المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقالات في الصحف المحلية 269



Haneen
2014-12-18, 11:28 AM

مقترحات كيري للسلام... مخاوف ومحاذير
بقلم: د. جاد اسحق - القدس
نتانياهو... بأي حق تفاوض؟
بقلم: محمد جلال عناية - القدس
ثمة تغيرات ذات طابع استراتيجي في المنطقة
بقلم: راسم عبيدات – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image007.jpg
لبنان عجيبة الجمهوريات العربية !
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
سؤال العدوان : الأهداف والتوقيت ...
بقلم: طلال عوكل – الايام
أنـت لـسـت فـي غــزة!
بقلم: د. عاطف أبو سيف – الايام
فــلـسطينـيـو الـيـرمـوك!
بقلم: سميح شبيب – الايام
الاعتذار لسورية
بقلم: غسان زقطان – الايام
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image009.jpg
تغريدة الصباح - خيانة اللغة
بقلم: محمد علي طه – الحياة
كوب شاي مسموم لأوباما
بقلم: عدلي صادق – الحياة
تعليقاً على مقالة صبري صيدم "حقائق تؤلمنا وحلول قد تسعدنا" ....... في التطوير عبرة
بقلم: نصر نوفل – الحياة
دون نــكـهة
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
فلسطين لا تفرقة طائفية
بقلم: بهاء رحال – الحياة




مقترحات كيري للسلام... مخاوف ومحاذير
بقلم: د. جاد اسحق - القدس
ستة أشهرٍ مضت من عُمر المفاوضات التي انطلقت بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في الحادي والثلاثينَ من تموز من العام الماضي برعاية ووساطة الولايات المتحدة الأمريكية، يتزعم هذه الوساطة رأس الدبلوماسية الأمريكية وزير الخارجية جون كيري، ولا يزال الغُموض يتصدر المشهد ولم يتضح ما تبلور من خطة كيري إلا تسريباتٍ من الصحافة الإسرائيلية والدولية وإن صحَت هذه التسريبات فهناك العديد من البنود التي تمس بجوهر الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني والتي ناضلَ وكافحَ من أجلِها عشراتِ السنين.
لعل من أخطر ما هو مطروح في خطة كيري المُقترحة، والتي من المفترض أن يتم اعتمادُها في النهاية كاتفاق إطار يوقع عليه الجانبان ، الأخذ الأمريكي بعين الإعتبار التغييرات الديمغرافية التي طرأت وخاصة الزيادة السُكانية في عدد المستوطنين الإسرائيليين في التكتلات الاستيطانية الكبرى الأمر الذي يُعتبر إمتدادًا لنهج الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة جورج بوش الإبن والذي أكد في رسالته إلى رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق أرئيل شارون في نيسان من العام 2004 على أن «الحل يجب أن يكون على أساس قرارات الشرعية الدولية والقرارين 338 و 242».
ولكن وفي ضوء الحقائق الجديدة على الأرض ومنها وجود مراكز سكانية كبيرة (يقصد هنا الكتل الإستيطانية) قائمة أصلا ليس من الواقعي التوقع أن تؤول مفاوضات الوضع الدائم إلى الإنسحاب الكامل والشامل إلى خط الهدنة للعام 1949 وهذا ما استنتجت إليه كل الجهود السابقة للتفاوض بشأن حل الدولتين" ويتضح هنا بأن جون كيري يسير على نهج الإدارات الأمريكية السابقة الأمر الذي يُعد انحيازًا الى المطالب الإسرائيلية وإلى قبول وضع الأمر الواقع الذي فرضته إسرائيل على الأرض الفلسطينية ببنائها المُتواصل وتوسيعها للمستوطنات غير الشرعية بدون توقف وعلى مدار السنوات السابقة.
علاوة على ذلك، فإن الطرح الأمريكي المذكور والضغط الأمريكي المتواصل على الفلسطينيين لقبوله يُعتبر تراجعًا صريحًا عن قرارات الشرعية الدولية مُتمثلة في القرارين 338 و 242 الصادرين عن مجلس الأمن الدولي واللذان نصَا على عدم جواز احتلال الأراضي بالقوة وعلى ضرورة الإنسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي التي احتلت في حرب عام 1967 أي الرجوع إلى خطوط الرابع من حزيران من العام ذاته وأيضا يُعتبر تراجعًا عن كافة القرارات والمُبادرات الدولية وقرارات الجامعة العربية.
للأسف فقد استطاعت الحكومة الإسرائيلية اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو استغلال فترة الشهور الستة من المفاوضات لصالحها، ليس فقط بسبب تكثيف البناء الاستيطاني وإقرارها العديد من المُخططات الإحتلالية والتوسعية، بل لأنها استطاعت أن تُحول موضع الإستيطان برمته إلى موضوعٍ هامشي لا يحظى بالأهمية المطلوبة حتى إعلاميًا، ناهيك عن نجاح الحكومة الإسرائيلية في تجيير الموقف الامريكي من المفاوضات لصالحها وتحديدًا في موضوع الإستيطان مُعتمدة في ذلك على سياسة الأمر الواقع التي انتهجتها على الأرض والتي وللأسف أتت بثمارها بحيث غزت التجمعات الاستيطانية أرجاء الأرض الُمحتلة وصار لزامًا على الفلسطينيين، ومن خلال المفاوضات، وبموافقة أمريكية، أن يُقرَوا عملية لتبادل الأراضي مع الإسرائيليين مقابل التكتلات الإستيطانية التي أقامتها اسرئيل ووسعتها بشكلٍ مدروسٍ ومُمنهج خلال أعوام احتلالها وحتى أن إسرائيل قد طرحت على كيري بأن تقوم بعملية تبادلٍ محدودة وأن بقية الأراضي التي ضمتها ستقوم بتعويض الفلسطينيين ماديا عنها.
ولو تعمقنا أكثر في موضوع التجمعات الاستيطانية سنجد بأن الحُكومات الإسرائيلية المُتعاقبة قد عمدت إلى تكثيف البناء الإستيطاني والتوسع أفقيًا في تلك التجمعات وفرض الوقائع على الأرض، وفي المقابل تكثيف الضغوط على السُكان الفلسطينيين المقيمين بمحاذاة هذه التكتلات والتضييق عليهم ومصادرة أراضيهم وإطلاق يد المستوطنين ضدهم لدفعهم نحو الهجرة الطوعية من تلك المناطق وذلك لهدف واحد وواضح ألا وهو خلق تكتلات إستيطانية يهودية خالصة خالية من الفلسطينيين ليتم ضمها وبحكم الأمر الواقع أيضا إلى حدود دولة اسرائيل في أي مفاوضات للحل النهائي مع الفلسطينيين.
يبدو أن إسرائيل لم تكتف بفترة الشهور التسعة المُحددة للمفاوضات والمفترض ان تنتهي بنهاية آذار من العام الجاري لتنفيذ مآربها وخُططها التوسعية ، فهي تضغط على وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأن يُمدد من فترة المفاوضات وتسوق لذلك إعلاميًا بزعم أن الفترة المحددة غير كافية بيد أن الواقع يقول عكس ذلك فطوال فترة المُفاوضات لم توافق الحكومة الإسرائيلية أو ترد إيجابًا على أيٍ من مُقترحات كيري الخاصة بغور الأردن أو القدس أو تبادل الأراضي أو الفترة الانتقالية أو الكتل الاستيطانية فكان التعنُت الإسرائيلي سيد الموقف.
وبذلك وعلى الأرض فإن إسرائيل تريدُ أن تُطيلَ من أمد المفاوضات لكسب المزيد من الوقت لحسم الإستيطان على الأرض، فهناك البؤر الاستيطانية التي تزداد يومًا بعد يوم ولم يتم إخلاءُ أيٍ منها خلافًا لما تم الإتفاقُ عليه في خريطة الطريق للسلام عام 2003 حيث نصت على ضرورة وقف إسرائيل لكافة البناء الإستيطاني حتى المتعلق بالنمو السكاني وتفكيك البؤر الإستيطانية التي تم انشاؤها بعد تاريخ 31 آذار من العام 2001 ولكن أيا من ذلك لم يحصل بالطبع فبات اليوم لدينا تجمعاتٍ استيطانية تُلطخ خريطة الضفة الغربية ويزيد عددها في الواقع عن ال 20 تجمعًا لضخامتها وأضحت هذه التجمعات تشكلُ ما نسبُته 75% من إجمالي المناطق المصنفة " ج" حسب اتفاق اوسلو للعام 1995.
في واقع الحال ليس ملف الإستيطان وحده ما يثير الريبة والقلق في المفاوضات الحالية ولكن هناك موضوعٌ آخرٌ جوهري وهو موضوع الحدود والذي حسمتهُ إسرائيل سلفًا حتى قبل أن تبدأ المفاوضات، فجدارُ الفصلِ الذي شيدتهُ إسرائيلَ بدعوى إحلال الأمن لمواطنيها والبالغ طوله 774 كلم، لم يكن جدارًا أمنيًا بل سياسيًا بامتياز، حيث ان 51 كلم فقط من مسار الجدار (6.5% من إجمالي طوله) يسير على الخط الأخضر- خط الهدنة للعام 1949 مبتلعًا وراءَه 733 كلم مربع من أراضي الفلسطينيين (13% من إجمالي مساحة الضفة الغربية) وضم وراءه أيضا خمسة تجمعات إستيطانية يهودية يعيش فيها أكثر من 75% من إجمالي المُستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية المُحتلة.
بذلك لم يكن جدار الضم والتوسع والذي شرعت اسرائيل ببنائِه في العام 2002 إلا ترسيمًا أحاديَ الجانب للحدود مع الفلسطينيين واستباقًا لأي مُفاوضاتِ سلامٍ مُستقبلية لكي تتملصَ من تقديمِ أي تنازلاتٍ حقيقية لصُنع السلام وهو أمرٌ يتنافى تمامًا مع القانون الدولي والإنساني، فالجدار الفاصل هو جدارٌ غيرُ شرعي تم بناءُ مُعظمِه على أراضي الفلسطينيين الخاصَة وقد أصدرت محكمةُ العدل الدولية في لاهاي حُكمها الإستشاري في التاسع من تموز من العام 2004 والذي "قضى بعدم شرعية الجدار وضرورةِ إزالتِه وتفكيكِه وتعويضِ الفلسطينيين الذين تضرَروا نتيجةً لبنائه".
إن كافة الشواهد تدلُ على أن ما كانت تُنفذه إسرائيلَ من مُخططاتٍ خلال السنوات السابقة لم يكن عبثيًا بل تم بشكلٍ مُنظمٍ ومُمنهج، فإقامة الجدار وعزله لمساحاتٍ شاسعة من أراضي الفلسطينيين وضمِه التكتلات الإستيطانية الكُبرى لم يكن صُدفة، وتوسيع المُستوطنات الإسرائيلية وبناءِ المزيد من البؤر الاستيطانية غير الشرعية والامتناع عن إخلاء أي منها حتى تلك التي صنفتها السُلطات الإسرائيلية على أنها غير شرعية لم يتم إخلاؤها، بل حظيت بدعمٍ حكوميٍ مكنها من الإستمرار والتوسع..
ويتضح لنا هنا بأن الحُكومات الإسرائيلية المُتعاقبة امتهنت الخداع- (شارون ذكر في رسالته الى جورج بوش في شهر نيسان من العام 2004 "بأن الجدار الفاصل يُشكلُ حاجزًا أمنيًا وليس سياسيًا وهو مؤقت وليس دائمًا وعليه فإنه لن يُعرض للخطر أي قضية من قضايا الوضع الدائم بما في ذلك الحُدود النهائية"- والإدارات الأمريكية المُتعاقبة كانت بدورها تُغمض عينيها عن هذا الادعاء، بل وتُريد فرضَه أمرًا واقعًا على الفلسطينيين من خلال رعايتها للجولةِ الحالية للمفاوضات وضغطها غير المُبرر على القيادة الفلسطينية والمُفاوض الفلسطيني للقبول بطروحاتٍ لا تُلبي الحد الأدنى من الحُقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإلا فليبحث الفلسطينيون عن وسيط نزيه أو يبعثوا بملف القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة ليكون لها الكلمة الفصل في حسم موضوع أطول وآخر احتلال عسكري في التاريخ المعاصر وذلك من خلال تطبيق صحيح للقانون الدولي والانساني وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
نتانياهو... بأي حق تفاوض؟
بقلم: محمد جلال عناية - القدس
في البدء كانت الجغرافيا ثم تبعها التاريخ. فهل يمكن ان نقبل بمقتضى الزعم الصهيوني، ان اليهود تم استنباطهم في فلسطين، وانها لا تحق لأحد سواهم بحسب طروحات بنيامين نتانياهو وأبيه بنزايون نتانياهو، وملهمهما فلاديمير جابوتنسكي؟.
واذا كانت فلسطين هي الارض المقدسة لدى المسيحيين والمسلمين واليهود كما هو متعارف عليه عند كل امم الارض، فكيف يسعى بنيامين نتانياهو الى اغتصاب الدين والدنيا من غيره من البشر دون وجه حق؟.
فعلى وجه البسيطة يوجد 15 مليون يهودي، والى جانبهم مائة ضعف من المسيحيين، ومثلهم من المسلمين، اي ان نسبة عدد اليهود الى مجموع البشر الذين يعتبرون فلسطين ارضا مقدسة تساوي نصف واحد من مائة (1/2٪).
ان اسرائيل في واقع الامر، ومن خلال تجاربنا الحية، سلعة استعمارية، فان ارض اسرائيل والشعب الاسرائيلي، لم ينزلوا في لفافة من السماء على رقعة من الارض مصطفاة لهم. فهم احتلوا الارض بالحرب والغزو المسلح، بعد ان وصلوا اليها من الغرب الاستعماري على ظهور السفن. واتخذت منهم الدول الاستعمارية نواطير مرتزقة لحراسة ما يتم نهبه من بلاد العرب.
في يوم مضى، قالها آرييل شارون في احدى ملاسناته مع الاميركيين، بأن الاسرائيليين يقدمون للاميركيين ثلاثة مليارات دولار اكثر مما يقدمه لهم حلف شمال الاطلسي مقابل 93 مليار دولار، ان شارون لم يتحدث عن اسرائيل كأرض موعودة، ولكن بوصفها قاعدة استعمارية تؤدي خدمات عسكرية بالمقابل.
ان الارض المقدسة ليست يهودية، وان طغى عليها المستوطنون اليهود، ولكنها الارض المقدسة للاديان السماوية الثلاث. واذا تمت قسمتها بين المؤمنين بهذه الاديان بالعدل، فان نصيب اليهود لا يصل الى خمسة عشر كيلو مترا مربعا.
هذا عن يهود اليوم، وما جرى على فلسطين وشعبها في القرن العشرين بعد الميلاد نتيجة اطماع المستعمرين. وفي الزمن شبه الغابر، كانت قبائل بني اسرائيل تشكل مجتمعا رعويا على حالة من البداوة وعدم الاستقرار وكانت هذه الجماعات تتنقل طلبا للماء والكلأ في المناطق الصحراوية في شرق سيناء وجنوب الاردن. ومن هنا بدت المسألة اليهودية في صورتها الاقتصادية.
كلما عضهم الجوع بنابه، كان بنو اسرائيل ينظرون بِشَره الى ارض كنعان (فلسطين) التي كانت تصدهم بقوة كلما حاولوا الاقتراب منها.
اما الاتجاه الاخر الذي كان يتطلع اليه بنو اسرائيل فهو مصر، فكلما اشتد القحط زحفوا الى مصر طلبا للقوت.
كان الفراعنة لا يثقون بالرعاة والاقوام الرحل. ولكن حاجة الفراعنة الى الايدي العاملة كانت ملحة خاصة في اعمال البناء التي اشتهر بها رمسيس الثاني. لذلك فتحت مصر الباب لجماعات من بني اسرائيل للعمل كرقيق في هذا القطاع.
عندما بعث ثيودور هيرتزل نفسه لليهود في (مؤتمر بال 1897 BASEL)، جعل من دعوته مشروعا سياسيا دنيويا ارضيا يقوم على دعامتين: تفريغ فلسطين سياسيا بانكار الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني. والثانية، بالتحالف مع دولة قوية من خارج المنطقة.
في بحثه عن حليف قوي، كان هيرتزل يعرض صفقات سياسية، ويتحدث عن علاقات دولية ، ولم يأت على ذكر «ارض اسرائيل الكبرى» ولا عن «القدس عاصمة ابدية وموحدة لاسرائيل».
فقد عرض هيرتزل الدولة اليهودية على انها حاجز لصد خطر ابناء واحفاد اسرة محمد علي في مصر عن السلطان العثماني. وعرضها على رئيس الوزراء البريطاني على انها قاعدة عسكرية لتعزيز سيطرة بريطانيا على قناة السويس. وعرضها على الامبراطور الالماني غليوم الثاني على انها مركز متقدم في الشرق للثقافة الالمانية، بدلالة ان اللغة الالمانية كانت اللغة الرسمية في المؤتمر الصهيوني الاول (1897)م، الذي عقد في بال BASEL بسويسرا.
في السنة التي انتخب فيها بنيامين نتانياهو قائدا لحزب الليكود (الوحدة) 1993، نشر كتابا شاملا تحت عنوان «مكان بين الامم - اسرائيل والعالم». وقد ركز في الكتاب على قضيتين: الاولى، هي الادعاء بحق الشعب اليهودي في كل «ارض فلسطين» التي تشمل ضفتي نهر الاردن، والتي تبلغ مساحتها ستة اضعاف مساحة اسرائيل بحسب اتفاقيات رودس 1949. والقضية الثانية التي ركز عليها نتانياهو هي ان العرب هم الذين اغتصبوا فلسطين من اليهود. وهذه مغالطة وكذب صريح.
بسقوط القدس في يد الرومان سنة 70م، وزوال الدولة اليهودية، تيقن اليهود من عدم جدوى الحروب، فغابوا عن مسرح الاحداث، وتشتتوا في بلاد كثيرة، خضعوا لحكامها، وتكلموا لغاتها. وبعد تدمير الهيكل، استعاض اليهود عنه بالكنيس، وعاشوا 2000 سنة بعد تدمير الهيكل الثاني دون ان يشعلوا حربا.
فأي فلسطين هذه التي اغتصبها العرب من اليهود يا نتانياهو؟ ان عمر بن الخطاب هو الذي سمح لليهود بدخول فلسطين بعد مأساتهم على يد الرومان، وان صلاح الدين الايوبي هو الذي سمح لليهود بدخولهم الى فلسطين بعد حرقهم على يد الصليبيين. وان العرب هم الذين منحوا اليهود حريتهم الدينية وانقذوهم من الحرق على السفول (الحديدة) على يد المسيحيين الدومينكان في اسبانيا عندما احتلها طارق بن زياد (117م.).
قال المؤرخ البريطاني اريك هوبسبوم (Erik Hobsbam) «لست في حاجة للقول بأن مفهوم الصهيونية الذي يتمثل بالذات في اقامة دولة قومية علمانية على ارض محددة، لمن جرى تعريفهم بالشعب اليهودي، ان هذا المفهوم ذهب في اتجاه مضاد كليا للتاريخ اليهودي على امتداد 2000 سنة، بل هو مضاد للتاريخ اليهودي بأكمله.
وجزم هوبسبوم بأن : «مملكتي يهودا واسرائيل كما عرفنا في التوراة لا تشبهان في شيء الدولة القومية التي كانت في ذهن ثيودور هيرتزل في القرن التاسع عشر».
ثمة تغيرات ذات طابع استراتيجي في المنطقة
بقلم: راسم عبيدات – القدس
واضح بان المنطقة تشهد تغيرات تحمل ابعاداً استراتيجية،سيكون لها تداعياتها وتأثيراتها العميقة على الخارطة الجيوسياسية للمنطقة،فالمشروع الأمريكي الصهيوني- الأوروبي الغربي والمدعوم من قبل الحالمين في المنطقة والرامي بلغة هيكل"الى تقسيم المقسم" عبر سايكس – بيكو جديد قائم على تجزئة وتقسيم وتفكيك وتذرير الجغرافيا العربية وإعادة تركيبها على أساس الثروات والطوائف والمذاهب قد تعثر بشكل كبير،وخصوصاً ان المراهنة على ان تكون مصر حجر الزاوية في هذا المشروع قد فشل بسقوط جماعة الإخوان المسلمين،وما تحقق من إنجازات في ثورة 30 حزيران 2013،كتراكم للإنجازات المتحققة في ثورة 25 كانون الثاني 2011،وصعود نجم القائد العسكري السيسي،وما يملكه من "كريزما" قيادية،وما قام به من خطوات جدية،من اجل ان تستعيد مصر موقعها ودورها العربي والإقليمي والدولي،واحداث حالة من التنمية الإقتصادية والإستقرار السياسي وتوفير الأمن والأمان للمصريين، ورفض التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي المصري،وصيانة وحدتها الجغرافية والحفاظ على سيادتها وصيانة كرامتها الوطنية،ومعالجة المشاكل والهموم الداخلية من فقر وبطالة وجهل وتخلف وغيرها، ونحن بعد ثورة 30 حزيران بدأنا نلمس أن هذا الرجل لديه رؤيا واستراتيجية متصادمة مع المشروع الأمريكي- الأوروبي الغربي في المنطقة،وما جري ويجري ليس في إطار وسياق تجميل صورة النظام،بل هي رؤيا للخروج من تحت المظلة والعباءة الأمريكية،وإحداث حالة طلاق وإفتراق عن مشروعها بشكل تدريجي،رغم كل محاولات الإحتواء والتطويع التي تمارس عليه ،وما تقوم به القوى التكفيرية والسلفية وجماعة الإخوان من أعمال إرهابية من تفجيرات وإغتيالات وهجمات على الجيش والشرطة والمواطنين،وحرق وتدمير للممتلكات العامة والمقرات الشرطية والعسكرية في طول البلاد وعرضها،بهدف منع أي حالة استقرار وأمن في مصر من شأنها،ان تسمح له بتحقيق انجازات سياسية واقتصادية،بالإضافة الى الإبتزاز المالي من قبل امريكا بالمعونة العسكرية والدعم غير المباشر للجماعات الإرهابية والتكفيرية وجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك الشعور المتولد لديه بأن سقوط الدولة السورية وتفكيكها،من شأنه ان يترك أثار بعيده المدى على أي حالة نهوض لمشروع قومي عربي قادم،فسوريا هي العمق الإستراتيجي لمصر،وسقوط الدولة السورية،يعني الإجهاز على مصر لاحقاً، وضمن هذه الرؤيا وعلى هذه الأساس احدث السيسي إنعطافة حادة في السياسة والإستراتيجية المصرية،وبدأ بخطوات جدية في هذا الجانب،حيث نجح الإستفتاء على الدستور،الدستور الذي يعبر عن إرادة المصريين ويكفل الحقوق ويصون الكرامات والحريات الشخصية لهم،على مختلف مشاربهم ومعتقداتهم وإنتماءاتهم الفكرية والسياسية والمذهبية،بعد ان كان نظام الإخوان السابق،قد فصل دستوراً على مقاسه،ليجعل منه دستوراً لكل المصريين.
ولكن التطور الهام جداً في تلك الإستدارة،قيام السيسي بزيارته لموسكو،وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ البرتوكولات الرسمية،يقوم الرئيس الروسي بوتين بإستقباله في بيته الخاص ويثني ويمتدح ترشحه للرئاسة المصرية،وكذلك يعقد السيسي الصفقات من أجل شراء كميات ضخمة ومتنوعة ومتطورة من السلاح الروسي،،وهذه خطوة لها الكثير من الدلالات والتأثير على السياسة والمشروع الأمريكي في المنطقة،فالرد الأمريكي على تلك الزيارة وما قاله بوتين وإمتداحه لترشح السيسي للرئاسة لم يتأخر،بل أشعل الضوء الأحمر أمام الإدارة الأمريكية،وباتت على قناعة بأن السيسي يخطو خطوات متسارعة نحو الطلاق مع الخيار والمشروع الأمريكي في المنطقة،وفي هذا السياق قالت الإدارة الأمريكية،أن مسألة الرئاسة المصرية،ليست شأناً روسياً.
وثمة متغيرات أخرى تحصل في المنطقة،منها ما يحصل على الجبهة السورية،حيث ان النظام السوري بدأ يسيطر على الأرض ويمسك بشروط الحل السياسي،ولعل معركة يبرود- عرسال،والحسم فيها ستكون حاسمة لأي حل سياسي في سوريا،حل يفرض على الأطراف المشاركة في جنيف (3) بأن تكون الأولوية في التفاوض ليس لجهة تغيير النظام،والمرحلة الإنتقالية بالصلاحيات الكاملة،كما تريد ما يسمى بقوى إئتلاف المعارضة المشاركة في جنيف(3)،بل لمحاربة الإرهاب،والقيادة الإسرائيلية قالت بشكل واضح بأن نجاح النظام السوري وحزب الله في تدمير تحصينات يبرود،والتي هي أقوى من التحصينات الإسرائيلية،فإن هذا يعني بأن حزب الله سينجح في إقتحام التحضينات الإسرائيلية،ولذلك تعاظم قوته هذه يعني بأن لا مناص من شن حرب إسرائيلية عليه والتخوف الأمريكي والأوروبي الغربي وبعض الدول والقوى العربية نابع من ان الحسم في تلك المعركة،يعني ان عليهم إستقبال ألآلاف الإرهابيين والقتلة الداخليين الى لبنان،والمخاطر المترتبة على عودتهم لبلدانهم من بعد ذلك ووصول الإرهاب الى عقر ديارهم.
والمتغير الإستراتيجي الآخر هو،ان هناك تسليم امريكي بأن ايران سواء امتلكت السلاح النووي أو لم تمتلكه،أضحت قوة إقليمية لها مصالحها ودورها وتأثيراتها الكبيرة ،في أكثر من ساحة ومنطقة من أفغانستان ومروراً بالعراق فسوريا ولبنان وحتى فلسطين والخليج العربي،وبالتالي،هي لم تستطيع ان تفعل معها كما فعلت مع العراق من غزو وتدمير وإحتلال،لكي تبقى اسرائيل قوية ومتسيدة في المنطقة،فهي ستلتزم معها في الإتفاق حول مشروعها النووي،لأن ذلك مصلحة امريكية بالدرجة الأولى،وهي لن تسمح لاحد بتخريب هذا الإتفاق،فإيران قادرة على ان تلحق خسائر كبيرة في المشروع والمصالح الأمريكية في المنطقة،إذا ما حاولت الإعتداء عليها.
هذه المتغيرات ذات البعد الإستراتيجي،قد لا تظهر نتائجها بشكل سريع جداً،ولكنها تكون ملامحها وشكلها وطبيعتها قد ترسمت بشكل كبير في السنوات الخمس القادمة،وهي قد تمس بشكل جدي المشروع الوطني الفلسطيني،فالبقدر الذي تتوحد وتصمد الحلقة الفلسطينية،بالقدر الذي يمكنها من الإفادة من تلك المتغيرات،ولذلك نرى بأن الإدارة الأمريكية والاحتلال مع عدد من الدول العربية وغير العربية،يستعجلون الإجهاز على المشروع الوطني الفلسطيني، قبل أن تحسم تلك التغيرات الإستراتيجية الاوضاع.

لبنان عجيبة الجمهوريات العربية !
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
ابن أبيه انضم إلى "نادي رؤساء الحكومات" في لبنان، دون زهرة قرنفل في عروة سترته، وسيجار غليظ في أصابع يده. لكن، ليس دون شعارات أبيه الثلاثة وهي: الفهم والتفهُّم. لبنان واحد لا لبنانان. لا غالب ولا مغلوب!
هذا هو تمام سلام، نجل صائب (بيك) سلام، الرئيس المكلّف 11 شهراً برئاسة حكومة، تخلف حكومة تصريف الأعمال، برئاسة نجيب ميقاتي، التي خلعت حكومة فؤاد السنيورة.
لبنان، الجمهوري ـ البرلماني فريد الجمهوريات العربية، ليس لأن "نادي رؤساء الحكومات" أو رؤساء الأحزاب والطوائف يتم، غالباً، بالتوريث، بل لأن ديمقراطية النظام الجمهوري ـ البرلماني تتعكّز، في الملمّات التي تعقب "حروباً أهلية" على الجيش.
ثلاثة من رؤساء الجمهورية اللبنانية، كانوا قادة الجيش: فؤاد شهاب، إميل لحود، والرئيس الحالي ميشال سليمان.. وقد نضيف إليهم العماد ميشال عون، الذي كان يشبه "رئيساً عرفياً" غير منتخب للجمهورية بعد رئيس الجمهورية الكتائبي أمين الجميل، الذي انتهت فترة رئاسته دون الاتفاق على انتخاب خلف له.
حكومة تمام سلام، المعلنة بعد يوم من "عيد الحب" هي، نظرياً، حكومة "وحدة وطنية" بوزرائها الـ 24 (23 رجلاً وامرأة وحيدة)، وتشكّلت حسب وصية النبي محمد: ثلث للطعام، ثلث للشراب، وثلث لراحة المعدة؟.. أو ثلث من معسكر 14 آذار (سعد الحريري وحلفائه) وثلث آخر من معسكر 8 آذار (حزب الله وحلفائه) والثلث الأخير من المعسكر العازل بين المعسكرين.
التوافق على "الحكومة التوافقية" استغرق 11 شهراً، فكم شهرا يلزم للبنان للتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية يخلف العماد ميشال سليمان الذي تنتهي ولايته الدستورية في آذار المقبل، علماً أن ولاية الرئيس من ست سنوات غير قابلة للتمديد والتجديد، باستثناء تمديد ولاية الرئيس "الزحلاوي" إلياس هراوي (الموالي لسورية) فترة سنتين بعد تعذّر الاتفاق على رئيس جمهورية توافقي، إلى أن تمّ انتخاب العماد إميل لحود (الموالي لسورية).
كان العماد ـ الرئيس ميشال عون قد قاد و"تمرد" ضد "جميع الاحتلالات" السورية والفلسطينية وضد ميليشيات الأحزاب الطائفية.. لكن "التيار العوني" صار حليفاً للنظام السوري، ما تسبب بشق الطائفة المسيحية المارونية التي ينتمي إليها هو والحليف الماروني لسورية "تيار سليمان فرنجية" الذي كان رئيساً مارونياً وحليفاً لسورية ـ حافظ الأسد، بينما لم يشارك "حزب القوات اللبنانية ـ سمير جعجع" في الحكومة، لأنه ضد "حزب الله" في الحكومة وضد تحالفه مع سورية، وتدخُّله في حروبها.
المسألة ليست هنا، بل في أن صائب سلام، والد تمام سلام، كان رئيساً للحكومة وقت كان الانقسام السياسي ـ الطائفي والتقاسم الحكومي في لبنان بين المسلمين والمسيحيين، أو بالأحرى بين السُنّة والموارنة.
الآن، صار الانقسام السياسي ـ الطائفي بين الشيعة وحلفائها (حزب الله، خصوصاً) وبين السُنّة.. ولكل فريق تحالفاته مع قيادات مسيحية.
حكومة تمام سلام عبارة عن تسوية لبنانية هي تسوية عربية في الواقع بين التيار السعودي متمثلاً في سعد الحريري، خلفاً لأبيه المغدور رفيق الحريري؛ والتيار السوري متمثلاً في "حزب الله"، وأيضاً في الحزب السوري القومي الاجتماعي، وبعض أجنحة الحزب الشيوعي.
هذا يعني، لبنانياً، أن المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال رفيق الحريري لن تصدر حكمها بإدانة عناصر من حزب الله أو النظام السوري بجريمة الاغتيال.
وقد يعني أن حزب الله لن يفجّر مواجهة مسلحة أخرى مع إسرائيل لتعطيل الحكم المتوقع بإدانته من المحكمة الدولية، على رغم فقدانه في الحكومة السابقة ما يدعى بـ "الثلث المعطِّل" حيث كان له غالبية الحقائب الحكومية (9 حقائب).
الانقسام اللبناني الأول، أواخر الخمسينيات من القرن المنصرم كان بسبب "عروبة لبنان" أو "استقلالية لبنان" إبّان المدّ الناصري، وتسبّب في حرب أهلية، انتهت بتدخل الجيش بقيادة فؤاد شهاب.
الانقسام اللبناني الثاني، أواسط سبعينيات القرن المنصرم كان بسبب الوجود المسلح الفلسطيني، وتسبّب في حرب أهلية مطوّلة، وخروج القوات النظامية الفلسطينية، وكان بوجه عام، حرباً بين ميليشيات مسيحية وأخرى إسلامية.
الانقسام الثالث كان ولا يزال من أوائل تسعينيات القرن المنصرم، بسبب الخلاف على "المقاومة اللبنانية" بقيادة "حزب الله" ودعم إيران وسورية لها (أو للحزب).
بذلك، يمكن اعتبار الانقسامات والحروب الأهلية اللبنانية "باروميتر" للواقع العربي المتغيّر، والتدخل الإقليمي والدولي تبعاً لتغير الواقع العربي.
يهمنا كفلسطينيين أن تستقر "الصيغة اللبنانية"، المعدّلة والمتداخلة، لأن انفجارها بين "المعسكر السوري" و"المعسكر السعودي" قد يؤدي إلى وضع الفلسطينيين، الدقيق والصعب، في لبنان في محنة جديدة، بعد محنتهم في سورية.
لبنان بلد العجيبة العربية المتحوّلة تبعاً لتحوّل الواقع العربي.





سؤال العدوان : الأهداف والتوقيت ...
بقلم: طلال عوكل – الايام
التحذير الذي أطلقه المنسق الأممي لعملية السلام في الأراضي الفلسطينية المحتلة روبرت سري، من احتمال انهيار التهدئة بين إسرائيل وقطاع غزة، كان قد سبقه تحذير صريح من عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الدكتور صائب عريقات، الذي تحدث عن عدوان إسرائيلي وشيك على قطاع غزة.
سري وضع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي في كفتي ميزان المسؤولية بالتساوي، فلقد ازداد عدد الصواريخ التي تسقط فوق إسرائيل، التي بدورها زادت من عدد عملياتها ضد القطاع، واراد أن يتجنب تحميل المسؤولية عن ذلك، وأن يتجنب أيضاً الحديث عن الدوافع والأهداف التي تقف وراء احتمال انهيار التهدئة، وشن عدوان جديد واسع على قطاع غزة.
عريقات اصاب كبد الحقيقة، حين قال: "إن الحكومة الإسرائيلية تتجه لشن حرب جديدة على قطاع غزة بهدف إفشال خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري للسلام خصوصاً إذا شعر نتنياهو بأن هناك خطة سيقدمها كيري تستند إلى القانون الدولي".
حين يكون الحديث على هذا المستوى من المسؤولية، وعلى هذا القدر من الجدية ومن مواقع المعرفة القريبة من دوائر المعلومات والقرار، وبما ينسجم والتهديدات الإسرائيلية التي لا تتوقف، ينبغي أن نتوقف قليلاً، لكي نبحث في سبل المواجهة الإجبارية، التي يحاول الفلسطيني أن يتجنبها، وتحاول إسرائيل كل الوقت، أن تبادر إليها، ليس لأسباب لوجستية أمنية وحسب بل لأسباب سياسية أيضاً.
من حيث المبدأ، لا ينبغي لفلسطيني، أي فلسطيني أن يستبعد عدواناً إسرائيلياً على قطاع غزة، أو على أي قطاع فلسطيني، فإسرائيل المحتلة، والعدوانية هي ذاتها تمارس طبيعتها، ولم يتغير عليها شيء.
وهي دولة معروفة ومعرفة بعدم احترامها للمواثيق والعهود الدولية، وغير الدولية، دولة تتصرف على أنها فوق القانون.
تتحدث اسرائيل عن تزايد اعداد الصواريخ التي تسقط عليها خلال شهر كانون الثاني الماضي، ووصلت إلى ثمانية وعشرين صاروخاً، وهي نسبة أعلى من معدلاتها في الأشهر التي سبقت، ولكن المتابع، سيخلص إلى نتيجة أن إسرائيل لم تلتزم بالتهدئة التي أبرمت بعد حرب 2012، وأنها خرقتها منذ الأيام الأولى، وواصلت ذلك على مدار الوقت، وقتلت وجرحت عشرات الفلسطينيين، غير أن المسألة في الجوهر ليست على هذا النحو.
في أحيان ليست قليلة اعترفت مصادر مسؤولة إسرائيلية، بجدية التزام حركة حماس بالتهدئة، وبضبط عمليات إطلاق الصواريخ، لكنها حين كانت تفعل ذلك لم تخف نواياها إزاء تحريض حماس على المجموعات الأخرى، وبهدف إدخال الساحة في صراعات دموية، ولتشويه سمعة الكل الفلسطيني.
بشكل عام يمكن فعلاً أن نتوقع عدواناً إسرائيلياً واسعاً، وأكثر بشاعة وقسوة من عدواناتها الوحشية السابقة على قطاع غزة، فمن منظور المصالح الاستراتيجية، كان يمكن لإسرائيل أن تتحمل سقوط الكثير من الصواريخ، لأن لديها أهدافاً سياسية أكثر أهمية، وتستحق أن تدفع ثمنها مقابل الثمن الاستراتيجي الذي ستحققه.
كانت إسرائيل تراقب ما يجري في قطاع غزة، من عمليات تسليح متواصلة راكمت المزيد من القدرات القتالية، والتجهيزات اللوجستية، التي لم تتعود إسرائيل على الصمت عنها، لولا أنها تعاملت مع الانقسام الفلسطيني كذخر استراتيجي، سيؤدي في نهاية المطاف، وبتخطيط إسرائيلي إلى فصل قطاع غزة نهائياً، وخلق الظروف المناسبة لتحويله مع أجزاء من سيناء أو دون ذلك إلى وطن الدولة الفلسطينية.
حينذاك، ستكون مسؤولية الأمن في دولة غزة، في عهدة مصر، التي ستتكفل بتحويل الأسلحة المتراكمة في القطاع إلى وجهة أخرى، ولظنها أنها ستكون وبالاً على الفلسطينيين والمصريين على حد سواء.
الآن لم يعد الانقسام الفلسطيني ذخراً استراتيجياً بالقدر الذي أرادته إسرائيل، لكن استمراره مطلوب لتلبية مصلحة إسرائيلية ذات علاقة بالمفاوضات والشريك الفلسطيني الذي ينبغي أن يظل ضعيفاً وغير قادر على مقاومة الضغوط الهائلة، التي تستهدف إخضاعه لمتطلبات الشروط والأهداف الإسرائيلية، فإن شعرت إسرائيل أنها ليست قادرة، أو لم يعد مجدياً لها توظيف الانقسام على هذا النحو، فإنها ستنظر إلى قطاع غزة كتهديد أمني استراتيجي يتطلب المعالجة.
في المرة الأولى التي دخل فيها حزب إسرائيل بيتنا بقيادة أفيغدور ليبرمان، إلى الحكومة وأبرم مع الليكود اتفاقاً، تضمن ذلك الاتفاق في بنده الخامس هدفاً يتحدث عن القضاء على سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، وسحق المقاومة فيها، ولم يكن ذلك من أجل السلام، ولا هو هدف للتنفيذ العاجل، إذ شنت إسرائيل على القطاع حربين منذ ذلك الحين، ولم يكن الدافع تنفيذ هذا الهدف.
الآن صدقوا ما يقوله الإسرائيليون بهذا الشأن، فإذا كانت حكومة نتنياهو لا تثق ولا تقبل بضمانات وجود عسكري أميركي أو أطلسي لحماية أمنها في منطقة الغور وعلى الحدود الفلسطينية الأردنية، فإن من الغريب وغير المتوقع أن تقبل بضمان وجود اتفاق تهدئة مع قطاع غزة، وإذا كان الحديث المتفق عليه من الجميع أن الدولة الفلسطينية في حال قيامها، عبر اتفاق تسوية، ستكون منزوعة السلاح، فإن قطاع غزة الذي سيكون جزءاً من الدولة الفلسطينية، سيبرز كمشكلة أمام كل الأطراف، فإما أن تبادر إسرائيل إلى تدمير بنية المقاومة وإمكانياتها وإما أن تقوم إدارة الدولة الفلسطينية بذلك، سواء بالقوة والصراع، أو بالتوافق، هذا فيما يتعلق بالعام المرتبط برؤية إسرائيل لمصالحها، وكيفية تعاملها مع نواتج الانقسام ولكن ماذا لو أن الفلسطينيين حققوا المصالحة، واستعادوا وحدتهم في ظل وجود الكتائب من كل المسميات، والأسلحة من أنواع تنظر إليها إسرائيل بخطورة بالغة؟
بكل الأحوال لم يعد ثمة ما يمنع إسرائيل من شن حرب جديدة بشعة ومدمرة على قطاع غزة، فإذا كانت تسعى وراء استفزاز الفلسطينيين في الضفة لاتخاذ خطوات فعالة في مواجهة الحرب الاستيطانية والتهويدية التي تشنها إسرائيل في الضفة بلا هوادة وصولاً إلى إمكانية وقف المفاوضات، فإنها أي إسرائيل ستصعد من عدوانها حتى يخرج الفلسطينيون عن صبرهم.
وكما يقول الدكتور عريقات، فإن إسرائيل قد تلجأ لشن عدوان على قطاع غزة في محاولة منها للتهرب من المفاوضات، ومن أجل خلط الأوراق، وصرف الأنظار عن فشل هذه المفاوضات فإن لم يكن كذلك، فإن مثل هذا العدوان، سيكون له هدف الضغط المباشر على الفلسطينيين من أجل تمرير الشروط الإسرائيلية البكتيرية، إذاً ومن حيث المبدأ، يكون العدوان الإسرائيلي الواسع على قطاع غزة محتملاً في أية لحظة، خصوصاً في ظل الأوضاع العربية المتردية، وفي ظل المناخ العدائي بين حماس ومصر، ويظل السؤال هو متى يمكن لإسرائيل أن تبادر إلى ذلك؟
هنا علينا أن نفتح عيوننا على سير المفاوضات، وإن كنا لا نتوقع ما توقعه الدكتور عريقات، من أن كيري قد يقدم خطة للتسوية تستند إلى القانون الدولي، والسؤال المهم هو كيف لنا أن نحضر أنفسنا لمجابهة عدوان كهذا، وهل تحضير النفس مقصود به تحميل مسؤوليتها أهل غزة، أم ان المسألة تحتاج إلى جهد وطني، يبدأ بتنفيذ المصالحة على كل ما في الاتفاق بشأنها من ثغرات يمكن معالجتها لاحقاً في اطار المؤسسة، أو ان يشرع الفلسطينيون بحوار جدي من أجل سد هذه الثغرات؟.
أنـت لـسـت فـي غــزة!
بقلم: د. عاطف أبو سيف – الايام
فيما مضى كانت هناك يافطة ضخمة على شكل قوس كبير على مدخل مدينة غزة الشمالي بالقرب من مصنع السفن اب مكتوب عليها "غزة ترحب بكم"، ومثلها باللغة الإنجليزية.
لا يمكن الآن بعد أن تغيرت الأحوال وتبدلت الدنيا أن ادرك بأن مثل هذه اليافطة كانت حقاً علامة الدلالة على غزة، لكنها بالنسبة للفتى الذي كنته قبل عقود مضت كانت كذلك.
الآن هناك ألف شارة ويافطة تقول لي إنني في غزة، ولم تعد تلك اليافطة إلا شيئاً من بقايا الزمن الجميل.
فإذا مر اليوم كاملاً دون أن تقطع الكهرباء فجأة او على موعد او دون موعد، فأنت لست في غزة.
عليك أن تنتبه على مواعيد الكهرباء وتقوم بترتيب وقتك وفق هذه المواعيد.
من الأفضل أن تحفظها عن ظهر قلب، وإذا كنت تعاني من عطب في الذاكرة او خشيت أن تنسى، فلا بأس لو قمت بكتابتها على ورقة وعلقتها على جدار الغرفة مثل لوحة جميلة تحتفظ بها، او صورة لعزيز غائب.
من الضروري أن تبرمج حياتك على هذه المواعيد، وعليه فلا يكفي أن تقوم بحفظ جدول الكهرباء في حارتكم بل يجب عليك أن تحفظ مواقيت الكهرباء لدى أقاربك وأصدقائك.
فأنت لو قررت أن تزور صديقاً، هل تزوره والكهرباء قاطعة!! لن يكون لائقاً فعل ذلك.
هل تزور أقرباءك في العتمة! أيضاً ليس من اللائق فعل ذلك. إذا من الأفضل أن تنتبه جيداً. لا بأس يمكنك أن تتصل لتسأل عن الكهرباء عندهم، وتخبرهم أنك ستزورهم في الوقت الذي تكون الكهرباء تنير بيوتهم.
هذا أفضل. بالطبع لا جدول مقدسا في غزة. حيث لا مواقيت فإذا كانت الكهرباء ستقطع عند الثالثة فقد تقطع عند الثانية او الثانية والنصف، وإذا كانت ستأتي عند العاشرة ليلاً فقد تأتي بعد ذلك بساعة. أنت بالطبع ستتكيف مع هذا الوضع وتقول المهم ألا تسوء الأمور أكثر من ذلك!! "آمين"
أما إذا باغتتك الكهرباء وفاجأتك مثل عادتها وقطعت بلا استئذان فليس لك إلا أن تبتسم وتقول إنك فعلاً في غزة.
وإذا ما طرق معبئ الغاز باب بيتك وطلب منك "جرة الغاز" الفارغة لأنه سيعبئها بعد لحظات، فأنت لست في غزة.
لا تصدق لابد أنك تحلم، او أن شخصاً ما يقوم بخدعة ما أو ربما كانت تلك الكاميرا الخفية. عليك أن تنتبه. جرة الغار صارت عزيزة وصار يجب الحفاظ عليها والانتباه لها حتى لا تقطعك فجأة وتجد نفسك بلا غاز فتضطر أن تعود نصف قرن للوراء وتوقد "بابور الكاز" إذا توفر عندك واحد.
لابد أن لديك الآن، بعد أن تعلمت الدرس جيداً، بابوراً تضعه في مكان ما في البيت من أجل تلك اللحظة التعيسة حين تجد نفسك فجأة تبحث عنه تنفض عنه التراب وتوقده.
ولكن عليك دائماً أن تتذكر أن توفر له الكاز غير المتوفر أصلاً. وإذا لم يتوفر فعليك أن ترجع للعيش في القرون الوسطى وتوقد ناراً من الحطب حتى تطهو عليها.
انت فعلاً قد لا تكون بحاجة لكل ذلك إذا ما تصرفت جيداً وحافظت على جرة الغاز في البيت.
وأيضاً إذا ما أقمت علاقة جيدة مع موزع الغاز الذي صار الرجل الأهم في الحارة. رد عليه الصباح، بادره بالسؤال عن صحته، ابتسم في وجهه على الطلعة والنزلة، اعمل أي شيء، المهم ان تجد جرة غازك دوراً متقدماً لها في طابور الانتظار.
وإذا ما مررت عن محطة البنزين ووجدت السيارات تملأ خزاناتها وتمضي بلا زحمة ولا طابور فأنت لست في غزة. البنزين كلمة السر في تسيير الحياة.
فجأة قفز لتر البنزين من أقل من ثلاثة شواكل إلى اكثر من ستة. وفجأة ارتفعت المواصلات وصار على طالب الجامعة ان يفكر جيداً حيث ارتفعت تكاليف الحياة، اما إذا كان لوالده أربعة طلاب في الجامعة فعليه أن يعد من واحد للعشرة بالمقلوب.
لا بأس لو مشوا بعض المسافة قليلاً. طبعاً ارتفاع أسعار البنزين يجب أن يتحملها المواطن والسائق فقط، لا أحد يتحمل المسؤولية على كاهله ويقول أنا المسؤول.
نحن مسؤولون في المغانم وليس في المغارم، لأننا في غزة
وإذا مر شهر كامل دون ان تجد نفسك بلا ماء، فأنت لست في غزة. وإذا خطر لك ان تسافر فجأة وذهبت للعبور في منتصف الليل وقطعته إلى العالم الخارجي فأنت لست في غزة.
وإذا نظرت للبحر وقفزت إلى أحد المراكب وقررت أن تبحر إلى جزيرة نائية او حتى ميناء مجاور فأنت بالتأكيد لا تقف على شاطئ غزة.
وإذا استطعت ان تنام دون ان تسمع صوت الزنانة فوق رأسك مثل ذبابة لا تفارق أذنك، فأنت لست في غزة. وإذا مرة خطر لك أن تحتج على قضية ما وذهبت ووقفت وحدك ترفع يافطة في ميدان فلسطين أو الجندي المجهول فأنت لست في غزة. وإذا وإذا وإذا وإذا
وامام كل ذلك عليك دائماً ان تتعلم قواعد جديدة حتى تصبح حياتك في غزة ممكنة وصالحة ومحتملة، اما إذا لم تقم بذلك فعليك أن تبتدع طرقاً حتى تنسى أنك في غزة، مثلاً تتخيل أنك تعيش في مدينة اخرى، تسير في شوارع أخرى، تزور اماكن اخرى، ان تجد نفسك في عالم آخر.
أنت لا تهرب، فأنت شجاع، لكنك تبحث عن الأفضل، وهذا حقك. المهم ان تستطيع تحمل خفة الحياة وقسوتها.
كم حرب مررت بها، وكم عالم انهار حولك، ولم تسقط ولم تستسلم. بقيت صامداً رغم كل شيء.
فغزة لها قوانينها وقواعدها، عليك أن تلتزم بها وتحافظ عليها، وان تسير "الحيط الحيط" حتى لا تقع في متاهات ومشاكل يمكن لك إذا حسبتها "صح" أن تتجنبها. أهلاً وسهلاً بكم في غزة.

فــلـسطينـيـو الـيـرمـوك!
بقلم: سميح شبيب – الايام
تمر أزمة فلسطينيو سورية عامة، واليرموك خاصة، في منعرجات خطرة، بل وشديدة الخطورة. صحيح أن هناك انسحابا للقوات المسلحة، على اختلاف انتماءاتها ومذاهبها، وصحيح أن هنالك عودة ظاهرة، وغير مضمونة، لعودة الحياة الآمنة للمخيم، لكن ضمانات ذلك، غير متوافرة، رغم الوعود اللفظية.
هنالك دمار واسع للبنى التحتية، ودمار شبه شامل لمناطق بأكملها، ما يحول دون عودة السكان إليها.
يحتار المواطن الفلسطيني من سكان اليرموك في أمره. هل يعود أم ينتظر أمراً كان مرسوماً؟! ويتساءل من سيعينه في حياته وبنائه، م.ت.ف، أم الأونروا، أم السلطة السورية؟! أم كل هؤلاء مجتمعين متضامنين، وهل ستكون عودة جديدة للمسلحين على اختلاف انتماءاتهم، عبر محاور متعددة إلى المخيم؟!
عانى اللاجئ الفلسطيني، من سكان مخيم اليرموك، من تجارب مرّة كثيرة، ومن وعودات سبق أن قطعت ثم لم تنفذ.
لا أحد قادرا على طمأنة الفلسطيني حول واقعه ومستقبله، فالوضع هناك، بات مرتبطاً بالأزمة السورية عامة، وهي بالتالي باتت مرتبطة بالتطورات الإقليمية والدولية، على حد سواء.
صفة الحياد، التي تمتع بها اليرموك، وجنى الهدوء والاستقرار في بداية الأزمة، باتت جزءاً من الماضي، وباتت الجغرافيا في مخيم اليرموك، تشكل ركناً من اركان الصراع السوري ـ السوري، وبالتالي يمكن القول، إن كافة الاتفاقات المبرمة، بين م.ت.ف، والفصائل المسلحة في المخيم، مرهونة بما تشهده الأزمة السورية من فصول قادمة، وهي في حكم المجهول.
ما حدث قبل بضعة أيام، وبعد انسحاب المسلحين من المخيم، وهو عودة قوات النصرة ليلاً لبعض أحياء المخيم، يمثل بروفة، يمكن القياس عليها.
القائم في المخيم، يمثل مأساة حقيقية، قلّ نظيرها في هذا العصر، وبات علاجها يحتاج إلى تضافر جهود عدة، أولها الجهد الدولي، وخبراته التراكمية في معالجة مآسي العصر ونكباته.
لدى الأمم المتحدة خبرات لا يستهان بها في هذا المجال، والأونروا في سورية ولبنان، ليست بعيدة عن تلك الخبرات. فيما إذا توافرت النية الحقيقية، لدى السلطة السورية، وهي الطرف الأقوى في التحكم بالمساعدات، ووصولها، وإنقاذ المحاصرين في المخيم، يمكنها وبسهولة، التعاون مع أطراف دولية، وفي المقدم منهم: الأونروا، للوصول إلى تحقيق تلك الغاية.
تعاون وفد م.ت.ف مع السلطات السورية، هو تعاون مثمر وناجح وضروري، لكن التعاون والتنسيق مع هيئات العمل الدولي، وفي المقدم منها الأونروا، هو أمر شديد الضرورة، لتحقيق هدف الإغاثة، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإيجاد الحاضنات اللازمة لاستمرار حياتهم وبقائهم!!.
الاعتذار لسورية
بقلم: غسان زقطان – الايام
اعتذر الإبراهيمي للشعب السوري وهو يختتم، فيما يشبه النعي، مفاوضات جنيف بين وفدي المعارضة والنظام السوريين، بقيت صور كثيرة عالقة في المكان بعيدا عن الاعتذار المهذب الذي لم يخل من مرارة، معطف الجعفري الطويل الأسود والوشاح على رقبته وهو يسبق مرافقيه متجها نحو الباب الزجاجي الجانبي لمكان المفاوضات، التجهم الخاص الذي رافقه منذ ظهور اول مسيرة احتجاجية في شوارع درعا، انهماك المعلم بما لايعرف أحد وتشاغله الدائم بملاحظات طائشة يوجهها نحو مرافق مفترض، خفة حركته قياسا لأبعاده واندفاعة مشيته القصيرة التي تنطلق من الحوض، الفشل الذريع الذي سيلحق بأي محاولة لإعادة ترتيب الكتلة التي يشكلها، المفارقة الغريبة بين نبرته المسترخية خلف المنبر رغم حمولات التصريح الذي يلقيه، المفردات التي تتمدد في صوته مثل أجساد السوريين المقتولة وهي تواصل نموها صاعدة من حوران نحو حلب وصولا الى قرى الكرد وضفتي الفرات، النبرة الباردة التي تعبر مثل حربة او حبل او برميل تلقيه هيليوكبتر على منزل في " هنانو" أو "سيف الدولة".
في الجانب الآخر يبدو "الجربا" مثل طالب مجتهد في مباراة حفظ للشعر، يبحث بدأب عن الهمزة والتاء والنون، ثمة بلاغة لا يحتاجها شخص يمثل مئتي الف جثة، ترف الذي وصل الى الاجتماع ناقصا وبدون " معارضته" دون اجنحة ودون صوت مختلف يكثر حضوره ويعزز خطابه.
البلاغة والترف الذي لن يغطي على مرونة فائضة عند الحديث عن أعداء الثورة وحصرهم بالنظام، " الإرهاب" الذي يرتع في نسيج الثورة والذي تسبب في انتشاره مثل هذا الخطاب الموارب وسوء التقدير، ليس النظام وحده من يتحمل مسؤولية فساد صورة الثورة النبيلة التي حملها سوريون وسوريات على اجسادهم الهشة لشهور طويلة في مواجهة آلة موت متوحشة.
في تلك الشهور السبعة او الثمانية تكمن ثورة سوريا ونبلها، قبل عسكرة الاحتجاج والانجرار لحلبة النظام وارضه التي يتقن معرفتها، ويحقق ثقل قواه بالسلاح بعيدا عن الشعب الذي مشى خلف صوت ابراهيم القاشوش على ضفة العاصي.
افكر ان ثمة من عليه الاعتذار لسورية والسوريين سوى الابراهيمي.
لم يأت أحد
القتلى فقط وصلوا مبكرين
وجلسوا بهيئاتهم المشوّشة .
ثم قال شخص، لم نتبيّنه،يصف الأمر فيما بعد :
لم يحضر أحد
فقط القتلى وصلوا مبكرين
دون ملفّات مدروسة
وبحجّة وحيدة خرساء !


تغريدة الصباح - خيانة اللغة
بقلم: محمد علي طه – الحياة
تُزعجني الأخطاء اللغويّة التي تطلّ بوقاحة من سطور بعض الصّحف اليوميّة والأسبوعيّة، وتؤلمني عناوين الأخبار على شاشات الفضائيّات العربيّة ? بلا استثناء ? التي تزخر بالأخطاء النّحويّة والإملائيّة ممّا يدلّ على أنّ هذه الصّحافة وهذه الفضائيّات بلا مدقّق لغويّ ولا يراجع المحرّرون موادّها، وكأنّ الأخطاء النّحويّة والإملائيّة صارت ظاهرة لغويّة عصريّة انحطاطيّة، أو كأنّهم يقولون لنا بعيون بيضاء: لغتنا/لغتكم بلا قواعد وبلا نحو وبلا صرف وبلا إملاء صحيح. وهذا دليل على عدم احترام هذه الصّحف لقرّائها، وهذه الفضائيّات لمشاهديها، بل يشير إلى خدمة أجهزة الإعلام ? سواء كانت تدري أو لا تدري ? لأعداء لغتنا وقوميّتنا وصخرة وجودنا.
أنا واحد من جيل من الأدباء الذين أحبّوا اللغة العربيّة وأدركوا أنّ المحافظة عليها قضيّة قوميّة ووطنيّة وحرصوا على أن يكتبوا نصوصهم بلغة عربيّة سليمة، كما رأوا في اللغة هويّة شعبهم وجذور بقائه لا سيما أنّ المؤسّسة الإسرائيليّة خطّطت وعملت على تغييبها وإضعافها.
حينما كان الكاتب إميل حبيبي رئيساً لتحرير صحيفة "الاتّحاد" حرص على أن تصدر الجريدة ? مشروع حياته ? خالية من الأخطاء اللغويّة، وقد كلّفني لعدّة سنوات في أثناء عملي في الجريدة بأن أقدّم في مستهل اجتماع هيئة التّحرير اليوميّ عرضاً لما وجدته من أخطاء لغويّة قليلة في العدد السّابق، وكانت نظراته الحادّة تؤنّب المسؤولين عنها. وقرأتُ -فيما قرأته- أنّ عدداً من الكتّاب المصريّين البارزين في القرن الماضي كانوا يعرضون مؤلّفاتهم على لغويّين من الأزهر الشّريف لمراجعتها وتصحيح أخطائها، وهذا برهان على احترامهم للقارئ وإجلالهم للغة. وكانت الكتب المترجمة التي تصدر في العالم العربيّ تُراجعها لجان من الأدباء والمختصّين كما يُراجعها مدقّقون لغويّون محترفون، وما زالت دور النشر المحترمة والمعروفة تسير على هذا النّهج.
عندما أشتري كتاباً مترجماً عن إحدى اللغات أتأكّد في البداية من اسم المترجم ومن دار النّشر كي أقرأ ترجمة خالية من الأخطاء وبدون خيانة لغويّة أو أدبيّة إلا أنّ شهرة بعض الكتب ونجوميّة بعض المؤلفين تغريني أحياناً بل تخدعني وتضع غشاوة على عينيّ فأقع فيما أحاول أن أتجنّبه.
قرأتُ في هذا الأسبوع التّرجمة العربيّة للرّواية الجميلة "عدّاء الطّائرة الورقيّة" للكاتب الأفغانيّ خالد حسيني التي كتبها باللغة الانجليزيّة وهي رواية رائعة أثارت أصداء أدبيّة واسعة في العالم ووصفتها الكاتبة الرّوائيّة التّشيليّة الكبيرة إيزابيل ألليندي بأنّها رواية استثنائيّة. والرّواية ممتعة جدّاً ومشوّقة جدّاً إلا أنّ الأخطاء اللغويّة التي أحصيتها فيها تربو على ثلاثمائة خطأ وهذا يسيء كثيراً إلى الرّواية الصّادرة عن دار "دال للنّشر والتّوزيع" في دمشق في العام 2012 وترجمة منال فيّاض.
يبدو أنّ الفوضى في سوريّا التي عمّت الوطن من درعا إلى حلب وصلت إلى رواية خالد حسيني فعاثت بها فساداً يفوق ما فعله المحتلّون وطالبان في أفغانستان، ولو علم الكاتب بهذه الأخطاء التي نصبت المبتدأ والخبر وتجاهلت عمل النّواسخ، والتي كما قال الشّاعر إبراهيم طوقان "رفع المضاف إليه والمفعول"، لشكا المترجمة ودار النّشر إلى محكمة لاهاي!!.

كوب شاي مسموم لأوباما
بقلم: عدلي صادق – الحياة
كلما كان الأمر يتعلق بإسرائيل، يفقد المنطق حضوره في السياسة الأميركية، ويجري إهمال حتى الأمثلة القريبة، الماكثة في جوار "البيت الأبيض" فلا يُقاس عليها شيء، خوفاً من أن ينـزعج الصهيونيون!
ما يُسمى بـ "حركة الشاي" العنصرية الموصولة بأذيال المحافظين الجدد في الولايات المتحدة؛ تمارس استعلاءً عنصرياً على الرئيس الأميركي نفسه، وصل الى درجة الإهانة. فهو في خطابها "ليس منّا، وليس أميركياً حقيقياً". أما هو، من جهته، فيعرف أن التمييز بين المواطنين، هو بوصلة "حركة الشاي" النافذة في أوساط المال والأعمال، ويُفترض أنه تقزز منهم ومن العنصرية والعنصريين، على الأقل لأنهم يتناولونه بالهجاء المهين. كان الأجدر به، كأستاذ جامعي سابق ومثقف، أن يعرف المناخات المضادة للنفس الإنسانية البريئة التي لا تقترف ذنباً لكنها تتعرض للتمييز، وأن يعارض مسعاهم بالحجة وبالمنطق الصائب. فالأسبوع الثاني شهر شباط الجاري الذي لم يُطو، هو وقت إحياء ذكرى المظالم التي تعرض لها الزنوج في الولايات المتحدة. ففي لحظة من صحو الضمير، في العام 1926 كان ثمة مؤرخ أميركي أسود، اسمه كارتر وودسون، استعان بجمعية لدراسة حياة الزنوج الأميركيين وتاريخهم، لكي يعلن عن الأسبوع الثاني من شباط، وقتاً لإحياء ذكرى المظالم التي وقعت للمكوّن الأسود من الشعب الأميركي. وجاء الاختيار ليتوافق مع يوم ميلاد ابراهام لينكولن، الذي دعا الى تحرير العبيد!
جماعة "حركة الشاي" تتشكل من عنصريين نصابين، لا يفقهون شيئاً لا في السياسة ولا في التاريخ، ولا حتى في الجغرافيا. إن أيقونتهم البذيئة، سارة بالين "Palin Sarah" التي خاض معها جون ماكين سباق الرئاسة لكي تكون نائبته لو نجح؛ تعرضت للسعات المعلقين الساخرين، عندما سُئلت عن إفريقيا، فكان جوابها ينم عن اعتقادها بأن إفريقيا بلد وليس قارة. وسارة هذه، بات شغلها الشاغل الترويج لإسرائيل ولعنصريتها واحتقار باراك أوباما. هنا، يُشطب الوعي النخبوي الأميركي، الذي تبدت إحدى تجلياته في العام 1926 عندما اعتمدت الولايات المتحدة وكندا تاريح إحياء ذكرى التاريخ الأسود للعنصريين البيض وممارساتهم ضد المواطنين السود. ومرّ منذ ذلك التاريخ حتى الوصول الى زمن سارة بالين، مناضلون ورموز كفاح من أجل الحقوق المدنية للسود، من بينهم مارتن لوثر كينغ، الحائز على "نوبل" ومالكولم إكس "Malcolm X" المسلم الأسود، رمز حركة "الجذور" والقس جيسي جاكسون وآخرون كُثر. فمعتوهو "حركة الشاي" يعودون بأميركا القهقرى، أي الى أيام الإعلاء من شأن التمييز، وهم شبيهو الصهيونية في الدجل، لأنهم يخلقون من الحكاية السخيفة أسطورة يبنون عليها أحلاماً، يتأسس عليها جشعهم الرأسمالي وكراهيتهم للفقراء وللناس الطبيعيين. فإن كانت سارة بالين لا ترى قارة إفريقيا الشاسعة، فكيف لها أن ترى الشعب الفلسطيني الماكث على أرضه منذ آلاف السنين؟!. فالتسمية جاءت لتخليد ذكرى يوم عادي فرض فيه البريطانيون، قبل نحو 240 سنة، ضريبة على شحنات الشاي المستورد الى اميركا، وقيل إن الرعاع احتجوا على الضريبة واستولوا على ثلاث سفن ورموا الشاي في البحر. معنى ذلك أن المشكلة كانت بين أبيض استعماري يفرض الضريبة، وأبيض مستوطن يرفضها، ولا ندري ما هي علاقة السود والفلسطينيين بالمسألة، لكي تتحول حركة كهذه، شديدة العنصرية حيال السود والفلسطينيين، وتشارك مع اللوبي الصهيوني في ابتزاز الإدارة، لكي تضغط في دعم طلب نتنياهو اعتراف الفلسطينيين بأن دولتهم يهودية حصراً!
لقد استفز هؤلاء الكثير من الشبان الأميركيين المتحدرين من العالم الثالث وإفريقيا، فأسسوا "حركة القهوة" مقابل "حركة الشاي". لكن أهل القهوة، لا يمتلكون نفوذاً في أوساط الاحتكارات في دوائر صنع القرار!
كوب الشاي المسموم، الذي يلح هؤلاء على أوباما لكي يشربه؛ يدفع الإدارة الأميركية، التي يقف على رأسها رجل أسود، لأن تتنكر لجوهر قانون "الحريات المدنية" الذي أقره الرئيس جونسون في العام 1964 وأنهت به أميركا التمييز رسمياً، وأطلقت بعده مبادرات المساواة في الحقوق السياسية، وفي الفرص وفي حقوق المواطنة. هم يريدون للإدارة التي تراجعت عن عنصريتها في بلدها، أن تتبنى مشروعاً عنصرياً في بلادنا فلسطين، وإن لم تفعل فإن أوباما نفسه، سيصبح ليس منهم وليس مواطنا أميركياً حقيقياً. فإن كانت السياسات تُبنى على نتائج التجارب، فالأجدر بإدارة باراك أوباما وسواه، أن تقول للعنصريين الصهيونيين، إن ما تطالبون به، يخالف ما استقرت عليه تقاليد الولايات المتحدة وقوانينها وقناعاتها، بل هو ضد أسس قيام الدولة في العصر الحديث، لأن الدولة الفاعلة تكون محايدة، وإطاراً لكل سكانها، معنياً بتحقيق المساواة في المواطنة وفي الحقوق!


صفحات من أوراق علي أبو طوق (3) ......... أم أحمد
بقلم: معين الطاهر – الحياة
لا يستقيم الحديث عن علي دون أن نذكر أم أحمد .. أم الشهيدين .. احمد وجمال. كان علي ينتظر أم أحمد قبل كل عيد. اذ تأتي الى الجنوب تحمل ما صنعته يداها من الحلوى. وتصر رغم عمرها على أن توزعها بنفسها على كل المواقع. وكانت ام احمد تنتظر علي واخوانه صبيحة كل يوم عيد على مائدة الافطار في بيتها بعد زيارة مقبرة الشهداء.
وبين علي وأم أحمد ود خاص. كانت أم أحمد ترى في علي ابنها الأصغر .. جمال .. الذي استشهد في صنين. وكان هو يرى فيها والدته التي لم يرها منذ أكثر من خمسة عشر عاما.
ذات يوم أطلقت أم أحمد على علي اسم عمر بن الخطاب. وعندما سألتها عن سبب التسمية قالت: "كنت في الجنوب لتوزيع حلوى العيد على المواقع. طول الطريق لم يتناول علي شيئا منها رغم اصراري عليه. وفي الموقع الأخير بقيت قطعة كعك واحدة. ناولتها له وقلت له: جاء دورك الآن , وبينما هو يهم بتناولها, واذ بأحد الأخوة يصل الى الموقع, فما كان من علي الا أن ناوله قطعته, وعاد معنا وهو مسرور الخاطر, وأنا ساهمة أفكر بتفانيه وزهده".
شروق الشمس
ثمة عادة لم يتخل عنها علي.. مساء كل يوم يسأل عن جدول الحراسة.. يتعرف على آخر حرس.. يؤكد على الضابط المناوب وجوب ايقاظه في الصباح الباكر.. ودائما كان آخر حرس يقابل ذلك بابتسامة ماكرة ترتسم على شفتيه .. فالجميع يعرفون أن ثمة علاقة خاصة بين علي وشروق الشمس. ذلك أن الشمس تظل تتثاءب في مكانها خلف البحر الى أن ينهض علي ويمد يده اليها لتؤذن ببدء نهار جديد. كما أنهم يعرفون أن هناك ساعة داخلية لعلها مزروعة في قلبه, توقظه في الوقت الذي يشاء. وما أن يلمح علي ابتسامة الحارس حتى يبادره القول بنبرة جاده: "معلش هذا واجبك أنت.. مش تنسى تصحيني .. في شغل ضروري لازم نخلصه" وفي الصباح الباكر وقبل أن يدرك الحارس أن الوقت قد حان يقف علي أمامه وفي يده ابريق شاي ساخن.
*قائد كتيبة الجرمق الطلابية في مرحلة الثورة بلبنان وكادر قيادي في فتح

تعليقاً على مقالة صبري صيدم "حقائق تؤلمنا وحلول قد تسعدنا" ....... في التطوير عبرة
بقلم: نصر نوفل – الحياة
نعم، اذاً في التطوير عبرة، أبدأ من حيث انتهى الدكتور صبري صيدم، مصداقاً لقوله تعالى "واعتبروا يا أولي الألباب".
ان لم نراجع ما ألنا اليه سنندثر ولا تقوم لنا قائمة، ليس تبجحاً عندما نقول أو يقال عنا اننا كشعب فلسطيني مصنفون من الشعوب المتقدمة والمتطورة في مجال التعليم قياساً مع الشعوب الأخرى ولا نغالي ان قلنا ان سلاح العلم والمعرفة والتطور هو السلاح الأمضى والأقدر على وضعنا على أول الطريق.
ما جاء في مقالة الدكتور صبري صيدم لهو عين الحقيقة ولا أبالي ان قلت انه هو كل الحقيقة، فمن أجل النهوض والارتقاء علينا أن نكون مبادرين ونملك الجرأة في تغيير النمط السلوكي والمعرفي لما هو قديم، ولنبدأ بعملية تطوير الذات أولاً ومن ثم نخطط وبخطى واثقة نحو الاستشراف والنمو والتطور وتحديداً في مجال البحث العلمي لأنه هو الأساس واللبنة الحقيقية في مدماك البناء الأول.
ان النمط التعليمي التقليدي والمتبع في فلسطين أكل عليه الدهر وشرب وأنه يشكل أساساً لمحو الأمية في الدول التي تعتبر نفسها رائدة في مجال البحث العلمي، لذا وجب علينا أن نكون قادرين على تقييم ما هو بين أيدينا من منهاج تعليمي وذلك من أجل تطويره، ومن أجل تنمية ما هو صالح منه والارتقاء به وانهاء وشطب ما يثقل كاهلنا، ويجعل تفكيرنا محصور في نمط قديم ومستهلك، فنحن بحاجة لمن لديهم الخبرة والامكانية العلمية ولا بأس ان استعنا بقدرات من لديه الكفاءة العلمية في ذلك.
لا أقول علينا أن نلبس أنفسنا ثوباً أضيق أو أوسع مما نلبس، بل علينا أن نبحث ومن خلال التجربة والدلالة والبرهان والتطبيق لنخلق ونحدث تغييراً ملموساً.
وفي هذا المجال اقترح على من يملكون القرار في التغيير من أصحاب القرار والنفوذ وأخص القيادة الفلسطينية أن تعمل على تأسيس مركز للبحث العلمي واستقدام الخبراء والتقنيين الفلسطينيين ولا ضير العرب أو العالمين للمساهمة في عملية البحث العلمي وتطويره وأن تخصص ميزانية متواضعة قادرة على المساهمة في عملية النمو والتطوير والبحث.
ان النظام المتبع من أجل الانتقال من مرحلة تعليمية الى مرحلة أخرى وأخص بالذكر نظام التوجيهي والذي أصبح يشكل هاجساً للكثير وأنه ليس المقياس الحقيقي لاختيار قدرات الطالب ومدى ذكائه لأنه بالأساس يعتمد أسلوب التلقين ولا يوجد أي مؤشر يدلك على القدرات الحقيقية لهذا النظام في عملية صقل وتطور ونمو القدرة الذهنية والعقلية.
ان ما جاء في طرح الدكتور صبري لهو خير أسلوب وعلينا أن نعزز التعليم التفاعلي الأفقي والتحليلي والتشاركي وأن يكون للطالب القدرة لابراز مواهبه وعلينا أن نعط للعقل المساحة المعينة للابداع والانطلاق ونتخلى عن الجمود المتأصل، ولو أجرينا استطلاعاً لرأي مجموع الطلبة حول ما يرغب الوصول اليه في حياته لشاهدنا المأساة بعينها لعزوف العديد منهم عن التفكير في الانتقال للتعليم التقني للنظرة الدونية لأصحاب المهن كالحداد أو النجار أو الكهربائي، ورغم ان التعليم التقني والمهني بنظري والمبني على أسس علمية هو أساس الحياة والتطور، وهو الذي يكون مجال العمل مفتوح له كما هو في بعض الدول الاوروبية والمتقدمة في مجال الصناعة ومجالات أخرى.
وكما جاء في مقالة د. صبري حول تخصيص وانشاء وقفية وطنية لدعم مؤسسات التعليم العالي اقترح أن يكون بالاضافة لهذه الوقفية نمط آخر مساند وهو التأمين التعليمي وكما هو متبع بالتأمين الصحي لكل أفراد وموظفي مؤسسات ودوائر السلطة الوطنية ويكون هذا رافداً اضافياً لما أطلق عليه د. صبري بالوقفية الوطنية، من هنا نستطيع أن نحقق فكرة التعليم لكل مواطن ومجانية التعليم في المؤسسات الحكومية والعامة على أن لا نهمل المؤسسات التعليمية الخاصة والأهلية.
دون نــكـهة
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
اعتادت حكومة الاحتلال أن تضع قائمة بالممنوعات التي يحظر التعامل بها مع الفلسطينيين، والقائمة تقبل المد ولا تقبل الجزر، وإذا تحررت احداها من قيود القائمة السوداء عادت إليها بعد فترة وجيزة، وقائمة الممنوعات تحمل من التناقض ما يعجز عن فك طلاسمه علم "اللوغاريتمات"، وكلها دون استثناء كأنها تمسك بلجام بقرتهم المقدسة "الأمن"، ولديهم الأمن والسياسة توأم سيامي لا انفصال لها، تبريراتهم عادة ما تحمل النكهة الأمنية وحقيقة الأمر أن النكهة السياسية تطغى حتى وإن حاولوا حجبها.
كيس الأسمنت لم يعد يتسكع على الأرصفة، تحول بقدرة قادر إلى قائمة الممنوعات، لم يشفع له أصوله المختلفة ولا قوامه غير المتماسك، هل يدخل في مكوناته حليب العصفورة التي تناولته خراريف الماضي فأصبح الحصول عليه درب من الخيال؟، وهل يمكن للنكهة السياسية أو الأمنية أن تغير من شكله وقوامه؟، هل تحولت علاقته بالتطور العمراني إلى تهمة تلاحقه وتمنع تداوله؟، أليس من المضحك أن يقتنص الرئيس الفرنسي السابق فرصة لقائه برئيس حكومة الاحتلال ليطلب منه السماح بمرور كيس الاسمنت، لإصلاح مستشفى القدس الذي دمرته قوات الاحتلال اثناء عدوانها على غزة؟، هل يمكن لشاعر أن يتغزل بكيس اسمنت؟، لدينا احتضانه تحول إلى طرب أصيل على أنغام موسيقى البناء.
ما زالت حكومة الاحتلال تمنع أنابيب الصرف الصحي المنتجة في مصانعها من الوصول إلى غزة، الأقطار الكبيرة للأنابيب تهدد أمنها، هذه روايتهم، لا يريدون لمكونات الصرف الصحي أن تتحول إلى مدفع عملاق أسوة بمدفع العراق الذي جند التحالف الغربي قواه لتدميره، حتى الصرف الصحي لا بد وأن يضعوا عليه نكهتهم الأمنية أو السياسية.
عشرات المرضى ممن هم بين الحياة والموت أجبروا على العودة من حيث أتوا، لأن تحويلاتهم المرضية تحمل في ترويستها "دولة فلسطين"، مؤكد أن المنع جاء هذه المرة بنكهة سياسية صرفة، حيث جواز مرور المرضى لتلقي علاجهم مرتبط بشطب الكلمة، لا يريدون لكلمة دولة أن تتسلل إليهم ولو عبر ورقة تحمل من عذابات وآلام صاحبها ما يجعل همه يقتصر على مداواة مرضه.
الرياضة هي الأخرى لم تسلم من نكهة الاحتلال السياسية والأمنية، تنظيم مباريات لمنتخباتنا الرياضية على أرضنا المحاصرة فيه تهديد لوجودهم، أن تعزف النشيد الوطني في مقدمة لقاء كروي مع فريق دولي يعني أنك موجود، وهم لا يريدون لهذا الوجود المعنوي أن يكون.
كل شيء يخضع لمعيار نكهتهم السياسية والأمنية، لم يفلت من براثن ممنوعاتهم سوى الشيبسي، نخشى أن يجدوا يوما ما علاقة بينه وبين تشي جيفارا فيدخل قائمتهم السوداء، ولن ينفع حينها تدخل المواد الحافظة.
طلبت من عامل المقهى أن يحضر لي كأساً من "الكابوتشينو"، سجل ذلك في ورقته الصغيرة وسأل هل تريدها بنكهة؟، نظرت إليه فاعتقد أنها تحمل علامة الاستيضاح، قال لدينا نكهة الكاراميل والفانيلا والبندق، انتظر قليلاً كي انتقي واحدة منها، قلت له دون نكهة.
فلسطين لا تفرقة طائفية
بقلم: بهاء رحال – الحياة
ما لبث الاحتلال يوماً عن محاولاته لاثارة النعرات الطائفية وبث روح التفرقة التي فشل خلال سنوات الاحتلال في زرعها بين ابناء الشعب الواحد والقضية الواحدة والعرق الواحد الذين ما اختلفوا يوماً بل كانوا يقفون في وجه الاحتلال صفاً واحداً وموحداً ضد كل السياسات العنصرية التي كان يحاول فرضها, وكانوا يدافعون بيد واحدة عن الكنيسة والمسجد وعن التراب والشجر وعن الحجر والبحر, وعاشوا في ظلال تآخ عميق يمتد جذوره الى أول الزمان ولا يزالون يحافظون بأجمل صور المحبة والتسامح على هذا الترابط الانساني الذي تفتقده دول كثيرة وبلاد عديدة, إلا أن في فلسطين وعبر تاريخها الطويل لم يحدث يوماً أن كانت هناك أية تفرقة على اساس الدين, بل ان روح التعايش كانت ولا تزال هي السائدة وهي السلاح القوي المتين الذي يجمع الشعب الفلسطيني في خطوة قد تكون متأخرة قليلاً إلا أنها جاءت لتعزز هذه المفاهيم والقيم حيث أصدر الرئيس قراره بحذف الديانة من بطاقة الهوية الشخصية, حيث ظلت موجودة منذ بداية الاحتلال الذي فرضها على بطاقة الهوية في محاولة منه لكي تكون أحد أشكال التمييز العنصري والطائفي, وربما لظروف قاهرة لم تستطع السلطة الوطنية من شطب هذه المكيدة خلال السنوات السابقة ولكنها أن تأتي اليوم خير من أن لا تأتي, كما أن لهذه اللفتة الكثير من المعاني التي جسدها شعبنا الفلسطيني على الارض قبل ان تكون في بطاقة الهوية, لأن الترابط الأخوي الموجود عميق لدرجة أنه كان الحصن المنيع الذي كسر كل مؤامرات الاحتلال ومحاولاته في تقسيم الشعب الواحد على اساس ديني أو طائفي سواء كان ذلك في الوطن المحتل أو خارجه وفي مخيمات الشتات.
خطوة جريئة وفي مكانها الصحيح رغم ان البعض يذهب بعيداً في تحليلاته وفي توقعاته وفي قراءته التي قد يكون بعضها مبني على الرفض المسبق لأي خطوة تقوم بها القيادة الفلسطينية وربما هناك بعض التحفظات المتخوفة نظراً لأن هذه الخطوة أتت في مرحلة دقيقة وحساسة وفي هذه الايام العصيبة التي تشهد فيها القضية الفلسطينية مخاضا جديداً ومنعطفاً حساساً, وهنا لا أدري أين الصواب في تلك الأصوات التي تشكك وتتهم وحتى أتى البعض الى رفض قرار شطب الديانة من البطاقة الشخصية وأنا لا أجد مبرراً لهؤلاء خاصة وأن بعض الشعوب تطمح لأن ترتقي قيادتها لهذا المستوى من المسؤولية تجاهها كون المواطنة الحقيقية هي الاساس وان المواطن متساو في الحقوق والواجبات دون تمييز وعلى اي اساس كان, لهذا فإنني أرى أن هذا القرار هو قرار مسؤول وقرار وطني بامتياز يحق لنا أن نفخر به وأن ندعو الشعوب التي لا تزال تحتفظ بهذه التفرقة أن تحذوا حذونا وان تقوم بشطبها من أوراقها الرسمية ليكن الوطن للجميع, أرضاً وشعباً وهوية .