Haneen
2014-12-18, 11:33 AM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (276)
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
الثلاثاء
25/2/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
اهمية التعليم والصحة
بقلم: حديث القدس – القدس
نتنياهو... والاخلاق !!
بقلم: عطا الله منصور – القدس
الجولان وأوهام ليبرمان..
بقلم: أحمد مصطفى علي – القدس
لا بديل عن تكامل الجهد الشعبي لمواجهة مخططات تهويد القدس
بقلم: راسم عبيدات-القدس
الطريق الى السلام والتطبيع
بقلم: تيسير الزبري – القدس
روسيا الجريحة في كييف... القوية في دمشق!
بقلم: جورج سمعان – القدس
المــقـــاطـــعـــة
بقلم: هاني المصري – الايام
سناريوهات ما بعد فشل المفاوضات
بقلم: رجب ابو سرية – الايام
الجاهزية الاقتصادية لرفض الإذعان
بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
عـــقـــدة ســــقــــف
بقلم: زياد خدّاش – الايام
أهلاً، يا نجلاء، في البيت..!
بقلم: حسن خضر – الايام
تغريدة الصباح - في غياب انسي الحاج
بقلم: احمد دحبور – الحياة
جامعة في حقل رماية!
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
كفى تسطيحا أيها التبسيطيون
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
عام على وداع «الحياة الجديدة».. عام على حياة جديدة
بقلم: اياد الرجوب – الحياة
كمال ناصر . الشاعر، المفكر, السياسي, المناضل
بقلم: عيسى عبد الحفيظ – الحياة
اهمية التعليم والصحة
بقلم: حديث القدس – القدس
هناك قول مأثور يتكرر في كل الدول المتقدمة اقتصاديا وعلميا وحضاريا ولدى كل الدول التي تطمح لان تتطور وتنمو .. وهذه المقولة هي اننا من التعليم نبدأ .. لان في التعليم بناء الانسان اولا وهو القادر على تحرير الوطن وبنائه وتطويره .. وبعد التعليم وتداعياته تجيء القضية الصحية وهي اساسية وجوهرية.
مناسبة هذا الكلام هو انعقاد ندوة التطوير الاستراتيجية الثالثة للتعليم في بلادنا وتأكيدات المتحدثين من رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم الى كل المشاركين، تؤكد اهمية التعليم وضرورة تطويره بوضع خطة استراتيجية تتناسب مع سوق العمل وخلق وظائف جديدة وذلك من خلال تغيير جوهري في المناهج والتخصصات، وقد وعد رئيس الوزراء رامي الحمد الله بأن هذه الخطة ستكون مكتملة بحلول العا م2020.
ونحن في بلادنا اشد ما نكون لمثل هذه الخطة التي تستجيب لاحتياجات سوق العمل فعلا ولا تظل افواج الشباب تتخرج من الجامعات او تنهي الثانوية العامة حتى تصطدم بالبطالة بعد كل هذا الجهد. وقد سمعنا سابقا عن خطط كهذه ولكنها بالعموم ظلت بدون تنفيذ كامل حقيقي، ونأمل هذه المرة ان تتبلور الخطة عمليا وان يبدأ التنفيذ فور انتهاء الدراسات والاقتراحات.
وغني عن القول ان اي تطوير حقيقي للواقع العام في بلادنا يرتبط اولا واخيرا بزوال الاحتلال مع التأكيد ان هذا الهدف الوطني يجب الا يؤخر تطوير التعليم الذي يساهم بالتأكيد في تحرير الوطن.
ومتى كان التعليم متطورا فان القطاع الصحي يجيء بعد ذلك تماما او مكملا له، لان المواطن يحتاج وظيفة من خلال التعليم وملاءمته لسوق العمل وللرعاية الصحية. وفي هذا الساق انعقد المؤتمر الطبي الالماني العربي بمشاركة وفود كثيرة من خارج الوطن، كما اكد د. الحمد الله سعي الحكومة لتطوير القطاع الصحي.. وقد دفعت الحكومة بالامس، او قررت دفع، مبلغ 47 مليون شيكل لدعم المستشفيات وموردي الادوية، ومع ان الديون لهذين القطاعين اكثر كثيرا، فان هذه الدفعة تساهم في تخفيف المشكلة ودعم المشافي وموردي الادوية ..!!
نتنياهو... والاخلاق !!
بقلم: عطا الله منصور – القدس
اعترف واقر امام القراء بانني مدمن على سماع الراديو ( ومتابعة الندوات على التلفزيون). لا اجد متعة في هذه الهواية المرضية وغالبا انام اثناء الاستماع اليها. ولكنني اثور واستفز حين اسمع رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو وهو يتحدث عن الاخلاق - وهذا ما دفعني لاكتب هذا المقال على امل ان احد افراد طاقم ترجمة الصحف العربية لديوان رئيس الحكومة يتكرم علي فيترجمه خدمة لرئيس الحكومة.
اعرف بان رئيس الحكومة لا يقصد "تربيتي" ولا تهذيب اخلاقي لانه يعرف ان لدي تجربة امتدت طيلة عمري الطويل مع الصحافة العبرية وانه يقصد اقناع ابناء شعبه - والجهلة منهم خاصة وابناء العالم الواسع ممن لا يعرفون حقيقة مجريات الامور في بلادنا.
ومن عادات رئيس الحكومة في اسرائيل ان يفتتح جلسة حكومته الاسبوعية - يوم الاحد - ببعض التصريحات النارية ضد خصومها. مثلا : في الاسبوع الماضي قرر بيبي ان يكرس هذه الفقرة من جلسة الحكومة بالتصدي لبعض المؤسسات الاوروبية التي بدات اخيرا تتململ ضد سياسة الاستيطان على الاراضي الفلسطينية منذ 1967. قال رئيس حكومة اسرائيل بصوته -وبلغته الانجليزية ان مقاطعة منتجات المستوطنات ليست قانونية "وليست اخلاقية" وردد "ليست اخلاقية" بلهجة تليق بمعلم في مدرسة لا يجد ضرورة لتوضيح الامور لانها بديهية وكأنه يقول " السرقة حرام" ولكنه في الحقيقة يقول بان العدوان والسرقة حلال, وكل من يحاول منعها يقوم بجريمة اخلاقية!.
ومن هنا فان العالم كله , والولايات المتحدة وماكرونيزيا ايضا, تجمع على ان الاستيطان في الاراضي المحتلة هو جريمة ومخالفة للاعراف الدولية في ايامنا هذه .ولا يستطيع نتنياهو ان يقدم لنا مثالا واحدا اوهيئة واحدة توافقه على ان له ولوزراء حكومته حقا اخلاقيا في اقتطاع اجزاء من الضفة العربية خصوصا بعد سنوات طويلة من المفاوضات والادعاء بان حكومة اسرائيل مستعدة لتوقيع اتفاقية سلام مع الشعب الفلسطيني ضمن اتفاقية سلام على قاعدة دولتين لشعبين.
هل هناك وحدة بين كافة القوى السياسية في اسرائيل وراء سياسة نتنياهو وحكومته الحالية ؟ يستطيع المرء ان يدعي بان الجواب على هذا السؤال هو نعم , ولكنني اعرف جيدا ان مواقف الاسرائيليين تتفاوت. اغلب اليهود في اسرائيل لا يعارضون - ولن ينصبوا حلقات الندب والبكاء لو افاقوا من نومهم غدا فلم يجدوا حولهم وبينهم ولا في جوارهم عرب اومن يتحدثون باللغة العربية.ان حصة الاسد من هؤلاء لا تعارض سياسة الاستيطان اذا مرت بسلام ولم يقدم لهم العالم فاتورة الحساب. ولكن غالبية هؤلاء ليسوا على اتم الاستعداد للقتال دفاعا عن المستوطنات القائمة او المخططة. وهناك في اسرائيل فئة محترمة من الممكن حشدها لصالح شروق شمس السلام بعد حالة الحرب التي خيمت علينا وعليهم طيلة 60 عاما ونيف,واعتقد جازما بان الرئيس ابو مازن بسياسته المتبعة في الاعوام الاخيرة يراهن على هذه الفئة.
ولكن بيبي واغلب رفاقه يبحثون ويبذلون جهدا للكشف عن عبارات عدائية في الصحف وكتب الدراسة الفلسطينية . ويجدون في هذه العبارات ضالتهم للتدليل على حملات " التحريض" الذي تقوم به "السلطة الفلسطينية. وكل العبارات العدائية لليهود التي يرددها طلاب المدارس الفلسطينيين لا تنتج من سموم العداء ما ينتج عن عملية وحيدة من عشرات الاعتداءات العنصرية على المساجد والاديرة وكتابة الشتائم على مقدسات الناس من قبل زعران لا تجد شرطة اسرائيل طرقها اليهم طيلة سنوات!.
وما هو ادهى من ذلك ( في نظري كفلاح شرب مع حليب امه الايمان بقدسية الشجرة): هو اقتلاع اشجار الزيتون وحرق المحاصيل الزراعية التي يعتمد عليها سكان الضفة الغربية.
واغلب الظن ان حكومة اسرائيل تعرف الالم الذي ينتج عن جرائم الاستيطان ومن هنا فانهم يحولون "فش غلهم" بترديد شتيمة اوتهديد يجدونه في كتب التعليم او في المدارس الفلسطينية فهل هذه العبارات تؤلم او تستفز حكومة اسرائيل ؟ اغلب الظن ان الرأي العام في اسرائيل لا يسمع ولا يهتم لهذه الاصوات ولا يوليها اية اهمية. وغالبية عقلاء اليهود لا يسمعون هتافات جماهير كرة القدم الذين يتمنون لنا الموت ويشتمون الانبياء. ويعرفون ان وزارة الثقافة تمنح الجوائز لمن يطالب باطلاق سراح قاتل رابين, ولا ترى عيبا في كون نشرات الاخبار اليومية عن قادة الجماهير توقفهم الشرطة بتهم الفساد الذي تفشى في صفوف احزاب العلمانيين والمتدينين والمتزمتين وفي صفوف كبار الحاخامين الذين يسطون على تبرعات المحسنين ويمنحون شهادات العلوم الدينية للجهلة بمجرد حصولهم على حزمة من الدولارات .
وفي الايام الاخيرة وصل الفساد الى مفخرة الطب في اسرائيل : مستشفيات هداسا (على جبل الزيتون وعين كارم) وقد وصل الامر بهذه المؤسسة العلمية الى جفاف الموارد لدفع ماهية الاطباء والممرضات وفرضت على الحكومة ان تتدخل لان هذه المؤسسة كادت تغلق ابوابها بعد ان تبين بان "نساء جمعية هداسا" في الولايات المتحدة اللواتي قمن بتأسيس المستشفى وموّلن نفقاته خسرن اموالهن في اكبر عملية نصب قام بها يرنارد مايدهوف في 2008 وفيها " اضاع" 50 مليارد دولار اودعت لديه ( مما ادى الى عجز في ميزانية "هداسا" بلغ مليارد و-300 مليون شيكل ). ورحم الله امير الشعراء احمد شوقي القائل : ان الامم الاخلاق ان ذهبت اخلاقهم ذهبوا.
الجولان وأوهام ليبرمان..
بقلم: أحمد مصطفى علي – القدس
تشكل مطالبة وزير الخارجية الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان، بتسوية ما وصفه بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة، في إطار عملية التسوية مع الفلسطينيين، مستغلاً ما تشهده سوريا من أحداث، عنجهية لا تضاهيها أية عنجهية أخرى، نظراً لسلوكه المتطرف..
يبدو أن ليبرمان لا يدخر جهداً لإثبات استغلاله لانشغال سوريا بأزمتها، لينال اعترافاً دولياً، بقرار ضم الجولان المحتل إلى اسرائيل، الذي سنه "الكنيست" في عام 1981 ..
انتهاز الحكومة الاسرائيلية، توظيف ما يجري في سوريا من أحداث، لخدمة مآربها التوسعية، وتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه، وإيجاد تفاهم بينها والمجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة، بأن الجولان جزء لا يتجزأ من إسرائيل، تمثل سابقة خطيرة يجب التنبه لها عربياً وإسلامياً ودولياً، والتحذير منها لترسيخ الحقوق السورية الثابتة في الهضبة المحتلة .
من يمعن التفكير جيداً في تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي ويدقق في غاياتها ومعانيها سيصل حتماً إلى نتائج خطيرة جداً، تتمثل باعتقاد وأوهام المسؤولين الاسرائيليين، وعلى رأسهم ليبرمان، أنه يمكن انتزاع اعتراف دولي بسيادة لاسرائيل على أراضٍ احتلتها بالقوة العسكرية أو أنه يستطيع بطريقة ما فرض هذه السيادة على صاحب السيادة الحقيقي، من دون أن يدرك ليبرمان أن سوريا والعرب لم ولن يقبلوا بمثل هذه الترهات التي تتعارض مع مبادئهم وثوابتهم..
محاولة ليبرمان الاستقواء بالولايات المتحدة، باعتبارها قوة عظمى تحمي اسرائيل لتمرير هذه الصفقة المشبوهة، في مجلس الأمن، تنقصها الفطنة بأن أمريكا لم تعد القطب العالمي الأوحد، الذي يحدد مصير الدول ويمرر قرارات في المجلس، صاحب القرار رقم 497 في 17 يناير 1981 الذي اعتبر الإجراءات الصادرة عن "الكنيست" لاغية وباطلة .
تناسى ليبرمان أن المجتمع الدولي لا يمكنه توزيع السيادة على أي بقعة من الأرض، وكأن الأمر عبارة عن عملية بيع وشراء، وأن القانون الدولي لا يملك الصلاحية بمنح أحد أو جهة، الحق بالتصرف بسيادة طرف على أراضي طرف آخر، مهما كانت الدوافع والأسباب، ومهما واصلت اسرائيل تغيير البنية العمرانية والجغرافية والسكانية للهضبة عبر تكثيف الاستيطان .
رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو لا يقل فجاجة عن شريكه المفضل، حيث يتقاسمان الأدوار، ويمارسان مهمة الجوقة، التي تتناغم فيما بينها، لتعزف النشاز السياسي، متناسين تمسك أهلنا في الجولان المحتل بالهوية الوطنية ووحدة أرضهم والعودة إلى حضن وطنهم الأم سوريا الذي ينتمون إليه، وثباتهم على مقاومة الاحتلال، مجددين التأكيد على ثوابتهم الوطنية في كل مناسبة .
الصمود الأسطوري للسوريين في الجولان أثبت أن العين تستطيع أن تقاوم المخرز الإسرائيلي، وأنهم يسطرون الانتصارات على الاحتلال بإرادتهم الصلبة وتمسكهم بوطنهم الأم وهويته العربية، الأمر الذي يكفل إفشال أي محاولة إسرائيلية بفرض السيادة على أرضهم .
لا بديل عن تكامل الجهد الشعبي لمواجهة مخططات تهويد القدس
بقلم: راسم عبيدات-القدس
الإحتلال الاسرائيلي ماض في مخططات تهويد مدينة القدس موظفاً ومسخراً لذلك كل طاقاته وإمكانياته واجهزته، لإستخدامها في حرب شاملة على المقدسيين على كل الجبهات،بحيث يشل حركتهم ويجعلها محدودة في التصدي لكل إجراءاته وممارساته القمعية بحقهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر وجدنا ان الإحتلال لجأ مؤخراً الى شن حرب على الحجر الفلسطيني، بحيث يقوم بهدم اكبر عدد من المنازل في اكثر من منطقة وحي وبلدة مقدسية، ودون ان يتيح للسكان المنوي هدم منازلهم إمكانية التوجه للمحاكم لوقف مؤقت لهدم منازلهم، حيث تنتشر قوات الإحتلال حول البيوت المراد هدمها من بعد صلاة الفجر مباشرة، وبما يعني إغلاق اي إمكانية لتقديم التماس أو إستئناف على عملية الهدم. وحجم القوات التي يحضرها الإحتلال للهدم كبيرة جداً، وبما يجعل عملية التصدي والمواجهة مع القوة القادمة للهدم محدودة ومقتصرة في احسن الأحوال على اهل البيت وجيرانه المقربين، حيث التوقيت في عملية الهدم كذلك يشكل عاملاً اضافيا ويلعب دورا في محدودية التصدي والتضامن الشعبي.
والمذبحة بحق الحجر الفلسطيني، ليست هي الإنتهاك الوحيد لحق المقدسيين في السكن، بل حلقة من حلقات التهويد والأسرلة التي ينفذها الإحتلال ضد أهل المدينة العرب المقدسيين، ضمن سياسة الطرد والتهجير والتطهير العرقي، والإخلال بميزان المدينة الديمغرافي لصالح المستوطنين بشكل كبير، وبما يجعل العرب في القدس جزراً متناثرة وغير متواصلة في محيط اسرائيلي. وفي هذا الإطار وجدنا بانه تجري عمليات تكثيف للإستيطان في قلب الأحياء العربية، حيث يجري الحديث عن مصادقة بلدية الإحتلال على مشروع استيطاني ضخم في قلب حي الشيخ جراح، يتضمن اقامة مدرسة دينية وكنيس يهودي بإرتفاع تسعة طوابق ومركز تهويدي على مساحة أربع دونمات من أراضي الشيخ جراح،الذي يجري مصادرة اراضيه ومنازله لصالح المستوطنين،رغم اوراق الملكية "الطابو" التي يمتلكها السكان العرب.
وليس هذا فحسب بل هناك ما يسمى بجمعية "حفظ تراث الهيكل"، التي تنوي إقامة ما يسمى ببيت الجوهرة اليهودي المكون من خمسة طوابق، منها طابق ونصف تحت الأرض، وهي لا تبعد سوى (250 )م عن المسجد الأقصى وحائط البراق، وهذا المبنى سيشتمل على مكتبة وصالات عرض وقاعات افلام ومحاضرات، وعرض لمقتنيات وآثار يهودية مزعومة وغيرها، وهو سيستخدم لمراقبة كل ما يجري من حركة داخل المسجد الأقصى، وبما يشكل خطراً على المصلين وغيرهم، وكذلك سينفذ مشروع إستيطاني جديد أسفل عين سلوان،عبارة عن مبنى مكون من طابقين بمساحة(1200) ،وهو عبارة عن متحف يهودي باسم مركز السياحة في "معيان هيجيون"وكذلك سيقام مبنى إستيطاني ضخم ل"كيرن هاكيميت" الإستيطانية بإرتفاع (15) طابقاً قرب مقبرة مامن الله.
وفي المقابل، بدأت خطة واسعة تشارك فيها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وبلدية الإحتلال ودائرة معارفها، من اجل أسرلة كامل العملية التعليمية في مدينة القدس، بحيث تجري عملية ربط العملية التعليمية من مرحلة الحضانات ورياض الأطفال بالمنهاج الإسرائيلي، فهناك (481) صف روضة وحضانة منها (100) تابعة لبلدية الإحتلال، والباقي خاصة جميعها تتلقى تمويل وخدمات من بلدية الإحتلال ودائرة معارفها، وهذا سيكون مقدمة لأسرلة شاملة للعملية التعليمية في القدس.
كل هذا الذي يجري في القدس من تهويد وأسرلة وتطهير عرقي، لم يكن كافياً او جرس إنذار للمقدسيين بمختلف ألوان طيفهم ومؤسساتهم، من اجل توحيد جهدهم المبعثر والمشتت من اجل ان تكون هناك مواجهة جادة وفعلية لمشاريع ومخططات الإحتلال، بل إستمرت في العمل بشكل منفرد واحياناً متعارض، وحجم الأنشطة وعدد المشاركين فيها من المقدسيين القليل نسبياً، يعكس حالة من اللامبالة وفقدان الثقة، بكل ما هو قائم وبغض النظر عن التسميات رسمية سلطوية او شعبية جماهيرية، فهو يرى بأن تلك الأجسام والعناوين والمرجعيات تتناحر وتتنازع فيما بينها، على ان تكون العنوان او المرجعية او الحاضنة،ودون أن يستتبع ذلك جهد حقيقي وفعل على الأرض يسهم في دعم صمود وتثبيت صمود المقدسيين على أرضهم وفي قدسهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر تجار السياحة"السنتواريه" في البلدة القديمة لديهم همومهم ومشاكلهم وجزء من محلاتهم مغلق، بسبب ضعف الحركة التجارية وآخر بسبب الضرائب الكبيرة والباهظة المفروضة عليهم من مسقفات"أرنونا" ودخل وغيرهم والتي تفوق قدرتهم على الدفع، وأصحاب البيوت المهددة بالهدم بسبب ما يسمى بالبناء غير المرخص، همومهم ومشاكلهم كبيرة جداً: غرامات باهظة واجراءات بيروقراطية تمتد لأكثر من عشرة او خمسة عشر عاماً تستنزف الكثير من اموالهم، والتي جزء كبير منها مستدان،ودون ان يتمكنوا من الحصول على رخص، ولتهدم بيوتهم في نهاية المطاف، والمقترضون من مجلس الاسكان لديهم مشاكلهم في رفع القضايا امام المحاكم الإسرائيلية على غير الملتزمين منهم بالدفع، ورغم كل المحاولات التي بذلت من أجل وضع حلول منصفة للمواطنين والمجلس في هذا الجانب، إلا انها كانت تصطدم بما يشهده المجلس من انقسام وخلاف بين شركة الاسكان في القدس ومجلس الاسكان في رام الله، وكذلك حال المستشفيات العربية في القدس المقاصد والمطلع اضرابات واعتصامات، وعدم وفاء من السلطة بمسؤولياتها تجاه تلك المؤسسات...وغيرها الكثير الكثير.
كل هذا يتطلب ان نغادر لغة الفئوية والشخصنة وإدعاءات الأبوة،علينا ان نبحث عن شكل تنظيمي جديد يوحد ويستوعب كل اللجان والهيئات الموجودة والقائمة في هيئة موحدة يجري الاتفاق والتوافق عليها،بحيث توزع فيها الأدوار والمسؤوليات وملفات العمل، بحيث يكون هناك تكامل في الجهد والعمل وتوحد في كل القضايا فعلي سبيل المثال تكون لجنة خاصة بالتعليم ولجنة خاصة بالاستيطان ولجنة خاصة بأصحاب البيوت المهدومة....الخ،هذه اللجان تكون مهمتها المتابعة والعمل في هذه الجوانب،وتكون لجنة او هيئة تنفيذية، يناط بها وضع خطط وبرامج ورسم استراتيجيات العمل وسبل المواجهة والتصدي والصمود، وإلا بدون ذلك سنستمر في الندب والبكاء،والجدل البيزنطي حول الجنس الملائكة ذكر ام انثى، والإحتلال يستكمل تهويده وأسرلته للمدينة.
الطريق الى السلام والتطبيع
بقلم: تيسير الزبري – القدس
تثور في الحالة الفلسطينية الراهنة ؛ وخاصة بعد الاقتراب من الحائط المسدود للحل السياسي التفاوضي مع اسرائيل ، مسألة التطبيع والمقاطعة الاقتصادية والاتصالات مع مجموعات اسرائيلية.
ربما أن مناقشة المقاطعة الاقتصادية هي الأسهل ، ذلك أن جزءًا من هذه المقاطعة يتعلق باتفاق باريس الاقتصادي الذي هو جزءً من الاتفاق التفاوضي الفلسطيني – الاسرائيلي ،والذي اصابه من الوهن ما اصاب اتفاق اوسلو ذاته وهو قابل للتعديل ما بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية ، ومنه ما يعود الى الموقف الفردي والمؤسساتي الفلسطيني الذي يقرر شراء المنتجات الاسرائيلية أو يرفض ذلك . وبالطبع فإن ذلك بشقيه الرسمي ، والفردي لا ينطبق ؛ ولا يجب أن ينطبق على منتجات المستوطنات الاسرائيلية ، وهي المنتجات التي يجري الأن مقاطعتها على نطاق واسع تحديداًَ في الدول الاوروبية .
وإذا كان الشق الاول من العلاقة الاقتصادية يخضع للمد والجزر ، رهناً بالاوضاع السياسية ، فإن الشق الثاني لا يجب أن يجري التعامل معه طالما بقي هناك استيطان على الارض الفلسطينية .
الموضوع الأكثر إثارة في الوضع الداخلي الفلسطيني الراهن هو الموقف من اللقاءات الرسمية ، أو غير الرسمية مع الاسرائيليين . وفي رأيي أن الموضوع المثار بين أوساط شعبية وحزبية فلسطينية لا يميز بين اللقاءات من حيث الشكل ، وبين محتوى هذه اللقاءات من حيث المضمون ؛ فكلاهما وفق أصحاب هذه المواقف مرفوضة ؛ وهي عودة بذات الثوب الى المواقف الرفضوية في الوضع السياسي الفلسطيني قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود مضت" دون اغفال ان موجة الرفض لاي نوع من العلاقات انما سببها مواصلة سياسة القمع والاذلال التي تمارسها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
وأرى أن من الضروري أن أذكر ، وخاصة لمن لم يعاصر تلك الفترات ولم يكن منخرطاً في العمل السياسي الفلسطيني آنذاك أن صراعاً شديداً كان قد حصل في تلك السنوات حول الاتصالات مع قوى يسارية اسرائيلية وفيما بعد مع قوى اسرائيلية تؤمن بحق الفلسطينيين في بناء دولتهم ( حتى ولو كانت من غير اليسار ) ، وأخيراً حسم الأمر بإباحة تلك الاتصالات ، واستطيع أن أقول أن تلك الاتصالات لم تكن هي الطريق التي أدت بالوصول الى إتفاق اوسلو عام 1993 ، فالأخيرة لها ظروفها وأدواتها وحاضناتها وهي تختلف عن سياسة فتح الجدار في العامل السياسي الاسرائيلي الداخلي ؛ وأذكر بهذه المناسبة أن مناضلين فلسطينيين كانوا قد سقطوا غدراً وبأياد فلسطينية متطرفة رافضة لتلك اللقاءات ومنهم الشهداء عصام سرطاوي ونعيم خضر ....
الآن ، جرت وتجري لقاءات فلسطينية ( رسمية وغير رسمية ) مع أعضاء كنيست اسرائيلي ( من اليمين واليسار ) ، ومع مؤسسات مجتمع مدني ، ومع شبيبة ( كما كان اللقاء الأخير مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ) وفي كل من تلك اللقاءات تثور موجة من الاحتجاجات واشكال تخرج أحياناً عن حدود إعلان الرأي ( كما حصل مع احد التجمعات المشتركة خارج المقاطعة ) .
حتى لا تمر هذه المسائل دون تحديد موقف ومع ملاحظة ان لا أحد يكتب حول ذلك باستثناء بعض التعليقات الصادرة على صفحات التواصل الاجتماعي وان مؤسساتنا الاعلامية ( الرسمية والخاصة ) لا تضع ذلك على برامجها كأن لا علاقة لها بالأمر ، كما هو شأنها من الكثير من القضايا التي تشغل الرأي العام الفلسطيني !
من هنا ، ومن واقع ما جرى ، وما سوف يجري ( ربما ) فإنني أدعو الى أوسع حوار وطني فلسطيني لبحث هذه المسألة ( اللقاءات المشتركة – التي يطلق عليها لقاءات التطبيع ) والهدف من وراء ذلك هو الاتفاق على السلوك الوطني الرسمي والشعبي بالاتجاه العام علماأن البعض سوف يبقى على موقفه وهذا وبكل الاحوال حقه الوطني وكما يقال فان سوء الظن(احيانا)من حسن الفطنة !
وبما انني ابادر الى فتح الموضوع ، فإنني لا احرم أي لقاء مع أي من القوى أو المجموعات السياسية ، سواء اعضاء كنيست أو مثقفين أو شباب اسرائيليين ، وشرط ذلك هو الالتزام بالموقف الوطني الفلسطيني المستند الى الاجماع . إذا وصلنا لأن ننقل رسالتنا وموقفنا الوطني المحافظ على ثوابتنا الوطنية ، رسالة تقوم على الرغبة في السلام على قاعدة الاقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، وبناء دولته المستقبلية وفق قرارات الشرعية الدولية بما فيها حق عودة اللاجئين الى ديارهم ، واعتباره حقاً فردياً وجماعياً ، وبكل ما ورد في اعلان الاستقلال الفلسطيني في تشرين ثاني 1988 ، وبدون مجاملات أو تفريط إذا ما وضعنا قاعدة وطنية متفق عليها فإن كل اللقاءات سواء في رام الله أو تل أبيب أو أي مكان آخر لا ضرر منها ولا يجب أن تثير نوازع الانقسام داخل المجتمع الفلسطيني ، ذلك أن التوحد على الاساسيات هو الطريق نحو الاستقلال ....
روسيا الجريحة في كييف... القوية في دمشق!
بقلم: جورج سمعان – القدس
الذين راهنوا على احتمال تدخل روسي في أوكرانيا ربما فاتهم أن موسكو اليوم غيرها يوم هزمت «ربيع براغ»، وأن الوضع الدولي اليوم غيره في زمن الحرب الباردة التي سقطت على وقع هزيمة حلف وارسو في وجه حلف شمال الأطلسي الذي لم يتأخر في ضم كثيرين من خصوم الأمس إلى صفوفه. وهو ما يثير حفيظة فلاديمير بوتين الذي شدد وزير خارجيته سيرغي لافروف في أكثر من مناسبة، على أن لا حرب باردة جديدة متوقعة.
لا عودة إلى الوراء، لأن روسيا ليست قادرة بعد على رفع التحديات وتكرار تجربة فاشلة. جل ما يريد سيد الكرملين هو أن تستعيد بلاده موقع الند والشراكة في التعامل مع واشنطن والعواصم الأوروبية. كان متوقعاً أن يكون أقدر على الدفاع عن أوكرانيا حديقته الخلفية، دفاعه عن النظام في دمشق، آخر مواقعه في المنطقة. لكن ما حصل أظهر حدود القدرة الروسية. وأظهر أن استخدام القوة لوقف آخر موجة من موجات التخلص من التركة السوفياتية في أوروبا الشرقية، بات أمراً صعباً... إلا إذا اختار الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش المعزول الفار من كييف أن ينطلق من الشرق في مواجهة معارضيه.
بعد هذا التطور، ووقوف المؤسسات العسكرية والأمنية على الحياد، كيف يمكن أن تأخذ الولايات المتحدة على محمل الجد كل ما أشاعته العسكرية الروسية عن الاستعدادات للرد على أي «درع صاروخية» لتطويق البلاد. في حين أن تراجع الرئيس يانوكوفيتش، حليف بوتين، أمام المعارضة ورضوخه لشروطها ومطالبها والتداعيات التي تلت، تشكل تطوراً أخطر من أي «درع» تثير مخاوف روسيا التي كانت، عشية الاتفاق بين طرفي الصراع في كييف، تنادي بسحق ما سمتهم «الانقلابيين». وكان رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف يـحذر حـلفـاءه الأوكـرانيين من أن بلاده لن تتعاون مع «سلطة خانعة». وأن على هذه السلطة الحاكمة أن تكون فاعلة بالطبع الأزمة لم تنته، بل قد تزداد تعقيداً. أوكرانيا على الحدود المباشرة لروسيا مثلما هي أيضاً على الحدود المباشرة لأوروبا.
ربما شكلت تعليقات مدفيديف حافزاً جديداً للنظام في دمشق الذي لم يتأخر بالطبع منذ بداية الأزمة قبل ثلاث سنوات في إثبات رفضه الرضوخ لأي شروط أو مطالب، داخلية أو خارجية. وسيكون طبيعياً أن يزداد تشدد موسكو ووقوفها إلى جانب «أسد دمشق» بعدما خسرت «أسد كييف». ليس هذا وحده مرد المخاوف من تدهور ينذر بإغراق سورية في دورة عنف واسعة. ثمة قلق من تدهور إقليمي بسبب تفاقم الحرب في هذا البلد. فلا يخفى أن اللاعبين في مسرح العمليات كثرٌ.
إضافة إلى روسيا والولايات المتحدة، هناك إيران والعراق و «حزب الله» والسعودية وقطر وتركيا والأردن. كل هذه القوى منخرطة بطريقة أو بأخرى في ما يجري في بلاد الـشام كلـها. لذلك، لم يكن مفاجئاً ألا تشهد جولتا «جنيف - 2» أي تقدم يذكر في المفاوضات بين وفدي النظام و «الائتلاف الوطني». وليس مقدراً في المدى المنظور أن يكون حظ الجولة الثالثة المتوقعة منتصف الشهر المقبل، أفضل من الجولتين السابقتين، ما لم يفتح الباب أمام تفاهم شامل لكل هؤلاء اللاعبين الإقليميين والدوليين.
هناك عوامل أخرى تنذر بمزيد من التعقيد. الاستعدادات جاهزة لتسعير الجبهة الجنوبية. أي الانطلاق من درعا التي وحدها يمكن أن تشكل تهديداً حقيقياً للعاصمة والنظام. كانت على الدوام الخاصرة الضعيفة لدمشق. وإلى المعلومات التي تتحدث عن حشد «الجيش الحر» وحدات تدربت على أيدي أميركيين، بعد تعيين رئيس جديد لأركان هذا الجيش والحديث عن أسلحة متقدمة تزود بها وحداته العسكرية، تحركت إيران ميدانياً لإدارة مسرح العمليات على هذه الجبهة أيضاً. وتحريك هذه الجبهة لا يهدف إلى تخفيف الضغط عن جبهة القلمون والهجوم الذي تتعرض له يبرود فحسب، بل إنه يستهدف ممارسة ضغط ميداني على النظام ليسلّم في أية مفاوضات مقبلة بوجوب تقديم تنازلات بدل مواصلة كسب الوقت، تارة بتأخير تسليم ترسانته الكيماوية، وتارة أخرى بالإصرار على البحث في مكافحة الإرهاب أولوية لا يتقدم عليها أي بند في مقررات «جنيف - 1».
والواقع أن يبرود قد تصمد أكثر مما يوحي بعض التقارير، نظراً إلى موقعها الجغرافي الصعب.
لذلك، يتحدث بعض دوائر النظام عن السعي إلى الاكتفاء بمحاصرة المدينة، وترك بعض المعابر مفتوحة لإفراغها من السكان أو حتى من مجموعات مـسـلحة. لـكـن حـتى هذا الأمر سيستغرق وقتاً تكون في هذه الأثناء جـبهة درعـا قد تحركـت على وقـع خـيارات أمـيركية مختلـفة ومـقاربـة جـديـدة للتعامل مع الأزمة. والهدف لـيـس الضـغـط على النظـام فحـسب، بـل عـلـى روســيـا أيـضاً التي كانت العائق الأساس والأكـثر تـشدداً من دمشـق في جولتي جنيف الأخـيـرتـيـن، وهي تراقب ما يجري في أوكرانيا.
وتكشف موافقة روسيا على القرار الجديد لمجلس الأمن بخصوص إيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين والمشردين حراجة الموقف الذي يطوقها على هذا الصعيد. فهي تدرك أن تدهور الأوضاع الإنسانية قد ينتهي بتأليب الرأي العام على مواقفها. والأخطر ممارسة الشارع الغربي ضغوطاً على حكوماته من أجل تجاوز تحفظاتها عن الانخراط الميداني في الأزمة.
أي أن ثمة دوائر تخشى تجاوز الخيارات الأميركية والأوروبية تقديم أسلحة تتيح لفصائل المعارضة الصمود وتهديد مواقع النظام، إلى نوع من أنواع التدخل، مثل إقامة مناطق حظر جوي. وخطوة من هذا النوع ربما جرت إلى تدخل عسكري لمواجهة الترسانة الجوية للنظام. ولا شك في أن تلكؤ دمشق في الوفاء بالتزاماتها الخاصة بتدمير الأسلحة الكيماوية يشكل أيضاً عاملاً إضافياً للتهديد بتدخل عسكري ما.
تشي أزمتا أوكرانيا وسورية بأن اتفاق أميركا وروسيا على معالجة قضايا الأمن الاستراتيجي وبناء النظام الدولي الجديد لم تتضح معالمه بعد. أو هو يواجه قضايا خلافية شائكة. لو أنجز مثل هذا الاتفاق لكان شمل بالتأكيد قضايا إقليمية مشتعلة كثيرة، من سورية إلى أوكرانيا وكوريا الشمالية وغيرها.
لم تتفق واشنطن وموسكو على وسائل وأدوات تنظيم العلاقات وإدارة الخلاف في المسائل الاستراتيجية التي تمس الأمن الوطني لكلا الطرفين.
فلا الإدارة صرفت النظر عن «الدرع الصاروخية» في بلدان الـ «ناتو»، والتي ترى إليها روسيا تهديداً لها يمعن في تطويقها، ولا كف الكرملين عن مطالبة إدارة الرئيس أوباما بتفكيك ترسانتها الصاروخية في أوروبا وإعادة النظر في خططها العسكرية في القارة العجوز.
صحيح أن روسيا لا يمكنها مجاراة القوة العسكرية الأميركية لكنها قادرة على الإعاقة وتعطيل التسويات والحلول، وبالتالي إلحاق الضرر بكثير من مصالح الغرب. وبلا شك كان مرد التأخير في انعقاد مؤتمر «جنيف - 2» وتـعـثـره خـير دليل على غياب اتفاق الدولتين الكبريين.
والواقع أن الرئيس الأميركي وجه في الشهور الأخيرة انتقادات إلى نظيره الروسي. لاحظ عودة خطاب موسكو «المعادي» للأميركيين. ودعا الرئيس فلاديمير بـوتـين إلى «الـسـير قـدماً بـدلاً مـن العـودة إلى الوراء». كان واضحاً منذ عودة بـوتيـن إلـى الكرملين في ولايتـه الـثالثة، أن العلاقات بين الطرفين لم تواصل التـقـدم الذي شـهدتـه ولاية الرئيس السـابق ديميتري مدفيديف. لا يعني هذا أن الطرفين سيذهبان إلى مواجهة حتمية، أو حرب باردة جديدة.
وتشكل الأزمة السورية اختباراً لمدى قدرة الطرفين، ومعهما إيران، على التفاهم وإيجاد حل سياسي. وبرهنت الأحداث أن الأطراف الثلاثة تلتقي في الحرص على منع انهيار المؤسسات وسقوط البلاد في الفوضى الكاملة، ومحاربة قوى التطرف. ولعبت كل من موسكو وطهران دوراً مؤثراً، فضلاً عن التلويح الأميركي بالضربة العسكرية، في دفع النظام إلى التسليم بتدمير ترسانته الكيماوية. لكن الطريق لا يزال طويلاً أمام التسوية النهائية.
روسيا ستبدي مزيداً من التشدد بعد أحداث كييف، من أجل بقاء مفتاح الحل بيدها ما دام أنه يوفر لها موقعاً ندياً في مواجهة أميركا يمكن أن تقايض به في ملفات أخرى. كما أن الجمهورية الإسلامية ستـظل تتمـســك بالورقة السورية لاستخدامها في الوقت المناسب كلما تقدم الحوار أو تأخر مع الدول الست الكبرى في شأن مصير برنامجها النووي.
وستـكون بلا شـك مستعدة، إذا أثمر الحوار، لترجمة رغبتها في أداء دور فعال وإيجابي في القضايا الدولية، وفي مقدمها مستقبل دورها ومصالحها في الإقليم. ويشكل مستقبل الوضع في أفغانستان هاجساً للأطراف الثلاثة يدفعها إلى التنسيق لملء الفراغ الذي سيخلفه الانـسـحاب الأميركي والأطـلسـي من هذا البلد... وإلا تـحول هذا الانسحاب إلى لغم سياسي وأمني كبير يـهدد مستقبل آسيا الوسطى بأكملها. ولن تكون أميركا وروسيا وإيران بعيدة من شظاياه.
المــقـــاطـــعـــة
بقلم: هاني المصري – الايام
شهدت الأشهر الأخيرة تطورات نوعيّة على صعيد مقاطعة إسرائيل، لدرجة دفعت وزير الخارجيّة الأميركي، صديق إسرائيل والمعارض للمقاطعة، إلى تحذيرها مرتين حتى الآن من اشتداد المقاطعة، الأمر الذي قد يؤدي إلى عزلتها.
لقد بدأت الحكومة الإسرائيليّة تأخذ حملة المقاطعة المتزايدة على محمل الجد، خصوصًا بعد القرار الأوروبي بمقاطعة بضائع المستوطنات، مع العلم أن أوروبا تستورد 32% من الصادرات الإسرائيليّة. وتوقع بعض الخبراء أن تصل خسارة إسرائيل من المقاطعة 8 مليارات دولار سنويًا.
الحكومة الإسرائيليّة وأنصارها في الولايات المتحدة بدأوا بسلسلة أعمال لإفشال المقاطعة، منها تخصيص موازنة لشن حملة مضادة، والاستعداد لإصدار قوانين، خصوصًا في أميركا، تحرّم المقاطعة، وتهدد بمقاطعة أميركيّة للمقاطعين.
إذا كانت المقاطعة قد حققت هذه الإنجازات المهمة في ظل استمرار وهم ما يسمى "عمليّة السلام" وجهود كيري للتوصل إلى اتفاق سلام، أو الأصح "اتفاق إطار" للتفاوض عليه لاحقًا، حتى يمكن التوصل إلى اتفاق سلام بعد سنوات؛ فما الذي يمكن تحقيقه على صعيد المقاطعة إذا انهارت المفاوضات، وثبت للعالم أجمع أن إسرائيل معادية للسلام، وهي نظام استعماري احتلالي استيطاني إجلائي عنصري.
قد يقول قائل: إن القرار الأوروبي هو الذي ساهم في حصول الخطوات النوعيّة في المقاطعة، وهو وثيق الارتباط بالمساعي المبذولة للتوصل إلى اتفاق سلام، بدليل أن الاتحاد الاوروبي ربط بين إصدار قراره بشأن الاستيطان وبين موافقة الفلسطينيين على استئناف المفاوضات، ما يعكس قناعة أوروبيّة بأن السلام لن يتحقق من دون الضغط على إسرائيل، حتى يحدث نوعًا ما من التوازن ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فلا حاجة للتوصل إلى "تسوية" إذا كانت إسرائيل قويّة جدًا وفلسطين ضعيفة جدًا.
تأسيسًا على ما سبق، لا بد من إنهاء دوامة المفاوضات التي توحي للعالم بوجود إمكانيّة للحل، وللمساومة والتسوية، في حين أن هذه الإمكانيّة متعذرة بسبب التعنت والتطرف الإسرائيلي، واختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل.
من الضروري أن يكون واضحًا للجميع أن الحكومة الإسرائيليّة هي التي تتحمل المسؤوليّة الكاملة عن الفشل، مثلما تحملت الحكومات الإسرائيليّة السابقة المسؤوليّة عن فشل كل الجهود والمبادرات السابقة منذ طرح "مبادرة روجرز" بعيد حرب 1967 وحتى الآن، ولذلك لا مبرر من الإغراق أكثر مما ينبغي بلعبة إلقاء اللوم المتبادل، التي يجب ألا تقود إلى الوقوع بالمحذور والتنازل عن المطالب والمصالح والحقوق الفلسطينيّة، على أساس إنقاذ ما يمكن إنقاذه والحصول على شيء أفضل من لا شيء. يمكن للقيادة الفلسطينيّة أن تعلن بكل بساطة أنها تريد عمليّة سلام ومفاوضات لها مصداقيّة، وهذا لا يكون من دون أن تلتزم إسرائيل بمرجعيّة واضحة وملزمة تستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
لا يمكن لمفاوضات من دون مرجعيّة، وبرعاية أميركيّة فقط وبعيدة عن الرعاية الدوليّة، وبلا وقف للعدوان والاستيطان؛ أن تقود إلى سلام، بل ما يمكن أن تصل إليه: إما مفاوضات من أجل المفاوضات؛ أو اتفاق انتقالي أو نهائي مجحف بحقوق الفلسطينيين، كما حصل سابقًا، وكما يحاول كيري أن يفعل حاليًا؛ أو إلى انهيار المفاوضات ووقوع مجابهة فلسطينيّة إسرائيليّة.
في هذا السياق، يجب الإيمان بأننا لسنا في مرحلة التسوية، وما يمكن أن تعرضه الحكومة الإسرائيليّة، أو تحاول فرضه الولايات المتحدة الأميركيّة على الطرفين، لا يمكن أن يلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينيّة، ولا أي حق منها.
لقد جربت القيادة الفلسطينيّة الفصل بين إقامة دولة وحق العودة أو المقايضة بين الحقين ولم تحصل على الدولة، وأضعفت موقفها من قضيّة اللاجئين التي تعتبر أساس وجوهر القضيّة الفلسطينيّة؛ ولم تحصد سوى الريح. لقد أصبح المطروح علينا تصفية لقضيّة اللاجئين، وتقسيم القدس الشرقيّة والضفة الغربيّة بين إسرائيل وبين كيان فلسطيني يمكن أن يسمّى "دولة"، وهو في الحقيقة حكم ذاتي.
إن المقاطعة أحد أهم الإستراتيجيات التي يمكن أن يستند إليها النضال الفلسطيني، ولكنها حتى تعطي ثمارها كاملة يجب وقف مهزلة ما يسمى "عمليّة السلام"، حتى يدرك العالم كله أنه لا يمكن تحقيق الأمن والسلام في المنطقة من دون الضغط على إسرائيل ضغطًا حقيقيًا متزايدًا، بحيث تدرك أن النظام الاستعماري الاحتلالي الاستيطاني العنصري لا يمكن أن يستمر، وأن من شأن استمراره تقويض وجود إسرائيل نفسها لا احتلالها فقط.
في هذا السياق لا يمكن الجمع ما بين استمرار الالتزامات السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة المترتبة على "اتفاق أوسلو" - والمتضمنة الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود بأمن وسلام - وشن حملة مقاطعة شاملة يمكن أن تصل إلى فرض العقوبات على إسرائيل وفرض العزلة عليها. كما لا يمكن الفصل بين الاحتلال وبين المحتل، أي بين إسرائيل واحتلالها، فلا شرعيّة لإسرائيل ما دامت محتلة واستعماريّة وعنصريّة واستيطانيّة.
ما سبق لا يعني رفض مقاطعة الاستيطان والاعتراف والتعامل مع إسرائيل في نفس الوقت، ولكن هذا الجمع ما بين المتناقضات لا يمكن لوحده الانتصار حتى بدحر الاحتلال، فكيف بمقدوره الانتصار على النظام الاستعماري كله؟.
إن إسرائيل لن تتراجع عن احتلالها، فضلًا عن نظامها الاستعماري، إذا لم تجد وجودها كله مهددًا من خلال مقاطعة شاملة لها، وليس لاحتلالها فقط، فكما قال المفكر الإسرائيلي اليساري زئيف شترنهل: لا يمكن معانقة المحتل ومقاومة الاحتلال.
مسألة أخرى بحاجة إلى توقف، وهي: لماذا نجد أن المقاطعة قويّة نسبيًا في أوروبا، وبدرجة أقل في أميركا، وضعيفة في بقيّة أنحاء العالم، بما في ذلك في الدول العربيّة التي من المفترض أن تكون فيها المقاطعة في ذروتها، بسبب مكانة القضيّة الفلسطينيّة لدى الشعوب العربيّة، والروابط التي تجمع ما بينها وبين الفلسطينيين، والأهم بسبب أن إسرائيل لم تقم لحل مشكلة اليهود، وإنما كانت رأس الحربة لمشروع استعماري يستهدف إبقاء المنطقة العربيّة في إطار من التبعيّة والتخلف والتجزئة؛ حتى يمكن السيطرة على موقعها الإستراتيجي ومواردها الطبيعيّة وأسواقها؟
في هذا السياق فقط يمكن تفسير: لماذا شاركت إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956؟ ولماذا شنت حرب 1967 واحتلت بقيّة فلسطين وسيناء والجولان؟ ولماذا شنت العدوان على لبنان واحتلت مساحات واسعة منه إلى أن تمكنت المقاومة اللبنانيّة من طردها في العام 2000؟ ولماذا شنت الغارة على المفاعل النووي العراقي في العام 1981، والغارات التي لا تنتهي على مواقع عسكريّة سوريّة حتى هذه اللحظة؟
إن الذي يمكن أن يفسر لماذا المقاطعة قويّة في مناطق وضعيفة في أخرى هو: أولًا وأساسًا أن الدول التي تنعم فيها الشعوب بالديموقراطيّة ولو على النمط الغربي نجد أن المقاطعة قويّة فيها، والعكس صحيح كذلك، ولهذا ليس صحيحًا أن أوروبا اتخذت قرارها ضد الاستيطان من أجل تشجيع الفلسطينيين على استئناف المفاوضات والضغط الناعم على إسرائيل لدفعها لإنجاح جهود كيري فقط، وإنما هناك عامل لا يقل أهميّة، وربما يزيد، وهو أن الرأي العام في هذه البلدان ضاق ذرعًا بإسرائيل، وأخذ يضغط على حكوماته لمقاطعتها.
كما يلعب دورًا في فعاليّة المقاطعة وجود دور فلسطيني فاعل، خصوصًا للجاليات الفلسطينيّة والعربيّة. وهنا لا شك أن اقتصار علاقة القيادة الفلسطينيّة حتى الفصائل على الحكومات وإهمال الشعوب وقواها المناصرة للقضيّة الفلسطينيّة؛ يلعب دورًا مهمًا يؤثر في شدة أو ضعف المقاطعة حتى في البلدان العربيّة.
هناك نقطة أخيرة سأكتفي بالإشارة إليها فقط في هذا المقال، وسأتناولها في مقال لاحق تتعلق بضعف المقاطعة أو عدم وصولها للمستوى الممكن والضروري في فلسطين، سواء في الضفة الغربيّة وقطاع غزة أو في أراضي 48.
لا أبالغ في القول إن مقاطعة إسرائيل اقتصاديًّا وعلى كل المستويات والأصعدة، بما في ذلك مقاطعة الاستيطان قد تراجعت عما كانت عليه في سنوات سابقة، وهذا بحاجة إلى حديث آخر.
سناريوهات ما بعد فشل المفاوضات
بقلم: رجب ابو سرية – الايام
مع تبدد الوقت، ومن ثم الاقتراب الحثيث من التاسع والعشرين من نيسان القادم، ومع ان المفاوضات الجارية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بالرعاية الأميركية، قد ناقشت موضوعات الحل النهائي، إلا أن تقدما ما، ولو في سياق البحث عن استمرار العملية التفاوضية ذاتها، لم يحدث، وذلك رغم جدية الراعي الأميركي، ورغم ان هذه الجولة التفاوضية قد بدأت بعد توقف في المفاوضات بين الجانبين، استمر اكثر من ثلاث سنوات، ورغم أن الطرفين يقرّان بأن هذه الجولة قد تكون الأخيرة، قبل أندلاع مواجهة ما بينهما، وحتى ربما قبل أن يصبح متعذرا تطبيق مبدأ حل الدولتين على الأرض.
منذ بضعة أسابيع أو حتى أشهر توقفت اللقاءات بين الجانبين، وان لم تتوقف الاتصالات بين كليهما والراعي الأميركي، وذلك نظرا الى أن مواقفهما باتت واضحة فيما يخص كل الملفات، فيما لم يقم بعد الراعي الأميركي بصياغة ما كان وقد سبق ان أعلنه من نيته التقدم لهما بورقة إطار حتى يتوصل الى موافقة الطرفين على تمديد الفترة التفاوضية، وليس للتوصل الى الحل المنشود، وذلك لسبب واضح، وهو ان الأفكار الأميركية التي طرحت حتى الآن لورقة الإطار، لم يقبلها الجانب الفلسطيني، ومعه بعض العرب المعنيين بالأمر.
الراعي الأميركي ممثلا بجون كيري وزير الخارجية ما زال يصر على متابعة العملية، وما زال يبدي " تفاؤلا " بإمكانية التوصل الى أتفاق حول تمديد العملية التفاوضية، ولا أحد يعلم سر هذا التفاؤل، إلا إن كان كيري يراهن على تحقيق مكاسب سياسية لواشنطن في ملفات أخرى، وقد نجحت واشنطن أخيرا في رد الصفعة لموسكو في اوكرانيا، بما يعوض أخفاقها في الملف السوري، وحتى الملف الفلسطيني / الإسرائيلي حتى اللحظة.
في البحث عن اليوم التالي للتاسع والعشرين من نيسان القادم، في حال عدم التوصل لاتفاق الإطار، كما هو مرجح، فإن احتمالات عديدة قد تبدو واردة أمام الأطراف الثلاثة، ورغم انه ما زال هناك وقت، تفكر خلاله واشنطن بالاستعانة بأصدقائها الأوروبيين للتدخل لدى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتقريب وجهات النظر بينهما، إلا أن " عض الأصابع " وواقع الاستعصاء الحقيقي ما زال قائما، من خلال أصرار إسرائيل على أن تتضمن حتى ورقة الإطار أعترافا فلسطينيا بما يسمى بيهودية دولة إسرائيل، فيما يصر الجانب الفلسطيني على عدم الاعتراف هذا، وعلى عدم الموافقة على تمديد الفترة التفاوضية دون تقديم ما يبرر هذا التمديد.
لذا وما لم تقدم إسرائيل على مغامرة عسكرية لخلط الأوراق، وبالتحديد في جبهة غزة، فإنه يمكن للجانب الأميركي أن يفضل الانسحاب بهدوء، أو تجاهل يوم التاسع والعشرين من نيسان، وتسليم الملف أو على الأقل إشراك الأوروبيين في الاتصال بالجانبين، كما حدث قبل نحو عامين، حين تم اللجوء الى الأردن بأجراء أتصالات جس النبض، فيما الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي يهددان أو يفكران جديا باللجوء الى خيارات أخرى.
الجانب الإسرائيلي يفكر جديا أو يهدد باللجوء الى الانسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية، كما فعل عام 2005 أرئيل شارون في غزة، مع الفارق، أن الانسحاب الإسرائيلي، لن يكون من كامل الضفة الغربية ولا من معظمها، ولا حتى الى ما وراء الجدار، بل من نحو 60% من مساحة الضفة الغربية، وذلك لسحب البساط من تحت أقدام أنتفاضة ثالثة محتملة، ومحاولة دفع الجانب الفلسطيني لإعلان دولته المستقلة على تلك المناطق كأمر واقع، كما سبق وحاول أن ينتزع أعترافا فلسطينيا ودوليا بإنهاء احتلاله لغزة، بعد ان أجرى أنسحابه الأحادي منها، فيما الجانب الفلسطيني يفكر جديا في اللجوء للأمم المتحدة، اولا_ لانضمام فلسطين للمنظمات التابعة للأمم المتحدة، حيث يمكنها أن تشن حربا دبلوماسية فعالة ضد الممارسات الاحتلالية الإسرائيلية، وحيث يمكن لهذه المواجهة ان تحتدم، بدفع حالة المقاطعة الدولية، خاصة الاقتصادية والأكاديمية للاحتلال، والتي باتت ملحوظة ومؤثرة. وثانيا _ التقدم للجمعية العمومية ومن ثم لمجلس الأمن للمطالبة بوضع حد دولي للاحتلال الإسرائيلي، حيث أن اللجوء لمشروع قرار " متحدون من أجل السلام " أحد هذة الخيارات، ومنها بالطبع عودة الرعاية الدولية للمفاوضات والحل، بما قد يفتح لجنيف فلسطيني.
هذا على الجانب الرسمي، اما على المستوى غير الرسمي، الشعبي والحزبي والمعارض، فيمكن ان يدفع أغلاق باب المفاوضات الى مواجهة ميدانية بين المواطنين الفلسطينيين والمستوطنين، كذلك يمكن ان يؤدي ذلك الى أرتفاع عقيرة المعارضة السياسية على الجانبين، ولا أحد عليه ان ينسى ان أغلاق بوابة المفاوضات عام 2000 بعد فشل الرئيس ياسر عرفات، ورئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت أيهود باراك مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في التوصل الى حل، قد أدى إلى أنتفاضة الأقصى، التي حرقت المنطقة، وطوت أوسلو، لذا فأنه يمكن لمواجهة قادمة متعددة الأشكال والمستويات، أن تطوي حل الدولتين، وان كانت ستؤخر الحل وإعلان الدولة الفلسطينية على الأرض، فأنها ستدفع إسرائيل الى " تقديم تنازلات " باهظة الثمن دون مقابل، كما حدث مع غزة، وما على الفلسطينيين الذين يواجهون سياسة إسرائيلية لا ترى أبعد من قدميها ان يفكروا بشكل أبعد مدى، وفي النهاية من يكسب الحرب هو من ينتصر في النهاية، وليس من يحقق المكاسب الآنية أو النقاط المباشرة.
الجاهزية الاقتصادية لرفض الإذعان
بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
مؤشرات كثيرة تقول: إن جون كيري وزير الخارجية الاميركية ماض في خطته السياسية نحو بلوغ أهدافها الاخيرة. ومعطيات كثيرة تقول: ان سقف خطة الاطار هي دون الحقوق الوطنية الفلسطينية المقرة دوليا بكثير، بل إن الاشتراطات الاسرائيلية تجعل بنود الخطة متنافرة مع تلك الحقوق.
ايام التفاوض المباشر وغير المباشر تمضي ونقترب من لحظة الحقيقة. هل يستطيع المستوى السياسي أن يقول لا لشطب الحقوق الوطنية؟ هل ثمة استعداد لمواجهة الضغوط والعقوبات والذهاب في مسار آخر غير المسار الاميركي؟ وإذا ما استجاب المستوى السياسي للضغوط هل سيتمكن من تطويع الارادة الشعبية؟ ام أن الاخيرة ستكون عصية على استجابة تاريخية خطيرة بهذا المستوى؟
اسئلة كثيرة وإجابات مقتضبة في ظل صمت وانتظار لا يتناسب أبدا مع ما يجري الاعداد له. الاحتمالات المتوقعة ترتقي الى مستوى تحديات كبرى. إحتمال فرض الشروط الاسرائيلية بشكل مموه اوصريح نتيجة كارثية بخِتْمِ فلسطيني. واحتمال البقاء في وضع انتقالي مفتوح على امر (شروط إسرائيلية ) واقع تصنعه دولة الاحتلال هو نتيجة مأساوية بلا ختم فلسطيني. المطلوب احتمال ثالث آخر يرفض تأمين الغطاء بختم وبغير ختم . مطلوب الخروج من المسار الذي لا ينهي الاحتلال والنهب والسيطرة والاستبداد والتبعية. والدخول في مسار البحث الجدي عن الحرية والكرامة والاستقلال.
دولة الاحتلال مستعدة للاحتمالات الثلاثة. ونحن غير مستعدين للاحتمالات الثلاثة. عدم الاستعداد الفلسطيني يصب شئنا ام ابينا في الاستعداد الاسرائيلي ويخدمه خدمة لا تقدر بثمن. ومن باب التوقف عند استعدادنا ومناعتنا وعناصر قوتنا. دعونا نتوقف عند الجاهزية الاقتصادية للتعامل مع الاحتمالات. يقول كارل ماركس : السياسة هي تكثيف للاقتصاد، قول قديم لكنه بليغ يلخص الحال، وينبيء بعواقب غير لطيفة. واقعنا الاقتصادي يقول: السلطة تعتمد الى حد كبير على المساعدات الدولية المرتبطة بالعملية السياسية وبالاتفاقات المبرمة. الدعم يزيد وينقص بناء على أداء ومواقف السلطة ، ولم تتمكن السلطة من تجاوز هذه الحالة وتبعاتها الخطيرة. سواء عبر توليد الموارد من داخل المجتمع او عبر إعادة بناء المؤسسات الحكومية وممارسة اشكال من الاصلاح الاداري والمالي باتجاه الاعتماد على الذات.
وفقا للتقارير الرسمية السلطة مديونة بقيمة مليار ونصف المليار دولار للقطاع الخاص والبنوك. وتصريحات غير رسمية تقول السلطة مديونة لصندوق التقاعد بمليار دولار. وفي دراسة لعلاء الترتير نقلا عن مقالة لطارق دانا تقول : ان الاصلاح في القطاع المصرفي في عهد سلام فياض مكن الحكومة من إبرام قروض طويلة الاجل بلغت في عام 2013 ما مجموعه 4.2 مليار دولار، بفائدة سنوية قيمتها 200 مليون دولار، هذا المبلغ يعادل 50% من الناتج المحلي الاجمالي. أما القروض الفردية بحسب المصدر ذاته فقد بلغت مليار دولار حتى العام 2013 . توزعت القروض على 75% من موظفي القطاع العام - 94 الف موظف وموظفة من اصل 153 الف موظف - أخذوا قروضا من البنوك لتمويل الرهون العقارية والسيارات وتكاليف الزواج والسلع الكهربائية ونادرا في الانشطة الانتاجية. واستكمالا للوحة الاقتصاد بلغت نسبة البطالة في قطاع غزة 40% وفي الضفة الغربية 22% . بحسب د. محمد شتية ويتعرض العمال لاستغلال القطاع الخاص الذي لا يلتزم بالحد الادنى للاجور المحدد بـ 1450 شيكلا.
اكثرية المواطنين يكابدون شظف العيش ويزدادون فقرا لانهم لا يستطيعون الوصول الى الفرص الاقتصادية، في ظل "مباديء السوق الحرة والسياسة الاقتصادية النيو ليبرالية" التي مكنت كبار الرأسماليين ورجال الاعمال من الاحتكار على نطاق واسع، بما في ذلك احتكار استيراد اكثر من 25 سلعة اساسية. كان للاحتكارات تأثير مدمر على الاقتصاد الفلسطيني والشركات الصغيرة. فئة من الرأسماليين الفلسطيينين يتحكمون بالاقتصاد الفلسطيني رجال اعمال وتكنوقراط حصلوا على امتيازات خاصة من السلطة وتسهيلات – حرية الحركة والتجارة – من سلطات الاحتلال. مقاولون من الباطن يعملون لصالح شركات إسرائيلية وتطبيع اقتصادي من خلال مجموعة واسعة من الانشطة المشتركة.
وعلى صعيد آخر فإن المديونية المستدامة تؤدي الى تبعية اقتصادية تجعل القرار السياسي غير مستقل. الغرق في القروض والحياة الاستهلاكية ( تضاعف عدد السيارات في البلد 20 ضعفا في اقل من 6 سنوات)، يخلق نوعا من اللامبالاة السياسية ويخلق البيئة لمواقف سلبية ضاغطة على المستوى السياسي لقبول الحل او لبقاء الدعم بأي حال من الاحوال. اما السواد الاعظم الذي يزداد فقرا ويعيش في شروط اقتصادية صعبة فسيكون من موقع الاحباط واليأس واللا مبالاة مدفوعا لسماع وعود جون كيري الذي لوح بخطة تنمية بقيمة 4 مليار دولار، دون علمهم بأنها مخصصة لاستثمار القطاع الخاص الذي ابلى بلاء عظيما في - اللا تنمية.
كما نرى فإن الجاهزية الاقتصادية الفلسطينية تعيسة، خلافا لدولة الاحتلال والمانحين –باستثناءات قليلة- الذين هيأوا قاعدة اقتصادية قوامها عوزا وحاجة ليركبوا فوقها الحل السياسي المرغوب فيه. بعض الرأسماليين ساهموا من حيث لا يدروا في التهيئة الاقتصادية المضادة للاسف الشديد. ما يهم إعادة النظر في الجاهزية الاقتصادية، إعادة النظر في التطبيع الاقتصادي والمشاريع المشتركة، إعادة النظر في المديونية والاولويات والاعتماد على الدعم الخارجي.
عـــقـــدة ســــقــــف
بقلم: زياد خدّاش – الايام
ما حيرني هو السقف الثاني الصغير المنحني قليل على سرير غرفتي في الفندق الطويل.كأنه سيسقط بعد قليل على وجهي، ما حيرني أكثر هو الباب الخشبي الذي يتوسط السقف الثاني(، أتتزوج السقوف في هذه البلاد وتنجب أبوابا)، من يدخل من هذا الباب؟ وماذا لو طرقته الان يدٌ ما، كيف أفتحه له؟ وماذا لو فتحته، كيف سيدخل طارقه؟ الى أين سيدخل-يسقط؟ أعلى وجهي؟ وماذا يريد مني؟. ما خلع النوم من عيني هو صوت أمي الذي هطل فوق وجهي فجأة وأنا أندس مع أشقائي في فراشنا، تحت سقف الزينكو في غرفتنا الصغيرة بالمخيم، أوائل السعينيات، ما زلت أذكر صوتها وهي تتمتم بصلاة أو بأغنية أو بدموع، وهي تلهينا بالرقص والذرة المقلية والدغدغة المفاجئة، بينما غضب الرب والعالم يدق سقفنا الحديدي المتحرك. في دبي اكتشفت أن لدي عقدة سقف.
أهلاً، يا نجلاء، في البيت..!
بقلم: حسن خضر – الايام
يمكن أن نقرأ كتاب نجلاء سعيد، "البحث عن فلسطين"، باعتباره الجزء الثاني من كتاب "خارج المكان"، ليس لأن نجلاء ابنة إدوارد سعيد وحسب، ولكن لأن الكتابين يعالجان مسألة وسؤال الهوية، أيضاً، في حياة جيلين ينتميان إلى عائلة واحدة، وإلى تجربتين مختلفتين في السياسة، والثقافة، والحياة.
وُلد إدوارد سعيد، في القدس، وعاش طفولته، وسنوات تعليمه الأولى في القاهرة، وقضى إجازاته الصيفية في لبنان، قبل الالتحاق بالجامعة في أميركا.
أما ابنته نجلاء فولدت في بوسطن، وتعلّمت في مدارس النخبة في نيويورك، وعاشت سنواتها الأولى في ظل أب يحظى بشهرة عالمية، وأم لبنانية، عربية الهوى والهوية.
لم يعش إدوارد فقيراً، أو لاجئاً بالمعنى التقليدي للكلمة، ولم يعرف عذاب المنفى، وبدت إمكانية أن يكون أميركيا كاملاً على قدر كبير من الغواية، قبل حرب العام 1967، وقبل صداقته مع إبراهيم أبو لغد، الذي لا تمر ذكراه، دون أن ينتابني (بصفة شخصية تماماً) إحساس بالبكاء.
"البذرة دائماً في القلب"، كما في عبارة شهيرة لألبير كامو، فالولد الذي تعلّم في مدارس النخبة في مصر، وعاش في أوساط الطبقة الوسطى للمهاجرين الشوام، في قاهرة الخمسينيات، كان مفتوناً، أيضاً، بالمصريين الذي يراهم في الشارع، وباللغة، والرائحة، والثقافة العامة، التي أنشأ وسطه الاجتماعي جداراً يحول دون العبور إليها. وهناك، وُلدت البذرة الأولى للعيش "خارج المكان".
وقد حاول إدوارد في أطوار لاحقة من حياته، منذ أواخر الستينيات، أن يكون أشياء كثيرة، في وقت واحد. ومنها أن يكون فلسطينياً بالولادة والإرادة.
ولم تكن محاولة كهذه قابلة للتبسيط أو الاختزال، خاصة إذا كان صاحب المحاولة أحد أبرز الرموز الثقافية في القرن العشرين.
فهو فلسطيني وعربي، ولكنه أميركي، أيضاً، ويمكن أن يكون يهودياً، على طريقة بنيامين وأدورنو، إضافة إلى نزعة إنسانية عامة، تمكن الكينونة الشخصية من التجلي بكل الهويات، وخارج كل تصنيف محتمل.
أما البنت فأرادت أن تكون أميركية خالصة، وخذلتها أشياء كثيرة، فلا اسمها يوحي، ولا لون بشرتها، ولا سواد شعرها، يسهم في تعطيل الإحساس بخلل ما في الهوية.
والأهم من هذا، وذاك، أن لا لغة البيت، ولا مطبخه، ولا زوّاره، ولا علاقات العائلة، تحرر البنت من إحساس الخروف الأسود، في مدرسة تموج بالشقراوات.
قد تبدو هذه الأشياء طفولية، تماماً، ولكن هوياتنا، وعلاقتنا بأنفسنا، وبما نكون ومَنْ نكون، لا تنشأ في معامل معقمّة الهواء، ولا تتماهى مع التصوّرات الوهمية والمتوّهمة، في مناهج التعليم، أو لغة الناطقين باسم "شعبنا الفلسطيني"، بل في ملايين التفاصيل الصغيرة، من المهد، في مكان ما، إلى اللحد في مكان ما، أيضاً.
وهذا ما يصلح كتاب نجلاء، ابنة إدوارد، للتدليل عليه، باعتباره وسيلة إيضاح، على قدر كبير من الصراحة، والشجاعة، لعملية معقّدة اسمها تعريف الأنا، والهوية، في عالم تختلط فيها الثقافات، والأعراق، واللغات، والطبقات، والتجارب اليومية، التي لا يمكن ضبطها، أو تقنينها، في ظل زلازل سياسية، وأقدار عاتية تسحق الناس، وتبدد الهويات والمصائر، وتُلقي بحملها على الأطفال.
ليس صحيحاً أن الاختلاف يمكن أن يكون شيئاً صحياً، إذا شاءت الأقدار أن تنتمي إلى أقلية من نوع ما. أما الوصول إلى، والاعتراف، بما في الهجنة من تعددية، وغنى وإغناء، للشخصية، فهذه طريق شاقة، طويلة، ومؤلمة، محفوفة بالمخاطر، وغير مضمونة النتائج.
وهذه الطريق هي التي سار عليها إدوارد سعيد بالمعنى الشخصي والفكري. ومن بين ما لا يحصى من المراجعات، التي قرأتها عن "الاستشراق" لا تزال ملاحظة لمكسيم رودنسون، حيّة في الذاكرة، ويرد فيها ما معناه، إن الأمر كان يحتاج إلى فلسطيني لكتابة عمل مثل "الاستشراق".
الفلسطيني، هنا، ليس الكاريكاتور، الذي تبيعه لنا حماس، والفصائل التي تنطق باسمنا، هذه الأيام، ولا السلعة المثالية في الاقتصاد السياسي للمقاومة والممانعة، بل تلك الكينونة، التي شاءت لها زلازل كونية كثيرة، أن تجد نفسها، في تقاطع طرق إنسانية ووجودية، تتعادل فيها احتمالات البقاء والفناء، وكان عليها أن تبقى لتكون، وأن تكون لتبقى.
والحالتان مشروطتان بكفاءة الهجنة، ومهارات التهجين. وكلتاهما أداة مثالية لزعزعة بلاغة السرديات الكبرى، وسكينة اليقين.
وربما في هذا ما يفسّر كلام ردونسون عن الفلسطيني في إدوارد سعيد، بقدر ما يفسّر دفاع الأخير عن الهجنة والتهجين باعتبارها جزءاً من هوية الأزمنة الحديثة، ووحدة التاريخ الإنساني العام.
إدوارد سيكون سعيداً بكتاب ابنته، بالتأكيد، فالثمرة لم تسقط بعيداً عن الشجرة. لم تشتغل مثله على توليف صورة الشرق في المخيال الغربي، وعلاقتها بالكولونيالية، والمركزية الأوروبية، بل جعلت من جسدها، وذكريات وتجارب الحياة اليومية، وسيلة إيضاح لاكتشاف اعتباطية، وعذاب (وأحياناً، في وقت لاحق) عذوبة الوقوف على مفترق للطرق، وتعددية الخيارات، والهويات.
وبقدر ما أرى الأمر، يمثل هذا الكتاب إضافة للأدب الفلسطيني، الذي يُكتب الآن بلغات مختلفة، بقدر ما يفتح باباً (كما فعل إدوارد في "خارج المكان") لكتابة فلسطين، باعتبارها ذاكرة فردية، وشخصية، تماماً، وليست بالضرورة، وفي كل الأحوال، سردية كبرى، ومتعالية على اليومي، والجسدي، والعائلي، والحميم.
أخيراً، ليس من الإنصاف القول إن الثمرة لم تسقط بعيداً عن الشجرة، وفي الذهن إدوارد، فقط، فلمريم، اللبنانية، العربية، أم نجلاء، نصيب وافر من الثمرة. وربما لولا لبنانيتها الصريحة، وعروبتها الفصيحة، لما تمكنت نجلاء من البحث عن فلسطين.
كلنا، بهذا المعنى أو ذاك، خارج المكان. أهلاً، يا نجلاء، في البيت.
تغريدة الصباح - في غياب انسي الحاج
بقلم: احمد دحبور – الحياة
لا أتوقع ان تذرف الاقلام العربية حبرا غزيرا على رحيل الشاعر اللبناني انسي الحاج، فهذا الرافض المترفع لم يشغل نفسه، طيلة حياته، بالعلاقات العامة. ولم يهادن الثقافة السائدة. صحيح انه لم يوجه مدفعيته النقدية ضد رموز ثقافية بعينها، لكن إدارة ظهره للصخب الاعلامي وصانعيه، كانت علامة فارقة في شخصيته الاشكالية.
منذ ان ظهر انسي الحاج في المشهد الادبي اللبناني قبل اقل من نصف قرن، تميز بتعاليه المتقن المدروس على خصومه الادبيين. فهذا الذي افتتح مشروعه الثقافي بمجموعة عنوانها «لن».. كان يعي تبعة انه لن يوافق ولن يجامل ولن يتسامح، واذا كان الشاعر الكبير ادونيس في طليعة من تبنوه ورعوه، فانه لم يندرج في الخطاب الادونيسي او غيره، مع انه كان من اهم شخصيات مجلة «شعر» اللبنانية، التي كان يقوم عليها ادونيس ويوسف الخال. وكان بطبيعة الحال خصما للمشروع العروبي الذي كانت مجلة الاداب وصاحبها المرحوم د. سهيل ادريس من ابرز عناوينه.
على ان حرب انسي الحاج مع خصومه كانت على شيء من الطرافة، اذ ندر ان عثر القراء على سجال له مع اولئك الخصوم. فقد كان متمترسا بصمت ماكر، منهمكا في تطوير ادواته الشعرية، التي كانت استفزازية بطبيعة الحال.
بعد مجموعته «لن»، اصدر انسي مجموعة بعنوان «الرأس المقطوع»، تاركا لقرائه - الشباب غالبا - ان يخمنوا من هو صاحب هذا الرأس، أهو الشاعر نفسه الذي حكم على نفسه بالافتراق عن الخطاب السائد؟ ام هو رأس خصومه الذين كان يتجاهلهم باستمرار؟.. والواقع ان هذا الشاعر الاستثنائي لم يكن مشغولا بادارة هذا السؤال. اذ ان كان مجرد اختياره «الراس المقطوع» كان تعبيرا عن الانفصال - الانشقاق لمن يفضل هذا التعبير السياسي، وقد بلغ شغفه بالانشقاق ان اصدر ذات يوم صفحة بيضاء في احدى الزوايا المخصصة له، مستغنيا عن الكلام. اما تأويلات صمته المتعالي فما كانت لتعينه بدورها، لانه نذر نفسه للتجاوز.. فلا شيء، بالنسبة اليه، يستحق الوقوف عنده، حتى انه اصدر مجموعة شعرية ذات عنوان لافت: «ماضي الايام الآتية».. وبقليل من التأمل نكتشف ان ماضي الايام الآتية هو اليوم الحاضر، ولكنه اداره من الماضي انطلاقا من انه مع عجلة الحياة التي تترك الاشياء عليها كلها خلفها من غير ان تلتفت الى الوراء، حتى اذا واصل مشروعه الكتابي، استحدث زاوية بعنوان «خواتم».. ولك ان تقدر أهي خواتم لبدايات، ام تبشير بنهايات، ام هي مجرد حليّ للاصابع؟
كان من الممكن لشاعر من هذا الطراز ان تتلاشى اخباره بسهولة، اذ انه مقاطع من معظم المنابر الادبية في حينه، وكان د. سهيل ادريس رحمه الله ينعته بالدعي، لكنه لم يعر هذه المواقف العدائية اهتماما، بل التفت فجأة الى الجانب الوجداني وكتب قصائد عذبة في الحب، مع مواصلته، في مستوى آخر، اسلوبه الحاد المختلف.
ليست هذه مناسبة لتقويم شعر انسي الحاج، بل مجرد وقفة امام غيابه المفاجئ، وان كنت اتمنى لو ان ادونيس - بعد التطورات الفكرية النوعية في تجربته - يكتب شهادته عن انسي الحاج وعن سواه من جماعة شعر، امثال فؤاد رفقة وشوقي ابي شقرا ومعلمهم يوسف الخال والملتحق بهم متأخرا عصام محفوظ، وغيرهم.
لقد كان هؤلاء مجرد مثقفي لحظة اختلاف، ولعل لحظتهم كانت قصيرة، وبخاصة بعد ان افترق عنهم ادونيس الذي كان يشكل رافعتهم الكبرى. ولكن يبقى ان شروعهم كان تنويريا على طريقتهم، وفي الثقافة العربية ان بين الشعراء الاربعة من يستحق ان تسمعه.. فهل استمعت الثقافة العربية المعاصرة لانسي الحاج ببض العدل والانصاف؟
انه الآن في ذمة التاريخ، وليس لنا الا ان نقرأ هذا التاريخ بأشكاله وتناقضاته ومفاجآته، وليس لي - على المستوى الشخصي - الا ان اعترف باللهجة المختلفة التي قدمها بوصفه شاعرا مختلفا.
جامعة في حقل رماية!
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
جامعة فلسطين التقنية - خضوري جمهورية الشباب الأشداء وساحة الدارسين الأقوياء ومنصة الفقراء بالمال والإغنياء بالكرامة والعزة والتاريخ الناصع تجد نفسها اليوم حقلاً للرماية صنعه الخصوم الجبناء من جيش الاحتلال في قلبها وعلى ترابها قناعة منهم بأن الطلبة الشجعان سترتجف أقدامهم وترتعد قلوبهم فيجزعون ويتركون الأرض والعلم والتعليم حتى يشطب الاحتلال بقرار مصادرة بائس تلك الجامعة وما فيها.
أكثر من أربعة وعشرين دونماً حولهم المحتل قبل أيام لساحة تدريب عسكري في خرق واضح لأبسط حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة ومواثيق حرية التعليم والتعلم ومفاهيم البشر. دولة الديمقراطية المزيفة التي أصمت العالم بحديثها المزعوم عن الحرية والديمقراطية تضيق بجيشها الأرض فلا يجد إلا أن يزج بذاته ليتموضع قرب أوراق وأقلام وأحلام الطلبة.
لكن طلبة الإصرار يقابلون طغيان هذا المحتل بموقفهم الواضح المبني على الاستمرار في علمهم وعملهم ليرموا الاحتلال الظالم بعلمهم ومعرفتهم.
السؤال البديهي في ظل هذه الهجمة هى ماذا لو تبادلنا الأدوار واقتحمت قواتنا جامعة إسرائيلية واقتطعت أرضا لها وحولتها إلى موقع للرماية والتدريب القتالي؟ كيف سيكون موقف العالم من هكذا خطوة؟
لا شك بأننا سنتهم باللاسامية والعدوانية والإجرام ولقامت الدنيا ولم تقعد ولأصبحنا بضاعة رائجة للانتقاد والاتهام والإساءة.
اليوم يأتي المحتل برصاصه وعتاده ساعياً لترهيب الطلبة الفرسان والأسرة التعليمية الباسلة، فيفاجأ بعزيمة متجددة للفلسطيني العنيد الذي لا ترهبه النيران ولا بأس المحتل.
إطلاق النار ينبعث صداه في أركان الجامعة ومحافظة طولكرم الشامخة، بينما يستمر الطلبة في سعيهم للعلم متجاهلين حالاً تعدى حدود المنطق وحتى أبسط حدود المقبول والمعقول.
اليوم لا بد وأن نسمع صوت مؤسسات حقوق الإنسان ودعاة الديمقراطية والمناضلين من أجل التعليم وحرية الوصول الآمن إليه.
فبعد أن اقتطع المحتل مساحات واسعة من اراضينا لصالح جداره العنصري عازلاً مدارس بأكملها، وبعد أن فرض على طلبتنا تصاريح جائرة لانتقالهم من وإلى مدارسهم، وبعد أن عطل التعليم وقصف الجامعات واعتقل الطلاب واستهدفهم بالاغتيال والقتل يعود اليوم بهذه التقليعة البائسة مستحدثاً حقلاً للرماية والتدريب على القتل في قلب إحدى جامعاتنا العزيزة. هذه الجرأة في الاقدام على خطوة من هذا النوع لم تكن لتتم لولا صمت العالم على كل ما ذكر من تصرفات واعتداءات.
اليوم مطلوب من المؤسسات التي قضت اعواماً طوال في إشباعنا في الحديث عن حقوق الإنسان أن تتدخل وتوقف هذه المهزلة وإلا لوجدنا المحتل في قلب المدرجات والقاعات الجامعية مستعرضاً كما فعل لعقود عضلاته وشيئاً كثيراً من انعدام الإنسانية.. وصمت البعض ممن يشجعونه.
كفى تسطيحا أيها التبسيطيون
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
مرة جديدة يظهر في الساحة الفلسطينية تبشيريون في موضوع غاية في الحساسية والخطورة تجاه قضية "يهودية" الدولة الاسرائيلية. ولتمرير رؤيتهم غير المقبولة من حيث المبدأ، والتي تمس هوية وذاكرة ورواية الشعب العربي الفلسطيني، ينحو نحو التسطيح للمسألة، حين يدعون المواطنين، تعالوا لنسأل قادة إسرائيل، ماذا تعني لهم "يهودية" الدولة؟ ونطالبهم بعدم المس بابناء شعبنا المليون ونصف مليون فلسطيني في داخل الداخل؟
اولا مرة اخرى من حيث المبدأ، لا يجوز تمرير هذه المسألة تحت اي عنوان او صيغة تعكس التسطيح؛ ثانيا متى كان الاسرائيليون معنيين بالالتزام بأي تعهد تجاه ابناء شعبنا؟, ألم نتعلم على مدار الـ21 عاما الماضية من رفضهم الالتزام باي تعهد وقعوا عليه؟ ثالثا وهل إذا ما سألنا نتنياهو وبينيت وليبرمان وغيرهم سيقولون غير ما قالوه في روايتهم المزورة للتاريخ والحقائق ونفي حق شعبنا في الوجود والحرية والاستقلال؟ ألم يقل الشعار الناظم لمسيرة الحركة الصهيونية "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض", رابعا هل المشكلة تنحصر فقط بحقوق المليون ونصف المليون من الفلسطينيين؟ وماذا عن حقوق اللاجئين في الشتات؟ وماذا عن رواية الشعب التاريخية؟ خامسا: هل التسوية السياسية تعني بحال من الأحوال التخلي عن رواية الشعب الفلسطيني؟ هل مطلوب من الفلسطيني نسيان وإسقاط سجل وحضارة وثقافة الشعب التاريخية؟.
المؤكد في مسيرة الكفاح السلمي لشعبنا، ان التمسك بخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، لا يعني نهائيا التخلي عن: اولا حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وحقهم جميعا. لانه لا يجوز لكائن من كان، وأيا كان موقعه، ان يتنازل عن حق مواطن فلسطيني واحد بالعودة الى وطنه الأم، والى بيته ووفق معايير السلام العادل؛ ثانيا ثابت من الثوابت التمسك بالرواية الفلسطينية التاريخية، وعدم المس بها، وتدريسها للاجيال المتعاقبة؛ ثالثا حق ابناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب، حق غير قابل للانتقاص او المساومة عليه. فضلا عن حقهم في الحصول على المواطنة الكاملة وليس فقط الجنسية الاسرائيلية الشكلية. رابعا لا اليوم ولا في المستقبل القريب او البعيد ملزمين كفلسطينيين بالاعتراف بـ"يهودية " الدولة الاسرائيلية، لانها تعني مباشرة ودون لف او دوران إلغاء وشطب الرواية الفلسطينية، وبالتالي نسف الحقوق المشروعة، والتي كفلها القانون والمواثيق الدولية.
إذا ايها المروجون لعملية تضليل جديدة تمس جذور هوية وتاريخ الشعب الفلسطيني، كفى تدبيجا لمواقف خاطئة وتمس بركائز الشخصية الوطنية الفلسطينية. بالتأكيد لستم خارج الصف الوطني، ولكن قراءتكم للمسألة فيها جنوح نحو تضليل الذات والشعب لحرصكم على دفع عملية التسوية للامام. لكن لمذا لا تطالبوا قادة إسرائيل والولايات المتحدة بالكف عن مطالب وشروط تعجيزية غير ذات جدوى، وتنسف خيار السلام ؟ لماذا ترتفع اصواتكم في الوقت، الذي ترتفع فيه اصوات داخل اليهود انفسهم، يتنكرون فيها لـ"يهودية" الدولة الاسرائيلية؟ أي معنى لمواقفكم الخاطئة والمرفوضة, في الوقت الذي تتعالى فيه اصوات امثال البرفيسور شلومو ساند، الذي يرفض مقولة وجود "شعب يهودي"!؟ هل لكم ان تفسروا لنا لماذا ؟ وعلى أي اساس؟
يا حبذا ايها المروجون للافكار الخاطئة وغير الجديرة، لو تكفوا عن تسويق بضاعتكم غير المقبولة من عامة ابناء الشعب. لانه يكفي الشعب والقيادة ما تواجهه من ضغوط وارباكات، ولا ينقصها اصوات من داخل الصف الوطني تروج لبضاعة مرفوضة جملة وتفصيلا.
عام على وداع «الحياة الجديدة».. عام على حياة جديدة
بقلم: اياد الرجوب – الحياة
كم هي صعبة تلك اللحظة التي يقف فيها المرء على الحد الفاصل بين مرحلتين!! فالطبيعةُ البشريةُ لا تتطبع بغير فطرتها، وكل مرحلة، مهما قصرت أو طالت، لا بد لها من أبطال، ومفهوم البطولة في معترك العمل لا يبتعد كثيرا عن مفهوم الصداقة، أو الخصومة، أو الكفاءة.
نصف العمر الوظيفي.. ذكرى
لعله من حسن طالعك أن تغادر أربعة عشر عاما من العمل مع مئة زميل دون أي خصومة، وانه لأمر محزن جدا أن تترك تلك الأعوام بتمامها وكمالها في جريدة الحياة الجديدة لتحيلها ذكرى، وما أصعب فراق أقران المهنة! أصدقاء العمر! رفاق الليالي! بل ما أصعب أن تفارق المهنة نفسها! فكيف لمن عاش نصف عمره الوظيفي في مهنة قمرية البذار والاثمار أن يبدأ بعدها حياة جديدة في مهنة شمسية.
خلال نصف عمري الوظيفي كتبت عن العمل ما كتبت، واحتفظت بما احتفظت، ونشرت ما نشرت، منه ما كان يروق ومنه ما لم يكن، فما يروق كان ينتهي في ساعته، أما ما لا يروق فقد أثقلني بالعقوبة التي أفادتني واشتد بها عودي.
وطِئتُ عتبة «الحياة الجديدة» بعد عام في «الأيام»، كنتُ حينها غضّ اللغة، ليّن العبارة، وما هي الا سنة حتى كنت قد رضعت من صفحاتها اللغةَ بكامل دسمها، فأخذتُ من بصْرية سيبويه وكوفية الكسائي وأضفت اليهما ما يناسب صحافة الألفية الثالثة، فوجدتني بعدها مطلوبا للبت في ما يختلف فيه زملاء المهنة، أما ما أختلف فيه معهم فكثيرا ما كان يبت فيه أستاذ النحو العربي في جامعة بيرزيت د. عمر مسلم، ولم يسلم من ازعاجنا اياه ليلا حتى وهو في السودان، وفي نهاية كل اختلاف كانت لغة «الحياة الجديدة» تزداد متانةً.
في «الحياة الجديدة» خبرتُ الحياة الدنيا بكل تفاصيلها، والموت بكل تجلياته، فهَول أول قصف تشهده الضفة الغربية بعد قيام السلطة الوطنية لم يمنع العزيز بشار البرماوي- الذي امتشق سيف المسؤولية قبل أوانه- من أن يطلب مني الحضور لمقر الجريدة كي نبقي أنفاسها دافئة ذاك المساء، رغم جليد الخوف الذي عاشته رام الله بعد القصف المروحي ذاك اليوم، فبشار كان يعي تماما من يلبي النداء في ذاك الظرف، واستطعتُ واياه مع الزميلين أيمن ونضال معلا من القسم الفني أن ننجز عددا بكل دافعية واصرار، فبزغ الفجر الجديد معطرا بـ»الحياة الجديدة» التي أبت أن تنام.. كان لافتا في ذاك العدد ذي الصفحات الثماني أنه لأول مرة بعد قيام السلطة يُستبدل مصطلح «قوات الاحتلال» بـ»قوات العدو».
اليوم، وبعد عام من ترجّلي عن صهوتها، أفخر بأن نصف عمري الوظيفي كان في جريدة الحياة الجديدة، تلك الجريدة التي رغم وصفها- شعبيا- بأنها «جريدة السلطة» الا أنها الأكثر جرأة في الطرح والتحليل والنشر من باقي الصحف الفلسطينية، تتميز بمقالاتها اللاذعة، وأخبارها المحلية الثرّة التي تغطي المحافظات كافة.. ومن جرأتها اكتسبتُ الكثير، ومن ذاك الكثير قسوةُ العبارة.
مشوار حياة وموت
لم يدُر في خلدي يوما أن تأتي لحظة أودع فيها الى الأبد مشوار حياة وموت برفقة خالد سليم ورائد حامد ومؤيد الديك، حتى في استقالتي خالد ورائد السابقتين من جريدة الحياة كان الاحساس دوما يجعلني أطمئن لعودة جديدة.. وما كان لاحساسي الا أن يصيب، فيعودان لنكمل المشوار سويا، أما في 24/2/2013 فكان الاحساس مؤلما بانتهاء مشوار حياة العمل معهم، وأظنه الى الأبد.. ولا ذنب لي في ذلك، فلم أرغب قط في الوصول للحظة الوداع، انما كان لآرام ومن بعده سام الأثر الأكبر في رسم النهاية.
خالد ومؤيد كانا درعا بشريا لي أمام الموت بين مسدسات وبنادق جنود الاحتلال، وللأسف، لم يأتِ ظرفٌ أختبر فيه نفسي كي أكون درعا لأي منهما، فخالد عاش اللحظة وفوهة مسدس المحتل لصيقة بأذنه وهو يشق درب الاحتجاز نحو مقر قيادة الاجتياح برام الله عام 2002، ومؤيد استله الجندي الأرعن من بيننا ليلصق فوهة بندقية الـ»M16" بجانب عنقه ويطلق الرصاص، دون أن يسمح لنا بالنظر اليه، في تلك اللحظة شعرنا أننا فقدناه، لكن الله شاء أن يبقيه حيا لنبقى نعتز بصدق صداقته وعمق وفائه.
جادت عليّ جريدة الحياة بصداقات تترى لا تنتهي، أسماؤها محفوظة في القلب لم تغادره ولا أحسبها تغادره ما دام ينبض، ولا أفاضل بين تلك الصداقات ان استذكرت أخي أمجد عرار الذي كان قاب سنتيمترين أو أدنى من رصاصة «بسغوتية» وهو على كرسي التحرير.. فهكذا شاء الخالق القدير أن تخرج «الحياة الجديدة» بطاقمها من كل مواقفها الصعبة دون أن يمسها سوء.
حياة جديدة
ودّعتُ «الحياة الجديدة» كصحافي الى حياة جديدة كموظف اداري في وزارة الداخلية، وكم كانت الأيام الأولى للعمل الجديد مؤلمة ومتعبة ومرهقة، لدرجة راودني فيها الندم على الوداع.
لكن، وكما وجدت في الجريدة حاضنة دافئة لي بداية نصف عمري الوظيفي الأول، وجدت في «الداخلية» حاضنة أكثر دفئا لي بداية نصف عمري الوظيفي الثاني، فقد منحتني بحب وود- دون أي معرفة مسبقة لي بأحد فيها- ما يصعب منحه لأحد مثلي قادم من عالم وظيفي آخر، وأول ذلك، هو تحقيق رغبتي في «العودة للوطن»، على رأي عطوفة الأخ نضال عمرو الذي أطلق هذا الوصف عندما قلت له: «أرجو ألا يُفهم سعيي لترك «الحياة الجديدة» بأنه كره فيها، بل هو رغبة في ترك رام الله والاستقرار في الخليل».. فلم أجد نفسي الا في مكتب بمديرية داخلية جنوب الخليل التي تبعد عن بيتي مسافة 10 دقائق بالسيارة.
في «الداخلية» عرفت معنى الدوام نهارا كما الأغلبية العظمى من بني البشر، وعرفتُ معنى تراكم الاجازات دون استنفادها، وعرفت معنى «يوم الدوام» حسب قانون الخدمة المدنية الذي صار محددا بسبع ساعات.
في «داخلية جنوب الخليل» عرفت معنى أن تستفيق صباحا وتتناول فطورك مع أسرتك وتذهب لدوامك، وبعد انتهائه تعود لتتناول غداءك مع أسرتك وتلاعب أبناءك مساء وتنام في بيتك.
في «الداخلية» عرفت معنى مقياس الكفاءة، فكل اختبار تجتازه هو سهمٌ يُحفظ في رصيدك.
في «الداخلية» عرفت كيف أكون انسانا قبل أن أكون موظفا، كيف أحبب المواطن بالقانون الذي يحميه قبل أن أخبره برفض طلبه وفق القانون، عرفتُ كيف أخدم المواطن لأخدم الوطن.
في «داخلية جنوب الخليل» عرفت سكان جنوب الخليل، فأدركت كم فيهم من نفوس معطاءة للعمل الخيري والتطوعي الذي ما زال أحد أساليب مقاومة الاحتلال.
في «داخلية جنوب الخليل» أعيش مع أسرة من الموظفين تُرسخ مفهوم الأسرة الحقيقي، لدرجة أن رب هذه الأسرة لا يُشعرك ببريستيج الربوبية، فمجرد رؤيته يعطيك احساسا بالوطن الجميل النقي الذي عشت تحلم به.. وبالطبع لا مجال في هذه الأسرة لتحاشي سائد دسة، فرغم زمبركيته الحركية في المديرية وعدم امكانية تسيير معظم أمورها من دونه ورغم طبيعة عمله بما تتطلبه من لباقة اتصال وتواصل مع جميع الفئات، يبقى أول شخص تعثر فيه على شخصيتك التي تلقي الكلمة الصريحة الخشنة في وجه مستحقها كما تلقي «بلوكّة العشرين».
في «الداخلية» عرفت كل شيء جديد على الدوام تقريبا.. لكنني بعدُ لم أعرف مغامرات الوصول للدوام والعودة منه رغم أنف الاحتلال، تلك المغامرات التي استمتعت بها في «الحياة الجديدة».
كمال ناصر . الشاعر، المفكر, السياسي, المناضل
بقلم: عيسى عبد الحفيظ – الحياة
(1-2)
في ليلة من ليالي شهر نيسان 1973، وفي ساعة متأخرة من الليل، وبينما كان كمال ناصر يكتب مقالته الأسبوعية راثياً الأديب أمين نخلة في شقته بشارع فردان في بيروت, كانت وحدة من الكوماندص الاسرائيلية تتسلل بقيادة ايهود باراك لتنفيذ عملية اغتيال جماعية بحق كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار. جاءت هذه العملية كرد اسرائيلي على عملية ميونخ التي نفذتها منظمة ايلول الاسود حسب الرواية الاسرائيلية.
كمال بطرس ابراهيم ناصر من أسرة متجذرة في بيرزيت، الا ان ميلاده كان في غزة. المكان الذي كان يعمل فيه والده. والصدفة او لأمر خارج عن المألوف او السبب نجهله جميعا، ولا نملك تفسيرا له، كان تاريخ استشهاده في العاشرمن نيسان 1973 قبل ايام من تاريخ ميلاده.
سيطرت فكرة الاستشهاد على كمال ناصر في كل نواحي الحياة، وترافقت مع فكرة البعث. فاصبح هاجسا لازمه في كل اشعاره تقريبا. فقد حمل هذه الفكرة في الشعر والرؤي والنبوءة في الجامعة الامريكية في بيروت التي تخرج منها عام 1945 في العلوم السياسية. بينما كانت الاحداث تستعر في فلسطين وكصاحب ضمير ورسالة وطنية لم يقبل دراسة المحاماة لتحقيق رغبة والدته المثقفة، فالتقطته الصحافة، هوايته المفضلة لينشئ جريدة الجيل الجديد بالتعاون مع هشام النشاشيبي وعصام حماد في عام 1949 في القدس.
فكرة الاستشهاد والبعث ربما هي التي دفعت كمال ناصر ليشارك في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في رام الله، ويبدأ رحلته الصعبة والقاسية من السجن الى البرلمان عن دائرة رام الله عام 1956. وبقيت الصحافة تجري في أعقابه او كان هو يجري في اعقابها، حين اصدر عبدلله الريماوي جريدة البعث في الضفة الغربية باسم فرع الحزب في فلسطين وكان لكمال ناصر دور رئيسي في ذلك بالاضافة الى كتاباته في جريدة فلسطين الصادرة في القدس.
لم تلبث التجربة الديمقراطية في الاردن ان انتكست. فانتقل كمال ناصر الى سوريا مراهنا على تجربة الوحدة بين سوريا ومصر فقلده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وساما تقديريا. الا ان حلمه الحزبي الذي اعتقد انه قد تحقق عندما استلم البعث مقاليد السلطة على اثر انقلاب 8 آذار 1963 لم يلبث ان تلاشى بسبب الخلاف الحاد الذي ظهر بين قيادة الحزب وعبد الناصر، وما زاد الطين بلة الخلافات الداخلية في الحزب الذي وقف كمال ناصر مع قيادته الشرعية علنا بصوت مدو قائلا:
ما علينا لو كل يوم غزانا عابر وانتمى الينا دخيل
فبذور الحياة تكمن فينا وسيبقى البعث الاصيل الاصيل
وحين وصل الى الشطر الاخير اشار بيده وكانت كاميرات التلفزيون تتابع حركاته، اذ به يشير الى الاستاذ ميشيل عفلق.
لكن البعث لم يبق اصيلا على الطريقة التي يريدها كمال ناصر فحدث انقلاب شباط 1966 وتحركت الدبابات لصالح القيادة القطرية فقال:
لم يبق للبعث عندي ما أغنيه شيعته وسابقى العمر ابكيه
وفي السيارة التي اقلته الى السجن كانت المطربة دلال شمالي تغني كلماته:
عشرين عاما نضيء الليل من دمنا في كل نجم لنا جرح اضأناه فالبعث وعي وايمان وتضحية والبعث هم كبير قد حملناه
لم يكن سهلا على سجانيه ان يسجل عليهم التاريخ ذلك. لذا, كان فراره من السجن الى بيروت ومنها الى باريس أمرا شبه طبيعي. وفي رواية أخرى كان للكاتبة كوليت خوري دور في تسهيل عملية هروبه من السجن. وفي باريس، صدحت حنجرة كمال ناصر باشعار الغربة والاشتياق الى الوطن الذي شد عقله وعواطفه فعاد, ليشهد هزيمة حزيران, فبادر الى المقاومة بكل اشكالها, فما كان من سلطات الاحتلال الا ان اعتقلته ثم ابعدته خارج الوطن.
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (276)
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
الثلاثاء
25/2/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
اهمية التعليم والصحة
بقلم: حديث القدس – القدس
نتنياهو... والاخلاق !!
بقلم: عطا الله منصور – القدس
الجولان وأوهام ليبرمان..
بقلم: أحمد مصطفى علي – القدس
لا بديل عن تكامل الجهد الشعبي لمواجهة مخططات تهويد القدس
بقلم: راسم عبيدات-القدس
الطريق الى السلام والتطبيع
بقلم: تيسير الزبري – القدس
روسيا الجريحة في كييف... القوية في دمشق!
بقلم: جورج سمعان – القدس
المــقـــاطـــعـــة
بقلم: هاني المصري – الايام
سناريوهات ما بعد فشل المفاوضات
بقلم: رجب ابو سرية – الايام
الجاهزية الاقتصادية لرفض الإذعان
بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
عـــقـــدة ســــقــــف
بقلم: زياد خدّاش – الايام
أهلاً، يا نجلاء، في البيت..!
بقلم: حسن خضر – الايام
تغريدة الصباح - في غياب انسي الحاج
بقلم: احمد دحبور – الحياة
جامعة في حقل رماية!
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
كفى تسطيحا أيها التبسيطيون
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
عام على وداع «الحياة الجديدة».. عام على حياة جديدة
بقلم: اياد الرجوب – الحياة
كمال ناصر . الشاعر، المفكر, السياسي, المناضل
بقلم: عيسى عبد الحفيظ – الحياة
اهمية التعليم والصحة
بقلم: حديث القدس – القدس
هناك قول مأثور يتكرر في كل الدول المتقدمة اقتصاديا وعلميا وحضاريا ولدى كل الدول التي تطمح لان تتطور وتنمو .. وهذه المقولة هي اننا من التعليم نبدأ .. لان في التعليم بناء الانسان اولا وهو القادر على تحرير الوطن وبنائه وتطويره .. وبعد التعليم وتداعياته تجيء القضية الصحية وهي اساسية وجوهرية.
مناسبة هذا الكلام هو انعقاد ندوة التطوير الاستراتيجية الثالثة للتعليم في بلادنا وتأكيدات المتحدثين من رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم الى كل المشاركين، تؤكد اهمية التعليم وضرورة تطويره بوضع خطة استراتيجية تتناسب مع سوق العمل وخلق وظائف جديدة وذلك من خلال تغيير جوهري في المناهج والتخصصات، وقد وعد رئيس الوزراء رامي الحمد الله بأن هذه الخطة ستكون مكتملة بحلول العا م2020.
ونحن في بلادنا اشد ما نكون لمثل هذه الخطة التي تستجيب لاحتياجات سوق العمل فعلا ولا تظل افواج الشباب تتخرج من الجامعات او تنهي الثانوية العامة حتى تصطدم بالبطالة بعد كل هذا الجهد. وقد سمعنا سابقا عن خطط كهذه ولكنها بالعموم ظلت بدون تنفيذ كامل حقيقي، ونأمل هذه المرة ان تتبلور الخطة عمليا وان يبدأ التنفيذ فور انتهاء الدراسات والاقتراحات.
وغني عن القول ان اي تطوير حقيقي للواقع العام في بلادنا يرتبط اولا واخيرا بزوال الاحتلال مع التأكيد ان هذا الهدف الوطني يجب الا يؤخر تطوير التعليم الذي يساهم بالتأكيد في تحرير الوطن.
ومتى كان التعليم متطورا فان القطاع الصحي يجيء بعد ذلك تماما او مكملا له، لان المواطن يحتاج وظيفة من خلال التعليم وملاءمته لسوق العمل وللرعاية الصحية. وفي هذا الساق انعقد المؤتمر الطبي الالماني العربي بمشاركة وفود كثيرة من خارج الوطن، كما اكد د. الحمد الله سعي الحكومة لتطوير القطاع الصحي.. وقد دفعت الحكومة بالامس، او قررت دفع، مبلغ 47 مليون شيكل لدعم المستشفيات وموردي الادوية، ومع ان الديون لهذين القطاعين اكثر كثيرا، فان هذه الدفعة تساهم في تخفيف المشكلة ودعم المشافي وموردي الادوية ..!!
نتنياهو... والاخلاق !!
بقلم: عطا الله منصور – القدس
اعترف واقر امام القراء بانني مدمن على سماع الراديو ( ومتابعة الندوات على التلفزيون). لا اجد متعة في هذه الهواية المرضية وغالبا انام اثناء الاستماع اليها. ولكنني اثور واستفز حين اسمع رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو وهو يتحدث عن الاخلاق - وهذا ما دفعني لاكتب هذا المقال على امل ان احد افراد طاقم ترجمة الصحف العربية لديوان رئيس الحكومة يتكرم علي فيترجمه خدمة لرئيس الحكومة.
اعرف بان رئيس الحكومة لا يقصد "تربيتي" ولا تهذيب اخلاقي لانه يعرف ان لدي تجربة امتدت طيلة عمري الطويل مع الصحافة العبرية وانه يقصد اقناع ابناء شعبه - والجهلة منهم خاصة وابناء العالم الواسع ممن لا يعرفون حقيقة مجريات الامور في بلادنا.
ومن عادات رئيس الحكومة في اسرائيل ان يفتتح جلسة حكومته الاسبوعية - يوم الاحد - ببعض التصريحات النارية ضد خصومها. مثلا : في الاسبوع الماضي قرر بيبي ان يكرس هذه الفقرة من جلسة الحكومة بالتصدي لبعض المؤسسات الاوروبية التي بدات اخيرا تتململ ضد سياسة الاستيطان على الاراضي الفلسطينية منذ 1967. قال رئيس حكومة اسرائيل بصوته -وبلغته الانجليزية ان مقاطعة منتجات المستوطنات ليست قانونية "وليست اخلاقية" وردد "ليست اخلاقية" بلهجة تليق بمعلم في مدرسة لا يجد ضرورة لتوضيح الامور لانها بديهية وكأنه يقول " السرقة حرام" ولكنه في الحقيقة يقول بان العدوان والسرقة حلال, وكل من يحاول منعها يقوم بجريمة اخلاقية!.
ومن هنا فان العالم كله , والولايات المتحدة وماكرونيزيا ايضا, تجمع على ان الاستيطان في الاراضي المحتلة هو جريمة ومخالفة للاعراف الدولية في ايامنا هذه .ولا يستطيع نتنياهو ان يقدم لنا مثالا واحدا اوهيئة واحدة توافقه على ان له ولوزراء حكومته حقا اخلاقيا في اقتطاع اجزاء من الضفة العربية خصوصا بعد سنوات طويلة من المفاوضات والادعاء بان حكومة اسرائيل مستعدة لتوقيع اتفاقية سلام مع الشعب الفلسطيني ضمن اتفاقية سلام على قاعدة دولتين لشعبين.
هل هناك وحدة بين كافة القوى السياسية في اسرائيل وراء سياسة نتنياهو وحكومته الحالية ؟ يستطيع المرء ان يدعي بان الجواب على هذا السؤال هو نعم , ولكنني اعرف جيدا ان مواقف الاسرائيليين تتفاوت. اغلب اليهود في اسرائيل لا يعارضون - ولن ينصبوا حلقات الندب والبكاء لو افاقوا من نومهم غدا فلم يجدوا حولهم وبينهم ولا في جوارهم عرب اومن يتحدثون باللغة العربية.ان حصة الاسد من هؤلاء لا تعارض سياسة الاستيطان اذا مرت بسلام ولم يقدم لهم العالم فاتورة الحساب. ولكن غالبية هؤلاء ليسوا على اتم الاستعداد للقتال دفاعا عن المستوطنات القائمة او المخططة. وهناك في اسرائيل فئة محترمة من الممكن حشدها لصالح شروق شمس السلام بعد حالة الحرب التي خيمت علينا وعليهم طيلة 60 عاما ونيف,واعتقد جازما بان الرئيس ابو مازن بسياسته المتبعة في الاعوام الاخيرة يراهن على هذه الفئة.
ولكن بيبي واغلب رفاقه يبحثون ويبذلون جهدا للكشف عن عبارات عدائية في الصحف وكتب الدراسة الفلسطينية . ويجدون في هذه العبارات ضالتهم للتدليل على حملات " التحريض" الذي تقوم به "السلطة الفلسطينية. وكل العبارات العدائية لليهود التي يرددها طلاب المدارس الفلسطينيين لا تنتج من سموم العداء ما ينتج عن عملية وحيدة من عشرات الاعتداءات العنصرية على المساجد والاديرة وكتابة الشتائم على مقدسات الناس من قبل زعران لا تجد شرطة اسرائيل طرقها اليهم طيلة سنوات!.
وما هو ادهى من ذلك ( في نظري كفلاح شرب مع حليب امه الايمان بقدسية الشجرة): هو اقتلاع اشجار الزيتون وحرق المحاصيل الزراعية التي يعتمد عليها سكان الضفة الغربية.
واغلب الظن ان حكومة اسرائيل تعرف الالم الذي ينتج عن جرائم الاستيطان ومن هنا فانهم يحولون "فش غلهم" بترديد شتيمة اوتهديد يجدونه في كتب التعليم او في المدارس الفلسطينية فهل هذه العبارات تؤلم او تستفز حكومة اسرائيل ؟ اغلب الظن ان الرأي العام في اسرائيل لا يسمع ولا يهتم لهذه الاصوات ولا يوليها اية اهمية. وغالبية عقلاء اليهود لا يسمعون هتافات جماهير كرة القدم الذين يتمنون لنا الموت ويشتمون الانبياء. ويعرفون ان وزارة الثقافة تمنح الجوائز لمن يطالب باطلاق سراح قاتل رابين, ولا ترى عيبا في كون نشرات الاخبار اليومية عن قادة الجماهير توقفهم الشرطة بتهم الفساد الذي تفشى في صفوف احزاب العلمانيين والمتدينين والمتزمتين وفي صفوف كبار الحاخامين الذين يسطون على تبرعات المحسنين ويمنحون شهادات العلوم الدينية للجهلة بمجرد حصولهم على حزمة من الدولارات .
وفي الايام الاخيرة وصل الفساد الى مفخرة الطب في اسرائيل : مستشفيات هداسا (على جبل الزيتون وعين كارم) وقد وصل الامر بهذه المؤسسة العلمية الى جفاف الموارد لدفع ماهية الاطباء والممرضات وفرضت على الحكومة ان تتدخل لان هذه المؤسسة كادت تغلق ابوابها بعد ان تبين بان "نساء جمعية هداسا" في الولايات المتحدة اللواتي قمن بتأسيس المستشفى وموّلن نفقاته خسرن اموالهن في اكبر عملية نصب قام بها يرنارد مايدهوف في 2008 وفيها " اضاع" 50 مليارد دولار اودعت لديه ( مما ادى الى عجز في ميزانية "هداسا" بلغ مليارد و-300 مليون شيكل ). ورحم الله امير الشعراء احمد شوقي القائل : ان الامم الاخلاق ان ذهبت اخلاقهم ذهبوا.
الجولان وأوهام ليبرمان..
بقلم: أحمد مصطفى علي – القدس
تشكل مطالبة وزير الخارجية الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان، بتسوية ما وصفه بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة، في إطار عملية التسوية مع الفلسطينيين، مستغلاً ما تشهده سوريا من أحداث، عنجهية لا تضاهيها أية عنجهية أخرى، نظراً لسلوكه المتطرف..
يبدو أن ليبرمان لا يدخر جهداً لإثبات استغلاله لانشغال سوريا بأزمتها، لينال اعترافاً دولياً، بقرار ضم الجولان المحتل إلى اسرائيل، الذي سنه "الكنيست" في عام 1981 ..
انتهاز الحكومة الاسرائيلية، توظيف ما يجري في سوريا من أحداث، لخدمة مآربها التوسعية، وتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه، وإيجاد تفاهم بينها والمجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة، بأن الجولان جزء لا يتجزأ من إسرائيل، تمثل سابقة خطيرة يجب التنبه لها عربياً وإسلامياً ودولياً، والتحذير منها لترسيخ الحقوق السورية الثابتة في الهضبة المحتلة .
من يمعن التفكير جيداً في تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي ويدقق في غاياتها ومعانيها سيصل حتماً إلى نتائج خطيرة جداً، تتمثل باعتقاد وأوهام المسؤولين الاسرائيليين، وعلى رأسهم ليبرمان، أنه يمكن انتزاع اعتراف دولي بسيادة لاسرائيل على أراضٍ احتلتها بالقوة العسكرية أو أنه يستطيع بطريقة ما فرض هذه السيادة على صاحب السيادة الحقيقي، من دون أن يدرك ليبرمان أن سوريا والعرب لم ولن يقبلوا بمثل هذه الترهات التي تتعارض مع مبادئهم وثوابتهم..
محاولة ليبرمان الاستقواء بالولايات المتحدة، باعتبارها قوة عظمى تحمي اسرائيل لتمرير هذه الصفقة المشبوهة، في مجلس الأمن، تنقصها الفطنة بأن أمريكا لم تعد القطب العالمي الأوحد، الذي يحدد مصير الدول ويمرر قرارات في المجلس، صاحب القرار رقم 497 في 17 يناير 1981 الذي اعتبر الإجراءات الصادرة عن "الكنيست" لاغية وباطلة .
تناسى ليبرمان أن المجتمع الدولي لا يمكنه توزيع السيادة على أي بقعة من الأرض، وكأن الأمر عبارة عن عملية بيع وشراء، وأن القانون الدولي لا يملك الصلاحية بمنح أحد أو جهة، الحق بالتصرف بسيادة طرف على أراضي طرف آخر، مهما كانت الدوافع والأسباب، ومهما واصلت اسرائيل تغيير البنية العمرانية والجغرافية والسكانية للهضبة عبر تكثيف الاستيطان .
رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو لا يقل فجاجة عن شريكه المفضل، حيث يتقاسمان الأدوار، ويمارسان مهمة الجوقة، التي تتناغم فيما بينها، لتعزف النشاز السياسي، متناسين تمسك أهلنا في الجولان المحتل بالهوية الوطنية ووحدة أرضهم والعودة إلى حضن وطنهم الأم سوريا الذي ينتمون إليه، وثباتهم على مقاومة الاحتلال، مجددين التأكيد على ثوابتهم الوطنية في كل مناسبة .
الصمود الأسطوري للسوريين في الجولان أثبت أن العين تستطيع أن تقاوم المخرز الإسرائيلي، وأنهم يسطرون الانتصارات على الاحتلال بإرادتهم الصلبة وتمسكهم بوطنهم الأم وهويته العربية، الأمر الذي يكفل إفشال أي محاولة إسرائيلية بفرض السيادة على أرضهم .
لا بديل عن تكامل الجهد الشعبي لمواجهة مخططات تهويد القدس
بقلم: راسم عبيدات-القدس
الإحتلال الاسرائيلي ماض في مخططات تهويد مدينة القدس موظفاً ومسخراً لذلك كل طاقاته وإمكانياته واجهزته، لإستخدامها في حرب شاملة على المقدسيين على كل الجبهات،بحيث يشل حركتهم ويجعلها محدودة في التصدي لكل إجراءاته وممارساته القمعية بحقهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر وجدنا ان الإحتلال لجأ مؤخراً الى شن حرب على الحجر الفلسطيني، بحيث يقوم بهدم اكبر عدد من المنازل في اكثر من منطقة وحي وبلدة مقدسية، ودون ان يتيح للسكان المنوي هدم منازلهم إمكانية التوجه للمحاكم لوقف مؤقت لهدم منازلهم، حيث تنتشر قوات الإحتلال حول البيوت المراد هدمها من بعد صلاة الفجر مباشرة، وبما يعني إغلاق اي إمكانية لتقديم التماس أو إستئناف على عملية الهدم. وحجم القوات التي يحضرها الإحتلال للهدم كبيرة جداً، وبما يجعل عملية التصدي والمواجهة مع القوة القادمة للهدم محدودة ومقتصرة في احسن الأحوال على اهل البيت وجيرانه المقربين، حيث التوقيت في عملية الهدم كذلك يشكل عاملاً اضافيا ويلعب دورا في محدودية التصدي والتضامن الشعبي.
والمذبحة بحق الحجر الفلسطيني، ليست هي الإنتهاك الوحيد لحق المقدسيين في السكن، بل حلقة من حلقات التهويد والأسرلة التي ينفذها الإحتلال ضد أهل المدينة العرب المقدسيين، ضمن سياسة الطرد والتهجير والتطهير العرقي، والإخلال بميزان المدينة الديمغرافي لصالح المستوطنين بشكل كبير، وبما يجعل العرب في القدس جزراً متناثرة وغير متواصلة في محيط اسرائيلي. وفي هذا الإطار وجدنا بانه تجري عمليات تكثيف للإستيطان في قلب الأحياء العربية، حيث يجري الحديث عن مصادقة بلدية الإحتلال على مشروع استيطاني ضخم في قلب حي الشيخ جراح، يتضمن اقامة مدرسة دينية وكنيس يهودي بإرتفاع تسعة طوابق ومركز تهويدي على مساحة أربع دونمات من أراضي الشيخ جراح،الذي يجري مصادرة اراضيه ومنازله لصالح المستوطنين،رغم اوراق الملكية "الطابو" التي يمتلكها السكان العرب.
وليس هذا فحسب بل هناك ما يسمى بجمعية "حفظ تراث الهيكل"، التي تنوي إقامة ما يسمى ببيت الجوهرة اليهودي المكون من خمسة طوابق، منها طابق ونصف تحت الأرض، وهي لا تبعد سوى (250 )م عن المسجد الأقصى وحائط البراق، وهذا المبنى سيشتمل على مكتبة وصالات عرض وقاعات افلام ومحاضرات، وعرض لمقتنيات وآثار يهودية مزعومة وغيرها، وهو سيستخدم لمراقبة كل ما يجري من حركة داخل المسجد الأقصى، وبما يشكل خطراً على المصلين وغيرهم، وكذلك سينفذ مشروع إستيطاني جديد أسفل عين سلوان،عبارة عن مبنى مكون من طابقين بمساحة(1200) ،وهو عبارة عن متحف يهودي باسم مركز السياحة في "معيان هيجيون"وكذلك سيقام مبنى إستيطاني ضخم ل"كيرن هاكيميت" الإستيطانية بإرتفاع (15) طابقاً قرب مقبرة مامن الله.
وفي المقابل، بدأت خطة واسعة تشارك فيها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية وبلدية الإحتلال ودائرة معارفها، من اجل أسرلة كامل العملية التعليمية في مدينة القدس، بحيث تجري عملية ربط العملية التعليمية من مرحلة الحضانات ورياض الأطفال بالمنهاج الإسرائيلي، فهناك (481) صف روضة وحضانة منها (100) تابعة لبلدية الإحتلال، والباقي خاصة جميعها تتلقى تمويل وخدمات من بلدية الإحتلال ودائرة معارفها، وهذا سيكون مقدمة لأسرلة شاملة للعملية التعليمية في القدس.
كل هذا الذي يجري في القدس من تهويد وأسرلة وتطهير عرقي، لم يكن كافياً او جرس إنذار للمقدسيين بمختلف ألوان طيفهم ومؤسساتهم، من اجل توحيد جهدهم المبعثر والمشتت من اجل ان تكون هناك مواجهة جادة وفعلية لمشاريع ومخططات الإحتلال، بل إستمرت في العمل بشكل منفرد واحياناً متعارض، وحجم الأنشطة وعدد المشاركين فيها من المقدسيين القليل نسبياً، يعكس حالة من اللامبالة وفقدان الثقة، بكل ما هو قائم وبغض النظر عن التسميات رسمية سلطوية او شعبية جماهيرية، فهو يرى بأن تلك الأجسام والعناوين والمرجعيات تتناحر وتتنازع فيما بينها، على ان تكون العنوان او المرجعية او الحاضنة،ودون أن يستتبع ذلك جهد حقيقي وفعل على الأرض يسهم في دعم صمود وتثبيت صمود المقدسيين على أرضهم وفي قدسهم، فعلى سبيل المثال لا الحصر تجار السياحة"السنتواريه" في البلدة القديمة لديهم همومهم ومشاكلهم وجزء من محلاتهم مغلق، بسبب ضعف الحركة التجارية وآخر بسبب الضرائب الكبيرة والباهظة المفروضة عليهم من مسقفات"أرنونا" ودخل وغيرهم والتي تفوق قدرتهم على الدفع، وأصحاب البيوت المهددة بالهدم بسبب ما يسمى بالبناء غير المرخص، همومهم ومشاكلهم كبيرة جداً: غرامات باهظة واجراءات بيروقراطية تمتد لأكثر من عشرة او خمسة عشر عاماً تستنزف الكثير من اموالهم، والتي جزء كبير منها مستدان،ودون ان يتمكنوا من الحصول على رخص، ولتهدم بيوتهم في نهاية المطاف، والمقترضون من مجلس الاسكان لديهم مشاكلهم في رفع القضايا امام المحاكم الإسرائيلية على غير الملتزمين منهم بالدفع، ورغم كل المحاولات التي بذلت من أجل وضع حلول منصفة للمواطنين والمجلس في هذا الجانب، إلا انها كانت تصطدم بما يشهده المجلس من انقسام وخلاف بين شركة الاسكان في القدس ومجلس الاسكان في رام الله، وكذلك حال المستشفيات العربية في القدس المقاصد والمطلع اضرابات واعتصامات، وعدم وفاء من السلطة بمسؤولياتها تجاه تلك المؤسسات...وغيرها الكثير الكثير.
كل هذا يتطلب ان نغادر لغة الفئوية والشخصنة وإدعاءات الأبوة،علينا ان نبحث عن شكل تنظيمي جديد يوحد ويستوعب كل اللجان والهيئات الموجودة والقائمة في هيئة موحدة يجري الاتفاق والتوافق عليها،بحيث توزع فيها الأدوار والمسؤوليات وملفات العمل، بحيث يكون هناك تكامل في الجهد والعمل وتوحد في كل القضايا فعلي سبيل المثال تكون لجنة خاصة بالتعليم ولجنة خاصة بالاستيطان ولجنة خاصة بأصحاب البيوت المهدومة....الخ،هذه اللجان تكون مهمتها المتابعة والعمل في هذه الجوانب،وتكون لجنة او هيئة تنفيذية، يناط بها وضع خطط وبرامج ورسم استراتيجيات العمل وسبل المواجهة والتصدي والصمود، وإلا بدون ذلك سنستمر في الندب والبكاء،والجدل البيزنطي حول الجنس الملائكة ذكر ام انثى، والإحتلال يستكمل تهويده وأسرلته للمدينة.
الطريق الى السلام والتطبيع
بقلم: تيسير الزبري – القدس
تثور في الحالة الفلسطينية الراهنة ؛ وخاصة بعد الاقتراب من الحائط المسدود للحل السياسي التفاوضي مع اسرائيل ، مسألة التطبيع والمقاطعة الاقتصادية والاتصالات مع مجموعات اسرائيلية.
ربما أن مناقشة المقاطعة الاقتصادية هي الأسهل ، ذلك أن جزءًا من هذه المقاطعة يتعلق باتفاق باريس الاقتصادي الذي هو جزءً من الاتفاق التفاوضي الفلسطيني – الاسرائيلي ،والذي اصابه من الوهن ما اصاب اتفاق اوسلو ذاته وهو قابل للتعديل ما بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية ، ومنه ما يعود الى الموقف الفردي والمؤسساتي الفلسطيني الذي يقرر شراء المنتجات الاسرائيلية أو يرفض ذلك . وبالطبع فإن ذلك بشقيه الرسمي ، والفردي لا ينطبق ؛ ولا يجب أن ينطبق على منتجات المستوطنات الاسرائيلية ، وهي المنتجات التي يجري الأن مقاطعتها على نطاق واسع تحديداًَ في الدول الاوروبية .
وإذا كان الشق الاول من العلاقة الاقتصادية يخضع للمد والجزر ، رهناً بالاوضاع السياسية ، فإن الشق الثاني لا يجب أن يجري التعامل معه طالما بقي هناك استيطان على الارض الفلسطينية .
الموضوع الأكثر إثارة في الوضع الداخلي الفلسطيني الراهن هو الموقف من اللقاءات الرسمية ، أو غير الرسمية مع الاسرائيليين . وفي رأيي أن الموضوع المثار بين أوساط شعبية وحزبية فلسطينية لا يميز بين اللقاءات من حيث الشكل ، وبين محتوى هذه اللقاءات من حيث المضمون ؛ فكلاهما وفق أصحاب هذه المواقف مرفوضة ؛ وهي عودة بذات الثوب الى المواقف الرفضوية في الوضع السياسي الفلسطيني قبل ما يزيد عن ثلاثة عقود مضت" دون اغفال ان موجة الرفض لاي نوع من العلاقات انما سببها مواصلة سياسة القمع والاذلال التي تمارسها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.
وأرى أن من الضروري أن أذكر ، وخاصة لمن لم يعاصر تلك الفترات ولم يكن منخرطاً في العمل السياسي الفلسطيني آنذاك أن صراعاً شديداً كان قد حصل في تلك السنوات حول الاتصالات مع قوى يسارية اسرائيلية وفيما بعد مع قوى اسرائيلية تؤمن بحق الفلسطينيين في بناء دولتهم ( حتى ولو كانت من غير اليسار ) ، وأخيراً حسم الأمر بإباحة تلك الاتصالات ، واستطيع أن أقول أن تلك الاتصالات لم تكن هي الطريق التي أدت بالوصول الى إتفاق اوسلو عام 1993 ، فالأخيرة لها ظروفها وأدواتها وحاضناتها وهي تختلف عن سياسة فتح الجدار في العامل السياسي الاسرائيلي الداخلي ؛ وأذكر بهذه المناسبة أن مناضلين فلسطينيين كانوا قد سقطوا غدراً وبأياد فلسطينية متطرفة رافضة لتلك اللقاءات ومنهم الشهداء عصام سرطاوي ونعيم خضر ....
الآن ، جرت وتجري لقاءات فلسطينية ( رسمية وغير رسمية ) مع أعضاء كنيست اسرائيلي ( من اليمين واليسار ) ، ومع مؤسسات مجتمع مدني ، ومع شبيبة ( كما كان اللقاء الأخير مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ) وفي كل من تلك اللقاءات تثور موجة من الاحتجاجات واشكال تخرج أحياناً عن حدود إعلان الرأي ( كما حصل مع احد التجمعات المشتركة خارج المقاطعة ) .
حتى لا تمر هذه المسائل دون تحديد موقف ومع ملاحظة ان لا أحد يكتب حول ذلك باستثناء بعض التعليقات الصادرة على صفحات التواصل الاجتماعي وان مؤسساتنا الاعلامية ( الرسمية والخاصة ) لا تضع ذلك على برامجها كأن لا علاقة لها بالأمر ، كما هو شأنها من الكثير من القضايا التي تشغل الرأي العام الفلسطيني !
من هنا ، ومن واقع ما جرى ، وما سوف يجري ( ربما ) فإنني أدعو الى أوسع حوار وطني فلسطيني لبحث هذه المسألة ( اللقاءات المشتركة – التي يطلق عليها لقاءات التطبيع ) والهدف من وراء ذلك هو الاتفاق على السلوك الوطني الرسمي والشعبي بالاتجاه العام علماأن البعض سوف يبقى على موقفه وهذا وبكل الاحوال حقه الوطني وكما يقال فان سوء الظن(احيانا)من حسن الفطنة !
وبما انني ابادر الى فتح الموضوع ، فإنني لا احرم أي لقاء مع أي من القوى أو المجموعات السياسية ، سواء اعضاء كنيست أو مثقفين أو شباب اسرائيليين ، وشرط ذلك هو الالتزام بالموقف الوطني الفلسطيني المستند الى الاجماع . إذا وصلنا لأن ننقل رسالتنا وموقفنا الوطني المحافظ على ثوابتنا الوطنية ، رسالة تقوم على الرغبة في السلام على قاعدة الاقرار بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، وبناء دولته المستقبلية وفق قرارات الشرعية الدولية بما فيها حق عودة اللاجئين الى ديارهم ، واعتباره حقاً فردياً وجماعياً ، وبكل ما ورد في اعلان الاستقلال الفلسطيني في تشرين ثاني 1988 ، وبدون مجاملات أو تفريط إذا ما وضعنا قاعدة وطنية متفق عليها فإن كل اللقاءات سواء في رام الله أو تل أبيب أو أي مكان آخر لا ضرر منها ولا يجب أن تثير نوازع الانقسام داخل المجتمع الفلسطيني ، ذلك أن التوحد على الاساسيات هو الطريق نحو الاستقلال ....
روسيا الجريحة في كييف... القوية في دمشق!
بقلم: جورج سمعان – القدس
الذين راهنوا على احتمال تدخل روسي في أوكرانيا ربما فاتهم أن موسكو اليوم غيرها يوم هزمت «ربيع براغ»، وأن الوضع الدولي اليوم غيره في زمن الحرب الباردة التي سقطت على وقع هزيمة حلف وارسو في وجه حلف شمال الأطلسي الذي لم يتأخر في ضم كثيرين من خصوم الأمس إلى صفوفه. وهو ما يثير حفيظة فلاديمير بوتين الذي شدد وزير خارجيته سيرغي لافروف في أكثر من مناسبة، على أن لا حرب باردة جديدة متوقعة.
لا عودة إلى الوراء، لأن روسيا ليست قادرة بعد على رفع التحديات وتكرار تجربة فاشلة. جل ما يريد سيد الكرملين هو أن تستعيد بلاده موقع الند والشراكة في التعامل مع واشنطن والعواصم الأوروبية. كان متوقعاً أن يكون أقدر على الدفاع عن أوكرانيا حديقته الخلفية، دفاعه عن النظام في دمشق، آخر مواقعه في المنطقة. لكن ما حصل أظهر حدود القدرة الروسية. وأظهر أن استخدام القوة لوقف آخر موجة من موجات التخلص من التركة السوفياتية في أوروبا الشرقية، بات أمراً صعباً... إلا إذا اختار الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش المعزول الفار من كييف أن ينطلق من الشرق في مواجهة معارضيه.
بعد هذا التطور، ووقوف المؤسسات العسكرية والأمنية على الحياد، كيف يمكن أن تأخذ الولايات المتحدة على محمل الجد كل ما أشاعته العسكرية الروسية عن الاستعدادات للرد على أي «درع صاروخية» لتطويق البلاد. في حين أن تراجع الرئيس يانوكوفيتش، حليف بوتين، أمام المعارضة ورضوخه لشروطها ومطالبها والتداعيات التي تلت، تشكل تطوراً أخطر من أي «درع» تثير مخاوف روسيا التي كانت، عشية الاتفاق بين طرفي الصراع في كييف، تنادي بسحق ما سمتهم «الانقلابيين». وكان رئيس الوزراء ديمتري مدفيديف يـحذر حـلفـاءه الأوكـرانيين من أن بلاده لن تتعاون مع «سلطة خانعة». وأن على هذه السلطة الحاكمة أن تكون فاعلة بالطبع الأزمة لم تنته، بل قد تزداد تعقيداً. أوكرانيا على الحدود المباشرة لروسيا مثلما هي أيضاً على الحدود المباشرة لأوروبا.
ربما شكلت تعليقات مدفيديف حافزاً جديداً للنظام في دمشق الذي لم يتأخر بالطبع منذ بداية الأزمة قبل ثلاث سنوات في إثبات رفضه الرضوخ لأي شروط أو مطالب، داخلية أو خارجية. وسيكون طبيعياً أن يزداد تشدد موسكو ووقوفها إلى جانب «أسد دمشق» بعدما خسرت «أسد كييف». ليس هذا وحده مرد المخاوف من تدهور ينذر بإغراق سورية في دورة عنف واسعة. ثمة قلق من تدهور إقليمي بسبب تفاقم الحرب في هذا البلد. فلا يخفى أن اللاعبين في مسرح العمليات كثرٌ.
إضافة إلى روسيا والولايات المتحدة، هناك إيران والعراق و «حزب الله» والسعودية وقطر وتركيا والأردن. كل هذه القوى منخرطة بطريقة أو بأخرى في ما يجري في بلاد الـشام كلـها. لذلك، لم يكن مفاجئاً ألا تشهد جولتا «جنيف - 2» أي تقدم يذكر في المفاوضات بين وفدي النظام و «الائتلاف الوطني». وليس مقدراً في المدى المنظور أن يكون حظ الجولة الثالثة المتوقعة منتصف الشهر المقبل، أفضل من الجولتين السابقتين، ما لم يفتح الباب أمام تفاهم شامل لكل هؤلاء اللاعبين الإقليميين والدوليين.
هناك عوامل أخرى تنذر بمزيد من التعقيد. الاستعدادات جاهزة لتسعير الجبهة الجنوبية. أي الانطلاق من درعا التي وحدها يمكن أن تشكل تهديداً حقيقياً للعاصمة والنظام. كانت على الدوام الخاصرة الضعيفة لدمشق. وإلى المعلومات التي تتحدث عن حشد «الجيش الحر» وحدات تدربت على أيدي أميركيين، بعد تعيين رئيس جديد لأركان هذا الجيش والحديث عن أسلحة متقدمة تزود بها وحداته العسكرية، تحركت إيران ميدانياً لإدارة مسرح العمليات على هذه الجبهة أيضاً. وتحريك هذه الجبهة لا يهدف إلى تخفيف الضغط عن جبهة القلمون والهجوم الذي تتعرض له يبرود فحسب، بل إنه يستهدف ممارسة ضغط ميداني على النظام ليسلّم في أية مفاوضات مقبلة بوجوب تقديم تنازلات بدل مواصلة كسب الوقت، تارة بتأخير تسليم ترسانته الكيماوية، وتارة أخرى بالإصرار على البحث في مكافحة الإرهاب أولوية لا يتقدم عليها أي بند في مقررات «جنيف - 1».
والواقع أن يبرود قد تصمد أكثر مما يوحي بعض التقارير، نظراً إلى موقعها الجغرافي الصعب.
لذلك، يتحدث بعض دوائر النظام عن السعي إلى الاكتفاء بمحاصرة المدينة، وترك بعض المعابر مفتوحة لإفراغها من السكان أو حتى من مجموعات مـسـلحة. لـكـن حـتى هذا الأمر سيستغرق وقتاً تكون في هذه الأثناء جـبهة درعـا قد تحركـت على وقـع خـيارات أمـيركية مختلـفة ومـقاربـة جـديـدة للتعامل مع الأزمة. والهدف لـيـس الضـغـط على النظـام فحـسب، بـل عـلـى روســيـا أيـضاً التي كانت العائق الأساس والأكـثر تـشدداً من دمشـق في جولتي جنيف الأخـيـرتـيـن، وهي تراقب ما يجري في أوكرانيا.
وتكشف موافقة روسيا على القرار الجديد لمجلس الأمن بخصوص إيصال المساعدات الإنسانية للمحاصرين والمشردين حراجة الموقف الذي يطوقها على هذا الصعيد. فهي تدرك أن تدهور الأوضاع الإنسانية قد ينتهي بتأليب الرأي العام على مواقفها. والأخطر ممارسة الشارع الغربي ضغوطاً على حكوماته من أجل تجاوز تحفظاتها عن الانخراط الميداني في الأزمة.
أي أن ثمة دوائر تخشى تجاوز الخيارات الأميركية والأوروبية تقديم أسلحة تتيح لفصائل المعارضة الصمود وتهديد مواقع النظام، إلى نوع من أنواع التدخل، مثل إقامة مناطق حظر جوي. وخطوة من هذا النوع ربما جرت إلى تدخل عسكري لمواجهة الترسانة الجوية للنظام. ولا شك في أن تلكؤ دمشق في الوفاء بالتزاماتها الخاصة بتدمير الأسلحة الكيماوية يشكل أيضاً عاملاً إضافياً للتهديد بتدخل عسكري ما.
تشي أزمتا أوكرانيا وسورية بأن اتفاق أميركا وروسيا على معالجة قضايا الأمن الاستراتيجي وبناء النظام الدولي الجديد لم تتضح معالمه بعد. أو هو يواجه قضايا خلافية شائكة. لو أنجز مثل هذا الاتفاق لكان شمل بالتأكيد قضايا إقليمية مشتعلة كثيرة، من سورية إلى أوكرانيا وكوريا الشمالية وغيرها.
لم تتفق واشنطن وموسكو على وسائل وأدوات تنظيم العلاقات وإدارة الخلاف في المسائل الاستراتيجية التي تمس الأمن الوطني لكلا الطرفين.
فلا الإدارة صرفت النظر عن «الدرع الصاروخية» في بلدان الـ «ناتو»، والتي ترى إليها روسيا تهديداً لها يمعن في تطويقها، ولا كف الكرملين عن مطالبة إدارة الرئيس أوباما بتفكيك ترسانتها الصاروخية في أوروبا وإعادة النظر في خططها العسكرية في القارة العجوز.
صحيح أن روسيا لا يمكنها مجاراة القوة العسكرية الأميركية لكنها قادرة على الإعاقة وتعطيل التسويات والحلول، وبالتالي إلحاق الضرر بكثير من مصالح الغرب. وبلا شك كان مرد التأخير في انعقاد مؤتمر «جنيف - 2» وتـعـثـره خـير دليل على غياب اتفاق الدولتين الكبريين.
والواقع أن الرئيس الأميركي وجه في الشهور الأخيرة انتقادات إلى نظيره الروسي. لاحظ عودة خطاب موسكو «المعادي» للأميركيين. ودعا الرئيس فلاديمير بـوتـين إلى «الـسـير قـدماً بـدلاً مـن العـودة إلى الوراء». كان واضحاً منذ عودة بـوتيـن إلـى الكرملين في ولايتـه الـثالثة، أن العلاقات بين الطرفين لم تواصل التـقـدم الذي شـهدتـه ولاية الرئيس السـابق ديميتري مدفيديف. لا يعني هذا أن الطرفين سيذهبان إلى مواجهة حتمية، أو حرب باردة جديدة.
وتشكل الأزمة السورية اختباراً لمدى قدرة الطرفين، ومعهما إيران، على التفاهم وإيجاد حل سياسي. وبرهنت الأحداث أن الأطراف الثلاثة تلتقي في الحرص على منع انهيار المؤسسات وسقوط البلاد في الفوضى الكاملة، ومحاربة قوى التطرف. ولعبت كل من موسكو وطهران دوراً مؤثراً، فضلاً عن التلويح الأميركي بالضربة العسكرية، في دفع النظام إلى التسليم بتدمير ترسانته الكيماوية. لكن الطريق لا يزال طويلاً أمام التسوية النهائية.
روسيا ستبدي مزيداً من التشدد بعد أحداث كييف، من أجل بقاء مفتاح الحل بيدها ما دام أنه يوفر لها موقعاً ندياً في مواجهة أميركا يمكن أن تقايض به في ملفات أخرى. كما أن الجمهورية الإسلامية ستـظل تتمـســك بالورقة السورية لاستخدامها في الوقت المناسب كلما تقدم الحوار أو تأخر مع الدول الست الكبرى في شأن مصير برنامجها النووي.
وستـكون بلا شـك مستعدة، إذا أثمر الحوار، لترجمة رغبتها في أداء دور فعال وإيجابي في القضايا الدولية، وفي مقدمها مستقبل دورها ومصالحها في الإقليم. ويشكل مستقبل الوضع في أفغانستان هاجساً للأطراف الثلاثة يدفعها إلى التنسيق لملء الفراغ الذي سيخلفه الانـسـحاب الأميركي والأطـلسـي من هذا البلد... وإلا تـحول هذا الانسحاب إلى لغم سياسي وأمني كبير يـهدد مستقبل آسيا الوسطى بأكملها. ولن تكون أميركا وروسيا وإيران بعيدة من شظاياه.
المــقـــاطـــعـــة
بقلم: هاني المصري – الايام
شهدت الأشهر الأخيرة تطورات نوعيّة على صعيد مقاطعة إسرائيل، لدرجة دفعت وزير الخارجيّة الأميركي، صديق إسرائيل والمعارض للمقاطعة، إلى تحذيرها مرتين حتى الآن من اشتداد المقاطعة، الأمر الذي قد يؤدي إلى عزلتها.
لقد بدأت الحكومة الإسرائيليّة تأخذ حملة المقاطعة المتزايدة على محمل الجد، خصوصًا بعد القرار الأوروبي بمقاطعة بضائع المستوطنات، مع العلم أن أوروبا تستورد 32% من الصادرات الإسرائيليّة. وتوقع بعض الخبراء أن تصل خسارة إسرائيل من المقاطعة 8 مليارات دولار سنويًا.
الحكومة الإسرائيليّة وأنصارها في الولايات المتحدة بدأوا بسلسلة أعمال لإفشال المقاطعة، منها تخصيص موازنة لشن حملة مضادة، والاستعداد لإصدار قوانين، خصوصًا في أميركا، تحرّم المقاطعة، وتهدد بمقاطعة أميركيّة للمقاطعين.
إذا كانت المقاطعة قد حققت هذه الإنجازات المهمة في ظل استمرار وهم ما يسمى "عمليّة السلام" وجهود كيري للتوصل إلى اتفاق سلام، أو الأصح "اتفاق إطار" للتفاوض عليه لاحقًا، حتى يمكن التوصل إلى اتفاق سلام بعد سنوات؛ فما الذي يمكن تحقيقه على صعيد المقاطعة إذا انهارت المفاوضات، وثبت للعالم أجمع أن إسرائيل معادية للسلام، وهي نظام استعماري احتلالي استيطاني إجلائي عنصري.
قد يقول قائل: إن القرار الأوروبي هو الذي ساهم في حصول الخطوات النوعيّة في المقاطعة، وهو وثيق الارتباط بالمساعي المبذولة للتوصل إلى اتفاق سلام، بدليل أن الاتحاد الاوروبي ربط بين إصدار قراره بشأن الاستيطان وبين موافقة الفلسطينيين على استئناف المفاوضات، ما يعكس قناعة أوروبيّة بأن السلام لن يتحقق من دون الضغط على إسرائيل، حتى يحدث نوعًا ما من التوازن ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فلا حاجة للتوصل إلى "تسوية" إذا كانت إسرائيل قويّة جدًا وفلسطين ضعيفة جدًا.
تأسيسًا على ما سبق، لا بد من إنهاء دوامة المفاوضات التي توحي للعالم بوجود إمكانيّة للحل، وللمساومة والتسوية، في حين أن هذه الإمكانيّة متعذرة بسبب التعنت والتطرف الإسرائيلي، واختلال ميزان القوى لصالح إسرائيل.
من الضروري أن يكون واضحًا للجميع أن الحكومة الإسرائيليّة هي التي تتحمل المسؤوليّة الكاملة عن الفشل، مثلما تحملت الحكومات الإسرائيليّة السابقة المسؤوليّة عن فشل كل الجهود والمبادرات السابقة منذ طرح "مبادرة روجرز" بعيد حرب 1967 وحتى الآن، ولذلك لا مبرر من الإغراق أكثر مما ينبغي بلعبة إلقاء اللوم المتبادل، التي يجب ألا تقود إلى الوقوع بالمحذور والتنازل عن المطالب والمصالح والحقوق الفلسطينيّة، على أساس إنقاذ ما يمكن إنقاذه والحصول على شيء أفضل من لا شيء. يمكن للقيادة الفلسطينيّة أن تعلن بكل بساطة أنها تريد عمليّة سلام ومفاوضات لها مصداقيّة، وهذا لا يكون من دون أن تلتزم إسرائيل بمرجعيّة واضحة وملزمة تستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.
لا يمكن لمفاوضات من دون مرجعيّة، وبرعاية أميركيّة فقط وبعيدة عن الرعاية الدوليّة، وبلا وقف للعدوان والاستيطان؛ أن تقود إلى سلام، بل ما يمكن أن تصل إليه: إما مفاوضات من أجل المفاوضات؛ أو اتفاق انتقالي أو نهائي مجحف بحقوق الفلسطينيين، كما حصل سابقًا، وكما يحاول كيري أن يفعل حاليًا؛ أو إلى انهيار المفاوضات ووقوع مجابهة فلسطينيّة إسرائيليّة.
في هذا السياق، يجب الإيمان بأننا لسنا في مرحلة التسوية، وما يمكن أن تعرضه الحكومة الإسرائيليّة، أو تحاول فرضه الولايات المتحدة الأميركيّة على الطرفين، لا يمكن أن يلبي الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينيّة، ولا أي حق منها.
لقد جربت القيادة الفلسطينيّة الفصل بين إقامة دولة وحق العودة أو المقايضة بين الحقين ولم تحصل على الدولة، وأضعفت موقفها من قضيّة اللاجئين التي تعتبر أساس وجوهر القضيّة الفلسطينيّة؛ ولم تحصد سوى الريح. لقد أصبح المطروح علينا تصفية لقضيّة اللاجئين، وتقسيم القدس الشرقيّة والضفة الغربيّة بين إسرائيل وبين كيان فلسطيني يمكن أن يسمّى "دولة"، وهو في الحقيقة حكم ذاتي.
إن المقاطعة أحد أهم الإستراتيجيات التي يمكن أن يستند إليها النضال الفلسطيني، ولكنها حتى تعطي ثمارها كاملة يجب وقف مهزلة ما يسمى "عمليّة السلام"، حتى يدرك العالم كله أنه لا يمكن تحقيق الأمن والسلام في المنطقة من دون الضغط على إسرائيل ضغطًا حقيقيًا متزايدًا، بحيث تدرك أن النظام الاستعماري الاحتلالي الاستيطاني العنصري لا يمكن أن يستمر، وأن من شأن استمراره تقويض وجود إسرائيل نفسها لا احتلالها فقط.
في هذا السياق لا يمكن الجمع ما بين استمرار الالتزامات السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة المترتبة على "اتفاق أوسلو" - والمتضمنة الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود بأمن وسلام - وشن حملة مقاطعة شاملة يمكن أن تصل إلى فرض العقوبات على إسرائيل وفرض العزلة عليها. كما لا يمكن الفصل بين الاحتلال وبين المحتل، أي بين إسرائيل واحتلالها، فلا شرعيّة لإسرائيل ما دامت محتلة واستعماريّة وعنصريّة واستيطانيّة.
ما سبق لا يعني رفض مقاطعة الاستيطان والاعتراف والتعامل مع إسرائيل في نفس الوقت، ولكن هذا الجمع ما بين المتناقضات لا يمكن لوحده الانتصار حتى بدحر الاحتلال، فكيف بمقدوره الانتصار على النظام الاستعماري كله؟.
إن إسرائيل لن تتراجع عن احتلالها، فضلًا عن نظامها الاستعماري، إذا لم تجد وجودها كله مهددًا من خلال مقاطعة شاملة لها، وليس لاحتلالها فقط، فكما قال المفكر الإسرائيلي اليساري زئيف شترنهل: لا يمكن معانقة المحتل ومقاومة الاحتلال.
مسألة أخرى بحاجة إلى توقف، وهي: لماذا نجد أن المقاطعة قويّة نسبيًا في أوروبا، وبدرجة أقل في أميركا، وضعيفة في بقيّة أنحاء العالم، بما في ذلك في الدول العربيّة التي من المفترض أن تكون فيها المقاطعة في ذروتها، بسبب مكانة القضيّة الفلسطينيّة لدى الشعوب العربيّة، والروابط التي تجمع ما بينها وبين الفلسطينيين، والأهم بسبب أن إسرائيل لم تقم لحل مشكلة اليهود، وإنما كانت رأس الحربة لمشروع استعماري يستهدف إبقاء المنطقة العربيّة في إطار من التبعيّة والتخلف والتجزئة؛ حتى يمكن السيطرة على موقعها الإستراتيجي ومواردها الطبيعيّة وأسواقها؟
في هذا السياق فقط يمكن تفسير: لماذا شاركت إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956؟ ولماذا شنت حرب 1967 واحتلت بقيّة فلسطين وسيناء والجولان؟ ولماذا شنت العدوان على لبنان واحتلت مساحات واسعة منه إلى أن تمكنت المقاومة اللبنانيّة من طردها في العام 2000؟ ولماذا شنت الغارة على المفاعل النووي العراقي في العام 1981، والغارات التي لا تنتهي على مواقع عسكريّة سوريّة حتى هذه اللحظة؟
إن الذي يمكن أن يفسر لماذا المقاطعة قويّة في مناطق وضعيفة في أخرى هو: أولًا وأساسًا أن الدول التي تنعم فيها الشعوب بالديموقراطيّة ولو على النمط الغربي نجد أن المقاطعة قويّة فيها، والعكس صحيح كذلك، ولهذا ليس صحيحًا أن أوروبا اتخذت قرارها ضد الاستيطان من أجل تشجيع الفلسطينيين على استئناف المفاوضات والضغط الناعم على إسرائيل لدفعها لإنجاح جهود كيري فقط، وإنما هناك عامل لا يقل أهميّة، وربما يزيد، وهو أن الرأي العام في هذه البلدان ضاق ذرعًا بإسرائيل، وأخذ يضغط على حكوماته لمقاطعتها.
كما يلعب دورًا في فعاليّة المقاطعة وجود دور فلسطيني فاعل، خصوصًا للجاليات الفلسطينيّة والعربيّة. وهنا لا شك أن اقتصار علاقة القيادة الفلسطينيّة حتى الفصائل على الحكومات وإهمال الشعوب وقواها المناصرة للقضيّة الفلسطينيّة؛ يلعب دورًا مهمًا يؤثر في شدة أو ضعف المقاطعة حتى في البلدان العربيّة.
هناك نقطة أخيرة سأكتفي بالإشارة إليها فقط في هذا المقال، وسأتناولها في مقال لاحق تتعلق بضعف المقاطعة أو عدم وصولها للمستوى الممكن والضروري في فلسطين، سواء في الضفة الغربيّة وقطاع غزة أو في أراضي 48.
لا أبالغ في القول إن مقاطعة إسرائيل اقتصاديًّا وعلى كل المستويات والأصعدة، بما في ذلك مقاطعة الاستيطان قد تراجعت عما كانت عليه في سنوات سابقة، وهذا بحاجة إلى حديث آخر.
سناريوهات ما بعد فشل المفاوضات
بقلم: رجب ابو سرية – الايام
مع تبدد الوقت، ومن ثم الاقتراب الحثيث من التاسع والعشرين من نيسان القادم، ومع ان المفاوضات الجارية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بالرعاية الأميركية، قد ناقشت موضوعات الحل النهائي، إلا أن تقدما ما، ولو في سياق البحث عن استمرار العملية التفاوضية ذاتها، لم يحدث، وذلك رغم جدية الراعي الأميركي، ورغم ان هذه الجولة التفاوضية قد بدأت بعد توقف في المفاوضات بين الجانبين، استمر اكثر من ثلاث سنوات، ورغم أن الطرفين يقرّان بأن هذه الجولة قد تكون الأخيرة، قبل أندلاع مواجهة ما بينهما، وحتى ربما قبل أن يصبح متعذرا تطبيق مبدأ حل الدولتين على الأرض.
منذ بضعة أسابيع أو حتى أشهر توقفت اللقاءات بين الجانبين، وان لم تتوقف الاتصالات بين كليهما والراعي الأميركي، وذلك نظرا الى أن مواقفهما باتت واضحة فيما يخص كل الملفات، فيما لم يقم بعد الراعي الأميركي بصياغة ما كان وقد سبق ان أعلنه من نيته التقدم لهما بورقة إطار حتى يتوصل الى موافقة الطرفين على تمديد الفترة التفاوضية، وليس للتوصل الى الحل المنشود، وذلك لسبب واضح، وهو ان الأفكار الأميركية التي طرحت حتى الآن لورقة الإطار، لم يقبلها الجانب الفلسطيني، ومعه بعض العرب المعنيين بالأمر.
الراعي الأميركي ممثلا بجون كيري وزير الخارجية ما زال يصر على متابعة العملية، وما زال يبدي " تفاؤلا " بإمكانية التوصل الى أتفاق حول تمديد العملية التفاوضية، ولا أحد يعلم سر هذا التفاؤل، إلا إن كان كيري يراهن على تحقيق مكاسب سياسية لواشنطن في ملفات أخرى، وقد نجحت واشنطن أخيرا في رد الصفعة لموسكو في اوكرانيا، بما يعوض أخفاقها في الملف السوري، وحتى الملف الفلسطيني / الإسرائيلي حتى اللحظة.
في البحث عن اليوم التالي للتاسع والعشرين من نيسان القادم، في حال عدم التوصل لاتفاق الإطار، كما هو مرجح، فإن احتمالات عديدة قد تبدو واردة أمام الأطراف الثلاثة، ورغم انه ما زال هناك وقت، تفكر خلاله واشنطن بالاستعانة بأصدقائها الأوروبيين للتدخل لدى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتقريب وجهات النظر بينهما، إلا أن " عض الأصابع " وواقع الاستعصاء الحقيقي ما زال قائما، من خلال أصرار إسرائيل على أن تتضمن حتى ورقة الإطار أعترافا فلسطينيا بما يسمى بيهودية دولة إسرائيل، فيما يصر الجانب الفلسطيني على عدم الاعتراف هذا، وعلى عدم الموافقة على تمديد الفترة التفاوضية دون تقديم ما يبرر هذا التمديد.
لذا وما لم تقدم إسرائيل على مغامرة عسكرية لخلط الأوراق، وبالتحديد في جبهة غزة، فإنه يمكن للجانب الأميركي أن يفضل الانسحاب بهدوء، أو تجاهل يوم التاسع والعشرين من نيسان، وتسليم الملف أو على الأقل إشراك الأوروبيين في الاتصال بالجانبين، كما حدث قبل نحو عامين، حين تم اللجوء الى الأردن بأجراء أتصالات جس النبض، فيما الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي يهددان أو يفكران جديا باللجوء الى خيارات أخرى.
الجانب الإسرائيلي يفكر جديا أو يهدد باللجوء الى الانسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية، كما فعل عام 2005 أرئيل شارون في غزة، مع الفارق، أن الانسحاب الإسرائيلي، لن يكون من كامل الضفة الغربية ولا من معظمها، ولا حتى الى ما وراء الجدار، بل من نحو 60% من مساحة الضفة الغربية، وذلك لسحب البساط من تحت أقدام أنتفاضة ثالثة محتملة، ومحاولة دفع الجانب الفلسطيني لإعلان دولته المستقلة على تلك المناطق كأمر واقع، كما سبق وحاول أن ينتزع أعترافا فلسطينيا ودوليا بإنهاء احتلاله لغزة، بعد ان أجرى أنسحابه الأحادي منها، فيما الجانب الفلسطيني يفكر جديا في اللجوء للأمم المتحدة، اولا_ لانضمام فلسطين للمنظمات التابعة للأمم المتحدة، حيث يمكنها أن تشن حربا دبلوماسية فعالة ضد الممارسات الاحتلالية الإسرائيلية، وحيث يمكن لهذه المواجهة ان تحتدم، بدفع حالة المقاطعة الدولية، خاصة الاقتصادية والأكاديمية للاحتلال، والتي باتت ملحوظة ومؤثرة. وثانيا _ التقدم للجمعية العمومية ومن ثم لمجلس الأمن للمطالبة بوضع حد دولي للاحتلال الإسرائيلي، حيث أن اللجوء لمشروع قرار " متحدون من أجل السلام " أحد هذة الخيارات، ومنها بالطبع عودة الرعاية الدولية للمفاوضات والحل، بما قد يفتح لجنيف فلسطيني.
هذا على الجانب الرسمي، اما على المستوى غير الرسمي، الشعبي والحزبي والمعارض، فيمكن ان يدفع أغلاق باب المفاوضات الى مواجهة ميدانية بين المواطنين الفلسطينيين والمستوطنين، كذلك يمكن ان يؤدي ذلك الى أرتفاع عقيرة المعارضة السياسية على الجانبين، ولا أحد عليه ان ينسى ان أغلاق بوابة المفاوضات عام 2000 بعد فشل الرئيس ياسر عرفات، ورئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت أيهود باراك مع الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في التوصل الى حل، قد أدى إلى أنتفاضة الأقصى، التي حرقت المنطقة، وطوت أوسلو، لذا فأنه يمكن لمواجهة قادمة متعددة الأشكال والمستويات، أن تطوي حل الدولتين، وان كانت ستؤخر الحل وإعلان الدولة الفلسطينية على الأرض، فأنها ستدفع إسرائيل الى " تقديم تنازلات " باهظة الثمن دون مقابل، كما حدث مع غزة، وما على الفلسطينيين الذين يواجهون سياسة إسرائيلية لا ترى أبعد من قدميها ان يفكروا بشكل أبعد مدى، وفي النهاية من يكسب الحرب هو من ينتصر في النهاية، وليس من يحقق المكاسب الآنية أو النقاط المباشرة.
الجاهزية الاقتصادية لرفض الإذعان
بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
مؤشرات كثيرة تقول: إن جون كيري وزير الخارجية الاميركية ماض في خطته السياسية نحو بلوغ أهدافها الاخيرة. ومعطيات كثيرة تقول: ان سقف خطة الاطار هي دون الحقوق الوطنية الفلسطينية المقرة دوليا بكثير، بل إن الاشتراطات الاسرائيلية تجعل بنود الخطة متنافرة مع تلك الحقوق.
ايام التفاوض المباشر وغير المباشر تمضي ونقترب من لحظة الحقيقة. هل يستطيع المستوى السياسي أن يقول لا لشطب الحقوق الوطنية؟ هل ثمة استعداد لمواجهة الضغوط والعقوبات والذهاب في مسار آخر غير المسار الاميركي؟ وإذا ما استجاب المستوى السياسي للضغوط هل سيتمكن من تطويع الارادة الشعبية؟ ام أن الاخيرة ستكون عصية على استجابة تاريخية خطيرة بهذا المستوى؟
اسئلة كثيرة وإجابات مقتضبة في ظل صمت وانتظار لا يتناسب أبدا مع ما يجري الاعداد له. الاحتمالات المتوقعة ترتقي الى مستوى تحديات كبرى. إحتمال فرض الشروط الاسرائيلية بشكل مموه اوصريح نتيجة كارثية بخِتْمِ فلسطيني. واحتمال البقاء في وضع انتقالي مفتوح على امر (شروط إسرائيلية ) واقع تصنعه دولة الاحتلال هو نتيجة مأساوية بلا ختم فلسطيني. المطلوب احتمال ثالث آخر يرفض تأمين الغطاء بختم وبغير ختم . مطلوب الخروج من المسار الذي لا ينهي الاحتلال والنهب والسيطرة والاستبداد والتبعية. والدخول في مسار البحث الجدي عن الحرية والكرامة والاستقلال.
دولة الاحتلال مستعدة للاحتمالات الثلاثة. ونحن غير مستعدين للاحتمالات الثلاثة. عدم الاستعداد الفلسطيني يصب شئنا ام ابينا في الاستعداد الاسرائيلي ويخدمه خدمة لا تقدر بثمن. ومن باب التوقف عند استعدادنا ومناعتنا وعناصر قوتنا. دعونا نتوقف عند الجاهزية الاقتصادية للتعامل مع الاحتمالات. يقول كارل ماركس : السياسة هي تكثيف للاقتصاد، قول قديم لكنه بليغ يلخص الحال، وينبيء بعواقب غير لطيفة. واقعنا الاقتصادي يقول: السلطة تعتمد الى حد كبير على المساعدات الدولية المرتبطة بالعملية السياسية وبالاتفاقات المبرمة. الدعم يزيد وينقص بناء على أداء ومواقف السلطة ، ولم تتمكن السلطة من تجاوز هذه الحالة وتبعاتها الخطيرة. سواء عبر توليد الموارد من داخل المجتمع او عبر إعادة بناء المؤسسات الحكومية وممارسة اشكال من الاصلاح الاداري والمالي باتجاه الاعتماد على الذات.
وفقا للتقارير الرسمية السلطة مديونة بقيمة مليار ونصف المليار دولار للقطاع الخاص والبنوك. وتصريحات غير رسمية تقول السلطة مديونة لصندوق التقاعد بمليار دولار. وفي دراسة لعلاء الترتير نقلا عن مقالة لطارق دانا تقول : ان الاصلاح في القطاع المصرفي في عهد سلام فياض مكن الحكومة من إبرام قروض طويلة الاجل بلغت في عام 2013 ما مجموعه 4.2 مليار دولار، بفائدة سنوية قيمتها 200 مليون دولار، هذا المبلغ يعادل 50% من الناتج المحلي الاجمالي. أما القروض الفردية بحسب المصدر ذاته فقد بلغت مليار دولار حتى العام 2013 . توزعت القروض على 75% من موظفي القطاع العام - 94 الف موظف وموظفة من اصل 153 الف موظف - أخذوا قروضا من البنوك لتمويل الرهون العقارية والسيارات وتكاليف الزواج والسلع الكهربائية ونادرا في الانشطة الانتاجية. واستكمالا للوحة الاقتصاد بلغت نسبة البطالة في قطاع غزة 40% وفي الضفة الغربية 22% . بحسب د. محمد شتية ويتعرض العمال لاستغلال القطاع الخاص الذي لا يلتزم بالحد الادنى للاجور المحدد بـ 1450 شيكلا.
اكثرية المواطنين يكابدون شظف العيش ويزدادون فقرا لانهم لا يستطيعون الوصول الى الفرص الاقتصادية، في ظل "مباديء السوق الحرة والسياسة الاقتصادية النيو ليبرالية" التي مكنت كبار الرأسماليين ورجال الاعمال من الاحتكار على نطاق واسع، بما في ذلك احتكار استيراد اكثر من 25 سلعة اساسية. كان للاحتكارات تأثير مدمر على الاقتصاد الفلسطيني والشركات الصغيرة. فئة من الرأسماليين الفلسطيينين يتحكمون بالاقتصاد الفلسطيني رجال اعمال وتكنوقراط حصلوا على امتيازات خاصة من السلطة وتسهيلات – حرية الحركة والتجارة – من سلطات الاحتلال. مقاولون من الباطن يعملون لصالح شركات إسرائيلية وتطبيع اقتصادي من خلال مجموعة واسعة من الانشطة المشتركة.
وعلى صعيد آخر فإن المديونية المستدامة تؤدي الى تبعية اقتصادية تجعل القرار السياسي غير مستقل. الغرق في القروض والحياة الاستهلاكية ( تضاعف عدد السيارات في البلد 20 ضعفا في اقل من 6 سنوات)، يخلق نوعا من اللامبالاة السياسية ويخلق البيئة لمواقف سلبية ضاغطة على المستوى السياسي لقبول الحل او لبقاء الدعم بأي حال من الاحوال. اما السواد الاعظم الذي يزداد فقرا ويعيش في شروط اقتصادية صعبة فسيكون من موقع الاحباط واليأس واللا مبالاة مدفوعا لسماع وعود جون كيري الذي لوح بخطة تنمية بقيمة 4 مليار دولار، دون علمهم بأنها مخصصة لاستثمار القطاع الخاص الذي ابلى بلاء عظيما في - اللا تنمية.
كما نرى فإن الجاهزية الاقتصادية الفلسطينية تعيسة، خلافا لدولة الاحتلال والمانحين –باستثناءات قليلة- الذين هيأوا قاعدة اقتصادية قوامها عوزا وحاجة ليركبوا فوقها الحل السياسي المرغوب فيه. بعض الرأسماليين ساهموا من حيث لا يدروا في التهيئة الاقتصادية المضادة للاسف الشديد. ما يهم إعادة النظر في الجاهزية الاقتصادية، إعادة النظر في التطبيع الاقتصادي والمشاريع المشتركة، إعادة النظر في المديونية والاولويات والاعتماد على الدعم الخارجي.
عـــقـــدة ســــقــــف
بقلم: زياد خدّاش – الايام
ما حيرني هو السقف الثاني الصغير المنحني قليل على سرير غرفتي في الفندق الطويل.كأنه سيسقط بعد قليل على وجهي، ما حيرني أكثر هو الباب الخشبي الذي يتوسط السقف الثاني(، أتتزوج السقوف في هذه البلاد وتنجب أبوابا)، من يدخل من هذا الباب؟ وماذا لو طرقته الان يدٌ ما، كيف أفتحه له؟ وماذا لو فتحته، كيف سيدخل طارقه؟ الى أين سيدخل-يسقط؟ أعلى وجهي؟ وماذا يريد مني؟. ما خلع النوم من عيني هو صوت أمي الذي هطل فوق وجهي فجأة وأنا أندس مع أشقائي في فراشنا، تحت سقف الزينكو في غرفتنا الصغيرة بالمخيم، أوائل السعينيات، ما زلت أذكر صوتها وهي تتمتم بصلاة أو بأغنية أو بدموع، وهي تلهينا بالرقص والذرة المقلية والدغدغة المفاجئة، بينما غضب الرب والعالم يدق سقفنا الحديدي المتحرك. في دبي اكتشفت أن لدي عقدة سقف.
أهلاً، يا نجلاء، في البيت..!
بقلم: حسن خضر – الايام
يمكن أن نقرأ كتاب نجلاء سعيد، "البحث عن فلسطين"، باعتباره الجزء الثاني من كتاب "خارج المكان"، ليس لأن نجلاء ابنة إدوارد سعيد وحسب، ولكن لأن الكتابين يعالجان مسألة وسؤال الهوية، أيضاً، في حياة جيلين ينتميان إلى عائلة واحدة، وإلى تجربتين مختلفتين في السياسة، والثقافة، والحياة.
وُلد إدوارد سعيد، في القدس، وعاش طفولته، وسنوات تعليمه الأولى في القاهرة، وقضى إجازاته الصيفية في لبنان، قبل الالتحاق بالجامعة في أميركا.
أما ابنته نجلاء فولدت في بوسطن، وتعلّمت في مدارس النخبة في نيويورك، وعاشت سنواتها الأولى في ظل أب يحظى بشهرة عالمية، وأم لبنانية، عربية الهوى والهوية.
لم يعش إدوارد فقيراً، أو لاجئاً بالمعنى التقليدي للكلمة، ولم يعرف عذاب المنفى، وبدت إمكانية أن يكون أميركيا كاملاً على قدر كبير من الغواية، قبل حرب العام 1967، وقبل صداقته مع إبراهيم أبو لغد، الذي لا تمر ذكراه، دون أن ينتابني (بصفة شخصية تماماً) إحساس بالبكاء.
"البذرة دائماً في القلب"، كما في عبارة شهيرة لألبير كامو، فالولد الذي تعلّم في مدارس النخبة في مصر، وعاش في أوساط الطبقة الوسطى للمهاجرين الشوام، في قاهرة الخمسينيات، كان مفتوناً، أيضاً، بالمصريين الذي يراهم في الشارع، وباللغة، والرائحة، والثقافة العامة، التي أنشأ وسطه الاجتماعي جداراً يحول دون العبور إليها. وهناك، وُلدت البذرة الأولى للعيش "خارج المكان".
وقد حاول إدوارد في أطوار لاحقة من حياته، منذ أواخر الستينيات، أن يكون أشياء كثيرة، في وقت واحد. ومنها أن يكون فلسطينياً بالولادة والإرادة.
ولم تكن محاولة كهذه قابلة للتبسيط أو الاختزال، خاصة إذا كان صاحب المحاولة أحد أبرز الرموز الثقافية في القرن العشرين.
فهو فلسطيني وعربي، ولكنه أميركي، أيضاً، ويمكن أن يكون يهودياً، على طريقة بنيامين وأدورنو، إضافة إلى نزعة إنسانية عامة، تمكن الكينونة الشخصية من التجلي بكل الهويات، وخارج كل تصنيف محتمل.
أما البنت فأرادت أن تكون أميركية خالصة، وخذلتها أشياء كثيرة، فلا اسمها يوحي، ولا لون بشرتها، ولا سواد شعرها، يسهم في تعطيل الإحساس بخلل ما في الهوية.
والأهم من هذا، وذاك، أن لا لغة البيت، ولا مطبخه، ولا زوّاره، ولا علاقات العائلة، تحرر البنت من إحساس الخروف الأسود، في مدرسة تموج بالشقراوات.
قد تبدو هذه الأشياء طفولية، تماماً، ولكن هوياتنا، وعلاقتنا بأنفسنا، وبما نكون ومَنْ نكون، لا تنشأ في معامل معقمّة الهواء، ولا تتماهى مع التصوّرات الوهمية والمتوّهمة، في مناهج التعليم، أو لغة الناطقين باسم "شعبنا الفلسطيني"، بل في ملايين التفاصيل الصغيرة، من المهد، في مكان ما، إلى اللحد في مكان ما، أيضاً.
وهذا ما يصلح كتاب نجلاء، ابنة إدوارد، للتدليل عليه، باعتباره وسيلة إيضاح، على قدر كبير من الصراحة، والشجاعة، لعملية معقّدة اسمها تعريف الأنا، والهوية، في عالم تختلط فيها الثقافات، والأعراق، واللغات، والطبقات، والتجارب اليومية، التي لا يمكن ضبطها، أو تقنينها، في ظل زلازل سياسية، وأقدار عاتية تسحق الناس، وتبدد الهويات والمصائر، وتُلقي بحملها على الأطفال.
ليس صحيحاً أن الاختلاف يمكن أن يكون شيئاً صحياً، إذا شاءت الأقدار أن تنتمي إلى أقلية من نوع ما. أما الوصول إلى، والاعتراف، بما في الهجنة من تعددية، وغنى وإغناء، للشخصية، فهذه طريق شاقة، طويلة، ومؤلمة، محفوفة بالمخاطر، وغير مضمونة النتائج.
وهذه الطريق هي التي سار عليها إدوارد سعيد بالمعنى الشخصي والفكري. ومن بين ما لا يحصى من المراجعات، التي قرأتها عن "الاستشراق" لا تزال ملاحظة لمكسيم رودنسون، حيّة في الذاكرة، ويرد فيها ما معناه، إن الأمر كان يحتاج إلى فلسطيني لكتابة عمل مثل "الاستشراق".
الفلسطيني، هنا، ليس الكاريكاتور، الذي تبيعه لنا حماس، والفصائل التي تنطق باسمنا، هذه الأيام، ولا السلعة المثالية في الاقتصاد السياسي للمقاومة والممانعة، بل تلك الكينونة، التي شاءت لها زلازل كونية كثيرة، أن تجد نفسها، في تقاطع طرق إنسانية ووجودية، تتعادل فيها احتمالات البقاء والفناء، وكان عليها أن تبقى لتكون، وأن تكون لتبقى.
والحالتان مشروطتان بكفاءة الهجنة، ومهارات التهجين. وكلتاهما أداة مثالية لزعزعة بلاغة السرديات الكبرى، وسكينة اليقين.
وربما في هذا ما يفسّر كلام ردونسون عن الفلسطيني في إدوارد سعيد، بقدر ما يفسّر دفاع الأخير عن الهجنة والتهجين باعتبارها جزءاً من هوية الأزمنة الحديثة، ووحدة التاريخ الإنساني العام.
إدوارد سيكون سعيداً بكتاب ابنته، بالتأكيد، فالثمرة لم تسقط بعيداً عن الشجرة. لم تشتغل مثله على توليف صورة الشرق في المخيال الغربي، وعلاقتها بالكولونيالية، والمركزية الأوروبية، بل جعلت من جسدها، وذكريات وتجارب الحياة اليومية، وسيلة إيضاح لاكتشاف اعتباطية، وعذاب (وأحياناً، في وقت لاحق) عذوبة الوقوف على مفترق للطرق، وتعددية الخيارات، والهويات.
وبقدر ما أرى الأمر، يمثل هذا الكتاب إضافة للأدب الفلسطيني، الذي يُكتب الآن بلغات مختلفة، بقدر ما يفتح باباً (كما فعل إدوارد في "خارج المكان") لكتابة فلسطين، باعتبارها ذاكرة فردية، وشخصية، تماماً، وليست بالضرورة، وفي كل الأحوال، سردية كبرى، ومتعالية على اليومي، والجسدي، والعائلي، والحميم.
أخيراً، ليس من الإنصاف القول إن الثمرة لم تسقط بعيداً عن الشجرة، وفي الذهن إدوارد، فقط، فلمريم، اللبنانية، العربية، أم نجلاء، نصيب وافر من الثمرة. وربما لولا لبنانيتها الصريحة، وعروبتها الفصيحة، لما تمكنت نجلاء من البحث عن فلسطين.
كلنا، بهذا المعنى أو ذاك، خارج المكان. أهلاً، يا نجلاء، في البيت.
تغريدة الصباح - في غياب انسي الحاج
بقلم: احمد دحبور – الحياة
لا أتوقع ان تذرف الاقلام العربية حبرا غزيرا على رحيل الشاعر اللبناني انسي الحاج، فهذا الرافض المترفع لم يشغل نفسه، طيلة حياته، بالعلاقات العامة. ولم يهادن الثقافة السائدة. صحيح انه لم يوجه مدفعيته النقدية ضد رموز ثقافية بعينها، لكن إدارة ظهره للصخب الاعلامي وصانعيه، كانت علامة فارقة في شخصيته الاشكالية.
منذ ان ظهر انسي الحاج في المشهد الادبي اللبناني قبل اقل من نصف قرن، تميز بتعاليه المتقن المدروس على خصومه الادبيين. فهذا الذي افتتح مشروعه الثقافي بمجموعة عنوانها «لن».. كان يعي تبعة انه لن يوافق ولن يجامل ولن يتسامح، واذا كان الشاعر الكبير ادونيس في طليعة من تبنوه ورعوه، فانه لم يندرج في الخطاب الادونيسي او غيره، مع انه كان من اهم شخصيات مجلة «شعر» اللبنانية، التي كان يقوم عليها ادونيس ويوسف الخال. وكان بطبيعة الحال خصما للمشروع العروبي الذي كانت مجلة الاداب وصاحبها المرحوم د. سهيل ادريس من ابرز عناوينه.
على ان حرب انسي الحاج مع خصومه كانت على شيء من الطرافة، اذ ندر ان عثر القراء على سجال له مع اولئك الخصوم. فقد كان متمترسا بصمت ماكر، منهمكا في تطوير ادواته الشعرية، التي كانت استفزازية بطبيعة الحال.
بعد مجموعته «لن»، اصدر انسي مجموعة بعنوان «الرأس المقطوع»، تاركا لقرائه - الشباب غالبا - ان يخمنوا من هو صاحب هذا الرأس، أهو الشاعر نفسه الذي حكم على نفسه بالافتراق عن الخطاب السائد؟ ام هو رأس خصومه الذين كان يتجاهلهم باستمرار؟.. والواقع ان هذا الشاعر الاستثنائي لم يكن مشغولا بادارة هذا السؤال. اذ ان كان مجرد اختياره «الراس المقطوع» كان تعبيرا عن الانفصال - الانشقاق لمن يفضل هذا التعبير السياسي، وقد بلغ شغفه بالانشقاق ان اصدر ذات يوم صفحة بيضاء في احدى الزوايا المخصصة له، مستغنيا عن الكلام. اما تأويلات صمته المتعالي فما كانت لتعينه بدورها، لانه نذر نفسه للتجاوز.. فلا شيء، بالنسبة اليه، يستحق الوقوف عنده، حتى انه اصدر مجموعة شعرية ذات عنوان لافت: «ماضي الايام الآتية».. وبقليل من التأمل نكتشف ان ماضي الايام الآتية هو اليوم الحاضر، ولكنه اداره من الماضي انطلاقا من انه مع عجلة الحياة التي تترك الاشياء عليها كلها خلفها من غير ان تلتفت الى الوراء، حتى اذا واصل مشروعه الكتابي، استحدث زاوية بعنوان «خواتم».. ولك ان تقدر أهي خواتم لبدايات، ام تبشير بنهايات، ام هي مجرد حليّ للاصابع؟
كان من الممكن لشاعر من هذا الطراز ان تتلاشى اخباره بسهولة، اذ انه مقاطع من معظم المنابر الادبية في حينه، وكان د. سهيل ادريس رحمه الله ينعته بالدعي، لكنه لم يعر هذه المواقف العدائية اهتماما، بل التفت فجأة الى الجانب الوجداني وكتب قصائد عذبة في الحب، مع مواصلته، في مستوى آخر، اسلوبه الحاد المختلف.
ليست هذه مناسبة لتقويم شعر انسي الحاج، بل مجرد وقفة امام غيابه المفاجئ، وان كنت اتمنى لو ان ادونيس - بعد التطورات الفكرية النوعية في تجربته - يكتب شهادته عن انسي الحاج وعن سواه من جماعة شعر، امثال فؤاد رفقة وشوقي ابي شقرا ومعلمهم يوسف الخال والملتحق بهم متأخرا عصام محفوظ، وغيرهم.
لقد كان هؤلاء مجرد مثقفي لحظة اختلاف، ولعل لحظتهم كانت قصيرة، وبخاصة بعد ان افترق عنهم ادونيس الذي كان يشكل رافعتهم الكبرى. ولكن يبقى ان شروعهم كان تنويريا على طريقتهم، وفي الثقافة العربية ان بين الشعراء الاربعة من يستحق ان تسمعه.. فهل استمعت الثقافة العربية المعاصرة لانسي الحاج ببض العدل والانصاف؟
انه الآن في ذمة التاريخ، وليس لنا الا ان نقرأ هذا التاريخ بأشكاله وتناقضاته ومفاجآته، وليس لي - على المستوى الشخصي - الا ان اعترف باللهجة المختلفة التي قدمها بوصفه شاعرا مختلفا.
جامعة في حقل رماية!
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
جامعة فلسطين التقنية - خضوري جمهورية الشباب الأشداء وساحة الدارسين الأقوياء ومنصة الفقراء بالمال والإغنياء بالكرامة والعزة والتاريخ الناصع تجد نفسها اليوم حقلاً للرماية صنعه الخصوم الجبناء من جيش الاحتلال في قلبها وعلى ترابها قناعة منهم بأن الطلبة الشجعان سترتجف أقدامهم وترتعد قلوبهم فيجزعون ويتركون الأرض والعلم والتعليم حتى يشطب الاحتلال بقرار مصادرة بائس تلك الجامعة وما فيها.
أكثر من أربعة وعشرين دونماً حولهم المحتل قبل أيام لساحة تدريب عسكري في خرق واضح لأبسط حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة ومواثيق حرية التعليم والتعلم ومفاهيم البشر. دولة الديمقراطية المزيفة التي أصمت العالم بحديثها المزعوم عن الحرية والديمقراطية تضيق بجيشها الأرض فلا يجد إلا أن يزج بذاته ليتموضع قرب أوراق وأقلام وأحلام الطلبة.
لكن طلبة الإصرار يقابلون طغيان هذا المحتل بموقفهم الواضح المبني على الاستمرار في علمهم وعملهم ليرموا الاحتلال الظالم بعلمهم ومعرفتهم.
السؤال البديهي في ظل هذه الهجمة هى ماذا لو تبادلنا الأدوار واقتحمت قواتنا جامعة إسرائيلية واقتطعت أرضا لها وحولتها إلى موقع للرماية والتدريب القتالي؟ كيف سيكون موقف العالم من هكذا خطوة؟
لا شك بأننا سنتهم باللاسامية والعدوانية والإجرام ولقامت الدنيا ولم تقعد ولأصبحنا بضاعة رائجة للانتقاد والاتهام والإساءة.
اليوم يأتي المحتل برصاصه وعتاده ساعياً لترهيب الطلبة الفرسان والأسرة التعليمية الباسلة، فيفاجأ بعزيمة متجددة للفلسطيني العنيد الذي لا ترهبه النيران ولا بأس المحتل.
إطلاق النار ينبعث صداه في أركان الجامعة ومحافظة طولكرم الشامخة، بينما يستمر الطلبة في سعيهم للعلم متجاهلين حالاً تعدى حدود المنطق وحتى أبسط حدود المقبول والمعقول.
اليوم لا بد وأن نسمع صوت مؤسسات حقوق الإنسان ودعاة الديمقراطية والمناضلين من أجل التعليم وحرية الوصول الآمن إليه.
فبعد أن اقتطع المحتل مساحات واسعة من اراضينا لصالح جداره العنصري عازلاً مدارس بأكملها، وبعد أن فرض على طلبتنا تصاريح جائرة لانتقالهم من وإلى مدارسهم، وبعد أن عطل التعليم وقصف الجامعات واعتقل الطلاب واستهدفهم بالاغتيال والقتل يعود اليوم بهذه التقليعة البائسة مستحدثاً حقلاً للرماية والتدريب على القتل في قلب إحدى جامعاتنا العزيزة. هذه الجرأة في الاقدام على خطوة من هذا النوع لم تكن لتتم لولا صمت العالم على كل ما ذكر من تصرفات واعتداءات.
اليوم مطلوب من المؤسسات التي قضت اعواماً طوال في إشباعنا في الحديث عن حقوق الإنسان أن تتدخل وتوقف هذه المهزلة وإلا لوجدنا المحتل في قلب المدرجات والقاعات الجامعية مستعرضاً كما فعل لعقود عضلاته وشيئاً كثيراً من انعدام الإنسانية.. وصمت البعض ممن يشجعونه.
كفى تسطيحا أيها التبسيطيون
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
مرة جديدة يظهر في الساحة الفلسطينية تبشيريون في موضوع غاية في الحساسية والخطورة تجاه قضية "يهودية" الدولة الاسرائيلية. ولتمرير رؤيتهم غير المقبولة من حيث المبدأ، والتي تمس هوية وذاكرة ورواية الشعب العربي الفلسطيني، ينحو نحو التسطيح للمسألة، حين يدعون المواطنين، تعالوا لنسأل قادة إسرائيل، ماذا تعني لهم "يهودية" الدولة؟ ونطالبهم بعدم المس بابناء شعبنا المليون ونصف مليون فلسطيني في داخل الداخل؟
اولا مرة اخرى من حيث المبدأ، لا يجوز تمرير هذه المسألة تحت اي عنوان او صيغة تعكس التسطيح؛ ثانيا متى كان الاسرائيليون معنيين بالالتزام بأي تعهد تجاه ابناء شعبنا؟, ألم نتعلم على مدار الـ21 عاما الماضية من رفضهم الالتزام باي تعهد وقعوا عليه؟ ثالثا وهل إذا ما سألنا نتنياهو وبينيت وليبرمان وغيرهم سيقولون غير ما قالوه في روايتهم المزورة للتاريخ والحقائق ونفي حق شعبنا في الوجود والحرية والاستقلال؟ ألم يقل الشعار الناظم لمسيرة الحركة الصهيونية "ارض بلا شعب لشعب بلا ارض", رابعا هل المشكلة تنحصر فقط بحقوق المليون ونصف المليون من الفلسطينيين؟ وماذا عن حقوق اللاجئين في الشتات؟ وماذا عن رواية الشعب التاريخية؟ خامسا: هل التسوية السياسية تعني بحال من الأحوال التخلي عن رواية الشعب الفلسطيني؟ هل مطلوب من الفلسطيني نسيان وإسقاط سجل وحضارة وثقافة الشعب التاريخية؟.
المؤكد في مسيرة الكفاح السلمي لشعبنا، ان التمسك بخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، لا يعني نهائيا التخلي عن: اولا حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وحقهم جميعا. لانه لا يجوز لكائن من كان، وأيا كان موقعه، ان يتنازل عن حق مواطن فلسطيني واحد بالعودة الى وطنه الأم، والى بيته ووفق معايير السلام العادل؛ ثانيا ثابت من الثوابت التمسك بالرواية الفلسطينية التاريخية، وعدم المس بها، وتدريسها للاجيال المتعاقبة؛ ثالثا حق ابناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب، حق غير قابل للانتقاص او المساومة عليه. فضلا عن حقهم في الحصول على المواطنة الكاملة وليس فقط الجنسية الاسرائيلية الشكلية. رابعا لا اليوم ولا في المستقبل القريب او البعيد ملزمين كفلسطينيين بالاعتراف بـ"يهودية " الدولة الاسرائيلية، لانها تعني مباشرة ودون لف او دوران إلغاء وشطب الرواية الفلسطينية، وبالتالي نسف الحقوق المشروعة، والتي كفلها القانون والمواثيق الدولية.
إذا ايها المروجون لعملية تضليل جديدة تمس جذور هوية وتاريخ الشعب الفلسطيني، كفى تدبيجا لمواقف خاطئة وتمس بركائز الشخصية الوطنية الفلسطينية. بالتأكيد لستم خارج الصف الوطني، ولكن قراءتكم للمسألة فيها جنوح نحو تضليل الذات والشعب لحرصكم على دفع عملية التسوية للامام. لكن لمذا لا تطالبوا قادة إسرائيل والولايات المتحدة بالكف عن مطالب وشروط تعجيزية غير ذات جدوى، وتنسف خيار السلام ؟ لماذا ترتفع اصواتكم في الوقت، الذي ترتفع فيه اصوات داخل اليهود انفسهم، يتنكرون فيها لـ"يهودية" الدولة الاسرائيلية؟ أي معنى لمواقفكم الخاطئة والمرفوضة, في الوقت الذي تتعالى فيه اصوات امثال البرفيسور شلومو ساند، الذي يرفض مقولة وجود "شعب يهودي"!؟ هل لكم ان تفسروا لنا لماذا ؟ وعلى أي اساس؟
يا حبذا ايها المروجون للافكار الخاطئة وغير الجديرة، لو تكفوا عن تسويق بضاعتكم غير المقبولة من عامة ابناء الشعب. لانه يكفي الشعب والقيادة ما تواجهه من ضغوط وارباكات، ولا ينقصها اصوات من داخل الصف الوطني تروج لبضاعة مرفوضة جملة وتفصيلا.
عام على وداع «الحياة الجديدة».. عام على حياة جديدة
بقلم: اياد الرجوب – الحياة
كم هي صعبة تلك اللحظة التي يقف فيها المرء على الحد الفاصل بين مرحلتين!! فالطبيعةُ البشريةُ لا تتطبع بغير فطرتها، وكل مرحلة، مهما قصرت أو طالت، لا بد لها من أبطال، ومفهوم البطولة في معترك العمل لا يبتعد كثيرا عن مفهوم الصداقة، أو الخصومة، أو الكفاءة.
نصف العمر الوظيفي.. ذكرى
لعله من حسن طالعك أن تغادر أربعة عشر عاما من العمل مع مئة زميل دون أي خصومة، وانه لأمر محزن جدا أن تترك تلك الأعوام بتمامها وكمالها في جريدة الحياة الجديدة لتحيلها ذكرى، وما أصعب فراق أقران المهنة! أصدقاء العمر! رفاق الليالي! بل ما أصعب أن تفارق المهنة نفسها! فكيف لمن عاش نصف عمره الوظيفي في مهنة قمرية البذار والاثمار أن يبدأ بعدها حياة جديدة في مهنة شمسية.
خلال نصف عمري الوظيفي كتبت عن العمل ما كتبت، واحتفظت بما احتفظت، ونشرت ما نشرت، منه ما كان يروق ومنه ما لم يكن، فما يروق كان ينتهي في ساعته، أما ما لا يروق فقد أثقلني بالعقوبة التي أفادتني واشتد بها عودي.
وطِئتُ عتبة «الحياة الجديدة» بعد عام في «الأيام»، كنتُ حينها غضّ اللغة، ليّن العبارة، وما هي الا سنة حتى كنت قد رضعت من صفحاتها اللغةَ بكامل دسمها، فأخذتُ من بصْرية سيبويه وكوفية الكسائي وأضفت اليهما ما يناسب صحافة الألفية الثالثة، فوجدتني بعدها مطلوبا للبت في ما يختلف فيه زملاء المهنة، أما ما أختلف فيه معهم فكثيرا ما كان يبت فيه أستاذ النحو العربي في جامعة بيرزيت د. عمر مسلم، ولم يسلم من ازعاجنا اياه ليلا حتى وهو في السودان، وفي نهاية كل اختلاف كانت لغة «الحياة الجديدة» تزداد متانةً.
في «الحياة الجديدة» خبرتُ الحياة الدنيا بكل تفاصيلها، والموت بكل تجلياته، فهَول أول قصف تشهده الضفة الغربية بعد قيام السلطة الوطنية لم يمنع العزيز بشار البرماوي- الذي امتشق سيف المسؤولية قبل أوانه- من أن يطلب مني الحضور لمقر الجريدة كي نبقي أنفاسها دافئة ذاك المساء، رغم جليد الخوف الذي عاشته رام الله بعد القصف المروحي ذاك اليوم، فبشار كان يعي تماما من يلبي النداء في ذاك الظرف، واستطعتُ واياه مع الزميلين أيمن ونضال معلا من القسم الفني أن ننجز عددا بكل دافعية واصرار، فبزغ الفجر الجديد معطرا بـ»الحياة الجديدة» التي أبت أن تنام.. كان لافتا في ذاك العدد ذي الصفحات الثماني أنه لأول مرة بعد قيام السلطة يُستبدل مصطلح «قوات الاحتلال» بـ»قوات العدو».
اليوم، وبعد عام من ترجّلي عن صهوتها، أفخر بأن نصف عمري الوظيفي كان في جريدة الحياة الجديدة، تلك الجريدة التي رغم وصفها- شعبيا- بأنها «جريدة السلطة» الا أنها الأكثر جرأة في الطرح والتحليل والنشر من باقي الصحف الفلسطينية، تتميز بمقالاتها اللاذعة، وأخبارها المحلية الثرّة التي تغطي المحافظات كافة.. ومن جرأتها اكتسبتُ الكثير، ومن ذاك الكثير قسوةُ العبارة.
مشوار حياة وموت
لم يدُر في خلدي يوما أن تأتي لحظة أودع فيها الى الأبد مشوار حياة وموت برفقة خالد سليم ورائد حامد ومؤيد الديك، حتى في استقالتي خالد ورائد السابقتين من جريدة الحياة كان الاحساس دوما يجعلني أطمئن لعودة جديدة.. وما كان لاحساسي الا أن يصيب، فيعودان لنكمل المشوار سويا، أما في 24/2/2013 فكان الاحساس مؤلما بانتهاء مشوار حياة العمل معهم، وأظنه الى الأبد.. ولا ذنب لي في ذلك، فلم أرغب قط في الوصول للحظة الوداع، انما كان لآرام ومن بعده سام الأثر الأكبر في رسم النهاية.
خالد ومؤيد كانا درعا بشريا لي أمام الموت بين مسدسات وبنادق جنود الاحتلال، وللأسف، لم يأتِ ظرفٌ أختبر فيه نفسي كي أكون درعا لأي منهما، فخالد عاش اللحظة وفوهة مسدس المحتل لصيقة بأذنه وهو يشق درب الاحتجاز نحو مقر قيادة الاجتياح برام الله عام 2002، ومؤيد استله الجندي الأرعن من بيننا ليلصق فوهة بندقية الـ»M16" بجانب عنقه ويطلق الرصاص، دون أن يسمح لنا بالنظر اليه، في تلك اللحظة شعرنا أننا فقدناه، لكن الله شاء أن يبقيه حيا لنبقى نعتز بصدق صداقته وعمق وفائه.
جادت عليّ جريدة الحياة بصداقات تترى لا تنتهي، أسماؤها محفوظة في القلب لم تغادره ولا أحسبها تغادره ما دام ينبض، ولا أفاضل بين تلك الصداقات ان استذكرت أخي أمجد عرار الذي كان قاب سنتيمترين أو أدنى من رصاصة «بسغوتية» وهو على كرسي التحرير.. فهكذا شاء الخالق القدير أن تخرج «الحياة الجديدة» بطاقمها من كل مواقفها الصعبة دون أن يمسها سوء.
حياة جديدة
ودّعتُ «الحياة الجديدة» كصحافي الى حياة جديدة كموظف اداري في وزارة الداخلية، وكم كانت الأيام الأولى للعمل الجديد مؤلمة ومتعبة ومرهقة، لدرجة راودني فيها الندم على الوداع.
لكن، وكما وجدت في الجريدة حاضنة دافئة لي بداية نصف عمري الوظيفي الأول، وجدت في «الداخلية» حاضنة أكثر دفئا لي بداية نصف عمري الوظيفي الثاني، فقد منحتني بحب وود- دون أي معرفة مسبقة لي بأحد فيها- ما يصعب منحه لأحد مثلي قادم من عالم وظيفي آخر، وأول ذلك، هو تحقيق رغبتي في «العودة للوطن»، على رأي عطوفة الأخ نضال عمرو الذي أطلق هذا الوصف عندما قلت له: «أرجو ألا يُفهم سعيي لترك «الحياة الجديدة» بأنه كره فيها، بل هو رغبة في ترك رام الله والاستقرار في الخليل».. فلم أجد نفسي الا في مكتب بمديرية داخلية جنوب الخليل التي تبعد عن بيتي مسافة 10 دقائق بالسيارة.
في «الداخلية» عرفت معنى الدوام نهارا كما الأغلبية العظمى من بني البشر، وعرفتُ معنى تراكم الاجازات دون استنفادها، وعرفت معنى «يوم الدوام» حسب قانون الخدمة المدنية الذي صار محددا بسبع ساعات.
في «داخلية جنوب الخليل» عرفت معنى أن تستفيق صباحا وتتناول فطورك مع أسرتك وتذهب لدوامك، وبعد انتهائه تعود لتتناول غداءك مع أسرتك وتلاعب أبناءك مساء وتنام في بيتك.
في «الداخلية» عرفت معنى مقياس الكفاءة، فكل اختبار تجتازه هو سهمٌ يُحفظ في رصيدك.
في «الداخلية» عرفت كيف أكون انسانا قبل أن أكون موظفا، كيف أحبب المواطن بالقانون الذي يحميه قبل أن أخبره برفض طلبه وفق القانون، عرفتُ كيف أخدم المواطن لأخدم الوطن.
في «داخلية جنوب الخليل» عرفت سكان جنوب الخليل، فأدركت كم فيهم من نفوس معطاءة للعمل الخيري والتطوعي الذي ما زال أحد أساليب مقاومة الاحتلال.
في «داخلية جنوب الخليل» أعيش مع أسرة من الموظفين تُرسخ مفهوم الأسرة الحقيقي، لدرجة أن رب هذه الأسرة لا يُشعرك ببريستيج الربوبية، فمجرد رؤيته يعطيك احساسا بالوطن الجميل النقي الذي عشت تحلم به.. وبالطبع لا مجال في هذه الأسرة لتحاشي سائد دسة، فرغم زمبركيته الحركية في المديرية وعدم امكانية تسيير معظم أمورها من دونه ورغم طبيعة عمله بما تتطلبه من لباقة اتصال وتواصل مع جميع الفئات، يبقى أول شخص تعثر فيه على شخصيتك التي تلقي الكلمة الصريحة الخشنة في وجه مستحقها كما تلقي «بلوكّة العشرين».
في «الداخلية» عرفت كل شيء جديد على الدوام تقريبا.. لكنني بعدُ لم أعرف مغامرات الوصول للدوام والعودة منه رغم أنف الاحتلال، تلك المغامرات التي استمتعت بها في «الحياة الجديدة».
كمال ناصر . الشاعر، المفكر, السياسي, المناضل
بقلم: عيسى عبد الحفيظ – الحياة
(1-2)
في ليلة من ليالي شهر نيسان 1973، وفي ساعة متأخرة من الليل، وبينما كان كمال ناصر يكتب مقالته الأسبوعية راثياً الأديب أمين نخلة في شقته بشارع فردان في بيروت, كانت وحدة من الكوماندص الاسرائيلية تتسلل بقيادة ايهود باراك لتنفيذ عملية اغتيال جماعية بحق كمال ناصر وكمال عدوان وابو يوسف النجار. جاءت هذه العملية كرد اسرائيلي على عملية ميونخ التي نفذتها منظمة ايلول الاسود حسب الرواية الاسرائيلية.
كمال بطرس ابراهيم ناصر من أسرة متجذرة في بيرزيت، الا ان ميلاده كان في غزة. المكان الذي كان يعمل فيه والده. والصدفة او لأمر خارج عن المألوف او السبب نجهله جميعا، ولا نملك تفسيرا له، كان تاريخ استشهاده في العاشرمن نيسان 1973 قبل ايام من تاريخ ميلاده.
سيطرت فكرة الاستشهاد على كمال ناصر في كل نواحي الحياة، وترافقت مع فكرة البعث. فاصبح هاجسا لازمه في كل اشعاره تقريبا. فقد حمل هذه الفكرة في الشعر والرؤي والنبوءة في الجامعة الامريكية في بيروت التي تخرج منها عام 1945 في العلوم السياسية. بينما كانت الاحداث تستعر في فلسطين وكصاحب ضمير ورسالة وطنية لم يقبل دراسة المحاماة لتحقيق رغبة والدته المثقفة، فالتقطته الصحافة، هوايته المفضلة لينشئ جريدة الجيل الجديد بالتعاون مع هشام النشاشيبي وعصام حماد في عام 1949 في القدس.
فكرة الاستشهاد والبعث ربما هي التي دفعت كمال ناصر ليشارك في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي في رام الله، ويبدأ رحلته الصعبة والقاسية من السجن الى البرلمان عن دائرة رام الله عام 1956. وبقيت الصحافة تجري في أعقابه او كان هو يجري في اعقابها، حين اصدر عبدلله الريماوي جريدة البعث في الضفة الغربية باسم فرع الحزب في فلسطين وكان لكمال ناصر دور رئيسي في ذلك بالاضافة الى كتاباته في جريدة فلسطين الصادرة في القدس.
لم تلبث التجربة الديمقراطية في الاردن ان انتكست. فانتقل كمال ناصر الى سوريا مراهنا على تجربة الوحدة بين سوريا ومصر فقلده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وساما تقديريا. الا ان حلمه الحزبي الذي اعتقد انه قد تحقق عندما استلم البعث مقاليد السلطة على اثر انقلاب 8 آذار 1963 لم يلبث ان تلاشى بسبب الخلاف الحاد الذي ظهر بين قيادة الحزب وعبد الناصر، وما زاد الطين بلة الخلافات الداخلية في الحزب الذي وقف كمال ناصر مع قيادته الشرعية علنا بصوت مدو قائلا:
ما علينا لو كل يوم غزانا عابر وانتمى الينا دخيل
فبذور الحياة تكمن فينا وسيبقى البعث الاصيل الاصيل
وحين وصل الى الشطر الاخير اشار بيده وكانت كاميرات التلفزيون تتابع حركاته، اذ به يشير الى الاستاذ ميشيل عفلق.
لكن البعث لم يبق اصيلا على الطريقة التي يريدها كمال ناصر فحدث انقلاب شباط 1966 وتحركت الدبابات لصالح القيادة القطرية فقال:
لم يبق للبعث عندي ما أغنيه شيعته وسابقى العمر ابكيه
وفي السيارة التي اقلته الى السجن كانت المطربة دلال شمالي تغني كلماته:
عشرين عاما نضيء الليل من دمنا في كل نجم لنا جرح اضأناه فالبعث وعي وايمان وتضحية والبعث هم كبير قد حملناه
لم يكن سهلا على سجانيه ان يسجل عليهم التاريخ ذلك. لذا, كان فراره من السجن الى بيروت ومنها الى باريس أمرا شبه طبيعي. وفي رواية أخرى كان للكاتبة كوليت خوري دور في تسهيل عملية هروبه من السجن. وفي باريس، صدحت حنجرة كمال ناصر باشعار الغربة والاشتياق الى الوطن الذي شد عقله وعواطفه فعاد, ليشهد هزيمة حزيران, فبادر الى المقاومة بكل اشكالها, فما كان من سلطات الاحتلال الا ان اعتقلته ثم ابعدته خارج الوطن.