخلاصة منطقية وعلمية أن الرجل يعرف تماما ماذا يفعل على عكس حديث الحكومة والشعب والاعلام الاسرائيلي ( انه لا يعرف ماذا يفعل !!)
صدر كلام مسيئ للرجل وبشكل شخصي من قبل الشعب الاسرائيلي وحكومته رغم أنه وضع كل مصالح اسرائيل الاستراتيجية في تفكيره وعمله ومشروعه ،الأمر الذي دفع برجل مخضرم أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه الى فضح " افكار كيري الاسرائيلية " بالقول "أنه لا يمكن قبول الأفكار التي طرحها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في اطار بحثه عن وضع خطة اتفاق اطار مع اسرائيل .... ان الفلسطنيين لا يمكنهم قبول أفكار الوزير كيري التي تجعل موعد بدء وانتهاء الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية مجهولا" . نعم ، معه حق اخي ابوبشار فكيري يراهن على المجهول وربما يقول ان الشعب الفلسطيني لا يقرأ المجهول او لايهتم به او ان العرب لا يعرفون قيمة المستقبل ..... من يعرف !!!.
والى جانب المجهول يدخلنا كيري في الغامض والمبهم وغير المحدد والدقيق وهذا امرا مقصود وله غاية بلا شك : " أن أفكار كيري تعطي الفلسطينيين صيغا عامة وغامضة حول مصير مدينة القدس التي يريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم القادمة كما تريد اقتطاع منطقة الأغوار بحجة الأمن الى جزء من دولة اسرائيل ". وفي علم السياسية وعلم القانون كثير من الامور الغامضة تحل مشكلات واضحة وبينة ؛ وتترك الافتاء والتاويل والتفسير المتعدد يرضي الجميع .
الخطير في افكار كيري وفلسفته " أن أفكار الوزير الأمريكي تريد كذلك الغاء أي حق للاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة أراضيهم في 1948 دون توضيح طبيعة المقترحات لحل قضيتهم."
في علم الفلسفة نقول دائما لا توضح الواضح دع الامر تمر واقعيا وعمليا والزمن يصنع حقائق الانخراط في الحياة ينشئ حياة اخرى !! ؛ وهذا ليس موقفي بل انقل ما يدور في عقل كيري وعقول الساسة في الغرب ! وطبعا هذا طرح صعب ومرير وعقيم ، فلا يمكن غض النظر عن حق العودة وعن قضية اللاجئين ، فمشكلة فلسطين بالاساس كارثة لجوء انسانية حضارية لا يمكن ان تنسى حتى على الشعوب والمجتمعات الانسانية قاطبة .
فالقضية الفلسطينية باختصار محدد هي: قضية لجوء انسان وخروجه ظلما من بلده وبيته وقريته وقدس وأرض، فهل يعلم كيري مدى حساسية اللاجئ وارتباطه بمقدسه وتمسكه بترابه ؟.
رغم الرفض الأعلامي العلني من طرفي الصراع لمشروع كيري ، الا أن الرجل يطارد الجميع ويلمح ويكرر ويثابر من خلال الاستقواء بالدول والحلفاء والهئيات الدولية والمؤسسات الاكاديمية الاعلامية والمالية من أجل اخضاع الجميع لفكره ومشروعه وفلسفته ، وهذا جيد اذا لم تحطم فلسفته حقوقنا القانونية و الوطنية والدينية والتاريخية والحضارية ولانسانية .
من حق كيري ان يبني ويحلم بحياة فكره وفلسفته ومشروعه و أن يضيع التاريخ والزمن والمصالح السياسية والامنية والمالية في جيبه؛ لكن بعدل وانصاف وواقعية وتسويات في ملفات قابلة للتسوية .ومن حقه استخدام جميع الادوات من أجل تغيير مستقبل المكان والانسان والفكرة ، بل اقول ربما من حقه استخدام العصا اكثر من الجزرة !!!
ان السيد كيري في فلسفته يناور بالزمن ويتلاعب بالتاريخ ويفتي بالدين ويركب مفاهيم حديثة وجديدة في علم القانون السياسي المفاهيمي ؛ فمرة تسمعه يقول اتفاق اطار وأخرى اطار وثالثة اطار الاتفاق وغير ذلك. يريد كيري أن يخضع الأمن والجغرافيا الى قدرة بلده وحلفائها في تعويض؛ وهذا يعود الى مدى تعمقه في البيئة النفسية للشعب الاسرائيلي والفلسطيني على حد سواء .
واذا اراد كيري ان يسمع لنا فنقول له : لا تكل ولا تمل ولا تتردد ولا تتوقف في عملك تابع فنشاطك مقدر ومشكور ومرغوب . لا تسمع الى حديث نريد دولة مسيحية او يهودية او اسلامية فهذا لعب مع الشيطان وغير حضاري بالمطلق . الملفات المعقدة والحساسة تترك سرية ولا تسمح بالحديث فيها او عنها ؛ استخدم سلاح المال في المنح والمنع ولا تتردد في استخدام نفوذ بلادك.
واخيرا اخلق وقائع جديدة على الارض كل دقيقة و ساعة ويوم ولا تعمل الا للمستقبل .
عـيـون الأكـاسـيــا ؟
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
"الشجر العالي كان نساء/ كان لغة"
محمود درويش
***
المعنى في قلب الشاعر، وما في قلبه على لسانه. المعنى في قارئ الشاعر في عيونه، وما في عيونه على قلمه. شاعر إغريقي عظيم رأى نوار اللوز، فقال: رأيت الله.
.. وأنا رأيت نوار اللوز، وشجرة اللوز ميقات (ساعة بيولوجية) تستيقظ فيها من سباتها الشتوي، سواء إن كان الشتاء شحيح المطر أو مدرار المطر.
الشاعر رأى ما يرى سواه: الشجرة أنثى، والأنثى طفلة عذراء بكر لا تحمل زهراً لا يعقد الزهر ثمراً، أو امرأة ثيّب تحمل زهراً لا يعقد ثمراً، أو امرأة ولود يعقد زهرها ويطرح ثمراً: سنديانة، مشمشة أو هذه الشجرة المسماة أكاسيا.
الأكاسيا شجرة حرجية تعقد زهراً ولا تطرح ثمراً، ونوارها يستيقظ آخر شباط وفي آذار، لكنه يشعّ نوراً أصفر وهّاجاً في نيسان وأيار، كأنه انفجار الأصفر الفاقع.
ليس لي شجرة مفضلة: حرجية كانت أو مثمرة. قد أحبّ نوار اللوز الهش كأنه ثوب زفاف، أو نوار التفاح والأجاص.. لكنني أحببت شجرة الأكاسيا لثلاثة أسباب: أنها شجرة حرجية وارفة تصنع فروعها والأفنان فيئاً واسعاً، وهي شجرة متقشفة في حاجتها للماء، فأوراقها مطلية بما يحفظ رطوبتها، وأزهارها (عيونها) الصفراء الفاقعة تجفّ وتذبل محتفظة بهيئتها كأنها حيّة.. وأخيراً، فهي ناءت بأغصانها والأفنان تحت وطأة ثلجة كانون، حتى انبطحت أرضاً وصنعت ما يشبه "الأيكة" أي الشجر الملتف الكثيف.
لست خبيراً بنطاقات عيش شجرة الأكاسيا، خلاف نطاق عيش شجرة الزيتون مثلاً، أو السنديان، أو هذه "الأرزة" التي تعشق الطقس الميّال للبرودة، ومن ثمّ لا أعرف إن كانت الأكاسيا أصيلة في النطاق الشجري المتوسطي، أو دخيلة عليه وداجنة فيه.
تاجها، جملتها الورقية على أغصانها وأفنانها يشبه تسريحة شعر الإناث الفوضويات، أو شعر الأنثى الإفريقية، أو أسطورة الأنثى "ميدوزا" الشريرة الإغريقية، التي شعرها وكر للأفاعي.
بالفعل، ذكرتني "الأكاسيا"، وبخاصة أزرارها الزهرية فاقعة الاصفرار بعيون الأفعى وعيون هذا الحيوان الزاحف صفراء فاقعة، كما هي مقلة عيون الحيوانات الكاسرة كالنمر المفترس.
أمرّ في "شارع الأيام" ـ رام الله مرتين يومياً: صباحاً وعصراً، وفي هذا الشارع غرست البلدية ثلاث إناث (قصدي شجرات) معظمها صفصاف أو كينيا، وأربع شجرات لا غير من الأكاسيا.
الذي حصل أن معظم شجرات الصفصاف ماتت، أو هي عليلة، ربما لأن التربة لا تناسبها، لكن الشجرات الأربع من "الأكاسيا" المحبة، كما يبدو، لشظف العيش عاشت جميعها، و"نفشت" تاج شعرها.
تحت وطأة سجادة سميكة من ثلجة كانون الأول ناءت شجرات الأكاسيا.. حتى انبطحت أرضاً، وصنعت فيئاً واسعاً، بعضه لا يقل قطر محيطه عن عشرة أمتار. لم تتحطم أضلاعها المرنة، لكن ناءت غضاريف عظمها، والشيء المدهش أن نوارتها الصفراء عقدت، وستتفجر بعد أسابيع زهراً أصفر.
.. أو أن عمال البلدية سوف يضبطون نموها الشيطاني بالتقليم والتسهيل الجائر... وإلاّ سدّت جانباً من الشارع بما يعيق سواق السيارات عن الرؤية الواضحة.
ثلجة كانون حملت مقصاً أو فأساً أو بلطة، وقامت بتشهيل (تقليم) عشوائي خفيف أو جائر، وعمال البلدية قاموا، كما في كل شباط، بعد الثلجة بقص فروع الأشجار الميتة التي انكسرت تحت وطأة الثلج، أو حتى نشروا نصف جذعها وأطاحوا بجملتها الورقية، على أمل أن تنمو جملتها الجذرية وتشب أغصاناً من جديد.
صحيح أن شجرة الزيتون هي بعض ما كان يعني الشاعر فهي ولو كانت ليست عالية، تزهر باستحياء ثم يعقد زهرها ثمراً.. لكن ربما على تلال هذه الضفة التي يحمي هذا "النتش" تربتها من الانجراف بماء المطر، يمكن زراعة أشجار حرجية مثمرة (خروب نافع) أو غير مثمرة ثمراً نافعاً (بلوط مثلاً) أو مزهرة بلا ثمر مثل الأكاسيا، وجميعها تصنع ظلاً وافراً، وتجذب زهورها الصفراء الكثيفة إليها نحلاً يصنع شهداً ربما يضارع مذاق شهد تصنعه أسراب النحل من زهور أشجار الكينيا.
الأكاسيا ذات عيون شرسة وشهوانية، وإغواء أكثر من عيون النساء اللواتي في طرفها حور.
لم أرَ عيون المها.. ورأيت عيون الأكاسيا.
"فتح" / "حماس" : الأزمة داخلية والمأزق خارجي !
بقلم: رجب أبو سرية – الايام
منذ عام 1994 لم تعد الفصائل الفلسطينية حركة تحرر وحسب، بل هي أو بعضها مارست السلطة، حيث صار لزاماً على الشعب أن يحاسبها على أدائها، وان يطالبها بممارسة الديموقراطية، طالما هي مارست الحكم، وان كانت سلطة منقوصة السيادة، وليست بكامل أو مطلق حريتها، بسبب كونها ما زالت سلطة تحت الاحتلال، بهذا القدر أو ذاك، ولكن حتى سلوكها تجاه الاحتلال، من حق الشعب أن يتابعه وان يحاسبها عليه، لذا ورغم كل ما نجم عن أوسلو من مساوئ، إلا أنه نجم عنها إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، بشكل دوري، وهذا أمر يحدث لأول مرة منذ أن تولت فصائل العمل الوطني المسؤولية السياسية، منذ العام 1996، وإن كان هذا الإنجاز الديموقراطي قد توفر، لنصف الشعب الفلسطيني، أي ذلك الجزء من الشعب الذي يقيم في الأراضي المحتلة منذ عام 1967، اي الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة .
لهذا السبب فإن السلطة تمثل مواطني الضفة والقدس وغزة، فيما تمثل "م ت ف" الشعب كله في الوطن والشتات، المهم في الأمر، انه توفرت للشعب الفلسطيني المقيم في وطنه، ان يقول كلمته في "أوسلو" وفي البرنامج السياسي الذي عاد به الراحل العظيم ياسر عرفات للوطن عام 94، وذلك في اول انتخابات تشريعية ورئاسية جرت عام 1996، ثم كانت انتخابات العام 2006 مناسبة ليحاسب الشعب حركة فتح وحلفاءها السياسيين الذين تولوا المسؤولية، على أداء السلطة خلال عشرة أعوام مضت قبل ذلك، وقد فعل، وأحدث " انقلابا " تمثل بفوز حركة حماس في تلك الانتخابات، والتي مضت عليها عشرة أعوام، بالتمام والكمال، لذا فإن إجراء الانتخابات الرئاسية والعامة، فضلا عن أن البعض يرى فيه إجراء من شأنه أن ينهي الانقسام، فإننا نرى فيه حقا للشعب وإجراء ديموقراطيا واجبا في كل الأحوال، حتى يحاسب الشعب قيادته خلال العشر سنوات التي مضت .
من الواضح بأنه إذا كان أهم ما حدث خلال السنوات العشر الأولى بعد تشكل السلطة، هو فشلها في التوصل للحل النهائي مع إسرائيل كما كان مقررا في عام 1999، وسوء الإدارة والفساد المالي، فانه يسجل الآن أن أسوأ ما حدث خلال العشر سنوات التالية هو الفشل في إقامة نظام الشراكة السياسي، وحدوث الانقسام، إضافة الى الفشل في تحقيق تقدم على صعيد إنهاء أو على الأقل انحسار الاحتلال الإسرائيلي، وفي هذا الشأن يتحمل طرفا السلطة المسؤولية، وأن كان ذلك بدرجتين متفاوتتين، فـ "حماس" مسؤولة عن فشل إقامة نظام الشراكة وعن إحداث الانقسام، و"فتح" مسؤولة عن العجز في التصدي للانقسام، وكذلك عن التعثر في التصدي بشكل أكثر فاعلية للاحتلال، وإنهائه، إن لم يكن بالمفاوضات، فبالمقاومة الشعبية، وربما لأن لـ "فتح" مشاكلها أيضا، رغم التحسن الذي طرأ على أوضاعها الداخلية بعد مؤتمرها السادس الذي انعقد في آب 2008، فقد طال عمر الانقسام، ورغم الاستعداد العالي الذي أبداه مواطنو غزة بالذات للتصدي لحكم "حماس"، إلا أن قيادة فتح " للمعارضة " في غزة، وقيادة "حماس" " للمعارضة " في الضفة، أضعف كثيرا من قدرة الشعب على تصحيح الأوضاع الوطنية الداخلية .
وأذا كانت أزمة "حماس" متعددة الأشكال، وتظهر واضحة في فشل خياراتها السياسية التي عقدتها على نجاح تحالف قطر، تركيا، الإخوان في قيادة المنطقة، في كسر الحصار عن غزة، وآخر مظاهره تواري القيادة المركزية للحركة عن الأنظار، وعن تولي مسؤولية إدارة غزة، حيث بات واضحا انها تركت شأن غزة وحتى شأن المصالحة، والشأن الداخلي كله لمنظمتها في غزة، فأن أزمة "فتح" هي الأخرى واضحة في ضعف منظمتها في غزة، حيث ان تتبع التشكيلات القيادية التي جرت عليها عدة تعديلات منذ عام 2007، رغم انه كانت هناك فرصة لإعادة الاعتبار لها وإعادة تشكيلها على أساس كفاحي، دليل على ذلك، ثم أن فتح تواجه ازمة داخلية تتمثل في تجديد قيادتها، وربما كان عقد مؤتمرها السابع، والذي يفترض ان يجري خلال هذا العام يعتبر مناسبة للخروج من مأزق، كون معظم قيادة "فتح" ممن تبقى من الجيل المؤسس والجيل الثاني، الذين تخطوا السبعين من العمر، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية يضع الحركة امام هذا الاستحقاق .
في زيارة الوفد القيادي الفتحاوي لغزة، تبين ان هناك مشاكل داخلية تواجه التنظيم، وان حركة حماس تطالب بتسوية أمور كادرها الوظيفي، والمتمثل في نحو 55 ألف موظف مدني وعسكري في غزة، حيث أن "حماس" تريد ان تضمن أية تسوية للانقسام الحفاظ على المكتسبات الوظيفية لهؤلاء، وربما يكون ذلك على حساب موظفي غزة من الفتحاويين وأنصارهم، الذي انتسبوا للسلطة منذ تأسيسها والى ان سيطرت "حماس" على القطاع .
المهم في الأمر كله ان أزمة "فتح" الداخلية ذات الطابع التنظيمي والتي تتمثل في ضرورة ان يتولى جيل شاب، ربما كان من قيادات ورموز التنظيم في الوطن ممن تتراوح أعمارهم بين الخمسين والستين قيادة الحركة، حيث ان ما يطرح بشأن استحداث منصب نائب الرئيس يعبر عن هذه المشكلة، وهنا يمكن القول بأن هناك ثلاثة مناصب يدور حولها الحديث، رئيس "م ت ف"، رئيس السلطة، ورئيس حركة فتح، وأزمة "حماس" الخارجية والمتمثلة في فشل مراهنتها على الحلفاء، وانكفاء قيادتها الخارجية عن التصدي لمواجهة مشاكل حكمها في غزة، المهم أن ازمتي الحركتين تنتجان مأزقا وطنيا يعاني من تبعاته الشعب الفلسطيني، بشكل مباشر ويؤثر على الحياة اليومية والعامة لنصف الشعب الفلسطيني، وبشكل سياسي بعيد المدى يؤثر سلباً على كل الشعب الفلسطيني، والذي بات عليه _ ربما _ أن ينضم الى الربيع العربي، ليصحح من مساره الوطني، وحتى يحقق طموحاته في التحرر والحرية والاستقلال.
الشعوب العربية تدير ظهرها للإسلاميين!
بقلم: محمد ياغي – الايام
توجد ظاهرة في العالم العربي تستحق أن نتوقف عندها: الإسلاميون في حالة تراجع
بعد أن اكتسح إخوان مصر والسلفيون صناديق اقتراع مجلس الشعب قبل عامين، وبعد الفوز بالرئاسة وموافقة المصريين على الدستور الذي كتبه الإخوان وحلفاؤهم، انقلب الشارع عليهمفي غضون ستة أشهر، وهو ما اعتبره الجيش فرصة للتخلص من حكم الإخوان وحظرهم كتنظيم.
في تونس شعرت النهضة بتراجع كبير في شعبيتها بعد اغتيال زعيمي المعارضة من الجبهة الشعبية، النائبين شكري بلعيد ومحمد براهمي، واضطرت للتخلي عن الحكم حتى لا تدخل في صراع مفتوح مع القوى المدنية قد ينتهي على الطريقة "المصرية".
في سورية، الصراع الدموي داخل جماعات المعارضة، وقيام تركيا مؤخراً بقصف مواقع لـ "داعش" داخل سورية، وتراجع "الغرب" عن دعم المعارضة هي مؤشرات لحالة الفشل التي وصلت إليها المعارضة "الإسلامية".
ليبيا واليمن ليسا بأفضل حالا.. التيارات الإسلامية تتقاتل فيما بينها، وتتصارع في نفس الوقت مع القوى الليبرالية على الحكم.
خلال عملية الاستقطاب الحادة التي تشهدها جميع دول العالم العربي، لا يبدو أن القوى الإسلامية تفوز بتعاطف الشارع..على النقيض من ذلك، يبدو أن القوى الليبرالية التي كانت متحالفة مع الأنظمة القديمة – وليس القوى الثورية- هي التي كسبت من تراجع النفوذ الشعبي للإسلاميين. في تونس، القوة التي استفادت من تراجع "النهضة" هي حركة نداء تونس وهي تمثل فعلياً النظام القديم في شخوصها وسياساتها. القوى الثورية في الجبهة الشعبية وهي تشكيل يضم عددا كبيرا من الأحزاب الصغيرة، كان لها "شرف" إضعاف النهضة، لكنها فعلياً لم تستفد من ذلك. وفي مصر، المؤسسة التي حظيت بالتأييد الشعبي على حساب الإخوان هي مؤسسة الجيش وليست القوى التي تصارعت مع الإخوان.
مناضلو القوى الثورية أصبحوا مثل الإخوان في المعتقلات، والقوى الليبرالية المتحالفة مع الجيش لا تجرؤ حتى على التقدم الى منافسة سباق الرئاسة.. ليس خوفاً من الجيش، ولكن لمعرفتها المسبقة بأن حظوظها في النجاح أمام وزير الدفاع تكاد تكون صفرا. وفي جنيف، اقترحت المعارضة على النظام الشراكة في الحرب ضد "المجاهدين" غير السوريين في حالة التوصل الى اتفاق انتقالي.
كيف نجح التيار الإسلامي في تعزيز مواقع الأنظمة القديمة شعبياً بعد أن أسقطت الشعوب العربية بعضها وكانت تسعى الى إسقاط ما تبقى منها؟ كيف حصلت الردة من الوقوف مع الإسلاميين في صناديق الاقتراع الى الوقوف ضدهم في الشارع وملاحقتهم الى جانب رجال الشرطة كما يحدث في مصر حتى لو كان الثمن هو عودة لنظام قديم، أو لاستمرار القديم الذي لم يسقط؟
الإسلاميون يحبون الحديث عن مؤامرة كونية ضدهم لكنهم لو تواضعوا قليلا لاكتشفوا بأن جوهر المشكلة يكمن في أنهم حاولوا أن يحكموا بعكس ما وعدوا الناس به. والأسوأ من ذلك أنهم حاولوا أن يحكموا بنفس أدوات النظام القديم. لم تر الناس فرقاً بينهم وبين القديم فأدارت ظهورها لهم.
في مصر، بعد سنة من حكم الإسلاميين لم ير الناس جديداً يسمح لهم بدعم نظام الإخوان. السياسات الاقتصادية بقيت منحازة للأغنياء كما كانت أيام مبارك.. ممارسات الشرطة القمعية بقيت على حالها..الطوارئ فرضت على بورسعيد.. وخلال حكم الرئيس مرسي، لم يتوقف القتل المجاني حيث سجلت منظمة النديم ضد التعذيب مقتل 256 مصرياً في مواجهات مع الأمن أو مع الإخوان أنفسهم.. حتى السياسات الخارجية لم يطرأ عليها تغير.. دوائر الأصدقاء والأعداء بقيت كما هي.. لا نقصد من ذلك تبرير الانقلاب العسكري على حكومة منتخبة، ولكن نحاول فقط أن نلقي الضوء على الأسباب التي جعلت الناس لا تدافع عن حكومة انتخبتها عندما حدث الانقلاب.
النهضة في تونس لم تحدث تغيرا يوازي الأمل الذي عقده الناس عليها عندما انتخبتها.. الأسعار ارتفعت، وسياسات "حرية السوق" التي أدت بمئات الآلاف للتهميش بقيت كما هي، وكل ما فعلته "النهضة" هو محاولة حماية الجماعات السلفية وإثارة جدل عقيم حول هوية لا يختلف الناس بشأنها كونهم جميعاً مسلمين خصوصاً في تونس حيث المجتمع طائفي متجانس.
إثارة "النهضة" لمسألة الهوية بلغة التحريض وتقسيم المجتمع بين مؤمنين وكفرة، شجعت أعمال قتل تعرض لها قادة المعارضة وجنود من الجيش من قبل جماعات متطرفة يقال بأنهم من مجموعة أنصار الشريعة. لكن المحصلة، أن تقيم الناس للنهضة قد اختلف. الناس لم تشعر فقط بأن تغيراً حقيقياً في حياتها قد حدث، ولكن التغير النسبي الذي طرأ على حياتهم كان أيضاً سلبياً.
في تونس الناس لم تعرف الاغتيالات السياسية إلا التي مارسها الاستعمار الفرنسي وبورقيبة في بداية ستينيات القرن الماضي ضد خصومه.. سياسات "النهضة" أعادت الى الحياة الجزء الأسوأ في تاريخهم.
لكن الأسوأ في كل التجارب والذي انعكس سلباً على مجمل التيار الإسلامي بفروعه الوسطية والمتشددة هو الذي حدث في سورية. بعد كل التعاطف الذي حصلت عليه "الثورة" فوجئ الناس بما يقوم به "الثوار". بداية لم يصدق الناس أن هنالك من يقوم بقطع رؤوس واعتبرتها جزءاً من حملة نظام دموي يستهدف تشويه سمعة الثوار..ثم بدأ الناس شيئاً فشيئاً يكتشفون أن الثوار ليسوا وحدة واحدة، وأن هنالك مئات المجموعات، وجميعها تدعي بأنها إسلامية لكن لا يوجد ما يوحدها، على الرغم من أن نهايات أسمائها تنتهي عادة بكلمة "إسلامية." واصبح معروفاً لدى الناس وللسوريين بشكل خاص أن كل مجموعة تتمكن من قرية او مدينة تفرض نظامها الضريبي ورؤيتها "الإسلامية" الخاصة على الناس حيث التفنن في تطبيق "الحدود" التي لم يشاهدها الناس منذ مئات السنين. ثم سقط القناع عندما بدأت هذه الجماعات تقتل بعضها، بداية بالاغتيالات وبعدها بمواجهات دموية لم يسلم منها أحد.
سورية كانت التجربة الأسوأ التي جعلت الناس يكرهون ثورات يقودها إسلاميون. وانعكس ذلك بالتأكيد على الحركات الإسلامية في جميع أقطار العالم العربي. الدماء ترخص عندما تكون غايتها كرامة الناس وحقوقها وحريتها.. لكن الناس لا تريد استبدال أنظمة مجرمة بأنظمة مجرمة أخرى أو أكثر إجراما منها.
الثورة هي انقلاب في السياسات الاجتماعية والاقتصادية والخارجية لصالح الفئات التي قامت بالثورة ودفعت ضريبتها.. ضريبة الدم.. لكنها بالنسبة للإسلاميين كانت انقلابا من نوع استبدال "الحزب الوطني" بـ "حزب الحرية والعدالة" أو "النهضة" بينما السياسات بقيت على حالها.. وعندما تم تغييرها كانت المحصلة سياسات "داعش" و"النصرة".
سورية: هل من جديد!؟
بقلم: هاني عوكل – الايام
أيام قليلة مرت على بداية انطلاقة الجولة الثانية من جنيف 2 دون أن يصل طرفا النزاع السوري المشاركان في مفاوضات هذا المؤتمر الدولي، إلى توافقات من شأنها التمهيد لإنهاء النزاع الداخلي الذي دام أكثر من ثلاث سنوات وخلف وراءه ما يزيد على 130 ألف قتيل وملايين اللاجئين والمشردين.
قبل انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات بين طرفي النزاع، كان رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد الجربا في زيارة مهمة لروسيا، من أجل إقناعها بضرورة الموافقة على تشكيل هيئة حكم انتقالية، وبالتالي الضغط على النظام السوري حتى يقبل هذه الصيغة.
زيارة الجربا هذه إلى روسيا، استهدفت قضية بالغة الأهمية، وهي أن الائتلاف الوطني المعارض يعي مدى تأثير روسيا القوي على سورية، وأن هذه الدولة قادرة على فرض أي قرار على دمشق، الأمر الذي يعتقد الجربا أنه يمكن له تحقيق اختراقات لصالح المعارضة من شأنها أن تقوي بالذات الائتلاف الوطني المعارض.
المعنى أن الجربا الذي أخذ وقتاً طويلاً جداً لتأمين مشاركته في جنيف 2، رغم اعتراضات قوية من معسكر المعارضة بكل أطيافها، وخصوصاً المتطرفة منها والمسلحة، وأيضاً من داخل ائتلافه المعارض، نقول إن الجربا تمكن من جعل الائتلاف واجهة المعارضة الرئيسية للخوض في المفاوضات وفي مستقبل سورية.
إن كل ما يريده الجربا هو الوصول إلى نتيجة تفاوضية لصالح الائتلاف، يمكنها أن تحجز مستقبلاً للرجل وأنصاره من المعارضة، والأهم أن ذلك قد يعني بالضرورة تجاوز أصوات المعارضة الإسلامية، التي ارتفع الشك حولها خصوصاً من قبل الغرب.
ما كان يريده الجربا وما يزال مصراً عليه، هو ضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالية تسبق أي قرار آخر، والأهم أنها تسبق وقف العنف، ولعل هذا أدى إلى فشل الجولة الأولى من المؤتمر الدولي، بسبب تعلق كل طرف بمواقفه المتناقضة مع الطرف الآخر.
في الجولة الثانية من المفاوضات، قدمت المعارضة وثيقة قريبة من بيان جنيف 1، من حيث تشكيل هيئة حكم انتقالية تتمتع بصلاحيات قوية وتتجنب الحديث عن الرئيس الأسد، مضافاً إليها طرد المقاتلين الأجانب من سورية ونزع سلاح الجماعات المسلحة وتسريحهم أو دمجهم في مؤسسات المرحلة الانتقالية.
هذه الوثيقة التي عرضتها المعارضة، قدمت موضوع هيئة الحكم الانتقالية على وقف العنف، وعلى أن تتشكل في الأول، وبالتالي تمهد لوقف كامل لإطلاق النار، وعلى أن تشارك كل الجماعات العرقية في عملية انتقالية تهدف إلى ضمان الأمن والاستقرار.
الوثيقة لم تتعرض إلى الرئيس الأسد، واعتبرت أن هيئة الحكم الانتقالية هي الآمر والناهي وهي صاحبة الشرعية العليا والوحيدة، وباعتبارها تمثل سيادة الدولة السورية على كافة المستويات، الداخلية والخارجية الدولية.
يبدو أن المعارضة التي صاغت هذه الوثيقة قد وقعت في نفس فخ جنيف 1، لأن الأخير تطرق إلى مرحلة انتقالية بدون أن يحدد الموقف من الرئيس بشار الأسد، وكذا فعلت الوثيقة التي استثنت الحديث عن الرجل، الأمر الذي سيفتح الباب أم تفسيرات متنوعة ومختلفة قد تقلب طاولة المفاوضات.
لعل الوثيقة المطروحة حالياً لن تقدم إضافةً جديدةً إلى المفاوضات، باستثناء أنها ستعمق الانقسام بين طرفي النزاع في العملية السياسية، ذلك أن المعارضة التي تجنبت الحديث عن الرئيس بشار، تعتبره جزءاً من المشكلة وأن رحيله هو أساس الحل.
ربما سعت المعارضة إلى عرض هذه الوثيقة لمأزقة وفد النظام في حال رفضها، وبالتالي وضعه في خانة الاتهام والمسؤول عن فشل المفاوضات، والعودة مرةً أخرى إلى المجتمع الدولي ومجلس الأمن لمطالبته التخلص من نظام الأسد وحماية الشعب السوري.
وفد النظام لم يرفض وثيقة المعارضة، لكنه يرفض موضوع تشكيل حكومة انتقالية، لأنه متمسك بموقفه إزاء ضرورة وقف العنف أولاً ومن ثم مناقشة كافة البنود بنداً بنداً، وقد صرح نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بذلك، وعلى الأرجح أن تلاقي الجولة الثانية من المفاوضات المصير الذي لاقته نظيرتها الأولى.
هذا قد يبدو واضحاً الآن بالنظر إلى عدة اعتبارات، أولها أن النظام السوري مدعوم بقوة من روسيا، ويشعر أنه مع الوقت قادر على فرض شروطه السياسية انطلاقاً من الميدان الذي يحقق فيه نتائج متقدمة على حساب المعارضة المشتتة.
ثم إن النظام السوري يعتقد أن هذه فرصته الذهبية لمشاهدة معارضة مشتتة وتتقاتل فيما بينها، وهو يسعى لاستثمار هذه الفرصة من أجل التقدم على الأرض وانتزاع مناطق خاضعة للاشتباك الثنائي بينه وبين المعارضة، وترك المناطق الأخرى التي يجري فيها تنازع بين المعارضة نفسها.
أيضاً يمكن القول إن تشتت المعارضة يعني بالضرورة ضعف الائتلاف الوطني السوري المعارض، ويبدو أن هناك مساعي غربية لتمكين هذا الائتلاف ومده بمختلف الوسائل، حتى يكون نداً على الأقل في مقابل النظام السوري، على الجانبين السياسي والعسكري.
إن الائتلاف السوري المعارض بات يدرك أن تحقيق إنجازات سياسية ملموسة، سيعني الانقلاب على المعارضة المتطرفة في الداخل والمساعدة في تحصين المعارضة الأصلية وتمكينها في مواجهة النظام، ولعل الوثيقة التي تحدثت عن طرد المقاتلين الأجانب، تشكل مؤشراً على نية الائتلاف تشكيل معارضة موحدة وفاعلة على كافة المستويات.
ويمكن الاستعانة لتأكيد هذا الموقف، برغبة مجموعة أصدقاء سورية للاجتماع بعيد الجولة الثانية من جنيف 2، وبحث السبل الكفيلة بدعم الائتلاف ومده بدعم لا يقل عن ذلك الذي تقدمه روسيا إلى سورية، الأمر الذي يعني أن هناك خطة لإعادة بناء المعارضة من جديد، والمقصد من ذلك إضعاف المعارضة المتطرفة عبر وقف كل أنواع الدعم لها، وفي المقابل إقواء المعارضة الأساسية المتمثلة في الائتلاف الوطني والجيش الحر وباقي أنواع المعارضة ذات التوجهات الوطنية والفكرية غير الملتبسة.
يبقى القول إن الجولة الثانية من مفاوضات جنيف 2 هي استكمال لجولات كثيرة، تستمد قوتها وعصبها من الميدان الذي يشهد الآن شراسة في النزاع بين النظام والمعارضة، وضحايا يتجاوزون الـ200 يومياً، بما يعني أن الطرفين لا يزالان يعولان على الحسم العسكري لجهة الحسم السياسي.
ولعلنا سنشهد في المستقبل مساعيَ لترتيب صفوف المعارضة نحو تأهيلها ودمجها في العملية السياسية التي يقودها الائتلاف، أملاً في خلق قوة موازية من حيث الحجم لقوة النظام الذي يبدو أنه يتمتع بكل أنواع الإسناد من الحليفتين الاستراتيجيتين روسيا وإيران.
العزلة والتعنت الإسرائيلي!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
تزداد عزلة إسرائيل، مع ازدياد تعنتها ومماطلتها، ومحاولاتها تفجير المفاوضات، وإيصال جهود الوزير الأميركي، كيري، إلى طريق مسدود.
بات الشارع الإسرائيلي، وكذلك أوساط مطلعة ومسؤولة، وفي المستويات كافة، تدرك مخاطر العزلة، خاصة الاقتصادية منها على إسرائيل، وهنالك ما يكفي للقول من المقالات والتحليلات والتقارير الإسرائيلية، المنشورة في الصحافة الإسرائيلية، بأن هناك إدراكاً إسرائيلياً، لمخاطر العزلة ومسبباتها السياسية.
تحاول حكومة نتنياهو، التقليل من شأن العزلة، ومن تبلور مواقف دولية، أوروبية وأميركية خاصة، تقف في مواجهة إسرائيل وسياساتها العدوانية، المتمثلة بالاستيطان، ومحاولة القفز عن القانون الدولي، ومقررات الشرعية الدولية.. لم تعد الأوضاع الإقليمية والدولية، عوامل مساعدة لإسرائيل وسياساتها العدوانية، وبات الموقف الفلسطيني، المتزن والهادئ، قادراً على فتح مجار عميقة في السياسات الدولية.
إسرائيل تتعامى عما يجري حولها، وتحاول أن تستمر في فرض الوقائع، وفرض إرادتها وهيمنتها، لكن الوقائع القائمة، لا تساعده على ذلك، أضف إلى ذلك، فإن السياسة الفلسطينية، التي باتت تمتاز بالهدوء والموضوعية، باتت قادرة على كشف جوهر السياسات الإسرائيلية العدوانية.
واعتادت إسرائيل، على لبس ثوب الحمل الوديع، المعرض لمخاطر جمة تحيط به، ولعل السياسات الفلسطينية تمكنت من كشف زيف هذا المشهد، حيث تبيّن وبوضوح، أن إسرائيل تهدف إلى التشبث بالأرض الفلسطينية، واغتيال فكرة الدولتين للشعبين: الفلسطيني والإسرائيلي.
هنالك حقائق وبينات، لا يمكن القفز عنها، أو التستر عليها. وبالتالي فإن عزلة إسرائيل، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسياساتها العدوانية، التي باتت مكشوفة للجميع.
هنالك تساؤل وجودي، حول مستقبل إسرائيل، داخل الأوساط الإسرائيلية ذاتها، وهنالك تساؤل لا يقل أهمية في أوساط الفلسطينيين: وماذا بعد؟!
هنالك من يجيب وبسرعة، أما وقد، لم تفلح وسائل التفاوض، فلننسحب من تلك المفاوضات!! وهنالك من يتريث، حتى وصول تلك المفاوضات إلى طريق مسدود، تكون السياسات الإسرائيلية، هي المسؤولة عن ذلك، وبعدها سيكون لكل حادث حديث. لدينا ما يكفي، للتوجه مجدداً للجمعية العامة للأمم المتحدة، وإعادة طرح ملف القضية الفلسطينية، على المجتمع الدولي، أو العمل لعقد مؤتمر دولي للسلام!!
تغريدة الصباح - الحب والوطنية في "فالنتاين"!
بقلم: عدلي صادق – الحياة
ازدحمت في الليلة الماضية، صفحات التواصل الاجتماعي، بالورود التي ترافقها الرسومات البديعة، وطيور الحمام، وملاك الحب "كيبويد" ذي الجناحين. ثمة حكاية طويلة وقديمة لـ "فالنتاين" وهو اسم قسيسين مسيحيين، أو ثلاثة، قُتلا ظلماً، في سياق سعيهما لنشر الإيمان. ولأن هناك على الدوام، من الشعراء، من يتأمل وقائع الظلم، ويستفيض في التعبير عنها، ويعْزي العناد في التشبث بالفكرة؛ الى وطنية رقيقة مع محبة غامرة، للخير وللسعادة للبشر أجمعين؛ فقد تلقف الشاعر الإنجليزي جيفري تشوسر، في العصور الوسطى، المظلمة التي أردت "فالنتاين" الأول، لكي يناجيه في أبيات، أسست لمعنى وسطي بين نوعين لا واقعييْن من الحب: الأفلاطوني والجنسي. الأول يكابر ويحلّق في فضاءات الروح والعاطفة، ويسمو على الجسد، والثاني لا يعرف روحاً ولا معنى يتساميان على بهجة الجنس. هنا يقوم الاعتبار، للحب الرومانسي المفعم بكثير من الشوق العاطفي، مع قليل من الرغبة التي يلبيها الطرفان، وفق ما استقرت عليه التقاليد والعقائد.
في الإسلام، قال المصطفى عليه السلام "لم يُر للمتحابين مثل التزُّوج". لكن هذا التزوُّج لا يتاح لكل حبيبيْن. لذا تحايل الشارحون على وقائع الحب الذي لا يتاح له نكاح، لإبعادها عن دائرة الإثم، وأخذها الى ما يماثل الرومانسية، مع كتمان الشوق الجنسي، مثلما فعل "البوصيري" عندما كتب "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة" فأتى على الحديث النبوي، مع شواهده ومواضعه الزائدة، التي لم ترد في الصِحاح الخمسة: البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود. قدم "البوصيري" تجلياته في شرح الحديث العاطر "الأرواح جنودٌ مجندة، فما تعارض منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".
* * *
الحب الرومانسي واقع يلازم الحياة. وعلى قدر ما أبدع الشعراء في وصفه، لم ولن يوفوه حقه ولم ولن يغطوا حيثيات حضوره الطاغي، في كل الأزمان. في أيامنا المعاصرة، ظهر الشعر الغنائي بالعامية والفصحى. عاش الشعراء الغنائيون وماتوا في صمت، دون أن يعترف لهم مؤرخو الثقافة بفضل أو وجاهة. فقد تغنى الناس بكلمات شَجَنهم، التي أسمعها مطربون ومطربات فازوا وحدهم بالإعجاب والشهرة. والناس يختلفون في مستويات مصارحتهم بالانجذاب والإعجاب، لذا ترى في مجتمعاتنا، من يطرب للأغنية ويداري، كأنه اقترف إثماً. في أيامنا التي عشناها، سمعنا بأصوات مغنين ومغنيات، ما كتبه شعراء غنائيون موهوبون، من بينهم من تدفقت قرائحهم، بشكل فطري، وكتبوا بالعامية، مثل بائع الفاكهة مرسي جميل عزيز، صاحب الألف أغنية، ومأمون الشناوي الذي كان يكتب ثم يحمل الشاب صاحب الصوت الواعد، فوق كتفيه، ليقدمه الى مؤلفي الموسيقى ومنتجي الصوتيات، أو يأخذ الشبان الموهوبين في الموسيقى، ليفتح لهم طريق الشهرة، مثلما فعل مع سيد مكاوي. فالشعراء بعاميتهم وفصحاهم، أعطوا ولم يأخذوا شيئاً. كان الشاعر الغنائي حسين السيد، صديقاً للرئيس السادات قبل أن يتبوأ موقع الرئاسة، لكن الأخير تكتم على صداقته، لأن السيّد هو الذي كتب الأغنيات الشجية في الغرام، لمحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش. ولم يشفع لحسين السيد، أنه كتب في المرحلة الناصرية اغنيات تعبوية مثل "دقت ساعة العمل الثوري" و"صوت الجماهير" وغيرهما من الأغنيات الوطنية. كانت الروح الوطنية ملازمة للحب في أشعارهم.
* * *
في الغرب، ومنذ القرن التاسع عشر، كان منتجو بطاقات 14 شباط (فبراير) يجنون الملايين مما يبيعون. وفي البطاقات مقتبسات من أشعار الحب، لا تُنسب لأصحابها. في أمريكا وحدها يبيعون مليار بطاقة سنوياً. ربما تكون شبكة العنكبوت، قد احبطت الآن، مسعاهم الى معدلات أعلى من الربح. صور الورود بكل الألون وتنوعات الباقات، والعبارات المترجمة الى كل لغات الأمم، باتت في متناول الصغار والكبار. يفيض الحب وتُرسم الأحاسيس، وتُقتبس الجمل الرشيقة الموجزة. إنها تغزو الثقافات والمجتمعات، ولا قدرة للوعظ الديني على كبحها. هناك تدرجات للتقوى حتى في الحب نفسه. وما "فالنتاين" إلا وليد أقصوصة نُسجت من حكاية الإيمان.
في إطلالتي أمس على صفحتي في "فيس بوك" صادفني وأنا في العادة ـ ولضيق الوقت ـ لا استعرض ما يتدفق على الصفحة؛ تنبهت الى وجود شاعر غنائي فلسطيني جميل اسمه ربحي مرقطن (إن كانت هذه هي تهجئة اسمه المكتوب بالإنجليزية). اجتذبتني كيماء السطور، فطلبت منها المزيد، فإذا به يكتب في الحب المغمس بالوطنية، ما يضاهي مأمون الشناوي ومرسي جميل عزيز وعبد الفتاح مصطفى. تذكرت مظلمة الشعراء الغنائيين الذين انطمرت أسماؤهم، تحت أسماء المطربين والمطربات، الشهيرين والشهيرات، الذين لعلعوا بأشعارهم. ولأن عندنا لكل مقام مقال، وعلى اعتبار أن مقامنا جريح وحزين، لا يملك ترف الغناء الملازم للحياة اليومية؛ فلا يجد "المرقطن" هذا، من يأخذ بيده الى موسيقيين في الجوار العربي، بالنظر الى أن لا حضور لافتاً لموسيقيين في بلادنا فلسطين. في ليلة الـ "فالنتاين" تدفقت مقطوعاته على صفحة "مرقطن". كانت ليلة سانحة لالتقاط الأنفاس، تُذكّرنا بأن الحب والوطنية يتلازمان.
الاستعداد لما هو أكبر !!!
بقلم: يحيى رباح – الحياة
زيارة المشير عبد الفتاح السيسي لموسكو وهو ما يزال يرتدي بزته العسكرية، واستقباله من قبل الرئيس الروسي بوتين بالاضافة الى اللقاء مع وزير الدفاع والخارجية، تعطي الانطباع القوي بان مصر عازمة على استعادة دورها الذي تراجع كثيرا على الاقل في العشر سنوات الاخيرة، وهو دور بحكم تاريخه وحجمه في المنطقة ينقل مصر مباشرة ومعها العالم العربي الى صميم التوازن الدولي في قيادة العالم، في تأكيد ملامح النظام الدولي القائم، وهذا ما فعله الدور المصري في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، حين دخلت مصر في منتصف الخمسينات من بوابة صفقة اسلحة شرقية الى دور جديد في العالم العربي باسقاط الاحلاف المعادية، وفي افريقيا باستنهاض حركات التحرر، وفي العالم من خلال حركة عدم الانحياز، لان مصر بحكم حجمها، وعبقرية المكان، ورسوخ فكرة الدولة، لا يمكن الا تكون لاعبا رئيسيا، ولا تليق بها الادوار الثانوية.
وبالمناسبة، فإن القوى الدولية التي وضعت نصب أعينها التدخل في الشأن المصري، وخصوصا الولايات المتحدة وحلفاؤها الاوروبيون، وحاولت ان تقيم تحالفا مع الاخوان المسلمين الذين اظهروا استعدادا كبيرا لتقديم ما يطلب منهم مهما كان ضارا بمصالح الامة مقابل الفوز بالحكم والتمكين لهم، هذه القوى الدولية ظلت حذرة على الدوام، وظلت خائفة من مغبة انهيار الدولة المصرية، التي قد يفتح انهيارها ابواب الجحيم على كل المنطقة وعلى المصالح الكبرى فيها، وظل الرأي الغالب في محاولات الآخرين امام اغراءات التمزيق والتفتت ورسم الخرائط المغامرة، ان مصر لكي تقوم بدورها الرئيسي الذي لا بديل له في أمن واستقرار المنطقة بما فيها من مصالح ضخمة، لا بد ان تظل موحدة، ولا بد ان تطل بجيش قوي، وكل كلام عكس ذلك هو كلام الصغار او اللاعبين الثانويين، ولكن الحوار في الدوائر الدولية حول مصر قائما حول قرار مصر، هل يكون في يدها بالكامل، كما فعل عبد الناصر رغم كل ما تعرض له، ان يكون قرارا خاضعا للتأثير من الخارج ولو بنسب متراوحة.
وعندما انطلقت ثورة الخامس والعشرين من يناير قبل أكثر من ثلاث سنوات وكانت عوامل الثورة قد نضجت وتراكمت فقدح زنادها الشباب المصري الذين استنهضوا همة الشعب المصري كله، دخل الجميع دون استثناء، القوى المحلية بكل اطيافها، الحركة الوطنية باضرابها، الاخوان المسلمون بكل تفريعاتهم، السلفيون، كما دخلت القوى الاقليمية والدولية، كل يريد ان يسرق الثورة، يروضها لمصلحته، يركب مطيتها للوصول الى ما يريد، وبما ان ثورة الخامس من يناير كانت بلا قيادة ولم تستطع في حينه الحركة الوطنية المصرية باحزابها ان تقود، فقد وجدت القوى الدولية الحاضرة والمتابعة ان الاخوان المسلمين يصلحون لان يكونوا فرس الرهان، وكان هذا قرارا خاطئا ومستعجلا، لأن القوى الدولية نسيت او تناست عن عمد.
خطر سياسة الدحرجة
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
هجوم السلام الفلسطيني، الذي يقوده الرئيس ابو مازن يربك القيادة الاسرائيلية، ويحشرها في الزاوية. لا سيما انها غير جاهزة لدفع استحقاقات السلام، ولا في أي ملف من الملفات السبعة الأساسية: اللاجئين، القدس، الاستيطان، الحدود، الامن، المياه، اسرى الحرية. ليس هذا فحسب، بل ان التجاوب الايجابي من قبل القيادة الفلسطينية مع محددات خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 ضاعف من ازمة القيادات الاسرائيلية المتطرفة، وأزاح عنها ورقة التوت المهترئة، التي لم تعد منذ زمن بعيد تستر عورات دولة التطهير العرقي الاسرائيلية.
لذا شنت أبواق الائتلاف الحاكم الاقصوية حملة تحريض غير مسبوقة على الرئيس عباس، وروجت بعض منابر الاعلام الاسرائيلية، ان الحاكم الاسرائيلي نتنياهو، بات يبحث عن بدائل لرئيس منظمة التحرير. لعله يجد شخصا يقبل القسمة على مشروعه السياسي الاستعماري. متناسيا، هو ومن لف لفه من القيادات الاسرائيلية بمشاربها المختلفة، أن ما ثبته الرئيس الرمز ياسر عرفات، وما واصل السير عليه الرئيس محمود عباس، لن يستطيع كائن من كان، ان يتجاوز تلك الأسس والخطوط الوطنية الحمراء، التي هي أقصى حدود التنازل الفلسطينية المقبولة وطنيا، ودونها يصبح الأمر خارج معايير برنامج الاجماع، الذي اقرته منظمة التحرير، ولن تقبل به الجماهير الفلسطينية وقواها الحية. خاصة وان التنازل الفلسطيني تجاوز ما قررته الشرعية الدولية في قرار التقسيم 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947.
المرونة الفلسطينية العالية ضربت بحجرها أكثر من عصفور، الأول غطرسة واستعمارية القيادة الاسرائيلية، ورفضها للسلام؛ الثاني تزايد التأييد للسياسة الرسمية، التي يقودها الرئيس ابو مازن في المحافل الدولية، وبالتالي إتساع دائرة التأييد والدعم للحقوق الفلسطينية؛ الثالث اتساع نطاق العزلة للدولة الاسرائيلية، وخاصة بعد ضربات المقاطعة الدولية، وتداعيات ذلك على مناحي الحياة الاقتصادية الاسرائيلية؛ الرابع تعمق الهوة النسبية بين مواقف القيادتين الاسرائيلية والاميركية.
غير ان المرونة الفلسطينية تحتاج إلى ضوابط، حتى لا يفتح قادة إسرائيل اشداقهم على وسعها طمعا في تنازلات فلسطينية جديدة. خاصة وان القيادة وفريقها المفاوض، أدركوا عبر تجربة المفاوضات طيلة العقدين الماضيين، وقبولهم بالقرارات الدولية 242 و338، التي تقول بالدولة على حدود الرابع من حزيران 1967، فتح شهية التمساح الاسرائيلي ومن خلفه الادارات الاميركية المتعاقبة للمطالبة بتنازلات جديدة عبر بوابة "الحلول الوسط" بين الطرفين، على اعتبار ان ما تطالب به القيادة الفلسطينية، هو الحد الاقصى للحقوق الوطنية، وتناسى اولئك جميعا، ان حقوق الفلسطينيين، هي فلسطين التاريخية، وليس قرار التقسيم 181. ولكن شجاعة المفاوضين الفلسطينيين ومقداميتهم لصنع السلام، دعتهم لقبول الدولة الفلسطينية على اساس حدود الرابع من حزيران 1967. وبالتالي، الحديث من الآن عن إعطاء مهلة اولا لمدة ثلاث سنوات لانسحاب جيش الاحتلال ومؤسسات إسرائيل من اراضي الدولة الفلسطينية، ثم التدحرج إلى خمس سنوات، يعيد فتح الشهية الاسرائيلية مجددا للمطالبة بعشر سنوات او أكثر، فضلا عن المطالبة ببقاء جيشها في الاغوار لسنوات إضافية، الأمر الذي يقتل الأمل بتسوية سياسية حقيقية. ويبدد احلام الفلسطينيين بالاستقلال السياسي الناجز.
ثم ما هي الضمانة لانسحاب إسرائيل بعد تلك السنوات؟ وعلى فرض تواجدت قوات حلف الناتو او القوات الاميركية او الاردنية المغطاة بالقبعات الزرقاء، هل ستتمكن من إلزام إسرائيل بالانسحاب من اراضي دولة فلسطين؟ وما هي الضوابط الاميركية والاوروبية والعربية لفرض الانسحاب؟ وماذا إن تغيرت الحكومة الاسرائيلية، وجاءت حكومة أكثر تطرفا وعدوانية؟ وهل ستسمح إسرائيل بعودة اللاجئين ؟ كيف وعلى اي اساس؟
يا حبذا صانع القرار السياسي الفلسطيني لو تريث قليلا، ولا يتعجل نهائيا، لأن ذرائع إسرائيل تبدأ ولا تنتهي، والرئيس عباس يعلم علم اليقين هذه الحقيقة جيدا جدا.
الشيخ والقس
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
بمجرد أن تسير بمحاذاة سور مجرى العيون في مصر القديمة تجذبك تحفة معمارية تحمل طابع الحداثة وهو ما يختلف عما يحيط بها من بقايا الدولة الفاطمية، والزجاج الذي يكسو اشكالها الهندسية المختلفة ينم على ما أنفق في تشييدها، على خلاف المباني الشعبية المجاورة لها التي يتواجد الفقر على مظهرها الخارجي، التحفة المعمارية ليست مقراً لشركة متعددة الجنسيات، انها مستشفى سرطان الأطفال "مستشفى 57357" الذي بات واحداً من أهم وأكبر مستشفيات علاج سرطان الأطفال في العالم، ما يثير الاهتمام بهذا الصرح لا يتعلق فقط بجمال التصميم، ولا بالخدمة المجانية المميزة التي تقدمها لمرضى السرطان من الأطفال، ولا كذلك النتائج الطبية الايجابية التي حققتها خلال السنوات القليلة من عمرها، بل يكمن في الفكرة التي خرجت منها المستشفى إلى حيز الوجود.
والفكرة بدأت من طبيب يعمل في المعهد القومي للأورام توفي بين يديه 13 طفلاً في يوم واحد دون أن يتمكن من تقديم العلاج لهم لقلة الامكانيات، يومها لم يتخذ طريقه إلى منزله بعد أنتهاء فترة عمله، ذهب إلى مطعم اعتاد أن يتواجد فيه الشيخ محمد متولي شعراوي، قص الطبيب على الشيخ مأساة اطفال مرضى السرطان، والذي بدوره تبرع بمبلغ 150 جنيهاً شهرياً متعهداً بأن يلزم أولاده بذلك بعد وفاته، المبلغ رغم تواضعه كان كفيلاً بخلق فكرة التبرعات لمساعدة المرضى، وانتقلت الفكرة من بعدها الفردي إلى العمل الجماعي بإنشاء جمعية أصدقاء معهد الأورام، ومنها بدأت فكرة تشييد مستشفى متخصص عام 1999 اعتمادا على التبرعات والصدقات وأموال الزكاة، وفي عام 2007 تم افتتاح المستشفى، وتبلغ التكلفة التشغيلية له مائتي مليون جنيه يتم جمعها بذات الطريقة دون أن تتحمل الدولة شيئاً من ذلك.
جامعة هارفارد الأميركية، التي تحتل المرتبة الأولى على مستوى جامعات العالم من حيث الأهمية، جاءت هي الأخرى بتبرع من القس جون هارفارد، بل أن مدينة كامبريدج التي تقع فيها الجامعة حملت اسم كامبريدج تيمناً بجامعة كامبريدج البريطانية التي تخرج منها القس هارفارد، ويكفي الجامعة أن سبع رؤساء للولايات المتحدة هم من خريجيها، داخل أروقة الجامعة توجد لوحة تحمل اسماء المتبرعين لها، تتغير أسماء المتبرعين من جنسيات العالم المختلفة سنوياً، في احدى السنوات ضمت القائمة اسم فلسطيني يقيم في الولايات المتحدة الأميركية.
الكثير من رؤوس الأموال في العالم تخلوا عن إدارة مؤسساتهم العملاقة لموظفيهم، فيما كرسوا جهودهم لإنفاق جزء كبير من ثرواتهم في الأعمال الخيرية بعيداً عن مطامح الحياة السياسية والمالية، الصورة الوردية التي تم رسمها لدور رؤوس الأموال الفلسطينية المغتربة بعد توقيع اتفاق اوسلو لم تكن حقيقية، والحقيقة الأكثر إيلاماً أننا افتقدنا روح المبادرة للعمل الجمعي الخلاق في بناء مؤسساتنا الأهلية، ومعها غاب أيضاً العمل الطوعي، لم يعد ضمن المتطلبات الجامعية كما كان في السابق، ماذا لو قرر كل منا التبرع بالقليل من وقته الذي ينفقه في "القيل والقال "لتجسيد فكرة نبيلة على أرض الواقع، فالأعمال الكبيرة تبنى على أعمال تبدو صغيرة، والفكرة الكبيرة تاتي من تراكم أفكار صغيرة.
موسكو وواشنطن: تحولات في الأدوار؟
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
مع الاعتقاد والشعور العام اليوم بضعف الولايات المتحدة النسبي بعد انسحاب قواتها من العراق وأفغانستان، فضلا عن هواجس البعض بأنها لم تعد الحليف الذي يعول عليه نتيجة كللها ومللها من القيام بدور الشرطي في المنطقة، علاوة على الاتفاق "التاريخي" بين طهران والدول الكبرى بشأن البرنامج النووي الإيراني، ها هو الدب الروسي ينفض عن نفسه غبار "الأمة المهزومة" فينهض ليحجز لنفسه مكانة مهمة في العالم.
في بداية ولايته، أعلن الرئيس الأميركي (باراك أوباما) رفضه خوض بلاده أي حرب خارجية. فهل جرى تحول في استراتيجية الدولة الأعظم بالإنكفاء الذاتي على نفسها، والابتعاد عن مواقع النزاعات والتوترات؟ أم أن الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) عازم على تغيير شيء ما في الصورة النمطية الدارجة في الشرق الأوسط بل وربما في مناطق أخرى في العالم، وهو الذي تتملكه رغبة لا يخفيها في إحياء الإمبراطورية السوفيتية؟ وتحيل مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تراجع دور الولايات المتحدة بالأساس إلى أميركا نفسها. وتؤكد أنه "لم يعد لها يد في تغير الميزان الدولي السريع الحاصل الآن. فمحاولة تحكم أميركا المباشر بتشكيل وسير الأحداث الدولية، كان له أثره في تحول العديد من الدول بعيداً عنها حتى في ظل احتياجهم لها كما حدث في العراق. وليس هناك أدعى من تورطها في حادثة التجسس على زعماء العالم لتبين مدى تدخلها في شؤون غيرها حتى حلفائها. وجاءت هذه الحادثة لتضيف دولا جديدة إلى قائمة الدول التي تتحول بعيداً عن الحليف الأميركي مثل البرازيل". وتضيف المجلة أن، ما اسمته، "تخاذل أميركا في العديد من القضايا الهامة على الساحة الدولية هو ما أفقدها ريادتها في حل الأزمات الدولية، بل أدى إلى تفاقم الأوضاع بها والسقوط في الفوضى كما حدث في سوريا، وليبيا، ومصر التي قررت السير في طريقها غير عابئة بتصريحات وإجراءات الإدارة الأميركية".
في مرحلة الثنائية القطبية، شهد العرب والعالم احتلال فلسطين وسيناء والجولان، وشهدوا أيضا خلافات عربية سالت جراءها الدماء. لذا، فإن الرغبة بوجود توازن عالمي جديد يخرج المنطقة من هيمنة وسيطرة القوة الأميركية الواحدة بات أمرا منشودا لدى جمهور متزايد. ولا شك أن هنالك الآن مؤشراً مهماً للتحولات التي قد تؤسس لواقع جديد للعلاقات الدولية والنظام العالمي المعاصر يتجسد في الكيفية التي نجحت فيها روسيا من سرقة الأضواء من الولايات المتحدة، التي كانت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية اللاعب الأهم والأكثر تأثيراً على المسرح الدولي، رغم اعتقاد الكثيرين أن روسيا لن تجرؤ على تحدي الولايات المتحدة بوصفها الضامن الرئيسي للامن في منطقة الخليج العربي، وصاحبة المكانة غير المتنازع عليها في "محادثات السلام" بين الفلسطينيين والاسرائيليين. فهل تعني هذه الحال العودة إلى الثنائية القطبية؟ أم أنه مجرد اتفاق مرحلي بين موسكو وواشنطن أم هو مجرد "إرخاء توتر" بينهما فرضته الأحداث والتطورات الدولية المتسارعة، أم تراه يتطور إلى درجة "وفاق" يتم بموجبه تقاسم مناطق نفوذ ووجود بين الدولتين مع اكتشاف عدم قدرة طرف على إدارة الأحداث الدولية وحيدا؟ أغلب الظن أن ما تسعى روسيا إليه هو أن لا يكون النظام الدولي أحادي القطبية على نحو مطلق، وأن تعترف واشنطن بها كدولة لا يمكن تجاهل دورها عالميا، بل، وربما، لا حل ممكن بدونها وكأنها تسعى إلى "تهذيب" الهيمنة الأميركية. هنا، لا بد من الحديث عن دور شخصية الرئيس الروسي (بوتين) في التغييرات الحاصلة في عالم اليوم، وكيف أمكنه سحب البساط (أو جزء منه) من تحت أقدام الرئيس الأميركي، خاصة أن نظرته للأزمات الدولية عبرت عن درجة من الحزم في صنع السياسة الخارجية ربما لم تعد تتوافر لدى الولايات المتحدة وبالتأكيد لا تتوافر للدول الاوروبية. كما أن (بوتين) هو الرئيس الذي يعمل على أن تبقى روسيا قوة نووية، قوة كبرى في جميع أوجه النشاط الدولي، وقوة مهيمنة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية في المناطق المحاذية لروسيا، الأمر الذي يعزز شعورها بالكبرياء الروسي المعهود. وهذا ما سنتناوله في مقال لاحق.
تهويد القدس يستمر من قلبها إلى أطرافها
بقلم: حديث القدس – القدس
قراءة سياسية راهنة في ظل فن الممكن ....
بقلم: يونس العموري – القدس
مروان البرغوثي أمام زنزانة نيلسون مانديلا
بقلم: بقلم :عيسى قراقع - القدس
هل يستطيع كيري تحويل فلسفته الى واقع؟؟
بقلم: بقلم : الدكتور عيسى – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image007.jpg
عـيـون الأكـاسـيــا ؟
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
"فتح" / "حماس" : الأزمة داخلية والمأزق خارجي !
بقلم: رجب أبو سرية – الايام
الشعوب العربية تدير ظهرها للإسلاميين!
بقلم: محمد ياغي – الايام
سورية: هل من جديد!؟
بقلم: هاني عوكل – الايام
العزلة والتعنت الإسرائيلي!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image009.jpg
تغريدة الصباح - الحب والوطنية في "فالنتاين"!
بقلم: عدلي صادق – الحياة
الاستعداد لما هو أكبر !!!
بقلم: يحيى رباح – الحياة
خطر سياسة الدحرجة
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
الشيخ والقس
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
موسكو وواشنطن: تحولات في الأدوار؟
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
تهويد القدس يستمر من قلبها إلى أطرافها
بقلم: حديث القدس – القدس
عملية التهويد التي تجري في القدس منذ الاحتلال عام 1967 ما تزال متواصلة بنفس الوتيرة. وهناك ما يشبه المخطط المرسوم لمنهجة العملية وتسلسلها. ففي قلب المدينة تتواصل عمليات الاستيلاء على البيوت والعقارات العربية التي سكنتها ،وتسكنها، عائلات فلسطينية منذ مئات السنين.
ويقتحم المستوطنون منازل وأحواشا لعائلات مقدسية معروفة مدعين ملكيتها، هذا في الوقت الذي تشهد فيه الوثائق وسجلات الطابو أن هذه البيوت لم يجر عليها بيع ولا شراء، وبالتالي فإن مزاعم المستوطنين ما هي إلا وسيلة لسلب هذه العقارات تحت غطاء قضائي متحيز، وفي ظل الهيمنة العسكرية الاسرائيلية.
ومن الناحية الاقتصادية، فإن إغلاق المدينة في وجه المواطنين الذين يعيشون في محيطها بالضفة الغربية أدى إلى ما يشبه الشلل في الحركة التجارية التي كانت تعتمد على تدفق هؤلاء المواطنين لقضاء مصالحهم وزيارة أقاربهم، وأداء الصلاة في المسجد الأقصى بالنسبة للمسلمين، وزيارة كنيسة القيامة وغيرها من الكنائس في ما يتعلق بالمسيحيين.
وتركز السلطات الاسرائيلية جهودها منذ عدة سنوات على أطراف المدينة المقدسة :فقد أقامت حول المدينة حزاما استيطانيا من جهاتها الثلاث المتماسة مع امتدادها في الضفة الغربية، مانعة بذلك أي توسع عمراني مقدسي نحو هذه الجهات، ما جعل المدينة المقدسة نوعا من الجيوب المغلقة، خصوصا مع إقامة جدار الفصل الذي أكمل الخناق والعزلة حول القدس الشرقية تماما.
وبعد إحكام الطوق حول القدس تواصلت عملية التهويد، وتركزت في مختلف أحياء المدينة جنوبا وشرقا وشمالا. وكانت الهجمة على أحياء سلوان وراس العمود حيث أقيمت أكثر من نواة استيطانية وسط التواجد الفلسطيني السكني المكثف.
وهذه البؤر الاستيطانية أثارت وما تزال تثير احتكاكات وتوترات في هذين الحيين، كان من الممكن تفاديها لو أن السلطات الاسرائيلية حالت دون إقامتها منذ البداية.
وما تزال الأطماع الاستيطانية في حي البستان ومشروع الحديقة التلمودية تؤرق المواطنين في هذا الحي الذين يتهددهم خطر هدم عدد من بيوتهم، وتشريد سكانها من الأطفال والشيوخ والنساء.
وفي حي الشيخ جراح تم خلال الأعوام الأخيرة استيلاء المستوطنين على عدة منازل في الحي، وإخلاء السكان العرب من هذه المنازل، وأصبح الوجود الفلسطيني فيه مهددا مع تزايد الإخطارات بالإخلاء، ومع مشاريع البناء الاستيطانية الكبيرة، خصوصا في كرم المفتي الذي استولت عليه السلطات الاسرائيلية بذرائع سياسية ليس لها علاقة بالقانون ولا بحقوق عائلة الحسيني التي لم تتوقف عن المطالبة بها.
وفي هذا السياق فقد تحدثت الأنباء عن مخطط أقرته بلدية القدس لإقامة مشروع استيطاني ضخم في هذا الحي، يتم من خلاله بناء مدرسة دينية وكنيس بارتفاع تسعة طوابق ومركز تهويدي على مساحة أربعة دونمات من أراضي الحي ذي الموقع الاستراتيجي، والأهمية البالغة للفلسطينيين.
لقد وصل الوضع في المدينة المقدسة إلى نقطة اللارجوع، ولم تعد عملية التهويد خافية على أحد. ومن واجب كل الجهات الفلسطينية والعربية والدولية التدخل لدى اسرائيل، ومن خلال المنظمات الدولية، للمحافظة على التواجد الفلسطيني في القدس، ووقف الإجراءات الاستيطانية فيها قبل أن يفوت الأوان وتضيع الفرصة- إن لم تكن قد ضاعت بالفعل منذ وقت طويل.
قراءة سياسية راهنة في ظل فن الممكن ....
بقلم: يونس العموري – القدس
ما بين فن الممكن وفن المستحيل تكمن الحكاية الفلسطينية بكل فصولها، حيث باتت عبارة فن الممكن وتحقيق الممكن من خلال المسيرة التسووية هي الشغل الشاغل لقادة الرأي والموقف الفلسطيني، وإنجاز وتواصل التهدئة بالشطر الأخر من الوطن من خلال الممكن لترسيخ الحكم العقائدي بقطاع غزة اساس فعل قادة وامراء حماس. وسياسات الممكن قد اصبحت هي الأساس في النهج القيادي الفلسطيني على مختلف توجهاتها وكأنهم قادة لأحزاب في دولة ذات سيادة يحترفون العمل السياسي ....
ومن خلال رصد وقائع الحركة السياسية المعاصرة بكافة مراحلها في الأراضي الفلسطينية المحتلة نلاحظ ان العمل السياسي بكافة دهاليزه وأطره قد اصبح سياسة لفن الممكن حفاظا على مصالح مراكز القوى المتنفذة على مختلف مستوياتها واشكالها، بل ان العمل السياسي قد تحول وفي معظم الدوائر لفن تحقيق الوصول عبر الموقع التنفيذي أو التشريعي الى أعلى المرتبات، وتأمين وظائف للأبناء والأقارب، وتحقيق المصالح ذات الطابع الشخصي والفردي، وحتى المصالح التنظيمية الحزبية على ارضية الحسابات الفصائلية ومصالحها اولا. وإهمال القضايا ذات الاتصال المباشر بالجمهور والتي لها علاقة مباشرة بنبض وجوده واستمراره وتوفير مقومات الصمود والانتقال من حالة ردة الفعل الى حالة الفعل والمبادرة على طريق تحقيق تطلعات وطموحات الجماهير الرابضة في ظل الاحتلال.
وهنا لابد من اجراء مراجعة فكرية سياسية لماهية الواقع المعاش بالظرف الراهن، وهل اصبحت سياسات فن الممكن هي حجر
واعتقد اننا بحاجة لإعادة صياغة مفاهيم العمل السياسي الفلسطيني من جديد على قاعدة اعادة توصيف طبيعة المرحلة ذاتها حيث مقولة ان السياسة فن الممكن قد باتت تتردد على السنة الكثير من الأكاديميين الفلسطينيين والعرب الذين يحترفون دراسة العلوم السياسية وفقا لنظريات سياسية غربية لها اهداف تطبيقية بعيدة المدى على مستوى المنطقة ككل. تصب في خانة استعمار الشعوب والسيطرة على مقدراتها عن طريق فعل التدجين والتهجين للجماهير واحالتها الى حالة شعبوية مستهلكة لكل ما من شانه ان يخدم اهداف ما وراء هذه النظريات الممكنة في اطار سياسات فن الممكن، ومحاولة الإيحاء بأن انجاز التغيير المطلوب وانجاز اهداف عملية التحرير وتحقيق سيادة الشعوب على ارضها وتقرير مصائرها واحدة من المستحيلات وبالتالي يتم دفع الشعوب بكافة قواها وفعالياتها الحية نحو العمل السياسي ضمن هوامش فن الممكن تحقيقه من خلال هكذا نظريات مصممة على مقاسات انظمة الحكم المتناغمة ومصالح رعاة المنطقة وبالتالي مشاريعها.
الا ان الحالة الفلسطينية من المفروض انها مختلفة ولا اساس لنظريات سياسات فن الممكن في اجندة التعاطي السياسي والقضية الفلسطينية ذاتها، على اعتبار انها قضية تخضع لمنطق الصراع بين الظالم والمظلوم، ما بين الاحتلال والجماهير الفلسطينية التي أبدعت وأبتدعت كل أشكال الفعل والفعل المقاوم، وكانت ان أطرت ذاتها في بوتقة الفعل الكفاحي من خلال انجاز الإطار الثوري الذي اعتمد النظرية الثورية ذات الطابع النضالي كأسلوب للتصدي لسياسات الاحتلال ومحاولته طمس هوية الحضارية العروبية، وبالتالي اعتمد على فنون العمل الثوري والذي ما كان يوصف بفن المستحيل. وما بين فن الممكن وفن المستحيل خضعت فصول الحكاية الفلسطينية للشد والجذب. والمستحيل هنا ليس المقصود به استحالة تحقيق اهداف الشعوب بل انها عملية تغيير شاقة للواقع السيء المُعاش، حيث ان انطلاق العمل الثوري واعلان حالة العصيان وبكافة السبل والوسائل الممكنة والمتاحة في وجه الاحتلال وسياساته يعتبر الطريق الوحيد التي على الشعوب السير فيه ومن خلاله، والا فإن مصيره سيكون ضياع هويته وطمس معالم وجوده الانسانية والحضارية.
وغالبا ما يكون الظالم (الاحتلال) ذا قوة مادية جبارة وغالبا ما يكون المظلوم (المُحتل) ضعيف الحال المادي وحيث ذلك فإن عبارة السياسة فن الممكن تعطي المظلوم جرعة من الجبن والتخاذل كي يكسر إرادته للظالم ويستسلم له، لكن إذا ما حسبنا الإمكانيات الروحية للمظلوم فنجد أنها هائلة لأن إحساسه بالظلم له رد فعل عكسي حسب القانون الثالث لنيوتن (لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه) أي أن المظلوم يملك بحسب القانون المذكور طاقة روحية (تتحول إلى طاقة مادية) تعادل طاقة الظالم القوي الجبار.
إن عبارة السياسة فن الممكن!!؟؟ قامت عليها كل الاتفاقيات السياسية للأمة من اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل واتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل إلى اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وأخيرا صناعة وصياغة التهدئة بقطاع غزة. وما خفي لربما يكون الأعظم ....
وبالعودة لسياسة الحسابات الدقيقة في مفاهيم فن الممكن وتحقيق الانجازات من وراءها وفن المستحيل وتحقيق المُراد من خلاله نلاحظ ان حزب الله مثلا واجه إسرائيل في الحرب السادسة 2006 وخاض معها حربا مدتها ثلاث وثلاثين يوما كسر فيها شوكة جيش الدفاع الذي لا يقهر الذي كان يدوس على بطون عشرين جيشا عربيا متخصصين في قمع مواطنيهم بالأساس. حينها لم يحسب حزب الله فن الممكن ولو حسبها لاستسلم ولن يلمه أحد، وكذلك عبد الناصر عام 1956 لو حسب فن الممكن لما أمم قناة السويس وواجه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وسطر ملحمة تاريخية بدماء أبطال بورسعيد وأبطال الشعب المصري، كذلك لم يحسب ياسر عرفات فن الممكن عندما واجه الجيش الإسرائيلي المنتصر قبل عام في معركة الكرامة عام 1968 حيث انهزم الجيش الإسرائيلي. ولم يحسب كذلك فن الممكن في مفاوضات كامب ديفيد حينما قال اللا بحضرة سيد البيت الأبيض ورفض اطروحات التسوية السياسية.
وفي ذات الاطار فان الواقع السياسي الراهن ينذر بما يسمى بالاطروحة الاوسلوية الجديدة والمسماه باتفاق الاطار الجديد وفقا للتسمية السياسية الحالية لخطة وزير خارجية البيت الابيض كيري وهي الخطة المعتمدة اصلا على سياسة فن الممكن انجازه هذا الممكن في ظل الوقائع الفلسطينية الراهنة وحساباتها والحال العربي والاقليمي السائد في المنطقة ... واذا تأتي هذه الخطة ووفقا للتسريبات لتؤكد من جديد على حقيقة الانحياز الامريكي الواضح اتجاه المصالح العليا للدولة العبرية بشكل او باخر.
مرة اخرى اعتقد ان الحالة فلسطينية بحاجة الى ثورة على وقائع وتفاصيل سياسات فن الممكن الراهنة التي باتت مسيطرة على العقل القيادي الفلسطيني وفلسفته اتجاه مختلف قضايانا الأساسية والجوهرية وبهذا السياق لابد من اعادة تموضع جديدة لفن الثورة والمقاومة ونبذ قوانين احتراف العمل السياسي ودهاليزه التي اصبحت تثقل كاهل قضيتنا وتحملها ما لا يمكن احتماله كالإلتزام بقوانين العمل السياسي الدبلوماسي واصوله.
إن عبارة (السياسة فن الممكن)هي جزء من سياسات القوى الاستعمارية لضمان الخنوع والاستكانة لأجندتها في سبيل انجاز التخاذل والاستسلام . واطفاء جذوة المقاومة بكافة اشكالها.
مروان البرغوثي أمام زنزانة نيلسون مانديلا
بقلم: بقلم :عيسى قراقع - القدس
ألم اقل لك يا أبا الإنسانية ، ومحرر المضطهدين من نير العبودية والعنصرية أن واحدا منك يكفي شعب فلسطين ليتألق عاليا في سماء حريته، ويضع كل سجاني وجلادي العالم في قفص الاتهام أمام حشود الضحايا النازفة الناهضة من آلامها وقبورها لتجدد حياتها كاملة.
وقال مروان البرغوثي الواقف أمام زنزانة المناضل الكبير المرحوم نيلسون مانديلا خلال إطلاق الحملة الدولية لإطلاق سراحه في جنوب أفريقيا وبحضور شخصيات دولية وأسرى محررين وممثلين عن الأحزاب المختلفة يوم 25/10/2013 : أن روح مانديلا تتفجر في أعماق آلاف الاسرى الفلسطينيين المعتقلين في الزنازين والمعسكرات ، يقتربون من خلاله إلى أقصى درجات الحرية، بل أن اسم مانديلا هو الاسم السحري لحتمية انتهاء عهود الاحتلال والاستعمار في العالم.
وقال :جئتك من فلسطين المجروحة عميقا إلى جزيرة "روبن ايلاند" حيث احتجزت 27 عاما لأقول لك: كما أنت نجحت في امتحان المعجزة الثورية بإسقاط نظام الابرتهايد البشع، وجلبت لشعبك العظيم الحرية والديمقراطية والمصالحة والسلام، فنحن لا زلنا في امتحان المعجزة الفلسطينية صمودا على حواجز عسكرية قاتلة ، وصمودا في حماية شجرة يقتلعها المستوطنون بلا رحمة، وصمودا في حماية تاريخنا وأسماءنا من العبرنة والحفريات وتشويه المكان.
جئتك من زنزانة رقم 28 في سجن هداريم الإسرائيلي بعد 12 عاما من اعتقالي لأكشف لك عن تلك المسرحية الإسرائيلية التي تؤسس السلام على استحضار شبح من أجل الاحتفال بتغييبه حقوقا وشرعية ، مما يجعل هذه المسرحية خالية من أي شيء ، الأرض خالية منا بعد أن حل مكاننا مستوطنون عتاة، والسلام خال منا بعد أن حشرنا في أقفاص متباعدة وضيقة.
سأقول لك ما قلته أنت يوم تحولت إلى رمز للعدالة في محكمة الظالم ممثلا للمثل العليا للحرية والعدالة والديمقراطية : بأننا الشعب الفلسطيني سنواصل المقاومة حتى في قلعة العدو، وداخل معسكراته حتى تسقط جدران الاحتلال ، وحتى يفوق ويعود إلى نفسه إذا أراد أن يتحرر من الانغلاق ومن هاجس البندقية.
لقد أمضيت مدة طويلة في هذه الجزيرة المعزولة وداخل زنزانة رطبة بمقاس 8 أقدام في 7 أقدام، وقضيت سنوات طويلة في كسر الصخور في المحاجر، لأنقل لك تحيات آلاف الاسرى الفلسطينيين الشهداء والأحياء، مرضى وأطفال ونساء وكبارا في السن، تحيات شعب كسر السلاسل مرارا بأرواحه وأجساده ، يحيا بعد الموت، ويحوّل موته إلى حياة أخرى، لا يتعب ، يسير على خطواتك عندما سقط نظام الفصل العنصري وجاء كل العالم يفتح الأبواب المغلقة عليك.
أيها القائد الذي أعطى الشعوب المعذبة ترياق الأمل، وأعاد للمقهورين ابتسامتهم الغائبة ، انهض قليلا ونبه قادة تل أبيب أنهم يسيرون نحو الزوال والانقراض الإنساني، وأن عليهم إعادة قراءة تاريخهم ووجودهم على هذه الأرض باعتبارهم وجودا غير شرعي ، وأنهم أصيبوا بالجنون الفوق عنصري عندما يطالبون الاعتراف بتحويل ديانتهم اليهودية إلى قومية، محلقين في اللاهوتية العدائية التي لا حدود لها في شطب الآخرين.
أمام زنزانة مانديلا التي زينتها صورة مروان البرغوثي ظل صوت مروان يصدح عاليا، مفعما باشرا قات الفرح، محتفلا بالحرية في بلد الحرية كأنه في القدس يتحرر من الحاضر إلى الغد بنبوءة واضحة المعاني تقول: بأننا لا ننافس العالم كضحايا ، بل ننافس العالم كبشر عاديين استطاعوا أن يجردوا الجلادين من بطولاتهم الوهمية.
مروان البرغوثي يتحرك في زنازين سجن روبن آيلاند، هنا سقطنا ، هنا نهضنا، هنا شبحنا، وهنا سال دمنا، وهنا عزلنا ، وهنا جرى قمعنا بالرصاص والغاز السام، هنا صرخنا وأنشدنا وتوحدنا، وهنا أيضا كنا قادرين على إثبات حضورنا الحيّ، متحررين من عقدة الخوف، ومتيقنين أن النهار يتسع لنا جميعا، يقترب من أبواب الحديد ليطرد الظلام والظالمين.
هنا نظام ابرتهايد عسكري وجغرافي وثقافي، ولم يبق فلسطينيا إلا ودخل السجن وحفظ أسماء السجانين منذ معتقل صرفند حتى إسطبلات الفارعة ، فالظلم واحد، والجلاد واحد ، وللحرية أيضا نشيدا واحدا تشاركنا فيه الأرض والسماء.
مروان البرغوثي يعانق نيسلون مانديلا حاملا روحه ونبضات عروقه العنيدات، يتلفت إلى كل الجهات، تصده أقسام السجون وتفتيشات وآهات، ما اطول الرحلة وما أقرب الفرحة، يقول مروان البرغوثي وهو يراقب عودة قدامى الاسرى من بوابة السجن إلى بوابة رئاسة الدولة في ذلك الفجر الابيض.
مروان يطمئن مانديلا : لا تخش علينا، أشجارنا عالية تنام أغصانها في فم العاصفة، عرق بشري في حجارتنا ، شمسنا عمودية دائما، رائحة ضوء في قمحنا، البئر ملآن، شهوتنا للحياة أقوى من الموت وإن خذلتنا ضمائر العالم أحيانا، مسيحنا قام وأضاء شجرة الميلاد، لا تقلق نحن على موعد مع النصر الإنساني وليس مع الخسارة، سائرون إلى الحقيقة وهم سائرون إلى الخطيئة.
يردد مروان ما قاله مانديلا: الجبناء يموتون مرات عديدة قبل موتهم والشجاع لا يذوق الموت إلا مرة واحدة، ونحن لن نقتل أنفسنا، ولن نضيق خياراتنا في الحياة والسلام، ولن نوقع على اتفاق لتأجير وطننا لنا كعبيد سخرة، ونحن الشعب الوحيد الذي أدمن الحضور الكثيف في الغياب، ولمانديلا وروحه الطاهرة هذا العهد وهذا الحلم والوفاء.
هل يستطيع كيري تحويل فلسفته الى واقع؟؟
بقلم: بقلم : الدكتور عيسى – القدس
هناك قاعدة فلسفية وعلمية ومنهجية ذهبية تقول : " لكل سياسية نهج ومنهج وبرنامج اجرائي وفكرة عملية للتطبيق ، وليس لكل فلسفة او فكرة مكان للتطبيق العملي السياسي " . نعم لكل فعل سياسي فكرة مجردة واخرى عملية تطبيقية تخدم نفسها ومحيطها ، وليس لكل فكرة تنزل من سماء ادمغتنا مكان لها في الوجود الفعلي .
ما الذي يجعل فكرة تنبت وتعيش وتترعرع واخرى تموت وتتلاشى وتنهار ؟ وما هو المحدد الانسان حامل الفكرة ام البيئة المحيطة ام تفاعل العقل مع الواقع ؟ وما الذي يجعل فكرة شخص ما تنجح وتدفع بفكرة الاخر الى الفشل والتلاشي ؟ هل هي الارادة لدى المفكر وفاعلية الفكرة والقوة الدافعة لها والبرنامج العملي والخطوات والاجراءات على الارض والتفاعل بين كل العوامل المكونة لها ولروحها ؟ هل السيد كيري يملك الملكات الذاتية والشخضية والعوامل الموضوعية من قوة وتاثير ونفوذ لتحويل فكره وفلسفته الى واقع سياسي مستقبلي معاش ؟
هذا الامر محل دراسة وترقب وتحليل ، ولا يمكن له الحدوث الا على مراحل ووفق زمن طويل وتوزيع المكاسب على جميع الاطراف وتلبية مطالب وحقوق وثوابت بتضافر مجموعة كبيرة من دول العالم وبصبر وهدوء وحكمة ونوع من العدالة والواقعية والتسويات في مسائل معقدة مثل القدس وحق العودة والتعويض .....الخ .
هذا الامر يطول شرحه نظريا ، والمهم ان لا يعمل كيري في المجال النظري وعليه ان يعرف كيف يبني واقعا حتى لو كان صغيرا اول الامر ويشيد عليه ( وفق نظرية دعنا نعمل ونرى الامريكية ). كيري يستطيع ان يحول فلسفته الى واقع اذا احسن التصرف بزمنه وادواته وقوته وحكمته وصبره وجلده ونفوذ بلده وخبرة زملائه وعلاقاته الاكاديمية والاعلامية والامنية والمالية .......الخ
نقول دائما أن فلان صاحب نظرية أو فكر أو فلسفة، أو عقيدة، أو مبدأ وفق التاريخ السياسي الأمريكي، وفلان هنا ليس رجل عادي أو شخصية عابرة بل انسان ذو عزم وارادة وفكر وجهد وعمل شاق ومتواصل ، ولا شك ان السيد كيري رجل مثابر وذو حنكة ومقدرة ودراية وارادة وعليه الاستمرار دول الذهاب الى القضايا الحساسة والمعقدة قدر الامكان ؛ وعليه خلق حقائق على الارض كما حصل مع خروج الاسرى العمداء .
التاريخ الحديث مليئين بمثل هذه الشخصيات المثابرة والجادة والحازمة والمستنيرة ؛ الى الحد الذي يمكن القول فيه ان هؤلاء كانوا المحرك الجبار لحياة مجتمعهم وشعوبهم ودولهم دون شك ؛ ومن يريد ان ينجح عليه ان لا يغادر العملية بكل مشاقها ومتاعبها .
يمكن لنا القول ان هناك مجموعة من العوامل الفلسفية والنفسية والسياسية والفكرية تساهم في نجاح شخصية في احداث تغير في الحياة المجتمعية والسياحية والفكرية والسياسية . ان احداث التغيير في حياة الشعوب ليس بالامر السهل بل أمر غاية في التعقيد وبحاجة الى ارادة ونفس وروح وعقل وقوة ومثابرة وجهد متواصل. هل العوامل السابقة موجودة في شخصية وزير الخارجية الأمريكي ؟؟ مبدئيا نقول نعم ، فالرجل جاد ومثابر لا يعرف الكلل أو الملل رغم كبر سنه من ناحية ؛ ويأس زملائه وتاريخ بلده من الصراع العربي الاسرائيلي عامة والصراع في فلسطين خاصة.
من المهم بمكان أن نعرف ونحلل مغزى ذلك وتاثيره على العملية التفاوضية . أن كيري أدى اليمين الدستورية في الأول من شهر شباط 2013، لتولي منصب وزير الخارجية الأمريكية الثامن والستين ، ليكون أول رئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ يتبوأ منصب وزير الخارجية منذ أكثر من قرن من الزمن، ودلالة ذلك تكمن في أنه فتح ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي فور تسلمه المنصب رغم كل نصائح محيطه بعدم التعاطي جديا مع هذه القضية المعقدة والشائكة والمرهقة والتي أخذت من وقت الولايات المتحدة الكثير !! ( هذا يعطي انطباعا مبدئيا ان الرجل اختار الصعب والمعقد والشائك من اجل مصالح بلده في المنطقة وهذا امر يحسب له ولدبلوماسيته ).
أمر آخر مهم وبحاجة الى تنويه (أصبح كيري وزيرا للخارجية بعد قضاء 28 عاما في مجلس الشيوخ الأميركي ، وكان خلال الأربع سنوات الأخيرة منها رئيسا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ..........بل انه كان على مسافة قريبة جدا من كرسي الرئاسة ) ، وهذا يعطينا انطباعا اخر وخلاصة منطقية وعلمية أن الرجل يعرف تماما ماذا يفعل على عكس حديث الحكومة والشعب والاعلام الاسرائيلي ( انه لا يعرف ماذا يفعل !!)
صدر كلام مسيئ للرجل وبشكل شخصي من قبل الشعب الاسرائيلي وحكومته رغم أنه وضع كل مصالح اسرائيل الاستراتيجية في تفكيره وعمله ومشروعه ،الأمر الذي دفع برجل مخضرم أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه الى فضح " افكار كيري الاسرائيلية " بالقول "أنه لا يمكن قبول الأفكار التي طرحها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في اطار بحثه عن وضع خطة اتفاق اطار مع اسرائيل .... ان الفلسطنيين لا يمكنهم قبول أفكار الوزير كيري التي تجعل موعد بدء وانتهاء الانسحاب الاسرائيلي من الضفة الغربية مجهولا" . نعم ، معه حق اخي ابوبشار فكيري يراهن على المجهول وربما يقول ان الشعب الفلسطيني لا يقرأ المجهول او لايهتم به او ان العرب لا يعرفون قيمة المستقبل ..... من يعرف !!!.
والى جانب المجهول يدخلنا كيري في الغامض والمبهم وغير المحدد والدقيق وهذا امرا مقصود وله غاية بلا شك : " أن أفكار كيري تعطي الفلسطينيين صيغا عامة وغامضة حول مصير مدينة القدس التي يريدها الفلسطينيون عاصمة لدولتهم القادمة كما تريد اقتطاع منطقة الأغوار بحجة الأمن الى جزء من دولة اسرائيل ". وفي علم السياسية وعلم القانون كثير من الامور الغامضة تحل مشكلات واضحة وبينة ؛ وتترك الافتاء والتاويل والتفسير المتعدد يرضي الجميع .
الخطير في افكار كيري وفلسفته " أن أفكار الوزير الأمريكي تريد كذلك الغاء أي حق للاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة أراضيهم في 1948 دون توضيح طبيعة المقترحات لحل قضيتهم."
في علم الفلسفة نقول دائما لا توضح الواضح دع الامر تمر واقعيا وعمليا والزمن يصنع حقائق الانخراط في الحياة ينشئ حياة اخرى !! ؛ وهذا ليس موقفي بل انقل ما يدور في عقل كيري وعقول الساسة في الغرب ! وطبعا هذا طرح صعب ومرير وعقيم ، فلا يمكن غض النظر عن حق العودة وعن قضية اللاجئين ، فمشكلة فلسطين بالاساس كارثة لجوء انسانية حضارية لا يمكن ان تنسى حتى على الشعوب والمجتمعات الانسانية قاطبة .
فالقضية الفلسطينية باختصار محدد هي: قضية لجوء انسان وخروجه ظلما من بلده وبيته وقريته وقدس وأرض، فهل يعلم كيري مدى حساسية اللاجئ وارتباطه بمقدسه وتمسكه بترابه ؟.
رغم الرفض الأعلامي العلني من طرفي الصراع لمشروع كيري ، الا أن الرجل يطارد الجميع ويلمح ويكرر ويثابر من خلال الاستقواء بالدول والحلفاء والهئيات الدولية والمؤسسات الاكاديمية الاعلامية والمالية من أجل اخضاع الجميع لفكره ومشروعه وفلسفته ، وهذا جيد اذا لم تحطم فلسفته حقوقنا القانونية و الوطنية والدينية والتاريخية والحضارية ولانسانية .
من حق كيري ان يبني ويحلم بحياة فكره وفلسفته ومشروعه و أن يضيع التاريخ والزمن والمصالح السياسية والامنية والمالية في جيبه؛ لكن بعدل وانصاف وواقعية وتسويات في ملفات قابلة للتسوية .ومن حقه استخدام جميع الادوات من أجل تغيير مستقبل المكان والانسان والفكرة ، بل اقول ربما من حقه استخدام العصا اكثر من الجزرة !!!
ان السيد كيري في فلسفته يناور بالزمن ويتلاعب بالتاريخ ويفتي بالدين ويركب مفاهيم حديثة وجديدة في علم القانون السياسي المفاهيمي ؛ فمرة تسمعه يقول اتفاق اطار وأخرى اطار وثالثة اطار الاتفاق وغير ذلك. يريد كيري أن يخضع الأمن والجغرافيا الى قدرة بلده وحلفائها في تعويض؛ وهذا يعود الى مدى تعمقه في البيئة النفسية للشعب الاسرائيلي والفلسطيني على حد سواء .
واذا اراد كيري ان يسمع لنا فنقول له : لا تكل ولا تمل ولا تتردد ولا تتوقف في عملك تابع فنشاطك مقدر ومشكور ومرغوب . لا تسمع الى حديث نريد دولة مسيحية او يهودية او اسلامية فهذا لعب مع الشيطان وغير حضاري بالمطلق . الملفات المعقدة والحساسة تترك سرية ولا تسمح بالحديث فيها او عنها ؛ استخدم سلاح المال في المنح والمنع ولا تتردد في استخدام نفوذ بلادك.
واخيرا اخلق وقائع جديدة على الارض كل دقيقة و ساعة ويوم ولا تعمل الا للمستقبل .
عـيـون الأكـاسـيــا ؟
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
"الشجر العالي كان نساء/ كان لغة"
محمود درويش
***
المعنى في قلب الشاعر، وما في قلبه على لسانه. المعنى في قارئ الشاعر في عيونه، وما في عيونه على قلمه. شاعر إغريقي عظيم رأى نوار اللوز، فقال: رأيت الله.
.. وأنا رأيت نوار اللوز، وشجرة اللوز ميقات (ساعة بيولوجية) تستيقظ فيها من سباتها الشتوي، سواء إن كان الشتاء شحيح المطر أو مدرار المطر.
الشاعر رأى ما يرى سواه: الشجرة أنثى، والأنثى طفلة عذراء بكر لا تحمل زهراً لا يعقد الزهر ثمراً، أو امرأة ثيّب تحمل زهراً لا يعقد ثمراً، أو امرأة ولود يعقد زهرها ويطرح ثمراً: سنديانة، مشمشة أو هذه الشجرة المسماة أكاسيا.
الأكاسيا شجرة حرجية تعقد زهراً ولا تطرح ثمراً، ونوارها يستيقظ آخر شباط وفي آذار، لكنه يشعّ نوراً أصفر وهّاجاً في نيسان وأيار، كأنه انفجار الأصفر الفاقع.
ليس لي شجرة مفضلة: حرجية كانت أو مثمرة. قد أحبّ نوار اللوز الهش كأنه ثوب زفاف، أو نوار التفاح والأجاص.. لكنني أحببت شجرة الأكاسيا لثلاثة أسباب: أنها شجرة حرجية وارفة تصنع فروعها والأفنان فيئاً واسعاً، وهي شجرة متقشفة في حاجتها للماء، فأوراقها مطلية بما يحفظ رطوبتها، وأزهارها (عيونها) الصفراء الفاقعة تجفّ وتذبل محتفظة بهيئتها كأنها حيّة.. وأخيراً، فهي ناءت بأغصانها والأفنان تحت وطأة ثلجة كانون، حتى انبطحت أرضاً وصنعت ما يشبه "الأيكة" أي الشجر الملتف الكثيف.
لست خبيراً بنطاقات عيش شجرة الأكاسيا، خلاف نطاق عيش شجرة الزيتون مثلاً، أو السنديان، أو هذه "الأرزة" التي تعشق الطقس الميّال للبرودة، ومن ثمّ لا أعرف إن كانت الأكاسيا أصيلة في النطاق الشجري المتوسطي، أو دخيلة عليه وداجنة فيه.
تاجها، جملتها الورقية على أغصانها وأفنانها يشبه تسريحة شعر الإناث الفوضويات، أو شعر الأنثى الإفريقية، أو أسطورة الأنثى "ميدوزا" الشريرة الإغريقية، التي شعرها وكر للأفاعي.
بالفعل، ذكرتني "الأكاسيا"، وبخاصة أزرارها الزهرية فاقعة الاصفرار بعيون الأفعى وعيون هذا الحيوان الزاحف صفراء فاقعة، كما هي مقلة عيون الحيوانات الكاسرة كالنمر المفترس.
أمرّ في "شارع الأيام" ـ رام الله مرتين يومياً: صباحاً وعصراً، وفي هذا الشارع غرست البلدية ثلاث إناث (قصدي شجرات) معظمها صفصاف أو كينيا، وأربع شجرات لا غير من الأكاسيا.
الذي حصل أن معظم شجرات الصفصاف ماتت، أو هي عليلة، ربما لأن التربة لا تناسبها، لكن الشجرات الأربع من "الأكاسيا" المحبة، كما يبدو، لشظف العيش عاشت جميعها، و"نفشت" تاج شعرها.
تحت وطأة سجادة سميكة من ثلجة كانون الأول ناءت شجرات الأكاسيا.. حتى انبطحت أرضاً، وصنعت فيئاً واسعاً، بعضه لا يقل قطر محيطه عن عشرة أمتار. لم تتحطم أضلاعها المرنة، لكن ناءت غضاريف عظمها، والشيء المدهش أن نوارتها الصفراء عقدت، وستتفجر بعد أسابيع زهراً أصفر.
.. أو أن عمال البلدية سوف يضبطون نموها الشيطاني بالتقليم والتسهيل الجائر... وإلاّ سدّت جانباً من الشارع بما يعيق سواق السيارات عن الرؤية الواضحة.
ثلجة كانون حملت مقصاً أو فأساً أو بلطة، وقامت بتشهيل (تقليم) عشوائي خفيف أو جائر، وعمال البلدية قاموا، كما في كل شباط، بعد الثلجة بقص فروع الأشجار الميتة التي انكسرت تحت وطأة الثلج، أو حتى نشروا نصف جذعها وأطاحوا بجملتها الورقية، على أمل أن تنمو جملتها الجذرية وتشب أغصاناً من جديد.
صحيح أن شجرة الزيتون هي بعض ما كان يعني الشاعر فهي ولو كانت ليست عالية، تزهر باستحياء ثم يعقد زهرها ثمراً.. لكن ربما على تلال هذه الضفة التي يحمي هذا "النتش" تربتها من الانجراف بماء المطر، يمكن زراعة أشجار حرجية مثمرة (خروب نافع) أو غير مثمرة ثمراً نافعاً (بلوط مثلاً) أو مزهرة بلا ثمر مثل الأكاسيا، وجميعها تصنع ظلاً وافراً، وتجذب زهورها الصفراء الكثيفة إليها نحلاً يصنع شهداً ربما يضارع مذاق شهد تصنعه أسراب النحل من زهور أشجار الكينيا.
الأكاسيا ذات عيون شرسة وشهوانية، وإغواء أكثر من عيون النساء اللواتي في طرفها حور.
لم أرَ عيون المها.. ورأيت عيون الأكاسيا.
"فتح" / "حماس" : الأزمة داخلية والمأزق خارجي !
بقلم: رجب أبو سرية – الايام
منذ عام 1994 لم تعد الفصائل الفلسطينية حركة تحرر وحسب، بل هي أو بعضها مارست السلطة، حيث صار لزاماً على الشعب أن يحاسبها على أدائها، وان يطالبها بممارسة الديموقراطية، طالما هي مارست الحكم، وان كانت سلطة منقوصة السيادة، وليست بكامل أو مطلق حريتها، بسبب كونها ما زالت سلطة تحت الاحتلال، بهذا القدر أو ذاك، ولكن حتى سلوكها تجاه الاحتلال، من حق الشعب أن يتابعه وان يحاسبها عليه، لذا ورغم كل ما نجم عن أوسلو من مساوئ، إلا أنه نجم عنها إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية، بشكل دوري، وهذا أمر يحدث لأول مرة منذ أن تولت فصائل العمل الوطني المسؤولية السياسية، منذ العام 1996، وإن كان هذا الإنجاز الديموقراطي قد توفر، لنصف الشعب الفلسطيني، أي ذلك الجزء من الشعب الذي يقيم في الأراضي المحتلة منذ عام 1967، اي الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة .
لهذا السبب فإن السلطة تمثل مواطني الضفة والقدس وغزة، فيما تمثل "م ت ف" الشعب كله في الوطن والشتات، المهم في الأمر، انه توفرت للشعب الفلسطيني المقيم في وطنه، ان يقول كلمته في "أوسلو" وفي البرنامج السياسي الذي عاد به الراحل العظيم ياسر عرفات للوطن عام 94، وذلك في اول انتخابات تشريعية ورئاسية جرت عام 1996، ثم كانت انتخابات العام 2006 مناسبة ليحاسب الشعب حركة فتح وحلفاءها السياسيين الذين تولوا المسؤولية، على أداء السلطة خلال عشرة أعوام مضت قبل ذلك، وقد فعل، وأحدث " انقلابا " تمثل بفوز حركة حماس في تلك الانتخابات، والتي مضت عليها عشرة أعوام، بالتمام والكمال، لذا فإن إجراء الانتخابات الرئاسية والعامة، فضلا عن أن البعض يرى فيه إجراء من شأنه أن ينهي الانقسام، فإننا نرى فيه حقا للشعب وإجراء ديموقراطيا واجبا في كل الأحوال، حتى يحاسب الشعب قيادته خلال العشر سنوات التي مضت .
من الواضح بأنه إذا كان أهم ما حدث خلال السنوات العشر الأولى بعد تشكل السلطة، هو فشلها في التوصل للحل النهائي مع إسرائيل كما كان مقررا في عام 1999، وسوء الإدارة والفساد المالي، فانه يسجل الآن أن أسوأ ما حدث خلال العشر سنوات التالية هو الفشل في إقامة نظام الشراكة السياسي، وحدوث الانقسام، إضافة الى الفشل في تحقيق تقدم على صعيد إنهاء أو على الأقل انحسار الاحتلال الإسرائيلي، وفي هذا الشأن يتحمل طرفا السلطة المسؤولية، وأن كان ذلك بدرجتين متفاوتتين، فـ "حماس" مسؤولة عن فشل إقامة نظام الشراكة وعن إحداث الانقسام، و"فتح" مسؤولة عن العجز في التصدي للانقسام، وكذلك عن التعثر في التصدي بشكل أكثر فاعلية للاحتلال، وإنهائه، إن لم يكن بالمفاوضات، فبالمقاومة الشعبية، وربما لأن لـ "فتح" مشاكلها أيضا، رغم التحسن الذي طرأ على أوضاعها الداخلية بعد مؤتمرها السادس الذي انعقد في آب 2008، فقد طال عمر الانقسام، ورغم الاستعداد العالي الذي أبداه مواطنو غزة بالذات للتصدي لحكم "حماس"، إلا أن قيادة فتح " للمعارضة " في غزة، وقيادة "حماس" " للمعارضة " في الضفة، أضعف كثيرا من قدرة الشعب على تصحيح الأوضاع الوطنية الداخلية .
وأذا كانت أزمة "حماس" متعددة الأشكال، وتظهر واضحة في فشل خياراتها السياسية التي عقدتها على نجاح تحالف قطر، تركيا، الإخوان في قيادة المنطقة، في كسر الحصار عن غزة، وآخر مظاهره تواري القيادة المركزية للحركة عن الأنظار، وعن تولي مسؤولية إدارة غزة، حيث بات واضحا انها تركت شأن غزة وحتى شأن المصالحة، والشأن الداخلي كله لمنظمتها في غزة، فأن أزمة "فتح" هي الأخرى واضحة في ضعف منظمتها في غزة، حيث ان تتبع التشكيلات القيادية التي جرت عليها عدة تعديلات منذ عام 2007، رغم انه كانت هناك فرصة لإعادة الاعتبار لها وإعادة تشكيلها على أساس كفاحي، دليل على ذلك، ثم أن فتح تواجه ازمة داخلية تتمثل في تجديد قيادتها، وربما كان عقد مؤتمرها السابع، والذي يفترض ان يجري خلال هذا العام يعتبر مناسبة للخروج من مأزق، كون معظم قيادة "فتح" ممن تبقى من الجيل المؤسس والجيل الثاني، الذين تخطوا السبعين من العمر، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية يضع الحركة امام هذا الاستحقاق .
في زيارة الوفد القيادي الفتحاوي لغزة، تبين ان هناك مشاكل داخلية تواجه التنظيم، وان حركة حماس تطالب بتسوية أمور كادرها الوظيفي، والمتمثل في نحو 55 ألف موظف مدني وعسكري في غزة، حيث أن "حماس" تريد ان تضمن أية تسوية للانقسام الحفاظ على المكتسبات الوظيفية لهؤلاء، وربما يكون ذلك على حساب موظفي غزة من الفتحاويين وأنصارهم، الذي انتسبوا للسلطة منذ تأسيسها والى ان سيطرت "حماس" على القطاع .
المهم في الأمر كله ان أزمة "فتح" الداخلية ذات الطابع التنظيمي والتي تتمثل في ضرورة ان يتولى جيل شاب، ربما كان من قيادات ورموز التنظيم في الوطن ممن تتراوح أعمارهم بين الخمسين والستين قيادة الحركة، حيث ان ما يطرح بشأن استحداث منصب نائب الرئيس يعبر عن هذه المشكلة، وهنا يمكن القول بأن هناك ثلاثة مناصب يدور حولها الحديث، رئيس "م ت ف"، رئيس السلطة، ورئيس حركة فتح، وأزمة "حماس" الخارجية والمتمثلة في فشل مراهنتها على الحلفاء، وانكفاء قيادتها الخارجية عن التصدي لمواجهة مشاكل حكمها في غزة، المهم أن ازمتي الحركتين تنتجان مأزقا وطنيا يعاني من تبعاته الشعب الفلسطيني، بشكل مباشر ويؤثر على الحياة اليومية والعامة لنصف الشعب الفلسطيني، وبشكل سياسي بعيد المدى يؤثر سلباً على كل الشعب الفلسطيني، والذي بات عليه _ ربما _ أن ينضم الى الربيع العربي، ليصحح من مساره الوطني، وحتى يحقق طموحاته في التحرر والحرية والاستقلال.
الشعوب العربية تدير ظهرها للإسلاميين!
بقلم: محمد ياغي – الايام
توجد ظاهرة في العالم العربي تستحق أن نتوقف عندها: الإسلاميون في حالة تراجع
بعد أن اكتسح إخوان مصر والسلفيون صناديق اقتراع مجلس الشعب قبل عامين، وبعد الفوز بالرئاسة وموافقة المصريين على الدستور الذي كتبه الإخوان وحلفاؤهم، انقلب الشارع عليهمفي غضون ستة أشهر، وهو ما اعتبره الجيش فرصة للتخلص من حكم الإخوان وحظرهم كتنظيم.
في تونس شعرت النهضة بتراجع كبير في شعبيتها بعد اغتيال زعيمي المعارضة من الجبهة الشعبية، النائبين شكري بلعيد ومحمد براهمي، واضطرت للتخلي عن الحكم حتى لا تدخل في صراع مفتوح مع القوى المدنية قد ينتهي على الطريقة "المصرية".
في سورية، الصراع الدموي داخل جماعات المعارضة، وقيام تركيا مؤخراً بقصف مواقع لـ "داعش" داخل سورية، وتراجع "الغرب" عن دعم المعارضة هي مؤشرات لحالة الفشل التي وصلت إليها المعارضة "الإسلامية".
ليبيا واليمن ليسا بأفضل حالا.. التيارات الإسلامية تتقاتل فيما بينها، وتتصارع في نفس الوقت مع القوى الليبرالية على الحكم.
خلال عملية الاستقطاب الحادة التي تشهدها جميع دول العالم العربي، لا يبدو أن القوى الإسلامية تفوز بتعاطف الشارع..على النقيض من ذلك، يبدو أن القوى الليبرالية التي كانت متحالفة مع الأنظمة القديمة – وليس القوى الثورية- هي التي كسبت من تراجع النفوذ الشعبي للإسلاميين. في تونس، القوة التي استفادت من تراجع "النهضة" هي حركة نداء تونس وهي تمثل فعلياً النظام القديم في شخوصها وسياساتها. القوى الثورية في الجبهة الشعبية وهي تشكيل يضم عددا كبيرا من الأحزاب الصغيرة، كان لها "شرف" إضعاف النهضة، لكنها فعلياً لم تستفد من ذلك. وفي مصر، المؤسسة التي حظيت بالتأييد الشعبي على حساب الإخوان هي مؤسسة الجيش وليست القوى التي تصارعت مع الإخوان.
مناضلو القوى الثورية أصبحوا مثل الإخوان في المعتقلات، والقوى الليبرالية المتحالفة مع الجيش لا تجرؤ حتى على التقدم الى منافسة سباق الرئاسة.. ليس خوفاً من الجيش، ولكن لمعرفتها المسبقة بأن حظوظها في النجاح أمام وزير الدفاع تكاد تكون صفرا. وفي جنيف، اقترحت المعارضة على النظام الشراكة في الحرب ضد "المجاهدين" غير السوريين في حالة التوصل الى اتفاق انتقالي.
كيف نجح التيار الإسلامي في تعزيز مواقع الأنظمة القديمة شعبياً بعد أن أسقطت الشعوب العربية بعضها وكانت تسعى الى إسقاط ما تبقى منها؟ كيف حصلت الردة من الوقوف مع الإسلاميين في صناديق الاقتراع الى الوقوف ضدهم في الشارع وملاحقتهم الى جانب رجال الشرطة كما يحدث في مصر حتى لو كان الثمن هو عودة لنظام قديم، أو لاستمرار القديم الذي لم يسقط؟
الإسلاميون يحبون الحديث عن مؤامرة كونية ضدهم لكنهم لو تواضعوا قليلا لاكتشفوا بأن جوهر المشكلة يكمن في أنهم حاولوا أن يحكموا بعكس ما وعدوا الناس به. والأسوأ من ذلك أنهم حاولوا أن يحكموا بنفس أدوات النظام القديم. لم تر الناس فرقاً بينهم وبين القديم فأدارت ظهورها لهم.
في مصر، بعد سنة من حكم الإسلاميين لم ير الناس جديداً يسمح لهم بدعم نظام الإخوان. السياسات الاقتصادية بقيت منحازة للأغنياء كما كانت أيام مبارك.. ممارسات الشرطة القمعية بقيت على حالها..الطوارئ فرضت على بورسعيد.. وخلال حكم الرئيس مرسي، لم يتوقف القتل المجاني حيث سجلت منظمة النديم ضد التعذيب مقتل 256 مصرياً في مواجهات مع الأمن أو مع الإخوان أنفسهم.. حتى السياسات الخارجية لم يطرأ عليها تغير.. دوائر الأصدقاء والأعداء بقيت كما هي.. لا نقصد من ذلك تبرير الانقلاب العسكري على حكومة منتخبة، ولكن نحاول فقط أن نلقي الضوء على الأسباب التي جعلت الناس لا تدافع عن حكومة انتخبتها عندما حدث الانقلاب.
النهضة في تونس لم تحدث تغيرا يوازي الأمل الذي عقده الناس عليها عندما انتخبتها.. الأسعار ارتفعت، وسياسات "حرية السوق" التي أدت بمئات الآلاف للتهميش بقيت كما هي، وكل ما فعلته "النهضة" هو محاولة حماية الجماعات السلفية وإثارة جدل عقيم حول هوية لا يختلف الناس بشأنها كونهم جميعاً مسلمين خصوصاً في تونس حيث المجتمع طائفي متجانس.
إثارة "النهضة" لمسألة الهوية بلغة التحريض وتقسيم المجتمع بين مؤمنين وكفرة، شجعت أعمال قتل تعرض لها قادة المعارضة وجنود من الجيش من قبل جماعات متطرفة يقال بأنهم من مجموعة أنصار الشريعة. لكن المحصلة، أن تقيم الناس للنهضة قد اختلف. الناس لم تشعر فقط بأن تغيراً حقيقياً في حياتها قد حدث، ولكن التغير النسبي الذي طرأ على حياتهم كان أيضاً سلبياً.
في تونس الناس لم تعرف الاغتيالات السياسية إلا التي مارسها الاستعمار الفرنسي وبورقيبة في بداية ستينيات القرن الماضي ضد خصومه.. سياسات "النهضة" أعادت الى الحياة الجزء الأسوأ في تاريخهم.
لكن الأسوأ في كل التجارب والذي انعكس سلباً على مجمل التيار الإسلامي بفروعه الوسطية والمتشددة هو الذي حدث في سورية. بعد كل التعاطف الذي حصلت عليه "الثورة" فوجئ الناس بما يقوم به "الثوار". بداية لم يصدق الناس أن هنالك من يقوم بقطع رؤوس واعتبرتها جزءاً من حملة نظام دموي يستهدف تشويه سمعة الثوار..ثم بدأ الناس شيئاً فشيئاً يكتشفون أن الثوار ليسوا وحدة واحدة، وأن هنالك مئات المجموعات، وجميعها تدعي بأنها إسلامية لكن لا يوجد ما يوحدها، على الرغم من أن نهايات أسمائها تنتهي عادة بكلمة "إسلامية." واصبح معروفاً لدى الناس وللسوريين بشكل خاص أن كل مجموعة تتمكن من قرية او مدينة تفرض نظامها الضريبي ورؤيتها "الإسلامية" الخاصة على الناس حيث التفنن في تطبيق "الحدود" التي لم يشاهدها الناس منذ مئات السنين. ثم سقط القناع عندما بدأت هذه الجماعات تقتل بعضها، بداية بالاغتيالات وبعدها بمواجهات دموية لم يسلم منها أحد.
سورية كانت التجربة الأسوأ التي جعلت الناس يكرهون ثورات يقودها إسلاميون. وانعكس ذلك بالتأكيد على الحركات الإسلامية في جميع أقطار العالم العربي. الدماء ترخص عندما تكون غايتها كرامة الناس وحقوقها وحريتها.. لكن الناس لا تريد استبدال أنظمة مجرمة بأنظمة مجرمة أخرى أو أكثر إجراما منها.
الثورة هي انقلاب في السياسات الاجتماعية والاقتصادية والخارجية لصالح الفئات التي قامت بالثورة ودفعت ضريبتها.. ضريبة الدم.. لكنها بالنسبة للإسلاميين كانت انقلابا من نوع استبدال "الحزب الوطني" بـ "حزب الحرية والعدالة" أو "النهضة" بينما السياسات بقيت على حالها.. وعندما تم تغييرها كانت المحصلة سياسات "داعش" و"النصرة".
سورية: هل من جديد!؟
بقلم: هاني عوكل – الايام
أيام قليلة مرت على بداية انطلاقة الجولة الثانية من جنيف 2 دون أن يصل طرفا النزاع السوري المشاركان في مفاوضات هذا المؤتمر الدولي، إلى توافقات من شأنها التمهيد لإنهاء النزاع الداخلي الذي دام أكثر من ثلاث سنوات وخلف وراءه ما يزيد على 130 ألف قتيل وملايين اللاجئين والمشردين.
قبل انطلاق الجولة الثانية من المفاوضات بين طرفي النزاع، كان رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد الجربا في زيارة مهمة لروسيا، من أجل إقناعها بضرورة الموافقة على تشكيل هيئة حكم انتقالية، وبالتالي الضغط على النظام السوري حتى يقبل هذه الصيغة.
زيارة الجربا هذه إلى روسيا، استهدفت قضية بالغة الأهمية، وهي أن الائتلاف الوطني المعارض يعي مدى تأثير روسيا القوي على سورية، وأن هذه الدولة قادرة على فرض أي قرار على دمشق، الأمر الذي يعتقد الجربا أنه يمكن له تحقيق اختراقات لصالح المعارضة من شأنها أن تقوي بالذات الائتلاف الوطني المعارض.
المعنى أن الجربا الذي أخذ وقتاً طويلاً جداً لتأمين مشاركته في جنيف 2، رغم اعتراضات قوية من معسكر المعارضة بكل أطيافها، وخصوصاً المتطرفة منها والمسلحة، وأيضاً من داخل ائتلافه المعارض، نقول إن الجربا تمكن من جعل الائتلاف واجهة المعارضة الرئيسية للخوض في المفاوضات وفي مستقبل سورية.
إن كل ما يريده الجربا هو الوصول إلى نتيجة تفاوضية لصالح الائتلاف، يمكنها أن تحجز مستقبلاً للرجل وأنصاره من المعارضة، والأهم أن ذلك قد يعني بالضرورة تجاوز أصوات المعارضة الإسلامية، التي ارتفع الشك حولها خصوصاً من قبل الغرب.
ما كان يريده الجربا وما يزال مصراً عليه، هو ضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالية تسبق أي قرار آخر، والأهم أنها تسبق وقف العنف، ولعل هذا أدى إلى فشل الجولة الأولى من المؤتمر الدولي، بسبب تعلق كل طرف بمواقفه المتناقضة مع الطرف الآخر.
في الجولة الثانية من المفاوضات، قدمت المعارضة وثيقة قريبة من بيان جنيف 1، من حيث تشكيل هيئة حكم انتقالية تتمتع بصلاحيات قوية وتتجنب الحديث عن الرئيس الأسد، مضافاً إليها طرد المقاتلين الأجانب من سورية ونزع سلاح الجماعات المسلحة وتسريحهم أو دمجهم في مؤسسات المرحلة الانتقالية.
هذه الوثيقة التي عرضتها المعارضة، قدمت موضوع هيئة الحكم الانتقالية على وقف العنف، وعلى أن تتشكل في الأول، وبالتالي تمهد لوقف كامل لإطلاق النار، وعلى أن تشارك كل الجماعات العرقية في عملية انتقالية تهدف إلى ضمان الأمن والاستقرار.
الوثيقة لم تتعرض إلى الرئيس الأسد، واعتبرت أن هيئة الحكم الانتقالية هي الآمر والناهي وهي صاحبة الشرعية العليا والوحيدة، وباعتبارها تمثل سيادة الدولة السورية على كافة المستويات، الداخلية والخارجية الدولية.
يبدو أن المعارضة التي صاغت هذه الوثيقة قد وقعت في نفس فخ جنيف 1، لأن الأخير تطرق إلى مرحلة انتقالية بدون أن يحدد الموقف من الرئيس بشار الأسد، وكذا فعلت الوثيقة التي استثنت الحديث عن الرجل، الأمر الذي سيفتح الباب أم تفسيرات متنوعة ومختلفة قد تقلب طاولة المفاوضات.
لعل الوثيقة المطروحة حالياً لن تقدم إضافةً جديدةً إلى المفاوضات، باستثناء أنها ستعمق الانقسام بين طرفي النزاع في العملية السياسية، ذلك أن المعارضة التي تجنبت الحديث عن الرئيس بشار، تعتبره جزءاً من المشكلة وأن رحيله هو أساس الحل.
ربما سعت المعارضة إلى عرض هذه الوثيقة لمأزقة وفد النظام في حال رفضها، وبالتالي وضعه في خانة الاتهام والمسؤول عن فشل المفاوضات، والعودة مرةً أخرى إلى المجتمع الدولي ومجلس الأمن لمطالبته التخلص من نظام الأسد وحماية الشعب السوري.
وفد النظام لم يرفض وثيقة المعارضة، لكنه يرفض موضوع تشكيل حكومة انتقالية، لأنه متمسك بموقفه إزاء ضرورة وقف العنف أولاً ومن ثم مناقشة كافة البنود بنداً بنداً، وقد صرح نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بذلك، وعلى الأرجح أن تلاقي الجولة الثانية من المفاوضات المصير الذي لاقته نظيرتها الأولى.
هذا قد يبدو واضحاً الآن بالنظر إلى عدة اعتبارات، أولها أن النظام السوري مدعوم بقوة من روسيا، ويشعر أنه مع الوقت قادر على فرض شروطه السياسية انطلاقاً من الميدان الذي يحقق فيه نتائج متقدمة على حساب المعارضة المشتتة.
ثم إن النظام السوري يعتقد أن هذه فرصته الذهبية لمشاهدة معارضة مشتتة وتتقاتل فيما بينها، وهو يسعى لاستثمار هذه الفرصة من أجل التقدم على الأرض وانتزاع مناطق خاضعة للاشتباك الثنائي بينه وبين المعارضة، وترك المناطق الأخرى التي يجري فيها تنازع بين المعارضة نفسها.
أيضاً يمكن القول إن تشتت المعارضة يعني بالضرورة ضعف الائتلاف الوطني السوري المعارض، ويبدو أن هناك مساعي غربية لتمكين هذا الائتلاف ومده بمختلف الوسائل، حتى يكون نداً على الأقل في مقابل النظام السوري، على الجانبين السياسي والعسكري.
إن الائتلاف السوري المعارض بات يدرك أن تحقيق إنجازات سياسية ملموسة، سيعني الانقلاب على المعارضة المتطرفة في الداخل والمساعدة في تحصين المعارضة الأصلية وتمكينها في مواجهة النظام، ولعل الوثيقة التي تحدثت عن طرد المقاتلين الأجانب، تشكل مؤشراً على نية الائتلاف تشكيل معارضة موحدة وفاعلة على كافة المستويات.
ويمكن الاستعانة لتأكيد هذا الموقف، برغبة مجموعة أصدقاء سورية للاجتماع بعيد الجولة الثانية من جنيف 2، وبحث السبل الكفيلة بدعم الائتلاف ومده بدعم لا يقل عن ذلك الذي تقدمه روسيا إلى سورية، الأمر الذي يعني أن هناك خطة لإعادة بناء المعارضة من جديد، والمقصد من ذلك إضعاف المعارضة المتطرفة عبر وقف كل أنواع الدعم لها، وفي المقابل إقواء المعارضة الأساسية المتمثلة في الائتلاف الوطني والجيش الحر وباقي أنواع المعارضة ذات التوجهات الوطنية والفكرية غير الملتبسة.
يبقى القول إن الجولة الثانية من مفاوضات جنيف 2 هي استكمال لجولات كثيرة، تستمد قوتها وعصبها من الميدان الذي يشهد الآن شراسة في النزاع بين النظام والمعارضة، وضحايا يتجاوزون الـ200 يومياً، بما يعني أن الطرفين لا يزالان يعولان على الحسم العسكري لجهة الحسم السياسي.
ولعلنا سنشهد في المستقبل مساعيَ لترتيب صفوف المعارضة نحو تأهيلها ودمجها في العملية السياسية التي يقودها الائتلاف، أملاً في خلق قوة موازية من حيث الحجم لقوة النظام الذي يبدو أنه يتمتع بكل أنواع الإسناد من الحليفتين الاستراتيجيتين روسيا وإيران.
العزلة والتعنت الإسرائيلي!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
تزداد عزلة إسرائيل، مع ازدياد تعنتها ومماطلتها، ومحاولاتها تفجير المفاوضات، وإيصال جهود الوزير الأميركي، كيري، إلى طريق مسدود.
بات الشارع الإسرائيلي، وكذلك أوساط مطلعة ومسؤولة، وفي المستويات كافة، تدرك مخاطر العزلة، خاصة الاقتصادية منها على إسرائيل، وهنالك ما يكفي للقول من المقالات والتحليلات والتقارير الإسرائيلية، المنشورة في الصحافة الإسرائيلية، بأن هناك إدراكاً إسرائيلياً، لمخاطر العزلة ومسبباتها السياسية.
تحاول حكومة نتنياهو، التقليل من شأن العزلة، ومن تبلور مواقف دولية، أوروبية وأميركية خاصة، تقف في مواجهة إسرائيل وسياساتها العدوانية، المتمثلة بالاستيطان، ومحاولة القفز عن القانون الدولي، ومقررات الشرعية الدولية.. لم تعد الأوضاع الإقليمية والدولية، عوامل مساعدة لإسرائيل وسياساتها العدوانية، وبات الموقف الفلسطيني، المتزن والهادئ، قادراً على فتح مجار عميقة في السياسات الدولية.
إسرائيل تتعامى عما يجري حولها، وتحاول أن تستمر في فرض الوقائع، وفرض إرادتها وهيمنتها، لكن الوقائع القائمة، لا تساعده على ذلك، أضف إلى ذلك، فإن السياسة الفلسطينية، التي باتت تمتاز بالهدوء والموضوعية، باتت قادرة على كشف جوهر السياسات الإسرائيلية العدوانية.
واعتادت إسرائيل، على لبس ثوب الحمل الوديع، المعرض لمخاطر جمة تحيط به، ولعل السياسات الفلسطينية تمكنت من كشف زيف هذا المشهد، حيث تبيّن وبوضوح، أن إسرائيل تهدف إلى التشبث بالأرض الفلسطينية، واغتيال فكرة الدولتين للشعبين: الفلسطيني والإسرائيلي.
هنالك حقائق وبينات، لا يمكن القفز عنها، أو التستر عليها. وبالتالي فإن عزلة إسرائيل، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بسياساتها العدوانية، التي باتت مكشوفة للجميع.
هنالك تساؤل وجودي، حول مستقبل إسرائيل، داخل الأوساط الإسرائيلية ذاتها، وهنالك تساؤل لا يقل أهمية في أوساط الفلسطينيين: وماذا بعد؟!
هنالك من يجيب وبسرعة، أما وقد، لم تفلح وسائل التفاوض، فلننسحب من تلك المفاوضات!! وهنالك من يتريث، حتى وصول تلك المفاوضات إلى طريق مسدود، تكون السياسات الإسرائيلية، هي المسؤولة عن ذلك، وبعدها سيكون لكل حادث حديث. لدينا ما يكفي، للتوجه مجدداً للجمعية العامة للأمم المتحدة، وإعادة طرح ملف القضية الفلسطينية، على المجتمع الدولي، أو العمل لعقد مؤتمر دولي للسلام!!
تغريدة الصباح - الحب والوطنية في "فالنتاين"!
بقلم: عدلي صادق – الحياة
ازدحمت في الليلة الماضية، صفحات التواصل الاجتماعي، بالورود التي ترافقها الرسومات البديعة، وطيور الحمام، وملاك الحب "كيبويد" ذي الجناحين. ثمة حكاية طويلة وقديمة لـ "فالنتاين" وهو اسم قسيسين مسيحيين، أو ثلاثة، قُتلا ظلماً، في سياق سعيهما لنشر الإيمان. ولأن هناك على الدوام، من الشعراء، من يتأمل وقائع الظلم، ويستفيض في التعبير عنها، ويعْزي العناد في التشبث بالفكرة؛ الى وطنية رقيقة مع محبة غامرة، للخير وللسعادة للبشر أجمعين؛ فقد تلقف الشاعر الإنجليزي جيفري تشوسر، في العصور الوسطى، المظلمة التي أردت "فالنتاين" الأول، لكي يناجيه في أبيات، أسست لمعنى وسطي بين نوعين لا واقعييْن من الحب: الأفلاطوني والجنسي. الأول يكابر ويحلّق في فضاءات الروح والعاطفة، ويسمو على الجسد، والثاني لا يعرف روحاً ولا معنى يتساميان على بهجة الجنس. هنا يقوم الاعتبار، للحب الرومانسي المفعم بكثير من الشوق العاطفي، مع قليل من الرغبة التي يلبيها الطرفان، وفق ما استقرت عليه التقاليد والعقائد.
في الإسلام، قال المصطفى عليه السلام "لم يُر للمتحابين مثل التزُّوج". لكن هذا التزوُّج لا يتاح لكل حبيبيْن. لذا تحايل الشارحون على وقائع الحب الذي لا يتاح له نكاح، لإبعادها عن دائرة الإثم، وأخذها الى ما يماثل الرومانسية، مع كتمان الشوق الجنسي، مثلما فعل "البوصيري" عندما كتب "مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة" فأتى على الحديث النبوي، مع شواهده ومواضعه الزائدة، التي لم ترد في الصِحاح الخمسة: البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود. قدم "البوصيري" تجلياته في شرح الحديث العاطر "الأرواح جنودٌ مجندة، فما تعارض منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".
* * *
الحب الرومانسي واقع يلازم الحياة. وعلى قدر ما أبدع الشعراء في وصفه، لم ولن يوفوه حقه ولم ولن يغطوا حيثيات حضوره الطاغي، في كل الأزمان. في أيامنا المعاصرة، ظهر الشعر الغنائي بالعامية والفصحى. عاش الشعراء الغنائيون وماتوا في صمت، دون أن يعترف لهم مؤرخو الثقافة بفضل أو وجاهة. فقد تغنى الناس بكلمات شَجَنهم، التي أسمعها مطربون ومطربات فازوا وحدهم بالإعجاب والشهرة. والناس يختلفون في مستويات مصارحتهم بالانجذاب والإعجاب، لذا ترى في مجتمعاتنا، من يطرب للأغنية ويداري، كأنه اقترف إثماً. في أيامنا التي عشناها، سمعنا بأصوات مغنين ومغنيات، ما كتبه شعراء غنائيون موهوبون، من بينهم من تدفقت قرائحهم، بشكل فطري، وكتبوا بالعامية، مثل بائع الفاكهة مرسي جميل عزيز، صاحب الألف أغنية، ومأمون الشناوي الذي كان يكتب ثم يحمل الشاب صاحب الصوت الواعد، فوق كتفيه، ليقدمه الى مؤلفي الموسيقى ومنتجي الصوتيات، أو يأخذ الشبان الموهوبين في الموسيقى، ليفتح لهم طريق الشهرة، مثلما فعل مع سيد مكاوي. فالشعراء بعاميتهم وفصحاهم، أعطوا ولم يأخذوا شيئاً. كان الشاعر الغنائي حسين السيد، صديقاً للرئيس السادات قبل أن يتبوأ موقع الرئاسة، لكن الأخير تكتم على صداقته، لأن السيّد هو الذي كتب الأغنيات الشجية في الغرام، لمحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش. ولم يشفع لحسين السيد، أنه كتب في المرحلة الناصرية اغنيات تعبوية مثل "دقت ساعة العمل الثوري" و"صوت الجماهير" وغيرهما من الأغنيات الوطنية. كانت الروح الوطنية ملازمة للحب في أشعارهم.
* * *
في الغرب، ومنذ القرن التاسع عشر، كان منتجو بطاقات 14 شباط (فبراير) يجنون الملايين مما يبيعون. وفي البطاقات مقتبسات من أشعار الحب، لا تُنسب لأصحابها. في أمريكا وحدها يبيعون مليار بطاقة سنوياً. ربما تكون شبكة العنكبوت، قد احبطت الآن، مسعاهم الى معدلات أعلى من الربح. صور الورود بكل الألون وتنوعات الباقات، والعبارات المترجمة الى كل لغات الأمم، باتت في متناول الصغار والكبار. يفيض الحب وتُرسم الأحاسيس، وتُقتبس الجمل الرشيقة الموجزة. إنها تغزو الثقافات والمجتمعات، ولا قدرة للوعظ الديني على كبحها. هناك تدرجات للتقوى حتى في الحب نفسه. وما "فالنتاين" إلا وليد أقصوصة نُسجت من حكاية الإيمان.
في إطلالتي أمس على صفحتي في "فيس بوك" صادفني وأنا في العادة ـ ولضيق الوقت ـ لا استعرض ما يتدفق على الصفحة؛ تنبهت الى وجود شاعر غنائي فلسطيني جميل اسمه ربحي مرقطن (إن كانت هذه هي تهجئة اسمه المكتوب بالإنجليزية). اجتذبتني كيماء السطور، فطلبت منها المزيد، فإذا به يكتب في الحب المغمس بالوطنية، ما يضاهي مأمون الشناوي ومرسي جميل عزيز وعبد الفتاح مصطفى. تذكرت مظلمة الشعراء الغنائيين الذين انطمرت أسماؤهم، تحت أسماء المطربين والمطربات، الشهيرين والشهيرات، الذين لعلعوا بأشعارهم. ولأن عندنا لكل مقام مقال، وعلى اعتبار أن مقامنا جريح وحزين، لا يملك ترف الغناء الملازم للحياة اليومية؛ فلا يجد "المرقطن" هذا، من يأخذ بيده الى موسيقيين في الجوار العربي، بالنظر الى أن لا حضور لافتاً لموسيقيين في بلادنا فلسطين. في ليلة الـ "فالنتاين" تدفقت مقطوعاته على صفحة "مرقطن". كانت ليلة سانحة لالتقاط الأنفاس، تُذكّرنا بأن الحب والوطنية يتلازمان.
الاستعداد لما هو أكبر !!!
بقلم: يحيى رباح – الحياة
زيارة المشير عبد الفتاح السيسي لموسكو وهو ما يزال يرتدي بزته العسكرية، واستقباله من قبل الرئيس الروسي بوتين بالاضافة الى اللقاء مع وزير الدفاع والخارجية، تعطي الانطباع القوي بان مصر عازمة على استعادة دورها الذي تراجع كثيرا على الاقل في العشر سنوات الاخيرة، وهو دور بحكم تاريخه وحجمه في المنطقة ينقل مصر مباشرة ومعها العالم العربي الى صميم التوازن الدولي في قيادة العالم، في تأكيد ملامح النظام الدولي القائم، وهذا ما فعله الدور المصري في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، حين دخلت مصر في منتصف الخمسينات من بوابة صفقة اسلحة شرقية الى دور جديد في العالم العربي باسقاط الاحلاف المعادية، وفي افريقيا باستنهاض حركات التحرر، وفي العالم من خلال حركة عدم الانحياز، لان مصر بحكم حجمها، وعبقرية المكان، ورسوخ فكرة الدولة، لا يمكن الا تكون لاعبا رئيسيا، ولا تليق بها الادوار الثانوية.
وبالمناسبة، فإن القوى الدولية التي وضعت نصب أعينها التدخل في الشأن المصري، وخصوصا الولايات المتحدة وحلفاؤها الاوروبيون، وحاولت ان تقيم تحالفا مع الاخوان المسلمين الذين اظهروا استعدادا كبيرا لتقديم ما يطلب منهم مهما كان ضارا بمصالح الامة مقابل الفوز بالحكم والتمكين لهم، هذه القوى الدولية ظلت حذرة على الدوام، وظلت خائفة من مغبة انهيار الدولة المصرية، التي قد يفتح انهيارها ابواب الجحيم على كل المنطقة وعلى المصالح الكبرى فيها، وظل الرأي الغالب في محاولات الآخرين امام اغراءات التمزيق والتفتت ورسم الخرائط المغامرة، ان مصر لكي تقوم بدورها الرئيسي الذي لا بديل له في أمن واستقرار المنطقة بما فيها من مصالح ضخمة، لا بد ان تظل موحدة، ولا بد ان تطل بجيش قوي، وكل كلام عكس ذلك هو كلام الصغار او اللاعبين الثانويين، ولكن الحوار في الدوائر الدولية حول مصر قائما حول قرار مصر، هل يكون في يدها بالكامل، كما فعل عبد الناصر رغم كل ما تعرض له، ان يكون قرارا خاضعا للتأثير من الخارج ولو بنسب متراوحة.
وعندما انطلقت ثورة الخامس والعشرين من يناير قبل أكثر من ثلاث سنوات وكانت عوامل الثورة قد نضجت وتراكمت فقدح زنادها الشباب المصري الذين استنهضوا همة الشعب المصري كله، دخل الجميع دون استثناء، القوى المحلية بكل اطيافها، الحركة الوطنية باضرابها، الاخوان المسلمون بكل تفريعاتهم، السلفيون، كما دخلت القوى الاقليمية والدولية، كل يريد ان يسرق الثورة، يروضها لمصلحته، يركب مطيتها للوصول الى ما يريد، وبما ان ثورة الخامس من يناير كانت بلا قيادة ولم تستطع في حينه الحركة الوطنية المصرية باحزابها ان تقود، فقد وجدت القوى الدولية الحاضرة والمتابعة ان الاخوان المسلمين يصلحون لان يكونوا فرس الرهان، وكان هذا قرارا خاطئا ومستعجلا، لأن القوى الدولية نسيت او تناست عن عمد.
خطر سياسة الدحرجة
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
هجوم السلام الفلسطيني، الذي يقوده الرئيس ابو مازن يربك القيادة الاسرائيلية، ويحشرها في الزاوية. لا سيما انها غير جاهزة لدفع استحقاقات السلام، ولا في أي ملف من الملفات السبعة الأساسية: اللاجئين، القدس، الاستيطان، الحدود، الامن، المياه، اسرى الحرية. ليس هذا فحسب، بل ان التجاوب الايجابي من قبل القيادة الفلسطينية مع محددات خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 ضاعف من ازمة القيادات الاسرائيلية المتطرفة، وأزاح عنها ورقة التوت المهترئة، التي لم تعد منذ زمن بعيد تستر عورات دولة التطهير العرقي الاسرائيلية.
لذا شنت أبواق الائتلاف الحاكم الاقصوية حملة تحريض غير مسبوقة على الرئيس عباس، وروجت بعض منابر الاعلام الاسرائيلية، ان الحاكم الاسرائيلي نتنياهو، بات يبحث عن بدائل لرئيس منظمة التحرير. لعله يجد شخصا يقبل القسمة على مشروعه السياسي الاستعماري. متناسيا، هو ومن لف لفه من القيادات الاسرائيلية بمشاربها المختلفة، أن ما ثبته الرئيس الرمز ياسر عرفات، وما واصل السير عليه الرئيس محمود عباس، لن يستطيع كائن من كان، ان يتجاوز تلك الأسس والخطوط الوطنية الحمراء، التي هي أقصى حدود التنازل الفلسطينية المقبولة وطنيا، ودونها يصبح الأمر خارج معايير برنامج الاجماع، الذي اقرته منظمة التحرير، ولن تقبل به الجماهير الفلسطينية وقواها الحية. خاصة وان التنازل الفلسطيني تجاوز ما قررته الشرعية الدولية في قرار التقسيم 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947.
المرونة الفلسطينية العالية ضربت بحجرها أكثر من عصفور، الأول غطرسة واستعمارية القيادة الاسرائيلية، ورفضها للسلام؛ الثاني تزايد التأييد للسياسة الرسمية، التي يقودها الرئيس ابو مازن في المحافل الدولية، وبالتالي إتساع دائرة التأييد والدعم للحقوق الفلسطينية؛ الثالث اتساع نطاق العزلة للدولة الاسرائيلية، وخاصة بعد ضربات المقاطعة الدولية، وتداعيات ذلك على مناحي الحياة الاقتصادية الاسرائيلية؛ الرابع تعمق الهوة النسبية بين مواقف القيادتين الاسرائيلية والاميركية.
غير ان المرونة الفلسطينية تحتاج إلى ضوابط، حتى لا يفتح قادة إسرائيل اشداقهم على وسعها طمعا في تنازلات فلسطينية جديدة. خاصة وان القيادة وفريقها المفاوض، أدركوا عبر تجربة المفاوضات طيلة العقدين الماضيين، وقبولهم بالقرارات الدولية 242 و338، التي تقول بالدولة على حدود الرابع من حزيران 1967، فتح شهية التمساح الاسرائيلي ومن خلفه الادارات الاميركية المتعاقبة للمطالبة بتنازلات جديدة عبر بوابة "الحلول الوسط" بين الطرفين، على اعتبار ان ما تطالب به القيادة الفلسطينية، هو الحد الاقصى للحقوق الوطنية، وتناسى اولئك جميعا، ان حقوق الفلسطينيين، هي فلسطين التاريخية، وليس قرار التقسيم 181. ولكن شجاعة المفاوضين الفلسطينيين ومقداميتهم لصنع السلام، دعتهم لقبول الدولة الفلسطينية على اساس حدود الرابع من حزيران 1967. وبالتالي، الحديث من الآن عن إعطاء مهلة اولا لمدة ثلاث سنوات لانسحاب جيش الاحتلال ومؤسسات إسرائيل من اراضي الدولة الفلسطينية، ثم التدحرج إلى خمس سنوات، يعيد فتح الشهية الاسرائيلية مجددا للمطالبة بعشر سنوات او أكثر، فضلا عن المطالبة ببقاء جيشها في الاغوار لسنوات إضافية، الأمر الذي يقتل الأمل بتسوية سياسية حقيقية. ويبدد احلام الفلسطينيين بالاستقلال السياسي الناجز.
ثم ما هي الضمانة لانسحاب إسرائيل بعد تلك السنوات؟ وعلى فرض تواجدت قوات حلف الناتو او القوات الاميركية او الاردنية المغطاة بالقبعات الزرقاء، هل ستتمكن من إلزام إسرائيل بالانسحاب من اراضي دولة فلسطين؟ وما هي الضوابط الاميركية والاوروبية والعربية لفرض الانسحاب؟ وماذا إن تغيرت الحكومة الاسرائيلية، وجاءت حكومة أكثر تطرفا وعدوانية؟ وهل ستسمح إسرائيل بعودة اللاجئين ؟ كيف وعلى اي اساس؟
يا حبذا صانع القرار السياسي الفلسطيني لو تريث قليلا، ولا يتعجل نهائيا، لأن ذرائع إسرائيل تبدأ ولا تنتهي، والرئيس عباس يعلم علم اليقين هذه الحقيقة جيدا جدا.
الشيخ والقس
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
بمجرد أن تسير بمحاذاة سور مجرى العيون في مصر القديمة تجذبك تحفة معمارية تحمل طابع الحداثة وهو ما يختلف عما يحيط بها من بقايا الدولة الفاطمية، والزجاج الذي يكسو اشكالها الهندسية المختلفة ينم على ما أنفق في تشييدها، على خلاف المباني الشعبية المجاورة لها التي يتواجد الفقر على مظهرها الخارجي، التحفة المعمارية ليست مقراً لشركة متعددة الجنسيات، انها مستشفى سرطان الأطفال "مستشفى 57357" الذي بات واحداً من أهم وأكبر مستشفيات علاج سرطان الأطفال في العالم، ما يثير الاهتمام بهذا الصرح لا يتعلق فقط بجمال التصميم، ولا بالخدمة المجانية المميزة التي تقدمها لمرضى السرطان من الأطفال، ولا كذلك النتائج الطبية الايجابية التي حققتها خلال السنوات القليلة من عمرها، بل يكمن في الفكرة التي خرجت منها المستشفى إلى حيز الوجود.
والفكرة بدأت من طبيب يعمل في المعهد القومي للأورام توفي بين يديه 13 طفلاً في يوم واحد دون أن يتمكن من تقديم العلاج لهم لقلة الامكانيات، يومها لم يتخذ طريقه إلى منزله بعد أنتهاء فترة عمله، ذهب إلى مطعم اعتاد أن يتواجد فيه الشيخ محمد متولي شعراوي، قص الطبيب على الشيخ مأساة اطفال مرضى السرطان، والذي بدوره تبرع بمبلغ 150 جنيهاً شهرياً متعهداً بأن يلزم أولاده بذلك بعد وفاته، المبلغ رغم تواضعه كان كفيلاً بخلق فكرة التبرعات لمساعدة المرضى، وانتقلت الفكرة من بعدها الفردي إلى العمل الجماعي بإنشاء جمعية أصدقاء معهد الأورام، ومنها بدأت فكرة تشييد مستشفى متخصص عام 1999 اعتمادا على التبرعات والصدقات وأموال الزكاة، وفي عام 2007 تم افتتاح المستشفى، وتبلغ التكلفة التشغيلية له مائتي مليون جنيه يتم جمعها بذات الطريقة دون أن تتحمل الدولة شيئاً من ذلك.
جامعة هارفارد الأميركية، التي تحتل المرتبة الأولى على مستوى جامعات العالم من حيث الأهمية، جاءت هي الأخرى بتبرع من القس جون هارفارد، بل أن مدينة كامبريدج التي تقع فيها الجامعة حملت اسم كامبريدج تيمناً بجامعة كامبريدج البريطانية التي تخرج منها القس هارفارد، ويكفي الجامعة أن سبع رؤساء للولايات المتحدة هم من خريجيها، داخل أروقة الجامعة توجد لوحة تحمل اسماء المتبرعين لها، تتغير أسماء المتبرعين من جنسيات العالم المختلفة سنوياً، في احدى السنوات ضمت القائمة اسم فلسطيني يقيم في الولايات المتحدة الأميركية.
الكثير من رؤوس الأموال في العالم تخلوا عن إدارة مؤسساتهم العملاقة لموظفيهم، فيما كرسوا جهودهم لإنفاق جزء كبير من ثرواتهم في الأعمال الخيرية بعيداً عن مطامح الحياة السياسية والمالية، الصورة الوردية التي تم رسمها لدور رؤوس الأموال الفلسطينية المغتربة بعد توقيع اتفاق اوسلو لم تكن حقيقية، والحقيقة الأكثر إيلاماً أننا افتقدنا روح المبادرة للعمل الجمعي الخلاق في بناء مؤسساتنا الأهلية، ومعها غاب أيضاً العمل الطوعي، لم يعد ضمن المتطلبات الجامعية كما كان في السابق، ماذا لو قرر كل منا التبرع بالقليل من وقته الذي ينفقه في "القيل والقال "لتجسيد فكرة نبيلة على أرض الواقع، فالأعمال الكبيرة تبنى على أعمال تبدو صغيرة، والفكرة الكبيرة تاتي من تراكم أفكار صغيرة.
موسكو وواشنطن: تحولات في الأدوار؟
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
مع الاعتقاد والشعور العام اليوم بضعف الولايات المتحدة النسبي بعد انسحاب قواتها من العراق وأفغانستان، فضلا عن هواجس البعض بأنها لم تعد الحليف الذي يعول عليه نتيجة كللها ومللها من القيام بدور الشرطي في المنطقة، علاوة على الاتفاق "التاريخي" بين طهران والدول الكبرى بشأن البرنامج النووي الإيراني، ها هو الدب الروسي ينفض عن نفسه غبار "الأمة المهزومة" فينهض ليحجز لنفسه مكانة مهمة في العالم.
في بداية ولايته، أعلن الرئيس الأميركي (باراك أوباما) رفضه خوض بلاده أي حرب خارجية. فهل جرى تحول في استراتيجية الدولة الأعظم بالإنكفاء الذاتي على نفسها، والابتعاد عن مواقع النزاعات والتوترات؟ أم أن الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) عازم على تغيير شيء ما في الصورة النمطية الدارجة في الشرق الأوسط بل وربما في مناطق أخرى في العالم، وهو الذي تتملكه رغبة لا يخفيها في إحياء الإمبراطورية السوفيتية؟ وتحيل مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تراجع دور الولايات المتحدة بالأساس إلى أميركا نفسها. وتؤكد أنه "لم يعد لها يد في تغير الميزان الدولي السريع الحاصل الآن. فمحاولة تحكم أميركا المباشر بتشكيل وسير الأحداث الدولية، كان له أثره في تحول العديد من الدول بعيداً عنها حتى في ظل احتياجهم لها كما حدث في العراق. وليس هناك أدعى من تورطها في حادثة التجسس على زعماء العالم لتبين مدى تدخلها في شؤون غيرها حتى حلفائها. وجاءت هذه الحادثة لتضيف دولا جديدة إلى قائمة الدول التي تتحول بعيداً عن الحليف الأميركي مثل البرازيل". وتضيف المجلة أن، ما اسمته، "تخاذل أميركا في العديد من القضايا الهامة على الساحة الدولية هو ما أفقدها ريادتها في حل الأزمات الدولية، بل أدى إلى تفاقم الأوضاع بها والسقوط في الفوضى كما حدث في سوريا، وليبيا، ومصر التي قررت السير في طريقها غير عابئة بتصريحات وإجراءات الإدارة الأميركية".
في مرحلة الثنائية القطبية، شهد العرب والعالم احتلال فلسطين وسيناء والجولان، وشهدوا أيضا خلافات عربية سالت جراءها الدماء. لذا، فإن الرغبة بوجود توازن عالمي جديد يخرج المنطقة من هيمنة وسيطرة القوة الأميركية الواحدة بات أمرا منشودا لدى جمهور متزايد. ولا شك أن هنالك الآن مؤشراً مهماً للتحولات التي قد تؤسس لواقع جديد للعلاقات الدولية والنظام العالمي المعاصر يتجسد في الكيفية التي نجحت فيها روسيا من سرقة الأضواء من الولايات المتحدة، التي كانت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية اللاعب الأهم والأكثر تأثيراً على المسرح الدولي، رغم اعتقاد الكثيرين أن روسيا لن تجرؤ على تحدي الولايات المتحدة بوصفها الضامن الرئيسي للامن في منطقة الخليج العربي، وصاحبة المكانة غير المتنازع عليها في "محادثات السلام" بين الفلسطينيين والاسرائيليين. فهل تعني هذه الحال العودة إلى الثنائية القطبية؟ أم أنه مجرد اتفاق مرحلي بين موسكو وواشنطن أم هو مجرد "إرخاء توتر" بينهما فرضته الأحداث والتطورات الدولية المتسارعة، أم تراه يتطور إلى درجة "وفاق" يتم بموجبه تقاسم مناطق نفوذ ووجود بين الدولتين مع اكتشاف عدم قدرة طرف على إدارة الأحداث الدولية وحيدا؟ أغلب الظن أن ما تسعى روسيا إليه هو أن لا يكون النظام الدولي أحادي القطبية على نحو مطلق، وأن تعترف واشنطن بها كدولة لا يمكن تجاهل دورها عالميا، بل، وربما، لا حل ممكن بدونها وكأنها تسعى إلى "تهذيب" الهيمنة الأميركية. هنا، لا بد من الحديث عن دور شخصية الرئيس الروسي (بوتين) في التغييرات الحاصلة في عالم اليوم، وكيف أمكنه سحب البساط (أو جزء منه) من تحت أقدام الرئيس الأميركي، خاصة أن نظرته للأزمات الدولية عبرت عن درجة من الحزم في صنع السياسة الخارجية ربما لم تعد تتوافر لدى الولايات المتحدة وبالتأكيد لا تتوافر للدول الاوروبية. كما أن (بوتين) هو الرئيس الذي يعمل على أن تبقى روسيا قوة نووية، قوة كبرى في جميع أوجه النشاط الدولي، وقوة مهيمنة في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية في المناطق المحاذية لروسيا، الأمر الذي يعزز شعورها بالكبرياء الروسي المعهود. وهذا ما سنتناوله في مقال لاحق.