Haneen
2014-12-18, 11:30 AM
نماذج جديدة للممارسات الاسرائيلية
بقلم: حديث القدس – القدس
بين كيري وليبرمان...!
بقلم: فايز رشيد – القدس
خيارات أميركية محدودة لمواجهة التمدد الروسي
بقلم: جورج سمعان – القدس
تراجع الحريات الإعلامية في مصر: إلى أين؟
بقلم: ميريام بيرغر- القدس
وردة خلف خطوط الأعداء
بقلم: د.أحمد جميل عزم – القدس
موسكو فوق الصفر
بقلم: نبيل عمرو – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image007.jpg
"حراثة أفكار" في المقاطعة !
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
نائب الرئيس: حلٌ أم هروب
بقلم: هاني المصري – الايام
خطة كيري: كل الطرق لا تؤدي إلى الحل !
بقلم: رجب ابو سرية – الايام
"عندما نقدم شيئاً يتم وضعه في الجيب ويقولون نريد غيره"
بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
خلاف "حماس" و"الأونروا"..!!
بقلم: حسن خضر – الايام
رأيتك في الشارع
بقلم: زياد خدّاش – الايام
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image009.jpg
تغريدة الصباح - الخاطرة المنكودة
بقلم: أحمد دحبور – الحياة
الاستقرار العربي ما زال بعيدا
بقلم: يحيى رباح – الحياة
صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (10) ..... عودة الدين إلى ملاذات الدولة الشمولية..
بقلم: فخري كريم – الحياة
شطب الديانة وردة فعل حماس
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
هذا الاقتصاد لا يصنع نصراً!
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
نماذج جديدة للممارسات الاسرائيلية
بقلم: حديث القدس – القدس
أطماع التوسع والغطرسة الاستيطانية الاسرائيلية معروفة وواضحة، وتتخذ في كل يوم تقريبا مظاهر وصورا جديدة كان آخرها ما تم الكشف عنه من عمليات تزوير وتزييف لعمليات شراء أرض فلسطينية في اكثر من موقع سواء داخل المستوطنات او في الاراضي المحيطة فيها، كما تبين ان المنظمة التي تقوم بذلك وهي "اماناة" تلقى الدعم والمساعدة من الحكم العسكري وجهات اسرائيلية رسمية وغير رسمية اخرى، ومن امثلة ذلك ثبوت تزوير شراء أرض باسم رجل متوفى قبل ادعاء الشراء بسنوات وكذلك شراء أرض باسم رجل موجود في الاردن دون تقديم أية اثباتات حقيقية.
وهذه قضية في منتهى الخطورة والجدية ويجب متابعتها قانونيا وعلى مختلف المستويات المحلية او الدولية.
ومن النماذج الجديدة لهذه الممارسات قرار الحكومة الاسرائيلية بتقديم اعفاءات ضريبية في عدد من المستوطنات وبصورة خاصة في منطقة الاغوار التي يثور جدل سياسي حولها وتتركز حوله مقترحات السلام التي يعد لها الوزير الاميركي جون كيري، وهدف هذه الاعفاءات هو تشجيع أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار في تلك المستوطنات لزيادة حجمها وتوسعها. وفي هذه الخطوة بالذات وفي هذا التوقيت تحديدا، ضربة جديدة لمساعي السلام الاميركية وبحث كيري عن حلول وسط بين مطالبة اسرائيل بإحكام السيطرة على الأغوار في أي اتفاق سلام ورفض السلطة الوطنية كليا لذلك، وكأن اسرائيل تقول "لا" كبيرة لأية أفكار جديدة.
ومن النماذج الاخرى ان المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية سمح لها بعدم تعريف جماعة "دفع الثمن" الاستيطانية بالارهابية والاكتفاء بتعريفهم كتنظيم غير مسموح به. والمعروف ان هذه الجماعة تقوم فعلا بأعمال ارهابية ضد دور العبادة وقد حرقت أكثر من مسجد بالضفة كما قامت بالاعتداء على عدد من منازل المواطنين وخربت أكثر من منطقة زراعية واقتلعت اشجارا وكانت في كل هذه الممارسات تضع توقيعها بكل وقاحة، وهذه الممارسات كافية وحدها لوصفها بالتنظيم الارهابي، بالاضافة الى انها تهدد الفلسطينيين في كل مكان وحتى داخل الخط الاخضر احيانا، بالقتل او التهجير. كما ان من الملاحظ الكشف عن قائمة الاسرائيليين التسعة الذين ينفذون اعتداءات ضد الفلسطينيين والمطلوبين للشرطة وهم أشخاص معروفون وعناوينهم واضحة ولكن أحدا لا يعتقلهم.
غني عن القول بالطبع انهم يطلقون صفة الارهاب على كل فلسطيني يقف ضد الاحتلال ويحشدون القوة الكبيرة لاعتقال اي فلسطيني وان كانوا يشكون فيه فقط ودون القيام بأية أعمال كما تفعل منظمة "دفع الثمن" التي لا يريدون وصفها بالارهابية.
بين كيري وليبرمان...!
بقلم: فايز رشيد – القدس
تعرّض جون كيري وزير الخارجية الأمريكي ولا يزال إلى أعنف حملة نقد لاذع إسرائيلية، بسبب أنه خلال مؤتمر الأمن الذي عقد في ميونيخ صرّح قائلاً، "إن المخاطر التي ستواجه إسرائيل ستكون كثيرة في حالة فشل المفاوضات مع الفلسطينيين، مشيراً إلى أن "تفاقم ظاهرة المقاطعة لها هي إحدى سلبيات الفشل"..
كان أول من هاجم كيري وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون الذي قال "إن الوثيقة التي قدمها كيري للجانب الإسرائيلي والمتعلقة بالترتيبات الأمنية لا تساوي الحبر الذي كُتبت به"، معتبراً أن كيري المسيحي الحالم والمهووس بمسيحيته يسعى لنيل جائزة نوبل للسلام، وهذا ما يحركه ويدفعه لبذل هذه الجهود . يوفال شتاينتر وزير الشؤون الاستراتيجية صرّح قائلاً: "إن كيري يسلك نهج المخلص المنتظر" . وزير إسرائيلي شبه كيري "بمن يوجه بندقية إلى رأس إسرائيل" .
وزير آخر لم يُعلن اسمه ووفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" في اجتماع مغلق قال، "إن كيري ساذج ومهووس وهو يعاني نقصاً حاداً في فهم الوقائع في المنطقة، ويريد أن ينال جائزة نوبل ولا تهمه المخاطرة بمصيرنا" . مسؤول من الليكود ووفقاً لذات الصحيفة ونفس العدد كشف: بأن تصريحات يعلون مقبولة لافتاً إلى أن الصوت هو صوت يعلون لكن الأفكار هي أفكار نتنياهو .
لقد قال يعلون بصوت مرتفع ما كان يريد نتنياهو أن يقوله . لقد اتهم كيري من قبل نواب الكنيست بالعداء للسامية . هذه التهمة الجاهزة في إسرائيل ولكل من يتعارض مع بعض وجهات نظر إسرائيل . هذا غيض من فيض الانتقادات الإسرائيلية الموجهة لكيري.
الغريب أن ردود الفعل الأمريكية على هذا الهجوم على كيري كان خجولاً وتضمن الدفاع عن وجهة نظر أمريكا، وتأكيد حرصها على إسرائيل (باعتبار أمريكا متهمة؟!) فالناطقة باسم الخارجية الأمريكية ذكرت أن سياسة واشنطن واضحة في التصدي لأية محاولة لمقاطعة إسرائيل مضيفة، أنه ليس من استراتيجية الولايات المتحدة استغلال دعاوى مقاطعة إسرائيل لدفعها لتقديم تنازلات مؤكدة: أن هذا غير صحيح وليس له أساس من الصحة .
إسرائيل ومثلما ابتزت وتبتز دولاً كثيرة على صعيد العالم ومنها ألمانيا بموضوع الهولوكوست فهي لا تزال تتلقى تعويضات من هذه الدولة، فإنها تبتز الباحثين والكتّاب والمفكرين الذين يتعارضون مع سياساتها، ولذلك فهي تطبق نفس النهج في ابتزاز السياسيين والمسؤولين في الدول بما فيها الدول الحليفة، وذلك في سبيل الضغط عليهم لإظهار المزيد من الولاء لها .
جون كيري من أخلص أصدقاء إسرائيل وهو يتبنى وجهة نظرها في التسوية مع بعض التعديلات الطفيفة، ليجعل من مقترحاته مقبولةً لدى الفلسطينيين والعرب، بشكل لا يؤثر في المقترحات الإسرائيلية، فمثلاً فإن خطة كيري تقوم على: اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، إقامة عاصمة لفلسطين في جزء من القدس الشرقية (في الأحياء الجديدة للقدس الكبرى وتحديدا في منطقة أبو ديس)، حل مشكلة اللاجئين وفق رؤية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، بقاء الكتل الاستيطانية تحت سيطرة إسرائيل، استئجار المستوطنات الباقية، سيطرة إسرائيل على المعابر والأجواء، وجود قوات رباعية أمريكية-إسرائيلية- أوروبية - فلسطينية على الحدود، وحقها في المطاردة الساخنة في الدولة الفلسطينية .
هذه هي خطة كيري للتسوية وهي تتساوق بنسبة 90% مع الاشتراطات الإسرائيلية . رغم ذلك تجري حملة نقد لاذع على كيري وصولاً إلى اتهامه بالعداء للسامية وإسرائيل . هذه هي طبيعة الجانب الاسرائيلي.
محق الوزير الإسرائيلي الذي قال، إن يعلون يعبر عن أفكار نتنياهو لأنه ومع التوجيه الذي أصدره رئيس الوزراء الاسرائيلي بوقف الانتقاد والحملة على كيري، فإن وزير الخارجية الأمريكي لا يزال يتعرض للهجوم من قبل مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين، وهو ما يؤكد: أن نتنياهو هو الذي يقف وراء هذه الحملة على كيري . أما حول اضطراره لإصدار التوجيه بوقف الحملة فهو يتساوق مع طبيعة منصبه كرئيس لوزراء إسرائيل .
على صعيدٍ آخر، يحاول وزير الخارجية الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان لملمة الوضع مع الولايات المتحدة، فقد أكد في خطاب له أهمية الوصول إلى تسوية مع الفلسطينيين بجهود وزير الخارجية الأمريكي، الأمر الذي حدا بالناطقة الرسمية للخارجية الأمريكية جون ساكي للخروج بتصريح يمتدح ليبرمان ويثني على موافقه الجديدة . وأضافت الناطقة الأمريكية، إن خطاب ليبرمان هو إعلان ورسالة قوية، وبخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار مواقفه التاريخية تجاه القضايا موضوع الحديث، لكن هذا لا يعني بأنه لم يعد هناك معارضون للعملية السلمية .
للعلم، فإن ليبرمان هو من أشد المعارضين للتسوية مع الفلسطينيين والعرب، ولقد هدد في الماضي بقصف السد العالي . لا هو ولا حزبه يعترفان بوجود الشعب الفلسطيني من الأساس . بالنسبة إليه فلسطين من البحر إلى النهر هي "أرض إسرائيل التاريخية" والحل بالنسبة لليبرمان يتمثل في إقامة الفلسطينيين لدولتهم في الأردن، والذي هو في حقيقته جزء من "أرض إسرائيل الكبرى" . ليبرمان هو من الفريق الأكثر تطرفاً في إسرائيل ضد الحقوق الفلسطينية .
هو لا يعترف بأي من هذه الحقوق، وهو يعارض إقامة دولة فلسطينية حتى منزوعة السلاح، فالضفة الغربية بالنسبة إليه هي "يهودا والسامرة" . ليبرمان هو الذي صرّح مراراً بأنه في حالة عرض موضوع إقامة دولة فلسطينية على مجلس الوزراء الإسرائيلي الحالي، فسيفشل هذا الاقتراح، لأن الأغلبية ضد نشوء مثل هذه الدولة. ليبرمان يحاول إصلاح الحملة الإسرائيلية على كيري من خلال ذر الرماد في العيون، لكنه مكشوف تماماً ومعروف كرهه الشديد للفلسطينيين والعرب .
البعض يحاول تصوير العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بأنها تمر في أزمة، هذا غير صحيح مطلقاً فلا الهجوم على كيري ولا على أوباما يمكن أن تؤثر في العلاقات التحالفية بين البلدين . الهجوم على كيري في حقيقته يظل زوبعة في فنجان ليس إلاّ .
خيارات أميركية محدودة لمواجهة التمدد الروسي
بقلم: جورج سمعان – القدس
أعلنت الإدارة الأميركية أنها تدرس خيارات جديدة لممارسة مزيد من الضغوط على الرئيس بشار الأسد. اعترفت صراحة بفشل استراتيجيتها السابقة. لكنها «تبشر» بأن جديدها هو احتواء ما هو سيئ وتفادي السيناريوات الكارثية مثل تفكك سورية أو سيطرة «القاعدة» على جزء «محوري» من البلاد!
وهي نتيجة طبيعية لتأخرها وعدم مبادرتها في الوقت المناسب. ولن ينفعها تذكير روسيا باتفاقهما على إقامة «هيئة الحكم الانتقالية». اعتمدت عليها طويلاً لتسليمها بأن المفتاح بيدها. راهنت على استنزافها وإيران معاً في الساحة السورية، ومعهما قوى التطرف الإسلامي. لكن ما حصل أن هذه المواجهة المذهبية باتت تهدد المنطقة بأكملها، خصوصاً لبنان والعراق الذي كان أساس تسعير هذا الصراع بإسقاط إدارة الرئيس جورج بوش نظام صدام حسين، وتفكيكها كل مفاصل الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، وفتحها الطريق أمام تولي الأحزاب والقوى الشيعية السلطة بعد إقصائها عقوداً... وهو ما أتاح تعاظم دور إيران وتعزيز حضورها قوة إقليمية كبرى. ولا شك في أن أي تدخل عسكري أميركي في سورية سيصب مزيداً من الزيت على نار الصراع المذهبي في المنطقة كلها.
الخيارات محدودة أمام الرئيس باراك أوباما. وليس بينها بالطبع العمل العسكري... إلا إذا كان سينقلب على جوهر السياسة التي اتبعها منذ دخوله البيت الأبيض وعنوانها الانسحاب من الحروب بعد الخروج من العراق والاستعداد للانسحاب من أفغانستان. سلم مقاليد الحلول والتسويات إلى قوى إقليمية كبرى، أو أشركها في هذه الحلول. وفتح الباب أمام قوى صعّدت لهجة التحدي، كما فعلت روسيا التي سلم لها بالدور الكبير، متجاهلاً أصوات كثيرين من مجموعة «أصدقاء سورية»، أوروبيين وعرباً. الخيارات محدودة إذا كان عليه أن يختار بين السيئ والأسوأ! لكنها متاحة إذا قرر رفع التحديات في المنطقة كلها.
آثر الرئيس أوباما الانكفاء والانسحاب. هذا ما فعله سلفه بوش الابن عندما قرر في بداية ولايته الأولى الانعزال والانصراف إلى الداخل، لكنه وجد نفسه فجأة منساقاً وراء حروب لم تتوقف تداعياتها إلى اليوم، بعد «غزوتي نيويورك وواشنطن». وهو اتبع سياسة الانكفاء فترك للآخرين فرصة الاندفاع. هكذا، تقدمت إيران في الشرق الأوسط. وهذه روسيا تمسك بسورية، وكانت ردت على «الثورة البرتقالية» في أوكرانيا وقبلها في جورجيا. وهذا ما فعلته فرنسا التي عانت طويلاً من تداعي مصالحها في أفريقيا أمام الاندفاع الأميركي سابقاً و «الهجوم» الاقتصادي الصيني على القارة السمراء. فلم تتأخر في التحرك نحو ليبيا لإزاحة معمر القذافي وضمان حضورها في هذا البلد. كما لم تتأخر في الاندفاع نحو مالي ثم أفريقيا الوسطى، دفاعاً عن مصالح قديمة جديدة. وكانت أبدت استعدادها وحدها، من دون سائر شركائها الأوروبيين، لمشاركة القوات الأميركية توجيه ضربات إلى النظام السوري بعد استخدامه السلاح الكيماوي في غوطة دمشق الخريف الماضي.
بات واضحاً أن الخلاف بين الوفدين السوريين في جنيف على جدول أعمال المفاوضات هو انعكاس للخلاف بين الراعيين الكبيرين، الولايات المتحدة وروسيا على هذا الجدول. لم تكن واشنطن في حاجة إلى تجربة لتكتشف أن النظام في دمشق يماطل. لم يقاطع المؤتمر الدولي في جنيف، لكنه لم يقدم ولن يقدم شيئاً. ما يريده هو شراء مزيد من الوقت. رضخ لسيف القوة وسلم بتدمير سلاحه الكيماوي. لكنه حول الجدول الزمني لتسليمه وتدميره ورقة بيده لعلها تمده بالبقاء. تخلى عن 11 في المئة من ترسانته حتى اليوم. وقد لا يكفي الرئيس أوباما تحميل موسكو المسؤولية عن ضمان التزام دمشق الاتفاق الذي يجبرها بتسليم أسلحتها النووية. فهل يستعيد هذه الورقة من الرئيس بشار الأسد ويعود إلى التلويح باستخدام القوة بعدما وضع الأزمة السورية في قمة أولويات الأمن القومي الأميركي؟
كانت الإدارة الأميركية تراهن على استنزاف روسيا وإيران في أزمة سورية، بل تلاقت مصلحة الأطراف الثلاثة على وجوب مواجهة قوى التشدد والتطرف التي تدفقت إلى هذا البلد، وهو ما كبل أيدي بعض «أصدقاء» المعارضة في الضغط لإطاحة النظام مخافة تكرار «التجربة الليبية». هذه التجربة التي بقدر ما كانت درساً لروسيا دفعها إلى التشدد، شكلت أيضاً درساً لأميركا وبعض شريكاتها التي نالت نصيبها من الفوضى التي تعم الأراضي الليبية. وإذا كانت المخاوف تنتاب واشنطن من انتشار مجموعات «القاعدة» في سورية، فإن موسكو لن تكون هي الأخرى بمنأى من هذه الأخطار إذا طال أمد الأزمة، ومثلها طهران.
ولكن، من المبكر التعويل على هذا التلاقي المرحلي. من المبكر أن تعول واشنطن على دور لإيران في تسوية مقبولة في سورية. حكومة الرئيس حسن روحاني وضعت البرنامج النووي على الطاولة مع الدول الخمس الكبرى وألمانيا، يدفعها تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والحاجة إلى فك الحصار والعزلة وإلى الاستثمارات الخارجية والتعامل التجاري مع العالم.
لكن الحوار بين هذه الحكومة والمجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة، لا يزال في بداياته. وعلى الذين يتوقعون دوراً إيجابياً ومساهمة من طهران في تسوية ملفات كثيرة، من لبنان إلى العراق واليمن والبحرين وغيرها، أن ينتظروا. تعتبر الجمهورية الإسلامية أنها قدمت ما يكفي في ملفها النووي وليس عليها أن تقدم المزيد في ملفات المنطقة على حساب دورها وما ترى إليه مصالح حيوية للمحافظة على هذا الدور وحمايته.
وستظل على مواقفها هذه ما دامت تتلاقى ومواقف روسيا والصين حيال أزمة سورية وغيرها. لذلك، لا تطمئن أميركا وشركاؤها كفاية إلى إعلان الرئيس روحاني في الذكرى الـ35 للثورة، الحرصَ على «العلاقات مع الدول الإقليمية، خصوصاً المجاورة». وإلى تأكيده البحث عن «الأمن والاستقرار في المنطقة وضرورة التعاون لمواجهة الإرهاب في سورية والعراق وأفغانستان». لا يطمئنون لأنهم يسمعون أصواتاً أخرى لأجنحة في طهران لا تزال ترفع أجندات مختلفة وشعارات تصعيدية. تماماً كما كان يحصل في السنوات والعقود الماضية، وما كانوا يسمونه «ازدواجية الخطاب». فهل يستجيب أصحاب هذه الأصوات لنداء الرئيس روحاني إلى وحدة «الأجنحة» وعدم البقاء «أسرى الماضي»؟
مستقبل الأزمة السورية لا يتعلق طبعاً بالخيارات الجديدة التي قد تلجأ إليها الولايات المتحدة فحسب، بل ثمة عناصر وقوى أخرى. وقد قالت روسيا إنها ماضية في سياستها ولا تبدي أي استعداد للتراجع أو سماع أصوات المعارضة السورية. ومثلما قايضت الغرب لسنوات في المواجهة مع إيران، ستتمسك بالنظام السوري حتى آخر رمق، خصوصاً إذا نضج الحوار الأميركي – الإيراني وأثمر. وهي ماضية في بناء ما يمكن تسميته «هلالاً روسياً» يضم إلى الجمهورية الإسلامية سورية وربما مصر. لقد رحب الرئيس فلاديمير بوتين بوزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسي. وأيده وشد أزره في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وهو ما أثار حفيظة واشنطن، وما سيدفعها قريباً إلى إعادة النظر ليس في مقاربتها للأزمة السورية فحسب، بل إلى إعادة حساباتها والخسائر التي منيت وستمنى بها نتيجة انكفائها عن قضايا المنطقة.
صحيح أن الولايات المتحدة تواجه تحديات من قوى صاعدة تنافسها على قيادة العالم ومناطق النفوذ، وعلى رأسها دول «البريكس». وصحيح أيضاً أن الحروب أنهكتها وزعزعت اقتصادها، وأن متاعبها السياسية الداخلية تصرفها عن متابعة قضايا حيوية في الخارج. لكن الصحيح أيضاً أن روسيا التي تحاول استعادة دورها «السوفياتي» ليست تلك القوة الكونية التي تتيح لها الصمود في السباق. فلا مؤسستها العسكرية ولا اقتصادها يوفران لها سلاح الصمود الكافي، بل إن بعض ما حققته في السنوات الأخيرة عائد إلى إخفاقها في حلبة المواجهة وعدم قدرتها على مواصلة الحرب الباردة. هي قادرة بلا شك على حماية فضائها وجوارها المباشرين، من أوكرانيا إلى جورجيا وبعض الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى. وهي تدرك أن أميركا وأوروبا ليستا المنافس الوحيد، بل الصين أيضاً التي يقلقها تقدمها إلى آسيا الوسطى. ولا حاجة إلى الحديث عما فقدت في أوروبا الشرقية وأفريقيا والشرق الأوسط. وينسحب الوضع على إيران أيضاً التي لم تجد في النهاية سبيلاً لفك الحصار، سوى الجلوس إلى الطاولة مع الكبار لمعالجة آفاق ملفها النووي.
الخيارات التي تناقشها الإدارة محدودة. وأفصح عن بعضها مسؤولون في واشنطن، وبينها تدريب عناصر في المعارضة المعتدلة وتقديم مزيد من السلاح لها لتقوية عودها في مواجهة قوات النظام وحلفائها، خصوصاً أن هذه تجهد لتحقيق تقدم على الأرض، خصوصاً في جبهة القلمون. ولكن، يبقى الأهم من هذه الخيارات القاصرة أن تعيد واشنطن الحرارة إلى سياسة التنسيق والتحالف مع بعض الشركاء في أوروبا والمنطقة. خسرت مصر، وتكاد تركيا تخرج من الصورة لانشغال حكومتها في معارك داخلية بعدما سقطت نموذجاً للإسلام الحديث راهن عليه الغرب طويلاً. والواقع أن الرئيس أوباما خطا خطوة على هذه الطريق بتفاهم استراتيجي مع الرئيس فرنسوا هولاند. وسيعزز التفاهم مع الأردن في لقائه الملك عبدالله الثاني، ويستعد لزيارة المملكة العربية السعودية التي لديها الكثير لتقوله.
الواضح في سعي الإدارة الأميركية إلى درس خيارات جديدة أنها ليست مستعدة حتى الآن لإبرام صفقة مع روسيا، أو بالأحرى ليست مستعدة لأن تقدم إليها أي تنازل. وخير مثال على ذلك أيضاً ما يجري في أوكرانيا حيث تتصدر أوروبا المواجهة بدعم أميركي واضح. ويمكن أن تعتمد واشنطن خياراً مماثلاً في سورية والمنطقة بالتنسيق مع شركائها الذين أدارت لهم ظهرها طويلاً. ويمكنها أن تعيد النظر في موقفها من الوضع الجديد في مصر، بدل الإصرار على ما لم تتعوده في سياساتها التي لم تغلب مرة المواقف الأخلاقية على المصالح.
الرئيس أوباما أمام تحدٍّ كبير لمواجهة «الهلال الروسي»! فهل ينجح في كسر الطوق بكسر النظام في دمشق؟ هل «يخرج» كما فعل سلفه بوش أم إن الوضع الدولي والإقليمي يختلف تماماً ولا يسمح بحروب جديدة؟
تراجع الحريات الإعلامية في مصر: إلى أين؟
بقلم: ميريام بيرغر- القدس
عادت مصطلحات "محظور" و"إرهابي" لترتبط مرة أخرى بذكر جماعة الإخوان المسلمين في كل وسائل الإعلام المصرية تقريباً. وفي المقابل، تسهب وسائل إعلام الدولة والإعلام الخاص على حد سواء في الإشادة بتوجهات الحكومة المدعومة من الجيش. وقد أصبحت الصحف والبرامج الحوارية على شاشات التلفزة، وهي أكثر منافد الإعلام المصري شعبية، تفرط كلها في الثناء على الجيش وتمجد استعادته الثورة، وتحذر بحماسة من الخونة الذين يعارضونه، حيث توصم كل الأخبار ووجهات النظر المناقضة بأنها مؤيدة للإخوان، وبالتالي تشكل خطراً على البلاد.
ليس من المستغرب أن تكون وسائل الإعلام المصرية قد بشرت إلى حد كبير بخطوة الجيش، وبقيت صامتة بينما انقض على جماعة الإخوان والأصوات المعارضة: فطوال عقود، عمل خليط سام من المصالح السياسية والاقتصادية على خنق تطور واحترام آليات لصناعة وسائل إعلام مستقلة وشفافة. والآن، بينما تمر مصر بالسنة الثالثة منذ الإطاحة بحسني مبارك في العام 2011، يستعد الكثيرون لاختبار المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الحملة الأخيرة ضد الإعلام.
تقول رشا عبدالله، أستاذة الاتصال الجماهيري في جامعة القاهرة في محادثة هاتفية من القاهرة: "إننا نعيش في دوامة مستمرة. لقد عدنا إلى حيث كنا في حقبة مبارك، وإنما بدعم الجماهير هذه المرة".
مع ذلك، يحذر هشام قاسم، الناشر القديم وعدو مبارك، من أن التراجع في الحريات الإعلامية كان سيئاً -لكن مصر والمشهد الإعلامي تغيرا بشكل أساسي بحيث يصعب أن يعودا إلى حالة القمع السابقة.
يقول قاسم، الذي كان قد أصدر في العام 2004 صحيفة "المصري اليوم"؛ أول صحيفة عربية مملوكة للقطاع الخاص: "إنني لا أرى هذا التدهور الخطير الذي يتحدث عنه الكثيرون. إنني أدرك، ربما أكثر من الآخرين، طبيعة الإعاقات الخطيرة والمشاكل التي تعاني منها وسائل الإعلام في مصر. ولكن، هل سيمكن تكميم أفواه وسائل الإعلام حقاً؟ هل ستتدهور الأمور؟ كلا، مطلقاً".
في الحقيقة، امتلك العديد من الصحفيين المصريين بعد الثورة التمكين اللازم لكسر الحدود القديمة والمطالبة بحرياتهم في غرف الأخبار. وإلى جانب الصعود الأفقي في المنافد الإعلامية الجديدة والفضاءات الإعلامية، مع ذلك، ناضل الصحفيون من أجل تغيير شكل ملكية هذا القطاع والنماذج التي تعتلي قمته. الآن، بينما يتعزز التأييد لرئاسة لوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، وتجري تبرئة الكثير من رجالات حقبة مبارك من التهم الموجهة إليهم، يبدو النظام القديم لقطاع الإعلام وأنه يستعيد المزيد والمزيد من القوة.
جاءت تكوينات وسائل الإعلام المسيسة منذ فترة طويلة على حساب التغطية المستقلة والمستدامة التي تمكن الصحافة المحلية والحكم المسؤول. لم تتم أبداً هيكلة وسائل الإعلام المصرية كمؤسسات ربحية تحددها المنافسة الحرة أو النزيهة. بدلاً من ذلك، تعتمد وسائل الإعلام إلى حد كبير على فوائض السياسة والأعمال من الدولة والممولين الأثرياء. هذا النموذج الذي تشوهه الدعاية وتجعله منحرفاً يضع أرقام المستهلكين ومطالبهم في الدرجة الثانية وراء ميول الرجال الحاكمين على القمة، ويخنق ثقافة الابتكار والشفافية، ويزاحم الأصوات والوسائل البديلة ويقصيها. والآن، في الأشهر التي انتقضت منذ إسقاط مرسي، أصبح العنف الذي يمارس ضد الصحفيين أيضاً مكمن قلق قويا متصاعدا.
تحت حكم محمد مرسي المعادي، تكثف خطاب الكراهية والتحريض على العنف في وسائل الإعلام المصرية. وقد روجت القنوات التلفزيونية الإسلامية، مثل المحطة التابعة للإخوان المسلمين "مصر 25" وقنوات "الحافظ" و"الناس" الإسلامية، محتوى طائفي ومناهض لليبرالية، مبررة بوضوح قتل الأقباط المسيحيين والشيعة المسلمين. وفي مناخ يزداد استقطاباً باطراد، مارست وسائل الإعلام العربية المملوكة للدولة دورها متعدد الطبقات -عاكسة إلى حد كبير أفكار الحزب الحاكم، في هذه الحالة مرسي، وردت وسائل الإعلام الخاصة -التي تعود ملكية الكثير منها إلى رجال ذوي روابط بنظام مبارك- بنقد غير متوان لمرسي وأنصاره، والكثير من مكونات الحركة الثورية. (ضمن هذه الفئات، كانت لوسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية تاريخياً فسحة أكبر).
مع تنامي الحصانة، أصبحت مصر الآن ثالث أخطر بلد على الصحفيين، وفقاً للجنة حماية الصحفيين. وقد توفي سبعة صحفيين في الميدان منذ حزيران إلى آب 2013، مقارنة بثلاثة توفوا خلال السنتين السابقتين. وفي الخريف، تعرض صحفيان مصريان كانا يعملان في سيناء إلى الاعتقال والمحاكمة أمام محاكم عسكرية. وفي كانون الأول،سُجن أربعة من مراسلي محطة الجزيرة الناطقة بالإنجليزية بتهم مشكوك فيها. وخلال احتفالات كانون الثاني،تم اعتقال سبعة صحفيين على الأقل، بينما هاجم الغوغاء الصحفيين، متهمين بعضهم خطأ بأنهم يعملون لقناة الجزيرة. وتعرض عشرات آخرون للإصابات، والاعتداءات أو الاحتجاز في الأشهر منذ الإطاحة بمحمد مرسي. ووفقاً للجنة حماية الصحفيين، تعرض ما لا يقل عن 45 صحفياً للاعتداءات، وتم اعتقال أكثر من 44 صحفياً منذ تموز. وتعرض عدد آخر لا حصر له من الصحفيين إلى الطرد أو النقل من وظائفهم بسبب مواقفهم السياسية -أو الخشية من تبني مثل هذه المواقف.
جزء من المشكلة هو الهستيريا الجماهيرية التي يغذيها خطاب الدولة والإعلام، والتي استحوذت على الكثير من المصريين الذين يسعون إلى الاستقرار بعد ثلاث سنوات من الاضطراب المحلي والإقليمي. وقد أصبح الصحفيون -خاصة صحفيي الجزيرة- متنفساً مقبولاً للغضب والخوف المتعمقين. الأمن يقود إلى الاستقرار، كما تقول الفكرة المقبولة -والصحفيون يعقدون هذه المعادلة. ومع أن الكثيرين في داخل الجسم الإعلامي يعتقدون بخلاف ذلك، فإن الضغوط من أجل تثبيت هذه الفكرة تتعاظم.
استيعاب العنف والتهديدات، مصحوباً بضعف المؤسسات الإعلامية، ترك الصحفيين مع عدد قليل من الوسائل لعرض قضايا حقوقهم والنضال من أجلها. وبالإضافة إلى الضغوط السياسية العلنية، فقد الكثيرون من الصحفيين وظائفهم في الأشهر الأخيرة، مع تضاؤل الأموال في سوق مصر الإعلامية الفاسدة وغير المستقرة إلى حد كبير. ويعبر الصحفيون المحليون في المحادثات باستمرار عن رغبتهم في المزيد من التدريب المهني والأخلاقي -لكن الوصول إلى هذه الموارد والاهتمام الجدي يبقيان محدودين عند أولئك الذين يعتلون القمة.
على سبيل المثال، جعلت نقابة الصحفيين المصريين من دورات التدريب المهني والأمني أولوية، لكنها ما تزال تعاني من المشكلات السياسية والمالية طويلة الأمد. (تعد نقابة الصحفيين المصريين دستورياً اتحاداً محظوراً للصحفيين. وفي السنوات الأخيرة، تشكلت العديد من النقابات البديلة، وإنما بلا تأثير يذكر). وعندما فرق الجيش بعنف اعتصام رابعة العدوية يوم 14 آب-وهو ما أسفر عن مقتل أربعة من الصحفيين- لم تقم نقابة الصحفيين بإدانة العنف. ومن الجدير بالملاحظة أن ضياء رشوان، رئيس نقابة الصحفيين المصريين وعضو لجنة الخمسين التي تولت إعادة صياغة الدستور، هو شخص ناصري ويُنظر إليه على أنه متعاطف مع الجيش. وكان قد تم انتخاب رشوان في شهر آذار الماضي في انتخابات تأطرت كخطوة في اتجاه لا تسييس النقابة -وتراجع قوة الإخوان المسلمين في النقابات المهنية، وهي مصدر رئيسي للنفوذ السياسي في حقبة مبارك. والآن، أصبح أحد التزامات حملة رشوان الرئيسية -زيادة استقلالية النقابة عن الدولة سياسياً ومالياً، في حكم المجهض بفعل الحقائق السياسية مرة أخرى.
تقول مريم الصعيدي، عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين، مشيرة إلى صمت النقابة إزاء أحداث 14 آب: "بعض الناس الذين ينتقدوننا معهم حق. وكان أحد زملاء الصعيدي المقربين، أحمد عبدالجواد، واحداً من الصحفيين الثلاثة الذين قتلوا بينما كانوا يغطون أحداث ميدان رابعة". وتضيف الصعيدي: "كان يجب أن نفعل أكثر. لكن بعض النقد جاء، على الجانب الآخر، من أناس لديهم وجهات نظر سياسية مختلفة. وبالتالي، يشكل ذلك تسييساً للإعلام".
وسط هذه التوترات، يكرس الدستور الذي صودق عليه حديثاً العديد من التحسينات لحرية الإعلام -ولو أن الدرجة التي سيتم بها تطبيقها تبقى مجهولة. وتعيد المادة 70 من الدستور تأكيد حق حرية الإعلام، وتتطلب تقديم إخطار بفتح صحيفة جديدة، ملغية بذلك نظام الترخيص المسيس القديم الذي كرسته الدساتير السابقة. كما تجرم المادة 71 الرقابة على الإعلام، باستثناء "أوقات الحرب أو التعبئة العامة". وينشئ الدستور هيئة جديدة لتنظيم الإعلام، مزيلاً سيطرة مجلس الشورى (الذي ألغي الآن)، لكنه يترك التقسيم الدقيق للسلطة غير واضح حتى الآن. كما ألغيت عقوبة السجن بتهمة القذف والتشهير، سوى في حالات التحريض التي يمكن تفسيرها بشكل فضفاض وتأويلها حسب الرؤى السياسية.
في حين أوقفت اضطرابات مصر العملية التشريعية إلى حد كبير، يتكهن المعلقون بترجيح وضع قوانين الإنترنت المخصوصة على الطاولة قريباً. وكان الأردن قد عدل في العام 2012 قانون المطبوعات والنشر لديه، ليتضمن مواد جديدة للحد من حريات الإنترنت. ويشعر العديد من ناشطي الإعلام في المنطقة من أن الأردن، الذي حظي طويلاً بالإشادة على حرياته الأوسع نسبياً، سوف يصبح النموذج الجديد للحد من فضاء الإنترنت
يقول عبد الله: "كان الإحساس في حقبة مبارك أن ذلك كان مجرد لعب أطفال على تويتر. لكن الإنترنت أصبح الآن وسيطاً إعلامياً معترفاً به أثر مما كان حاله في ظل حكم مبارك".
في واقع الأمر، كان هناك نحو 150.000 من مستخدمي تويتر النشطين في جميع أنحاء مصر في نهاية العام 2011. وبحلول شهر آذار من العام 2013، ارتفع هذا العدد إلى أكثر من 520.000، وفقا لتقرير وسائل الإعلام الاجتماعي العربي. كما يشهد فيسبوك ارتفاعاً أكثر بكثير، من 4 % من مستخدمي الإنترنت في في نهاية العام 2010، إلى أكثر من 16 % بحلول آذار 2013.
أتاح فضاء الإنترنت أشكالاً جديدة من جمع الأخبار وتبادلها -من جماعات صحافة المواطن، موقع الأخبار "مدى مصر". ومع ذلك، وفي اتجاه متصاعد يتسع في نطاق المنطقة، تم جلب العديد من مستخدمي الإنترنت الذين يحظون بالشعبية وبعض الساسة إلى المحاكم بناء على تغريدات أو تعليقات على فيسبوك. وفي الأيام الأخيرة فقط، وجهت إلى السياسي الليبرالي عمرو حمزاوي تهمة إهانة القضاء على أساس تغريدة أرسلها على تويتر، كما وجدت إحدى المحاكم مستخدم التويتر الشعبي أحمد أنور مذنباً بتهم إهانة وزارة الداخلية و"إساءة استخدام وسائل الاتصال". وهناك الحالة المعروفة، قضية "أبله فاهيتا"، دمية شركة فودافون الإعلانية المتهمة بأنها إرهابية بناء على إعلان تجاري بث على موقع يوتيوب.
فيما تلوح آفاق أيام مظلمة في أفق مصر، ما يزال قاسم يملك سبباً للتفاؤل. وبعد أن ناضل ضد إعلام نظام مبارك لعقول، يتنبأ قاسم بأن الأمر سيستغرق جيلاً آخر حتى تتمكن وسائل الإعلام المستقلة من كسر القالب -لكنه لا يمكن وقف هذا المسار في نهاية المطاف. ويقول قاسم: "الناس يصبحون أكثر انتقاداً". ووصف منتدى صحفياً حضره مؤخراً، وصف فيه صحفي من صحيفة الأهرام كيف كانت الأوامر تأتي إلى الصحيفة وتطلب نشر محتوى معين. ويقول قاسم: "قلت، اسمح لي، لكن حال الأهرام كان هكذا دائماً... الآن فقط أصبحت تجد مساحة أوسع وتستطيع أن تنتقد. في السابق لم تكن تستطيع أن تكون كذلك مطلقاً".
بينما يصبح التحدث في السياسة مع الغرباء سبباً للاشتباه مرة أخرى في مصر، سوف تشكل الأشهر القليلة المقبلة اختباراً لمدى إدامة هذه المساحات المكتشفة حديثاً من الحريات الإعلامية -أو العثور على طرق جديدة للتحايل مرة أخرى على الخطوط الحمراء التي لا تني تتسع. *كاتبة مستقلة، عاملة سابقة في مؤسسة فولبرايت، تبحث في شؤون وسائل الإعلام المصري المطبوعة.
وردة خلف خطوط الأعداء
بقلم: د.أحمد جميل عزم – القدس
يُستَخدَم تعبير "خلف خطوط الأعداء" عادة عند الحديث عن عمليات تقوم بها المقاومة أو بقايا القوات المقاتلة في مناطق احتلها الأعداء.
في فلسطين أشخاصٌ يسكنون بإصرار رغم الاعتداءات اليومية مناطق بالغة الصعوبة، داخل أراضٍ بنيت عليها المستوطنات، أو خلف جدار الفصل. يحترفون الصمود خلف خطوط عدو إحلالي إقصائي.
لكل منهم رواية، وشخصية متمايزة، تستحق تكرار الكتابة عنها، ليسوا عقلية أو نفسية واحدة، ولكني أزعم تشاركهم عشق الجمال.
أعترف أني عندما أزورهم أخشى أن يطردوني؛ أشعر بضيقهم من التضامن العابر للكثيرين، رغم تأكيدهم أهمية زيارتهم والتواصل معهم، لأنّ هذا مؤشر أمام أعين الإسرائيليين الذين يراقبونهم بشأن مدى تضامن الناس معهم. تخيفني دائماً لحظة مغادرتنا، وشعوري أنّ هؤلاء الصامدين سيعودون إلى وحدتهم، في قشعريرة يصرخون معها: "يا وحدنا".
عدت قبل أيّام لزيارة هاني عامر، في قرية مسحة، في سلفيت، حيث كتب على جدار الفصل، أمام بيته الواقع في قفص أسلاك داخل محيط مستوطنة صهيونية، "دولة هاني عامر". غزت التجاعيد وجهه، منذ قابلته قبل أشهر، بدأ حديثه وشعوري أنّه سئم الحديث. ولكنه استرسل نحو ساعتين، مع قليل من مقاطعتي أنا وصديقة، مخرجة تلفزيونية رافقتني. بعد قليل من بدء الحديث كان كمن يحادث الأفق والورد والشجر والأرض، وطفولته، ولحسن الحظ نسي وجودنا.
قال "أنا أصلا ابن قرية كفر قاسم، صنعتني حكايات جدتي، قبل النكبة، كانت تقول لي إنّ البطيخة تنبت في قرية ما بنصف حجمي، فأذهب، أنا الطفل، وأمشي وأصل تلك القرية وأشاهد البطيخة، وأشرب من النبع. وصلت البحر مشياً وشاهدت زرقته، هناك بدأت القصّة".
يُحدّثنا ونُصدّقه، ونشهق بصمت:
"جاءني الضابط الإسرائيلي شامتاً يقول لي، لماذا لا تبكي، لو كنت مكانك لفعلت؟. ألا تراهم يجرفون الأرض ويحطّمون نباتاتك، ويقيمون الجدار؟. فأجبته، لو كان عندي شك أنّ هذه أرضي لبكيت. ألا تسمع الأرض، ماذا تقول لي، فنظر الضابط إليّ كأن بي مس من جنون، وضعت يدي خلف أذني وقلت له استمع جيدا، هذه الأرض تتكلم، تخبرني أنها لي. أدار الضابط ظهره وذهب". يكمل هاني حديثه لنا، "لم أكن أدّعي، أنا أسمع الأرض فعلا". وردّ على ضابط آخر يلومه لعدم قبوله التعويض والأموال: ماذا أفعل بالنقود؟ قال له تشتري سيارة وبيت جميل وتذهب سياحة في العالم وفنادقه. قال له عامر، ربما هذه متعتك أنت، ولكنها ليست متعتي أنا. لو كدّست لي هذه الأرض وأحواض النباتات نقوداً بدل التراب ماذا أفعل بها؟ ويحدثنا عن المعنى الحقيقي للقيمة ويقارن بين النقود والأرض. حديثه، وهو أبو نضال، الحاج المتدّين، ذكّرني بنظرية كارل ماركس، التي أدرّسها لطلبة الجامعة بشأن "صنميّة السلعة"، في الفصل المقبل سأذكر لهم حديث أبو نضال.
يدفع حديثه عن النباتات في الأرض الصغيرة الباقية حول منزله، للابتسام، وربما الضحك، وربما الدمعة. بدأ حديثه متثاقلا عندما سألناه عن أنواع النباتات، كمن يتحدث بدافع اللياقة فقط، ثم اندفع في الحديث. طموحه زراعة واحدة من كل نبتة يجدها في فلسطين، ويحدثنا بشأن كل واحدة، ويسرد صراعاته ومفاوضاته مع الجنود أثناء عمليات تسييج الأرض، حول متر أرض هنا وآخر هناك، وتخرج منه جملة تضحكنا عن تغلبه بالجدل على ضابط "أمّنت حالي وزرعت في هذه الزاوية". يبدو الحصول على متر أرض للزراعة بالنسبة له انتصارا استراتيجيا. نقف عند شجرة زكية الرائحة، تسأله الصديقة عن استخدامات الشجرة، يرد "لا بد أنّ لها فائدة ما". مؤمن بلا تردد بما يفعل. له مغامرات وحيل لجعل الإسرائيليين يسمحون له بدخول كرومه وأراضيه المصادرة للعناية بالشجر وريّه.
لا يستبعد أن يقتله وعائلته المستوطنون يوماً. أسأله عن طائر فينيق مرسوم على الجدار، يصدمني جوابه وفلسفته: جاء نشطاء دوليون مرة ورسموا لوحات على الجدار، تضامناً معي، ثم فكّرت في الأمر؛ هذا جدار بشع، وفِكرته بشعه، لا يجوز تجميله، فأمسكت الطلاء وطمست الرسومات، وأبقيت الطائر، "فالطائر يمكن أن يطير فوق الجدار".
لعله بعد انصراف زواره، يجلس على مقعد، يمد نظره مخترقا المستوطنة يشاهد الطفل يلعب في الحقول، ويشرب ماء الينبوع، ويأكل بطيخه، ويقفز سابحاً في البحر.
هذه فلسفة واقعية.
موسكو فوق الصفر
بقلم: نبيل عمرو – القدس
فيما مضى ... كلما ذكرت كلمة روسيا او موسكو يرادفها الجمود والصقيع والحذر.
وفي ايامنا هذه ، يوازي كلمة روسيا او موسكو حرارة غير مألوفة في اتجاه التأثير المباشر وغير المباشر، في جميع القضايا الساخنة التي يشهدها العالم في هذه الحقبة الدولية الملتبسة. فهي موجودة في كل مكان ، ولها دور في كل ازمة ، الا ان المختلف عما كان في زمن الحرب الباردة ، وصراع الاتحاد السوفياتي على صعيد النفوذ الكوني ، ان موسكو اهدرت طاقاتها الهائلة في صراع لا امل في كسبه ، اما الان فهي لا تهدر الطاقات وانما توظفها في سياق اكثر حكمة واكثر براغماتية واكثر جدوى.
امامنا الان نماذج عدة على هذه الحقيقة، اختار منها نموذجين يجمعهما عنوان واحد... النموذج الاوكراني والنموذج المصري، والعنوان الواحد الذي يجمعهما هو استعادة النفوذ ولكن بصورة غير استعمارية وغير احتكارية.
اوكرانيا: كانت هي الركيزة الاساسية للكيان السوفياتي، وفي فترة عجز المركز وتفكك الدولة العظمى ذهبت اوكرانيا الى الغرب، والان تبذل موسكو جهدا قويا ومكلفا لاستعادتها كصديق وحليف، وليس كمستعمرة تدار بالهاتف.
ان روسيا الاتحادية بقيادة بوتين ، عاقدة العزم على تغطية تكاليف استعادة اوكرانيا بما هو اكثر سخاءً من اوروبا ، وسيحترم الاوكرانيون صداقة الجار ويقبلون عليها، بعد زوال مخاوفهم من عودة الاستبداد السوفياتي. وهنا يكمن الامتحان الاساسي لبوتين وتطلعاته الكونية.
مصر: استفادت موسكو كثيرا من العبث الامريكي الساذج في الشؤون المصرية ، ذلك ان واشنطن لم ترى مصر الا بحجم المساعدات البخسة التي تقدمها لها، وكان من قبيل قصر النظر، ان تتوقع واشنطن تبعية مصرية تلقائية جراء هذا الدعم البخس، او جراء الخوف من مناورات امريكا التي بلغت من السذاجة حد الرهان على الاخوان، ليس لحكم مصر وحدها وانما لحكم الشرق الاوسط الاعقد .
سارع الروس في ايفاد وزيري الدفاع والخارجية الى القاهرة عقب حركة السيسي الجذرية ضد حكم الاخوان. وبادر القائد الجريء والشجاع الى رد الزيارة ، مبرهنا عن اهم حقيقة تجسدها مصر الان، وهي حرية القرار وشجاعة الانعتاق من الطوق الامريكي، الذي قيد حركة مصر بلا مبرر اساسي.
كان توجه السيسي الى موسكو اعمق من ان يقال عنه انه استبدال للتحالفات او التبعية لانه في حقيقة الامر اعادة للتوازن في العلاقات مع قوتين عظميين، فاي واحدة من هاتين القوتين تتعامل مع مصر على قاعدة وزنها الحقيقي فمصر جاهزة لذلك . ومن ينظر للعلاقة مع مصر بمنظار انها مضمونة التبعية والولاء فهو خاسر لا محالة.
ان التوازن الذي احدثه المشير السيسي كواحد من المتغيرات الاستراتيجية لثورته ، يمكن ان يؤدي الى تعديل جوهري على التوازنات القديمة التي عانت المنطقة من ظلمها عقودا طويلة ، وهذا التوازن سوف يشجع الدول العربية ذات العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة، على مزيد من الموضوعية في العلاقة مع واشنطن بحيث ترغم الدولة العظمى وبمنطق الحسابات الواقعية على تعديل سياساتها وقراراتها في الشرق الاوسط.
تلك السياسات والقرارات ، التي كانت تنطلق من قاعدة ان التأثير العربي في واشنطن لا يتعدى الصفر، مقابل تأثير اقوى وافعل لاسرائيل ، وهذا ما جعل مسألة الصراع العربي الاسرائيلي عصية على الحل، خصوصا اذا ما كان الحل موضوعيا ومتوازنا ويسير نحو خلاصات نهائية.
ان موسكو ورغم الكثير من تحفظاتنا على قراراتها وتوجهاتها في امور عدة ، الا انها في واقع الامر تجاوزت تحت الصفر، لتصبح رقما يستحيل تجاهله اولا، ويستحيل بلوغ حلول مستقرة وقابلة للحياة دون اسهامها المباشر والفعال.
"حراثة أفكار" في المقاطعة !
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
"النمرودة" رنا المقدسية مدّت يد العون لـ "الرئيس" عشية أوسع لقاء له، في المقاطعة، مع زهاء 300 إسرائيلي، معظمهم شبيبة جامعات، وبعضهم يعتمرون "الكيبا".
ليش وصفتها "نمرودة"؟ لأنها وضعت كلمة الرئيس بين مزدوجين (علماً أن الأميركيين غادروا نعت "شيرمان" إلى نعت "بريزدانت").
حكمة الرئيس في مجموعة مختارة قوامها 300 (من أصل 1200) تبعاً لطاقة استيعاب الصالة، أجابت على 8 أسئلة، في الأقل من 12 سؤالاً "محرجاً" قدّرت رنا أن الضيوف سيطرحونها على الرئيس.
قرأت الكلمة الرئاسية كما نشرتها الوكالة الرسمية (وفا) وانطباعات بعض المستمعين الإسرائيليين، وربما أبحث عن إجابته على الأسئلة "المحرجة" في الصحف الإسرائيلية.
الزميلة نائلة سخرت، على "الفيسبوك"، أيضاً، من وصف متحدّث رسمي فتحاوي للقاء بأنه "إنزال خلف خطوط الإسرائيليين اليمينيين.
غالبية الإسرائيليين الحاضرين لأوسع لقاء ـ حوار يزورون رام الله للمرة الأولى، وفي ذهنهم أن فلسطين ـ السلطوية هي رام الله؛ ورام الله هي المقاطعة والمقاطعة هي الرئيس.. والسؤال في أذهانهم: هل رئيس فلسطين شريك أم غير شريك في السلام.
من قبل لقاء الأمس، التقى الرئيس رؤساء أحزاب، نواب كنيست متعددي المشارب، صحافيين، وضباطاً متقاعدين.. وبالطبع كل رئيس حكومة إسرائيلية انتخبه شعبه.
لكبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، الذي يمقته بعض الفلسطينيين دون سبب مقنع وواضح (لأنه لا يشيل الزير من البير)، تعبير يقول: معظم المفاوضات تجري خارج قاعات التفاوض.. وربما كانت لقاءات الرئيس المتواترة بقطاعات مختلفة من الشعب الإسرائيلي هي نوع من "مفاوضات ـ داخل ـ المفاوضات".
مطلع الشهر المقبل، سيلتقي نتنياهو في واشنطن بالرئيس أوباما، قبل شهر واحد من انتهاء أجل الشهور التسعة المضروبة للمفاوضات، واحتمال إعلان السيد كيري نقاط "اتفاق الإطار". للزيارة الإسرائيلية توقيتها المحسوب، لكنها تتم بذريعة خطاب سيلقيه نتنياهو في منظمة "إيباك" وهي جماعة الضغط الأميركية ـ اليهودية الرئيسية الموالية لإسرائيل، وهناك جماعة "جي ـ ستريت" اليهودية الموالية للضغط الأميركي!
هل نرى في لقاءات متواترة بين الرئيس ومجموعات من الشعب الإسرائيلي محاولة لبناء جماعة ضغط (لوبي) على الحكومة الإسرائيلية، التي تدعي أن أبو مازن "يأخذ" ولا "يعطي" وأنه ليس "شريكاً"؟ أو نرى فيها تنفيذاً لبعض "روح أوسلو" في بدايتها وبرنامج "شعب لشعب" ولو صارت فلسطيناً "رئيس لشعب" علماً أن الرئيس الفلسطيني يعدّ خبيراً في الشؤون الإسرائيلية، قبل أن تولد السيدة "رنا" والزميلة نائلة ومهندساً تنفيذياً لاتفاق أوسلو، ورئيساً سابقاً لدائرة المفاوضات ـ م.ت.ف، ومفاوضاً في كامب ديفيد 2000 مع الرئيس عرفات، ثم مفاوضاً رئيسياً لايهود اولمرت وبعده بنيامين نتنياهو.. ويقول إسرائيليون إنه مفاوض صعب و"داهية"!
في كلمته إلى شبيبة إسرائيلية مختارة، أجاب الرئيس على معظم ما يشغل بالهم من أسئلة: الأمن، الحدود، القدس، المياه، يهودية إسرائيل، حق العودة، مبادرة السلام العربية، وهي جميعها، أو معظمها، أجوبة معروفة للشارع الفلسطيني وللولايات المتحدة، ولكنها ليست معروفة جيداً للشارع الإسرائيلي، بدليل انطباعات إيجابية لبعض الشبيبة الإسرائيلية بعد كلمة الرئيس، وبعضها كان "مفاجأة" للمستمعين الذين بدّلوا قناعاتهم السابقة حول جدية شراكة الرئيس الفلسطيني في عملية السلام.
تعهّد نتنياهو، الذي وضع عقبة يهودية إسرائيل أمام العملية، أن كل اتفاق سوف يطرح على الشعب الإسرائيلي للاستفتاء، وما يعتبره البعض الإسرائيلي "هجوم سلام" فلسطينيا من هذه اللقاءات قد يؤثر على القطاع الشبابي الإسرائيلي، الذي سيؤثر بدوره على اتجاهات الرأي العام في الاستفتاء. هناك في السياسة "عمل نحل ونمل".
"الفلسطينيون خطفوا اليونسكو" ؟
في حزيران المقبل، سيصوت مؤتمر "اليونسكو" على الأرجح لصالح طلب فلسطيني بإدراج قرية بتير ـ محافظة بيت لحم، في قائمة التراث العالمي.
قرية "الباذنجان البتيري" الشهير، شهيرة بالمدرجات الزراعية، وبرك مياه، وأرضيات فسيفساء تعود إلى ألفي عام، وهي مشهد طبيعي، غني وأخّاذ، يهدّده بالتشويه استكمال جدار الفصل الشرقي لمدينة القدس، كما يهدّد الجدار حقول دير كريمزان في المحافظة ذاتها.
كانت "اليونسكو" أول المنظمات التابعة للأمم المتحدة التي منحت فلسطين عضوية كاملة فيها، ومن ثمّ أُدرجت مدينة بيت لحم ـ مدينة المهد كأول موقع فلسطيني في قائمة التراث الإنساني. وبعد "بتير" هناك قائمة فلسطينية مرشحة تحوي 20 موقعاً تاريخياً وأثرياً.
مسؤول إسرائيلي قال إن الفلسطينيين ينجحون في تسييس منظمة دولية ثقافية "بالفعل الفلسطينيون خطفوا اليونسكو" !
من الذي "يخطف" ؟ إسرائيل خطفت 20 ألف دونم من أراضي قرية نحالين وأقامت عليها مستوطنات.. وهي تريد خطف 400 دونم أخرى لولا قرار "العليا" الإسرائيلية بإلغاء الخطف الجديد هذا. ألم تخطف المنطقة (ج)؟
.. علماً أن "العليا" الإسرائيلية صادقت على شق طريق سريع استيطاني يقسم قرية بيت صفافا إلى قسمين.
نحن لا نوفر اللجوء إلى القانون الدولي.. وحتى القانون الإسرائيلي!
نائب الرئيس: حلٌ أم هروب
بقلم: هاني المصري – الايام
شكلت اللجنة المركزيّة لحركة فتح لجنة لدراسة الوضع القانوني لاستحداث منصب نائب الرئيس، وأعلن توفيق الطيراوي بأنه طرح الفكرة منذ عدة أشهر، فيما قال محمد المدني بأنه لا حاجة لها، وأن القرار لدراسة المسألة قانونيًّا وليس لتنفيذها.
فكرة "نائب الرئيس" طرحت لأول مرة من بعض أعضاء المجلس التشريعي وغيرهم بُعيد انتخاب الرئيس في العام 2005، ورحب أبو مازن بالفكرة، وطالب بأن تكون هناك صلاحياتٌ منصوصٌ عليها في القانون الأساسي لنائب الرئيس، ولكن الأمر لم يحدث.
عندما انتهت الفترة الرئاسيّة، وبعدما أعلن أبو مازن عن رغبته بعدم الترشح لولاية ثانيّة، وخصوصًا بعد تأجيل تقرير غولدستون، وإعرابه عن رغبته في الاستقالة؛ طرحت فكرة "نائب الرئيس" أكثر من مرة من روحي فتوح وغيره من قيادات "فتح". كما طرحت الفكرة في آخر اجتماع للمجلس الثوري، وكان الرئيس يوافق عليها في كل مرة، وأحيانًا كانت تتداول أسماء، من أبرزها مروان البرغوثي، ولكنها لم تنفذ.
في محاولة الإجابة عن الأسئلة التي تطرحها هذه الفكرة، أبدأ بالإشارة إلى أن عدة مراكز أبحاث ومجموعات تفكير إستراتيجي "ثنك تانك"، أميركيّة وإسرائيليّة وأوروبيّة، وحتى عربيّة؛ بدأت منذ فترة بتنشيط البحث عن بديل أبو مازن. والآن هذه المسألة يطرحها ويبحث فيها قناصل الدول المهمة في المنطقة، وذلك لعدة أسباب، منها: أن أبو مازن قارب الثمانين عامًا؛ وحديث المصالحة وإجراء انتخابات بعد ستة أشهر على تشكيل الحكومة ارتفع مؤخرًا، والمفاوضات تدور في حلقة مفرغة وتأكل معها الأرض والحقوق وما تبقى من وحدة؛ والأهم أن هناك حملة هستيريّة إسرائيليّة ضد أبو مازن تتصاعد، وحاول أن يوظفها كيري عندما تحدّث عن أن مصيره سيكون مثل مصير ياسر عرفات في حال لم يتخذ القرارات الشجاعة، ويقدم التنازلات المطلوبة لتحقيق السلام.
في هذا السياق أخشى أن تستخدم مسألة "نائب الرئيس" من أجل الضغط على أبو مازن لإخضاعه تمامًا، مثلما استخدمت مسألة استحداث منصب "رئيس الوزراء" من أجل تحقيق ما سبق وأعلنه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، ونفّذه بمساعدة إسرائيليّة وغيرها، حول ضرورة إيجاد قيادة فلسطينيّة جديدة مختلفة عن قيادة ياسر عرفات، وملتزمة بمحاربة الإرهاب حربًا لا هوادة فيها.
لا أقصد بما سبق أن كل من يَطرَح فكرة "نائب الرئيس" يَصبُّ في سياق الضغط الأميركي الإسرائيلي، فهناك من يطرحها لأنها ضروريّة لمأسسة الرئاسة، وتوزيع السلطات، والاستعداد لاحتمال غياب أو تغييب الرئيس لسبب أو لآخر، خصوصًا أن شغور منصب الرئيس لن ينتج عنه انتقال سلس للسلطة، مثلما حصل بعد اغتيال ياسر عرفات. ففي عهد ياسر عرفات كان معروفًا من هو الشخص الثاني، صحيح أنه لم يعين رسميًا، وإنما كان أبو عمار يطلب من أبو مازن حضور اجتماعات الحكومة، وعندما يغادر الاجتماع لسبب أو لآخر يطلب منه رئاسة الاجتماع، وكان وقتها أمين سر اللجنة التنفيذيّة، ومقبولا عربيًا وإسرائيليًا وأميركيًا ودوليًا. وكان المجلس التشريعي منعقدًا بحيث تولى رئيسه روحي فتوح الرئاسة لمدة ستين يومًا لحين إجراء الانتخابات الرئاسيّة.
اليوم إذا غاب الرئيس في ظل الانقسام المدمر والمتغيرات العاصفة لا أحد يعرف من الشخص الثاني في "فتح" والسلطة والمنظمة، وهناك ازدحام في التنافس على هذا الموقع، لذا هناك ضرورة ملحة لاختيار نائب أو أكثر للرئيس (يمكن اختيار نائب لرئيس السلطة، وآخر للمنظمة، وثالث لفتح). ولكن ضمن أي سياق، فهذا هو المهم.
إن هناك ما هو أكثر أهميّة من تعيين نائب للرئيس، وهو إفشال الجهود الأميركيّة الإسرائيليّة الرامية لتصفية القضيّة الفلسطينيّة لا حلها، وأن الأولويّة يجب أن تكون لتوحيد الفلسطينيين وراء قيادة واحدة على أساس إستراتيجيات قادرة على إحباط المخططات التصفويّة، التي لا يجب أن ينام أحد على وسادة من الأوهام بأنها لا تملك فرصة للنجاح.
فالضعف والانقسام الفلسطيني، والتشظي العربي، وارتهان السلطة للمساعدات والالتزامات، وفقدان الاتجاه، ووصول الإستراتيجيات المختلفة إلى طريق مسدود، في ظل عدم وجود بديل عملي عن المفاوضات الثنائيّة لعدم توفر الإرادة لإيجاده، وليس لتعذر وجوده؛ يجعل هناك خطر جدي بنجاح جهود كيري، إن لم يكن اليوم فغدًا، وإن لم يكن مرة واحدة فعلى دفعات.
إذا توفرت الإرادة لتحقيق الوحدة واعتماد إستراتيجيات قادرة على الانتصار في ظل معطيات ومتغيرات محليّة وعربيّة وإقليميّة وأميركيّة ودوليّة فيها ما يساعد ويمكن البناء عليه، وليس كلها تصب في اتجاه عكسي؛ تجعل إمكانيّة الصمود والمقاومة المثمرة ممكنة، وليس هدفًا بعيد المنال. في هذه الحالة يمكن إجراء الانتخابات لحل مشكلة نائب الرئيس وغيرها، وإذا تعذر ذلك يمكن التئام المجلس التشريعي بالرغم من انتهاء فترته القانونيّة، (فالضرورات تبيح المحظورات، ولا شيء قانونيًا أصلًا حتى يتذرع البعض بالقانون في ظل صدور مراسيم رئاسيّة لها قوة القانون)، أو تشكيل مجلس تأسيسي يضم أعضاء المجلسين المركزي والتشريعي وشخصيات تضاف إليه تمثل الشتات والمرأة والشباب وتخويله بقيادة المرحلة.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن أن تكون خطوة تعيين "نائب الرئيس" خطوة في الاتجاه الصحيح، ويمكن أن تكون انحرافًا عما يجب عمله، فإذا تمت في سياق إعادة بناء وإصلاح وتجديد ودمقرطة المؤسسات الفلسطينيّة أولا في المنظمة، وبعد ذلك أو بشكل متواز ومتزامن في السلطة، وضمن بلورة إستراتيجيات كفاحيّة قادرة على توحيد الشعب بمختلف مكوناته السياسيّة ومواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد القضيّة الفلسطينيّة؛ فهي حق يراد به حق.
إما إذا كانت مجرد خطوة معزولة أو بالونات اختبار أو لعبة للتسلية يراد إشغال الناس بها، وبالتحديد الطامعين والمتنافسين، بين فترة وأخرى، أو تستخدم لمجرد المناكفة، أو ظهرت لمواجهة صعود دحلان لاعتبارات إقليميّة، ومحليّة، وفتحاويّة، وفتحاويّة - حمساويّة أو للضغط على أبو مازن عن طريق التلويح له بأن عمليّة استبداله قد بدأت، فهي في هذه الحالة حق يراد به باطل.
أخيرًا، تبقى نقطة لا بد من الحديث عنها بصراحة، وهي: لماذا لم نرَ فكرة "نائب الرئيس" تتحقق بالرغم من أن الرئيس كان يوافق عليها في كل مرة؟ السبب أن النظام السياسي الفلسطيني متأثر كثيرًا بالأنظمة السياسيّة العربيّة، خصوصًا في مصر وسورية، حيث يستأثر الرئيس بكل السلطات من دون حسيب أو رقيب أو مشاركة، لا من حزبه، ولا من مجلس نواب تمثيلي، ولا قضاء مستقل، ولا إعلام حر.
وما يزيد الطين بلة أن مؤسسات المنظمة أكثر من شبه مشلولة، والمجلس التشريعي غائب ومغيب، ما يعني أن الأمر يحتاج لأكثر بكثير من تعيين نائب للرئيس، فالمؤسسة والعمل الجماعي والبرامج المشتركة غائبة.
إن هذا الواقع وضع في يد الرئيس سلطات وصلاحيات استثنائيّة لم يحصل على مثلها الزعيم التاريخي ياسر عرفات، وهذا الواقع قوّى الرئيس محليًا وعربيًا ودوليًا، خصوصًا بعد وقوع الانقسام وفقدان الحكومة ورئيسها للصلاحيات المنصوص عليها في القانون الأساسي. فالرئيس أقوى بكثير بسبب عدم وجود بديل متفق عليه، ما يجعل ما يريده يأخذه الجميع في الحسبان. فالرئيس إذا أراد أن يرفض ما سيطرحه عليه كيري سيكون رفضه نهائيًا، وإذا وافق سيضع "فتح" والمنظمة والفلسطينيين أمام الموافقة أو انسحابه، وما يعنيه ذلك من انهيار السلطة، وربما النظام السياسي الفلسطيني كله، وربما يطرح الرئيس وينفذ فكرة "نائب الرئيس" إذا فشلت المفاوضات، أو إذا توصلت إلى اتفاق غير مقبول فلسطينيًا.
نحن بحاجة إلى أكثر من مسألة "نائب رئيس". فليست هنا الوردة ولا يجب أن نرقص هنا.
خطة كيري: كل الطرق لا تؤدي إلى الحل !
بقلم: رجب ابو سرية – الايام
خرج نحو ثلاثمائة طالب جامعي يهودي من اللقاء الذي جرى أول أمس، مع الرئيس محمود عباس في رام الله، بقناعة تامة، وهي أن هناك شريكا فلسطينيا للسلام، بعد ان أوضح لهم الرئيس رؤيته للحل، بما في ذلك عدم وجود نية فلسطينية "لإغراق" إسرائيل بملايين الفلسطينيين، وبذلك تولدت قناعة لدى الطلاب الذين ينتمون للأحزاب الإسرائيلية المختلفة، بما فيها أحزاب اليمين والأحزاب الدينية، أنهم يتعرضون الى الخداع من قبل قادتهم، وأنهم سيعودون الى الشارع الإسرائيلي ليكشفوا له هذه الحقيقة.
من الواضح أنه، كلما اقترب موعد التاسع والعشرين من نيسان المقبل، ازدادت الأجواء المحيطة بالمفاوضات الفلسطينية/ الإسرائيلية توترا، وكلما ارتفعت وتيرة التصريحات، على الجانبين حدة وانفعالا، ومقابل ما نلحظه من "هدوء" في أوساط الرئاسة الفلسطينية، نلاحظ درجة من الانفعال لدى الجانب الإسرائيلي، الذي باتت أوساطه تفكر، بأمر ما من شأنه أن يقلب الطاولة رأسا على عقب.
بالترافق مع إقدام إسرائيل على تسخين متصاعد لجبهة غزة، من خلال العودة لسياسة التصفيات واستهداف كوادر المقاومة الفلسطينية، ومواصلة عمليات التوغل في القطاع، حيث يبدو أن كلا من إسرائيل و"حماس" باتت لهما مصلحة ما في تسخين الجبهة بينهما، دون ان يعني ذلك تكسير قواعد اللعبة، فـ"حماس" باتت تحت ضغط شديد منذ خلع صديقهم الرئيس المصري السابق/ المخلوع محمد مرسي العياط عن منصب رئاسة الجمهورية المصرية، فيما إسرائيل تواجه مشكلة جراء صمود الجانب الرسمي الفلسطيني في وجه الضغوطات للقبول بخطة كيري، نقول بالترافق مع سياسة التصعيد على جبهة غزة، والتي قد تجر لحرب محدودة، تحقق فيها إسرائيل هدفا مزدوجا، يتمثل في توجيه ضربة قاصمة لسرايا القدس، والتنصل من خطة كيري، فيما تتحرر "حماس"، ولو قليلا من الضغط، عبر استجداء التعاطف الفلسطيني، وربما العربي، وإعادة إحياء فكرة كسر الحصار عن غزة!
نقول مقابل ذلك، إن إسرائيل تحاول أيضا "تحصين" ملفات التفاوض داخليا، من خلال استصدار قوانين برلمانية من خلال الكنيست تحول دون الانسحاب من الأرض الفلسطينية المحتلة، وكذلك تمنع الخروج من القدس الشرقية المحتلة، وبالطبع تؤكد "يهودية الدولة" لإغلاق الأبواب أمام حق العودة الفلسطينية.
درجة خطورة ما تفكر به إسرائيل دفع الأردن الى القول إن إسرائيل تلعب بالنار حين تسعى من خلال الكنيست الى الإعلان عن إلغاء الولاية الدينية الأردنية عن القدس، فيما يشارك قادة الأحزاب الإسرائيلية في الإعلان عن مواقفهم المختلفة ويقومون بنشر أفكارهم في كل اتجاه، في محاولة لنشر فوضى الأفكار، حتى لا ينتهي الأمر التفاوضي الى شيء.
آخر ما لفت الانتباه هو تصريح النائب عن البيت اليهودي اليميني المتطرف، الحزب الذي يعتبر حزب المستوطنين اليهود، والشريك في الحكومة الائتلافية، عن الحل في ظل الدولة الواحدة بدلا من الدولتين، حيث انه قد لوحظ، أن الصراع السياسي الداخلي في إسرائيل إنما هو قائم بين اتجاهين، كلاهما يريد الانفصال عن الفلسطينيين: الأول يعلل تأييده لحل الدولتين بالخشية من فرض حل الدولة الواحدة، ثنائية القومية في نهاية المطاف، والثاني يرفض الانسحاب من الضفة والقدس، بدعوى أنها أرض الأجداد، ويعلل ذلك بالمخاطر الأمنية الناجمة عن ذلك، وحتى يبقى بنيامين نتنياهو رئيسا للحكومة وحزب الليكود في الحكم، يقول إنه يريد يهودية الدولة للحفاظ على طابعها القومي، ولقطع الطريق على الدولة الواحدة، وفي نفس الوقت يقول بعدم تفكيك أية مستوطنة أو إخراج أي مستوطن!
بين حزبي العمل والبيت اليهودي، يبدو نتنياهو "حائرا"، ولذا فإن أسهل قرار وانسبه بالنسبة له، هو ان يضع الشروط التعجيزية، التي تفشل إمكانية التوصل الى الحل، وبذلك يتجنب مصيرا مشابها لمصير سابق كان قد تعرض له، بعد اتفاق "واي ريفر" حول مدينة الخليل والذي كان سببا في سقوط حكومته الأولى، وتقدم أرئيل شارون لقيادة الليكود ومن ثم تولى منصب رئيس الحكومة بدلا منه.
وهذا يعني بوضوح، ان الطريق مسدود أمام خطة كيري، بسبب فقدان الشريك الإسرائيلي للحل التاريخي، ذلك أن ما بين مفهوم العمل وحتى الليكود لحل الدولتين، ومفهوم البيت اليهودي للدولة الواحدة، تشويه للحلين معا، فلو أفترضنا جدلا أن إسرائيل اختارت حل الدولتين، فإن ذلك يعني أنها لن تكون قادرة على قبول حل دولتين حقيقي، يشمل الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 67 والقدس عاصمة وحق العودة والتعويض للاجئين، وان حل الدولة الواحدة، لن يقوم على مبدأ المواطنة والمساواة، بل على مبدأ الفصل العنصري، من خلال الاستناد ليهودية الدولة، أو ربما أبعد من ذلك من خلال إقامة الدولة، ثنائية القومية في الضفة الغربية وليس على ارض فلسطين التاريخية.
جوهر المشكلة والتي تتفاقم منذ أوسلو، قبل عشرين سنة، هو ان الموقف الإسرائيلي التفاوضي في حالة تراجع، نظرا لأن المجتمع الإسرائيلي في حالة تقدم باتجاه اليمين والتطرف والتدين، لذا فلن يكون هناك شريك إسرائيلي، ما لم يحدث اختراق في بنية المجتمع الإسرائيلي، تحرره من إرث "الغيتو" والعزلة، وتدفعه للتعايش مع الآخرين!
"عندما نقدم شيئاً يتم وضعه في الجيب ويقولون نريد غيره"
بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
يقول الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: "إغراء إسرائيل يزيد على ما تستحقه" ويقصد بذلك ما يقدمه النظام الدولي من أشكال الدعم والامتيازات فضلا عن المراعاة والتفهم والتبرير لسياساتها المتغطرسة. هذا الدعم لا يعجب الإدارة الإسرائيلية التي فتحت شهيتها على مصراعيها طلبا للمزيد دون سقف أو حدود. وكما قال وزير الخارجية الأميركي: "كلما قدم الفلسطينيون تنازلات تضعونها في الجيب وتريدون المزيد". ويكفي اي نقد خفيف للسياسة الإسرائيلية لقلب الطاولة من قبل تلك الإدارة، وإشهار خطر الإبادة والتهديد الوجودي والعداء للسامية.
جذر المواقف الرسمية الإسرائيلية يعيدها جدعون ليفي لغولدا مائير التي قالت ذات يوم في قديم الزمان "لشولوميت آلوني: "يجوز لليهود فعل كل شيء بعد المحرقة". هذا يفسر الرفض الإسرائيلي للقانون الدولي وقرارات الشرعية والاتفاقات المبرمة فضلا عن استباحة الحقوق الفلسطينية بالطول وبالعرض. أما الانتهاكات الإسرائيلية الفادحة فتقابل إما بالتفهم او الصمت او اللوم الخفيف والاستنكار الخجول. وكان الشاعر محمود درويش قد استهجن هذه السياسة حين قال : " الطفل يكافأ بالشيكولاتة وعندما يخطئ يعاقب ويحرم من المكافأة، أما إسرائيل فتكافأ دائما ولا تحرم من اي شيء عندما تخطئ"!
اول من امس التقى الرئيس محمود عباس مع 200 من الطلبة الاسرائيليين في مبنى المقاطعة، كم كان جيدا الاعتراض على اللقاء عبر مسيرة اتجهت نحو المقاطعة، غير انها منعت من الوصول الى المكان وحظر على الصحافيين التقاط الصور، وقد انتقص التقييد والمنع الامني المشوب بالتهديد من حرية التعبير والاحتجاج سيما وان هناك ما يكفي من الأسباب للاعتراض على العملية السياسية التي لم تحظ بأي استجابة اسرائيلية. خلافا لذلك وفي يوم لقاء الطلبة مع الرئيس صادقت بلدية الاحتلال في مدينة القدس على بناء 350 وحدة استيطانية ضمن توسعات استيطانية جديدة شرق المدينة.
كشف الرئيس عن رزمة الإغراءات والتنازلات الفلسطينية المقدمة للإسرائيليين. بدءاً بتبادل أراض لتيسير الاتفاق على الحدود، واعتراف كل الدول العربية والإسلامية بإسرائيل - 57 دولة -، القبول بتواجد قوات الناتو على الأراضي الفلسطينية لضمان امن إسرائيل، حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين بالتفاهم والاتفاق مع الإسرائيليين وعدم السعي لإغراق إسرائيل بملايين تغير تركيبتها السكانية. لن يعاد تقسيم القدس وستبقى مدينة مفتوحة بشطريها ببلديتين ومجلس مشترك وحرية الوصول الى المبكى، دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعتمد على قوة شرطية، والمياه بحسب القانون الدولي. وفوق ذلك، تقديم وعد بأنه إذا لم يتحقق السلام لن نعود الى العنف.
في مقدمة كلمة الرئيس الموجهة للاسرائيليين الحضور وللمشاهدين له عبر شاشات التلفزة، شدد على سلام مبني على الشرعية الدولية باعتبارها الاساس الذي يمكن البناء فوقه، غير أن معظم التنازلات الفلسطينية كانت اقل من قرارات الشرعية الدولية. بدأ التنازل الفلسطيني الكبير في العام 88 عندما اعترف المجلس الوطني بقرار 242 الذي اقر بحدود الرابع من حزيران عام 67 كحدود لاسرائيل. وكان هذا يعني بحسب عكيفا إلدار التخلي عن 78% من مساحة فلسطين الانتدابية، كان ذلك شرطا لقبول الإدارة الأميركية التحاور مع المنظمة، دون ان تعترف إسرائيل او الولايات المتحدة بدولة فلسطينية على 22% هي ما تبقى من فلسطين.
الاعتراف بقرار 242 افقد قرار التقسيم رقم 181 مضمونه والذي خصص 45% من مساحة البلاد للدولة الفلسطينية ما عدا القدس التي دعا القرار الى تدويلها. بمعنى آخر جرى التسليم بضم 23% من المساحة المخصصة لدولة فلسطين الى إسرائيل دون اي مقابل. اي جرى التسليم بنتائج هزيمة الانظمة العربية وميزان القوى الذي تمخض عنها.
وعندما يتم الحديث عن تبادل طفيف بالقيمة والمثل في الاراضي لتسهيل الحدود، فالمقصود هنا التكتلات الاستيطانية التي شيدت على مواقع حيوية جدا سواء لجهة التحكم والسيطرة او لجهة ان هذه المناطق هي من اهم واخصب المناطق الزراعية الفلسطينية، إضافة الى انها تحتوي على مخزون المياه الرئيسي، وهنا يصبح توزيع المياه وفقا للقانون الدولي مختلا الى حد كبير لصالح اسرائيل. تقع هذه المناطق في محيط مدينة القدس، وفي الجنوب الذي يضم كتلة كفار عتصيون الاستيطانية، وتكتل أريئيل الاستيطاني في الشمال. هذه المواقع وغيرها جرى اقتطاعها وضمها عمليا من طرف واحد بجدار الفصل العنصري.
مقابل ذلك فإن الأراضي المزمع تقديمها هي اقل قيمة وأهمية ومساحة في اكثر العروض الإسرائيلية والأميرية سخاء، وفوق ذلك ورغم ان المفاوضات لم تتوصل الى اتفاق بشأن أراضي التبادل فإن الحكومات الإسرائيلية تعاملت مع هذه المناطق باعتبارها مناطق إسرائيلية ناجزة السيطرة، وتستخدم الموافقة الفلسطينية المبدئية على التبادل لمضاعفة الاستيطان داخلها، بيد ان حكومة الاحتلال تتعامل بشكل نقيض مع كل ما له صلة بالحقوق الفلسطينية وبالأراضي الفلسطينية وفقا للمعادلة التي وضعها ايهود باراك : لا شيء متفقا عليه إلى أن يتم الاتفاق على كل شيء" . أما قضية اللاجئين فقد منحت مبادرة السلام العربية إسرائيل حق نقض الحل الذي ينص عليه قرار 194 ، دون الإشارة إلى مسؤولية إسرائيل عن خلق هذه المشكلة، ودون الزامها بتطبيق هذا القرار.
تنازلات وإغراءات من قبل الضحية المكبلة بشروط الاحتلال والفصل العنصري، وتنكر من قبل دولة الاحتلال، او كما قال الرئيس في كلامه الموجه للإسرائيليين. "عندما نقدم شيئا يتم وضعه في الجيب ويقولون نريد غيره." متوالية بدأت في العام 74 واستمرت حتى الآن بوتائر كبيرة وباندفاع شديد. السؤال الذي يطرح نفسه، هل عملية سياسية من هذا النوع الذي يتحكم فيها ميزان قوى وثقافة توسع كولونيالي وفصل عنصري ستؤدي الى حل سياسي يلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية؟ منطق التفكير السياسي للإدارة السياسية والأمنية الإسرائيلية يقول لا. ستستمر دولة الاحتلال بوضع التنازلات الإضافية في جيوبهم والبحث عن تنازلات جديدة. وسيجردون الشعب الفلسطيني وحركته السياسية من كل عناصر قوتهم. ليس لديهم غير بناء نظام حل عنصري يسيطر على الشعب الفلسطيني. وهذا هو السلام الاميركي الاسرائيلي.
خلاف "حماس" و"الأونروا"..!!
بقلم: حسن خضر – الايام
تتصرف "حماس" في غزة باعتبارها دولة مستقلة. والدليل: خلافها مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) حول مناهج التعليم، في المدارس التي تديرها الوكالة في القطاع. قبل أيام، عبّر ناطق باسم وزارة تعليم "حماس"، في غزة، عن الخلاف حول تدريس مادة حقوق الإنسان، بالقول إن الوكالة: "تجاوزت القوانين والأعراف المتبعة".
من القوانين والأعراف المتبعة أن الوكالة تلتزم بالمناهج المعتمدة في مناطق عملياتها. وهذا ما عبّر عنه ناطق باسمها قائلاً: ليس للوكالة مناهج تخصها "فهي لا تدرّس إلا المناهج التي وافقت عليها السلطة الوطنية الفلسطينية".
يعني، "حماس" لا توافق على مناهج تعليمية وافقت عليها السلطة، وتعتقد أن الوكالة إذا اشتغلت في غزة فهي تشتغل في منطقة عمليات مستقلة. ألا يُسهم تفكير كهذا، وكل ما يتجلى من ترجماته المحتملة على الأرض، في ترسيخ حقيقة انفصال، وفصل، غزة عن الضفة الغربية، على مستوى الوكالات الدولية، أيضاً؟
لا بأس. ولكن لماذا تعترض "حماس" على مادة حقوق الإنسان، وتطالب الوكالة، بوقف تدريس المادة المذكورة، وسحب المناهج غير "المُرخصة" من التداول؟ في الكلام عن المُرخّص وغير المُرخص ما يحيل إلى السؤال السابق، طالما أن "حماس" صاحبة، ومرجعية الترخيص.
ولا بأس، أيضاً. المهم أن "حماس" تعترض على المادة المذكورة لأن: "المناهج غير المُرخّصة معزولة تماماً عن واقع الطالب العربي الإسلامي الفلسطيني"، كما قال الناطق باسم وزارة تعليمها.
وهنا، يتبادر أكثر من سؤال إلى الذهن: من يملك الحق في تعريف واقع "الطالب العربي الإسلامي الفلسطيني"، وقبله من يملك الحق في تعريف "الطالب العربي الإسلامي الفلسطيني" نفسه؟
فالطالب "العربي الإسلامي الفلسطيني" يعيش في مناطق مختلفة من العالم، كلها خارج سيطرة "حماس"، ما عدا قطاع غزة. لذا، يصح الكلام، مثلاً، عن "الطالب العربي الإسلامي الفلسطيني" في قطاع غزة. مع ملاحظة أن الطالب العربي الفلسطيني في قطاع غزة يمكن أن يكون مسيحياً، أيضاً. ومع ملاحظة أن صفة الإسلامي تبدو مُقحمة على السياق، فالمسلم ليس إسلامياً، بالضرورة.
على أية حال، فهمنا أن المناهج "غير المرخصة" معزولة تماماً عن واقع "الطالب العربي الإسلامي الفلسطيني"، ولكن كيف؟ هذا ما يُفسره الناطق من خلال قائمة من الأسماء، والأحداث التاريخية، التي يرى فيها دليلاً على المنعزل، والمعزول ومنها: غاندي، ومارتن لوثر كنغ، وانتفاضات السود في جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري.
وعلاوة على هذا وذاك، في مادة حقوق الإنسان "إسراف في الحديث عن ويلات الحروب، وآثارها السلبية"، أما ثالثة الأثافي فتتمثل في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في نهاية الكتب المدرسية، على الرغم مما فيه من مخالفات دينية واضحة".
الأخبار السيئة، التي يجب أن تسمعها "حماس": أن مناهج التعليم المركزية، ذات التوّجهات الأيديولوجية، فشلت في كل العالم. كان الطلاّب في الجامعات السوفياتية هم الأكثر كراهية للنظام الشيوعي، وفي السعودية أدى تديين المناهج التعليمية إلى ولادة ظاهرة الإرهاب، التي تهدد الدولة السعودية نفسها.
وبعد إنشاء الدولة الإسرائيلية، تعلّم الطلاب الفلسطينيون، في الجليل، والمثلث، والنقب، في مدارس ترفع العلم الإسرائيلي، وتدرّس مناهج وزارة المعارف الصهيونية، التي استهدفت تنظيف أدمغتهم من القومية، والعروبة، والوطنية، وفلسطين. ولكن هذا كله لم يحل دون ظهور محمود درويش، الشاعر القومي للشعب الفلسطيني، وكوكبة من الشعراء، والكتّاب، والفنانين، وهم أكثر وطنية، وعروبة، وفلسطينية، من كثيرين درسوا في مناطق أخرى من العالم.
وقد سبق لقادة "حماس" أنفسهم أن تعلموا (كلهم على الأرجح) في مدارس الوكالة، التي كانت قبل عشرين، أو ثلاثين عاماً، أقل ميلاً إلى المحافظة، وأبعد عن التديّن مما هي عليه الآن، ولكن ذلك لم يحل دون اعتناقهم لأفكار كانت خارج المناهج الدراسية، بل وفي تناقض معها.
بمعنى آخر، تحويل المدرسة إلى أداة للهندسة الاجتماعية مشروع فاشل. فلا المناهج تُسهم في "تدجين نفسية الطالب الفلسطيني"، كما يعتقد الناطق باسم وزارة تعليم "حماس"، ولا يوجد "البديل الإسلامي العربي الفلسطيني" لغاندي، ومارتن لوثر كنغ، وانتفاضة السود في جنوب أفريقيا. فهذه نماذج تاريخية، وتاريخ العالم، تاريخنا، أيضاً.
المهم أن الكلام حول المناهج جاء في الأسبوع نفسه، الذي شهد زيارة وفد من "فتح" لقطاع غزة، واجتماعه بممثلين لـ "حماس"، وظهور الطرفين على شاشة التلفزيون للكلام عن المصالحة، وإنهاء الانقسام..الخ. وقد أعقب اجتماع الطرفين اجتماع "للفصائل"، في غزة، أكد فيه المجتمعون على "ضرورة مواجهة المخاطر، الناجمة عن خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري".
لم يلفت خلاف "حماس" مع "الأونروا"، حول مسألة تخص حياة، وثقافة، ومستقبل، ربع مليون طالب فلسطيني، في مدارس الوكالة في غزة، اهتمام الفصائل، ولا أحد من الداعين إلى مواجهة المخاطر، الناجمة عن خطة كيري، ولم تُثر مسألة إصرار "حماس" على تعامل الوكالة معها باعتبارها سلطة مستقلة تملك الحق في ترخيص المناهج، في اجتماعات "المصالحة"، أو الفصائل. وحتى الصحافة الفلسطينية نفسها، لم تهتم بالموضوع.
الكل مشغول بما هو أهم وأبقى. ولا أعرف ما هو الأهم والأبقى، ولكن جزءاً منه، على الأقل، يمكن العثور عليه في خلاف "حماس" مع "الأونروا" حول مادة حقوق الإنسان، ولماذا زعلت الأولى من الثانية.
رأيتك في الشارع
بقلم: زياد خدّاش – الايام
لم يسألني أحد في الشارع عن الذي حدث؟ لم يقترب أحدٌ ليلمس بعينيه تفاصيل الواقعة، لم يتعاطف معي أحد، لم يشفق على ساقيّ الآيلتين للبكاء عاملُ بناء مجاور، لم تتوقف الصيدلية القريبة من فمي عن بيع المهدئات، لم يخفّف موكب الرئيس من سرعته، لم يُشر طفلٌ يمسك بيد أمّه نحوي، لم تقع جريدة من يد رجل رأى الذي حدث، ولم يتصل أحد بالطبيب أو بالصحافة أو بالله أو بأصدقائي المقربين أو بأبي، لم تتوقف المكتبات عن بيع (قواعد العشق الأربعين)، لم تتوقف يدا شرطي السير عن الحركة، لم تتوقف السيارات عن الاستجابة ليديه، لم يطر الحمام من صخب الحادثة. لم تغلق المدارس أبوابها، ولم يتوقف مدرسو الجغرافيا عن الثقة بالسبورة والطاعة والعصا والخارطة. كل شيء في رام الله واصل وجوده، إذ ماذا يعني أنّي رأيتك في الشارع؟
تغريدة الصباح - الخاطرة المنكودة
بقلم: أحمد دحبور – الحياة
ما أظن انني تعثرت في كتابة زاوية صحفية كما تعثرت هذه المرة، فقد تحالف وضعي الصحي الطارئ مع مزاجي المتعكر لعرقلة هذه المادة، وقديما كان العرب يتطيرون ويتشاءمون من كثافة المصادفات السيئة، حتى انهم قالوا:
كل شيء قاتل حين تلقى أجلك
وواقع الأمر اننا لا نقرر آجالنا، ولكن يحدث ان تغلب النظرة السوداوية على المشهد عندما تتضافر مجموعة من المعيقات الصغيرة وتلقيك خارج التلقائية التي عودت نفسك عليها.
فان ينفد حبر القلم فجأة، او يختفي المرجع الذي تحتاجه، ولو الى حين، او ان يقع حادث صغير او كبير في الجوار فيشغلك، هي مصادفات تتجمع لتقول ان الاشياء لا تكون دائما على ما يرام، على أننا من وجهة نظر مختلفة، نرى ان تأويل الوقائع يمكن ان يكون ايجابيا عندما يسمح المزاج الصافي بذلك التأويل، ولعل قصص العرب تغص بكثير من الوقائع التي يجري تأويلها حسب الوضع النفسي لمن يقوم بعملية التأويل.
أي ان التاريخ هو حركة موضوعية ونحن الذين نتأثر بأحداثه سلباً وايجاباً، ولعلنا نذكر قصة الفتية الضائعين في الصحراء وقد اعطاهم احد العرافين علامة ما، فرأى بعضهم انهم سيعثرون على فرصة النجاة بعد خمس علامات، فيما رأى بعضهم الآخر ان ما بقي لهم من فرص النجاة لا يتعدى خمس علامات، ولم يكن الاساس هو الاخذ بتلك النظرة المتشائمة او هذه النظرة المتفائلة، بقدر ما ان الاساس هو ان يبحث الضائعون عن سبل النجاة والعمل على ذلك.
ها أنذا استطرد في متابعة الافكار المتوالدة من بعضها حتى ليمكن ان يصل بي الاستطراد الى السياسة او قراءة الطقس او الايغال في التأمل وحتى لا يكون هذا الكلام مجرد حيلة للتغلب على بياض الصفحة التي يجب ان املأها، فانني أتوسع بالسؤال حتى ليتجاوز خاطرة مسيرة يصعب ان تكتمل، الى سؤال اوسع يتصل بالحياة وما نريد منها وما نستطيع او لا نستطيع احرازه في رحلتنا الوجودية على الارض.
وعن طريق التداعي لا اكثر، أذكر مقالة للمفكر الراحل الكبير محمود امين العالم بعنوان «بلاش فلسفة»، يلاحظ فيها ان الثقافة الشعبية السطحية تتهيب الخوض في مناقشة الافكار التي لها اول وليس لها آخر، فترى احد المتحاورين يقول: بلاش فلسفة.. بمعنى انه لا يريد تعقيد النقاش في امور الحياة التي قد تكون بسيطة تماما، ليخلص العالم ان ذلك التعبير يشي بالخوف من التفكير، اذ علينا ان نفكر وان نتفلسف وان نسأل، حيث لا معنى للحوار، أي حوار، اذا لم يكن السؤال هو دليلنا الى ما نريد.
واذا التزمت بفكرة الاستاذ العالم، فانني أسأل، والسؤال هو: كيف نعرف أي شيء اذا لم نسأل؟ ألم تكن مفاتيح رؤيتنا للوجود هي كيفية ادارتنا لأدوات الاسئلة من كيف الى متى الى ماذا الى لماذا الى كم الى أين؟
والواقع ان كل واحدة من هذه الادوات هي مفتاح لمعرفة من نوع خاص، وان كانت المعرفة الجادة تقتضي الخروج من التجريد شيئاً فشيئاً وصولاً الى قراءة الواقع بتفاصيله. على ان المفارقة التي تكمن وراء هذا الاسترسال، هي ان الاسئلة بحد ذاتها ليست حلولا الا اذا كان ثمة وعي وتصميم على الوصول الى فكرة معينة، وسؤالي البريء - وقد يكون ماكراً - هو: الى اين أريد ان أصل؟ حسناً انني أجاهد للوصول الى الآخر، الذي هو القارئ في الحالة التي أنا فيها، فأنا لا أكتب زاعماً انني أقدم الفائدة بل انني أبحث عن هذه الفائدة بوصفها الانفتاح على الآخر والدق على جدران الخزان المصمت - حسب تعبير شهيدنا غسان كنفاني- فما لم يسمعك الآخر او يتجاوب معك فان ضجيجك لن يوصلك الى مكان.
والآن، وحسب نقلة نوعية في التفكير كما أرى، هل أقول ان هذه الخاطرة من شأنها ان تنسحب علينا وأن تتحول الى سؤال فلسطيني؟
أجل، والسؤال هو: الى أين وبمن؟ واذا كنا مدركين جميعا اننا نقصد الخلاص الوطني، واننا نستخدم لذلك حضورنا الجمعي فهذا يعني ان هذه الاسئلة لم تكن مجرد تداعيات ذهنية، فالذهن الفلسطيني مشغول منذ اكتشافه بسؤال العدل والحق الذي تألق وتأنق حتى اخذ اسم فلسطين.
عند هذا الحد أعتذر لمن يتهمني بالخروج على الموضوع، ولكن فلسطين هي الموضوع ونحن فيه..
الاستقرار العربي ما زال بعيدا
بقلم: يحيى رباح – الحياة
انتهى (جنيف 2) بعد وصوله الى طريق مسدود دون تحديد مواعيد جديدة, والعناوين التي اعقبت الفشل هي عناوين غامضة مثل وعد الرئيس باراك اوباما بالمزيد من الضغط على النظام السوري, مع ان النظام السوري احرز في الشهور الاخيرة نجاحات ميدانية واسعة, كما انه تعاون بشكل كبير في الملف الكيميائي وفي الوضع الانساني في حمص وفي مخيم اليرموك ولكن النجاح الاكيد الذي حققه النظام السوري تجسد في المصالحات الداخلية التي شملت حتى بعض من حملوا السلاح في وجهه, وهذه المصالحات اضعفت المعارضة الخارجية السورية الممثلة بالائتلاف الذي ثبت انه لا يؤثر بشكل فعال على الارض, وان المعارضة السورية في الداخل لا تنتمي اليه !!! وهكذا بعد (جنيف 2) تعود الامور الى نقطة الصفر، فيعود الكلام عن تزويد المعارضة بسلاح فعال, فهل اتفقت الاطراف الدولية وعلى رأسها اميركا على هذه الخطوة ام ان المحاذير ما زالت قائمة, اما الحديث عن العودة الى مجلس الامن, فان التوازن في مجلس الامن مازال على حاله لم يتغير, فلقد تعطل مشروع قرار حول المساعدات الانسانية بسبب معارضة روسيا والصين, فكيف حين تطمح بعض الاطراف الاقليمية بقرار على غرار القرار الذي صدر بشأن ليبيا قبل نهاية القذافي؟ خاصة وان الوضع في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي لم يتبلور بصيغة تشجع اللاعبين في الملف السوري.
اعتقد ان موقف روسيا الملتزم مع النظام السوري حقق سمعة طيبة، واعتقد ان زيارة المشير عبد الفتاح السيسي الى موسكو هي اكبر دليل على ذلك, ودليل على ان اتخاذ قرار ضد سوريا في مجلس الامن ليس بالأمر السهل.
ولكن هذا معناه ايضا ان المتورطين الاقليميين في الصراع السوري لن يوقفوا اللعبة بسرعة, فبعض هؤلاء مثل اردوغان في تركيا ليس امامه سوى التدخل الفج في سوريا وفي مصر للتغطية على التغيرا ت الكبرى التي تجري في تركيا نفسها, خاصة بعد انفضاح ملف الفساد المدوي, ومحاولة اردوغان ان يرد على ذلك بتغيرات حادة في جهاز الشرطة وفي هياكل القضاء التركي, الامر الذي يرشح تركيا بامكانية الغرق في مستنقع الاضطراب الداخلي التي كانت تتباهى بدورها في تأجيجه لدى الاخرين.
في هذه الاثناء: يتضح ان الاستقرار العربي الذي من شأنه ان يعيد للدور العربي مكانته مازال بعيدا, وقد يخطئ العرب مرة اخرى في اعطاء اميركا وحلفائها قرارات تغطية بالمجان كما حدث في النموذج الليبي، وكما حدث في حرب الخليج ايام صدام حسين، وكما حدث في القمة العربية في بيروت 2002 التي انعقدت بغياب الرئيس عرفات الذي كان محاصرا بقرار اسرائيلي وقرار اميركي في المقاطعة برام الله.
هذا الغياب للدور العربي وللثقل العربي الآن, يجعلنا فلسطينيا ملزمين بالحذر ودقة الحسابات في مواجهة اخطر مرحلة من مراحل العدوانية والعنصرية الاسرائيلية المتمثلة ببدعة الدولة اليهودية حيث هناك خلاف عميق منذ انشاء اسرائيل على تعريف مصطلح اليهودية، ناهيكم عن الحقن العدواني والعنصري الذي تحقنه حكومة نتنياهو.
صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (10) ..... عودة الدين إلى ملاذات الدولة الشمولية..
بقلم: فخري كريم – الحياة
مهّد صعود الاخوان المسلمين في مصر وامتداد التنظيمات الاخوانية في بلدان عربية وإسلامية تحت مسميات مختلفة، لظهور نمطين متجاورين، مترابطين، مع بعض الاختلاف والتباين، من الصراع في المجتمعات العربية الاسلامية: الصراع داخل المجتمع تحت شعار احياء القيم الاسلامية، ونبذ الافكار والقيم الغريبة والدخيلة عليه، من داخله ومن الاخر المضاد الوافد، وقد عرف هذا بالصحوة الإسلامية فيما بعد.
والصراع المتميز بالاصطفاف مع النظام السياسي، وسلطته، في مواجهة حركات التقدم والتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي.
وكلما كان الحراك السياسي - الاجتماعي اكثر تجذراً ونفوذاً، كان الميل نحو الاصطفاف مع الدولة "النظام - السلطة" في مواجهة حركات التغيير والتقدم، أشد وضوحاً وأعمق تأثيراً في الاوساط الشعبية المتروكة للأمية والفقر والجهل السياسي.
وقد شهد النصف الاول من القرن العشرين، نهوضاً عارماً للحركة الوطنية الشعبية، على قاعدة النضال في سبيل التحرر الوطني والاقتصادي والاجتماعي ضد الهيمنة الاستعمارية من جانب، وفي مواجهة الظلم والعسف واللامساواة في المجتمع، من جانب آخر.
ولم يكن ممكناً الفصل بين النضالين، الداخلي والخارجي، ضد الاستعمار من جانب، وضد الاقطاع والطبقات والفئات الطفيلية المعتاشة على فضلات الأجنبي من الجانب الآخر. وهذا الترابط صار هدفاً لشريحة من وعاظ السلاطين ممن يعتمرون لفائف رجال الدين، في غيبة من صحوة رجالاته البارزين، واحياناً في مواجهتهم.
واستطاع الوعاظ، وعدد غير قليلٍ من الاوساط الدينية تمرير كمائن الدوائر الاستعمارية المهيمنة على ارادة الدولة الشمولية التابعة، وكانت تشكل بمجملها، على كل حال، النظام العربي- الاسلامي الرسمي، والسعي لاظهار الصراع الوطني، بمضامينه الاجتماعية التقدمية، كمنازلة بين القيم والشرائع السماوية والافكار الوافدة "الهدامة- الدخيلة" على تقاليد المجتمع وأفكاره وعاداته المتوارثة. وفي مناخات هذه "المنازلة" تأسست منظمات وحركات وأحزاب دينية، تنطلق من الوقوف ضد الحركات والأحزاب "الهدامة- الملحدة"، أي في مواجهة الحركة الوطنية بكل فصائلها، دون تمييز، مستندة الى حيثيات الدولة الشمولية "القانونية" في محاربة هذه الفصائل، وتكفيرها، ومحاولة عزلها عن جماهيرها، ونبذها اجتماعياً.
وكان برنامج "على مائدة القرآن" الاذاعي، على سبيل المثال، أحد الادوات والوسائل التحريضية التي برزت في الخمسينيات في مواجهة المد الوطني في العراق. كما برزت صيغٌ مماثلة اخرى في البلدان العربية والاسلامية. وجرى استخدام مساجد ومناسبات دينية، لاشاعة مناخٍ شعبي، متشكك بما يدور حوله من صراع تخوضه الحركة الوطنية، وفي اي اتجاه يتبدى استهدافها للدين وقيمه وشعائره. وقد استفادت قوى الاسلام السياسي الرسمية من بعض ردود الفعل "الطفولية" في الحركة الوطنية، التي ابتلعت "الطعم" ولم تفرق بين دعوات الطارئين على المؤسسة الدينية من وعاظ السلاطين، ورجالات الدين الافاضل الذين ساندوا العمل الوطني، حيث شاركت قامات بارزة منهم في النشاطات والفعاليات الداعمة. وبدا احياناً، كما لو ان النضال الشعبي الوطني، يرى في المؤسسة الدينية، ومراجعها دون تمييز، هدفاً له. ودخلت الاجهزة الامنية والطابور الخامس على خط النشر الواسع للاشاعات المغرضة المشوهة التي استلّت لتغذية حملتها، عبارات وجملاً من مفكرين كبار، مقطوعة عن سياقاتها التاريخية، ومفرّغة من معانيها، مثل قول كارل ماركس الشهير "الدين افيون الشعوب" الذي قيل في وصف النشاط الكنسي في حقبة بيع "صكوك الغفران"، وحين شاركت الكنيسة في ردع الحركات الشعبية المناهضة للأنظمة الملكية الثيوقراطية المستبدة في وأوربا، دون ان يقترب في معناها من العالم العربي والدين الإسلامي.
لقد شهد الصراع الوطني في عموم البلدان العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، اندماجاً عضوياً بين التحرر السياسي والاجتماعي. وفي بلدٍ مثل العراق، على سبيل المثال، كان الاقطاع العدو الطبقي المباشر للطبقة الاوسع والاكثر مظلومية في المجتمع العراقي. وكان الاقطاع و"الكومبرادور" الطفيلي القاعدة الاجتماعية للسيطرة الاستعمارية على العراق، ونتاجاً لها، ولم يكن ممكناً فصل النضالين عن بعضهما، او تأجيل احدهما، وعدم ادراجه في برامج وشعارات الاحزاب الوطنية والنقابات العمالية والجمعيات الفلاحية والمهنية.
وكان خيار وعاظ السلاطين، الوقوف بوضوح وبالاعتماد على مفاهيم مسطحة للدين وآياته وتراثه، ضد مطالب الفلاحين العادلة وشعاراتهم مثل ان "الارض لمن يفلحها" و"الفلاح أخو الفلاح وعدوهما الإقطاع". ولعب هذا الموقف دوراً تنويرياً عميقاً بين صفوف الفلاحين الفقراء، الذين انتبهوا الى عملية تشويه اغراض الاحزاب الوطنية التقدمية وأهدافها. وعلى نفس المسار كان يحتدم الصراع مع الاتجاهات الرجعية المتلفعة بعباءة الدين، على اكثر من محور وفي ميادين التحديث الثقافي والاجتماعي، حيث جرت مواجهة حركة تحرير المرأة بوصفها نصف المجتمع "المعطّل الأسير" في البيت، والتنديد برافعي شعاراته والمطالبين بتحقيقه.
ونظرة متأنية لمشهد تلك المرحلة تكشف اشتداد الصراع على هذا الصعيد بين الإسلام السياسي وحركات التحرر والتقدم، في البلدان التي تتميز بتعزز مواقع القوى الاجتماعية الجذرية الناهضة، الطامحة للتغيير والتقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
وكانت مصر في طليعة المنطقة، ومعها العراق وسورية والسودان، التي شكلت مجتمعاتها منصاتٍ متقدمة في النضال ضد الإمبريالية والرجعية ووعاظ السلاطين كاسري حركات التحرر والتقدم وأدوات الدولة الشمولية.
وفي طيّات هذا، تغذّى التطرف والتشدد، في المجتمعات العربية الاسلامية من عباءة تلك المرحلة، لتصير لهما أُطُرٌ وأحزاب وادوار بالغة السطوة على المجتمع وشديدة الوقع على نبضه ومستقبل خياراته على طريق التطور، مع تهيئة فكرية عن طريق ما نُظر للحاكمية والثورة الدينية على المجتمعات الجاهلية، حسب ما وصفوا به مجتمع المسلمين، فتدرّج الأمر مع وجود ظروف مساعدة كقضية أفغانستان، والتدرب على الجهاد انتحاراً، فالثورة الإيرانية، التي جذبت الإسلام السياسي السُّني بقوة، فصارت في مخيلتهم الدولة الإسلامية الشمولية قاب قوسين أو أدنى. يتبع...
شطب الديانة وردة فعل حماس
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
أثير لغط غير مبرر من قبل قادة وانصار حركة حماس على قرار الرئيس ابو مازن القاضي بالغاء بند الديانة من بطاقة الهوية الشخصية. وذهب البعض بعيدا في تفسير دلالات الخطوة. وعاد بعضهم للضرب على وتر " شرعية" الرئيس، كي يقولوا غير مسموح شطب بند الديانة، انسجاما مع توجههم وخلفيتهم العقائدية الدينية.
لم يكن موقف وردة فعل حماس الانقلابية مثيرا أو مفاجئا, لأن قيادة الانقلاب القائمة على ركيزة القاعدة الدينية، وعملت فعليا على تمزيق وحدة الارض والشعب، ومازالت حتى الآن تختطف محافظات الجنوب من حضن الشرعية، لا يمكن لها إلا ان ترفض التوجه الوطني المنسجم مع روح وهوية وشخصية الشعب العربي الفلسطيني.
توجه الرئيس محمود عباس، لم يكن توجها انفعاليا أو ردة فعل على حدث ما أو خروجا عن مرتكزات القانون والنظام ومصالح الشعب الفلسطيني؛ لا بل ان خطوته المتأخرة تنسجم اولا مع النظام الاساسي ( الدستور)، الذي ينص على المساواة بين المواطنين الفلسطينيين بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين أو العمر؛ ثانيا, يعمق عملية الصهر لأبناء الشعب الفلسطيني في بوتقة الوطنية، والدفاع عنها؛ ثالثا, انسجام الخطوة مع قرارات ومواثيق الشرعية الدولية وحقوق الانسان وقيم الحرية والعدالة الاجتماعية. رابعا, كما انه ينسجم مع الهوية القومية العربية، التي ينتمي لها الشعب الفلسطيني أسوة بشعوب الامة العربية.
السؤال الذي يطرح نفسه على قيادة الانقلاب الحمساوية ومن لف لفهم، لماذا يرفضون إلغاء بند الديانة من الهوية الشخصية؟ وما هي المصلحة في بقاء ذلك البند؟ وأي قيمة سياسية أو ثقافية معرفية أو حقوقية له؟ وهل ازالة البند تؤثر على الانتخابات مثلا؟ ام ستؤثر على الترشح لهذا أو ذاك من المواطنين للانتخابات أو على حصته من الميراث مثلا؟ اين هي الاسباب الموضوعية والمنطقية للاعتراض؟ وهناك كم غير قليل من الاسئلة تدور في ذات الحلقة، ولكن قيادة الانقلاب الحمساوية لا تملك جوابا سوى الديماغوجيا الدينية التخريبية، لتعميق انقسام وتفتيت وحدة الشعب.
لا يوجد اي مبرر منطقي ووطني يملي وجود بند الديانة في الهوية الشخصية. ووجودها كان بقرار سلطات الاحتلال الاسرائيلية، التي هدفت الى تعميق انقسام وتشرذم الشعب العربي الفلسطيني، كما فعلت مع ابناء الشعب الذين تجذروا في ارض الآباء والاجداد داخل الخط الاخضر، حيث قسمتهم الى ( مسلمين ومسيحيين ودروز وشركس ... إلخ) اولا لأنها تريد تعميم مفاهيمها ومعتقداتها التفتيتية المستندة الى الابعاد التمييزية الدينية، لاسيما انها كدولة استعمارية قامت على الطابع الديني، الذي حاولت إلباسه ثوب " القومية"، وهي براء من هذا التوصيف، لأنه لا يمت بصلة للقومية. ثانيا وكونها تعتمد تاريخيا قانون ومبدأ " فرق تسد!" الانجليزي، وتثبيت بند الديانة يعني تثبيت التشرذم، لتتمكن دولة التطهير العرقي الاسرائيلية من الانتصار على الشعب الفلسطيني من خلال ادخاله في دوامة التناقضات التناحرية على اساس ديني بدل ان تتوحد في بوتقة الوطنية وتدافع عن مصالح الشعب العليا.
هذا المنطق مرفوض من كل وطني بغض النظر عن انتمائه الفكري والسياسي والثقافي والديني أو جنسه البيولوجي. وبالتالي من ينادي ببقاء بند الديانة لا يمت للوطنية بصلة. وهذا لا يعني رفضا للدين، فالدين والانتماء له، هو حق طبيعي لكل انسان, لكن هذا الانتماء لا يشكل بحال من الاحوال عنوانا من عناوين الوطنية، لأن اتباع هذه الديانة أو تلك، هم من شعوب الارض قاطبة. لأن الدين ذا بعد اممي ليس محصورا في شعب بعينه. ومن ينادي بوضع بند الديانة في الهوية الشخصية يتساوق مع الرؤية الاسرائيلية.
المنطق الوطني يتطلب من جميع القوى الوطنية التصدي لنزعات حركة الانقلاب الحمساوية، ومحاصرتها وعدم السماح لها بتعطيل وتمزيق وحدة الارض والشعب والشخصية الوطنية الفلسطينية.
هذا الاقتصاد لا يصنع نصراً!
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
آلمني كثيراً ما كتبه أحد الصحفيين الفلسطينيين على صفحته على شبكات الإعلام الاجتماعي عن عمال التقاهم على حاجز نعلين الجاثم على أراضي القرية المحاصرة فسألهم عن طبيعة عملهم فأبلغوه بأنهم يعملون في حفر القبور داخل الخط الأخضر، ليعلق الصحفي المذكور فيقول إن إسرئيل تغزو الفضاء بينما يعمل إخوتنا وأبناؤنا في حفر القبور فيها رغم أنهم يحملون شهادات جامعية من جامعات فلسطينية كبيرة ومرموقة.
وسبب ألمي الشديد هو إخفاقنا مجتمعين في إيجاد حياة كريمة لخريجينا تجنبهم المذلة والعمل المضني على تنوعه، إضافة إلى كوني كغيري ممن أرادوا لعقود أن يمتلك شبابنا وخريجونا القدرة على حفر قبر الاحتلال إلى غير رجعة لا أن يعملوا أُجراء بهذا الشكل وبهذه المهانة.
وكوني لا أريد أن أدخل في معركة الاتهام وتحميل المسؤولية لأحد فإنني ودون شك أود القفز عن الأنين إلى اقتراح الحلول التي من شأنها فتح الباب أمام الخريجين لاستعادة روح الريادة التي قتلت على مدار العقدين الماضيين لتعاود الظهور بفعل تهافت المانحين إبان ما سمي بالربيع العربي وتبنيهم وتشجيعهم لهذه "الموضة".
أول الحلول هو في المدرسة التي من المفترض أن تكون قادرة على خلق الروح الريادية القائمة على الابتكار والإبداع. ثانيها في الجامعة التي وجب أن تولي أبناءها التوجيه الريادي المرتبط باحتياجات السوق أولوية قصوى. وثالثها لدى الحكومة الفلسطينية التي تستطيع اتخاذ قرارات وإقرار توصيات من شأنها تشجيع ثقافة الريادة وتحفيزها.
ولا أخفي في هذا السياق شعوري الكبير بضرورة تأهيل القطاع البنكي لتسهيل وصول الخريجين إلى المال خاصة وأن البيروقراطية والشروط الكثيرة ما زالت تتنافى وروح الريادة المتصاعدة لدى الشباب. وقد يكون لسلطة النقد القدرة على الدخول على خط البنوك لتسهيل وصولهم إلى بيئة ريادية متقدمة.
فخيارنا اليوم لم يعد قائماً على الشكوى والأنين بل وجب التدخل الجراحي المهم الذي ينقلنا من لعن الظلام إلى إضاءة شمعة نستطيع معها الاهتداء نحو السبيل القادر على نقلنا من براثن الإحباط إلى مواطن التغير والإنجاز.
وأهم خطواتنا لا بد وأن تشتمل على ضبط إيقاع المبادرات الريادية المتهافتة على فلسطين والفاقدة للتنسيق والمغردة على هواها. فتنظيم تلك المبادرات ليس هدفه إحباطها وإنما ضمان التنسيق بين القائمين عليها وصولاً إلى حالة واضحة من الاستدامة.
فاقتصادنا الفلسطيني المعال دولياً يتطلب طلباً رسمياً فلسطينيا يقضي بضرورة تسجيل وتنسيق المبادرات وجمعها تحت مظلة واحدة تدعى إليها دورياً بغرض الاطلاع وسماع وجهات النظر وتعزيز التواصل والتآلف بين الجميع على أرضية التكامل والمثابرة.
تسعون مبادرة ريادة تشغل الفلسطينيين هذه الأيام يمول معظمها مال المانحين أو مؤسساتٍ دولية، لكن أثرها على الاقتصاد الوطني وعلى خفض اعداد الخريجين العاطلين عن العمل ما زال غائباً.
اليوم أربعون ألف خريج يتنافسون على 2000-3000 وظيفة سنوياً أي بمعدل يصل إلى عشرين متنافساً على وظيفة واحدة لن تستوعب في نهاية المطاف إلا موطفاً أو عاملاً واحداً.
بهكذا اقتصاد لا نصنع تحرراً ولا ننتصر لوطن بل نستمر في حفر قبر كبير فأكبر للتنمية المستدامة ومسيرة التحرير. فمن يريد وطناً حراً يجب ألا يكتفي بالأمنيات بل ينتقل نحو الخطوات العملية الكفيلة بالتغيير.
والخطوات على كثرتها لا تحتاج إلى خبرات في مجالات الصواريخ النووية والمحركات النفاثة والقنابل الذرية وغزو الفضاء.
ترتيب أولويات الإنفاق وضمان التوجيه الريادي وتقليص الإجراءات البيروقراطية وتسهيل الوصول إلى المال وتوجيه عقلاني للمسؤولية الاجتماعية للشركات وإجبار المانحين على توجيه المال باتجاه الأولويات الفلسطينية كلها أمورٌ وخطوات نستطيع الإقدام عليها. وإلا فلماذا نحتاج لصندوق وطني للتشغيل والحماية الاجتماعية وتعليم وتدريب تقني وخدمات عامة وخطط وقرارات ومدارس وجامعات وبنوك وشركات؟ لنستمر في حفر القبور في زرنوقة "رحوفوت" وبيت الشمس "بيت شيمش" وغيرها؟
اقتصادنا على حاله لا يصنع نصراً، وتقصيرنا في تنظيم المبادرات الريادية الشبابية وتعزيز التربية الريادية لا يصنع تنمية، ومكابرتنا وتباهينا بإنجازات هنا وهناك لا يصنع حرية!
فإما أن نواجه الحقيقة المرة ونصنع التغيير وإلا حفرنا قبرنا بأيدينا.. فويل لأمة تلبس مما لا تصنع وتأكل مما لا تزرع..للحديث بقية!
نماذج جديدة للممارسات الاسرائيلية
بقلم: حديث القدس – القدس
بين كيري وليبرمان...!
بقلم: فايز رشيد – القدس
خيارات أميركية محدودة لمواجهة التمدد الروسي
بقلم: جورج سمعان – القدس
تراجع الحريات الإعلامية في مصر: إلى أين؟
بقلم: ميريام بيرغر- القدس
وردة خلف خطوط الأعداء
بقلم: د.أحمد جميل عزم – القدس
موسكو فوق الصفر
بقلم: نبيل عمرو – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image007.jpg
"حراثة أفكار" في المقاطعة !
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
نائب الرئيس: حلٌ أم هروب
بقلم: هاني المصري – الايام
خطة كيري: كل الطرق لا تؤدي إلى الحل !
بقلم: رجب ابو سرية – الايام
"عندما نقدم شيئاً يتم وضعه في الجيب ويقولون نريد غيره"
بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
خلاف "حماس" و"الأونروا"..!!
بقلم: حسن خضر – الايام
رأيتك في الشارع
بقلم: زياد خدّاش – الايام
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image009.jpg
تغريدة الصباح - الخاطرة المنكودة
بقلم: أحمد دحبور – الحياة
الاستقرار العربي ما زال بعيدا
بقلم: يحيى رباح – الحياة
صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (10) ..... عودة الدين إلى ملاذات الدولة الشمولية..
بقلم: فخري كريم – الحياة
شطب الديانة وردة فعل حماس
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
هذا الاقتصاد لا يصنع نصراً!
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
نماذج جديدة للممارسات الاسرائيلية
بقلم: حديث القدس – القدس
أطماع التوسع والغطرسة الاستيطانية الاسرائيلية معروفة وواضحة، وتتخذ في كل يوم تقريبا مظاهر وصورا جديدة كان آخرها ما تم الكشف عنه من عمليات تزوير وتزييف لعمليات شراء أرض فلسطينية في اكثر من موقع سواء داخل المستوطنات او في الاراضي المحيطة فيها، كما تبين ان المنظمة التي تقوم بذلك وهي "اماناة" تلقى الدعم والمساعدة من الحكم العسكري وجهات اسرائيلية رسمية وغير رسمية اخرى، ومن امثلة ذلك ثبوت تزوير شراء أرض باسم رجل متوفى قبل ادعاء الشراء بسنوات وكذلك شراء أرض باسم رجل موجود في الاردن دون تقديم أية اثباتات حقيقية.
وهذه قضية في منتهى الخطورة والجدية ويجب متابعتها قانونيا وعلى مختلف المستويات المحلية او الدولية.
ومن النماذج الجديدة لهذه الممارسات قرار الحكومة الاسرائيلية بتقديم اعفاءات ضريبية في عدد من المستوطنات وبصورة خاصة في منطقة الاغوار التي يثور جدل سياسي حولها وتتركز حوله مقترحات السلام التي يعد لها الوزير الاميركي جون كيري، وهدف هذه الاعفاءات هو تشجيع أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار في تلك المستوطنات لزيادة حجمها وتوسعها. وفي هذه الخطوة بالذات وفي هذا التوقيت تحديدا، ضربة جديدة لمساعي السلام الاميركية وبحث كيري عن حلول وسط بين مطالبة اسرائيل بإحكام السيطرة على الأغوار في أي اتفاق سلام ورفض السلطة الوطنية كليا لذلك، وكأن اسرائيل تقول "لا" كبيرة لأية أفكار جديدة.
ومن النماذج الاخرى ان المستشار القضائي للحكومة الاسرائيلية سمح لها بعدم تعريف جماعة "دفع الثمن" الاستيطانية بالارهابية والاكتفاء بتعريفهم كتنظيم غير مسموح به. والمعروف ان هذه الجماعة تقوم فعلا بأعمال ارهابية ضد دور العبادة وقد حرقت أكثر من مسجد بالضفة كما قامت بالاعتداء على عدد من منازل المواطنين وخربت أكثر من منطقة زراعية واقتلعت اشجارا وكانت في كل هذه الممارسات تضع توقيعها بكل وقاحة، وهذه الممارسات كافية وحدها لوصفها بالتنظيم الارهابي، بالاضافة الى انها تهدد الفلسطينيين في كل مكان وحتى داخل الخط الاخضر احيانا، بالقتل او التهجير. كما ان من الملاحظ الكشف عن قائمة الاسرائيليين التسعة الذين ينفذون اعتداءات ضد الفلسطينيين والمطلوبين للشرطة وهم أشخاص معروفون وعناوينهم واضحة ولكن أحدا لا يعتقلهم.
غني عن القول بالطبع انهم يطلقون صفة الارهاب على كل فلسطيني يقف ضد الاحتلال ويحشدون القوة الكبيرة لاعتقال اي فلسطيني وان كانوا يشكون فيه فقط ودون القيام بأية أعمال كما تفعل منظمة "دفع الثمن" التي لا يريدون وصفها بالارهابية.
بين كيري وليبرمان...!
بقلم: فايز رشيد – القدس
تعرّض جون كيري وزير الخارجية الأمريكي ولا يزال إلى أعنف حملة نقد لاذع إسرائيلية، بسبب أنه خلال مؤتمر الأمن الذي عقد في ميونيخ صرّح قائلاً، "إن المخاطر التي ستواجه إسرائيل ستكون كثيرة في حالة فشل المفاوضات مع الفلسطينيين، مشيراً إلى أن "تفاقم ظاهرة المقاطعة لها هي إحدى سلبيات الفشل"..
كان أول من هاجم كيري وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون الذي قال "إن الوثيقة التي قدمها كيري للجانب الإسرائيلي والمتعلقة بالترتيبات الأمنية لا تساوي الحبر الذي كُتبت به"، معتبراً أن كيري المسيحي الحالم والمهووس بمسيحيته يسعى لنيل جائزة نوبل للسلام، وهذا ما يحركه ويدفعه لبذل هذه الجهود . يوفال شتاينتر وزير الشؤون الاستراتيجية صرّح قائلاً: "إن كيري يسلك نهج المخلص المنتظر" . وزير إسرائيلي شبه كيري "بمن يوجه بندقية إلى رأس إسرائيل" .
وزير آخر لم يُعلن اسمه ووفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" في اجتماع مغلق قال، "إن كيري ساذج ومهووس وهو يعاني نقصاً حاداً في فهم الوقائع في المنطقة، ويريد أن ينال جائزة نوبل ولا تهمه المخاطرة بمصيرنا" . مسؤول من الليكود ووفقاً لذات الصحيفة ونفس العدد كشف: بأن تصريحات يعلون مقبولة لافتاً إلى أن الصوت هو صوت يعلون لكن الأفكار هي أفكار نتنياهو .
لقد قال يعلون بصوت مرتفع ما كان يريد نتنياهو أن يقوله . لقد اتهم كيري من قبل نواب الكنيست بالعداء للسامية . هذه التهمة الجاهزة في إسرائيل ولكل من يتعارض مع بعض وجهات نظر إسرائيل . هذا غيض من فيض الانتقادات الإسرائيلية الموجهة لكيري.
الغريب أن ردود الفعل الأمريكية على هذا الهجوم على كيري كان خجولاً وتضمن الدفاع عن وجهة نظر أمريكا، وتأكيد حرصها على إسرائيل (باعتبار أمريكا متهمة؟!) فالناطقة باسم الخارجية الأمريكية ذكرت أن سياسة واشنطن واضحة في التصدي لأية محاولة لمقاطعة إسرائيل مضيفة، أنه ليس من استراتيجية الولايات المتحدة استغلال دعاوى مقاطعة إسرائيل لدفعها لتقديم تنازلات مؤكدة: أن هذا غير صحيح وليس له أساس من الصحة .
إسرائيل ومثلما ابتزت وتبتز دولاً كثيرة على صعيد العالم ومنها ألمانيا بموضوع الهولوكوست فهي لا تزال تتلقى تعويضات من هذه الدولة، فإنها تبتز الباحثين والكتّاب والمفكرين الذين يتعارضون مع سياساتها، ولذلك فهي تطبق نفس النهج في ابتزاز السياسيين والمسؤولين في الدول بما فيها الدول الحليفة، وذلك في سبيل الضغط عليهم لإظهار المزيد من الولاء لها .
جون كيري من أخلص أصدقاء إسرائيل وهو يتبنى وجهة نظرها في التسوية مع بعض التعديلات الطفيفة، ليجعل من مقترحاته مقبولةً لدى الفلسطينيين والعرب، بشكل لا يؤثر في المقترحات الإسرائيلية، فمثلاً فإن خطة كيري تقوم على: اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، إقامة عاصمة لفلسطين في جزء من القدس الشرقية (في الأحياء الجديدة للقدس الكبرى وتحديدا في منطقة أبو ديس)، حل مشكلة اللاجئين وفق رؤية الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، بقاء الكتل الاستيطانية تحت سيطرة إسرائيل، استئجار المستوطنات الباقية، سيطرة إسرائيل على المعابر والأجواء، وجود قوات رباعية أمريكية-إسرائيلية- أوروبية - فلسطينية على الحدود، وحقها في المطاردة الساخنة في الدولة الفلسطينية .
هذه هي خطة كيري للتسوية وهي تتساوق بنسبة 90% مع الاشتراطات الإسرائيلية . رغم ذلك تجري حملة نقد لاذع على كيري وصولاً إلى اتهامه بالعداء للسامية وإسرائيل . هذه هي طبيعة الجانب الاسرائيلي.
محق الوزير الإسرائيلي الذي قال، إن يعلون يعبر عن أفكار نتنياهو لأنه ومع التوجيه الذي أصدره رئيس الوزراء الاسرائيلي بوقف الانتقاد والحملة على كيري، فإن وزير الخارجية الأمريكي لا يزال يتعرض للهجوم من قبل مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين، وهو ما يؤكد: أن نتنياهو هو الذي يقف وراء هذه الحملة على كيري . أما حول اضطراره لإصدار التوجيه بوقف الحملة فهو يتساوق مع طبيعة منصبه كرئيس لوزراء إسرائيل .
على صعيدٍ آخر، يحاول وزير الخارجية الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان لملمة الوضع مع الولايات المتحدة، فقد أكد في خطاب له أهمية الوصول إلى تسوية مع الفلسطينيين بجهود وزير الخارجية الأمريكي، الأمر الذي حدا بالناطقة الرسمية للخارجية الأمريكية جون ساكي للخروج بتصريح يمتدح ليبرمان ويثني على موافقه الجديدة . وأضافت الناطقة الأمريكية، إن خطاب ليبرمان هو إعلان ورسالة قوية، وبخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار مواقفه التاريخية تجاه القضايا موضوع الحديث، لكن هذا لا يعني بأنه لم يعد هناك معارضون للعملية السلمية .
للعلم، فإن ليبرمان هو من أشد المعارضين للتسوية مع الفلسطينيين والعرب، ولقد هدد في الماضي بقصف السد العالي . لا هو ولا حزبه يعترفان بوجود الشعب الفلسطيني من الأساس . بالنسبة إليه فلسطين من البحر إلى النهر هي "أرض إسرائيل التاريخية" والحل بالنسبة لليبرمان يتمثل في إقامة الفلسطينيين لدولتهم في الأردن، والذي هو في حقيقته جزء من "أرض إسرائيل الكبرى" . ليبرمان هو من الفريق الأكثر تطرفاً في إسرائيل ضد الحقوق الفلسطينية .
هو لا يعترف بأي من هذه الحقوق، وهو يعارض إقامة دولة فلسطينية حتى منزوعة السلاح، فالضفة الغربية بالنسبة إليه هي "يهودا والسامرة" . ليبرمان هو الذي صرّح مراراً بأنه في حالة عرض موضوع إقامة دولة فلسطينية على مجلس الوزراء الإسرائيلي الحالي، فسيفشل هذا الاقتراح، لأن الأغلبية ضد نشوء مثل هذه الدولة. ليبرمان يحاول إصلاح الحملة الإسرائيلية على كيري من خلال ذر الرماد في العيون، لكنه مكشوف تماماً ومعروف كرهه الشديد للفلسطينيين والعرب .
البعض يحاول تصوير العلاقات الأمريكية الإسرائيلية بأنها تمر في أزمة، هذا غير صحيح مطلقاً فلا الهجوم على كيري ولا على أوباما يمكن أن تؤثر في العلاقات التحالفية بين البلدين . الهجوم على كيري في حقيقته يظل زوبعة في فنجان ليس إلاّ .
خيارات أميركية محدودة لمواجهة التمدد الروسي
بقلم: جورج سمعان – القدس
أعلنت الإدارة الأميركية أنها تدرس خيارات جديدة لممارسة مزيد من الضغوط على الرئيس بشار الأسد. اعترفت صراحة بفشل استراتيجيتها السابقة. لكنها «تبشر» بأن جديدها هو احتواء ما هو سيئ وتفادي السيناريوات الكارثية مثل تفكك سورية أو سيطرة «القاعدة» على جزء «محوري» من البلاد!
وهي نتيجة طبيعية لتأخرها وعدم مبادرتها في الوقت المناسب. ولن ينفعها تذكير روسيا باتفاقهما على إقامة «هيئة الحكم الانتقالية». اعتمدت عليها طويلاً لتسليمها بأن المفتاح بيدها. راهنت على استنزافها وإيران معاً في الساحة السورية، ومعهما قوى التطرف الإسلامي. لكن ما حصل أن هذه المواجهة المذهبية باتت تهدد المنطقة بأكملها، خصوصاً لبنان والعراق الذي كان أساس تسعير هذا الصراع بإسقاط إدارة الرئيس جورج بوش نظام صدام حسين، وتفكيكها كل مفاصل الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، وفتحها الطريق أمام تولي الأحزاب والقوى الشيعية السلطة بعد إقصائها عقوداً... وهو ما أتاح تعاظم دور إيران وتعزيز حضورها قوة إقليمية كبرى. ولا شك في أن أي تدخل عسكري أميركي في سورية سيصب مزيداً من الزيت على نار الصراع المذهبي في المنطقة كلها.
الخيارات محدودة أمام الرئيس باراك أوباما. وليس بينها بالطبع العمل العسكري... إلا إذا كان سينقلب على جوهر السياسة التي اتبعها منذ دخوله البيت الأبيض وعنوانها الانسحاب من الحروب بعد الخروج من العراق والاستعداد للانسحاب من أفغانستان. سلم مقاليد الحلول والتسويات إلى قوى إقليمية كبرى، أو أشركها في هذه الحلول. وفتح الباب أمام قوى صعّدت لهجة التحدي، كما فعلت روسيا التي سلم لها بالدور الكبير، متجاهلاً أصوات كثيرين من مجموعة «أصدقاء سورية»، أوروبيين وعرباً. الخيارات محدودة إذا كان عليه أن يختار بين السيئ والأسوأ! لكنها متاحة إذا قرر رفع التحديات في المنطقة كلها.
آثر الرئيس أوباما الانكفاء والانسحاب. هذا ما فعله سلفه بوش الابن عندما قرر في بداية ولايته الأولى الانعزال والانصراف إلى الداخل، لكنه وجد نفسه فجأة منساقاً وراء حروب لم تتوقف تداعياتها إلى اليوم، بعد «غزوتي نيويورك وواشنطن». وهو اتبع سياسة الانكفاء فترك للآخرين فرصة الاندفاع. هكذا، تقدمت إيران في الشرق الأوسط. وهذه روسيا تمسك بسورية، وكانت ردت على «الثورة البرتقالية» في أوكرانيا وقبلها في جورجيا. وهذا ما فعلته فرنسا التي عانت طويلاً من تداعي مصالحها في أفريقيا أمام الاندفاع الأميركي سابقاً و «الهجوم» الاقتصادي الصيني على القارة السمراء. فلم تتأخر في التحرك نحو ليبيا لإزاحة معمر القذافي وضمان حضورها في هذا البلد. كما لم تتأخر في الاندفاع نحو مالي ثم أفريقيا الوسطى، دفاعاً عن مصالح قديمة جديدة. وكانت أبدت استعدادها وحدها، من دون سائر شركائها الأوروبيين، لمشاركة القوات الأميركية توجيه ضربات إلى النظام السوري بعد استخدامه السلاح الكيماوي في غوطة دمشق الخريف الماضي.
بات واضحاً أن الخلاف بين الوفدين السوريين في جنيف على جدول أعمال المفاوضات هو انعكاس للخلاف بين الراعيين الكبيرين، الولايات المتحدة وروسيا على هذا الجدول. لم تكن واشنطن في حاجة إلى تجربة لتكتشف أن النظام في دمشق يماطل. لم يقاطع المؤتمر الدولي في جنيف، لكنه لم يقدم ولن يقدم شيئاً. ما يريده هو شراء مزيد من الوقت. رضخ لسيف القوة وسلم بتدمير سلاحه الكيماوي. لكنه حول الجدول الزمني لتسليمه وتدميره ورقة بيده لعلها تمده بالبقاء. تخلى عن 11 في المئة من ترسانته حتى اليوم. وقد لا يكفي الرئيس أوباما تحميل موسكو المسؤولية عن ضمان التزام دمشق الاتفاق الذي يجبرها بتسليم أسلحتها النووية. فهل يستعيد هذه الورقة من الرئيس بشار الأسد ويعود إلى التلويح باستخدام القوة بعدما وضع الأزمة السورية في قمة أولويات الأمن القومي الأميركي؟
كانت الإدارة الأميركية تراهن على استنزاف روسيا وإيران في أزمة سورية، بل تلاقت مصلحة الأطراف الثلاثة على وجوب مواجهة قوى التشدد والتطرف التي تدفقت إلى هذا البلد، وهو ما كبل أيدي بعض «أصدقاء» المعارضة في الضغط لإطاحة النظام مخافة تكرار «التجربة الليبية». هذه التجربة التي بقدر ما كانت درساً لروسيا دفعها إلى التشدد، شكلت أيضاً درساً لأميركا وبعض شريكاتها التي نالت نصيبها من الفوضى التي تعم الأراضي الليبية. وإذا كانت المخاوف تنتاب واشنطن من انتشار مجموعات «القاعدة» في سورية، فإن موسكو لن تكون هي الأخرى بمنأى من هذه الأخطار إذا طال أمد الأزمة، ومثلها طهران.
ولكن، من المبكر التعويل على هذا التلاقي المرحلي. من المبكر أن تعول واشنطن على دور لإيران في تسوية مقبولة في سورية. حكومة الرئيس حسن روحاني وضعت البرنامج النووي على الطاولة مع الدول الخمس الكبرى وألمانيا، يدفعها تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والحاجة إلى فك الحصار والعزلة وإلى الاستثمارات الخارجية والتعامل التجاري مع العالم.
لكن الحوار بين هذه الحكومة والمجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة، لا يزال في بداياته. وعلى الذين يتوقعون دوراً إيجابياً ومساهمة من طهران في تسوية ملفات كثيرة، من لبنان إلى العراق واليمن والبحرين وغيرها، أن ينتظروا. تعتبر الجمهورية الإسلامية أنها قدمت ما يكفي في ملفها النووي وليس عليها أن تقدم المزيد في ملفات المنطقة على حساب دورها وما ترى إليه مصالح حيوية للمحافظة على هذا الدور وحمايته.
وستظل على مواقفها هذه ما دامت تتلاقى ومواقف روسيا والصين حيال أزمة سورية وغيرها. لذلك، لا تطمئن أميركا وشركاؤها كفاية إلى إعلان الرئيس روحاني في الذكرى الـ35 للثورة، الحرصَ على «العلاقات مع الدول الإقليمية، خصوصاً المجاورة». وإلى تأكيده البحث عن «الأمن والاستقرار في المنطقة وضرورة التعاون لمواجهة الإرهاب في سورية والعراق وأفغانستان». لا يطمئنون لأنهم يسمعون أصواتاً أخرى لأجنحة في طهران لا تزال ترفع أجندات مختلفة وشعارات تصعيدية. تماماً كما كان يحصل في السنوات والعقود الماضية، وما كانوا يسمونه «ازدواجية الخطاب». فهل يستجيب أصحاب هذه الأصوات لنداء الرئيس روحاني إلى وحدة «الأجنحة» وعدم البقاء «أسرى الماضي»؟
مستقبل الأزمة السورية لا يتعلق طبعاً بالخيارات الجديدة التي قد تلجأ إليها الولايات المتحدة فحسب، بل ثمة عناصر وقوى أخرى. وقد قالت روسيا إنها ماضية في سياستها ولا تبدي أي استعداد للتراجع أو سماع أصوات المعارضة السورية. ومثلما قايضت الغرب لسنوات في المواجهة مع إيران، ستتمسك بالنظام السوري حتى آخر رمق، خصوصاً إذا نضج الحوار الأميركي – الإيراني وأثمر. وهي ماضية في بناء ما يمكن تسميته «هلالاً روسياً» يضم إلى الجمهورية الإسلامية سورية وربما مصر. لقد رحب الرئيس فلاديمير بوتين بوزير الدفاع الفريق عبدالفتاح السيسي. وأيده وشد أزره في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وهو ما أثار حفيظة واشنطن، وما سيدفعها قريباً إلى إعادة النظر ليس في مقاربتها للأزمة السورية فحسب، بل إلى إعادة حساباتها والخسائر التي منيت وستمنى بها نتيجة انكفائها عن قضايا المنطقة.
صحيح أن الولايات المتحدة تواجه تحديات من قوى صاعدة تنافسها على قيادة العالم ومناطق النفوذ، وعلى رأسها دول «البريكس». وصحيح أيضاً أن الحروب أنهكتها وزعزعت اقتصادها، وأن متاعبها السياسية الداخلية تصرفها عن متابعة قضايا حيوية في الخارج. لكن الصحيح أيضاً أن روسيا التي تحاول استعادة دورها «السوفياتي» ليست تلك القوة الكونية التي تتيح لها الصمود في السباق. فلا مؤسستها العسكرية ولا اقتصادها يوفران لها سلاح الصمود الكافي، بل إن بعض ما حققته في السنوات الأخيرة عائد إلى إخفاقها في حلبة المواجهة وعدم قدرتها على مواصلة الحرب الباردة. هي قادرة بلا شك على حماية فضائها وجوارها المباشرين، من أوكرانيا إلى جورجيا وبعض الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى. وهي تدرك أن أميركا وأوروبا ليستا المنافس الوحيد، بل الصين أيضاً التي يقلقها تقدمها إلى آسيا الوسطى. ولا حاجة إلى الحديث عما فقدت في أوروبا الشرقية وأفريقيا والشرق الأوسط. وينسحب الوضع على إيران أيضاً التي لم تجد في النهاية سبيلاً لفك الحصار، سوى الجلوس إلى الطاولة مع الكبار لمعالجة آفاق ملفها النووي.
الخيارات التي تناقشها الإدارة محدودة. وأفصح عن بعضها مسؤولون في واشنطن، وبينها تدريب عناصر في المعارضة المعتدلة وتقديم مزيد من السلاح لها لتقوية عودها في مواجهة قوات النظام وحلفائها، خصوصاً أن هذه تجهد لتحقيق تقدم على الأرض، خصوصاً في جبهة القلمون. ولكن، يبقى الأهم من هذه الخيارات القاصرة أن تعيد واشنطن الحرارة إلى سياسة التنسيق والتحالف مع بعض الشركاء في أوروبا والمنطقة. خسرت مصر، وتكاد تركيا تخرج من الصورة لانشغال حكومتها في معارك داخلية بعدما سقطت نموذجاً للإسلام الحديث راهن عليه الغرب طويلاً. والواقع أن الرئيس أوباما خطا خطوة على هذه الطريق بتفاهم استراتيجي مع الرئيس فرنسوا هولاند. وسيعزز التفاهم مع الأردن في لقائه الملك عبدالله الثاني، ويستعد لزيارة المملكة العربية السعودية التي لديها الكثير لتقوله.
الواضح في سعي الإدارة الأميركية إلى درس خيارات جديدة أنها ليست مستعدة حتى الآن لإبرام صفقة مع روسيا، أو بالأحرى ليست مستعدة لأن تقدم إليها أي تنازل. وخير مثال على ذلك أيضاً ما يجري في أوكرانيا حيث تتصدر أوروبا المواجهة بدعم أميركي واضح. ويمكن أن تعتمد واشنطن خياراً مماثلاً في سورية والمنطقة بالتنسيق مع شركائها الذين أدارت لهم ظهرها طويلاً. ويمكنها أن تعيد النظر في موقفها من الوضع الجديد في مصر، بدل الإصرار على ما لم تتعوده في سياساتها التي لم تغلب مرة المواقف الأخلاقية على المصالح.
الرئيس أوباما أمام تحدٍّ كبير لمواجهة «الهلال الروسي»! فهل ينجح في كسر الطوق بكسر النظام في دمشق؟ هل «يخرج» كما فعل سلفه بوش أم إن الوضع الدولي والإقليمي يختلف تماماً ولا يسمح بحروب جديدة؟
تراجع الحريات الإعلامية في مصر: إلى أين؟
بقلم: ميريام بيرغر- القدس
عادت مصطلحات "محظور" و"إرهابي" لترتبط مرة أخرى بذكر جماعة الإخوان المسلمين في كل وسائل الإعلام المصرية تقريباً. وفي المقابل، تسهب وسائل إعلام الدولة والإعلام الخاص على حد سواء في الإشادة بتوجهات الحكومة المدعومة من الجيش. وقد أصبحت الصحف والبرامج الحوارية على شاشات التلفزة، وهي أكثر منافد الإعلام المصري شعبية، تفرط كلها في الثناء على الجيش وتمجد استعادته الثورة، وتحذر بحماسة من الخونة الذين يعارضونه، حيث توصم كل الأخبار ووجهات النظر المناقضة بأنها مؤيدة للإخوان، وبالتالي تشكل خطراً على البلاد.
ليس من المستغرب أن تكون وسائل الإعلام المصرية قد بشرت إلى حد كبير بخطوة الجيش، وبقيت صامتة بينما انقض على جماعة الإخوان والأصوات المعارضة: فطوال عقود، عمل خليط سام من المصالح السياسية والاقتصادية على خنق تطور واحترام آليات لصناعة وسائل إعلام مستقلة وشفافة. والآن، بينما تمر مصر بالسنة الثالثة منذ الإطاحة بحسني مبارك في العام 2011، يستعد الكثيرون لاختبار المدى الذي يمكن أن تذهب إليه الحملة الأخيرة ضد الإعلام.
تقول رشا عبدالله، أستاذة الاتصال الجماهيري في جامعة القاهرة في محادثة هاتفية من القاهرة: "إننا نعيش في دوامة مستمرة. لقد عدنا إلى حيث كنا في حقبة مبارك، وإنما بدعم الجماهير هذه المرة".
مع ذلك، يحذر هشام قاسم، الناشر القديم وعدو مبارك، من أن التراجع في الحريات الإعلامية كان سيئاً -لكن مصر والمشهد الإعلامي تغيرا بشكل أساسي بحيث يصعب أن يعودا إلى حالة القمع السابقة.
يقول قاسم، الذي كان قد أصدر في العام 2004 صحيفة "المصري اليوم"؛ أول صحيفة عربية مملوكة للقطاع الخاص: "إنني لا أرى هذا التدهور الخطير الذي يتحدث عنه الكثيرون. إنني أدرك، ربما أكثر من الآخرين، طبيعة الإعاقات الخطيرة والمشاكل التي تعاني منها وسائل الإعلام في مصر. ولكن، هل سيمكن تكميم أفواه وسائل الإعلام حقاً؟ هل ستتدهور الأمور؟ كلا، مطلقاً".
في الحقيقة، امتلك العديد من الصحفيين المصريين بعد الثورة التمكين اللازم لكسر الحدود القديمة والمطالبة بحرياتهم في غرف الأخبار. وإلى جانب الصعود الأفقي في المنافد الإعلامية الجديدة والفضاءات الإعلامية، مع ذلك، ناضل الصحفيون من أجل تغيير شكل ملكية هذا القطاع والنماذج التي تعتلي قمته. الآن، بينما يتعزز التأييد لرئاسة لوزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، وتجري تبرئة الكثير من رجالات حقبة مبارك من التهم الموجهة إليهم، يبدو النظام القديم لقطاع الإعلام وأنه يستعيد المزيد والمزيد من القوة.
جاءت تكوينات وسائل الإعلام المسيسة منذ فترة طويلة على حساب التغطية المستقلة والمستدامة التي تمكن الصحافة المحلية والحكم المسؤول. لم تتم أبداً هيكلة وسائل الإعلام المصرية كمؤسسات ربحية تحددها المنافسة الحرة أو النزيهة. بدلاً من ذلك، تعتمد وسائل الإعلام إلى حد كبير على فوائض السياسة والأعمال من الدولة والممولين الأثرياء. هذا النموذج الذي تشوهه الدعاية وتجعله منحرفاً يضع أرقام المستهلكين ومطالبهم في الدرجة الثانية وراء ميول الرجال الحاكمين على القمة، ويخنق ثقافة الابتكار والشفافية، ويزاحم الأصوات والوسائل البديلة ويقصيها. والآن، في الأشهر التي انتقضت منذ إسقاط مرسي، أصبح العنف الذي يمارس ضد الصحفيين أيضاً مكمن قلق قويا متصاعدا.
تحت حكم محمد مرسي المعادي، تكثف خطاب الكراهية والتحريض على العنف في وسائل الإعلام المصرية. وقد روجت القنوات التلفزيونية الإسلامية، مثل المحطة التابعة للإخوان المسلمين "مصر 25" وقنوات "الحافظ" و"الناس" الإسلامية، محتوى طائفي ومناهض لليبرالية، مبررة بوضوح قتل الأقباط المسيحيين والشيعة المسلمين. وفي مناخ يزداد استقطاباً باطراد، مارست وسائل الإعلام العربية المملوكة للدولة دورها متعدد الطبقات -عاكسة إلى حد كبير أفكار الحزب الحاكم، في هذه الحالة مرسي، وردت وسائل الإعلام الخاصة -التي تعود ملكية الكثير منها إلى رجال ذوي روابط بنظام مبارك- بنقد غير متوان لمرسي وأنصاره، والكثير من مكونات الحركة الثورية. (ضمن هذه الفئات، كانت لوسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية تاريخياً فسحة أكبر).
مع تنامي الحصانة، أصبحت مصر الآن ثالث أخطر بلد على الصحفيين، وفقاً للجنة حماية الصحفيين. وقد توفي سبعة صحفيين في الميدان منذ حزيران إلى آب 2013، مقارنة بثلاثة توفوا خلال السنتين السابقتين. وفي الخريف، تعرض صحفيان مصريان كانا يعملان في سيناء إلى الاعتقال والمحاكمة أمام محاكم عسكرية. وفي كانون الأول،سُجن أربعة من مراسلي محطة الجزيرة الناطقة بالإنجليزية بتهم مشكوك فيها. وخلال احتفالات كانون الثاني،تم اعتقال سبعة صحفيين على الأقل، بينما هاجم الغوغاء الصحفيين، متهمين بعضهم خطأ بأنهم يعملون لقناة الجزيرة. وتعرض عشرات آخرون للإصابات، والاعتداءات أو الاحتجاز في الأشهر منذ الإطاحة بمحمد مرسي. ووفقاً للجنة حماية الصحفيين، تعرض ما لا يقل عن 45 صحفياً للاعتداءات، وتم اعتقال أكثر من 44 صحفياً منذ تموز. وتعرض عدد آخر لا حصر له من الصحفيين إلى الطرد أو النقل من وظائفهم بسبب مواقفهم السياسية -أو الخشية من تبني مثل هذه المواقف.
جزء من المشكلة هو الهستيريا الجماهيرية التي يغذيها خطاب الدولة والإعلام، والتي استحوذت على الكثير من المصريين الذين يسعون إلى الاستقرار بعد ثلاث سنوات من الاضطراب المحلي والإقليمي. وقد أصبح الصحفيون -خاصة صحفيي الجزيرة- متنفساً مقبولاً للغضب والخوف المتعمقين. الأمن يقود إلى الاستقرار، كما تقول الفكرة المقبولة -والصحفيون يعقدون هذه المعادلة. ومع أن الكثيرين في داخل الجسم الإعلامي يعتقدون بخلاف ذلك، فإن الضغوط من أجل تثبيت هذه الفكرة تتعاظم.
استيعاب العنف والتهديدات، مصحوباً بضعف المؤسسات الإعلامية، ترك الصحفيين مع عدد قليل من الوسائل لعرض قضايا حقوقهم والنضال من أجلها. وبالإضافة إلى الضغوط السياسية العلنية، فقد الكثيرون من الصحفيين وظائفهم في الأشهر الأخيرة، مع تضاؤل الأموال في سوق مصر الإعلامية الفاسدة وغير المستقرة إلى حد كبير. ويعبر الصحفيون المحليون في المحادثات باستمرار عن رغبتهم في المزيد من التدريب المهني والأخلاقي -لكن الوصول إلى هذه الموارد والاهتمام الجدي يبقيان محدودين عند أولئك الذين يعتلون القمة.
على سبيل المثال، جعلت نقابة الصحفيين المصريين من دورات التدريب المهني والأمني أولوية، لكنها ما تزال تعاني من المشكلات السياسية والمالية طويلة الأمد. (تعد نقابة الصحفيين المصريين دستورياً اتحاداً محظوراً للصحفيين. وفي السنوات الأخيرة، تشكلت العديد من النقابات البديلة، وإنما بلا تأثير يذكر). وعندما فرق الجيش بعنف اعتصام رابعة العدوية يوم 14 آب-وهو ما أسفر عن مقتل أربعة من الصحفيين- لم تقم نقابة الصحفيين بإدانة العنف. ومن الجدير بالملاحظة أن ضياء رشوان، رئيس نقابة الصحفيين المصريين وعضو لجنة الخمسين التي تولت إعادة صياغة الدستور، هو شخص ناصري ويُنظر إليه على أنه متعاطف مع الجيش. وكان قد تم انتخاب رشوان في شهر آذار الماضي في انتخابات تأطرت كخطوة في اتجاه لا تسييس النقابة -وتراجع قوة الإخوان المسلمين في النقابات المهنية، وهي مصدر رئيسي للنفوذ السياسي في حقبة مبارك. والآن، أصبح أحد التزامات حملة رشوان الرئيسية -زيادة استقلالية النقابة عن الدولة سياسياً ومالياً، في حكم المجهض بفعل الحقائق السياسية مرة أخرى.
تقول مريم الصعيدي، عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين، مشيرة إلى صمت النقابة إزاء أحداث 14 آب: "بعض الناس الذين ينتقدوننا معهم حق. وكان أحد زملاء الصعيدي المقربين، أحمد عبدالجواد، واحداً من الصحفيين الثلاثة الذين قتلوا بينما كانوا يغطون أحداث ميدان رابعة". وتضيف الصعيدي: "كان يجب أن نفعل أكثر. لكن بعض النقد جاء، على الجانب الآخر، من أناس لديهم وجهات نظر سياسية مختلفة. وبالتالي، يشكل ذلك تسييساً للإعلام".
وسط هذه التوترات، يكرس الدستور الذي صودق عليه حديثاً العديد من التحسينات لحرية الإعلام -ولو أن الدرجة التي سيتم بها تطبيقها تبقى مجهولة. وتعيد المادة 70 من الدستور تأكيد حق حرية الإعلام، وتتطلب تقديم إخطار بفتح صحيفة جديدة، ملغية بذلك نظام الترخيص المسيس القديم الذي كرسته الدساتير السابقة. كما تجرم المادة 71 الرقابة على الإعلام، باستثناء "أوقات الحرب أو التعبئة العامة". وينشئ الدستور هيئة جديدة لتنظيم الإعلام، مزيلاً سيطرة مجلس الشورى (الذي ألغي الآن)، لكنه يترك التقسيم الدقيق للسلطة غير واضح حتى الآن. كما ألغيت عقوبة السجن بتهمة القذف والتشهير، سوى في حالات التحريض التي يمكن تفسيرها بشكل فضفاض وتأويلها حسب الرؤى السياسية.
في حين أوقفت اضطرابات مصر العملية التشريعية إلى حد كبير، يتكهن المعلقون بترجيح وضع قوانين الإنترنت المخصوصة على الطاولة قريباً. وكان الأردن قد عدل في العام 2012 قانون المطبوعات والنشر لديه، ليتضمن مواد جديدة للحد من حريات الإنترنت. ويشعر العديد من ناشطي الإعلام في المنطقة من أن الأردن، الذي حظي طويلاً بالإشادة على حرياته الأوسع نسبياً، سوف يصبح النموذج الجديد للحد من فضاء الإنترنت
يقول عبد الله: "كان الإحساس في حقبة مبارك أن ذلك كان مجرد لعب أطفال على تويتر. لكن الإنترنت أصبح الآن وسيطاً إعلامياً معترفاً به أثر مما كان حاله في ظل حكم مبارك".
في واقع الأمر، كان هناك نحو 150.000 من مستخدمي تويتر النشطين في جميع أنحاء مصر في نهاية العام 2011. وبحلول شهر آذار من العام 2013، ارتفع هذا العدد إلى أكثر من 520.000، وفقا لتقرير وسائل الإعلام الاجتماعي العربي. كما يشهد فيسبوك ارتفاعاً أكثر بكثير، من 4 % من مستخدمي الإنترنت في في نهاية العام 2010، إلى أكثر من 16 % بحلول آذار 2013.
أتاح فضاء الإنترنت أشكالاً جديدة من جمع الأخبار وتبادلها -من جماعات صحافة المواطن، موقع الأخبار "مدى مصر". ومع ذلك، وفي اتجاه متصاعد يتسع في نطاق المنطقة، تم جلب العديد من مستخدمي الإنترنت الذين يحظون بالشعبية وبعض الساسة إلى المحاكم بناء على تغريدات أو تعليقات على فيسبوك. وفي الأيام الأخيرة فقط، وجهت إلى السياسي الليبرالي عمرو حمزاوي تهمة إهانة القضاء على أساس تغريدة أرسلها على تويتر، كما وجدت إحدى المحاكم مستخدم التويتر الشعبي أحمد أنور مذنباً بتهم إهانة وزارة الداخلية و"إساءة استخدام وسائل الاتصال". وهناك الحالة المعروفة، قضية "أبله فاهيتا"، دمية شركة فودافون الإعلانية المتهمة بأنها إرهابية بناء على إعلان تجاري بث على موقع يوتيوب.
فيما تلوح آفاق أيام مظلمة في أفق مصر، ما يزال قاسم يملك سبباً للتفاؤل. وبعد أن ناضل ضد إعلام نظام مبارك لعقول، يتنبأ قاسم بأن الأمر سيستغرق جيلاً آخر حتى تتمكن وسائل الإعلام المستقلة من كسر القالب -لكنه لا يمكن وقف هذا المسار في نهاية المطاف. ويقول قاسم: "الناس يصبحون أكثر انتقاداً". ووصف منتدى صحفياً حضره مؤخراً، وصف فيه صحفي من صحيفة الأهرام كيف كانت الأوامر تأتي إلى الصحيفة وتطلب نشر محتوى معين. ويقول قاسم: "قلت، اسمح لي، لكن حال الأهرام كان هكذا دائماً... الآن فقط أصبحت تجد مساحة أوسع وتستطيع أن تنتقد. في السابق لم تكن تستطيع أن تكون كذلك مطلقاً".
بينما يصبح التحدث في السياسة مع الغرباء سبباً للاشتباه مرة أخرى في مصر، سوف تشكل الأشهر القليلة المقبلة اختباراً لمدى إدامة هذه المساحات المكتشفة حديثاً من الحريات الإعلامية -أو العثور على طرق جديدة للتحايل مرة أخرى على الخطوط الحمراء التي لا تني تتسع. *كاتبة مستقلة، عاملة سابقة في مؤسسة فولبرايت، تبحث في شؤون وسائل الإعلام المصري المطبوعة.
وردة خلف خطوط الأعداء
بقلم: د.أحمد جميل عزم – القدس
يُستَخدَم تعبير "خلف خطوط الأعداء" عادة عند الحديث عن عمليات تقوم بها المقاومة أو بقايا القوات المقاتلة في مناطق احتلها الأعداء.
في فلسطين أشخاصٌ يسكنون بإصرار رغم الاعتداءات اليومية مناطق بالغة الصعوبة، داخل أراضٍ بنيت عليها المستوطنات، أو خلف جدار الفصل. يحترفون الصمود خلف خطوط عدو إحلالي إقصائي.
لكل منهم رواية، وشخصية متمايزة، تستحق تكرار الكتابة عنها، ليسوا عقلية أو نفسية واحدة، ولكني أزعم تشاركهم عشق الجمال.
أعترف أني عندما أزورهم أخشى أن يطردوني؛ أشعر بضيقهم من التضامن العابر للكثيرين، رغم تأكيدهم أهمية زيارتهم والتواصل معهم، لأنّ هذا مؤشر أمام أعين الإسرائيليين الذين يراقبونهم بشأن مدى تضامن الناس معهم. تخيفني دائماً لحظة مغادرتنا، وشعوري أنّ هؤلاء الصامدين سيعودون إلى وحدتهم، في قشعريرة يصرخون معها: "يا وحدنا".
عدت قبل أيّام لزيارة هاني عامر، في قرية مسحة، في سلفيت، حيث كتب على جدار الفصل، أمام بيته الواقع في قفص أسلاك داخل محيط مستوطنة صهيونية، "دولة هاني عامر". غزت التجاعيد وجهه، منذ قابلته قبل أشهر، بدأ حديثه وشعوري أنّه سئم الحديث. ولكنه استرسل نحو ساعتين، مع قليل من مقاطعتي أنا وصديقة، مخرجة تلفزيونية رافقتني. بعد قليل من بدء الحديث كان كمن يحادث الأفق والورد والشجر والأرض، وطفولته، ولحسن الحظ نسي وجودنا.
قال "أنا أصلا ابن قرية كفر قاسم، صنعتني حكايات جدتي، قبل النكبة، كانت تقول لي إنّ البطيخة تنبت في قرية ما بنصف حجمي، فأذهب، أنا الطفل، وأمشي وأصل تلك القرية وأشاهد البطيخة، وأشرب من النبع. وصلت البحر مشياً وشاهدت زرقته، هناك بدأت القصّة".
يُحدّثنا ونُصدّقه، ونشهق بصمت:
"جاءني الضابط الإسرائيلي شامتاً يقول لي، لماذا لا تبكي، لو كنت مكانك لفعلت؟. ألا تراهم يجرفون الأرض ويحطّمون نباتاتك، ويقيمون الجدار؟. فأجبته، لو كان عندي شك أنّ هذه أرضي لبكيت. ألا تسمع الأرض، ماذا تقول لي، فنظر الضابط إليّ كأن بي مس من جنون، وضعت يدي خلف أذني وقلت له استمع جيدا، هذه الأرض تتكلم، تخبرني أنها لي. أدار الضابط ظهره وذهب". يكمل هاني حديثه لنا، "لم أكن أدّعي، أنا أسمع الأرض فعلا". وردّ على ضابط آخر يلومه لعدم قبوله التعويض والأموال: ماذا أفعل بالنقود؟ قال له تشتري سيارة وبيت جميل وتذهب سياحة في العالم وفنادقه. قال له عامر، ربما هذه متعتك أنت، ولكنها ليست متعتي أنا. لو كدّست لي هذه الأرض وأحواض النباتات نقوداً بدل التراب ماذا أفعل بها؟ ويحدثنا عن المعنى الحقيقي للقيمة ويقارن بين النقود والأرض. حديثه، وهو أبو نضال، الحاج المتدّين، ذكّرني بنظرية كارل ماركس، التي أدرّسها لطلبة الجامعة بشأن "صنميّة السلعة"، في الفصل المقبل سأذكر لهم حديث أبو نضال.
يدفع حديثه عن النباتات في الأرض الصغيرة الباقية حول منزله، للابتسام، وربما الضحك، وربما الدمعة. بدأ حديثه متثاقلا عندما سألناه عن أنواع النباتات، كمن يتحدث بدافع اللياقة فقط، ثم اندفع في الحديث. طموحه زراعة واحدة من كل نبتة يجدها في فلسطين، ويحدثنا بشأن كل واحدة، ويسرد صراعاته ومفاوضاته مع الجنود أثناء عمليات تسييج الأرض، حول متر أرض هنا وآخر هناك، وتخرج منه جملة تضحكنا عن تغلبه بالجدل على ضابط "أمّنت حالي وزرعت في هذه الزاوية". يبدو الحصول على متر أرض للزراعة بالنسبة له انتصارا استراتيجيا. نقف عند شجرة زكية الرائحة، تسأله الصديقة عن استخدامات الشجرة، يرد "لا بد أنّ لها فائدة ما". مؤمن بلا تردد بما يفعل. له مغامرات وحيل لجعل الإسرائيليين يسمحون له بدخول كرومه وأراضيه المصادرة للعناية بالشجر وريّه.
لا يستبعد أن يقتله وعائلته المستوطنون يوماً. أسأله عن طائر فينيق مرسوم على الجدار، يصدمني جوابه وفلسفته: جاء نشطاء دوليون مرة ورسموا لوحات على الجدار، تضامناً معي، ثم فكّرت في الأمر؛ هذا جدار بشع، وفِكرته بشعه، لا يجوز تجميله، فأمسكت الطلاء وطمست الرسومات، وأبقيت الطائر، "فالطائر يمكن أن يطير فوق الجدار".
لعله بعد انصراف زواره، يجلس على مقعد، يمد نظره مخترقا المستوطنة يشاهد الطفل يلعب في الحقول، ويشرب ماء الينبوع، ويأكل بطيخه، ويقفز سابحاً في البحر.
هذه فلسفة واقعية.
موسكو فوق الصفر
بقلم: نبيل عمرو – القدس
فيما مضى ... كلما ذكرت كلمة روسيا او موسكو يرادفها الجمود والصقيع والحذر.
وفي ايامنا هذه ، يوازي كلمة روسيا او موسكو حرارة غير مألوفة في اتجاه التأثير المباشر وغير المباشر، في جميع القضايا الساخنة التي يشهدها العالم في هذه الحقبة الدولية الملتبسة. فهي موجودة في كل مكان ، ولها دور في كل ازمة ، الا ان المختلف عما كان في زمن الحرب الباردة ، وصراع الاتحاد السوفياتي على صعيد النفوذ الكوني ، ان موسكو اهدرت طاقاتها الهائلة في صراع لا امل في كسبه ، اما الان فهي لا تهدر الطاقات وانما توظفها في سياق اكثر حكمة واكثر براغماتية واكثر جدوى.
امامنا الان نماذج عدة على هذه الحقيقة، اختار منها نموذجين يجمعهما عنوان واحد... النموذج الاوكراني والنموذج المصري، والعنوان الواحد الذي يجمعهما هو استعادة النفوذ ولكن بصورة غير استعمارية وغير احتكارية.
اوكرانيا: كانت هي الركيزة الاساسية للكيان السوفياتي، وفي فترة عجز المركز وتفكك الدولة العظمى ذهبت اوكرانيا الى الغرب، والان تبذل موسكو جهدا قويا ومكلفا لاستعادتها كصديق وحليف، وليس كمستعمرة تدار بالهاتف.
ان روسيا الاتحادية بقيادة بوتين ، عاقدة العزم على تغطية تكاليف استعادة اوكرانيا بما هو اكثر سخاءً من اوروبا ، وسيحترم الاوكرانيون صداقة الجار ويقبلون عليها، بعد زوال مخاوفهم من عودة الاستبداد السوفياتي. وهنا يكمن الامتحان الاساسي لبوتين وتطلعاته الكونية.
مصر: استفادت موسكو كثيرا من العبث الامريكي الساذج في الشؤون المصرية ، ذلك ان واشنطن لم ترى مصر الا بحجم المساعدات البخسة التي تقدمها لها، وكان من قبيل قصر النظر، ان تتوقع واشنطن تبعية مصرية تلقائية جراء هذا الدعم البخس، او جراء الخوف من مناورات امريكا التي بلغت من السذاجة حد الرهان على الاخوان، ليس لحكم مصر وحدها وانما لحكم الشرق الاوسط الاعقد .
سارع الروس في ايفاد وزيري الدفاع والخارجية الى القاهرة عقب حركة السيسي الجذرية ضد حكم الاخوان. وبادر القائد الجريء والشجاع الى رد الزيارة ، مبرهنا عن اهم حقيقة تجسدها مصر الان، وهي حرية القرار وشجاعة الانعتاق من الطوق الامريكي، الذي قيد حركة مصر بلا مبرر اساسي.
كان توجه السيسي الى موسكو اعمق من ان يقال عنه انه استبدال للتحالفات او التبعية لانه في حقيقة الامر اعادة للتوازن في العلاقات مع قوتين عظميين، فاي واحدة من هاتين القوتين تتعامل مع مصر على قاعدة وزنها الحقيقي فمصر جاهزة لذلك . ومن ينظر للعلاقة مع مصر بمنظار انها مضمونة التبعية والولاء فهو خاسر لا محالة.
ان التوازن الذي احدثه المشير السيسي كواحد من المتغيرات الاستراتيجية لثورته ، يمكن ان يؤدي الى تعديل جوهري على التوازنات القديمة التي عانت المنطقة من ظلمها عقودا طويلة ، وهذا التوازن سوف يشجع الدول العربية ذات العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة، على مزيد من الموضوعية في العلاقة مع واشنطن بحيث ترغم الدولة العظمى وبمنطق الحسابات الواقعية على تعديل سياساتها وقراراتها في الشرق الاوسط.
تلك السياسات والقرارات ، التي كانت تنطلق من قاعدة ان التأثير العربي في واشنطن لا يتعدى الصفر، مقابل تأثير اقوى وافعل لاسرائيل ، وهذا ما جعل مسألة الصراع العربي الاسرائيلي عصية على الحل، خصوصا اذا ما كان الحل موضوعيا ومتوازنا ويسير نحو خلاصات نهائية.
ان موسكو ورغم الكثير من تحفظاتنا على قراراتها وتوجهاتها في امور عدة ، الا انها في واقع الامر تجاوزت تحت الصفر، لتصبح رقما يستحيل تجاهله اولا، ويستحيل بلوغ حلول مستقرة وقابلة للحياة دون اسهامها المباشر والفعال.
"حراثة أفكار" في المقاطعة !
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
"النمرودة" رنا المقدسية مدّت يد العون لـ "الرئيس" عشية أوسع لقاء له، في المقاطعة، مع زهاء 300 إسرائيلي، معظمهم شبيبة جامعات، وبعضهم يعتمرون "الكيبا".
ليش وصفتها "نمرودة"؟ لأنها وضعت كلمة الرئيس بين مزدوجين (علماً أن الأميركيين غادروا نعت "شيرمان" إلى نعت "بريزدانت").
حكمة الرئيس في مجموعة مختارة قوامها 300 (من أصل 1200) تبعاً لطاقة استيعاب الصالة، أجابت على 8 أسئلة، في الأقل من 12 سؤالاً "محرجاً" قدّرت رنا أن الضيوف سيطرحونها على الرئيس.
قرأت الكلمة الرئاسية كما نشرتها الوكالة الرسمية (وفا) وانطباعات بعض المستمعين الإسرائيليين، وربما أبحث عن إجابته على الأسئلة "المحرجة" في الصحف الإسرائيلية.
الزميلة نائلة سخرت، على "الفيسبوك"، أيضاً، من وصف متحدّث رسمي فتحاوي للقاء بأنه "إنزال خلف خطوط الإسرائيليين اليمينيين.
غالبية الإسرائيليين الحاضرين لأوسع لقاء ـ حوار يزورون رام الله للمرة الأولى، وفي ذهنهم أن فلسطين ـ السلطوية هي رام الله؛ ورام الله هي المقاطعة والمقاطعة هي الرئيس.. والسؤال في أذهانهم: هل رئيس فلسطين شريك أم غير شريك في السلام.
من قبل لقاء الأمس، التقى الرئيس رؤساء أحزاب، نواب كنيست متعددي المشارب، صحافيين، وضباطاً متقاعدين.. وبالطبع كل رئيس حكومة إسرائيلية انتخبه شعبه.
لكبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، الذي يمقته بعض الفلسطينيين دون سبب مقنع وواضح (لأنه لا يشيل الزير من البير)، تعبير يقول: معظم المفاوضات تجري خارج قاعات التفاوض.. وربما كانت لقاءات الرئيس المتواترة بقطاعات مختلفة من الشعب الإسرائيلي هي نوع من "مفاوضات ـ داخل ـ المفاوضات".
مطلع الشهر المقبل، سيلتقي نتنياهو في واشنطن بالرئيس أوباما، قبل شهر واحد من انتهاء أجل الشهور التسعة المضروبة للمفاوضات، واحتمال إعلان السيد كيري نقاط "اتفاق الإطار". للزيارة الإسرائيلية توقيتها المحسوب، لكنها تتم بذريعة خطاب سيلقيه نتنياهو في منظمة "إيباك" وهي جماعة الضغط الأميركية ـ اليهودية الرئيسية الموالية لإسرائيل، وهناك جماعة "جي ـ ستريت" اليهودية الموالية للضغط الأميركي!
هل نرى في لقاءات متواترة بين الرئيس ومجموعات من الشعب الإسرائيلي محاولة لبناء جماعة ضغط (لوبي) على الحكومة الإسرائيلية، التي تدعي أن أبو مازن "يأخذ" ولا "يعطي" وأنه ليس "شريكاً"؟ أو نرى فيها تنفيذاً لبعض "روح أوسلو" في بدايتها وبرنامج "شعب لشعب" ولو صارت فلسطيناً "رئيس لشعب" علماً أن الرئيس الفلسطيني يعدّ خبيراً في الشؤون الإسرائيلية، قبل أن تولد السيدة "رنا" والزميلة نائلة ومهندساً تنفيذياً لاتفاق أوسلو، ورئيساً سابقاً لدائرة المفاوضات ـ م.ت.ف، ومفاوضاً في كامب ديفيد 2000 مع الرئيس عرفات، ثم مفاوضاً رئيسياً لايهود اولمرت وبعده بنيامين نتنياهو.. ويقول إسرائيليون إنه مفاوض صعب و"داهية"!
في كلمته إلى شبيبة إسرائيلية مختارة، أجاب الرئيس على معظم ما يشغل بالهم من أسئلة: الأمن، الحدود، القدس، المياه، يهودية إسرائيل، حق العودة، مبادرة السلام العربية، وهي جميعها، أو معظمها، أجوبة معروفة للشارع الفلسطيني وللولايات المتحدة، ولكنها ليست معروفة جيداً للشارع الإسرائيلي، بدليل انطباعات إيجابية لبعض الشبيبة الإسرائيلية بعد كلمة الرئيس، وبعضها كان "مفاجأة" للمستمعين الذين بدّلوا قناعاتهم السابقة حول جدية شراكة الرئيس الفلسطيني في عملية السلام.
تعهّد نتنياهو، الذي وضع عقبة يهودية إسرائيل أمام العملية، أن كل اتفاق سوف يطرح على الشعب الإسرائيلي للاستفتاء، وما يعتبره البعض الإسرائيلي "هجوم سلام" فلسطينيا من هذه اللقاءات قد يؤثر على القطاع الشبابي الإسرائيلي، الذي سيؤثر بدوره على اتجاهات الرأي العام في الاستفتاء. هناك في السياسة "عمل نحل ونمل".
"الفلسطينيون خطفوا اليونسكو" ؟
في حزيران المقبل، سيصوت مؤتمر "اليونسكو" على الأرجح لصالح طلب فلسطيني بإدراج قرية بتير ـ محافظة بيت لحم، في قائمة التراث العالمي.
قرية "الباذنجان البتيري" الشهير، شهيرة بالمدرجات الزراعية، وبرك مياه، وأرضيات فسيفساء تعود إلى ألفي عام، وهي مشهد طبيعي، غني وأخّاذ، يهدّده بالتشويه استكمال جدار الفصل الشرقي لمدينة القدس، كما يهدّد الجدار حقول دير كريمزان في المحافظة ذاتها.
كانت "اليونسكو" أول المنظمات التابعة للأمم المتحدة التي منحت فلسطين عضوية كاملة فيها، ومن ثمّ أُدرجت مدينة بيت لحم ـ مدينة المهد كأول موقع فلسطيني في قائمة التراث الإنساني. وبعد "بتير" هناك قائمة فلسطينية مرشحة تحوي 20 موقعاً تاريخياً وأثرياً.
مسؤول إسرائيلي قال إن الفلسطينيين ينجحون في تسييس منظمة دولية ثقافية "بالفعل الفلسطينيون خطفوا اليونسكو" !
من الذي "يخطف" ؟ إسرائيل خطفت 20 ألف دونم من أراضي قرية نحالين وأقامت عليها مستوطنات.. وهي تريد خطف 400 دونم أخرى لولا قرار "العليا" الإسرائيلية بإلغاء الخطف الجديد هذا. ألم تخطف المنطقة (ج)؟
.. علماً أن "العليا" الإسرائيلية صادقت على شق طريق سريع استيطاني يقسم قرية بيت صفافا إلى قسمين.
نحن لا نوفر اللجوء إلى القانون الدولي.. وحتى القانون الإسرائيلي!
نائب الرئيس: حلٌ أم هروب
بقلم: هاني المصري – الايام
شكلت اللجنة المركزيّة لحركة فتح لجنة لدراسة الوضع القانوني لاستحداث منصب نائب الرئيس، وأعلن توفيق الطيراوي بأنه طرح الفكرة منذ عدة أشهر، فيما قال محمد المدني بأنه لا حاجة لها، وأن القرار لدراسة المسألة قانونيًّا وليس لتنفيذها.
فكرة "نائب الرئيس" طرحت لأول مرة من بعض أعضاء المجلس التشريعي وغيرهم بُعيد انتخاب الرئيس في العام 2005، ورحب أبو مازن بالفكرة، وطالب بأن تكون هناك صلاحياتٌ منصوصٌ عليها في القانون الأساسي لنائب الرئيس، ولكن الأمر لم يحدث.
عندما انتهت الفترة الرئاسيّة، وبعدما أعلن أبو مازن عن رغبته بعدم الترشح لولاية ثانيّة، وخصوصًا بعد تأجيل تقرير غولدستون، وإعرابه عن رغبته في الاستقالة؛ طرحت فكرة "نائب الرئيس" أكثر من مرة من روحي فتوح وغيره من قيادات "فتح". كما طرحت الفكرة في آخر اجتماع للمجلس الثوري، وكان الرئيس يوافق عليها في كل مرة، وأحيانًا كانت تتداول أسماء، من أبرزها مروان البرغوثي، ولكنها لم تنفذ.
في محاولة الإجابة عن الأسئلة التي تطرحها هذه الفكرة، أبدأ بالإشارة إلى أن عدة مراكز أبحاث ومجموعات تفكير إستراتيجي "ثنك تانك"، أميركيّة وإسرائيليّة وأوروبيّة، وحتى عربيّة؛ بدأت منذ فترة بتنشيط البحث عن بديل أبو مازن. والآن هذه المسألة يطرحها ويبحث فيها قناصل الدول المهمة في المنطقة، وذلك لعدة أسباب، منها: أن أبو مازن قارب الثمانين عامًا؛ وحديث المصالحة وإجراء انتخابات بعد ستة أشهر على تشكيل الحكومة ارتفع مؤخرًا، والمفاوضات تدور في حلقة مفرغة وتأكل معها الأرض والحقوق وما تبقى من وحدة؛ والأهم أن هناك حملة هستيريّة إسرائيليّة ضد أبو مازن تتصاعد، وحاول أن يوظفها كيري عندما تحدّث عن أن مصيره سيكون مثل مصير ياسر عرفات في حال لم يتخذ القرارات الشجاعة، ويقدم التنازلات المطلوبة لتحقيق السلام.
في هذا السياق أخشى أن تستخدم مسألة "نائب الرئيس" من أجل الضغط على أبو مازن لإخضاعه تمامًا، مثلما استخدمت مسألة استحداث منصب "رئيس الوزراء" من أجل تحقيق ما سبق وأعلنه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، ونفّذه بمساعدة إسرائيليّة وغيرها، حول ضرورة إيجاد قيادة فلسطينيّة جديدة مختلفة عن قيادة ياسر عرفات، وملتزمة بمحاربة الإرهاب حربًا لا هوادة فيها.
لا أقصد بما سبق أن كل من يَطرَح فكرة "نائب الرئيس" يَصبُّ في سياق الضغط الأميركي الإسرائيلي، فهناك من يطرحها لأنها ضروريّة لمأسسة الرئاسة، وتوزيع السلطات، والاستعداد لاحتمال غياب أو تغييب الرئيس لسبب أو لآخر، خصوصًا أن شغور منصب الرئيس لن ينتج عنه انتقال سلس للسلطة، مثلما حصل بعد اغتيال ياسر عرفات. ففي عهد ياسر عرفات كان معروفًا من هو الشخص الثاني، صحيح أنه لم يعين رسميًا، وإنما كان أبو عمار يطلب من أبو مازن حضور اجتماعات الحكومة، وعندما يغادر الاجتماع لسبب أو لآخر يطلب منه رئاسة الاجتماع، وكان وقتها أمين سر اللجنة التنفيذيّة، ومقبولا عربيًا وإسرائيليًا وأميركيًا ودوليًا. وكان المجلس التشريعي منعقدًا بحيث تولى رئيسه روحي فتوح الرئاسة لمدة ستين يومًا لحين إجراء الانتخابات الرئاسيّة.
اليوم إذا غاب الرئيس في ظل الانقسام المدمر والمتغيرات العاصفة لا أحد يعرف من الشخص الثاني في "فتح" والسلطة والمنظمة، وهناك ازدحام في التنافس على هذا الموقع، لذا هناك ضرورة ملحة لاختيار نائب أو أكثر للرئيس (يمكن اختيار نائب لرئيس السلطة، وآخر للمنظمة، وثالث لفتح). ولكن ضمن أي سياق، فهذا هو المهم.
إن هناك ما هو أكثر أهميّة من تعيين نائب للرئيس، وهو إفشال الجهود الأميركيّة الإسرائيليّة الرامية لتصفية القضيّة الفلسطينيّة لا حلها، وأن الأولويّة يجب أن تكون لتوحيد الفلسطينيين وراء قيادة واحدة على أساس إستراتيجيات قادرة على إحباط المخططات التصفويّة، التي لا يجب أن ينام أحد على وسادة من الأوهام بأنها لا تملك فرصة للنجاح.
فالضعف والانقسام الفلسطيني، والتشظي العربي، وارتهان السلطة للمساعدات والالتزامات، وفقدان الاتجاه، ووصول الإستراتيجيات المختلفة إلى طريق مسدود، في ظل عدم وجود بديل عملي عن المفاوضات الثنائيّة لعدم توفر الإرادة لإيجاده، وليس لتعذر وجوده؛ يجعل هناك خطر جدي بنجاح جهود كيري، إن لم يكن اليوم فغدًا، وإن لم يكن مرة واحدة فعلى دفعات.
إذا توفرت الإرادة لتحقيق الوحدة واعتماد إستراتيجيات قادرة على الانتصار في ظل معطيات ومتغيرات محليّة وعربيّة وإقليميّة وأميركيّة ودوليّة فيها ما يساعد ويمكن البناء عليه، وليس كلها تصب في اتجاه عكسي؛ تجعل إمكانيّة الصمود والمقاومة المثمرة ممكنة، وليس هدفًا بعيد المنال. في هذه الحالة يمكن إجراء الانتخابات لحل مشكلة نائب الرئيس وغيرها، وإذا تعذر ذلك يمكن التئام المجلس التشريعي بالرغم من انتهاء فترته القانونيّة، (فالضرورات تبيح المحظورات، ولا شيء قانونيًا أصلًا حتى يتذرع البعض بالقانون في ظل صدور مراسيم رئاسيّة لها قوة القانون)، أو تشكيل مجلس تأسيسي يضم أعضاء المجلسين المركزي والتشريعي وشخصيات تضاف إليه تمثل الشتات والمرأة والشباب وتخويله بقيادة المرحلة.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن أن تكون خطوة تعيين "نائب الرئيس" خطوة في الاتجاه الصحيح، ويمكن أن تكون انحرافًا عما يجب عمله، فإذا تمت في سياق إعادة بناء وإصلاح وتجديد ودمقرطة المؤسسات الفلسطينيّة أولا في المنظمة، وبعد ذلك أو بشكل متواز ومتزامن في السلطة، وضمن بلورة إستراتيجيات كفاحيّة قادرة على توحيد الشعب بمختلف مكوناته السياسيّة ومواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد القضيّة الفلسطينيّة؛ فهي حق يراد به حق.
إما إذا كانت مجرد خطوة معزولة أو بالونات اختبار أو لعبة للتسلية يراد إشغال الناس بها، وبالتحديد الطامعين والمتنافسين، بين فترة وأخرى، أو تستخدم لمجرد المناكفة، أو ظهرت لمواجهة صعود دحلان لاعتبارات إقليميّة، ومحليّة، وفتحاويّة، وفتحاويّة - حمساويّة أو للضغط على أبو مازن عن طريق التلويح له بأن عمليّة استبداله قد بدأت، فهي في هذه الحالة حق يراد به باطل.
أخيرًا، تبقى نقطة لا بد من الحديث عنها بصراحة، وهي: لماذا لم نرَ فكرة "نائب الرئيس" تتحقق بالرغم من أن الرئيس كان يوافق عليها في كل مرة؟ السبب أن النظام السياسي الفلسطيني متأثر كثيرًا بالأنظمة السياسيّة العربيّة، خصوصًا في مصر وسورية، حيث يستأثر الرئيس بكل السلطات من دون حسيب أو رقيب أو مشاركة، لا من حزبه، ولا من مجلس نواب تمثيلي، ولا قضاء مستقل، ولا إعلام حر.
وما يزيد الطين بلة أن مؤسسات المنظمة أكثر من شبه مشلولة، والمجلس التشريعي غائب ومغيب، ما يعني أن الأمر يحتاج لأكثر بكثير من تعيين نائب للرئيس، فالمؤسسة والعمل الجماعي والبرامج المشتركة غائبة.
إن هذا الواقع وضع في يد الرئيس سلطات وصلاحيات استثنائيّة لم يحصل على مثلها الزعيم التاريخي ياسر عرفات، وهذا الواقع قوّى الرئيس محليًا وعربيًا ودوليًا، خصوصًا بعد وقوع الانقسام وفقدان الحكومة ورئيسها للصلاحيات المنصوص عليها في القانون الأساسي. فالرئيس أقوى بكثير بسبب عدم وجود بديل متفق عليه، ما يجعل ما يريده يأخذه الجميع في الحسبان. فالرئيس إذا أراد أن يرفض ما سيطرحه عليه كيري سيكون رفضه نهائيًا، وإذا وافق سيضع "فتح" والمنظمة والفلسطينيين أمام الموافقة أو انسحابه، وما يعنيه ذلك من انهيار السلطة، وربما النظام السياسي الفلسطيني كله، وربما يطرح الرئيس وينفذ فكرة "نائب الرئيس" إذا فشلت المفاوضات، أو إذا توصلت إلى اتفاق غير مقبول فلسطينيًا.
نحن بحاجة إلى أكثر من مسألة "نائب رئيس". فليست هنا الوردة ولا يجب أن نرقص هنا.
خطة كيري: كل الطرق لا تؤدي إلى الحل !
بقلم: رجب ابو سرية – الايام
خرج نحو ثلاثمائة طالب جامعي يهودي من اللقاء الذي جرى أول أمس، مع الرئيس محمود عباس في رام الله، بقناعة تامة، وهي أن هناك شريكا فلسطينيا للسلام، بعد ان أوضح لهم الرئيس رؤيته للحل، بما في ذلك عدم وجود نية فلسطينية "لإغراق" إسرائيل بملايين الفلسطينيين، وبذلك تولدت قناعة لدى الطلاب الذين ينتمون للأحزاب الإسرائيلية المختلفة، بما فيها أحزاب اليمين والأحزاب الدينية، أنهم يتعرضون الى الخداع من قبل قادتهم، وأنهم سيعودون الى الشارع الإسرائيلي ليكشفوا له هذه الحقيقة.
من الواضح أنه، كلما اقترب موعد التاسع والعشرين من نيسان المقبل، ازدادت الأجواء المحيطة بالمفاوضات الفلسطينية/ الإسرائيلية توترا، وكلما ارتفعت وتيرة التصريحات، على الجانبين حدة وانفعالا، ومقابل ما نلحظه من "هدوء" في أوساط الرئاسة الفلسطينية، نلاحظ درجة من الانفعال لدى الجانب الإسرائيلي، الذي باتت أوساطه تفكر، بأمر ما من شأنه أن يقلب الطاولة رأسا على عقب.
بالترافق مع إقدام إسرائيل على تسخين متصاعد لجبهة غزة، من خلال العودة لسياسة التصفيات واستهداف كوادر المقاومة الفلسطينية، ومواصلة عمليات التوغل في القطاع، حيث يبدو أن كلا من إسرائيل و"حماس" باتت لهما مصلحة ما في تسخين الجبهة بينهما، دون ان يعني ذلك تكسير قواعد اللعبة، فـ"حماس" باتت تحت ضغط شديد منذ خلع صديقهم الرئيس المصري السابق/ المخلوع محمد مرسي العياط عن منصب رئاسة الجمهورية المصرية، فيما إسرائيل تواجه مشكلة جراء صمود الجانب الرسمي الفلسطيني في وجه الضغوطات للقبول بخطة كيري، نقول بالترافق مع سياسة التصعيد على جبهة غزة، والتي قد تجر لحرب محدودة، تحقق فيها إسرائيل هدفا مزدوجا، يتمثل في توجيه ضربة قاصمة لسرايا القدس، والتنصل من خطة كيري، فيما تتحرر "حماس"، ولو قليلا من الضغط، عبر استجداء التعاطف الفلسطيني، وربما العربي، وإعادة إحياء فكرة كسر الحصار عن غزة!
نقول مقابل ذلك، إن إسرائيل تحاول أيضا "تحصين" ملفات التفاوض داخليا، من خلال استصدار قوانين برلمانية من خلال الكنيست تحول دون الانسحاب من الأرض الفلسطينية المحتلة، وكذلك تمنع الخروج من القدس الشرقية المحتلة، وبالطبع تؤكد "يهودية الدولة" لإغلاق الأبواب أمام حق العودة الفلسطينية.
درجة خطورة ما تفكر به إسرائيل دفع الأردن الى القول إن إسرائيل تلعب بالنار حين تسعى من خلال الكنيست الى الإعلان عن إلغاء الولاية الدينية الأردنية عن القدس، فيما يشارك قادة الأحزاب الإسرائيلية في الإعلان عن مواقفهم المختلفة ويقومون بنشر أفكارهم في كل اتجاه، في محاولة لنشر فوضى الأفكار، حتى لا ينتهي الأمر التفاوضي الى شيء.
آخر ما لفت الانتباه هو تصريح النائب عن البيت اليهودي اليميني المتطرف، الحزب الذي يعتبر حزب المستوطنين اليهود، والشريك في الحكومة الائتلافية، عن الحل في ظل الدولة الواحدة بدلا من الدولتين، حيث انه قد لوحظ، أن الصراع السياسي الداخلي في إسرائيل إنما هو قائم بين اتجاهين، كلاهما يريد الانفصال عن الفلسطينيين: الأول يعلل تأييده لحل الدولتين بالخشية من فرض حل الدولة الواحدة، ثنائية القومية في نهاية المطاف، والثاني يرفض الانسحاب من الضفة والقدس، بدعوى أنها أرض الأجداد، ويعلل ذلك بالمخاطر الأمنية الناجمة عن ذلك، وحتى يبقى بنيامين نتنياهو رئيسا للحكومة وحزب الليكود في الحكم، يقول إنه يريد يهودية الدولة للحفاظ على طابعها القومي، ولقطع الطريق على الدولة الواحدة، وفي نفس الوقت يقول بعدم تفكيك أية مستوطنة أو إخراج أي مستوطن!
بين حزبي العمل والبيت اليهودي، يبدو نتنياهو "حائرا"، ولذا فإن أسهل قرار وانسبه بالنسبة له، هو ان يضع الشروط التعجيزية، التي تفشل إمكانية التوصل الى الحل، وبذلك يتجنب مصيرا مشابها لمصير سابق كان قد تعرض له، بعد اتفاق "واي ريفر" حول مدينة الخليل والذي كان سببا في سقوط حكومته الأولى، وتقدم أرئيل شارون لقيادة الليكود ومن ثم تولى منصب رئيس الحكومة بدلا منه.
وهذا يعني بوضوح، ان الطريق مسدود أمام خطة كيري، بسبب فقدان الشريك الإسرائيلي للحل التاريخي، ذلك أن ما بين مفهوم العمل وحتى الليكود لحل الدولتين، ومفهوم البيت اليهودي للدولة الواحدة، تشويه للحلين معا، فلو أفترضنا جدلا أن إسرائيل اختارت حل الدولتين، فإن ذلك يعني أنها لن تكون قادرة على قبول حل دولتين حقيقي، يشمل الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 67 والقدس عاصمة وحق العودة والتعويض للاجئين، وان حل الدولة الواحدة، لن يقوم على مبدأ المواطنة والمساواة، بل على مبدأ الفصل العنصري، من خلال الاستناد ليهودية الدولة، أو ربما أبعد من ذلك من خلال إقامة الدولة، ثنائية القومية في الضفة الغربية وليس على ارض فلسطين التاريخية.
جوهر المشكلة والتي تتفاقم منذ أوسلو، قبل عشرين سنة، هو ان الموقف الإسرائيلي التفاوضي في حالة تراجع، نظرا لأن المجتمع الإسرائيلي في حالة تقدم باتجاه اليمين والتطرف والتدين، لذا فلن يكون هناك شريك إسرائيلي، ما لم يحدث اختراق في بنية المجتمع الإسرائيلي، تحرره من إرث "الغيتو" والعزلة، وتدفعه للتعايش مع الآخرين!
"عندما نقدم شيئاً يتم وضعه في الجيب ويقولون نريد غيره"
بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
يقول الكاتب الإسرائيلي جدعون ليفي: "إغراء إسرائيل يزيد على ما تستحقه" ويقصد بذلك ما يقدمه النظام الدولي من أشكال الدعم والامتيازات فضلا عن المراعاة والتفهم والتبرير لسياساتها المتغطرسة. هذا الدعم لا يعجب الإدارة الإسرائيلية التي فتحت شهيتها على مصراعيها طلبا للمزيد دون سقف أو حدود. وكما قال وزير الخارجية الأميركي: "كلما قدم الفلسطينيون تنازلات تضعونها في الجيب وتريدون المزيد". ويكفي اي نقد خفيف للسياسة الإسرائيلية لقلب الطاولة من قبل تلك الإدارة، وإشهار خطر الإبادة والتهديد الوجودي والعداء للسامية.
جذر المواقف الرسمية الإسرائيلية يعيدها جدعون ليفي لغولدا مائير التي قالت ذات يوم في قديم الزمان "لشولوميت آلوني: "يجوز لليهود فعل كل شيء بعد المحرقة". هذا يفسر الرفض الإسرائيلي للقانون الدولي وقرارات الشرعية والاتفاقات المبرمة فضلا عن استباحة الحقوق الفلسطينية بالطول وبالعرض. أما الانتهاكات الإسرائيلية الفادحة فتقابل إما بالتفهم او الصمت او اللوم الخفيف والاستنكار الخجول. وكان الشاعر محمود درويش قد استهجن هذه السياسة حين قال : " الطفل يكافأ بالشيكولاتة وعندما يخطئ يعاقب ويحرم من المكافأة، أما إسرائيل فتكافأ دائما ولا تحرم من اي شيء عندما تخطئ"!
اول من امس التقى الرئيس محمود عباس مع 200 من الطلبة الاسرائيليين في مبنى المقاطعة، كم كان جيدا الاعتراض على اللقاء عبر مسيرة اتجهت نحو المقاطعة، غير انها منعت من الوصول الى المكان وحظر على الصحافيين التقاط الصور، وقد انتقص التقييد والمنع الامني المشوب بالتهديد من حرية التعبير والاحتجاج سيما وان هناك ما يكفي من الأسباب للاعتراض على العملية السياسية التي لم تحظ بأي استجابة اسرائيلية. خلافا لذلك وفي يوم لقاء الطلبة مع الرئيس صادقت بلدية الاحتلال في مدينة القدس على بناء 350 وحدة استيطانية ضمن توسعات استيطانية جديدة شرق المدينة.
كشف الرئيس عن رزمة الإغراءات والتنازلات الفلسطينية المقدمة للإسرائيليين. بدءاً بتبادل أراض لتيسير الاتفاق على الحدود، واعتراف كل الدول العربية والإسلامية بإسرائيل - 57 دولة -، القبول بتواجد قوات الناتو على الأراضي الفلسطينية لضمان امن إسرائيل، حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين بالتفاهم والاتفاق مع الإسرائيليين وعدم السعي لإغراق إسرائيل بملايين تغير تركيبتها السكانية. لن يعاد تقسيم القدس وستبقى مدينة مفتوحة بشطريها ببلديتين ومجلس مشترك وحرية الوصول الى المبكى، دولة فلسطينية منزوعة السلاح تعتمد على قوة شرطية، والمياه بحسب القانون الدولي. وفوق ذلك، تقديم وعد بأنه إذا لم يتحقق السلام لن نعود الى العنف.
في مقدمة كلمة الرئيس الموجهة للاسرائيليين الحضور وللمشاهدين له عبر شاشات التلفزة، شدد على سلام مبني على الشرعية الدولية باعتبارها الاساس الذي يمكن البناء فوقه، غير أن معظم التنازلات الفلسطينية كانت اقل من قرارات الشرعية الدولية. بدأ التنازل الفلسطيني الكبير في العام 88 عندما اعترف المجلس الوطني بقرار 242 الذي اقر بحدود الرابع من حزيران عام 67 كحدود لاسرائيل. وكان هذا يعني بحسب عكيفا إلدار التخلي عن 78% من مساحة فلسطين الانتدابية، كان ذلك شرطا لقبول الإدارة الأميركية التحاور مع المنظمة، دون ان تعترف إسرائيل او الولايات المتحدة بدولة فلسطينية على 22% هي ما تبقى من فلسطين.
الاعتراف بقرار 242 افقد قرار التقسيم رقم 181 مضمونه والذي خصص 45% من مساحة البلاد للدولة الفلسطينية ما عدا القدس التي دعا القرار الى تدويلها. بمعنى آخر جرى التسليم بضم 23% من المساحة المخصصة لدولة فلسطين الى إسرائيل دون اي مقابل. اي جرى التسليم بنتائج هزيمة الانظمة العربية وميزان القوى الذي تمخض عنها.
وعندما يتم الحديث عن تبادل طفيف بالقيمة والمثل في الاراضي لتسهيل الحدود، فالمقصود هنا التكتلات الاستيطانية التي شيدت على مواقع حيوية جدا سواء لجهة التحكم والسيطرة او لجهة ان هذه المناطق هي من اهم واخصب المناطق الزراعية الفلسطينية، إضافة الى انها تحتوي على مخزون المياه الرئيسي، وهنا يصبح توزيع المياه وفقا للقانون الدولي مختلا الى حد كبير لصالح اسرائيل. تقع هذه المناطق في محيط مدينة القدس، وفي الجنوب الذي يضم كتلة كفار عتصيون الاستيطانية، وتكتل أريئيل الاستيطاني في الشمال. هذه المواقع وغيرها جرى اقتطاعها وضمها عمليا من طرف واحد بجدار الفصل العنصري.
مقابل ذلك فإن الأراضي المزمع تقديمها هي اقل قيمة وأهمية ومساحة في اكثر العروض الإسرائيلية والأميرية سخاء، وفوق ذلك ورغم ان المفاوضات لم تتوصل الى اتفاق بشأن أراضي التبادل فإن الحكومات الإسرائيلية تعاملت مع هذه المناطق باعتبارها مناطق إسرائيلية ناجزة السيطرة، وتستخدم الموافقة الفلسطينية المبدئية على التبادل لمضاعفة الاستيطان داخلها، بيد ان حكومة الاحتلال تتعامل بشكل نقيض مع كل ما له صلة بالحقوق الفلسطينية وبالأراضي الفلسطينية وفقا للمعادلة التي وضعها ايهود باراك : لا شيء متفقا عليه إلى أن يتم الاتفاق على كل شيء" . أما قضية اللاجئين فقد منحت مبادرة السلام العربية إسرائيل حق نقض الحل الذي ينص عليه قرار 194 ، دون الإشارة إلى مسؤولية إسرائيل عن خلق هذه المشكلة، ودون الزامها بتطبيق هذا القرار.
تنازلات وإغراءات من قبل الضحية المكبلة بشروط الاحتلال والفصل العنصري، وتنكر من قبل دولة الاحتلال، او كما قال الرئيس في كلامه الموجه للإسرائيليين. "عندما نقدم شيئا يتم وضعه في الجيب ويقولون نريد غيره." متوالية بدأت في العام 74 واستمرت حتى الآن بوتائر كبيرة وباندفاع شديد. السؤال الذي يطرح نفسه، هل عملية سياسية من هذا النوع الذي يتحكم فيها ميزان قوى وثقافة توسع كولونيالي وفصل عنصري ستؤدي الى حل سياسي يلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية؟ منطق التفكير السياسي للإدارة السياسية والأمنية الإسرائيلية يقول لا. ستستمر دولة الاحتلال بوضع التنازلات الإضافية في جيوبهم والبحث عن تنازلات جديدة. وسيجردون الشعب الفلسطيني وحركته السياسية من كل عناصر قوتهم. ليس لديهم غير بناء نظام حل عنصري يسيطر على الشعب الفلسطيني. وهذا هو السلام الاميركي الاسرائيلي.
خلاف "حماس" و"الأونروا"..!!
بقلم: حسن خضر – الايام
تتصرف "حماس" في غزة باعتبارها دولة مستقلة. والدليل: خلافها مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) حول مناهج التعليم، في المدارس التي تديرها الوكالة في القطاع. قبل أيام، عبّر ناطق باسم وزارة تعليم "حماس"، في غزة، عن الخلاف حول تدريس مادة حقوق الإنسان، بالقول إن الوكالة: "تجاوزت القوانين والأعراف المتبعة".
من القوانين والأعراف المتبعة أن الوكالة تلتزم بالمناهج المعتمدة في مناطق عملياتها. وهذا ما عبّر عنه ناطق باسمها قائلاً: ليس للوكالة مناهج تخصها "فهي لا تدرّس إلا المناهج التي وافقت عليها السلطة الوطنية الفلسطينية".
يعني، "حماس" لا توافق على مناهج تعليمية وافقت عليها السلطة، وتعتقد أن الوكالة إذا اشتغلت في غزة فهي تشتغل في منطقة عمليات مستقلة. ألا يُسهم تفكير كهذا، وكل ما يتجلى من ترجماته المحتملة على الأرض، في ترسيخ حقيقة انفصال، وفصل، غزة عن الضفة الغربية، على مستوى الوكالات الدولية، أيضاً؟
لا بأس. ولكن لماذا تعترض "حماس" على مادة حقوق الإنسان، وتطالب الوكالة، بوقف تدريس المادة المذكورة، وسحب المناهج غير "المُرخصة" من التداول؟ في الكلام عن المُرخّص وغير المُرخص ما يحيل إلى السؤال السابق، طالما أن "حماس" صاحبة، ومرجعية الترخيص.
ولا بأس، أيضاً. المهم أن "حماس" تعترض على المادة المذكورة لأن: "المناهج غير المُرخّصة معزولة تماماً عن واقع الطالب العربي الإسلامي الفلسطيني"، كما قال الناطق باسم وزارة تعليمها.
وهنا، يتبادر أكثر من سؤال إلى الذهن: من يملك الحق في تعريف واقع "الطالب العربي الإسلامي الفلسطيني"، وقبله من يملك الحق في تعريف "الطالب العربي الإسلامي الفلسطيني" نفسه؟
فالطالب "العربي الإسلامي الفلسطيني" يعيش في مناطق مختلفة من العالم، كلها خارج سيطرة "حماس"، ما عدا قطاع غزة. لذا، يصح الكلام، مثلاً، عن "الطالب العربي الإسلامي الفلسطيني" في قطاع غزة. مع ملاحظة أن الطالب العربي الفلسطيني في قطاع غزة يمكن أن يكون مسيحياً، أيضاً. ومع ملاحظة أن صفة الإسلامي تبدو مُقحمة على السياق، فالمسلم ليس إسلامياً، بالضرورة.
على أية حال، فهمنا أن المناهج "غير المرخصة" معزولة تماماً عن واقع "الطالب العربي الإسلامي الفلسطيني"، ولكن كيف؟ هذا ما يُفسره الناطق من خلال قائمة من الأسماء، والأحداث التاريخية، التي يرى فيها دليلاً على المنعزل، والمعزول ومنها: غاندي، ومارتن لوثر كنغ، وانتفاضات السود في جنوب أفريقيا ضد نظام الفصل العنصري.
وعلاوة على هذا وذاك، في مادة حقوق الإنسان "إسراف في الحديث عن ويلات الحروب، وآثارها السلبية"، أما ثالثة الأثافي فتتمثل في وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في نهاية الكتب المدرسية، على الرغم مما فيه من مخالفات دينية واضحة".
الأخبار السيئة، التي يجب أن تسمعها "حماس": أن مناهج التعليم المركزية، ذات التوّجهات الأيديولوجية، فشلت في كل العالم. كان الطلاّب في الجامعات السوفياتية هم الأكثر كراهية للنظام الشيوعي، وفي السعودية أدى تديين المناهج التعليمية إلى ولادة ظاهرة الإرهاب، التي تهدد الدولة السعودية نفسها.
وبعد إنشاء الدولة الإسرائيلية، تعلّم الطلاب الفلسطينيون، في الجليل، والمثلث، والنقب، في مدارس ترفع العلم الإسرائيلي، وتدرّس مناهج وزارة المعارف الصهيونية، التي استهدفت تنظيف أدمغتهم من القومية، والعروبة، والوطنية، وفلسطين. ولكن هذا كله لم يحل دون ظهور محمود درويش، الشاعر القومي للشعب الفلسطيني، وكوكبة من الشعراء، والكتّاب، والفنانين، وهم أكثر وطنية، وعروبة، وفلسطينية، من كثيرين درسوا في مناطق أخرى من العالم.
وقد سبق لقادة "حماس" أنفسهم أن تعلموا (كلهم على الأرجح) في مدارس الوكالة، التي كانت قبل عشرين، أو ثلاثين عاماً، أقل ميلاً إلى المحافظة، وأبعد عن التديّن مما هي عليه الآن، ولكن ذلك لم يحل دون اعتناقهم لأفكار كانت خارج المناهج الدراسية، بل وفي تناقض معها.
بمعنى آخر، تحويل المدرسة إلى أداة للهندسة الاجتماعية مشروع فاشل. فلا المناهج تُسهم في "تدجين نفسية الطالب الفلسطيني"، كما يعتقد الناطق باسم وزارة تعليم "حماس"، ولا يوجد "البديل الإسلامي العربي الفلسطيني" لغاندي، ومارتن لوثر كنغ، وانتفاضة السود في جنوب أفريقيا. فهذه نماذج تاريخية، وتاريخ العالم، تاريخنا، أيضاً.
المهم أن الكلام حول المناهج جاء في الأسبوع نفسه، الذي شهد زيارة وفد من "فتح" لقطاع غزة، واجتماعه بممثلين لـ "حماس"، وظهور الطرفين على شاشة التلفزيون للكلام عن المصالحة، وإنهاء الانقسام..الخ. وقد أعقب اجتماع الطرفين اجتماع "للفصائل"، في غزة، أكد فيه المجتمعون على "ضرورة مواجهة المخاطر، الناجمة عن خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري".
لم يلفت خلاف "حماس" مع "الأونروا"، حول مسألة تخص حياة، وثقافة، ومستقبل، ربع مليون طالب فلسطيني، في مدارس الوكالة في غزة، اهتمام الفصائل، ولا أحد من الداعين إلى مواجهة المخاطر، الناجمة عن خطة كيري، ولم تُثر مسألة إصرار "حماس" على تعامل الوكالة معها باعتبارها سلطة مستقلة تملك الحق في ترخيص المناهج، في اجتماعات "المصالحة"، أو الفصائل. وحتى الصحافة الفلسطينية نفسها، لم تهتم بالموضوع.
الكل مشغول بما هو أهم وأبقى. ولا أعرف ما هو الأهم والأبقى، ولكن جزءاً منه، على الأقل، يمكن العثور عليه في خلاف "حماس" مع "الأونروا" حول مادة حقوق الإنسان، ولماذا زعلت الأولى من الثانية.
رأيتك في الشارع
بقلم: زياد خدّاش – الايام
لم يسألني أحد في الشارع عن الذي حدث؟ لم يقترب أحدٌ ليلمس بعينيه تفاصيل الواقعة، لم يتعاطف معي أحد، لم يشفق على ساقيّ الآيلتين للبكاء عاملُ بناء مجاور، لم تتوقف الصيدلية القريبة من فمي عن بيع المهدئات، لم يخفّف موكب الرئيس من سرعته، لم يُشر طفلٌ يمسك بيد أمّه نحوي، لم تقع جريدة من يد رجل رأى الذي حدث، ولم يتصل أحد بالطبيب أو بالصحافة أو بالله أو بأصدقائي المقربين أو بأبي، لم تتوقف المكتبات عن بيع (قواعد العشق الأربعين)، لم تتوقف يدا شرطي السير عن الحركة، لم تتوقف السيارات عن الاستجابة ليديه، لم يطر الحمام من صخب الحادثة. لم تغلق المدارس أبوابها، ولم يتوقف مدرسو الجغرافيا عن الثقة بالسبورة والطاعة والعصا والخارطة. كل شيء في رام الله واصل وجوده، إذ ماذا يعني أنّي رأيتك في الشارع؟
تغريدة الصباح - الخاطرة المنكودة
بقلم: أحمد دحبور – الحياة
ما أظن انني تعثرت في كتابة زاوية صحفية كما تعثرت هذه المرة، فقد تحالف وضعي الصحي الطارئ مع مزاجي المتعكر لعرقلة هذه المادة، وقديما كان العرب يتطيرون ويتشاءمون من كثافة المصادفات السيئة، حتى انهم قالوا:
كل شيء قاتل حين تلقى أجلك
وواقع الأمر اننا لا نقرر آجالنا، ولكن يحدث ان تغلب النظرة السوداوية على المشهد عندما تتضافر مجموعة من المعيقات الصغيرة وتلقيك خارج التلقائية التي عودت نفسك عليها.
فان ينفد حبر القلم فجأة، او يختفي المرجع الذي تحتاجه، ولو الى حين، او ان يقع حادث صغير او كبير في الجوار فيشغلك، هي مصادفات تتجمع لتقول ان الاشياء لا تكون دائما على ما يرام، على أننا من وجهة نظر مختلفة، نرى ان تأويل الوقائع يمكن ان يكون ايجابيا عندما يسمح المزاج الصافي بذلك التأويل، ولعل قصص العرب تغص بكثير من الوقائع التي يجري تأويلها حسب الوضع النفسي لمن يقوم بعملية التأويل.
أي ان التاريخ هو حركة موضوعية ونحن الذين نتأثر بأحداثه سلباً وايجاباً، ولعلنا نذكر قصة الفتية الضائعين في الصحراء وقد اعطاهم احد العرافين علامة ما، فرأى بعضهم انهم سيعثرون على فرصة النجاة بعد خمس علامات، فيما رأى بعضهم الآخر ان ما بقي لهم من فرص النجاة لا يتعدى خمس علامات، ولم يكن الاساس هو الاخذ بتلك النظرة المتشائمة او هذه النظرة المتفائلة، بقدر ما ان الاساس هو ان يبحث الضائعون عن سبل النجاة والعمل على ذلك.
ها أنذا استطرد في متابعة الافكار المتوالدة من بعضها حتى ليمكن ان يصل بي الاستطراد الى السياسة او قراءة الطقس او الايغال في التأمل وحتى لا يكون هذا الكلام مجرد حيلة للتغلب على بياض الصفحة التي يجب ان املأها، فانني أتوسع بالسؤال حتى ليتجاوز خاطرة مسيرة يصعب ان تكتمل، الى سؤال اوسع يتصل بالحياة وما نريد منها وما نستطيع او لا نستطيع احرازه في رحلتنا الوجودية على الارض.
وعن طريق التداعي لا اكثر، أذكر مقالة للمفكر الراحل الكبير محمود امين العالم بعنوان «بلاش فلسفة»، يلاحظ فيها ان الثقافة الشعبية السطحية تتهيب الخوض في مناقشة الافكار التي لها اول وليس لها آخر، فترى احد المتحاورين يقول: بلاش فلسفة.. بمعنى انه لا يريد تعقيد النقاش في امور الحياة التي قد تكون بسيطة تماما، ليخلص العالم ان ذلك التعبير يشي بالخوف من التفكير، اذ علينا ان نفكر وان نتفلسف وان نسأل، حيث لا معنى للحوار، أي حوار، اذا لم يكن السؤال هو دليلنا الى ما نريد.
واذا التزمت بفكرة الاستاذ العالم، فانني أسأل، والسؤال هو: كيف نعرف أي شيء اذا لم نسأل؟ ألم تكن مفاتيح رؤيتنا للوجود هي كيفية ادارتنا لأدوات الاسئلة من كيف الى متى الى ماذا الى لماذا الى كم الى أين؟
والواقع ان كل واحدة من هذه الادوات هي مفتاح لمعرفة من نوع خاص، وان كانت المعرفة الجادة تقتضي الخروج من التجريد شيئاً فشيئاً وصولاً الى قراءة الواقع بتفاصيله. على ان المفارقة التي تكمن وراء هذا الاسترسال، هي ان الاسئلة بحد ذاتها ليست حلولا الا اذا كان ثمة وعي وتصميم على الوصول الى فكرة معينة، وسؤالي البريء - وقد يكون ماكراً - هو: الى اين أريد ان أصل؟ حسناً انني أجاهد للوصول الى الآخر، الذي هو القارئ في الحالة التي أنا فيها، فأنا لا أكتب زاعماً انني أقدم الفائدة بل انني أبحث عن هذه الفائدة بوصفها الانفتاح على الآخر والدق على جدران الخزان المصمت - حسب تعبير شهيدنا غسان كنفاني- فما لم يسمعك الآخر او يتجاوب معك فان ضجيجك لن يوصلك الى مكان.
والآن، وحسب نقلة نوعية في التفكير كما أرى، هل أقول ان هذه الخاطرة من شأنها ان تنسحب علينا وأن تتحول الى سؤال فلسطيني؟
أجل، والسؤال هو: الى أين وبمن؟ واذا كنا مدركين جميعا اننا نقصد الخلاص الوطني، واننا نستخدم لذلك حضورنا الجمعي فهذا يعني ان هذه الاسئلة لم تكن مجرد تداعيات ذهنية، فالذهن الفلسطيني مشغول منذ اكتشافه بسؤال العدل والحق الذي تألق وتأنق حتى اخذ اسم فلسطين.
عند هذا الحد أعتذر لمن يتهمني بالخروج على الموضوع، ولكن فلسطين هي الموضوع ونحن فيه..
الاستقرار العربي ما زال بعيدا
بقلم: يحيى رباح – الحياة
انتهى (جنيف 2) بعد وصوله الى طريق مسدود دون تحديد مواعيد جديدة, والعناوين التي اعقبت الفشل هي عناوين غامضة مثل وعد الرئيس باراك اوباما بالمزيد من الضغط على النظام السوري, مع ان النظام السوري احرز في الشهور الاخيرة نجاحات ميدانية واسعة, كما انه تعاون بشكل كبير في الملف الكيميائي وفي الوضع الانساني في حمص وفي مخيم اليرموك ولكن النجاح الاكيد الذي حققه النظام السوري تجسد في المصالحات الداخلية التي شملت حتى بعض من حملوا السلاح في وجهه, وهذه المصالحات اضعفت المعارضة الخارجية السورية الممثلة بالائتلاف الذي ثبت انه لا يؤثر بشكل فعال على الارض, وان المعارضة السورية في الداخل لا تنتمي اليه !!! وهكذا بعد (جنيف 2) تعود الامور الى نقطة الصفر، فيعود الكلام عن تزويد المعارضة بسلاح فعال, فهل اتفقت الاطراف الدولية وعلى رأسها اميركا على هذه الخطوة ام ان المحاذير ما زالت قائمة, اما الحديث عن العودة الى مجلس الامن, فان التوازن في مجلس الامن مازال على حاله لم يتغير, فلقد تعطل مشروع قرار حول المساعدات الانسانية بسبب معارضة روسيا والصين, فكيف حين تطمح بعض الاطراف الاقليمية بقرار على غرار القرار الذي صدر بشأن ليبيا قبل نهاية القذافي؟ خاصة وان الوضع في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي لم يتبلور بصيغة تشجع اللاعبين في الملف السوري.
اعتقد ان موقف روسيا الملتزم مع النظام السوري حقق سمعة طيبة، واعتقد ان زيارة المشير عبد الفتاح السيسي الى موسكو هي اكبر دليل على ذلك, ودليل على ان اتخاذ قرار ضد سوريا في مجلس الامن ليس بالأمر السهل.
ولكن هذا معناه ايضا ان المتورطين الاقليميين في الصراع السوري لن يوقفوا اللعبة بسرعة, فبعض هؤلاء مثل اردوغان في تركيا ليس امامه سوى التدخل الفج في سوريا وفي مصر للتغطية على التغيرا ت الكبرى التي تجري في تركيا نفسها, خاصة بعد انفضاح ملف الفساد المدوي, ومحاولة اردوغان ان يرد على ذلك بتغيرات حادة في جهاز الشرطة وفي هياكل القضاء التركي, الامر الذي يرشح تركيا بامكانية الغرق في مستنقع الاضطراب الداخلي التي كانت تتباهى بدورها في تأجيجه لدى الاخرين.
في هذه الاثناء: يتضح ان الاستقرار العربي الذي من شأنه ان يعيد للدور العربي مكانته مازال بعيدا, وقد يخطئ العرب مرة اخرى في اعطاء اميركا وحلفائها قرارات تغطية بالمجان كما حدث في النموذج الليبي، وكما حدث في حرب الخليج ايام صدام حسين، وكما حدث في القمة العربية في بيروت 2002 التي انعقدت بغياب الرئيس عرفات الذي كان محاصرا بقرار اسرائيلي وقرار اميركي في المقاطعة برام الله.
هذا الغياب للدور العربي وللثقل العربي الآن, يجعلنا فلسطينيا ملزمين بالحذر ودقة الحسابات في مواجهة اخطر مرحلة من مراحل العدوانية والعنصرية الاسرائيلية المتمثلة ببدعة الدولة اليهودية حيث هناك خلاف عميق منذ انشاء اسرائيل على تعريف مصطلح اليهودية، ناهيكم عن الحقن العدواني والعنصري الذي تحقنه حكومة نتنياهو.
صناعة التطرف وعناصرها الأكثـر اشتعالاً (10) ..... عودة الدين إلى ملاذات الدولة الشمولية..
بقلم: فخري كريم – الحياة
مهّد صعود الاخوان المسلمين في مصر وامتداد التنظيمات الاخوانية في بلدان عربية وإسلامية تحت مسميات مختلفة، لظهور نمطين متجاورين، مترابطين، مع بعض الاختلاف والتباين، من الصراع في المجتمعات العربية الاسلامية: الصراع داخل المجتمع تحت شعار احياء القيم الاسلامية، ونبذ الافكار والقيم الغريبة والدخيلة عليه، من داخله ومن الاخر المضاد الوافد، وقد عرف هذا بالصحوة الإسلامية فيما بعد.
والصراع المتميز بالاصطفاف مع النظام السياسي، وسلطته، في مواجهة حركات التقدم والتطور الاجتماعي والثقافي والسياسي.
وكلما كان الحراك السياسي - الاجتماعي اكثر تجذراً ونفوذاً، كان الميل نحو الاصطفاف مع الدولة "النظام - السلطة" في مواجهة حركات التغيير والتقدم، أشد وضوحاً وأعمق تأثيراً في الاوساط الشعبية المتروكة للأمية والفقر والجهل السياسي.
وقد شهد النصف الاول من القرن العشرين، نهوضاً عارماً للحركة الوطنية الشعبية، على قاعدة النضال في سبيل التحرر الوطني والاقتصادي والاجتماعي ضد الهيمنة الاستعمارية من جانب، وفي مواجهة الظلم والعسف واللامساواة في المجتمع، من جانب آخر.
ولم يكن ممكناً الفصل بين النضالين، الداخلي والخارجي، ضد الاستعمار من جانب، وضد الاقطاع والطبقات والفئات الطفيلية المعتاشة على فضلات الأجنبي من الجانب الآخر. وهذا الترابط صار هدفاً لشريحة من وعاظ السلاطين ممن يعتمرون لفائف رجال الدين، في غيبة من صحوة رجالاته البارزين، واحياناً في مواجهتهم.
واستطاع الوعاظ، وعدد غير قليلٍ من الاوساط الدينية تمرير كمائن الدوائر الاستعمارية المهيمنة على ارادة الدولة الشمولية التابعة، وكانت تشكل بمجملها، على كل حال، النظام العربي- الاسلامي الرسمي، والسعي لاظهار الصراع الوطني، بمضامينه الاجتماعية التقدمية، كمنازلة بين القيم والشرائع السماوية والافكار الوافدة "الهدامة- الدخيلة" على تقاليد المجتمع وأفكاره وعاداته المتوارثة. وفي مناخات هذه "المنازلة" تأسست منظمات وحركات وأحزاب دينية، تنطلق من الوقوف ضد الحركات والأحزاب "الهدامة- الملحدة"، أي في مواجهة الحركة الوطنية بكل فصائلها، دون تمييز، مستندة الى حيثيات الدولة الشمولية "القانونية" في محاربة هذه الفصائل، وتكفيرها، ومحاولة عزلها عن جماهيرها، ونبذها اجتماعياً.
وكان برنامج "على مائدة القرآن" الاذاعي، على سبيل المثال، أحد الادوات والوسائل التحريضية التي برزت في الخمسينيات في مواجهة المد الوطني في العراق. كما برزت صيغٌ مماثلة اخرى في البلدان العربية والاسلامية. وجرى استخدام مساجد ومناسبات دينية، لاشاعة مناخٍ شعبي، متشكك بما يدور حوله من صراع تخوضه الحركة الوطنية، وفي اي اتجاه يتبدى استهدافها للدين وقيمه وشعائره. وقد استفادت قوى الاسلام السياسي الرسمية من بعض ردود الفعل "الطفولية" في الحركة الوطنية، التي ابتلعت "الطعم" ولم تفرق بين دعوات الطارئين على المؤسسة الدينية من وعاظ السلاطين، ورجالات الدين الافاضل الذين ساندوا العمل الوطني، حيث شاركت قامات بارزة منهم في النشاطات والفعاليات الداعمة. وبدا احياناً، كما لو ان النضال الشعبي الوطني، يرى في المؤسسة الدينية، ومراجعها دون تمييز، هدفاً له. ودخلت الاجهزة الامنية والطابور الخامس على خط النشر الواسع للاشاعات المغرضة المشوهة التي استلّت لتغذية حملتها، عبارات وجملاً من مفكرين كبار، مقطوعة عن سياقاتها التاريخية، ومفرّغة من معانيها، مثل قول كارل ماركس الشهير "الدين افيون الشعوب" الذي قيل في وصف النشاط الكنسي في حقبة بيع "صكوك الغفران"، وحين شاركت الكنيسة في ردع الحركات الشعبية المناهضة للأنظمة الملكية الثيوقراطية المستبدة في وأوربا، دون ان يقترب في معناها من العالم العربي والدين الإسلامي.
لقد شهد الصراع الوطني في عموم البلدان العربية في النصف الثاني من القرن العشرين، اندماجاً عضوياً بين التحرر السياسي والاجتماعي. وفي بلدٍ مثل العراق، على سبيل المثال، كان الاقطاع العدو الطبقي المباشر للطبقة الاوسع والاكثر مظلومية في المجتمع العراقي. وكان الاقطاع و"الكومبرادور" الطفيلي القاعدة الاجتماعية للسيطرة الاستعمارية على العراق، ونتاجاً لها، ولم يكن ممكناً فصل النضالين عن بعضهما، او تأجيل احدهما، وعدم ادراجه في برامج وشعارات الاحزاب الوطنية والنقابات العمالية والجمعيات الفلاحية والمهنية.
وكان خيار وعاظ السلاطين، الوقوف بوضوح وبالاعتماد على مفاهيم مسطحة للدين وآياته وتراثه، ضد مطالب الفلاحين العادلة وشعاراتهم مثل ان "الارض لمن يفلحها" و"الفلاح أخو الفلاح وعدوهما الإقطاع". ولعب هذا الموقف دوراً تنويرياً عميقاً بين صفوف الفلاحين الفقراء، الذين انتبهوا الى عملية تشويه اغراض الاحزاب الوطنية التقدمية وأهدافها. وعلى نفس المسار كان يحتدم الصراع مع الاتجاهات الرجعية المتلفعة بعباءة الدين، على اكثر من محور وفي ميادين التحديث الثقافي والاجتماعي، حيث جرت مواجهة حركة تحرير المرأة بوصفها نصف المجتمع "المعطّل الأسير" في البيت، والتنديد برافعي شعاراته والمطالبين بتحقيقه.
ونظرة متأنية لمشهد تلك المرحلة تكشف اشتداد الصراع على هذا الصعيد بين الإسلام السياسي وحركات التحرر والتقدم، في البلدان التي تتميز بتعزز مواقع القوى الاجتماعية الجذرية الناهضة، الطامحة للتغيير والتقدم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
وكانت مصر في طليعة المنطقة، ومعها العراق وسورية والسودان، التي شكلت مجتمعاتها منصاتٍ متقدمة في النضال ضد الإمبريالية والرجعية ووعاظ السلاطين كاسري حركات التحرر والتقدم وأدوات الدولة الشمولية.
وفي طيّات هذا، تغذّى التطرف والتشدد، في المجتمعات العربية الاسلامية من عباءة تلك المرحلة، لتصير لهما أُطُرٌ وأحزاب وادوار بالغة السطوة على المجتمع وشديدة الوقع على نبضه ومستقبل خياراته على طريق التطور، مع تهيئة فكرية عن طريق ما نُظر للحاكمية والثورة الدينية على المجتمعات الجاهلية، حسب ما وصفوا به مجتمع المسلمين، فتدرّج الأمر مع وجود ظروف مساعدة كقضية أفغانستان، والتدرب على الجهاد انتحاراً، فالثورة الإيرانية، التي جذبت الإسلام السياسي السُّني بقوة، فصارت في مخيلتهم الدولة الإسلامية الشمولية قاب قوسين أو أدنى. يتبع...
شطب الديانة وردة فعل حماس
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
أثير لغط غير مبرر من قبل قادة وانصار حركة حماس على قرار الرئيس ابو مازن القاضي بالغاء بند الديانة من بطاقة الهوية الشخصية. وذهب البعض بعيدا في تفسير دلالات الخطوة. وعاد بعضهم للضرب على وتر " شرعية" الرئيس، كي يقولوا غير مسموح شطب بند الديانة، انسجاما مع توجههم وخلفيتهم العقائدية الدينية.
لم يكن موقف وردة فعل حماس الانقلابية مثيرا أو مفاجئا, لأن قيادة الانقلاب القائمة على ركيزة القاعدة الدينية، وعملت فعليا على تمزيق وحدة الارض والشعب، ومازالت حتى الآن تختطف محافظات الجنوب من حضن الشرعية، لا يمكن لها إلا ان ترفض التوجه الوطني المنسجم مع روح وهوية وشخصية الشعب العربي الفلسطيني.
توجه الرئيس محمود عباس، لم يكن توجها انفعاليا أو ردة فعل على حدث ما أو خروجا عن مرتكزات القانون والنظام ومصالح الشعب الفلسطيني؛ لا بل ان خطوته المتأخرة تنسجم اولا مع النظام الاساسي ( الدستور)، الذي ينص على المساواة بين المواطنين الفلسطينيين بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الدين أو العمر؛ ثانيا, يعمق عملية الصهر لأبناء الشعب الفلسطيني في بوتقة الوطنية، والدفاع عنها؛ ثالثا, انسجام الخطوة مع قرارات ومواثيق الشرعية الدولية وحقوق الانسان وقيم الحرية والعدالة الاجتماعية. رابعا, كما انه ينسجم مع الهوية القومية العربية، التي ينتمي لها الشعب الفلسطيني أسوة بشعوب الامة العربية.
السؤال الذي يطرح نفسه على قيادة الانقلاب الحمساوية ومن لف لفهم، لماذا يرفضون إلغاء بند الديانة من الهوية الشخصية؟ وما هي المصلحة في بقاء ذلك البند؟ وأي قيمة سياسية أو ثقافية معرفية أو حقوقية له؟ وهل ازالة البند تؤثر على الانتخابات مثلا؟ ام ستؤثر على الترشح لهذا أو ذاك من المواطنين للانتخابات أو على حصته من الميراث مثلا؟ اين هي الاسباب الموضوعية والمنطقية للاعتراض؟ وهناك كم غير قليل من الاسئلة تدور في ذات الحلقة، ولكن قيادة الانقلاب الحمساوية لا تملك جوابا سوى الديماغوجيا الدينية التخريبية، لتعميق انقسام وتفتيت وحدة الشعب.
لا يوجد اي مبرر منطقي ووطني يملي وجود بند الديانة في الهوية الشخصية. ووجودها كان بقرار سلطات الاحتلال الاسرائيلية، التي هدفت الى تعميق انقسام وتشرذم الشعب العربي الفلسطيني، كما فعلت مع ابناء الشعب الذين تجذروا في ارض الآباء والاجداد داخل الخط الاخضر، حيث قسمتهم الى ( مسلمين ومسيحيين ودروز وشركس ... إلخ) اولا لأنها تريد تعميم مفاهيمها ومعتقداتها التفتيتية المستندة الى الابعاد التمييزية الدينية، لاسيما انها كدولة استعمارية قامت على الطابع الديني، الذي حاولت إلباسه ثوب " القومية"، وهي براء من هذا التوصيف، لأنه لا يمت بصلة للقومية. ثانيا وكونها تعتمد تاريخيا قانون ومبدأ " فرق تسد!" الانجليزي، وتثبيت بند الديانة يعني تثبيت التشرذم، لتتمكن دولة التطهير العرقي الاسرائيلية من الانتصار على الشعب الفلسطيني من خلال ادخاله في دوامة التناقضات التناحرية على اساس ديني بدل ان تتوحد في بوتقة الوطنية وتدافع عن مصالح الشعب العليا.
هذا المنطق مرفوض من كل وطني بغض النظر عن انتمائه الفكري والسياسي والثقافي والديني أو جنسه البيولوجي. وبالتالي من ينادي ببقاء بند الديانة لا يمت للوطنية بصلة. وهذا لا يعني رفضا للدين، فالدين والانتماء له، هو حق طبيعي لكل انسان, لكن هذا الانتماء لا يشكل بحال من الاحوال عنوانا من عناوين الوطنية، لأن اتباع هذه الديانة أو تلك، هم من شعوب الارض قاطبة. لأن الدين ذا بعد اممي ليس محصورا في شعب بعينه. ومن ينادي بوضع بند الديانة في الهوية الشخصية يتساوق مع الرؤية الاسرائيلية.
المنطق الوطني يتطلب من جميع القوى الوطنية التصدي لنزعات حركة الانقلاب الحمساوية، ومحاصرتها وعدم السماح لها بتعطيل وتمزيق وحدة الارض والشعب والشخصية الوطنية الفلسطينية.
هذا الاقتصاد لا يصنع نصراً!
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
آلمني كثيراً ما كتبه أحد الصحفيين الفلسطينيين على صفحته على شبكات الإعلام الاجتماعي عن عمال التقاهم على حاجز نعلين الجاثم على أراضي القرية المحاصرة فسألهم عن طبيعة عملهم فأبلغوه بأنهم يعملون في حفر القبور داخل الخط الأخضر، ليعلق الصحفي المذكور فيقول إن إسرئيل تغزو الفضاء بينما يعمل إخوتنا وأبناؤنا في حفر القبور فيها رغم أنهم يحملون شهادات جامعية من جامعات فلسطينية كبيرة ومرموقة.
وسبب ألمي الشديد هو إخفاقنا مجتمعين في إيجاد حياة كريمة لخريجينا تجنبهم المذلة والعمل المضني على تنوعه، إضافة إلى كوني كغيري ممن أرادوا لعقود أن يمتلك شبابنا وخريجونا القدرة على حفر قبر الاحتلال إلى غير رجعة لا أن يعملوا أُجراء بهذا الشكل وبهذه المهانة.
وكوني لا أريد أن أدخل في معركة الاتهام وتحميل المسؤولية لأحد فإنني ودون شك أود القفز عن الأنين إلى اقتراح الحلول التي من شأنها فتح الباب أمام الخريجين لاستعادة روح الريادة التي قتلت على مدار العقدين الماضيين لتعاود الظهور بفعل تهافت المانحين إبان ما سمي بالربيع العربي وتبنيهم وتشجيعهم لهذه "الموضة".
أول الحلول هو في المدرسة التي من المفترض أن تكون قادرة على خلق الروح الريادية القائمة على الابتكار والإبداع. ثانيها في الجامعة التي وجب أن تولي أبناءها التوجيه الريادي المرتبط باحتياجات السوق أولوية قصوى. وثالثها لدى الحكومة الفلسطينية التي تستطيع اتخاذ قرارات وإقرار توصيات من شأنها تشجيع ثقافة الريادة وتحفيزها.
ولا أخفي في هذا السياق شعوري الكبير بضرورة تأهيل القطاع البنكي لتسهيل وصول الخريجين إلى المال خاصة وأن البيروقراطية والشروط الكثيرة ما زالت تتنافى وروح الريادة المتصاعدة لدى الشباب. وقد يكون لسلطة النقد القدرة على الدخول على خط البنوك لتسهيل وصولهم إلى بيئة ريادية متقدمة.
فخيارنا اليوم لم يعد قائماً على الشكوى والأنين بل وجب التدخل الجراحي المهم الذي ينقلنا من لعن الظلام إلى إضاءة شمعة نستطيع معها الاهتداء نحو السبيل القادر على نقلنا من براثن الإحباط إلى مواطن التغير والإنجاز.
وأهم خطواتنا لا بد وأن تشتمل على ضبط إيقاع المبادرات الريادية المتهافتة على فلسطين والفاقدة للتنسيق والمغردة على هواها. فتنظيم تلك المبادرات ليس هدفه إحباطها وإنما ضمان التنسيق بين القائمين عليها وصولاً إلى حالة واضحة من الاستدامة.
فاقتصادنا الفلسطيني المعال دولياً يتطلب طلباً رسمياً فلسطينيا يقضي بضرورة تسجيل وتنسيق المبادرات وجمعها تحت مظلة واحدة تدعى إليها دورياً بغرض الاطلاع وسماع وجهات النظر وتعزيز التواصل والتآلف بين الجميع على أرضية التكامل والمثابرة.
تسعون مبادرة ريادة تشغل الفلسطينيين هذه الأيام يمول معظمها مال المانحين أو مؤسساتٍ دولية، لكن أثرها على الاقتصاد الوطني وعلى خفض اعداد الخريجين العاطلين عن العمل ما زال غائباً.
اليوم أربعون ألف خريج يتنافسون على 2000-3000 وظيفة سنوياً أي بمعدل يصل إلى عشرين متنافساً على وظيفة واحدة لن تستوعب في نهاية المطاف إلا موطفاً أو عاملاً واحداً.
بهكذا اقتصاد لا نصنع تحرراً ولا ننتصر لوطن بل نستمر في حفر قبر كبير فأكبر للتنمية المستدامة ومسيرة التحرير. فمن يريد وطناً حراً يجب ألا يكتفي بالأمنيات بل ينتقل نحو الخطوات العملية الكفيلة بالتغيير.
والخطوات على كثرتها لا تحتاج إلى خبرات في مجالات الصواريخ النووية والمحركات النفاثة والقنابل الذرية وغزو الفضاء.
ترتيب أولويات الإنفاق وضمان التوجيه الريادي وتقليص الإجراءات البيروقراطية وتسهيل الوصول إلى المال وتوجيه عقلاني للمسؤولية الاجتماعية للشركات وإجبار المانحين على توجيه المال باتجاه الأولويات الفلسطينية كلها أمورٌ وخطوات نستطيع الإقدام عليها. وإلا فلماذا نحتاج لصندوق وطني للتشغيل والحماية الاجتماعية وتعليم وتدريب تقني وخدمات عامة وخطط وقرارات ومدارس وجامعات وبنوك وشركات؟ لنستمر في حفر القبور في زرنوقة "رحوفوت" وبيت الشمس "بيت شيمش" وغيرها؟
اقتصادنا على حاله لا يصنع نصراً، وتقصيرنا في تنظيم المبادرات الريادية الشبابية وتعزيز التربية الريادية لا يصنع تنمية، ومكابرتنا وتباهينا بإنجازات هنا وهناك لا يصنع حرية!
فإما أن نواجه الحقيقة المرة ونصنع التغيير وإلا حفرنا قبرنا بأيدينا.. فويل لأمة تلبس مما لا تصنع وتأكل مما لا تزرع..للحديث بقية!