Haneen
2014-12-18, 11:36 AM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (279)
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
السبت
1/3/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
حتى لا نصل إلى حافة الانفجار !
بقلم: حديث القدس – القدس
لماذا وُلدتَ يا عمر غريبان؟!
بقلم: المحامي جواد بولس – القدس
الحنين إلى الحرب الباردة
بقلم: د . رغيد الصلح – القدس
لماذا العودة إلى اسطوانة "الوطن البديل" المشروخة؟
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
المد يتحول ضد إسرائيل ويسلمها إلى مزيد من النبذ والعزلة
بقلم: جوناثان كوك – القدس
القدس كما نفهمها قلبا ووجدانا وعاصمة
بقلم: الدكتور عقل أبو قرع – القدس
موسكو وأوروبا و"ربيع كييف"؟
بقلم: حسن البطل - الايام
اليوم الأول بعد فشل المفاوضات!
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
التحول التاريخي في دور "الأونروا" كسلطة ظل موازية للسلطة الفلسطينية القائمة
بقلم: حسين حجازي – الايام
على حصان الوطنية المصرية يترشح
بقلم: صادق الشافعي – الايام
متفاجئون على مدار الساعة حيث لا يستقيم التفاجؤ
بقلم: صلاح هنية – الايام
فــرِّق لا تـــســـد!
بقلم: رامي مهداوي – الايام
هي حروبٌ بارِدَة ولكن تَسخُنُ أحياناً
بقلم: آصف قزموز – الايام
نــفــّذ ثــم نــاقـــش
بقلم: وليد بطراوي
أسـئـلــة حــاضــرة
بقلم: وليد ابو بكر – الايام
نتنياهو يفتعل المأزق الخطير
بقلم: يحيى رباح – الحياة
المقاطعة: إدراك إسرائيلي بتزايد خطورتها؟
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
تغريدة الصباح - عن سجننا الذي لم نكتبه
بقلم: عدلي صادق – الحياة
القدس واقصاها في خطر
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
حتى لا نصل إلى حافة الانفجار !
بقلم: حديث القدس – القدس
استشهاد الشاب معتز وشحة الذي اغتالته القوات الاسرائيلية بدم بارد وقصفت ودمرت منزله في بيرزيت، وقبل ذلك استشهاد الأسير جهاد الطويل بعد تعرضه لاعتداء بالضرب والغاز من قبل ادارة السجون الاسرائيلية وعشرات الاصابات في مختلف انحاء الضفة الغربية وقطاع غزة بنيران القوات الاسرائيلية وحالات الاختناق بالغازات السامة التي تطلقها، وحملات الدهم والاعتقال خلال الأيام الثلاثة الماضية تشكل نموذجا مصغرا للتصعيد المنهجي الاسرائيلي الخطير ضد الشعب الفلسطيني والذي يشمل فيما يشمل الجرائم اليومية التي يرتكبها المستوطنون تحت حماية جيش الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين وآخرها جريمة اعتداء عشرين مستوطنا على مواطنين جنوب نابلس امس، مما اسفر عن اصابتهم بكسور ورضوض، وكذا التوسع الاستيطاني المتواصل وهدم المنازل ومحاولة الاستيلاء على المزيد من العقارات والمنازل الفلسطينية في القدس ..الخ من الانتهاكات والاعتداءات تؤكد مجددا اننا أمام احتلال بشع غير معني بالسلام وهو ما يثير التساؤل حول ما الذي ينتظره وزير الخارجية الاميركي جون كيري والمجتمع الدولي بعد كل هذا العدوان الشامل الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني ؟!
حكومة الاستيطان واليمين الاسرائيلي المتطرف كشفت عن وجهها الحقيقي المناهض للسلام وللشرعية الدولية منذ أمد طويل ورغم الفرص المتعددة التي منحها لها الجانب الفلسطيني والعربي لتغيير نهجها وممارساتها وسلوك طريق المفاوضات الجادة ، الا انها ازدادت غطرسة وتمارس تصعيدا ممنهجا أقل ما يقال فيه انه يدفع بالمنطقة الى حافة الانفجار مع كل التداعيات الخطيرة التي ستترتب على ذلك، فاسرائيل تدرك ان الشعب الفلسطيني لن يسكت عن الانتهاكات اليومية لحرمة الأقصى ولا عن مصادرات الاراضي والمشاريع الاستيطانية المتسارعة ولا عن تهويد القدس ولا عن تعرض ابنائه للقتل والاعتقال يوميا وهو ما يجب ان يضع المجتمع الدولي الآن أمام مسؤولياته في كبح جماح اسرائيل ومنع الانزلاق الى حافة الانفجار.
واذا كان الرئيس باراك اوباما سيلتقي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي تتحمل حكومته مسؤولية كل هذا العدوان المتواصل والشامل على الشعب الفلسطيني عليه ان يدرك أن من حق الشعب الفلسطيني الدفاع عن وجوده وأمنه وحقوقه وهو حق كفلته الشرعية الدولية وأن الادارة الاميركية اذا كانت معنية فعلا بتحقيق السلام فإن عليها ان تلجم الحكومة الاسرائيلية وتوقف كل هذا العدوان بعد ان اصبحت عملية السلام مجرد شعار تتستر اسرائيل خلفه لارتكاب انتهاكاتها الفظة للقانون الدولي والتي قالت منظمة العفو عنها الاسبوع الماضي ان بعض هذه الانتهاكات الاسرائيلية يرتقي الى جرائم حرب.
ولماذا تتجاهل واشنطن كل ما ترتكبه اسرائيل ومستوطنوها ضد شعب بأكمله وتدخلنا في جدل بيزنطي حول ماهية اسرائيل وغيره من الشروط والاملاءات التي تريد اسرائيل فرضها بما يتناقض مع الشرعية الدولية ومع الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني ؟
ان ما يجب ان يقال هنا للولايات المتحدة والمجتمع الدولي ان الشعب الفلسطيني الذي قدم تضحيات جساما من أجل تحرره من هذا الاحتلال البشع من حقه الدفاع عن وجوده وهويته وحقوقه ومن حقه رفض هذا الاحتلال ولا يعقل أن يقبل الشعب الفلسطيني باستمرار هذا النفاق الغربي في محاباة الاحتلال الاسرائلي وحمايته وتجاهل انتهاكاته الجسيمة باسم المفاوضات وعملية السلام.
السلام يقوم على احترام الشرعية الدولية ومواثيقها وقراراتها وليس على فرض الشروط والاملاءات ومن يريد السلام فإن عليه إنهاء هذا الاحتلال البغيض لكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وفي مقدمتها القدس العربية وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني وحل قضية اللاجئين على أساس مقررات الشرعية الدولية وهو ما ترفضه اسرائيل جملة وتفصيلا.
ويبدو انه للمرة الأولى في التاريخ هناك من يصر على مكافأة الاحتلال غير المشروع على عدوانه ومكافأة المستوطنين على جرائمهم بحق شعب أعزل وهي مفارقة ساخرة لا تمت للسلام بصلة.
ان ما يجب ان يقال ايضا ان ما يجري يشكل اختبارا لمدى جدية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في تحقيق السلام في هذه المنطقة بإنهاء هذا الاحتلال وإنهاء المأساة الناجمة عنه من معاناة شعب بأكمله لا يزال ابناؤه يتعرضون للاعتقال والقتل وانتهاكات حقوق الانسان، والخطوة الأولى اللازمة لاثبات الجدية الاميركية ومصداقية الدور الاميركي تكمن في توفير المجتمع الدولي الحماية اللازمة للمدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال وإلزام اسرائيل بإنهاء احتلالها غير المشروع . أما المراوحة في مناقشة مطالب الاحتلال ومحاولات إملائه الشروط فهو نوع من تشجيع هذا الاحتلال وإكسابه مزيدا من الوقت على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
لماذا وُلدتَ يا عمر غريبان؟!
بقلم: المحامي جواد بولس – القدس
جاء في الأخبار أن المحكمة المركزية في القدس قرّرت تخفيض الحكم على عنصرين من شرطة إسرائيل، كانت محكمة إسرائيلية قد دانتهما بتهمة التسبب بمقتل الشاب الفلسطيني عمر محمد إبراهيم أبو غريبان، وأوقفت هذه المحكمة حكمها على واحد وعشرين شهرًا بالسجن الفعلي، وذلك بدل ثلاثين كانت محكمة سابقة قد حكمت بها عليهما.
أظن أن القرّاء قد نسوا تفاصيل هذه الحادثة المستفزة، ويقيني أنّها لم تستوقف، أصلًا، قطاعات واسعة من جمهور"الواعين" وقطاعات "المتابعين" لشؤوننا العامة، ربما لأن الضحية كانت من هناك، من وراء الضجر والضباب، أو ربّما لأن مثل هذه الحادثة المأساة أمست مشهدًا عاديًا لا يسترعي أكثر من رمشة عين أو نصف تنهيدة.
عمر أبو غريبان- 35عامًا- شاب فلسطيني "تسلّل" إلى إسرائيل في شهر أيّار عام 2008 وتورّط في حادثة سير بسيّارة كانت على ما يبدو مسروقةً، على إثرها أصيب بصورة بالغة ونقل، في حينه، للعلاج في مستشفى "شيبا" في تل أبيب. بعد أيّام معدودة، وقبل إتمام مسيرة علاجه، قرر أطبّاء من المستشفى أنه مؤهّل لمغادرة المستشفى، فاستدعوا شرطة مدينة "رحوفوت" من أجل تسلمه وإعادته إلى المعتقل.
وفقًا لكثير من الإفادات، التي أدلى بها من كان متورّطًا في مجريات هذه الحادثة، فلقد كان واضحًا أن علاج عمر المصاب لم يستكمل، وكان وضعه ما زال حرجًا، ولم يكن في كامل وعيه وعافيته، وعلى الرغم من ذلك وافقت الشرطة على تسلّمه وبعض "الانابيب والأكياس" ما زالت مربوطة بجسمه.
كان عمر يفقد الوعي بين حين وآخر ويغط في غيبوبة لاحظها بعض أفراد الشرطة العاملين في ذلك المركز. على حاله الصعبة أبقي عمر لمدّة قصيرة، بعدها أمر ضابط مسؤول باصطحابه وإرجاعه، على أنه فلسطيني مجهول الهوّية والإقامة، وتسليمه لأحد الحواجز العسكرية القريبة من منطقة رام الله.
حاول أفراد الشرطة تسليمه لثلاثة حواجزعسكريه قريبة من منطقة "بيتونيا" و"عطروت"، إلّا أن الجنود رفضوا تسلمه. صارت الساعة الثالثة صباحًا، فقرر رجال الشرطة أن يتركوه على قارعة الطريق مدّعين، فيما بعد، أنّهم توقعوا مرور سيارة فلسطينية مصادفةً، فتعيده إلى داخل المناطق المحتلة.
في صباح يوم 15/6/2008، وجد عمر أبو غريبان ميّتًا في نفس المكان الذي ألقاه فيه الشرطيان . وجد جثة ملفوفة بمنامة المستشفى، في جيبه مكتوب موقع من الأطباء يشهدون على كونه سليمًا معافًى ومؤهلًا للعودة إلى عهدة الشرطة والأسر. على صدره ما زالت المجسّات لاصقةً، تشهد أنه كان مربوطًا لأجهزة مراقبة طبية ومن خاصرته يتدلى كيس وفيه بقايا من عصارات تشهد على ما كان حياةً. كان حافيًا. نتائج تشريح الجثة بيّنت أن "الجفاف" كان المسبب للوفاة. وتبيّن، كذلك، أنه ترك في منطقة يحظر على الفلسطينيين دخولها وفقًا لأوامر عسكرية إسرائيلية.
كان لا بد لي أن أنكأ هذا الجرح والوقوف، معكم، عند فوّهة العبث. كأنّها قصة خطّها شيطان، بزّت تفاصيلها أبرع قصص الخيال
وروايات الرعب الأسود. تخيّلوا معي كيف أمضى هذا الفلسطيني أيامه العشرة الأخيرة. بين صحو وغيبوبة، في حالة عجز شبه تام، فلقد وجدته الشرطة، حسب بعض شهادات أفرادها حين جاؤوا الى المستشفى لإعادة اعتقاله، محفظًا كالأطفال، في المستشفى سجّل على أنه مجهول الهوّية، وكان مسلوب الإرادة والتعبير.
كم من"البشر" تناوبوا على تقرير مصيره في تلك الأيام العشرة؟
حفنة من أطباء وممرضين، طواقم شرطة، وضباط قيّمين على سلامة الجمهور وأمنه وغيرهم كثيرون.
تصوّروا تلك الساعات من تلك الليلة اللعينة؛ سيّارة شرطة تدلل على بضاعتها: فلسطيني، شبه عار، حاف وضعيف، تمامًا كما تشتهي العنجهية، يعرض على جنود، بالعادة يتلقفون أمثاله كما يتلقف الصبية في قرانا أكياس "حلاوة الصبي"، لكنّهم،هذه الليلة، يتمنّعون ويرفضون تسلّم البضاعة، فلكلّ شيطان مملكة وحيّز، وشيطان تلك الليلة كان يلبس الأزرق.
لا أوضح من تداعيات هذه المأساة، فلو توفّرت الإرادة عند من قام بعملية التحقيق مع من كانوا شركاء في اتّخاذ سلسلة القرارات التي أدّت في النهاية إلى موت عمر أبو غريبان، لقدّمت لوائح اتهام بحق جميعهم ولكانت التهمة، القتل، وليس كما نصّت بحق الشرطيين، الإهمال!
القضية لا تنحصر بالشرطيين اللذين ألقيا بعمر إلى موته، لأنّها تبدأ بقرار أولئك الأطباء الذين أوصوا بتسريحه وهو في وضعه الصحي الخطير، كما تشهد الوقائع والوثائق والنتائج. وتشمل أيضًا أولئك الضباط المسؤولين عن إعطاء أوامرهم بإعادته في تلك الليلة وعدم تأكّدهم لاحقًا ممّا جرى وكيف.
لقد اكتفت اسرائيل ،باسم الحق العام، باتّهام الشرطيين بالإهمال والتسبب بالموت، بينما تدلل كل الوقائع على توفر عناصر جريمة أخطر وهذا تواطؤ.
لقد اكتفت المحكمة بالحكم على الشرطيين بثلاثين شهرًا وكأن الميت حصان عابر سبيل وهذا ظلم وناقوس خطر.
ومن ثم " كحّلوها" عندما جاء قرار محكمة الاستئناف المركزية ليخفض الحكم لواحد وعشرين شهرًا،فيسدل، عمليًا، الستار على المشهد الأخير من مسرحية العبث المستمرة والتي تدعوها الأمم: عدل محاكم دولة عادلة.
أصعب المآسي تلك التي تكون تفاصيلها بسيطة واضحة وتنطق بالحقيقة، حين تقف أمامها الضحايا خرساء عاجزة.أكثر أصناف العبث إيلامًا هو ذلك الذي يشرعنه شياطين عابثون،صغار يعيشون معك حياةً "طبيعية" "عاديةً"، وهي للبعض تكون، "عمرًا" في كفن مؤجّل.
الحنين إلى الحرب الباردة
بقلم: د . رغيد الصلح – القدس
عندما أعلن الرئيس الأمريكي أوباما بأنه "علينا ألا ننظر إلى القضية الأوكرانية وكأنها جزء من لعبة الشطرنج على طاولة حرب باردة بيننا وبين روسيا"، استقبل متابعون للأحوال الدولية هذه الكلمات بالترحاب، ولكنهم لم يعلقوا عليها آمالاً كبيرة . والتردد في التعويل على ما قاله الرئيس الأمريكي لا يرجع، بالضرورة، إلى شك في صدقه، ولكن إلى الاعتقاد بأنه غير قادر أحياناً على ترجمة نظرته إلى العلاقات الخارجية للولايات المتحدة إلى واقع محسوس . وما جرى بعد أيام من هذا الإعلان أكد عكس ما قاله أوباما، أي أن أحداث أوكرانيا تدحرجت على طريق استعادة الحرب الباردة بين الشرق والغرب .
كانت الحرب الباردة، كما وصفها الكاتب الأمريكي الشهير والتر ليبمان "حالة لا حرب ولا سلم" ونحن، في القرن الواحد والعشرين، لم نعرف لا الحرب ولا السلام الشاملين، بل نتعايش مع أشكال متقطعة ومتعددة ومتفرقة من الحروب والمجابهات العسكرية والصراعات بين شتى الكيانات الدولية . تتخلل هذه الصراعات أوجه متنوعة من وجوه الحرب الباردة مثل الدبلوماسية العدائية، سباقات التسلح، محاولات اقتناص واصطياد الحلفاء، المناكفات العقائدية، الغزوات العسكرية إلخ . وفي المنطقة العربية شهدنا العديد من هذه الفصول الكئيبة إلى درجة أننا بتنا نشعر بالحنين إلى أيام الحرب الباردة، وهذا الحنين عائد إلى الاعتبارات التالية:
أولاً، ان الحرب الباردة كانت صراعاً بين طرفين دوليين متكافئين تقريباً . وكان هذا الصراع الثنائي مفتوحاً على احتمال تحول النظام الدولي الثنائي، مع صعود العالم الثالث، وصعود السوق الأوروبية المشتركة، إلى نظام تعددي . ذلك الواقع شكل مظلة مهمة لنيل أكثر دول العالم استقلالها وحريتها ولصعود قوى مستقلة، ولو حتى نسبياً، في عالم السياسة والاقتصاد والأمن الدولي .
ثانياً، لأن هذه الصراعات كانت تبقى تحت سقف مقبول دولياً . حيث إن القوتين الدوليتين كانتا تخشيان من أن تتحول الصراعات المحلية والاقليمية الى مجابهات او تهديدات نووية متبادلة، كما حصل في قضية الصواريخ في كوبا في الستينات . تجنبا للحرب الشاملة المدمرة فانها كانت تسعى الى ضبط الحروب الصغيرة والحد من الخسائر البشرية والمادية التي كانت تنجبها، والحفاظ على قدر ملحوظ من السلم العالمي .
نحن اليوم نعيش -خاصة في المنطقة العربية- كل خصائص الحرب الباردة السلبية من حروب وصراعات عقائدية - دينية وسباقات تسلح الخ . . .، ولكن من دون حسناتها . أي إننا لا نشعر بوجود جهد مركز متبادل من أجل الحفاظ على ذلك القدر من السلم على المستوى الدولي . يعزو البعض هذا التردي في العلاقات الدولية إلى تراجع النظام الدولي من الثنائية إلى الأحادية . هذه الأحادية لا تتمثل اليوم فيما يقوله أو يقوم به باراك أوباما، ولكن في انحياز النخبة الأمريكية الحاكمة، على الأخص في الحزب الجمهوري واليمين المتطرف الأمريكي، إلى مضمون الوثيقة المعروفة باسم "قانون بول ولفوويتز" والتي نشرت خلال ربيع 1992 . وكما هو معلوم فإن هذه الوثيقة التي أعدها الأخير بصفته مساعداً لوزير الدفاع الأمريكي وباشراف ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، لم تتضمن جديداً من مبادئ السياسة الأمريكية، ولكنها استنبطت من تاريخ هذه السياسة ومن تقاليدها ومن تراث الإمبرياليات الأوروبية، ما يسمح للولايات المتحدة بالقيام بدور القطب الأعظم بعد انهيار النظام الدولي الثنائي . وحيث إن الوثيقة أعدت بعد حرب العراق الأولى، فقد كان هذا الحدث ماثلاً في العديد من سطورها ودعواتها، إلا أنه لم ينحصر في المسألة العراقية وحدها بل اعتبر وثيقة مستقبلية وتصلح لمدى زمني غير محدد .
تضمنت الوثيقة، كما هو معروف، دعوة إلى منع أية قوة معادية، مثل روسيا تحت "حكم جماعة قومية متطرفة"، من الهيمنة على النظام الدولي أو على أية منطقة مهمة من وجهة نظر أمريكية . كذلك دعت الوثيقة إلى "اقناع" أي "منافس محتمل"، مثل الدول الصناعية المتقدمة - أو بتعبير آخر الاتحاد الأوروبي- بصرف النظر - حتى عن مجرد التفكير - والتطلع إلى لعب دور دولي أو إقليمي أكبر من دورهم الراهن .
أثارت هذه الوثيقة حين نشرها خلال ربيع عام 1992 ضجة كبرى في أوروبا ما دعا إلى تعديل العبارات الاستفزازية فيها التي طالت الاتحاد الأوروبي . إلا أن ما يجري اليوم في أوكرانيا، يدل على أن ما جاء في تلك الوثيقة هو السياسة الفعلية التي تنتهجها واشنطن تجاه كل ما يهدد الأحادية الأمريكية . هذه السياسة لا تعبر عما قاله أوباما حول أخطار تحول أوكرانيا إلى محطة انطلاق لحرب باردة جديدة . على العكس من ذلك، إذ ترجمت السياسة الأمريكية المطبقة في هذا المجال الموقف االعدائي والمهين الذي يتخذه مسؤولون أمريكيون، مثل فيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية والأوراسية، تجاه كل من يهدد الزعامة الأمريكية الأحادية في العالم .
تضمنت توجيهات نولاند إلى السفارة الأمريكية في كييف العمل على عرقلة المساعي الروسية أو الأوروبية للوصول إلى حل توافقي للأزمة الأوكرانية . انطوى هذا الموقف -استطراداً- على الحيلولة دون انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوراسي الذي دعا إليه بوتين، أي إلى عرقلة صعود روسيا، مرة أخرى، سلم النظام الدولي . أن هذا التوجه لا يسدد ضربة كبرى إلى حلم بوتين الاتحادي فحسب، ولكنه يفتح الباب أمام احتمالات لا تخدم الاتحاد الأوروبي . أهم هذه الاحتمالات هي مطالبة المنتصرين في كييف بضم أوكرانيا إلى صفوف الاتحاد . كيف يكون ذلك؟
لقد كان التوسيع السريع والمستمر للاتحاد واحداً من الأدوات التي استخدمت لاجهاض الاتحاد ولتحويله إلى كومنولث جديد يضم العشرات من الدول، ولكنه يفتقر الى الحيوية والتجانس الكافيين لكي يكون عنصراً فاعلاً في السياسة الدولية . في هذا السياق دأب ساسة اوروبيون مناهضون للاتحاد، مثل توني بلير، إلى المطالبة بتوسيعه إلى حساب تعميقه، بينما حرص الاتحاديون الأوروبيون الحقيقيون على إقامة توازن بين التوسيع والتعميق . من هذا المنطق لم يدع الاتحاد أوكرانيا إلى الانضمام إلى عضويته بل إلى دخول شراكة معه . أما السياسة التي تبناها بعض العاملين في حقل السياسة الخارجية الأمريكية فكانت الانضمام السريع لدول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد بغرض تحقيق هدف مزدوج: منع هذه الدول من الالتفات شرقاً صوب روسيا، من جهة، واضعاف تجانس الاتحاد ومن ثم فاعليته، من جهة أخرى . هذا الهدف المزدوج يحقق للمحافظين الجدد المنتشرين في الخارجية الأمريكية كل ما يطمحون إلى تحقيقه بحكم الحوافز العقائدية التي تحركهم . ولكن هذا الإنجاز سوف يبقى مهدداً بردود الفعل والتعقيدات التي قد تهب على الوضع الأوكراني الجديد من المناطق ذات الأغلبية الإثنية الروسية .
لماذا العودة إلى اسطوانة "الوطن البديل" المشروخة؟
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
يتجدد الحديث بين آونة وأخرى عن "الوطن البديل" علماً أن هذا مقترح اقترحه إسرائيليون يمينيون ويقوم على فكرة "الترانسفير" أي ترحيل الشعب الفلسطيني من وطنه وأرضه إلى الأردن باعتباره وطنا بديلاً للشعب الفلسطيني. وهذا المقترح يزعم أن أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر هي أرض إسرائيل التوراتية وأن العرب الفلسطينيين فيها هم أغراب وطارئون، وأن الواجب أن يتم ترحيلهم منها حيث أن وطنهم هو الأردن وأن إسرائيل يجب أن تكون دولة يهودية خالصة لليهود، وأصحاب هذا الزعم يدعون أيضا الى طرد وترحيل الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم وورثهم داخل الخط الأخضر.
ولأصحاب فكرة "الوطن البديل" في اسرائيل زعماء كبار من مدنيين وعسكريين يحتلون مناصب رفيعة ويقف على رأسهم اليوم نائب رئيس الكنيست موشيه فيجلن الذي اقتحم يوم الأربعاء قبل الماضي برفقة العشرات من المستوطنين ساحات المسجد الأقصى المبارك واعتلى قبة مسجد الصخرة المشرفة ودعا إلى طرد الفلسطينيين إلى العربية السعودية حيث هناك حسب زعمه مكانهم الأصلي، وأن القبة الذهبية لمسجد الصخرة المشرفة هي المعبد اليهودي وليست للمسلمين. كما أنه صاحب المقترح الذي بحثه الكنيست يوم الثلاثاء الماضي القاضي بنزع الوصاية الأردنية عن المسجد الأقصى المبارك وفرض السيادة الإسرائيلية عليه.
إن "الوطن البديل" إنما هو مجرد أوهام في رؤوس مطلقي هذه الفكرة العبثية، وكأن الشعب الفلسطيني حجارة شطرنج ينقلونها ويحركونها كما يشاؤون. علماً أن هذا الشعب العظيم جذوره ضاربة عميقاً عميقاً في أرض وطنه، فهو من أحفاد الكنعانيين العرب القدماء الذين هم أول من سكن فلسطين وذلك عام 2600 قبل الميلاد حيث أسسوا مئتي مدينة في فلسطين منها مثلا " نابلس وبيسان وعسقلان وعكا وحيفا وبئر السبع وبيت لحم".
كما أن الفنيقيين الذين سكنوا فلسطين هم فرع من القبائل العربية عاشوا في شمال فلسطين قريبا من سوريا حيث أسسوا حضارة كبيرة عرفت في التاريخ بالحضارة الفنيقية. وفي ذات السياق فإن اليبوسيين الذين أسسوا مدينة القدس واستوطنوا فلسطين هم عرب أيضاً قدموا من الجزيرة العربية وسكنوا في فلسطين واتخذوا من "أورسالم" التي أصبحت تعرف الآن بالقدس عاصمة لهم.
وقد دخل الإسلام فلسطين وسائر بلاد الشام خلال الفتوحات العربية الإسلامية حيث تسلم الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفاتيح القدس من بطريرك المدينة صفرونيوس ومنحه العهدة العمرية التي تعتبر وثيقة تاريخية إنسانية تؤكد سماحة الإسلام العظيم واحترامه للديانة المسيحية ومحافظة على أماكنهم المقدسة وتمنح أتباعها حرية أداء شعائرهم الدينية، وقد رفض الفاروق رضي الله عنه الصلاة في كنيسة القيامة حتى لا يطالب المسلمون بها من بعده ويحولوها إلى مسجد، وإنما صلى في مكان مجاور لها مازال قائماً حتى الآن يعرف بمسجد عمر ويقوم شاهدا على الأخوة الإسلامية المسيحية.
وإن كان مستنكراً ومرفوضا أن يطرح غلاة اليمين الإسرائيلي فكرة " الوطن البديل" ويدعون إلى "الترانسفير" وترحيل الفلسطينيين إلى المملكة الأردنية الهاشمية فإن الأمر الأكثر استنكاراً أو استهجاناً أن يتحدث بعض العرب عن هذه الفكرة ويزعمون أن هناك مباحثات سرية لإحلال السلام بين إسرائيل والدولة العبرية تعتمد أساساً على أن الأردن هو وطن الفلسطينيين أي هو "الوطن البديل".
وهذا الترويج مجدداً للوطن البديل وادعاءات البعض أنه خيار مطروح للبحث أثار غضب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني واستنكاره ما حمله يوم الأحد الماضي إلى الحديث بصراحته وشفافيته المعهودة منه في هذا الموضوع، وذلك خلال لقائه رئيس الوزراء الأردني ورئيس مجلس الأعيان ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس القضائي ورئيس المحكمة الدستورية وأعضاء المكتب الدائم في مجلس الأعيان والنواب، حيث تحدث جلالته عن المشهد الوطني الأردني وعن محاولات مجموعة معروفة لإيقاع الفتنة بين صفوف الشعب الأردني الواحد من خلال ما تروجه من إشاعات للتشويش على المسيرة الوطنية الأردنية وصرف الأنظار عن الأولويات الوطنية خاصة ما يتعلق بالإصلاح السياسي والإقتصادي.
وأكد العاهل الأردني في اللقاء مع كبار المسؤولين الأردنيين أنه عندما يبدأ جهد جدي لتحقيق السلام يكرر أولئك الساعون إلى الفتنة عن وهم "الوطن البديل" ويزعمون أن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيكون على حساب المملكة الأردنية الهاشمية، وشدد جلالته على أن الموقف الأردني واضح كل الوضوح من قضية السلام وأن "الوطن البديل" هو مجرد وهم، وأن الحديث عن " الوطن البديل" هو مجرد حديث مكرر ومعروف للجميع وبخاصة أنه يجري الحديث عنه منذ خمسة عشر عاماً، ودعا شعبه الأردني إلى التصدي لمن يروج لما يسمى بالوطن البديل.
وأعاد العاهل الأردني التأكيد على أن الأهم في جدول أعماله الشخصي واليومي هو خدمة المواطن الأردني، وأن الحديث عن الوطن البديل ليس سوى مجرد تشويش لا غير. وقال إن موقف الأردن قوي جداً ومطلع على كل التطورات الخاصة بالمباحثات الفلسطينية الإسرائيلية وما يخص مستقبل فلسطين، وجدد التأكيد على أن الأردن هو الأردن وأن فلسطين هي فلسطين ولا شيء غير ذلك لا في الماضي ولا اليوم ولا في المستقبل.
وقد ثارت فكرة "الوطن البديل" مجدداً على هامش النقاش الذي أثير حول خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لوضع إطار لتحقيق السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، حيث زعم بعض مروجي الفتن والإشاعات على أن الخطة تقضي بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ضمن خطة "الوطن البديل"، كما أن البعض من مثيري تلك الأراجيف استغل الجهود الدبلوماسية الحثيثة والمتواصلة التي يبذلها العاهل الأردني من أجل ضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني خاصة خلال جولته الأخيرة للولايات المتحدة حيث التقى الرئيس الأميركي باراك أوباما وبحث معه تطورات الوضع في منطقة الشرق الأوسط عامة وآخر الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وزعم أولئك أن تلك التسوية ستكون على حساب الأردن.
والذي لا بد من التأكيد عليه أن هناك تنسيقاً تاماً ودائماً بين الرئيس محمود عباس والعاهل الأردني وأن الرئيس عباس يطلع الملك الأردني باستمرار على آخر التطورات الخاصة بالقضية الفلسطينية، وأن مواقف الزعيمين متطابقة تماماً فيما يخص الحل العادل للقضية الفلسطينية، كما أنه من المستحيل أن تجري القيادة الفلسطينية محادثات سرية مع الجانب الإسرائيلي من وراء ظهر الأردن. والرئيس عباس شأنه شأن العاهل الأردني يؤكد دائماً أن "الوطن البديل" مجرد وهم في رؤوس أصحابه، وأن فلسطين هي فلسطين والأردن هو الأردن وأن الحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي إنما يتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الأراضي الفلسطينية ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967. وأن الشعبين الشقيقين الفلسطيني والأردني لكل منهما كيانه المستقل ودولته المستقلة. وأنه عندما تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة فإن الشعبين الشقيقين سيختاران بحرية وديمقراطية نوع العلاقة التي ستنشأ بين الدولتين المستقلتين.
إن أولئك العابثين والمروجين الذين هدد العاهل الأردني بكشف أسمائهم وشخصياتهم يزعمون أن القيادة الفلسطينية تجري مفاوضات سرية من خلف ظهر الأردن مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي ويتناسون أن الرئيس محمود عباس رفض رغم الضغوط الهائلة التي مورست عليه خلال محادثاته الأخيرة في باريس مع الوزير جون كيري الإعتراف بمطلب يهودية الدولة العبرية، وأصر على التمسك بالثوابت الفلسطينية المتمثلة في أن حدود الدولة الفلسطينية هي خطوط الرابع من حزيران عام 1967، كما أصر الرئيس على انسحاب إسرائيلي كامل من أراضي الدولة الفلسطينية.
وقد رحبت القيادة الفلسطينية بحديث العاهل الأردني حول رفض "الوطن البديل" حيث أكد الناطق باسمها نبيل أبو ردينة أن علاقاتنا مع الشقيقة الأردن مميزة وتاريخية وتتسم بالثقة الكاملة والتشاور المستمر والتنسيق في كل المواقف، وقال أبو ردينة نحن متفقون مع جلالة الملك عبد الله الثاني بأن الأردن هو الأردن وأن فلسطين هي فلسطين، ومتفقون على شروط ومرجعيات عملية السلام.
وهكذا فإن الحديث عن "الوطن البديل" وكما قال العاهل الأردني مجرد وهم وأنه يجب أن يغلق إلى الأبد لأنه اسطوانة قديمة مشروخة.
المد يتحول ضد إسرائيل ويسلمها إلى مزيد من النبذ والعزلة
بقلم: جوناثان كوك – القدس
الناصرة- نادراً ما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محاصراً سياسياً على هذا النحو. وتشير محنته إلى عجز اليمين الإسرائيلي عن الاستجابة للمشهد السياسي المتحول، سواء في المنطقة أو في العالم الأوسع. ويتلخص سياق متاعبه في التزامه في العام 2009 بدعم إقامة دولة فلسطينية، تحت ضغط من الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً، باراك أوباما. وكان ذلك تنازلاً لم يرغب أبداً في تقديمه، وواحداً ظل يندم عليه منذ ذلك التاريخ.
وقد استغل وزير الخارجي الأميركي، جون كيري، ذلك الالتزام بفرض إجراء محادثات السلام الحالية. والآن، أصبح نتنياهو يواجه احتمال "اتفاق إطار" وشيك، والذي ربما يتطلب منه تقديم المزيد من الالتزامات في اتجاه نتيجة يمقتها تماماً.
على الجهة الأخرى، لا يقدم رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أي مساعدة. فبدلاً من التشبث بمواقفه الخاصة، أصبح يعرض المزيد من التكيف بثبات. وقد أخبر صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً بأن إسرائيل يمكن أن تأخذ وقتها وتستفيد من خمس سنوات لإزالة جنودها ومستوطنيها من قطعة رئيسية من الأراضي الفلسطينية، وادي الأردن. كما أن الدولة الفلسطينية سوف تبقى منزوعة السلاح، في حين يمكن لقوات حلف الناتو أن تبقى "لوقت طويل، وفي أي مكان تشاء".
تشكل الجامعة العربية شوكة أخرى في خاصرة نتنياهو. فقد التزمت بدورها بتجديد عرضها الذي كانت قدمته في العام 2002، تحت اسم مبادرة السلام العربية، التي وعدت إسرائيل بإقامة علاقات سلمية مع العالم العربي مقابل موافقتها على قيام دولة فلسطينية.
في الأثناء، يقوم الاتحاد الأوروبي بتضييق الخناق على الاحتلال بهدوء وعلى مهل. ويجاهر الاتحاد بانتظام بإدانته لنوبات جنون البناء الاستيطاني الإسرائيلي، بما في ذلك الإعلان الأخير عن بناء 558 وحدة استيطانية في القدس الشرقية. وفي الخلفية يلوح في الأفق فرض المزيد من العقوبات على بضائع المستوطنات الإسرائيلية. ويمكن أن تقدم المؤسسات المالية الأوروبية مقياساً مفيداً للمزاج السائد وسط الدول الثماني والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ولعل من اللافت أن أعضاء هذه المؤسسة أصبحوا رواداً غير متوقعين لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، مع قيام جدول صغير وثابت من البنوك وصناديق التقاعد بسحب استثماراتها من إسرائيل في الأسابيع الأخيرة.
في معرض إشارته إلى أن حملات المقاطعة و"نزع الشرعية" بصدد التسارع والاتساع، حذر كيري من أن سياسة إسرائيل التقليدية أصبحت "غير قابلة للاستدامة" ولا يمكن تحملها. وتنسجم هذه الرسالة فعلاً مع ما يقوله العديد من قادة الأعمال الإسرائيليين، الذين ألقوا بثقلهم خلف الخطة الدبلوماسية الأميركية. ويعتقد هؤلاء أن إقامة دولة فلسطينية ستكون المفتاح لكسب إسرائيل مدخلاً إلى الأسواق الإقليمية المربحة وتحقيق النمو الاقتصادي المستمر. ولا بد أن يكون نتنياهو قد ارتبك من الأنباء التي أفادت بأنه كان من بين أولئك الذين قابلوا جون كيري للتعبير عن الدعم في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الشهر الماضي، كان شلومي فوغل، صديق رئيس الوزراء الحميم منذ وقت طويل.
ربما يفسر الضغط على هذه الجبهات المختلفة دعوة نتنياهو السريعة في نهاية الأسبوع قبل الماضي لكبار وزرائه من أجل وضع استراتيجية لمواجهة مد المقاطعة المتنامي. وضمت الاقتراحات في تلك الاجتماعات شن حملة إعلامية بكلفة 28 مليون دولار، واتخاذ خطوات قانونية ضد المؤسسات المقاطِعة، وتكثيف مراقبة جهاز الموساد الإسرائيلي للناشطين في الخارج.
على الساحة المحلية، يعاني نتنياهو -المعروف بتقديره العالي للبقاء السياسي ووضعه فوق كل الاهتمامات الأخرى، من رحلة صعبة أيضاً؛ حيث يجري تقويضه من على يمينه على يد خصومه ومنافسيه من داخل الائتلاف.
هذا الشهر، أثار زعيم المستوطنين، نفتالي بينيت، خصومة علنية مع نتنياهو، متهماً إياه بأنه خسر "بوصلته الأخلاقية" في المحادثات. وفي الوقت نفسه، غير أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية من حزب "إسرائيلي بيتنا" اليميني المتطرف، مساره بكشل درامي أيضاً؛ حيث أخذ يتملق جون كيري ووصفه بأنه "صديق حقيقي لإسرائيل". وقد جعلت حنكة ليبرمان غير المتوقعة في الحكم من اشتباكات ومماحكات نتنياهو مع الولايات المتحدة تبدو، حسب كلمات محلل محلي، "صبيانية وغير مسؤولة".
إن هذه الضغوط المتزايدة على نتنياهو هي التي ينبغي أن يفهم المرء في ضوئها سلوكه الذي يصبح خاطئاً باطراد -وكذلك تنامي الصدع مع الولايات المتحدة. ثمة مزيد من الانفصال الذي أوقع أضراراً أخرى في العلاقة مع أميركا والذي لم يهدأ منذ الشهر الماضي، في أعقاب الشتائم التي أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي ضد كيري. وفي الأيام الأخيرة، أطلق نتنياهو أوثق حلفائه في الائتلاف ليهاجموا كيري بعنف مرة أخرى، حيث وصف أحدهم تصريحات وزير الخارجية الأميركي بأنها "مسيئة وغير محتملة".
في الرد على ذلك، أرسلت مستشارة أوباما للأمن القومي، سوزان رايس، تغريدة على "تويتر"، عبرت فيها عن استيائها. وقالت إن هجمات الحكومة الإسرائيلية كانت "بلا أساس على الإطلاق وغير مقبولة". ثم تبددت لاحقاً أي شكوك بأنها كانت تتحدث باسم الرئيس، عندما امتدح أوباما "شغف كيري الاستثنائي ودبلوماسيته المبدئية".
لكن نتنياهو يبقى، رغم الإشارات الخارجية، أقل وحدة مما يبدو -وبعيداً كل البعد عن الاستعداد للتسوية. إن لديه الجزء الأكبر من الجمهور الإسرائيلي وراءه، بمساعدة من أباطرة الإعلام، مثل صديقه شيلدون أندلسون، والذين يساعدون في تعزيز الإحساس الوطني بالحصار ودور الضحية. لكن الأهم من ذلك كله هو أن لديه شريحة كبيرة من المؤسسة الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية إلى جانبه.
لقد تغلغل المستوطنون وحلفاؤهم الإيديولوجيون عميقاً في المراتب العليا في كل من الجيش و(الشاباك)، جهاز الاستخبارات الإسرائيلية السري. وكشفت صحيفة "هآرتس" هذا الشهر أخباراً مقلقة أفادت بأن ثلاثة من أربعة من رؤساء الشاباك الآن يتبعون هذه الإيديولوجية المتطرفة.
بالإضافة إلى ذلك، تستثمر عناصر قوية في داخل المؤسسة الأمنية مالياً وإيديولوجياً في دعم الاحتلال. وفي السنوات الأخيرة، حلقت ميزانية الدفاع لتسجل مستويات قياسية، بينما تستغل طبقة كاملة من كبار الجيش واقع الاحتلال لتبرير منح نفسها رواتباً ومعاشات تقاعدية مضخمة بشكل فاضح.
هناك أيضاً أرباح تجارية كبيرة تُجنى من الحالة الراهنة، بدءاً من صناعات التكنولوجيا الفائقة إلى الاستيلاء على الموارد. وقد أضيء ما هو على المحك مؤخراً بإعلان يقول إن الفلسطينيين سيضطرون إلى شراء اثنين من الموارد الطبيعية من إسرائيل بكلفة كبيرة -الماء والغاز- واللذين كان ينبغي أن تكون لديهم إمدادات كبيرة منها لولا الاحتلال.
مع وجود جماعات المصلحة هذه من خلفه، ربما يتمكن نتنياهو المتحدي من اتقاء شر الهجوم الدبلوماسي الأميركي عليه هذه المرة. لكن كيري ليس مخطئاً حين يحذر من أنه سيتبين على المدى الطويل أن أي انتصار للتعنت الإسرائيلي سيكون باهظ الكلفة على إسرائيل نفسها.
ربما لا تفضي المفاوضات الحالية إلى اتفاق، لكنها ستشكل مع ذلك نطقة تحول تاريخية. إن نزع الشرعية عن إسرائيل هو عملية جارية حقاً، والطرف الذي يلحق أبلغ الضرر بإسرائيل ليس سوى القيادة الإسرائيلية نفسها.
*حائز على جائزة مارثا جيلهورن الخاصة للصحافة. آخر كتبه "إسرائيل وصراع الحضارات: العراق، إيران وخطة إعادة تشكيل الشرق الأوسط". و"فلسطين المتلاشية: تجارب إسرائيل في البؤس الإنساني".
القدس كما نفهمها قلبا ووجدانا وعاصمة
بقلم: الدكتور عقل أبو قرع – القدس
تتناقل الانباء هذه الايام، اقتراحا بأن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية القادمة في القدس، وليست القدس،اي ليست القدس حسب التعريف او القانون الدولي، او ببساطة حسب تعريف حدود عام 1967.
ومدينة القدس ليست بالحاجة الى التعريف في وجدان او عقول ملايين الفلسطينيين، وعند ذكر القدس، فأن اول ما يتبادر الى ذهن اكبر او اصغر مواطن فلسطيني، هو السور القديم، وازقة البلدة القديمة، وباب العمود، وباب الواد، وشارع صلاح الدين، والاقصى وقبة الصخرة والقيامة، وباب الخليل، والصوانة وواد الجوز، والشيخ جراح والمصرارة، وغير ذلك من الاماكن التي ترتبط وجدانيا ودينيا وتاريخيا وثقافيا واقتصاديا وسياحيا بالقدس، وبالتالي فأن محاولات اعادة تعريف القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، بحيث تكون من اطرافها او على اطرافها، او من ضواحيها، سواء في ابو ديس او بيت حنينا او في غيرهما، لن تجدي نفعا في اعادة تعريف القدس، في عقول وثقافة وتطلعات الملايين من الفلسطينيين، ومئات الملايين من العرب ومن غير العرب، سواء اكانوا مسلمين او مسيحيين.
والقدس، ورغم التغيرات الهائلة التي حدثت فيها وعليها خلال السنوات او عشرات السنوات الماضية، تبقى راسخة في الاذهان من خلال صورتها القديمة، التي من الصعب التشويش عليها، سواء اكانت تتعلق بأماكن العبادة، او المحلات التجارية، او المراكز الثقافية، او الازقة، او الشوارع والمعالم، او حتى الضواحي، والذي يذهب الى القدس هذه الايام يلحظ التغيرات الهائلة من المصرارة الى الشيخ جراح او الى التلة الفرنسية، او ما حدث في منطقة باب الخليل بأتجاة بيت لحم، او من ناحية باب المغاربة وسلوان، او في داخل البلدة القديمة وبالتحديد في منطقة الحي اليهودي ومن حولة او من تحتة، ورغم التغيرات الهائلة والمقصودة من اجل تغيير القدس، ورغم الحملات الاعلامية والثقافية، ورغم الابعاد الاقتصادية لهذه التغيرات، تبقى القدس بصورتها القديمة، سواء في باب الواد، او واد الجوز، او المصرارة، او الاقصى ومحيطة من كل الجهات، تبقى ورغم سنوات الاغلاق والحواجز، تبقى هي القدس التي يذكرها كل فلسطيني حين يسمع بالقدس، وبالاخص هذه الايام عند الحديث عن القدس في السياسة وتشعباتها.
ولا عجب مما بدأ به الكنيست الاسرائيلي قبل ايام من نقاش حول ما بات يعرف بفرض الوصاية الاسرائيلية او اليهودية، او بأنتزاعها من الجانب الاردني على منطقة ما يعرف بـ "جبل البيت"، اي منطقة قبة الصخرة والمسجد الاقصى وما حولهما، لان الهدف هو طمس معالم القدس، التي ترسخت بالصورة الاصلية، ومحو التاريخ وروابطه، من عقول ومشاعر الناس الذين اعتادوا على ذلك، ورغم ان كل ذلك من المحاولات، ورغم كل ما تم على الارض من تغيير لمعالم ولمناطق، ورغم كل القوانين التي مرت او تم تطبيقها في الماضي، ورغم كل الحملات الاعلامية في الداخل والخارج، من اجل ترسيخ او تثبيت القدس، ومن ضمنها القدس العربية كعاصمة لاسرائيل، الا ان ذلك لم ينجح، في العالم، والاهم لم ينجح في فك او حتى في اضعاف روابط الفلسطينيين وغيرهم بالقدس، كما عرفوها ويعرفونها، وان لم يعرفوها عن كثب او من خلال الوصول اليها، فكما تم نسجها في وجدانهم من الاباء والاجداد والاصدقاء، وبالاخص منطقة الاقصى والصخرة وما حولهما، وللتأكد من ذلك، ورغم كل المنع والقيود والحواجز، وتحديد الاعمار والاجناس، يمكن لاي مراقب خارجي او داخلي، ملاحظة تدفق الالاف او عشرات الالاف من الناس، في ايام الجمع من رمضان، ومن كل الاتجاهات المحيطة بالقدس، ويمكن كذلك تصور الوضع فيما لم يكن هناك منع او قيود، سواء في ايام الجمع او الايام الاخرى من العام، ودعنا نتصور ان هذا المنع او التقييد لا يشمل كذلك ابناء قطاع غزة، ليكون هذا الوضع هو الاجابة الحقيقية والعملية على محاولات فرض الوصاية على الاقصى، وليس الاجابة من خلال التهديدات او التحذيرات الرسمية العربية من هنا او من هناك؟
والقدس المعروفة، اي التي لا تحتاج الى تعريف، ليست فقط بالبعد الديني، الاسلامي والمسيحي، بل هي من خلال البعد الثقافي، الحضاري، والتاريخي، والجغرافي للتواصل بين الشمال والجنوب، او حتى بين الضفة وغزة، وهي التي تعني التاريخ الذي درسناة ولسنوات طويلة في المدارس وغيرها، وهي التي احتوت وتحوي مؤسسات ثقافية وتعليمية عريقة، وهي التي لا يمكن ان لا يتوة عنها، ورغم المسميات الختلفة، اي شخص في هذا العالم.
والقدس، سواء اكانت داخل السور او في اطرافة من الخارج، هي ذات البعد الاقتصادي، الذي تواصل مع باقي الضفة، من الشمال او رام اللة، او من الجنوب وبيت لحم والخليل، ورغم الاغلاقات او المنع، ورغم النشاطات الاقتصادية الزاخرة او المتنوعة، وفي الاخص في ما يعرف ب العاصمة المؤقتة الحالية، اي رام اللة، الا ان ازالة الحواجز والقيود، سوف يعيد الناس الى القدس ويعيد القدس الى الناس، وبسرعة، وسوف يعيد اليها الالاف من الناس للتسوق، وللطعام، والدراسة، والاهم لتعميق الترابط الاقتصادي مع الاطراف في الشمال والجنوب.
والقدس بالمفهوم المتعارف عليه تعني السياحة، اي تدفق العملات الصعبة نتيجة تدفق السياح، الى ميزانية الدولة الفلسطينية القادمة والتي سوف تكون في الحاجة الماسة الى هذه العملات، وكيف يمكن ان يتدفق السياح الى عاصمة الدولة الفلسطينية، بدون ان تكون البلدة القديمة مثلا جزء من هذه العاصمة او الدولة، وبدون ان تكون القيامة او قبة الصخرة مثلا، تحت سيطرتها، او تكون الفنادق في الطور او الشيخ جراح او باب العمود او في واد الجوز خروج حدودها؟ وكيف يمكن ان تنجح السياحة، اذا لم يتدفق الملايين من العرب من المسيحيين والمسلمين، ومن المسلمين من غير العرب، وبحرية وبرغبة، وبدون قيود او تصاريح او اذونات، ومن خلال المعابر الفلسطينية الى القدس، وكيف يمكن ان تنجح الدولة الفلسطينية القادمة في مقاومة البطالة والفقر وتداعياتهما الاجتماعية، اذا لم تسيطر على السياحة، من خلال السيادة على القدس كما تم تعريفها دوليا، اي بحدود عام 1967؟
ومعروف ان هناك محاولات او ضغوطات، لاعادة تعريف القدس جغرافيا او مكانيا او سياسيا، ومعروف ان هناك مناورات في السياسة وما يتبعها من ضغوط، لبث مصطلح عاصمة دولة في القدس، وليس العاصمة القدس، اي القدس حسب القانون الدولي، وحسب التعريف التاريخي، وربما ينتج عن كل ذلك حل ما بالنسبة للقدس، ولكن القدس الحالية، للدولة الفلسطينية القادمة، ليست فقط الرابط الديني، بل الثقافي والحضاري، والاقتصادي، والسياحة، والبعد الجغرافي والتواصل بين الناس وروابطهم الاجتماعية، وبالتالي كيف يمكن تصور دولة فلسطينية بدون القدس الحالية كعاصمة لها؟
موسكو وأوروبا و"ربيع كييف"؟
بقلم: حسن البطل - الايام
خلاف بقية نسور (صقور وعقبان) هي بعض شعارات الدول، فإن النسر الامبراطوري الروسي ذو رأسين يلتفتان لجهتين: في دلالة على أن روسيا الاتحادية، ولاحقاً الاتحاد السوفياتي، هو آسيوي وأوروبي.
أعرف أنهم غيروا علم المطرقة، والمنجل السوفياتي، ولا أعرف هل غيروا شعار الدولة، والاتحاد، او الامبراطورية. ما لم يتغيّر في روسيا الامبراطور - بطرس الأكبر، او الامبراطورة الاسطورية إيكاترينا، وامبراطورية لينين وستالين، هو موقع اوكرانيا في سياسة روسيا الاتحادية، والاتحاد السوفياتي، ثم الاتحاد الروسي و"أسرة الدول المستقلة".
أوكرانيا ذات شاطئ على البحر الأسود، أي هي موطئ قدم الحلم الامبراطوري الروسي ثم السوفياتي، ثم الروسي للوصول الى "المياه الدافئة" للبحر المتوسط، عبر مضيق الدردنيل والبوسفور التركي. ستقوم القيامة لو أغلقت أنقرة "خيشوم" موسكو البحري!
هذه هي سيباستبول قاعدة الاسطول الروسي، ثم السوفياتي، ثم الروسي، أو "خيشوم" الامبراطورية الروسية والسوفياتية، التي صارت، من الحقبة السوفياتية "اهراءات قمح" امبراطورية دولة العمال والفلاحين، وايضاً بعد أن انهارت المنظومة الاشتراكية، ثم الامبراطورية السوفياتية، صارت ممر شرايين الغاز الروسي التي تمدّ اوروبا بالطاقة غير الملوثة للجو.
اذا تسامحت موسكو مع النزعات الاستقلالية في جورجيا (موطن رأس ستالين)، وايضاً آخر وزير خارجية للاتحاد السوفياتي شيفارنادزة) فإنها لم تتسامح مع النزعات الاستقلالية القديمة للشيشان، التي هي في "الاتحاد الروسي" وقمعتها بقسوة وبصبر ايضاً.
واستبدلت موسكو "درع" الاتحاد السوفياتي، ببذلة "أسرة الدول المستقلة"، وأما دول شرق اوروبا فقد اجتازت طريقاً طويلاً منذ انتفاضة بودابست وانتفاضة براغ، واخيراً تمرد وارسو الناجح بقيادة ليخ فاونسا .. الى الانضمام لامبراطورية اخرى، هي الاتحاد الاوروبي، تحقيقاً لحلم ديغول "من الاطلسي الى (جبال) الاورال".
كان فلاديمير بوتين شاهداً على انهيار المنظومة الاشتراكية، بدءاً من انهيار جدار برلين، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي بعد سياسة البيروستريكا، وهو يرى في الانهيارين "نكبة" جيو-بوليتكية" عظمى، منذ خرجت دول بحر البلطيق من النفوذ السوفياتي (لاتفيا، استونيا، لتوانيا).
صحيح، ان ألمانيا عادت موحدة وقائدة لأوروبا بقوة "المارك" و"المرسيدس" بدل قوة دبابات "البانزر" النازية، لكن تشيكوسلوفاكيا انقسمت الى تشيخيا وسلوفاكيا، ثم انضمتا معاً للاتحاد الاوروبي. هذا انقسام قومي.
أوكرانيا تتطلع للانضمام للاتحاد الاوروبي، منذ ولاية "الاميرة البرتقالية" يوليا تيمو شينكو، ذات الشعر الذهبي المعقود بشكل تاج ملوكي، لكن نصف الشعب وأكثرية الجيش الأوكراني (اكبر جيش في الاتحاد الأوروبي) يتطلعان نحو الشرق والشمال، أي نحو موسكو، التي صارت قادرة على الدخول في منافسة الإغواء الاقتصادي مقابل الإغواء الاقتصادي الأوروبي.
يمكن لموسكو أن تستعيض عن أنابيب الغاز المارة بأوكرانيا، لكن لا يمكن لها أن تسلّم بخسارة قاعدة سيبتاستبول البحرية، فهي امتيازها ومنفذها للمياه الدافئة منذ الامبراطورية الروسية، قبل الامبراطورية السوفياتية .. واهميتها لروسيا اكثر من أهمية قواعد أميركا في اليابان وكوبا.
أوكرانيا المقسومة بين موسكو عاصمة الاتحاد الروسي وبروكسل (عاصمة الاتحاد الاوروبي) قد تنقسم اما بحرب اهلية، وإما بطلاق ديمغرافي كما حصل في تشيكوسلوفاكيا، وإما بالوسيلتين معاً، كما حصل للاتحاد اليوغسلافي، الذي بناه تيتو .. وهذا لم يكن صربياً بل كراوتياً للمفارقة.
يتحدثون عن "حرب بالوكالة" بين موسكو وواشنطن (وبروكسل) في سورية، علماً أن سببها هو منافسة مشروع أنابيب الغاز القطري لأوروبا، عبر سورية، للغاز الروسي عبر أوكرانيا.
لكن، فيما يتعلق بأوكرانيا، فإنهم يتحدثون عن صراع مباشر، او تجدد "الحرب الباردة" بسبب أوكرانيا بين روسيا والغرب (أميركا وأوروبا).
يشبّهون روسيا بالدبّ، والدب الروسي أصيب بجراح ثخينة بعد سقوط جدار برلين، لكنه صار ضارياً في عهد بوتين، وخاصة أن أميركا تلقت دروساً قاسية في أفغانستان والعراق، ولا يستطيع الاتحاد الأوروبي ان ينافس روسيا اقتصادياً مع متاعبه الاقتصادية في دولة، عدا ألمانيا وفرنسا.
.. ولا تريد موسكو أن "تسحق" ربيع كييف، وأيضاً خسارة قاعدة سيباستبول، وأميركا لا تفكر بمواجهة عنيفة مع موسكو.
الأغلب أن تنقسم أوكرانيا بين موسكو وبروكسل.
اليوم الأول بعد فشل المفاوضات!
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
لا بشرى بالمطلق، ولا دخان أبيض متصاعداً ينتظره كثير من المراقبين لمفاوضات تدور حول النقطة نفسها، دون أن يحدث فيها أي تقدم.
اللقاء الأخير في باريس أكد الموقف الثابت للرئيس الفلسطيني وللمفاوض الفلسطيني، لأن الثوابت الفلسطينية هي القاعدة وليست الاستثناء، فلا يستطيع الرئيس أو أي فلسطيني مهما كانت صفته الاعتبارية الابتعاد عن هذه الثوابت.
وعلى الرغم من الضغوط الهائلة التي أشار إليها الرئيس كثيراً، والتي تأخذ أشكالاً مختلفة ولم تتوقف في أي لحظة خلال الأشهر الماضية، فإنه يجب أن نرفع القبّعة احتراماً لدائرة المفاوضين الفلسطينيين؛ لقدرتها الخلاّقة في هذا المجال، وإن حاول البعض جهلاً أو غباءً أو من باب عدم المعرفة أو التصيُّد قلب الحقائق.
فلسطينياً يتم قلب الحقائق بطرق مختلفة، فحركة حماس التي ترفض مجرد كلمة مفاوضات، تبعث في المقابل الرسائل وتقدم تنازلات ستودي بالقضية الفلسطينية.. دون أن نسمع من أصحاب الأفواه الكبيرة ردوداً على تهافتها.. ولعلّ تصريح أحد مسؤوليها، يوم أمس، لوكالة الأنباء الفرنسية، والذي برر فيه منع حركته المشاركين في المسيرات من الوصول إلى مناطق السياج شرق غزة، لأكبر دليل على هذا التهافت، فقد قال: "إن انتشار عناصر القسام المكثف ومنع المتظاهرين هو للحفاظ على أرواحهم".. متناسياً أن سعي السلطة للحفاظ على أرواح المواطنين كان يعتبر خيانة وتعاوناً مع "أزلام دايتون".
في الإطار نفسه، وضمن احتفالات "الرفاق" في الجبهة الديمقراطية بذكرى انطلاقتها، دعا أحد قادتهم خلال احتفالين في رفح وشمال غزة "إلى استنهاض الحالة الفلسطينية في وجه الاحتلال والتفرّد الأميركي وتنازلات المفاوض الفلسطيني"! فعن أي تنازلات أيها "الرفيق" تتحدث؟.. إذا لم تكن تعلم عنها شيئاً فقلها ولا تخف، فأنتم شركاء في منظمة التحرير التي ترعى المفاوضات.. وأنتم على اطلاع كامل على فحواها.. فكفى استخفافاً بعقول الناس.
إذن لا تقدم في هذه المفاوضات، والأمل أصبح أكثر من ضعيف في أن تحرز نتائج إيجابية.. وستنتهي الفترة المقررة لها.. وستحاول قوى كثيرة تحميل الفلسطينيين المسؤولية أو جزءاً منها.. وسنتعرض لمزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية وربما ستصل الأمور إلى أساسات السلطة من أجل إضعافها، لعلّ ذلك يساعد في تحقيق بعض ما يأمل به الطرف الآخر.
اليوم الأول بعد فشل المفاوضات يعني فلسطينياً التوجه إلى مواجهة من نوع آخر، هي أصعب مما يتوقع البعض.. وهي المواجهة الدبلوماسية، والمواجهة الأممية من خلال حراك فلسطيني متصاعد للوصول إلى المؤسسات الدولية وهي بالعشرات.. وهذا يعني معركة سياسية صعبة وخطيرة، فماذا أعددنا لهذه المعركة؟
إن أول ما يجب التخلّي عنه هو سلاح المزايدة الذي تستخدمه قوى لا نريد التشكيك في قوة تمثيلها الحقيقي على الأرض سواء أكانت يسارية أم يمينية أم غير ذلك.. ولكن يجب عليها أن تعي أن مواقفها السابقة وتحليلاتها السياسية الخاطئة وكيل الاتهامات جزافاً لا تعني إلاّ مزيداً من إضعاف السلطة الوطنية ومواقفها الثابتة التي لا تتنازل أو تتراجع عن الخطوط الحمر.
ولا بد أيضاً من الابتعاد عن إطلاق المصطلحات المنفلتة من خلال خطابات توحي بأننا قوة عظمى قادرة على فعل المعجزات.. فعلى العكس قوتنا تكمن في الأساس في عدم المبالغة، وفي صمودنا بقوة الحق التي نتمتع بها، ووحدة التراب الذي لا نقبل بديلاً عنه.. المعركة المقبلة تحتاج إلى الصمود بمعناه الحقيقي.. صمود في وجه ضغوط مالية واقتصادية. في وجه ضغوط احتلالية.. في وجه استفزازات داخلية وإقليمية ودولية.
اليوم الأول بعد فشل المفاوضات يعني أن إطلاق الشعارات الكبيرة غير الواقعية التي قد ترضي غرور البعض وتشبعهم إعلامياً يجب ألا يكون لها محل من الإعراب، وأن الإجماع على الثوابت بمفهومها البسيط هو الأساس... وهذا ينسحب على الانقسام، فهل يقبل الانقساميون الانخراط الحقيقي في المسار المقبل؟
اليوم الأول يحتاج منذ اليوم لصياغة وطنية جامعة وحقيقية لمفردات قوتنا غير المبالغ فيها، وإلى استقطاب عربي دولي مؤيد لنا في سبيل النجاح في مسيرة ستكون بين غابات كثيفة من الألغام المتعددة والضغوط الجماعية.. من الأقارب قبل الغرباء!.
التحول التاريخي في دور "الأونروا" كسلطة ظل موازية للسلطة الفلسطينية القائمة
بقلم: حسين حجازي – الايام
ارتبطت الوكالة دوما في ذاكرتي بالمدرسة، مدرسة ذكور الشاطئ الابتدائية "أ" وعلى وجه الخصوص الصف الأول. المدرسة ذات السقوف القرميدية التي بنيت علي شكل حرف الـ "U" اللاتيني، يتوسطها فناء واسع زرعت على أطرافه أنواع من الورود المختلفة، تحيط بها رصوص من الأحجار الصغيرة تضفي عليها شكلا جماليا بديعا. هنا نصطف في طابور الصباح دونما جلبه او ضوضاء، وبعد تفتيش روتيني على أظافر يدينا وشعر رؤوسنا، نذهب اثنين اثنين كل طابور الي صفه . وبعد ساعتين على الأرجح تأتي سيارة الحليب لنأخذ صفا صفا في مكان اعد خصيصا لهذا الغرض، وجبة الحليب الساخنة وحبة زيت السمك. وفي نهاية اليوم الدراسي عند الظهر يذهب البعض منا الأشد فقرا فخورين، لا الي البيت وإنما الى المطعم على شاطئ البحر مزودين ببطاقة خاصة لتناول وجبة دسمة وشهية. كان بعضنا المحروم من هذا الامتياز يحسد البعض الآخر الأكثر فقرا على حظهم السعيد هذا.
كانت الخدمات التعليمية والصحية ولا زالت حتى اليوم هي التي تستأثر بالنصيب الأكبر من بين جميع الخدمات، التي تقدمها الوكالة على مدى مناطق عملياتها الخمس. لقد اسهموا في تحويل أبناء آباء الجيل الأول من اللاجئين من مجرد كونهم مشردين الى جيل من المتعلمين، وكدائرة تغذي نفسها بنفسها وتشبه الى حد ما رمزية شعارها، الذي يمثل دوائر متوازية في احتواء الفراغ او الفضاء، كأن حدودها العالم. فقد سعوا الي توظيف هؤلاء الأبناء فيما بعد في سلك التعليم كمدرسين، بينما كانوا يوظفون عددا من آبائهم في خدمات اخرى كالشؤون الإدارية والصيانة والنظافة، الي جانب صرف الإعاشة في مراكز التموين لإعالة الأُسر الباقية. بعد ان كان الاهتمام الأكبر في بداية اللجوء للإغاثة الطارئة او العاجلة، اي بتوزيع الخيم وبعد ذلك إقامة المساكن فيما يعرف اليوم بالمخيمات.
ولم ينسوا في غضون كل ذلك ان يوثقوا لهذه اللحظة من تاريخ اللاجئين الفلسطينيين، حيث كان الفلسطينيون لا زالوا تحت تأثير الصدمة وظهرهم الي الحائط، ان يوثقوا بالصور التي تساوي عشرة آلاف كلمه كما يقول المثل الصيني، لجميع مناحي حياة هؤلاء اللاجئين في أرشيف الوكالة، الذي قام المفوض العام الحالي لها بنشره على الإنترنت كهديه للفلسطينيين، حوالي نصف مليون صورة مدمجة بالنظام الرقمي، لتوثيق جزء من تاريخهم. الصورة هنا التي تعادل التأكيد على الهوية في تجسيدها الصلة بين الإنسان والمكان.
وبهذا المعني فقد نجحت الوكالة في الحفاظ على قضية اللاجئين في بعدها الإنساني، وهو الهدف الذي قامت من اجل تحقيقه ومنصوص عليه في شعارها او رسالتها، "إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين". وهنا قدمت السكن والتعليم الأساسي والإعدادي وكوبونات الإعاشة والرعاية الصحية. لكن هل كان يدخل في نطاق أهدافها او استراتيجية الأمم المتحدة على حد سواء، العمل على حل هذه القضية من جميع جوانبها وهي صلب القضية الفلسطينية بإعادة هؤلاء اللاجئين الي ديارهم الأصلية ؟ والجواب كلا. وإذن ما هو الجانب او البعد المعياري من القضية؟ اذا كان البعد الإنساني هو الأكثر وضوحا. ولماذا يعتقد بعض الفلسطينيين على نحو ماكر من الشك ان ثمة في أساس كل هذه القصة او الهدف من إنشاء الوكالة، انما ثمة صله سياسية بعيدة المدى تهدف الى نوع من تخدير الفلسطينيين، فإذا كنتم بالأصل مجرد جموع من الفقراء المعدمين في قراكم الفلسطينية الأصلية قبل الهجرة، فهاكم ما تظهرون عليه من حداثة حينما يطل الأولاد من جيل النكبة في الصورة يرتدون الزي المدرسي، وهم يلوحون بابتساماتهم الضاحكة أمام عدسة الكاميرا.
وربما يذهب البعض الآخر من أنصار نظرية المؤامرة الى استنباط قاسم مشترك بين إنشاء الوكالة بقرار أممي، وإنشاء السلطة الفلسطينية غداة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، باتفاق إسرائيلي فلسطيني ومباركة دولية، بدلالة الدور هنا والهدف والوظيفة مع فارق في الحالة الثانية، وهو ان هدف الاحتواء والتسكين او إدامة الوهم والتخدير، لا يقتصر او يستهدف لاجئي 1948 في الضفة وغزة وإنما مجموع الفلسطينيين، اذا كانت الكلمة السحرية في كلا الحالتين هي "الراتب" في عهد السلطة الذي يعادل او يوازي بطاقة التموين والإعاشة. وفي حقيقة ان الجوهر الوظيفي الاستثماري المشترك هو الدور الاقتصادي الإغاثي في بداية عمل الوكالة، قبل ان يتكامل الدوران في إطار مشترك قوامه التنمية الاقتصادية، وباعتبار ان المقاربة الوحيدة التي تراها إسرائيل كحل نهائي للقضية الفلسطينية، كما قضية اللاجئين هي مقاربة اقتصادية بالأساس او هكذا على الأقل، تحاول ان تكيف جميع الحلول السياسية ضمن هذا الإطار.
وقد يكون في هذا التصور جزء من الحقيقة لكن الحقيقة ان عرفات حينما التقيت به لأول مرة خريف العام 1994، بعد شهور قليلة من انشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، أسر لي ساخراً في مقره القديم بالمنتدى، "ان الإسرائيليين يتصورون بأنني سأكون هنا مجرد رئيس بلدية". واليوم حين يسرد أمامي السيد عدنان أبو حسنة مفوض الإعلام في الوكالة بعض المعطيات والأرقام والحقائق، فليس ثمة شكاً بأنه ما كان للفلسطينيين الخارجين من صدمة النكبة العام 1948، ان يستوعبوا ما حدث لهم ويقفوا على أقدامهم من جديد، من دون هذا الدور الذي قامت به الوكالة . حيث كان العالم العربي آنذاك يغط في سباته، وكذا هي الحقيقة الأخرى اليوم انه ما كان للفلسطينيين ان ينتزعوا اعتراف العالم بشرعية هدفهم الاستراتيجي المتمثل بإقامة دولتهم، دون المرور بهذه الحلقة الوسيطة التي هي السلطة. وان القاسم المشترك هنا في الدور المزدوج والمتكامل بين الوكالة والسلطة بين عرفات وبيتر هانسن ( مفوض الوكالة حينذاك)، انما هو التدعيم المتبادل في تعزيز صمود الفلسطينيين والحفاظ على هذا الصمود، والذي يعد العنصر والعامل الاول في نظرية الأمن القومي الفلسطيني، أي قدرة الفلسطينيين وتمكنهم من الصمود والاحتمال .
وهكذا بعض الأرقام يمكنها التحدث عن الموضوع، ان سكان غزة من اللاجئين لا يمثلون سوى 20% من مجموع اللاجئين المسجلين في مناطق عمل عمليات الوكالة الخمس، ولكنهم بالنظر الى خصوصيتهم الاجتماعية والاقتصادية يحصلون على ما نسبته 40% من ميزانية الوكالة، البالغة نحو 650 مليون دولار، يضاف اليها نحو نصف هذا المبلغ أي 300 مليون دولار ميزانية طارئة. واذا عرفنا انه في غضون العام الماضي فقط تمكنت الوكالة من إنشاء نحو 30 مدرسة جديدة في غزة، وان الوكالة قامت بعيد الحرب الأولى على غزة العام 2008 و2009 بإصلاح وترميم ما مجموعه 55 الف منزل، وفي الحرب الأخيرة العام 2012 نحو ثمانية آلاف وخمسمائة بيت. وحتى في المنخفض الجوي الأخير الذي ضرب غزة قدمت إغاثة طارئة ومساعدات لحوالي 12 ألف أسرة. فإننا نتحدث عن ثقل دور حاسم ومؤثر، اقله في مساعدة الفلسطينيين ولا سيما الغزيين منهم في القدرة على مواصلة الصمود والبقاء، في ظل ما يعانونه من الحصار. وهو دور وازن حتى فيما يشتمل عليه من التمدد في العمران لتخفيف معاناة السكن، كما يشهد على ذلك اقامة الوحدات السكنية في خان يوس ورفح ضمن منح المشاريع التي قدمتها السعودية والإمارات وهولندا.
هل هو النزاع او الخلاف على الصورة ما يفك غموض هذا اللغز التباس الدور؟ وهو خلاف إعلامي في مظهره على السطح ولكنه سياسي في العمق، بين الصورة التي يظهرون عليها وهم في موسم الفرح على شاطئ البحر في المعسكرات الصيفية لما يقرب من 250 ألف طفل، كما لو ان ذلك يتم بصورة مقصودة وماكرة لاجتذاب الخزان البشري من الأطفال الفلسطينيين الغزيين بعيدا عن دروس تحفيظ القرآن في مساجد "حماس"، التي هي معسكرات إعداد وتدريب فتية جنود وقادة كتائب القسام اللاحقين. ام ان النقلة التاريخية التي أحدثها عرفات مع بطرس غالي (امين عام الأمم المتحدة حينذاك) وبيتر هانسن العام 1996، بنقل المقر الرئيسي للوكالة الى غزة واستقرار هذا التموضع، أنشأ واقعاً جديداً في علاقة ونظرة الغزيين للوكالة على قياس نظرتهم الى السلطة الفلسطينية، يشكون وينظمون الاحتجاجات أمام أبوابها، باعتبارها أيضاً السلطة الموازية خاصتهم المطلوب منها دوما الإيفاء بتوقعاتهم، اذا ما تقاعست عن تقديم المساعدات لهم. الاحتجاجات التي تبلغ ذروتها المتواترة في كل مرة مع تواتر درجة أحكام الحصار الخارجي عليهم كما هو الحال اليوم، بحيث يتوزع غضبهم على السلطتين معاً. وحيث يجدون انفسهم في هذا الوضع المسدود وكأنه لا مغيث لهم.
على حصان الوطنية المصرية يترشح
بقلم: صادق الشافعي – الايام
يدور في أرض مصر المحروسة، وخارجها أيضاً، جدل واسع وعميق وساخن في بعض الحالات، حول صوابية ترشح المشير السيسي لرئاسة الجمهورية.
ورغم أنه لم يعلن ترشحه حتى الآن فإن الجدل الدائر يتعامل مع الأمر وكأنه محسوم وتحصيل حاصل.
ميزان الجدل يميل بقوة لصالح الفريق المؤيد لصوابية الترشح، بل ضرورته، حتى اطلق البعض على السيسي "الرئيس الضرورة ". لكن الفريق المعارض لتلك الصوابية لا يفتقد إلى المنطق إذا استثنينا حركة الإخوان وأنصارهم وأزلامهم الذين لا منطق لهم إلا استعادة سلطة نزعتها منهم إرادة جماهيرية عارمة.
منطق الفريق المعارض يقوم أساساً على رفض الحكم العسكري بما يعنيه من عسكرة الدولة وعسكرة المجتمع، والشك الذي يقترب من اليقين لدى البعض ان ترشيح المشير السيسي وانتخابه يتعارض مع الديمقراطية، بل هو نفي لها.
وهم يحاكمون هذا الأمر بمنطق وقواعد ومفردات دول الغرب وشعوبها في فهمهم للديمقراطية وتعبيراتها وفي التعاطي معها. مع ان الديموقراطية في هذه الدول وشعوبها لم تتكرس وتعم وتستقر، الا بعد ان تم تكريس اسس وركائز الدولة الوطنية فيها، وتمتين سياج سيادتها الوطنية لها.
والفريق المعارض لترشح السيسي يتخوف، وبحق، ان تصل حملة المناداة برئاسة السيسي وبالحماس الفائض الذي يرافقها، والمنفلت من العقلانية في بعض ما تطرحه بعض وسائل الإعلام الى إضفاء نوع من العصمة عليه وعلى حكمه بما يقود الى تحريم النقد له او الاعتراض على سياسات ينتهجها ومواقف يتخذها، او إجراءات يقوم او ينوي القيام بها.
ويتخوف هذا الفريق أيضا، من أن تركب قوى نظام مبارك المنصرف المسماة بالفلول موجة التأييد الطاغية لترشيح المشير السيسي ليستعيدوا موقعهم ودورهم في النظام الجديد او جزءا منه على الأقل. وهو تخوف مبالغ فيه ويشغل حيزا اكبر بكثير من حجم وقوة هذه القوى، ويغذيه أهل الهوى والمصلحة من الفريق المعارض للترشيح، بالذات الإخوان المسلمون وحلفاؤهم.
بالمقابل فان هناك موجة عارمة من التأييد لترشيح ثم انتخاب المشير السيسي تشمل معظم ان لم يكن كل قطاعات الشعب وبحماس منقطع النظير.
ان الاساس الذي تقوم عليه هذه الموجة من التأييد، هو الوطنية المصرية الخالصة.
واذا ما حصل ووصل المشير السيسي الى موقع رئاسة مصر، وهو امر يبدو شبه اكيد، فان هذا الوصول يكون قد تحقق على حصان الوطنية المصرية، بعد ان اقتنعت الناس بانتمائه المخلص له واقتنعت ايضا بقدرته على حماية الوطنية والوطن وسيادته من الخطر الماحق الذي كان يتهددهما، ومعهما نسيج المجتمع المصري وتدينه الفطري الوسطي العميق.
ولا يمكن إنكار ان مكونا من مكونات الموجة العارمة من التأييد يأتي من قدوم المشير السيسي من بين صفوف الجيش المصري، الذي ظلت مكانته مستقرة في عمق الوجدان الشعبي المصري وعمق موروثه الوطني بوصفه ركن الاساس في الوطنية المصرية والسياج الحامي لها، من أيام محمد على باني الجيش الوطني ومؤسسه مرورا بعرابي وعبد الناصر وصولا الى يومنا الحاضر.
وشكلت حاجة الناس إلى الأمن والأمان والاستقرار في مواجهة حملات الترويع التي شنتها عليهم حركة الإخوان وأعوانهم واقتناعهم ان رجل الجيش القوي هو الأقدر على تحقيقها، شكلت مكونا آخر من مكونات الموجة العارمة من التأييد.
ففي بعض الحالات والظروف، وإذا ما وضع المواطن العادي أمام خيارات: الحياة والاستقرار والأمان ومعها او قبلها الوطن وسيادته الوطنية، مقابل خيارات: الديموقراطية وربما المؤسساتية وخيارات شبيهة أخرى، وحين يكون الجمع بينها غير ممكن، فان اختياره قد يتجه نحو الأولى.
فما قيمة الديمقراطية، بمنطقه، والوطن وسيادته مهددان، وما قيمتها في غياب الاستقرار والأمان، وما قيمتها والحياة نفسها مهددة.
ان الكثير من عوامل الحكم على ترشيح السيسي سوف يعتمد على البرنامج الذي يفترض ان يقدمه ومدى تلاقيه مع حاجات الناس وبالدرجة الأولى تحقيق الأمن وتوفير الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية وحماية السيادة الوطنية وتعزيزها، وبعدها العناوين الأخرى الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والخدمية والدور السياسي، ومشاركة الآخرين، واحترام السلطات الأخرى التشريعية والقضائية والفصل بينها والالتزام بالدستور وغيرها من العناوين. وسوف يعتمد أيضا على الفريق الذي سيستعين به في الحكم ومدى وطنيته وكفاءته وخبرته، ونزاهته ايضا.
خصوصا وان السيسي لم يعرف عنه انه انتمى الى حزب سياسي او كان صاحب أيديولوجية أو انه نشط في المجال العام خارج نطاق موقعه في الجيش المصري.
وفي جميع الأحوال فان المشير السيسي لا يمكن ان يكون امتدادا او تكرارا للزعيم العظيم جمال عبد الناصر وتجربته في الحكم، كما يتصور البعض : فلا الزمان هو الزمان ولا الظروف هي الظروف ولا التحديات هي التحديات ولا المهمات هي المهمات.
يكفيه ان يستلهم روح تجربة عبد الناصر بعناوينها الأساسية:
الانحياز المطلق للناس وقضاياها واحتياجاتها، التمسك بالاستقلال الوطني لمصر وبسيادتها الوطنية والدفاع عنهما، التنمية الشاملة، الانتماء العميق الى الامة العربية والدور المؤثر والفاعل في قضاياها.
بالمختصر والجوهر، أن يمتلك الوعي العميق لقيمة البلد التي يحكمها (مصر) بتاريخها وتجربتها وحضارتها ودورها القائد في كل المجالات، وإمكاناتها الهائلة، وان يمتلك الاستعداد ومعه القدرة لوضعها في موقعها الصحيح واللائق بها.
لتبقى مصر بهية وأم الدنيا اليوم وغدا، كما ظلت دائما بالأمس وقبل الأمس.
متفاجئون على مدار الساعة حيث لا يستقيم التفاجؤ
بقلم: صلاح هنية – الايام
تذهلني تلك الحالة من التفاجؤ التي تسود اوساط غالبية المسؤولين الفلسطينيين إذا لم تعد حالة تفاجئ دائمة حتى بت أكرر نفسي داعيا إلى تأسيس التجمع الوطني للمتفاجئين ( مفاجأة ) ليضم في صفوفه كل المتفاجئين والجاهزين للتفاجؤ مستقبلا.
في المقابل لا يجوز للمواطن/ة الفلسطيني أن يذهل أو يتساءل عن عديد القضايا التي يعيشها يوما بيوم ويصبح استفساره محط استغراب اذا لم يكن استهجانا أصلا، إذ ليس من حق المواطن العادي أن يستغرب هذا التضخيم لشخصية مواطن اسمه محمد دحلان وتحويله إلى قوة كبرى تتحكم بحاضرنا ومستقبلنا وهو ليس كذلك.
المواطن/ة مدان ان عبر عن همه عبر الاعلام أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر شكوى مقدمة من خلال جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، نعم ليس من حق المواطن/ة أن يشكو ارتفاع الاسعار، أو أن يشكو تعاطي البنوك معه كزبون دون الحفاظ على حقوقه الاساسية، أو أن يطالب بحقوقه كمشاهد ومستمع وقارئ لوسائل الإعلام المختلفة.
سبحان الله على حد قول خطيب مسجد حينا ( يتفاجأون من قيام الاحتلال باقرار من يحق له السيادة على المسجد الاقصى المبارك وها هم اليوم يمنعون الصلاة في المسجد الاقصى).
على مستوى القضايا الداخلية فالتفاجؤ سيد الموقف ...
نتحدث عن الحكومة الإلكترونية ولكننا نعيد المرضى من المشافي انتظارا لتجديد التحويلة للعلاج ومن ثم يطلب منهم اثبات سريان مفعول التأمين الصحي ولا يوجد ربط الكتروني بين اجهزة وزارة الصحة نفسها ... وتقع المفاجأة من تحول هذه القضية إلى قضية رأي عام.
نتحدث عن الحكومة الالكترونية وما زال ملف السيارة التي يتم شراؤها من جنين مثلا لا يمكن ترخيصها في رام الله لأن الملف لا يأتي بل يؤتى حيث هو.
وتستمر المفاجأة من عدم توفر الادوية في مستودعات وزارة الصحة وعيادات الحكومة ويصبح التأمين الصحي وثيقة فقط دون أي استخدام، وكأن الأمر مجرد مفاجأة وليس إجراءات وقرارات تحل الاشكالية من اساسها وليس التفاجؤ وليس السؤال من هو هذا الذي كتب عن ارجاع مرضى السرطان من مشفى المطلع في القدس، ومن هو ذاك الذي كتب عن غياب الادوية من وزارة الصحة، بل يجب أن نقول اين هي اجراءاتنا الفعلية لتجاوز هذه الاوضاع.
وقد يتفاجئ هذا المسؤول أن نقلت له تلك الحكاية في أحدى مشافي دولة فلسطين ( طفل حمله والديه إلى المشفى في طوارئ الاطفال فقيل لهم يحتاج إلى محلول غير توفر اذهبوا لشرائه من الصيدلية وعندما عادوا بالمحلول قيل لهم اين العبوة التي سنحل فيها المحلول عادوا ليبتاعوها ومرة ثالثة قيل اين المياه التي سنحل بها المحلول )
انا شخصيا قلت لاسرته هذا ليس ذنب وزارة الصحة ولا وزارة المالية هذه مسؤوليتكم انتم لماذا مرض هذا الطفل! لماذا وقع طفل أخر فشج رأسه فلم يجد خيوط لقطب موقع الجرح في أحدى مشافي وزارة الصحة!
يتفاجئ بعض المسؤولين ايضا من فرق السعر في منتجات غذائية وحليب الاطفال بين السوق الإسرائيلي والسوق الفلسطيني حيث يباع حليب الاطفال في السوق الإسرائيلي ب 40 شيكل ويباع ذاتي في سوقنا ب 69 شيكل، وبعض اخرى من المنتجات، وهذا ما أكده عدد من كبار تجار جملة الجملة، جواب احد المستمعين قال استقلوا سيارة نمرة صفراء عمومي واجلبوا الحليب بطلع أوفر ماليا.
يتفاجئ مسؤولون انه لا يوجد نظام واضح لمنح المكافآت في الوزارات والهيئات وهذا التفاجأ يأتي متأخرا بعد اجتياز امتحان الجاهزية امام العالم، ولماذا لا يكون هذا النظام قائما وواضحا ويساءل على اساسه.
لا زال البعض متفاجئ من كون العالم يتوجه نحو مقاطعة إسرائيل وقيام بنوك بسحب استثماراتها في بنوك إسرائيلية بسبب غجراءاتها ضد الشعب الفلسطيني، وتأتي المفاجأة ان السوق الفلسطيني لا زال لا يأبه بالمنتجات الفلسطينية ويذهب للتسوق من رامي ليفي ويمتلك القدرة على إعادة تغليف تمور المستوطنات ويسوق محاصيل من المستوطنات.
اتمنى أن يفيق غالبية المسؤولين من حالة المــــفاجأة لأنها لا تستقيم مع مواقعهم لأنهم يحملون مسؤولية جوهرها اتخاذ إجراءات تيسّر شؤون الناس وتتصدى للسلبيات وعلاجها ضمن سياسات واستراتيجيات واضحة المعالم.
اتمنى أن يعي المسؤول الفلسطيني أن التفاجئ تعبير عن تعاطي سلبي مع القضايا المفصلية التي تحتاج إلى معالجة.
اتمنى أن يعلم المسؤول الفلسطيني أن المواطن الفلسطيني لا يطلب المستحيل ولكنه يتعاطى مع الممكن والممكن هو الربط الالكتروني بين الوزارات المختلفة والربط الالكتروني بين الوزارة الواحدة، وعدم ارتفاع الاسعار لذات السلعة في السوق الفلسطيني عنها في السوق الإسرائيلي.
فــرِّق لا تـــســـد!
بقلم: رامي مهداوي – الايام
وأنا أدرس في مدرسة شويكة الثانوية، أستاذ التاريخ شرح لنا مصطلحا أو مرة كنت أسمعه " فرق تسد" كسياسة استعمارية اعتمدت عليها بريطانيا العظمى من أجل توسيع دائرة تحكمها بمستعمراتها من أجل الحفاظ على مصالحها ونهب تلك الدول الخاضعة لها. وأقرب مثال كان دائما هو حالة الهند وما قامت به بريطانيا بإشعال نيران الفتنة بين المسلمين والهندوس. وأكيد هذا ما تقوم به إسرائيل كدولة احتلال على الصعيد الفلسطيني أو الإقليمي.
موضوعي مش النظرية السابقة بسياقها التاريخي المعروف لدى الجميع، ادعائي _وقد أكون مخطئا_ في هذا المقال بأن من يعالج الأمور على الصعيد الفلسطيني الداخلي بكافة جوانبه ضمن نظرية فرق تسد يقوم بكارثة مدمرة في النسيج الفلسطيني البنيوي، وتطبيقها فلسطينياً رغم افتراضي بأن النية الموجودة هي علاج الأزمة، لكن هذا مدمر وأخطر علينا إذا ما تم تطبيقه ضمن رؤية استعمارية كما في السياق التاريخي الذي ذكرته في الفقرة الأولى.
ما تقوم به القيادات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الرياضية، النقابية.....الخ من محاولة للعلاج الجزئي _ هنا أفكر إيجابيا بأنها محاولة لعلاج فقط_ للقضايا المختلفة التي يواجهها الشعب في هذا الوقت بالتحديد لا يعالج الأمور من حيث المضمون الأساسي للقضية، ويرهق الملف ذاته بقضايا هو ليس بالحاجة لها من أساسه، ما يؤدي الى زيادة الطين بله وإغراق الغريق معتقدين بأننا نحاول تقديم يد العون والمساعدة. مما يؤدي الى مراكمة العمل وبذل جهد مالي ومعنوي نحن ليس بحاجة له وكان يجب أن يبذل ذلك في مكان آخر هو بحاجة لذلك من أجل علاجه.. تطويره... تنميته.... أو إعادة بنائه من أجل تحقيق الهدف الأساسي، ذلك ليس له علاقة بمفهوم الإرشاد وإنما غياب الرؤية والإستراتيجية وحصر الموضوع في محاولة للعلاج السريع من أجل تحقيق نجاح إعلامي مبهرج فاقد للمضمون الأساسي.
ما تتعرض له المؤسسات المختلفة المكونة لبقايا للنظام السياسي الفلسطيني هو نتيجة محاولة علاج الجزئيات المتفرقة وهذا ما جعل النظام السياسي الفلسطيني سوى بقايا تتآكل يوم عن يوم، ومن ناحية آخرى فقدان المعنى لما هو موجود. بالتالي يجب أن يكون هناك علاج كامل سريع للبقايا الموجودة مهما كلف الأمر من تبعات متوقعة قد تكون مؤلمة للبعض من متنفذين وأصحاب مصالح شخصية وإلا سيتم الانهيار السريع للنسيج الفلسطيني أرضاً وشعباً.
من ناحية آخرى العلاج الجزئي يوتر الاستقرار الداخلي لأي منظومة يجب أن تستمر بالعمل والإنتاج، وهنا أضع مثال ازدياد الإضرابات بمختلف القطاعات خلال السنوات الأخيرة الماضية. بالتالي لا يتم الأخذ بعين الاعتبار بأن العلاج يجب أن لا يكون انتقائيا أو لمن له صوت أعلى من الثاني، بل يجب أن يتم وضع مسطرة يتم القياس بها ولمرة واحدة وإلا لن يستقر الوضع الداخلي للمؤسسة.. الدولة.. الجمعية ... النقابة... الفريق... والأخطر إذا ما كانت الدولة تتعامل مع الجميع ضمن سياسية محمد يرث ومحمد لا يرث، بالتالي ستسقط هيبة الدولة عند مواطنيها مما يؤدي الى حالة من التمرد على كل شيء تقوم به الدولة والتعنت بالآراء وتحويل المواطن نفسه الى خصم للدولة وليس ابن شرعي لها عليه حقوق وله واجبات.
وعلى صعيد التحرر من الاحتلال الإسرائيلي ما يقوم به جميعنا بسبب غياب خطة إستراتيجية وطنية تحررية سوى مقاومة جزئية كل حسب اختصاصه ورؤيته للأمور أكثر من منهج واحد مدروس يؤدي الى التحرر، بل إن علاجاتنا الجزئية للأمور المختلفة أصبحت تتناحر فيما بينها حتى أصبحنا نعتبر من هو ليس معنا هو مشبوه.. جاسوس.. متعاون... أو أصبحنا ننفذ علاجات جزئية ليس من أجل التحرر بل من أجل الحفاظ على ذاتنا التي هي عبارة عن مؤسسة، مقعد، امتيازات، مسمى وظيفة، مشروع ممول... بالتالي نقوم بفرض حلول جزئية تتلاءم مع مصالحنا الشخصية فقط لا غير، مما يؤدي الى ضياع الهدف الأساسي وهو التحرر من الإحتلال، في هذه الجزئية فقط أنظر من حولك تجد بأن هناك من يصارع الاحتلال وأدواته من خلال نظرته الفردية الذاتيه وليس ما يراه الشعب على الرغم بأن الشعب أي شعب في العالم لا ينظر أو يتفق على رؤية واحدة لهذا يجب النظر الى الأمر بأننا خاضعون تحت احتلال وليس في مختبر أو مدينة ملاهي. لهذا في حالتنا الفلسطينية تجد مؤسسة على رأسها فرد يريد تمرير قضية ما فقط من أجل حل جزئي يخدم ذاته فقط!!
حتى في مواجهة الإحتلال ننظر الى الأمور بأنها جزئية موسمية حسب الحاجة وليس كهدف يتناغم مع الأهداف الأخرى، لهذا ننشغل بأدوات نضالية جزئية، موسم مقاومة الجدار، موسم مقاطعة البضائع الإسرائيلية، موسم الدولة الواحدة، موسم مواجهة المجتمع الإسرائيلي، موسم الدخول الى المؤسسات الدولية، موسم المقاومة الشعبية..... الخ دون القدرة على فتح مواجهة كاملة وليس جزئية مزاجية. أتمنى أن أكون مخطئ فيما كتبت بهذا المقال!! لكن هذا ما أعيشه أنا الكاتب من خلال أدوات الاستشعار المختلفة أثناء تواجدي الواقعي في النسيج الفلسطيني لهذا علينا أن لا نفرق حتى نسد.
هي حروبٌ بارِدَة ولكن تَسخُنُ أحياناً
بقلم: آصف قزموز – الايام
يعتقد المؤرخون أن الحرب الباردة قد دخلت حيز التنفيذ ما بين المعسكرين الوليدين، مع أفول نجمي كل من بريطانيا وفرنسا كقوتين عظميين وهزيمة ألمانيا بُعَيد دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما قصف اليابانيون بطائراتهم ميناء بيرل هاربر الأميركي. وكما هو معلوم اتخذت الحرب الباردة أشكالاً وتجليات عِدَّة في الصراع على النفوذ ما بين القطبين الشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي، والغربي بزعامة الولايات المتحدة، سواء لجهة الاستيلاء على الثروات والموارد ولاستقواء بها، أم لجهة السيطرة والنفوذ على بلدان أخرى وضمها لجانبها كل من موقعه ونفوذه. لكن ما من أحد يستطيع أن ينفي معادلة المصالح التي تجلت في هذا الصراع البارد ما بين القطبين، بوسائله المشهودة اقتصادياًّ وعسكرياًّ. ولهذا تتخذ الوسائل الاقتصادية في الحرب حيزاً أشمل وأكبر من الوسائل العسكرية التي سيطرت على الميدان في الماضي.
في ضوء ما يجري هذه الأيام من صراعات تنافسية بين أقطاب ودول وأجندات متخالفة، على مستويي المنطقة والعالم، باتت تشكل خريطة فسيفسائية عاكسة للاصطفافات الحزبية والفصائلية على مستوى البلد الواحد، والثنائية والجمعية ما بين الأقطاب أو الدول، تأخذ في جلها شكل الحرب الباردة وإن في بعضها كانت حروباً أكثر سخونة. إنها تحالفات وأجندات المصالح الساعية للهيمنة والنفوذ على السلطات والنظم وعلى الموارد والثروات التي تشكل سبباً وجيهاً حاسماً من أسباب والقوة.
نعم إنها إعادة إنتاج للحرب الباردة، ولكن بحلتها الجديدة التي تتناسب مع تطورات العصر والحروب، التكنولوجية منها والتقليدية كذلك. ليس هذا وحسب، لا بل إنها حرب عالمية ثالثة باردة تسخن أحياناً قد اندلعت منذ سنين، ومجريات أمورها تنساب أمامنا بهدوءٍ حذرٍ يشتد أحياناً لكنه يظل في الغالب على البارد، برغم النتائج المذهلة التي تتحقق سلباً وإيجاباً بناءً وتخريباً وإعادة صياغةٍ، وبناء لزوم ومستلزمات الحداثة ولاصطفافات الجديدة. ولعمري إن هذه الحرب الجارية بكل برودتها، قد أحدثت وأنتجت ما لم تحدثه أو تنتجه الحروب الكلاسيكية والتقليدية في القرن المنصرم، سواءً لجهة الكُلَف والضحايا، أم لجهة التغيير وإعادة الصياغة الشاملة للمجتمعات والدول المستهدفة من قبل مراكز النفوذ الكبرى أو ذات الاستهداف المتبادل، كالذي تجلى في إزاحة العراق القديم وليبيا وسورية، ولا يبعد الحال كثيراً عن سمات ما نحن فيه في فلسطين، التي ما زالت تقع فعلياً تحت نير الاحتلال الاسرائيلي. ومن هنا كذلك نرى في الفترة الأخيرة بعض المراقبين والمتتبعين لما يجري من تجليات للصراع على السلطة في أوكرانيا، تجلياً واضحا لعودة اندلاع الحرب الباردة التي شهدها القرن الماضي من جديد.
إذن معظم الحروب الدائرة اليوم بين بلدان، أو الدائرة منها في البلد الواحد، ما هي في الحقيقة سوى حروب باردة بعضها على نارٍ هادئة لكنها تسير لترسو في مستقرها المرسوم، وأخرى تشتد سخونتها أحياناً في إطار ونطاق الباردة وتسير هي الأخرى لترسو في ذات المستقرات المرسومة والمحملة إحداثياتها على الخارطة الأكبر للعالم البارد الجديد.
ثمة استقطابات وتحوصلات وتفاعلات متصارعة، هي من مكونات ما يمكن أن نسميه بالحرب الباردة. ففي الساحة الفلسطينية ونحن نشهد التفاعلات التنظيمية والفصائلية التي تصب في استقطابات على مستوى الحزب الواحد أو الفصيل، وتصب في النهاية لصالح الاصطفافات الأوسع والأكبر عبر أجندات ضيقة، لكنها تعيش لأجل ما هو أكبر من الأجندات وفي رحمها. ولا أدل على ذلك من تجربة حركة حماس التي فرضت أمراً واقعاً على الأرض، وباتت تخوض صراعها مع الخصوم الذين بدأ يروق لبعضهم فكرة القسمة والقبول الساعي لاهثاً لحسن الجوار. اللهم لا حَسَد وربنا يهني سْعِيدْ بِسعِيدِه، لكن هنا أفرق وأميز ما بين تصالح الشعب الفلسطيني ووحدته الشاملة، وتصالح المصالح ما بين قطبي الحرب الباردة وهما الفصيلين الرئيسين.
وعلى الجبهة الاسرائيلية تدور عملياً رحى حرب باردة أخرى، بفتح الهَمزة وضمها، لها تجليات ومستويات مختلفة، ولا سيما في الحلبة السياسية، التي اعتادت وعودتنا أن تشتعل بين الأطراف والأحزاب، لتصل ذروتها وما صنع الحداد أحياناً، لكنها سرعان ما تهدأ الخيول وتعود لِمَداوِدِها، ولا تتحد إلاَّ في صراعها الحامي والبارد ضدنا، وتلك هي المفارقة العجيبة التي اتسمت بها الجبهة الاسرائيلية على مر الزمن من عُمر الصراع، وتميزت بها عن جبهتنا الفلسطينية. كما أن الحرب الباردة ما بين واشنطن وتل أبيب هي الأخرى تشتعل أحياناً وتخبو حيناً آخر، ما يمكن أن يعيد الى الذاكرة، تلك الأجواء التي سادت بين الطرفين عندما حاول الرئيس الأميركي السابق بيل كينتون أن يأخذ موقفاً متوازناً ضاغطاً على نتنياهو لتوقيع اتفاق الخليل، ليعربد الأخير مفصحاً بالقول ومهدداً بما معناه "إن على الرئيس الأميركي أن يعرف أننا نستطيع إشعال البيت الأبيض من حوله" وكان ما كان فعلاً، عبر فضيحة مونيكا ليوينسكي التى هزت عرش كلينتون في البيت الأبيض.
نعم، ها هي حكومة نتنياهو، تخوض مع الفلسطينيين حرباً ضروساً استيطانية عنصرية أحياناً كثيرة، وهي تضع مستوطنات غور الأردن والخليل على قائمة البلدات التي ستمنح تسهيلات وفوائد ضريبية، والتي اشتملت على 400 تجمع سكاني واستيطاني، تحت شعار ما أسموه دعم صمود هذه المناطق، ولا سيما تلك المحاذية للمناطق الحدودية مع سورية ولبنان وقطاع غزة، بالإضافة لغور الأردن وجبل الخليل، يأتي ذلك أيضاً مع تصريحات لنتنياهو نفى فيها وجود أي طلب أميركي جديد يلزم اسرائيل بتجميد الاستيطان.
وفي جميع الأحوال، وبالرغم من قناعتي بأن أي حل سياسي بيننا وبين الاسرائيليين لن يكون إلاَّ نتاجاً لتوازن مخرجات وارتدادات هذه الحروب الباردة والساخنة الدائرة، إلاَّ أنه بات اليوم لزاماً وأكثر من أي وقت مضى، أن على حركة فتح من موقعها وصفتها، كحامل حاسم للمشروع السياسي الوطني ورافعة أساسية للسلطة والمنظمة في آنٍ معاً، مهمة عاجلة غير قابلة للتأجيل، وهي أن تنهض بذاتها وأوضاعها الداخلية لتعيد بناء وتعزيز هذه الذات، كإطار حركي واسع وأكثر شمولية من غيره لعموم الشعب الفلسطيني، واستعادة أخذ زمام المبادرة الحافظة للبوصلة الفلسطينية عن ظهر قلب، بعيداً عن من يريدون التعامل مع القضية الوطنية بقرةً حلوب، أو كعكة يقتسمها المتقاسمون فيما بينهم وحتى مع خصوم الأمس المنقسمين. فبخراب "فتح" خراب للمشروع وفي إصلاحها صَلاح المشروع ونهوضه حتى من تحت الركام نظراً لحالة التمازج التاريخي وجدلية العلاقة الرابطة ما بين المشروع والحركة، الأمر الذي يتطلب حسماً سريعاً وعاجلاً للانقسامات أو التشظيات المعلنة منها والمستترة بغض النظر عن كونها فردية أو جمعية عمودية أم أفقية، من على قاعدة الإصلاح الجاد والمسؤول للنهوض والاضطلاع بالمسؤوليات الحركية أولاً باعتبارها شرطاً ضرورياً للثانية، ولكن ذلك يجب أن يجري في إطار وجلباب النهوض بالمسؤولية والالتزام الوطني العام والأشمل، وبالتالي عقد المؤتمر السابع لهذه الحركة كمهمة عاجلة، على أسس وتوجهات سياسية وتنظيمية واضحة، بحيث يشكل عقد المؤتمر خطوة نهضوية تطويرية تؤسس النواة الصلبة للحل السياسي المرجح، وتتناسب مع احتياجات نجاحه وقابليته للحياة، لا بل والأداة الحاسمة لجل القضايا والخلافات التنظيمية والسياسية القائمة.
يا جماعة اتقوا الله، المرحلة لم تعد تحتمل أية إرهاصات أو أخطاء في الأداء السياسي، ولا حل لقضيتنا إلاَّ بتحقيق سلام متوازن يحفظ الحقوق المشروعة لجميع الأطراف في إطار سلام شامل في المنطقة، وقد يكون صحيحاً ما قاله رئيس الأركان الاسرائيلي بيني غانتس أن الوضع الحالي في الضفة الفلسطينية "تحت السيطرة الكاملة". لكن كل هذا لن يفيد الأمن الاسرائيلي من دون التوصل لحل سياسي جذري مرض للفلسطينيين ومتوافق عليه، وخلافه لن يتعدى أو يتجاوز أمر هذه السيطرة، بقاء واستمرار حالة ما يشبه الحرب الباردة غير المتكافئة طبعاً ودوام الجمر الملتهب الكامن تحت الرماد، الذي يمكن أن تشعله نسمة ريح قد تكون عابرة عمداً أو صُدفَة، وفي ذلك سيكون خراباً سريعاً لما نبذله ونراكمه ونتطلع اليه في الفعل السياسي، وبالتالي لا أظن أن ما ينشده الشعب الاسرائيلي في نهاية المطاف الذي طال، أمناً هشاًّ واستقراراً مهدداً على كف عفريت. نعم لا بد من سلام عاقل عادل ومتوازن، يحفظ الحقوق المشروعَة، ويُخرس أصحاب العقول المصروعَة، في أتون كل ما يجري على الجانبين في أرضنا. لأن سلاماً يُدحَشُ في أنف الشعب الفلسطيني ويفرض بالقهر والقوة والاستبداد، لا يمكن أن يدوم، وسرعان ما ينهار وينتهي بزوال أو ضعف أسباب ومسببات وجوده، حتى وإن استمرَّ الصراع بشكل حروبٍ باردة أو ساخنَةْ، وإرهاب المتطرفين السابحين في المياه الآسِنَةْ.
نــفــّذ ثــم نــاقـــش
بقلم: وليد بطراوي
لطالما تعجبت من "ديمقراطية" الاحزاب والحركات اليسارية التي كانت تطلب من اعضائها وانصارها التنفيذ اولاً ومن ثم النقاش. وكنت اتساءل دوماً "وهل ينفع النقاش بعد التنفيذ وخاصة اذا كان التنفيذ عن عدم قناعة. وما الداعي للنقاش اذا كانت القيادات لا ترضى نقاش قراراتها". اكتشفت مؤخراً ان مقولة "نفّذ ثم ناقش" ما هي الا تعبير اخر عن المركزية المطلقة والديكتاتورية، وهي وجه محسن لما يحصل الآن من مظاهر التكفير والتخوين، واذهب الى ابعد من ذلك الى الادعاء بان هذا ما يمكن ان يوصف بالارهاب الفكري. الاحزاب والحركات اليسارية تقول "نفّذ ثم ناقش". الحركات الاسلامية تقول "ان لم تكن معنا فأنت كافر". الحركات التي تدعي العلمانية والديمقراطية تنعت من لا يتفق معها في الرأي بالخائن. كل هذا يصب في "الارهاب الفكري" اي انه ممنوع عليك الاختلاف والتفكير والاجتهاد. باختصار الجميع "قارين ع شيخ واحد"! نقطة في بحر قرأت الاخبار التي تتحدث عن التسعيرة الجديدة التي اقرتها وزارة النقل والمواصلات للتنقل عبر "الجسر" وهي 10 شواقل للراكب و3 شواقل للطرد. حقيقة لا اذكر كم كانت التسعيرة في السابق، لانك عندما تسافر تفقد البوصلة ولا يمكنك ان تحصي عدد الشواقل التي عليك ان تدفعها رسمياً وبشكل غير رسمي! الاشكالية ليست في التسعيرة والتي باعتقادي انها عالية وانما في النظام الساري خلال التنقل عبر الجسر. فهذه التسعيرة تتضاعف لان عليك ان تدفهعا عند صعودك الحافلة الاولى في الاستراحة، وعليك ان تدفع مرة اخرى عند صعودك في الحافلة مرة اخرى عند "مكب الحقائب" مع انك ما زلت تسير في نفس الخط. هذا اضافة الى المبالغ الاخرى التي عليك ان تدفعها هنا وهناك. اذاً فالتسعيرة الجديدة نقطة في بحر. فبحساب بسيط اذا كنت مسافرا من رام الله الى عمان وحدك فانك تدفع ما يقارب 350 شيقلا على اقل تقدير. بلطوا البحر منذ ان قامت بلدية رام الله بتبليط الشوارع في وسط البلد وانا اتساءل عن السبب. وتزداد تساؤلاتي حيرة بعد ان اصبحت هذه الشوارع عبارة عن حفر ومطبات. حاولت جاهداً ان اجد تفسيراً منطقياً وهندسياً وجمالياً فلم اجد سوى تفسير واحد وهو ان من اتخذ القرار كان غاضباً من شيء ما، وبما انه لا يوجد بحر في رام الله قام بتبليط وسط المدينة!. خوفتوني! في محل الجزارة الذي اشتري منه، كتب صاحب المحل "التدخين ممنوع بقرار من وزارة الصحة". ضحكت وقلت لصديقي الذي تواجد في المحل "وهل ورود اسم وزارة الصحة سيمنع الناس من التدخين؟" ثم اشرت على صاحب المحل ان يضع بدلاً من "بقرار من وزارة الصحة" عبارة "بقرار من صاحب المحل" وخاصة ان لديه القوة والسلاح لفرض قراره هذا، وكيف لا وهو يحمل في يده سكينا وساطوراً. وزارة الصحة لا تستطيع تطبيق القانون في مؤسساتها فكيف لها ان تطبقه في "ملحمة"؟ قد يجادلني احد المسؤولين في الوزارة ويتساءل "كيف لك ان تدّعي ذلك؟" سأقول له اذهب الى مجمع رام الله الطبي، وتجول في قسم الاشعة عند شباك التسجيل، وانظر خلف الزجاج. تجول في الساحات الخارجية للمجمع، فانك لن تستنشق الا دخان السجائر، على الرغم من اوراق الوصفات الطبية الخاصة بالمجمع ذيلت بعبارة "مجمع فلسطين الطبي منطقة خالية من التدخين". لا فقوس ولا خيار دخلت الى مكتب خدمات مضطراً، فالنماذج الصادرة عن وزارة الداخلية لطلبات تجديد جواز السفر او الهوية او اية معاملة اخرى، غير متوفرة الا في مكاتب الخدمات. يعني احتكار. المهم ان الكاتب بدأ بتعبئة الطلب، والحقيقة انني انا الذي قمت بتعبئته عن طريق الكاتب. فهو الذي ربما لم يتجاوز تعليمه المرحلة الاعدادية، مع كل الاحترام له، يقوم بتعبئة الطلبات للمحامي والطبيب والمعلم وغيرهم. وبالطبع في كثير من الاحيان، لا يستطيع تعبئة الطلب بالشكل المطلوب، فعلى سبيل المثال، الشخص الذي سبقني كان يعمل لدى احدى الجهات الدولية، فعندما سأله الموظف عن مكان عمله، وكانت الاجابة، لم يفهم الكاتب معناها، ولم يستطع كتابتها. اعترف ان هناك حاجة لمثل هذه المكاتب لمساعدة من هم بحاجة الى المساعدة، ولكن هناك من لا يحتاجونها، فلماذا لا تتوفر هذه النماذج الكترونياً، ولماذا لا تتوفر في دوائر الاحوال المدنية؟ ولماذا علينا ان ندفع ثمن الطلب الذي يجب ان يتوفر مجاناً؟ ام ان الهدف من كل هذا، ان نتثبت ان لا فرق بين الناس، يعني "لا فقوس ولا خيار"، مع انه كل البلد ماشية "فقوس وخيار"!. لو كنت مسؤولاً لما عرفت ما سيكون ترتيبي بين المسؤولين. وساكون قد اضفت مسؤولاً جديداً لقوافل المسؤولين، وسأكون قد زدت عدد المسؤولين المغرمين باجراء المقابلات الصحافية مسؤولاً اضافياً، وسأكون عبئاً اضافياً على ميزانية اي مؤسسة، وبالطبع ساتطلب ان تكون لي سيارة، ومكتب، واثاث مكتب، وبدل سفريات، ونثريات، ومرافقين وحراسات وغيرها من الامتيازات. لو كنت مسؤولاً وبحثت عن الشعب فلن اجده، لاننا كلنا مسؤولون، او نوهم انفسنا باننا مسؤولين. الشاطر انا مرة الصبح وانا بعمل الساندويش لبنتي تاخذه ع المدرسة طلبت مني احطلها جنب الساندويش في العلبة كعكة شوكولاته، وما خلصت تطلب حتى قالت لي "بس بنفعش". انا لاني شاطر قلتلها "ما في اشي اسمه بنفعش". دارت الايام وع مين بدها تدور، طبعاً عليّ. مش عارف شو طلبت مني بنتي اعمللها رحت تيست وقلتلها "بنفعش" علشان اتهرب من اني البيلها طلبها. راحت مثل الصاروخ ردت علي "مش انت قلت ما في اشي اسمه بنفعش". شاطرة طالعة لابوها فرخ البط (راوي) عوّام!.
أسـئـلــة حــاضــرة
بقلم: وليد ابو بكر – الايام
لا أدري كيف يغمض العالم عينيه عن أطول احتلال في تاريخه المعاصر، وأقسى احتلال، وهو يشاهد ممارساته التي اندلعت من أجل ما حدث مثلها حروب عالمية، في زمن الحروب، ومقاطعات دولية، في زمن المقاطعات، زمن رفض التمييز العنصري والاستخفاف بحقوق الإنسان.
وإذا كان القتل سمة أساسية في هذا الاحتلال، تكاد تكون يومية، حتى في زمن المفاوضات المفروضة على الطرف الضحية، التي قتل خلالها حتى الآن ثلاثون شهيدا فلسطينيا، كان آخرهم معتزّ وشحة، الذي قذف بالصواريخ داخل منزله في بيرزيت، فإن هناك ـ من سلوك الاحتلال ـ ما يثير التقزز والاشمئزاز الإنساني على كل مستوى: فهل سمع أحد في التاريخ كله عن "جنس بشريّ" يعتقل رفات الشهداء لسنوات طويلة، وكأنها تشكل خطرا على "أمنه"، وحين يتكرّم بتسليمها إلى أهلها، بعد طول مطالبة وضغوط دولية و"مفاوضات" مباشرة أو بالواسطة، فإنه يعتبر ذلك من بوادر حسن النية تجاه الناس الذين يستبيح أرضهم، وحياتهم، ويستنفد خيرات بلادهم، منذ عشرات السنين، دون وازع إنساني؟
هل يمكن أن يوصف بالعدالة، أيا كان مستواها، عالم لا يستطيع أن يرى فيما يفعله هذا الاحتلال، انتهاكا للمواثيق الدولية، أو للحقوق الأساسية للإنسان، التي يتغنى بها المجتمع الدولي، وفي مقدّمته أولئك الذين يطالبون الفلسطيني كل يوم بالتنازل عن مزيد من وطنه، وعن مزيد من كرامته، لصالح احتلال لا يمكن أن يدوم؟
هي أسئلة بسيطة تدور في ذهن الفلسطيني وهو يسمع عن خط سير المفاوضات، وعن عدم قدرتها على تحقيق خطوة واحدة نحو حقوقه. وهو أمر لا يفاجئه أبدا، لأنه يعرف هذه النتيجة مقدما مع احتلال من هذا النوع، ظلت مقدّماته الكثيرة تشير إلى نتائجه المتوقعة دون وهم، ما اقنع الفلسطيني البسيط بأن المطلوب "الحقيقي" منه هو أن يرحل أو يموت، لأن الأرض كلها هي هدف الاحتلال، وكل سلوك "يتدارى" الاحتلال خلفه إنما يشكل تحفزا نحو توسع أكبر، وقتل بلا حدود، دون أن تدرك حدود وعيه أن الفلسطيني قرر أن يدافع عن أرضه، بالبقاء فيها، وعن بيته، بعدم مغادرته تحت وابل الصواريخ الموجهة إلى صدره، تماما كما فعل معتزّ وشحة، الذي اختار ألا يسلم نفسه للاحتلال، وأن يقاوم حتى قطرة الدم الأخيرة.
يرى الفلسطيني بكلّ وضوح أن الاحتلال يفاوض وهو يتوسع على امتداد ما تبقى من الأرض، وأنه يفاوض، وهو يتوسع في عمليات الاجتياح والاعتقال والقتل، ويفاوض، وهو يعلن كل لحظة، بالفعل وبالقول، أنه لن يتنازل عن شيء، وأنه كلما حقق هدفا معلنا انتقل إلى هدف معلن أيضا، تلخصه مقولة صهيونية لم تتغير منذ أطلقت: لا تنازل عن كل الأرض!
على ماذا نراهن في التفاوض إذن، وعلى ماذا نفاوض؟ كانت قيادة حكومة اليمين ذاتها في السابق تعلن: إذا أعطوا أخذوا، وكأنهم لم يستولوا على معظم الأرض التي لا حق لهم فيها، وحين تغير شيء في الحال، تغير الإعلان نحو المطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة! والعالم يتفرج، ويكاد يوافق على أول دولة "دينية" في زمنه الحاليّ! والعالم يعرف، والفلسطيني يعرف أيضا، أن تلبية طلب مستحيل مثل هذا، يلغي حقوقا إنسانية مقرة ومشروعة، لن يحول دون طلب جديد، سيكون تحقيقه مستحيلا أيضا، لأن الاحتلال يسير في تدرجه نحو هدف معلن: لا تنازل عن كلّ الأرض، حتى دون أن يحدد هذه الأرض التي يريد، لأن شعاره الأساسي أوسع مما يطالب به كبار غلاته في الزمن الحالي.
السؤال حول فترة التفاوض الحالية، تمديدا أو وقفا، لم يعد يعني الفلسطيني البسيط منذ زمن بعيد، لأنه يعرف من تجربته المريرة أن التفاوض يرتدّ في نهاية "مرحلته" إلى "تفاوض على التفاوض"، وأن الأمر صار مثل قصة إبريق الزيت، الذي لا زيت فيه على الإطلاق، حتى لو تكالب العالم على إيهام الفلسطيني البسيط، الذي لم يوافق على "المراحل" قط، بأنه مليء بما تنتجه الشجرة المباركة، لأنه يعرف الشجرة، ويشمّ رائحة زيتها حين يوجد، دون حاجة إلى من يقنعه بعكس ما تقرّره حواسه الأصيلة.
استمرّ التفاوض أم توقف، دون أن تكون فيه شروط واضحة، سوف يستمرّ الاستيلاء على الأرض، وسوف يستمر اعتقال الشباب، وسوف يستمرّ القتل، وسوف يستمرّ الفعل المقزّز لاحتجاز رفات الشهداء، من أجل "التكرّم" بها كبادرة حسن نية، من أجل تفاوض جديد، لا يأتي بجديد، لأنه ليس بمثل هذا يرحل الاحتلال، أو يرحّل.
نتنياهو يفتعل المأزق الخطير
بقلم: يحيى رباح – الحياة
يوم الخميس الماضي، تسمرت لساعات طويلة أمام شاشة تلفزيون فلسطين، وأنا اتابع تفاصيل ذلك المشهد الإجرامي الذي ارتكبته حكومة نتنياهو في مدينة بيرزيت شمال رام الله، حين قام الجيش الإسرائيلي بفرض حصار كامل على البلدة من الجهات الأربع، ثم اندفعت قوات الاحتلال لاقتحام بيت تسكن فيه عائلة وشحة يتواجد فيه أحد أبناء هذه العائلة المناضلة، وهو الشاب معتز، بدعوى أنه مطلوب، ثم انهالت القذائف على البيت، وتقدمت الجرافات لتهدم البيت الذي تحتشد فيه العائلة برجالها ونسائها وأطفالها، وانتهى المشهد الذي بدأ منذ الرابعة فجراً وحتى منتصف النهار بقتل الشاب معتز وشحة.
كل هذه العربدة من قبل الجيش الإسرائيلي لاستهداف مطلوب واحد، ثم ينتهي المشهد المعربد ليس باعتقاله بل بقتله بدماء باردة وقرار مسبق متعمد، فإلى أين تصل الأمور، وكيف يمكن فكفكة هذا المأزق المتفجر الذي صنعه نتنياهو إذا بقي نفس الرجال على رأس نفس هذه الحكومة التي تعيد إسرائيل مجدداً إلى مرحلة العصابات وليس إلى مرحلة الدولة التي يمكن أن يعقد معها اتفاقات؟
المأزق الذي صنعه نتنياهو منذ شكل هذه الحكومة الحالية بتعمد لكي يختبئ وراءها، ويتظاهر بالضجر والشلل أمامها، بحيث لا يتقدم ولو خطوة واحدة لإنجاح المفاوضات، هذا المأزق تتجلى شواهده على الجانب الفلسطيني من خلال عربدة الاستيطان، وجنون التهديد في القدس حيث وزراء الحكومة وجيش الحكومة هم الذين يشجعون قطعان المتطرفين المهووسين، وحيث كل شبر من الأرض الفلسطينية مستباح، وكل طفل فلسطيني مستهدف، وكل معتقل فلسطيني عرضة للموت لأسباب كثيرة، وكل المقدسات الفلسطينية تحت بند العدوان من أصغر مسجد في قرية إلى المسجد الأقصى نفسه.
وبما أن هذا المأزق الإسرائيلي لا يجري أي محاولات من أي نوع للسيطرة عليه، فقد وصلت تجلياته إلى الأردن، ورأينا موقف البرلمان الأردني الذي يعبر عن عدم القدرة على الاحتمال، ثم أنتج المأزق الإسرائيلي نفسه في لبنان عبر الغارة الإسرائيلية الأخيرة، ويصل إلى أبعد من ذلك، فهل يستطيع نتنياهو أن يستمر على هذا النحو، يقرأ من نصوص معلقة، يتجاهل الجميع، يستهين بالجميع، يستفز الجميع؟ وإذا كان هناك احتمال قوي للفشل أمام أمام كيري، وأمام الجهد الأميركي، فمن يتحمل مسؤولية هذا الفشل؟ وهل نتنياهو قوي إلى هذه الدرجة بحيث يسمح له المجتمع الدولي بأن يتجاهل كل قراراته، وكل مقارباته، وكل التضحيات والتنازلات التي قدمها الشعب الفلسطيني، بحيث نعود إلى نقطة الصفر من جديد؟
الخلل الأكبر في هذا السجال كله، أن الحلقة الوسيطة، متمثلة بالموقف العربي، هي حلقة غائبة نهائياً، بل هي مبالغة في الغياب، فهناك مشروع السلام العربي وهو أكبر تنازل تاريخي، ولكن أصحابه لا يدافعون عنه ولا بالحد الأدنى! وهناك قوة الصمود الكبرى للشعب الفلسطيني وخاصة في القدس، ولكنها لا تدعم عربياً وإسلامياً بما يستحق الذكر، وهناك النجاحات الفلسطينية مع المجتمع الدولي، ولكن المنظومة العربية لا تغذيها بأي جهد ممكن، وكأن العبء كله يقع على عاتق الفلسطينيين، في ذروة المعركة وحدهم، ولذلك فإن المطلوب منهم أكثر من العادي مليون مرة، مطلوب منهم أن يحسبوا الحسابات بدقة متناهية، فليس عندهم أي فائض يمكن أن يضيعوه الآن.
المقاطعة: إدراك إسرائيلي بتزايد خطورتها؟
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
في العام 2005، تأسست الحركة المدنية الفلسطينية المعروفة باسم (BDS) لأجل مقاطعة إسرائيل والتي تنادي بإنهاء الاحتلال واستيطانه لكل الأراضي العربية، فضلا عن تفكيك جدار الفصل العنصري، والاعتراف الإسرائيلي بحقوق فلسطينيي الـ 48، وعودة اللاجئين الفلسطينيين. هذه الحركة الفلسطينية تؤمن وتعمل باللاعنف، مثلما هي تخاطب أصحاب الضمير الحي من كل الأعراف والأديان والجنسيات وعلى رأسهم المجتمع الإسرائيلي وكل الجاليات اليهودية حول العالم. لهذا أصبح الدعم العالمي لهذه الحركة المدنية يغطي بلدان العالم على نحو تدريجي لكنه ثابت.
لقد كشفت الحركة المدنية الفلسطينية حقيقة إسرائيل المستندة إلى التمييز العنصري وزيف ديمقراطيتها في عدد متنام من الميادين على المسرح الدولي، الأمر الذي خلق خشية متزايدة في إسرائيل أجبر وزارة الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية الإسرائيلية على تجهيز خطة تقوم على استخدام الإعلام والدعاية وتفعيل دور المنظمات الدولية المتعاطفة مع الدولة الصهيونية. ولكن وزارة الخارجية الإسرائيلية رأت بأن الحل حاليا لمواجهة حركة BDS يتجسد عبر وصفها بانها "معادية للسامية". بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) لعب على الحبل ذاته، وصرح: "أعتقد انه من المهم ان نكشف حقيقة الداعين لمقاطعة اسرائيل بأنهم معادون تقليديون للسامية ولكن بزي حديث، واعتقد ان علينا محاربتهم". ورد عمر برغوثي الناشط الفلسطيني وأحد مؤسسي (BDS) في مقال له في "نيويورك تايمز" على اتهامات إسرائيل بكون (BDS) أصبحت خطراً يهدد "شرعية" الدولة الصهيونية قائلاً فيه: "إن حركة BDS لا تمثل خطراً موجهاً لأجل إزالة إسرائيل كدولة بل هي تشكل تحديا للنظام العنصري الاستيطاني الحالي في إسرائيل. لقد زال النظام العنصري في جنوب إفريقيا وما زالت جنوب إفريقيا دولة قائمة. والنظام العنصري الصهيوني القائم هو الذي جلب المقاطعة ضد إسرائيل". وفي تقرير لها، قالت "السي بي إس"، إحدى أشهر شبكات التلفزة في الولايات المتحدة الأميركية، إن "التصويت بمقاطعة إسرائيل ما يزال في طوره الرمزي ولكنه مؤشر إلى أن تلك المقاطعة ربما تنامت لتعزل العالم إسرائيل شيئا فشيئا، ولن يجدي إسرائيل شيطنة مشروع عزلها بما تروجه من أقاويل تنسبها إلى الحركة عن "عداء السامية". فالمقاطعة مثل كل الأفكار، التي إذا جاء أوانها، شقت طريقها للتحقق الكامل". وفي مقال حمل عنوان "المقاطعة، سحب الاستثمارات، والعقوبات: كيف نحبط التهديد" كتب (مارك هيلر) يقول: "واضح أن حجم العقوبات الاقتصادية (والمقاطعات الاخرى في مجالات الثقافة والتعليم العالي)، التي كان مسببها الأول نشاط الـ BDS، ازداد في الأشهر الاخيرة. ومن الصعب الاختلاف مع حقيقة أن إسرائيل هشة جدا تجاه مقاطعة من هذا القبيل". وأضاف: "سيكون من قبيل عدم المسؤولية من جانب زعماء في إسرائيل الاستخفاف بهذا التهديد او التظاهر بانه يمكن معالجته بمجرد الحملات الاعلامية أو التنديد بالجهل، وانعدام الأخلاقية أو الازدواجية الأخلاقية أو الدافع اللاسامي".
النجاح المتنامي الذي تحققه حركة (BDS) الفلسطينية، إذا تُرجم إلى الدولارات كما بينته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، هو نجاح ملموس. فقد أكدت الصحيفة: "أن خسائر إسرائيل من هذه المقاطعة وخاصة لنمو 70 مصنعاً في المستوطنات والمزارعين من مستوطنات غور الأردن قاربت أن تصل إلى 20 مليار دولار وفصل نحو عشرة آلاف عامل من العمل في الفترة القريبة المقبلة". في هذا السياق، جاء كلام وزير خارجية الولايات المتحدة (جون كيري) من أن "إسرائيل تمر بازدهار مؤقت وأمن مؤقت ولكن ذلك وهم وسيتغير مع فشل محادثات "السلام" وستواجه إسرائيل مخاطر أكبر بكثير".
حقا، إن مقاطعة إسرائيل اقتصادياً (وغير ذلك) تتفاعل يوماً بعد يوم، حيث تواجه موجة عارمة لمقاطعتها خاصة في أوروبا. ومن المؤكد أيضا أن سلسلة النجاحات التي حققتها (BDS) تشجع على الدعوة الى فرض عقوبات على اسرائيل مماثلة لتلك التي فرضت على نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. وأعربت صحيفة "هارتس" عن قلقها وكتبت تقول: "التحذير أصبح أكثر وضوحا وشدة. ويتضاعف الاعتقاد بإمكانية تركيع إسرائيل مثلما حدث مع جنوب إفريقيا".
تغريدة الصباح - عن سجننا الذي لم نكتبه
بقلم: عدلي صادق – الحياة
كنت أسيراً لتسع سنوات. لم أكتب عن التجربة صفحات ممتدة، يمكن أن تصدر في كتاب. ثمة أسباب عدة، للاستنكاف عن الكتابة الطويلة عن السجن، من بينها أنني لم أرغب في تكرار السرد التعبوي، الذي يفاخر بصمودنا الذي ظل متلازماً مع المعاناة. فهكذا سرد، تكفل به البعض ولا أقول قد تكفل به كثيرون، لأننا ـ في الواقع ـ لم نكتب حتى الآن، سجننا بسياقه العام، بعد نحو 45 عاماً من تجارب السجن التي أعقبت حرب العام 1967. لكنني ما زلت أطمح الى عمل سوسيولوجي يرسم تجربة السجن، بمفارقاتها ولقطاتها الإنسانية المحببة، ونقاط ضعفها وقوتها، ومعها الظلال التي لا بد أن تنشأ في ظروف قاهرة، مثل وجود شخصيات ذهب بها امتثالها وهزيمتها النفسية وخواؤها الفكري وسذاجتها أو نذالتها، الى مد حبل الوداد للسجان العدو، إن لم يكن الى التخابر معه. فمثل هذه الظلال، كانت موجودة في هامش حياتنا، وإن كانت ضئيلة، لكن إقحامها في جماليات الصورة العامة، يخفف من بريق السرد، فيما السطور تحاكي قصيدة فخر!
قصائد الفخر، لا تؤسس أدباً لسجننا، وإنما تراكم ديوان شعر. لكن الحياة ـ أية حياة ـ أوسع وأشمل من كل القريض في كل العصور. فقد أردته سرداً شاملاً لكل شيء، أيام كبريائنا وعنفوان صمودنا وإيثارنا، وحكايات جنود مجهولين أسطوريين، ومع هذا كله، ظلالنا وشجاراتنا ونعراتنا في هامش حياة تحتقن موضوعياً ويُفاقمها السجان!
بين قتل الوقت وكسبه، توجعت مسافات الزمن في السجن، وارتسم الفارق بين سجين يقتل الوقت أو يروّضه، ويرى أن الحبس زمن ضائع ومهدور، يتحمله السجين سلبياً، وينتظر يوم الخلاص منه، لأنه يرفض الاعتراف والصلح معه وإعطاءه أي معنى، وسجين آخر يسعى الى كسب الوقت لصفه، ويدمج السجن في مسار حياته، ويسبغ عليه معنى آخر، فيوسع فيه من فسحة حريته، حتى وهو وراء القضبان. بل إنه يرى في القراءة عنصراً يضاعف قيمة الحياة، ويمنحها أفقاً حراً. الأول لا يصالح السجن بالمعنى النفسي، ويظل يراه وحشاً يكابد معايشته، ولا يستريح إلا عندما تغزو الذكريات الجميلة مخيلته، أو تلوح فجأة في أفق أوقاته!
الحديث عن السجن، بمنطق السوسيولوجيا، يفتح أبواب الإطالة في وصف "الزيارة" وبخاصة مفارقات سجناء الأمل، الذين ينتظرون أنباء إفراج قريب، وتحضر وقائع "الفسحة" وأحداثها، ويتطرف الحديث الى التنظيمات والمسؤوليات فيها، على صعيد حياة السجن العامة، والى محاولات تأسيس السجين لخصوصيته، في مكان يصعب فيه إخفاء عيوبنا ونقائصنا وحتى أسرارنا، على النقيض من الوضع خارج السجن. فقد مرّ على حركتنا الأسيرة، حال ما يسمى "السجين المطُلق" بانقطاع الزيارات بسبب هجمات الاحتلال وتقطيع الطرق والإغلاقات ومنع الزيارة. فلا أخبار عندئذٍ ولا بشائر ولا مسار يتقدم، للوعي بحياة الخارج الاجتماعي للسجين. وكيف نصنع، كسجناء، خصوصيتنا في مكان نغير فيه ملابسنا على مرأى من الزملاء، ونشخر على مسمع منهم، ونحلم فيما بعضهم يراقب قسمات وجوهنا، ونحزن ونغضب فيما البث مباشر. هنا، ينحو السجين الى تدبير خصوصية ذاتية، أو جوانيّة، أو افتعال فضاء يقيم في داخله، لكي تتوافر حرية معنوية واستقلالاً لا يقتحمه أحد!
كأن المحتلين، تعمدوا خلق فوارق طفيفة بين سجن وسجن. وربما يكون أحد السجون، في شروط حياته اليسيرة بالقياس، بمثابة أمنية شأنها شأن "سدرة المنتهى" التي ورد ذكرها في الأثر، وفيها من الحُسن ما لا يستطيع بشر أن يصفه حسب قول المصطفى عليه السلام. في أيامنا، كان "سجن الرملة" هو "سدرة المنتهى" فيما كانت سائر السجون تتدرج في تقديم جرعات الإراحة للسجين في سجنه، لكي لا ينهار جسده وتستوطن فيه الأمراض. في السجون المركزية في المحافظات، كانت قطعة الاسفنج التي ننام عليها، حكاية نسمع عنها ولا ننالها، وكان السجانون يزجون بخمسة وعشرين أسيراً، أو ثلاثين، في المهجع الذي يتسع بالكاد لعشرة سجناء. وفي "بئر السبع" الذي أتيحت فيه فرشات الاسفنج، كان جهاز الراديو الصغير، هو أخطر مواد التهريب، ويكون ضبطه مشكلة كبيرة. وعلى مر السنين، وتتالي الإضرابات لتحسين شروط الحياة في السجن؛ نقلت "التحسينات" للاسرى شاشات التلفزة. لكن المحتلين كانوا طوال الرحلة، ينكفئون بالسجن الى سيرته الأولى، فتأسست سجون من خيام في الصحراء. فهذه ضرورية بالنسبة لهم، لوقف التدرج، تلويحاً لمن يطلبون الاستزادة، بمخاطر واحتمالات نقلهم الى حيث الرياح الباردة شتاءً والحر اللافح صيفاً!
سجننا الاحتلالي البغيض، ما زال في انتظار من يكتبه، ومن يقدمون فصول حكايته، ووصف أروع ما فيها من انجازات على مستوى الوعي والتعلم. وفي هذه الفصول كلها، يطول الحديث!
القدس واقصاها في خطر
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
تواجه مدينة القدس والمسجد الاقصى تصعيدا خطيرا في عملية التهويد والمصادرة والتشريع الصهيوني لنزع السيادة عن اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. لم يكتفِ الاسرائيليون بالاعتداءات المتواصلة على المسجد الاقصى، واقتحام باحاته بشكل شبه يومي، وتدنيسه باسم "الصلوات" التلمودية، بل بلغت مرحلة متقدمة في الهجوم على المسجد الاقصى، من خلال طرح النائب عن تكتل "الليكود بيتنا" المستوطن فايغلن نزع السيادة الفلسطينية العربية عنه من خلال تشريع ذلك بقانون في الكنيست الاسرائيلي!؟
الحملة الاسرائيلية على الأقصى تجاوزت كل الخطوط السياسية، وتصب الزيت على نيران السخط والغليان الشعبي الفلسطيني، لاشعال الحرائق السياسية والباسها الثوب الديني بالتناغم والتكامل مع من يتساوق معها في التوجه المريب، لتحقيق مجموعة أهداف منها: اولا قطع الطريق على التوجهات والجهود الاميركية السلمية؛ وثانيا تصفية أي آفاق محتملة على التقدم في خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967؛ ثالثا اضعاف مكانة القيادة الفلسطينية، وتشوية دورها الوطني؛ رابعا إسقاط الدور الاردني في حماية المسجد الاقصى، كمقدمة لتفعيل خيار الوطن البديل، الذي يراود عقول قادة اليمين الصهيوني المتطرف؛ خامسا استغلال حالة الضعف العربية القائمة، وانشغال الدول الشقيقة بهمومها الخاصة لتمرير عملية التهويد للمسجد الاقصى خاصة والقدس عامة، تمهيدا لبناء الهيكل الثالث على انقاضه؛ سادسا خلط الاوراق في الساحة، لتحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية اية تطورات غير حميدة في المنطقة.
ما شهده المسجد الاقصى من اعتداءات اسرائيلية ارهابية، واقدام الكنيست على مناقشة نزع السيادة عنه دفع الجامعة العربية لعقد جلسة طارئة لبحث الموقف، واتخذ مجلس المندوبين قراراً بالتوجه للمجموعات الدولية في مجلس الامن لبحث إمكانية عقد جلسة لمناقشة الموقف الخطير في القدس والاقصى على حد سواء. كما ان البرلمان الاردني اتخذ خطوة أكثر ايجابية عندما طالب الحكومة بطرد السفير الاسرائيلي وسحب السفير الاردني. في السياق اصدر شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب ومفتي الديار المصرية ووزير الاوقاف والقيادة المصرية موقفا منددا بالانتهاكات الاسرائيلية.
غير ان الموقف العربي ما زال دون المطلوب تجاه الاعتداءات الاسرائيلية المنهجية، التي تستهدف الارض الفلسطينية المحتلة عام 1967. لا سيما وان الدول الشقيقة تملك اوراق قوة عديدة، إذا ما احسنت استخدامها فإنها بالضرورة سترغم إسرائيل واميركا على إعادة النظر في جرائمها وخياراتها الاستعمارية، من هذه الاوراق: السلاح السياسي والديبلوماسي والاقتصادي والتجاري والمالي. والتحرك في كل المنابر والمحافل الاممية للضغط على دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية، وتوسيع حملة المقاطعة لها في مجالات الحياة المختلفة لتعميق الخطوة الاوروبية.
كما ان القيادة الفلسطينية معنية بتصعيد جهودها على الصعد المختلفة، وخاصة المقاومة الشعبية، ودفع عجلة المصالحة الوطنية، وطي صفحة الانقلاب الاسود من السجل الوطني مرة وللابد، لتعزيز عوامل الصمود لمواجهة التحديات الاسرائيلية والضغوط الدولية، الملقاة على كاهل القيادة الفلسطينية. ولعل زيارة الرئيس محمود عباس للولايات المتحدة واللقاء مع الرئيس اوباما، ومن ثم عقد القمة العربية نهاية الشهر، تمنح الرئيس عباس والقيادة الفرصة لاثارة الموضوع، وانتزاع قرارات لكف اليد الاسرائيلية عن القدس والمسجد الاقصى وكل الاماكن المقدسة، ووقف الهدم واعلان العطاءات لابناء الوحدات الاستيطانية في العاصمة الابدية للدولة الفلسطينية وعموم الاراضي الفلسطينية.
ما يجري في القدس خطر جدا، ويهدد المصالح العليا للشعب العربي الفلسطيني، الامر الذي يفرض تحرك غير عادي واشتقاق سياسات جديدة ونوعية للجم الخطر الاسرائيلي، وقطع الطريق على من يستهدف مصالح الشعب العليا.
********
الاخوة القراء، أود ان الفت انتباهكم، إلى ان اسم "عادل عبد الرحمن"، لم يكن اسما حقيقيا، بل اسما مستعارا فرضته عوامل موضوعية منذ شهر نوفمبر 2009، غير ان الظروف تغيرت، والآن اعود للكتابة باسمي الحقيقي. وأشكر الظروف الجديدة والدعم، الذي منحني اياه بعض المعنيين لاستعادة الهوية الشخصية في الكتابة باسمي، لأتحمل المسؤولية كاملة عن كل ما أكتب. وشكرا لسعة صدركم.
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (279)
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
السبت
1/3/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
حتى لا نصل إلى حافة الانفجار !
بقلم: حديث القدس – القدس
لماذا وُلدتَ يا عمر غريبان؟!
بقلم: المحامي جواد بولس – القدس
الحنين إلى الحرب الباردة
بقلم: د . رغيد الصلح – القدس
لماذا العودة إلى اسطوانة "الوطن البديل" المشروخة؟
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
المد يتحول ضد إسرائيل ويسلمها إلى مزيد من النبذ والعزلة
بقلم: جوناثان كوك – القدس
القدس كما نفهمها قلبا ووجدانا وعاصمة
بقلم: الدكتور عقل أبو قرع – القدس
موسكو وأوروبا و"ربيع كييف"؟
بقلم: حسن البطل - الايام
اليوم الأول بعد فشل المفاوضات!
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
التحول التاريخي في دور "الأونروا" كسلطة ظل موازية للسلطة الفلسطينية القائمة
بقلم: حسين حجازي – الايام
على حصان الوطنية المصرية يترشح
بقلم: صادق الشافعي – الايام
متفاجئون على مدار الساعة حيث لا يستقيم التفاجؤ
بقلم: صلاح هنية – الايام
فــرِّق لا تـــســـد!
بقلم: رامي مهداوي – الايام
هي حروبٌ بارِدَة ولكن تَسخُنُ أحياناً
بقلم: آصف قزموز – الايام
نــفــّذ ثــم نــاقـــش
بقلم: وليد بطراوي
أسـئـلــة حــاضــرة
بقلم: وليد ابو بكر – الايام
نتنياهو يفتعل المأزق الخطير
بقلم: يحيى رباح – الحياة
المقاطعة: إدراك إسرائيلي بتزايد خطورتها؟
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
تغريدة الصباح - عن سجننا الذي لم نكتبه
بقلم: عدلي صادق – الحياة
القدس واقصاها في خطر
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
حتى لا نصل إلى حافة الانفجار !
بقلم: حديث القدس – القدس
استشهاد الشاب معتز وشحة الذي اغتالته القوات الاسرائيلية بدم بارد وقصفت ودمرت منزله في بيرزيت، وقبل ذلك استشهاد الأسير جهاد الطويل بعد تعرضه لاعتداء بالضرب والغاز من قبل ادارة السجون الاسرائيلية وعشرات الاصابات في مختلف انحاء الضفة الغربية وقطاع غزة بنيران القوات الاسرائيلية وحالات الاختناق بالغازات السامة التي تطلقها، وحملات الدهم والاعتقال خلال الأيام الثلاثة الماضية تشكل نموذجا مصغرا للتصعيد المنهجي الاسرائيلي الخطير ضد الشعب الفلسطيني والذي يشمل فيما يشمل الجرائم اليومية التي يرتكبها المستوطنون تحت حماية جيش الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين وآخرها جريمة اعتداء عشرين مستوطنا على مواطنين جنوب نابلس امس، مما اسفر عن اصابتهم بكسور ورضوض، وكذا التوسع الاستيطاني المتواصل وهدم المنازل ومحاولة الاستيلاء على المزيد من العقارات والمنازل الفلسطينية في القدس ..الخ من الانتهاكات والاعتداءات تؤكد مجددا اننا أمام احتلال بشع غير معني بالسلام وهو ما يثير التساؤل حول ما الذي ينتظره وزير الخارجية الاميركي جون كيري والمجتمع الدولي بعد كل هذا العدوان الشامل الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني ؟!
حكومة الاستيطان واليمين الاسرائيلي المتطرف كشفت عن وجهها الحقيقي المناهض للسلام وللشرعية الدولية منذ أمد طويل ورغم الفرص المتعددة التي منحها لها الجانب الفلسطيني والعربي لتغيير نهجها وممارساتها وسلوك طريق المفاوضات الجادة ، الا انها ازدادت غطرسة وتمارس تصعيدا ممنهجا أقل ما يقال فيه انه يدفع بالمنطقة الى حافة الانفجار مع كل التداعيات الخطيرة التي ستترتب على ذلك، فاسرائيل تدرك ان الشعب الفلسطيني لن يسكت عن الانتهاكات اليومية لحرمة الأقصى ولا عن مصادرات الاراضي والمشاريع الاستيطانية المتسارعة ولا عن تهويد القدس ولا عن تعرض ابنائه للقتل والاعتقال يوميا وهو ما يجب ان يضع المجتمع الدولي الآن أمام مسؤولياته في كبح جماح اسرائيل ومنع الانزلاق الى حافة الانفجار.
واذا كان الرئيس باراك اوباما سيلتقي رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي تتحمل حكومته مسؤولية كل هذا العدوان المتواصل والشامل على الشعب الفلسطيني عليه ان يدرك أن من حق الشعب الفلسطيني الدفاع عن وجوده وأمنه وحقوقه وهو حق كفلته الشرعية الدولية وأن الادارة الاميركية اذا كانت معنية فعلا بتحقيق السلام فإن عليها ان تلجم الحكومة الاسرائيلية وتوقف كل هذا العدوان بعد ان اصبحت عملية السلام مجرد شعار تتستر اسرائيل خلفه لارتكاب انتهاكاتها الفظة للقانون الدولي والتي قالت منظمة العفو عنها الاسبوع الماضي ان بعض هذه الانتهاكات الاسرائيلية يرتقي الى جرائم حرب.
ولماذا تتجاهل واشنطن كل ما ترتكبه اسرائيل ومستوطنوها ضد شعب بأكمله وتدخلنا في جدل بيزنطي حول ماهية اسرائيل وغيره من الشروط والاملاءات التي تريد اسرائيل فرضها بما يتناقض مع الشرعية الدولية ومع الحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني ؟
ان ما يجب ان يقال هنا للولايات المتحدة والمجتمع الدولي ان الشعب الفلسطيني الذي قدم تضحيات جساما من أجل تحرره من هذا الاحتلال البشع من حقه الدفاع عن وجوده وهويته وحقوقه ومن حقه رفض هذا الاحتلال ولا يعقل أن يقبل الشعب الفلسطيني باستمرار هذا النفاق الغربي في محاباة الاحتلال الاسرائلي وحمايته وتجاهل انتهاكاته الجسيمة باسم المفاوضات وعملية السلام.
السلام يقوم على احترام الشرعية الدولية ومواثيقها وقراراتها وليس على فرض الشروط والاملاءات ومن يريد السلام فإن عليه إنهاء هذا الاحتلال البغيض لكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 وفي مقدمتها القدس العربية وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة ذات السيادة على ترابه الوطني وحل قضية اللاجئين على أساس مقررات الشرعية الدولية وهو ما ترفضه اسرائيل جملة وتفصيلا.
ويبدو انه للمرة الأولى في التاريخ هناك من يصر على مكافأة الاحتلال غير المشروع على عدوانه ومكافأة المستوطنين على جرائمهم بحق شعب أعزل وهي مفارقة ساخرة لا تمت للسلام بصلة.
ان ما يجب ان يقال ايضا ان ما يجري يشكل اختبارا لمدى جدية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في تحقيق السلام في هذه المنطقة بإنهاء هذا الاحتلال وإنهاء المأساة الناجمة عنه من معاناة شعب بأكمله لا يزال ابناؤه يتعرضون للاعتقال والقتل وانتهاكات حقوق الانسان، والخطوة الأولى اللازمة لاثبات الجدية الاميركية ومصداقية الدور الاميركي تكمن في توفير المجتمع الدولي الحماية اللازمة للمدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال وإلزام اسرائيل بإنهاء احتلالها غير المشروع . أما المراوحة في مناقشة مطالب الاحتلال ومحاولات إملائه الشروط فهو نوع من تشجيع هذا الاحتلال وإكسابه مزيدا من الوقت على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.
لماذا وُلدتَ يا عمر غريبان؟!
بقلم: المحامي جواد بولس – القدس
جاء في الأخبار أن المحكمة المركزية في القدس قرّرت تخفيض الحكم على عنصرين من شرطة إسرائيل، كانت محكمة إسرائيلية قد دانتهما بتهمة التسبب بمقتل الشاب الفلسطيني عمر محمد إبراهيم أبو غريبان، وأوقفت هذه المحكمة حكمها على واحد وعشرين شهرًا بالسجن الفعلي، وذلك بدل ثلاثين كانت محكمة سابقة قد حكمت بها عليهما.
أظن أن القرّاء قد نسوا تفاصيل هذه الحادثة المستفزة، ويقيني أنّها لم تستوقف، أصلًا، قطاعات واسعة من جمهور"الواعين" وقطاعات "المتابعين" لشؤوننا العامة، ربما لأن الضحية كانت من هناك، من وراء الضجر والضباب، أو ربّما لأن مثل هذه الحادثة المأساة أمست مشهدًا عاديًا لا يسترعي أكثر من رمشة عين أو نصف تنهيدة.
عمر أبو غريبان- 35عامًا- شاب فلسطيني "تسلّل" إلى إسرائيل في شهر أيّار عام 2008 وتورّط في حادثة سير بسيّارة كانت على ما يبدو مسروقةً، على إثرها أصيب بصورة بالغة ونقل، في حينه، للعلاج في مستشفى "شيبا" في تل أبيب. بعد أيّام معدودة، وقبل إتمام مسيرة علاجه، قرر أطبّاء من المستشفى أنه مؤهّل لمغادرة المستشفى، فاستدعوا شرطة مدينة "رحوفوت" من أجل تسلمه وإعادته إلى المعتقل.
وفقًا لكثير من الإفادات، التي أدلى بها من كان متورّطًا في مجريات هذه الحادثة، فلقد كان واضحًا أن علاج عمر المصاب لم يستكمل، وكان وضعه ما زال حرجًا، ولم يكن في كامل وعيه وعافيته، وعلى الرغم من ذلك وافقت الشرطة على تسلّمه وبعض "الانابيب والأكياس" ما زالت مربوطة بجسمه.
كان عمر يفقد الوعي بين حين وآخر ويغط في غيبوبة لاحظها بعض أفراد الشرطة العاملين في ذلك المركز. على حاله الصعبة أبقي عمر لمدّة قصيرة، بعدها أمر ضابط مسؤول باصطحابه وإرجاعه، على أنه فلسطيني مجهول الهوّية والإقامة، وتسليمه لأحد الحواجز العسكرية القريبة من منطقة رام الله.
حاول أفراد الشرطة تسليمه لثلاثة حواجزعسكريه قريبة من منطقة "بيتونيا" و"عطروت"، إلّا أن الجنود رفضوا تسلمه. صارت الساعة الثالثة صباحًا، فقرر رجال الشرطة أن يتركوه على قارعة الطريق مدّعين، فيما بعد، أنّهم توقعوا مرور سيارة فلسطينية مصادفةً، فتعيده إلى داخل المناطق المحتلة.
في صباح يوم 15/6/2008، وجد عمر أبو غريبان ميّتًا في نفس المكان الذي ألقاه فيه الشرطيان . وجد جثة ملفوفة بمنامة المستشفى، في جيبه مكتوب موقع من الأطباء يشهدون على كونه سليمًا معافًى ومؤهلًا للعودة إلى عهدة الشرطة والأسر. على صدره ما زالت المجسّات لاصقةً، تشهد أنه كان مربوطًا لأجهزة مراقبة طبية ومن خاصرته يتدلى كيس وفيه بقايا من عصارات تشهد على ما كان حياةً. كان حافيًا. نتائج تشريح الجثة بيّنت أن "الجفاف" كان المسبب للوفاة. وتبيّن، كذلك، أنه ترك في منطقة يحظر على الفلسطينيين دخولها وفقًا لأوامر عسكرية إسرائيلية.
كان لا بد لي أن أنكأ هذا الجرح والوقوف، معكم، عند فوّهة العبث. كأنّها قصة خطّها شيطان، بزّت تفاصيلها أبرع قصص الخيال
وروايات الرعب الأسود. تخيّلوا معي كيف أمضى هذا الفلسطيني أيامه العشرة الأخيرة. بين صحو وغيبوبة، في حالة عجز شبه تام، فلقد وجدته الشرطة، حسب بعض شهادات أفرادها حين جاؤوا الى المستشفى لإعادة اعتقاله، محفظًا كالأطفال، في المستشفى سجّل على أنه مجهول الهوّية، وكان مسلوب الإرادة والتعبير.
كم من"البشر" تناوبوا على تقرير مصيره في تلك الأيام العشرة؟
حفنة من أطباء وممرضين، طواقم شرطة، وضباط قيّمين على سلامة الجمهور وأمنه وغيرهم كثيرون.
تصوّروا تلك الساعات من تلك الليلة اللعينة؛ سيّارة شرطة تدلل على بضاعتها: فلسطيني، شبه عار، حاف وضعيف، تمامًا كما تشتهي العنجهية، يعرض على جنود، بالعادة يتلقفون أمثاله كما يتلقف الصبية في قرانا أكياس "حلاوة الصبي"، لكنّهم،هذه الليلة، يتمنّعون ويرفضون تسلّم البضاعة، فلكلّ شيطان مملكة وحيّز، وشيطان تلك الليلة كان يلبس الأزرق.
لا أوضح من تداعيات هذه المأساة، فلو توفّرت الإرادة عند من قام بعملية التحقيق مع من كانوا شركاء في اتّخاذ سلسلة القرارات التي أدّت في النهاية إلى موت عمر أبو غريبان، لقدّمت لوائح اتهام بحق جميعهم ولكانت التهمة، القتل، وليس كما نصّت بحق الشرطيين، الإهمال!
القضية لا تنحصر بالشرطيين اللذين ألقيا بعمر إلى موته، لأنّها تبدأ بقرار أولئك الأطباء الذين أوصوا بتسريحه وهو في وضعه الصحي الخطير، كما تشهد الوقائع والوثائق والنتائج. وتشمل أيضًا أولئك الضباط المسؤولين عن إعطاء أوامرهم بإعادته في تلك الليلة وعدم تأكّدهم لاحقًا ممّا جرى وكيف.
لقد اكتفت اسرائيل ،باسم الحق العام، باتّهام الشرطيين بالإهمال والتسبب بالموت، بينما تدلل كل الوقائع على توفر عناصر جريمة أخطر وهذا تواطؤ.
لقد اكتفت المحكمة بالحكم على الشرطيين بثلاثين شهرًا وكأن الميت حصان عابر سبيل وهذا ظلم وناقوس خطر.
ومن ثم " كحّلوها" عندما جاء قرار محكمة الاستئناف المركزية ليخفض الحكم لواحد وعشرين شهرًا،فيسدل، عمليًا، الستار على المشهد الأخير من مسرحية العبث المستمرة والتي تدعوها الأمم: عدل محاكم دولة عادلة.
أصعب المآسي تلك التي تكون تفاصيلها بسيطة واضحة وتنطق بالحقيقة، حين تقف أمامها الضحايا خرساء عاجزة.أكثر أصناف العبث إيلامًا هو ذلك الذي يشرعنه شياطين عابثون،صغار يعيشون معك حياةً "طبيعية" "عاديةً"، وهي للبعض تكون، "عمرًا" في كفن مؤجّل.
الحنين إلى الحرب الباردة
بقلم: د . رغيد الصلح – القدس
عندما أعلن الرئيس الأمريكي أوباما بأنه "علينا ألا ننظر إلى القضية الأوكرانية وكأنها جزء من لعبة الشطرنج على طاولة حرب باردة بيننا وبين روسيا"، استقبل متابعون للأحوال الدولية هذه الكلمات بالترحاب، ولكنهم لم يعلقوا عليها آمالاً كبيرة . والتردد في التعويل على ما قاله الرئيس الأمريكي لا يرجع، بالضرورة، إلى شك في صدقه، ولكن إلى الاعتقاد بأنه غير قادر أحياناً على ترجمة نظرته إلى العلاقات الخارجية للولايات المتحدة إلى واقع محسوس . وما جرى بعد أيام من هذا الإعلان أكد عكس ما قاله أوباما، أي أن أحداث أوكرانيا تدحرجت على طريق استعادة الحرب الباردة بين الشرق والغرب .
كانت الحرب الباردة، كما وصفها الكاتب الأمريكي الشهير والتر ليبمان "حالة لا حرب ولا سلم" ونحن، في القرن الواحد والعشرين، لم نعرف لا الحرب ولا السلام الشاملين، بل نتعايش مع أشكال متقطعة ومتعددة ومتفرقة من الحروب والمجابهات العسكرية والصراعات بين شتى الكيانات الدولية . تتخلل هذه الصراعات أوجه متنوعة من وجوه الحرب الباردة مثل الدبلوماسية العدائية، سباقات التسلح، محاولات اقتناص واصطياد الحلفاء، المناكفات العقائدية، الغزوات العسكرية إلخ . وفي المنطقة العربية شهدنا العديد من هذه الفصول الكئيبة إلى درجة أننا بتنا نشعر بالحنين إلى أيام الحرب الباردة، وهذا الحنين عائد إلى الاعتبارات التالية:
أولاً، ان الحرب الباردة كانت صراعاً بين طرفين دوليين متكافئين تقريباً . وكان هذا الصراع الثنائي مفتوحاً على احتمال تحول النظام الدولي الثنائي، مع صعود العالم الثالث، وصعود السوق الأوروبية المشتركة، إلى نظام تعددي . ذلك الواقع شكل مظلة مهمة لنيل أكثر دول العالم استقلالها وحريتها ولصعود قوى مستقلة، ولو حتى نسبياً، في عالم السياسة والاقتصاد والأمن الدولي .
ثانياً، لأن هذه الصراعات كانت تبقى تحت سقف مقبول دولياً . حيث إن القوتين الدوليتين كانتا تخشيان من أن تتحول الصراعات المحلية والاقليمية الى مجابهات او تهديدات نووية متبادلة، كما حصل في قضية الصواريخ في كوبا في الستينات . تجنبا للحرب الشاملة المدمرة فانها كانت تسعى الى ضبط الحروب الصغيرة والحد من الخسائر البشرية والمادية التي كانت تنجبها، والحفاظ على قدر ملحوظ من السلم العالمي .
نحن اليوم نعيش -خاصة في المنطقة العربية- كل خصائص الحرب الباردة السلبية من حروب وصراعات عقائدية - دينية وسباقات تسلح الخ . . .، ولكن من دون حسناتها . أي إننا لا نشعر بوجود جهد مركز متبادل من أجل الحفاظ على ذلك القدر من السلم على المستوى الدولي . يعزو البعض هذا التردي في العلاقات الدولية إلى تراجع النظام الدولي من الثنائية إلى الأحادية . هذه الأحادية لا تتمثل اليوم فيما يقوله أو يقوم به باراك أوباما، ولكن في انحياز النخبة الأمريكية الحاكمة، على الأخص في الحزب الجمهوري واليمين المتطرف الأمريكي، إلى مضمون الوثيقة المعروفة باسم "قانون بول ولفوويتز" والتي نشرت خلال ربيع 1992 . وكما هو معلوم فإن هذه الوثيقة التي أعدها الأخير بصفته مساعداً لوزير الدفاع الأمريكي وباشراف ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، لم تتضمن جديداً من مبادئ السياسة الأمريكية، ولكنها استنبطت من تاريخ هذه السياسة ومن تقاليدها ومن تراث الإمبرياليات الأوروبية، ما يسمح للولايات المتحدة بالقيام بدور القطب الأعظم بعد انهيار النظام الدولي الثنائي . وحيث إن الوثيقة أعدت بعد حرب العراق الأولى، فقد كان هذا الحدث ماثلاً في العديد من سطورها ودعواتها، إلا أنه لم ينحصر في المسألة العراقية وحدها بل اعتبر وثيقة مستقبلية وتصلح لمدى زمني غير محدد .
تضمنت الوثيقة، كما هو معروف، دعوة إلى منع أية قوة معادية، مثل روسيا تحت "حكم جماعة قومية متطرفة"، من الهيمنة على النظام الدولي أو على أية منطقة مهمة من وجهة نظر أمريكية . كذلك دعت الوثيقة إلى "اقناع" أي "منافس محتمل"، مثل الدول الصناعية المتقدمة - أو بتعبير آخر الاتحاد الأوروبي- بصرف النظر - حتى عن مجرد التفكير - والتطلع إلى لعب دور دولي أو إقليمي أكبر من دورهم الراهن .
أثارت هذه الوثيقة حين نشرها خلال ربيع عام 1992 ضجة كبرى في أوروبا ما دعا إلى تعديل العبارات الاستفزازية فيها التي طالت الاتحاد الأوروبي . إلا أن ما يجري اليوم في أوكرانيا، يدل على أن ما جاء في تلك الوثيقة هو السياسة الفعلية التي تنتهجها واشنطن تجاه كل ما يهدد الأحادية الأمريكية . هذه السياسة لا تعبر عما قاله أوباما حول أخطار تحول أوكرانيا إلى محطة انطلاق لحرب باردة جديدة . على العكس من ذلك، إذ ترجمت السياسة الأمريكية المطبقة في هذا المجال الموقف االعدائي والمهين الذي يتخذه مسؤولون أمريكيون، مثل فيكتوريا نولاند، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأوروبية والأوراسية، تجاه كل من يهدد الزعامة الأمريكية الأحادية في العالم .
تضمنت توجيهات نولاند إلى السفارة الأمريكية في كييف العمل على عرقلة المساعي الروسية أو الأوروبية للوصول إلى حل توافقي للأزمة الأوكرانية . انطوى هذا الموقف -استطراداً- على الحيلولة دون انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوراسي الذي دعا إليه بوتين، أي إلى عرقلة صعود روسيا، مرة أخرى، سلم النظام الدولي . أن هذا التوجه لا يسدد ضربة كبرى إلى حلم بوتين الاتحادي فحسب، ولكنه يفتح الباب أمام احتمالات لا تخدم الاتحاد الأوروبي . أهم هذه الاحتمالات هي مطالبة المنتصرين في كييف بضم أوكرانيا إلى صفوف الاتحاد . كيف يكون ذلك؟
لقد كان التوسيع السريع والمستمر للاتحاد واحداً من الأدوات التي استخدمت لاجهاض الاتحاد ولتحويله إلى كومنولث جديد يضم العشرات من الدول، ولكنه يفتقر الى الحيوية والتجانس الكافيين لكي يكون عنصراً فاعلاً في السياسة الدولية . في هذا السياق دأب ساسة اوروبيون مناهضون للاتحاد، مثل توني بلير، إلى المطالبة بتوسيعه إلى حساب تعميقه، بينما حرص الاتحاديون الأوروبيون الحقيقيون على إقامة توازن بين التوسيع والتعميق . من هذا المنطق لم يدع الاتحاد أوكرانيا إلى الانضمام إلى عضويته بل إلى دخول شراكة معه . أما السياسة التي تبناها بعض العاملين في حقل السياسة الخارجية الأمريكية فكانت الانضمام السريع لدول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد بغرض تحقيق هدف مزدوج: منع هذه الدول من الالتفات شرقاً صوب روسيا، من جهة، واضعاف تجانس الاتحاد ومن ثم فاعليته، من جهة أخرى . هذا الهدف المزدوج يحقق للمحافظين الجدد المنتشرين في الخارجية الأمريكية كل ما يطمحون إلى تحقيقه بحكم الحوافز العقائدية التي تحركهم . ولكن هذا الإنجاز سوف يبقى مهدداً بردود الفعل والتعقيدات التي قد تهب على الوضع الأوكراني الجديد من المناطق ذات الأغلبية الإثنية الروسية .
لماذا العودة إلى اسطوانة "الوطن البديل" المشروخة؟
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
يتجدد الحديث بين آونة وأخرى عن "الوطن البديل" علماً أن هذا مقترح اقترحه إسرائيليون يمينيون ويقوم على فكرة "الترانسفير" أي ترحيل الشعب الفلسطيني من وطنه وأرضه إلى الأردن باعتباره وطنا بديلاً للشعب الفلسطيني. وهذا المقترح يزعم أن أرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر هي أرض إسرائيل التوراتية وأن العرب الفلسطينيين فيها هم أغراب وطارئون، وأن الواجب أن يتم ترحيلهم منها حيث أن وطنهم هو الأردن وأن إسرائيل يجب أن تكون دولة يهودية خالصة لليهود، وأصحاب هذا الزعم يدعون أيضا الى طرد وترحيل الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم وورثهم داخل الخط الأخضر.
ولأصحاب فكرة "الوطن البديل" في اسرائيل زعماء كبار من مدنيين وعسكريين يحتلون مناصب رفيعة ويقف على رأسهم اليوم نائب رئيس الكنيست موشيه فيجلن الذي اقتحم يوم الأربعاء قبل الماضي برفقة العشرات من المستوطنين ساحات المسجد الأقصى المبارك واعتلى قبة مسجد الصخرة المشرفة ودعا إلى طرد الفلسطينيين إلى العربية السعودية حيث هناك حسب زعمه مكانهم الأصلي، وأن القبة الذهبية لمسجد الصخرة المشرفة هي المعبد اليهودي وليست للمسلمين. كما أنه صاحب المقترح الذي بحثه الكنيست يوم الثلاثاء الماضي القاضي بنزع الوصاية الأردنية عن المسجد الأقصى المبارك وفرض السيادة الإسرائيلية عليه.
إن "الوطن البديل" إنما هو مجرد أوهام في رؤوس مطلقي هذه الفكرة العبثية، وكأن الشعب الفلسطيني حجارة شطرنج ينقلونها ويحركونها كما يشاؤون. علماً أن هذا الشعب العظيم جذوره ضاربة عميقاً عميقاً في أرض وطنه، فهو من أحفاد الكنعانيين العرب القدماء الذين هم أول من سكن فلسطين وذلك عام 2600 قبل الميلاد حيث أسسوا مئتي مدينة في فلسطين منها مثلا " نابلس وبيسان وعسقلان وعكا وحيفا وبئر السبع وبيت لحم".
كما أن الفنيقيين الذين سكنوا فلسطين هم فرع من القبائل العربية عاشوا في شمال فلسطين قريبا من سوريا حيث أسسوا حضارة كبيرة عرفت في التاريخ بالحضارة الفنيقية. وفي ذات السياق فإن اليبوسيين الذين أسسوا مدينة القدس واستوطنوا فلسطين هم عرب أيضاً قدموا من الجزيرة العربية وسكنوا في فلسطين واتخذوا من "أورسالم" التي أصبحت تعرف الآن بالقدس عاصمة لهم.
وقد دخل الإسلام فلسطين وسائر بلاد الشام خلال الفتوحات العربية الإسلامية حيث تسلم الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مفاتيح القدس من بطريرك المدينة صفرونيوس ومنحه العهدة العمرية التي تعتبر وثيقة تاريخية إنسانية تؤكد سماحة الإسلام العظيم واحترامه للديانة المسيحية ومحافظة على أماكنهم المقدسة وتمنح أتباعها حرية أداء شعائرهم الدينية، وقد رفض الفاروق رضي الله عنه الصلاة في كنيسة القيامة حتى لا يطالب المسلمون بها من بعده ويحولوها إلى مسجد، وإنما صلى في مكان مجاور لها مازال قائماً حتى الآن يعرف بمسجد عمر ويقوم شاهدا على الأخوة الإسلامية المسيحية.
وإن كان مستنكراً ومرفوضا أن يطرح غلاة اليمين الإسرائيلي فكرة " الوطن البديل" ويدعون إلى "الترانسفير" وترحيل الفلسطينيين إلى المملكة الأردنية الهاشمية فإن الأمر الأكثر استنكاراً أو استهجاناً أن يتحدث بعض العرب عن هذه الفكرة ويزعمون أن هناك مباحثات سرية لإحلال السلام بين إسرائيل والدولة العبرية تعتمد أساساً على أن الأردن هو وطن الفلسطينيين أي هو "الوطن البديل".
وهذا الترويج مجدداً للوطن البديل وادعاءات البعض أنه خيار مطروح للبحث أثار غضب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني واستنكاره ما حمله يوم الأحد الماضي إلى الحديث بصراحته وشفافيته المعهودة منه في هذا الموضوع، وذلك خلال لقائه رئيس الوزراء الأردني ورئيس مجلس الأعيان ورئيس مجلس النواب ورئيس المجلس القضائي ورئيس المحكمة الدستورية وأعضاء المكتب الدائم في مجلس الأعيان والنواب، حيث تحدث جلالته عن المشهد الوطني الأردني وعن محاولات مجموعة معروفة لإيقاع الفتنة بين صفوف الشعب الأردني الواحد من خلال ما تروجه من إشاعات للتشويش على المسيرة الوطنية الأردنية وصرف الأنظار عن الأولويات الوطنية خاصة ما يتعلق بالإصلاح السياسي والإقتصادي.
وأكد العاهل الأردني في اللقاء مع كبار المسؤولين الأردنيين أنه عندما يبدأ جهد جدي لتحقيق السلام يكرر أولئك الساعون إلى الفتنة عن وهم "الوطن البديل" ويزعمون أن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيكون على حساب المملكة الأردنية الهاشمية، وشدد جلالته على أن الموقف الأردني واضح كل الوضوح من قضية السلام وأن "الوطن البديل" هو مجرد وهم، وأن الحديث عن " الوطن البديل" هو مجرد حديث مكرر ومعروف للجميع وبخاصة أنه يجري الحديث عنه منذ خمسة عشر عاماً، ودعا شعبه الأردني إلى التصدي لمن يروج لما يسمى بالوطن البديل.
وأعاد العاهل الأردني التأكيد على أن الأهم في جدول أعماله الشخصي واليومي هو خدمة المواطن الأردني، وأن الحديث عن الوطن البديل ليس سوى مجرد تشويش لا غير. وقال إن موقف الأردن قوي جداً ومطلع على كل التطورات الخاصة بالمباحثات الفلسطينية الإسرائيلية وما يخص مستقبل فلسطين، وجدد التأكيد على أن الأردن هو الأردن وأن فلسطين هي فلسطين ولا شيء غير ذلك لا في الماضي ولا اليوم ولا في المستقبل.
وقد ثارت فكرة "الوطن البديل" مجدداً على هامش النقاش الذي أثير حول خطة وزير الخارجية الأميركي جون كيري لوضع إطار لتحقيق السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، حيث زعم بعض مروجي الفتن والإشاعات على أن الخطة تقضي بتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن ضمن خطة "الوطن البديل"، كما أن البعض من مثيري تلك الأراجيف استغل الجهود الدبلوماسية الحثيثة والمتواصلة التي يبذلها العاهل الأردني من أجل ضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني خاصة خلال جولته الأخيرة للولايات المتحدة حيث التقى الرئيس الأميركي باراك أوباما وبحث معه تطورات الوضع في منطقة الشرق الأوسط عامة وآخر الجهود المبذولة للتوصل إلى تسوية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وزعم أولئك أن تلك التسوية ستكون على حساب الأردن.
والذي لا بد من التأكيد عليه أن هناك تنسيقاً تاماً ودائماً بين الرئيس محمود عباس والعاهل الأردني وأن الرئيس عباس يطلع الملك الأردني باستمرار على آخر التطورات الخاصة بالقضية الفلسطينية، وأن مواقف الزعيمين متطابقة تماماً فيما يخص الحل العادل للقضية الفلسطينية، كما أنه من المستحيل أن تجري القيادة الفلسطينية محادثات سرية مع الجانب الإسرائيلي من وراء ظهر الأردن. والرئيس عباس شأنه شأن العاهل الأردني يؤكد دائماً أن "الوطن البديل" مجرد وهم في رؤوس أصحابه، وأن فلسطين هي فلسطين والأردن هو الأردن وأن الحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي إنما يتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الأراضي الفلسطينية ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967. وأن الشعبين الشقيقين الفلسطيني والأردني لكل منهما كيانه المستقل ودولته المستقلة. وأنه عندما تقوم الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة فإن الشعبين الشقيقين سيختاران بحرية وديمقراطية نوع العلاقة التي ستنشأ بين الدولتين المستقلتين.
إن أولئك العابثين والمروجين الذين هدد العاهل الأردني بكشف أسمائهم وشخصياتهم يزعمون أن القيادة الفلسطينية تجري مفاوضات سرية من خلف ظهر الأردن مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي ويتناسون أن الرئيس محمود عباس رفض رغم الضغوط الهائلة التي مورست عليه خلال محادثاته الأخيرة في باريس مع الوزير جون كيري الإعتراف بمطلب يهودية الدولة العبرية، وأصر على التمسك بالثوابت الفلسطينية المتمثلة في أن حدود الدولة الفلسطينية هي خطوط الرابع من حزيران عام 1967، كما أصر الرئيس على انسحاب إسرائيلي كامل من أراضي الدولة الفلسطينية.
وقد رحبت القيادة الفلسطينية بحديث العاهل الأردني حول رفض "الوطن البديل" حيث أكد الناطق باسمها نبيل أبو ردينة أن علاقاتنا مع الشقيقة الأردن مميزة وتاريخية وتتسم بالثقة الكاملة والتشاور المستمر والتنسيق في كل المواقف، وقال أبو ردينة نحن متفقون مع جلالة الملك عبد الله الثاني بأن الأردن هو الأردن وأن فلسطين هي فلسطين، ومتفقون على شروط ومرجعيات عملية السلام.
وهكذا فإن الحديث عن "الوطن البديل" وكما قال العاهل الأردني مجرد وهم وأنه يجب أن يغلق إلى الأبد لأنه اسطوانة قديمة مشروخة.
المد يتحول ضد إسرائيل ويسلمها إلى مزيد من النبذ والعزلة
بقلم: جوناثان كوك – القدس
الناصرة- نادراً ما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محاصراً سياسياً على هذا النحو. وتشير محنته إلى عجز اليمين الإسرائيلي عن الاستجابة للمشهد السياسي المتحول، سواء في المنطقة أو في العالم الأوسع. ويتلخص سياق متاعبه في التزامه في العام 2009 بدعم إقامة دولة فلسطينية، تحت ضغط من الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً، باراك أوباما. وكان ذلك تنازلاً لم يرغب أبداً في تقديمه، وواحداً ظل يندم عليه منذ ذلك التاريخ.
وقد استغل وزير الخارجي الأميركي، جون كيري، ذلك الالتزام بفرض إجراء محادثات السلام الحالية. والآن، أصبح نتنياهو يواجه احتمال "اتفاق إطار" وشيك، والذي ربما يتطلب منه تقديم المزيد من الالتزامات في اتجاه نتيجة يمقتها تماماً.
على الجهة الأخرى، لا يقدم رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أي مساعدة. فبدلاً من التشبث بمواقفه الخاصة، أصبح يعرض المزيد من التكيف بثبات. وقد أخبر صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً بأن إسرائيل يمكن أن تأخذ وقتها وتستفيد من خمس سنوات لإزالة جنودها ومستوطنيها من قطعة رئيسية من الأراضي الفلسطينية، وادي الأردن. كما أن الدولة الفلسطينية سوف تبقى منزوعة السلاح، في حين يمكن لقوات حلف الناتو أن تبقى "لوقت طويل، وفي أي مكان تشاء".
تشكل الجامعة العربية شوكة أخرى في خاصرة نتنياهو. فقد التزمت بدورها بتجديد عرضها الذي كانت قدمته في العام 2002، تحت اسم مبادرة السلام العربية، التي وعدت إسرائيل بإقامة علاقات سلمية مع العالم العربي مقابل موافقتها على قيام دولة فلسطينية.
في الأثناء، يقوم الاتحاد الأوروبي بتضييق الخناق على الاحتلال بهدوء وعلى مهل. ويجاهر الاتحاد بانتظام بإدانته لنوبات جنون البناء الاستيطاني الإسرائيلي، بما في ذلك الإعلان الأخير عن بناء 558 وحدة استيطانية في القدس الشرقية. وفي الخلفية يلوح في الأفق فرض المزيد من العقوبات على بضائع المستوطنات الإسرائيلية. ويمكن أن تقدم المؤسسات المالية الأوروبية مقياساً مفيداً للمزاج السائد وسط الدول الثماني والعشرين الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ولعل من اللافت أن أعضاء هذه المؤسسة أصبحوا رواداً غير متوقعين لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، مع قيام جدول صغير وثابت من البنوك وصناديق التقاعد بسحب استثماراتها من إسرائيل في الأسابيع الأخيرة.
في معرض إشارته إلى أن حملات المقاطعة و"نزع الشرعية" بصدد التسارع والاتساع، حذر كيري من أن سياسة إسرائيل التقليدية أصبحت "غير قابلة للاستدامة" ولا يمكن تحملها. وتنسجم هذه الرسالة فعلاً مع ما يقوله العديد من قادة الأعمال الإسرائيليين، الذين ألقوا بثقلهم خلف الخطة الدبلوماسية الأميركية. ويعتقد هؤلاء أن إقامة دولة فلسطينية ستكون المفتاح لكسب إسرائيل مدخلاً إلى الأسواق الإقليمية المربحة وتحقيق النمو الاقتصادي المستمر. ولا بد أن يكون نتنياهو قد ارتبك من الأنباء التي أفادت بأنه كان من بين أولئك الذين قابلوا جون كيري للتعبير عن الدعم في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الشهر الماضي، كان شلومي فوغل، صديق رئيس الوزراء الحميم منذ وقت طويل.
ربما يفسر الضغط على هذه الجبهات المختلفة دعوة نتنياهو السريعة في نهاية الأسبوع قبل الماضي لكبار وزرائه من أجل وضع استراتيجية لمواجهة مد المقاطعة المتنامي. وضمت الاقتراحات في تلك الاجتماعات شن حملة إعلامية بكلفة 28 مليون دولار، واتخاذ خطوات قانونية ضد المؤسسات المقاطِعة، وتكثيف مراقبة جهاز الموساد الإسرائيلي للناشطين في الخارج.
على الساحة المحلية، يعاني نتنياهو -المعروف بتقديره العالي للبقاء السياسي ووضعه فوق كل الاهتمامات الأخرى، من رحلة صعبة أيضاً؛ حيث يجري تقويضه من على يمينه على يد خصومه ومنافسيه من داخل الائتلاف.
هذا الشهر، أثار زعيم المستوطنين، نفتالي بينيت، خصومة علنية مع نتنياهو، متهماً إياه بأنه خسر "بوصلته الأخلاقية" في المحادثات. وفي الوقت نفسه، غير أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية من حزب "إسرائيلي بيتنا" اليميني المتطرف، مساره بكشل درامي أيضاً؛ حيث أخذ يتملق جون كيري ووصفه بأنه "صديق حقيقي لإسرائيل". وقد جعلت حنكة ليبرمان غير المتوقعة في الحكم من اشتباكات ومماحكات نتنياهو مع الولايات المتحدة تبدو، حسب كلمات محلل محلي، "صبيانية وغير مسؤولة".
إن هذه الضغوط المتزايدة على نتنياهو هي التي ينبغي أن يفهم المرء في ضوئها سلوكه الذي يصبح خاطئاً باطراد -وكذلك تنامي الصدع مع الولايات المتحدة. ثمة مزيد من الانفصال الذي أوقع أضراراً أخرى في العلاقة مع أميركا والذي لم يهدأ منذ الشهر الماضي، في أعقاب الشتائم التي أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي ضد كيري. وفي الأيام الأخيرة، أطلق نتنياهو أوثق حلفائه في الائتلاف ليهاجموا كيري بعنف مرة أخرى، حيث وصف أحدهم تصريحات وزير الخارجية الأميركي بأنها "مسيئة وغير محتملة".
في الرد على ذلك، أرسلت مستشارة أوباما للأمن القومي، سوزان رايس، تغريدة على "تويتر"، عبرت فيها عن استيائها. وقالت إن هجمات الحكومة الإسرائيلية كانت "بلا أساس على الإطلاق وغير مقبولة". ثم تبددت لاحقاً أي شكوك بأنها كانت تتحدث باسم الرئيس، عندما امتدح أوباما "شغف كيري الاستثنائي ودبلوماسيته المبدئية".
لكن نتنياهو يبقى، رغم الإشارات الخارجية، أقل وحدة مما يبدو -وبعيداً كل البعد عن الاستعداد للتسوية. إن لديه الجزء الأكبر من الجمهور الإسرائيلي وراءه، بمساعدة من أباطرة الإعلام، مثل صديقه شيلدون أندلسون، والذين يساعدون في تعزيز الإحساس الوطني بالحصار ودور الضحية. لكن الأهم من ذلك كله هو أن لديه شريحة كبيرة من المؤسسة الأمنية والاقتصادية الإسرائيلية إلى جانبه.
لقد تغلغل المستوطنون وحلفاؤهم الإيديولوجيون عميقاً في المراتب العليا في كل من الجيش و(الشاباك)، جهاز الاستخبارات الإسرائيلية السري. وكشفت صحيفة "هآرتس" هذا الشهر أخباراً مقلقة أفادت بأن ثلاثة من أربعة من رؤساء الشاباك الآن يتبعون هذه الإيديولوجية المتطرفة.
بالإضافة إلى ذلك، تستثمر عناصر قوية في داخل المؤسسة الأمنية مالياً وإيديولوجياً في دعم الاحتلال. وفي السنوات الأخيرة، حلقت ميزانية الدفاع لتسجل مستويات قياسية، بينما تستغل طبقة كاملة من كبار الجيش واقع الاحتلال لتبرير منح نفسها رواتباً ومعاشات تقاعدية مضخمة بشكل فاضح.
هناك أيضاً أرباح تجارية كبيرة تُجنى من الحالة الراهنة، بدءاً من صناعات التكنولوجيا الفائقة إلى الاستيلاء على الموارد. وقد أضيء ما هو على المحك مؤخراً بإعلان يقول إن الفلسطينيين سيضطرون إلى شراء اثنين من الموارد الطبيعية من إسرائيل بكلفة كبيرة -الماء والغاز- واللذين كان ينبغي أن تكون لديهم إمدادات كبيرة منها لولا الاحتلال.
مع وجود جماعات المصلحة هذه من خلفه، ربما يتمكن نتنياهو المتحدي من اتقاء شر الهجوم الدبلوماسي الأميركي عليه هذه المرة. لكن كيري ليس مخطئاً حين يحذر من أنه سيتبين على المدى الطويل أن أي انتصار للتعنت الإسرائيلي سيكون باهظ الكلفة على إسرائيل نفسها.
ربما لا تفضي المفاوضات الحالية إلى اتفاق، لكنها ستشكل مع ذلك نطقة تحول تاريخية. إن نزع الشرعية عن إسرائيل هو عملية جارية حقاً، والطرف الذي يلحق أبلغ الضرر بإسرائيل ليس سوى القيادة الإسرائيلية نفسها.
*حائز على جائزة مارثا جيلهورن الخاصة للصحافة. آخر كتبه "إسرائيل وصراع الحضارات: العراق، إيران وخطة إعادة تشكيل الشرق الأوسط". و"فلسطين المتلاشية: تجارب إسرائيل في البؤس الإنساني".
القدس كما نفهمها قلبا ووجدانا وعاصمة
بقلم: الدكتور عقل أبو قرع – القدس
تتناقل الانباء هذه الايام، اقتراحا بأن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية القادمة في القدس، وليست القدس،اي ليست القدس حسب التعريف او القانون الدولي، او ببساطة حسب تعريف حدود عام 1967.
ومدينة القدس ليست بالحاجة الى التعريف في وجدان او عقول ملايين الفلسطينيين، وعند ذكر القدس، فأن اول ما يتبادر الى ذهن اكبر او اصغر مواطن فلسطيني، هو السور القديم، وازقة البلدة القديمة، وباب العمود، وباب الواد، وشارع صلاح الدين، والاقصى وقبة الصخرة والقيامة، وباب الخليل، والصوانة وواد الجوز، والشيخ جراح والمصرارة، وغير ذلك من الاماكن التي ترتبط وجدانيا ودينيا وتاريخيا وثقافيا واقتصاديا وسياحيا بالقدس، وبالتالي فأن محاولات اعادة تعريف القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، بحيث تكون من اطرافها او على اطرافها، او من ضواحيها، سواء في ابو ديس او بيت حنينا او في غيرهما، لن تجدي نفعا في اعادة تعريف القدس، في عقول وثقافة وتطلعات الملايين من الفلسطينيين، ومئات الملايين من العرب ومن غير العرب، سواء اكانوا مسلمين او مسيحيين.
والقدس، ورغم التغيرات الهائلة التي حدثت فيها وعليها خلال السنوات او عشرات السنوات الماضية، تبقى راسخة في الاذهان من خلال صورتها القديمة، التي من الصعب التشويش عليها، سواء اكانت تتعلق بأماكن العبادة، او المحلات التجارية، او المراكز الثقافية، او الازقة، او الشوارع والمعالم، او حتى الضواحي، والذي يذهب الى القدس هذه الايام يلحظ التغيرات الهائلة من المصرارة الى الشيخ جراح او الى التلة الفرنسية، او ما حدث في منطقة باب الخليل بأتجاة بيت لحم، او من ناحية باب المغاربة وسلوان، او في داخل البلدة القديمة وبالتحديد في منطقة الحي اليهودي ومن حولة او من تحتة، ورغم التغيرات الهائلة والمقصودة من اجل تغيير القدس، ورغم الحملات الاعلامية والثقافية، ورغم الابعاد الاقتصادية لهذه التغيرات، تبقى القدس بصورتها القديمة، سواء في باب الواد، او واد الجوز، او المصرارة، او الاقصى ومحيطة من كل الجهات، تبقى ورغم سنوات الاغلاق والحواجز، تبقى هي القدس التي يذكرها كل فلسطيني حين يسمع بالقدس، وبالاخص هذه الايام عند الحديث عن القدس في السياسة وتشعباتها.
ولا عجب مما بدأ به الكنيست الاسرائيلي قبل ايام من نقاش حول ما بات يعرف بفرض الوصاية الاسرائيلية او اليهودية، او بأنتزاعها من الجانب الاردني على منطقة ما يعرف بـ "جبل البيت"، اي منطقة قبة الصخرة والمسجد الاقصى وما حولهما، لان الهدف هو طمس معالم القدس، التي ترسخت بالصورة الاصلية، ومحو التاريخ وروابطه، من عقول ومشاعر الناس الذين اعتادوا على ذلك، ورغم ان كل ذلك من المحاولات، ورغم كل ما تم على الارض من تغيير لمعالم ولمناطق، ورغم كل القوانين التي مرت او تم تطبيقها في الماضي، ورغم كل الحملات الاعلامية في الداخل والخارج، من اجل ترسيخ او تثبيت القدس، ومن ضمنها القدس العربية كعاصمة لاسرائيل، الا ان ذلك لم ينجح، في العالم، والاهم لم ينجح في فك او حتى في اضعاف روابط الفلسطينيين وغيرهم بالقدس، كما عرفوها ويعرفونها، وان لم يعرفوها عن كثب او من خلال الوصول اليها، فكما تم نسجها في وجدانهم من الاباء والاجداد والاصدقاء، وبالاخص منطقة الاقصى والصخرة وما حولهما، وللتأكد من ذلك، ورغم كل المنع والقيود والحواجز، وتحديد الاعمار والاجناس، يمكن لاي مراقب خارجي او داخلي، ملاحظة تدفق الالاف او عشرات الالاف من الناس، في ايام الجمع من رمضان، ومن كل الاتجاهات المحيطة بالقدس، ويمكن كذلك تصور الوضع فيما لم يكن هناك منع او قيود، سواء في ايام الجمع او الايام الاخرى من العام، ودعنا نتصور ان هذا المنع او التقييد لا يشمل كذلك ابناء قطاع غزة، ليكون هذا الوضع هو الاجابة الحقيقية والعملية على محاولات فرض الوصاية على الاقصى، وليس الاجابة من خلال التهديدات او التحذيرات الرسمية العربية من هنا او من هناك؟
والقدس المعروفة، اي التي لا تحتاج الى تعريف، ليست فقط بالبعد الديني، الاسلامي والمسيحي، بل هي من خلال البعد الثقافي، الحضاري، والتاريخي، والجغرافي للتواصل بين الشمال والجنوب، او حتى بين الضفة وغزة، وهي التي تعني التاريخ الذي درسناة ولسنوات طويلة في المدارس وغيرها، وهي التي احتوت وتحوي مؤسسات ثقافية وتعليمية عريقة، وهي التي لا يمكن ان لا يتوة عنها، ورغم المسميات الختلفة، اي شخص في هذا العالم.
والقدس، سواء اكانت داخل السور او في اطرافة من الخارج، هي ذات البعد الاقتصادي، الذي تواصل مع باقي الضفة، من الشمال او رام اللة، او من الجنوب وبيت لحم والخليل، ورغم الاغلاقات او المنع، ورغم النشاطات الاقتصادية الزاخرة او المتنوعة، وفي الاخص في ما يعرف ب العاصمة المؤقتة الحالية، اي رام اللة، الا ان ازالة الحواجز والقيود، سوف يعيد الناس الى القدس ويعيد القدس الى الناس، وبسرعة، وسوف يعيد اليها الالاف من الناس للتسوق، وللطعام، والدراسة، والاهم لتعميق الترابط الاقتصادي مع الاطراف في الشمال والجنوب.
والقدس بالمفهوم المتعارف عليه تعني السياحة، اي تدفق العملات الصعبة نتيجة تدفق السياح، الى ميزانية الدولة الفلسطينية القادمة والتي سوف تكون في الحاجة الماسة الى هذه العملات، وكيف يمكن ان يتدفق السياح الى عاصمة الدولة الفلسطينية، بدون ان تكون البلدة القديمة مثلا جزء من هذه العاصمة او الدولة، وبدون ان تكون القيامة او قبة الصخرة مثلا، تحت سيطرتها، او تكون الفنادق في الطور او الشيخ جراح او باب العمود او في واد الجوز خروج حدودها؟ وكيف يمكن ان تنجح السياحة، اذا لم يتدفق الملايين من العرب من المسيحيين والمسلمين، ومن المسلمين من غير العرب، وبحرية وبرغبة، وبدون قيود او تصاريح او اذونات، ومن خلال المعابر الفلسطينية الى القدس، وكيف يمكن ان تنجح الدولة الفلسطينية القادمة في مقاومة البطالة والفقر وتداعياتهما الاجتماعية، اذا لم تسيطر على السياحة، من خلال السيادة على القدس كما تم تعريفها دوليا، اي بحدود عام 1967؟
ومعروف ان هناك محاولات او ضغوطات، لاعادة تعريف القدس جغرافيا او مكانيا او سياسيا، ومعروف ان هناك مناورات في السياسة وما يتبعها من ضغوط، لبث مصطلح عاصمة دولة في القدس، وليس العاصمة القدس، اي القدس حسب القانون الدولي، وحسب التعريف التاريخي، وربما ينتج عن كل ذلك حل ما بالنسبة للقدس، ولكن القدس الحالية، للدولة الفلسطينية القادمة، ليست فقط الرابط الديني، بل الثقافي والحضاري، والاقتصادي، والسياحة، والبعد الجغرافي والتواصل بين الناس وروابطهم الاجتماعية، وبالتالي كيف يمكن تصور دولة فلسطينية بدون القدس الحالية كعاصمة لها؟
موسكو وأوروبا و"ربيع كييف"؟
بقلم: حسن البطل - الايام
خلاف بقية نسور (صقور وعقبان) هي بعض شعارات الدول، فإن النسر الامبراطوري الروسي ذو رأسين يلتفتان لجهتين: في دلالة على أن روسيا الاتحادية، ولاحقاً الاتحاد السوفياتي، هو آسيوي وأوروبي.
أعرف أنهم غيروا علم المطرقة، والمنجل السوفياتي، ولا أعرف هل غيروا شعار الدولة، والاتحاد، او الامبراطورية. ما لم يتغيّر في روسيا الامبراطور - بطرس الأكبر، او الامبراطورة الاسطورية إيكاترينا، وامبراطورية لينين وستالين، هو موقع اوكرانيا في سياسة روسيا الاتحادية، والاتحاد السوفياتي، ثم الاتحاد الروسي و"أسرة الدول المستقلة".
أوكرانيا ذات شاطئ على البحر الأسود، أي هي موطئ قدم الحلم الامبراطوري الروسي ثم السوفياتي، ثم الروسي للوصول الى "المياه الدافئة" للبحر المتوسط، عبر مضيق الدردنيل والبوسفور التركي. ستقوم القيامة لو أغلقت أنقرة "خيشوم" موسكو البحري!
هذه هي سيباستبول قاعدة الاسطول الروسي، ثم السوفياتي، ثم الروسي، أو "خيشوم" الامبراطورية الروسية والسوفياتية، التي صارت، من الحقبة السوفياتية "اهراءات قمح" امبراطورية دولة العمال والفلاحين، وايضاً بعد أن انهارت المنظومة الاشتراكية، ثم الامبراطورية السوفياتية، صارت ممر شرايين الغاز الروسي التي تمدّ اوروبا بالطاقة غير الملوثة للجو.
اذا تسامحت موسكو مع النزعات الاستقلالية في جورجيا (موطن رأس ستالين)، وايضاً آخر وزير خارجية للاتحاد السوفياتي شيفارنادزة) فإنها لم تتسامح مع النزعات الاستقلالية القديمة للشيشان، التي هي في "الاتحاد الروسي" وقمعتها بقسوة وبصبر ايضاً.
واستبدلت موسكو "درع" الاتحاد السوفياتي، ببذلة "أسرة الدول المستقلة"، وأما دول شرق اوروبا فقد اجتازت طريقاً طويلاً منذ انتفاضة بودابست وانتفاضة براغ، واخيراً تمرد وارسو الناجح بقيادة ليخ فاونسا .. الى الانضمام لامبراطورية اخرى، هي الاتحاد الاوروبي، تحقيقاً لحلم ديغول "من الاطلسي الى (جبال) الاورال".
كان فلاديمير بوتين شاهداً على انهيار المنظومة الاشتراكية، بدءاً من انهيار جدار برلين، ثم انهيار الاتحاد السوفياتي بعد سياسة البيروستريكا، وهو يرى في الانهيارين "نكبة" جيو-بوليتكية" عظمى، منذ خرجت دول بحر البلطيق من النفوذ السوفياتي (لاتفيا، استونيا، لتوانيا).
صحيح، ان ألمانيا عادت موحدة وقائدة لأوروبا بقوة "المارك" و"المرسيدس" بدل قوة دبابات "البانزر" النازية، لكن تشيكوسلوفاكيا انقسمت الى تشيخيا وسلوفاكيا، ثم انضمتا معاً للاتحاد الاوروبي. هذا انقسام قومي.
أوكرانيا تتطلع للانضمام للاتحاد الاوروبي، منذ ولاية "الاميرة البرتقالية" يوليا تيمو شينكو، ذات الشعر الذهبي المعقود بشكل تاج ملوكي، لكن نصف الشعب وأكثرية الجيش الأوكراني (اكبر جيش في الاتحاد الأوروبي) يتطلعان نحو الشرق والشمال، أي نحو موسكو، التي صارت قادرة على الدخول في منافسة الإغواء الاقتصادي مقابل الإغواء الاقتصادي الأوروبي.
يمكن لموسكو أن تستعيض عن أنابيب الغاز المارة بأوكرانيا، لكن لا يمكن لها أن تسلّم بخسارة قاعدة سيبتاستبول البحرية، فهي امتيازها ومنفذها للمياه الدافئة منذ الامبراطورية الروسية، قبل الامبراطورية السوفياتية .. واهميتها لروسيا اكثر من أهمية قواعد أميركا في اليابان وكوبا.
أوكرانيا المقسومة بين موسكو عاصمة الاتحاد الروسي وبروكسل (عاصمة الاتحاد الاوروبي) قد تنقسم اما بحرب اهلية، وإما بطلاق ديمغرافي كما حصل في تشيكوسلوفاكيا، وإما بالوسيلتين معاً، كما حصل للاتحاد اليوغسلافي، الذي بناه تيتو .. وهذا لم يكن صربياً بل كراوتياً للمفارقة.
يتحدثون عن "حرب بالوكالة" بين موسكو وواشنطن (وبروكسل) في سورية، علماً أن سببها هو منافسة مشروع أنابيب الغاز القطري لأوروبا، عبر سورية، للغاز الروسي عبر أوكرانيا.
لكن، فيما يتعلق بأوكرانيا، فإنهم يتحدثون عن صراع مباشر، او تجدد "الحرب الباردة" بسبب أوكرانيا بين روسيا والغرب (أميركا وأوروبا).
يشبّهون روسيا بالدبّ، والدب الروسي أصيب بجراح ثخينة بعد سقوط جدار برلين، لكنه صار ضارياً في عهد بوتين، وخاصة أن أميركا تلقت دروساً قاسية في أفغانستان والعراق، ولا يستطيع الاتحاد الأوروبي ان ينافس روسيا اقتصادياً مع متاعبه الاقتصادية في دولة، عدا ألمانيا وفرنسا.
.. ولا تريد موسكو أن "تسحق" ربيع كييف، وأيضاً خسارة قاعدة سيباستبول، وأميركا لا تفكر بمواجهة عنيفة مع موسكو.
الأغلب أن تنقسم أوكرانيا بين موسكو وبروكسل.
اليوم الأول بعد فشل المفاوضات!
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
لا بشرى بالمطلق، ولا دخان أبيض متصاعداً ينتظره كثير من المراقبين لمفاوضات تدور حول النقطة نفسها، دون أن يحدث فيها أي تقدم.
اللقاء الأخير في باريس أكد الموقف الثابت للرئيس الفلسطيني وللمفاوض الفلسطيني، لأن الثوابت الفلسطينية هي القاعدة وليست الاستثناء، فلا يستطيع الرئيس أو أي فلسطيني مهما كانت صفته الاعتبارية الابتعاد عن هذه الثوابت.
وعلى الرغم من الضغوط الهائلة التي أشار إليها الرئيس كثيراً، والتي تأخذ أشكالاً مختلفة ولم تتوقف في أي لحظة خلال الأشهر الماضية، فإنه يجب أن نرفع القبّعة احتراماً لدائرة المفاوضين الفلسطينيين؛ لقدرتها الخلاّقة في هذا المجال، وإن حاول البعض جهلاً أو غباءً أو من باب عدم المعرفة أو التصيُّد قلب الحقائق.
فلسطينياً يتم قلب الحقائق بطرق مختلفة، فحركة حماس التي ترفض مجرد كلمة مفاوضات، تبعث في المقابل الرسائل وتقدم تنازلات ستودي بالقضية الفلسطينية.. دون أن نسمع من أصحاب الأفواه الكبيرة ردوداً على تهافتها.. ولعلّ تصريح أحد مسؤوليها، يوم أمس، لوكالة الأنباء الفرنسية، والذي برر فيه منع حركته المشاركين في المسيرات من الوصول إلى مناطق السياج شرق غزة، لأكبر دليل على هذا التهافت، فقد قال: "إن انتشار عناصر القسام المكثف ومنع المتظاهرين هو للحفاظ على أرواحهم".. متناسياً أن سعي السلطة للحفاظ على أرواح المواطنين كان يعتبر خيانة وتعاوناً مع "أزلام دايتون".
في الإطار نفسه، وضمن احتفالات "الرفاق" في الجبهة الديمقراطية بذكرى انطلاقتها، دعا أحد قادتهم خلال احتفالين في رفح وشمال غزة "إلى استنهاض الحالة الفلسطينية في وجه الاحتلال والتفرّد الأميركي وتنازلات المفاوض الفلسطيني"! فعن أي تنازلات أيها "الرفيق" تتحدث؟.. إذا لم تكن تعلم عنها شيئاً فقلها ولا تخف، فأنتم شركاء في منظمة التحرير التي ترعى المفاوضات.. وأنتم على اطلاع كامل على فحواها.. فكفى استخفافاً بعقول الناس.
إذن لا تقدم في هذه المفاوضات، والأمل أصبح أكثر من ضعيف في أن تحرز نتائج إيجابية.. وستنتهي الفترة المقررة لها.. وستحاول قوى كثيرة تحميل الفلسطينيين المسؤولية أو جزءاً منها.. وسنتعرض لمزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية وربما ستصل الأمور إلى أساسات السلطة من أجل إضعافها، لعلّ ذلك يساعد في تحقيق بعض ما يأمل به الطرف الآخر.
اليوم الأول بعد فشل المفاوضات يعني فلسطينياً التوجه إلى مواجهة من نوع آخر، هي أصعب مما يتوقع البعض.. وهي المواجهة الدبلوماسية، والمواجهة الأممية من خلال حراك فلسطيني متصاعد للوصول إلى المؤسسات الدولية وهي بالعشرات.. وهذا يعني معركة سياسية صعبة وخطيرة، فماذا أعددنا لهذه المعركة؟
إن أول ما يجب التخلّي عنه هو سلاح المزايدة الذي تستخدمه قوى لا نريد التشكيك في قوة تمثيلها الحقيقي على الأرض سواء أكانت يسارية أم يمينية أم غير ذلك.. ولكن يجب عليها أن تعي أن مواقفها السابقة وتحليلاتها السياسية الخاطئة وكيل الاتهامات جزافاً لا تعني إلاّ مزيداً من إضعاف السلطة الوطنية ومواقفها الثابتة التي لا تتنازل أو تتراجع عن الخطوط الحمر.
ولا بد أيضاً من الابتعاد عن إطلاق المصطلحات المنفلتة من خلال خطابات توحي بأننا قوة عظمى قادرة على فعل المعجزات.. فعلى العكس قوتنا تكمن في الأساس في عدم المبالغة، وفي صمودنا بقوة الحق التي نتمتع بها، ووحدة التراب الذي لا نقبل بديلاً عنه.. المعركة المقبلة تحتاج إلى الصمود بمعناه الحقيقي.. صمود في وجه ضغوط مالية واقتصادية. في وجه ضغوط احتلالية.. في وجه استفزازات داخلية وإقليمية ودولية.
اليوم الأول بعد فشل المفاوضات يعني أن إطلاق الشعارات الكبيرة غير الواقعية التي قد ترضي غرور البعض وتشبعهم إعلامياً يجب ألا يكون لها محل من الإعراب، وأن الإجماع على الثوابت بمفهومها البسيط هو الأساس... وهذا ينسحب على الانقسام، فهل يقبل الانقساميون الانخراط الحقيقي في المسار المقبل؟
اليوم الأول يحتاج منذ اليوم لصياغة وطنية جامعة وحقيقية لمفردات قوتنا غير المبالغ فيها، وإلى استقطاب عربي دولي مؤيد لنا في سبيل النجاح في مسيرة ستكون بين غابات كثيفة من الألغام المتعددة والضغوط الجماعية.. من الأقارب قبل الغرباء!.
التحول التاريخي في دور "الأونروا" كسلطة ظل موازية للسلطة الفلسطينية القائمة
بقلم: حسين حجازي – الايام
ارتبطت الوكالة دوما في ذاكرتي بالمدرسة، مدرسة ذكور الشاطئ الابتدائية "أ" وعلى وجه الخصوص الصف الأول. المدرسة ذات السقوف القرميدية التي بنيت علي شكل حرف الـ "U" اللاتيني، يتوسطها فناء واسع زرعت على أطرافه أنواع من الورود المختلفة، تحيط بها رصوص من الأحجار الصغيرة تضفي عليها شكلا جماليا بديعا. هنا نصطف في طابور الصباح دونما جلبه او ضوضاء، وبعد تفتيش روتيني على أظافر يدينا وشعر رؤوسنا، نذهب اثنين اثنين كل طابور الي صفه . وبعد ساعتين على الأرجح تأتي سيارة الحليب لنأخذ صفا صفا في مكان اعد خصيصا لهذا الغرض، وجبة الحليب الساخنة وحبة زيت السمك. وفي نهاية اليوم الدراسي عند الظهر يذهب البعض منا الأشد فقرا فخورين، لا الي البيت وإنما الى المطعم على شاطئ البحر مزودين ببطاقة خاصة لتناول وجبة دسمة وشهية. كان بعضنا المحروم من هذا الامتياز يحسد البعض الآخر الأكثر فقرا على حظهم السعيد هذا.
كانت الخدمات التعليمية والصحية ولا زالت حتى اليوم هي التي تستأثر بالنصيب الأكبر من بين جميع الخدمات، التي تقدمها الوكالة على مدى مناطق عملياتها الخمس. لقد اسهموا في تحويل أبناء آباء الجيل الأول من اللاجئين من مجرد كونهم مشردين الى جيل من المتعلمين، وكدائرة تغذي نفسها بنفسها وتشبه الى حد ما رمزية شعارها، الذي يمثل دوائر متوازية في احتواء الفراغ او الفضاء، كأن حدودها العالم. فقد سعوا الي توظيف هؤلاء الأبناء فيما بعد في سلك التعليم كمدرسين، بينما كانوا يوظفون عددا من آبائهم في خدمات اخرى كالشؤون الإدارية والصيانة والنظافة، الي جانب صرف الإعاشة في مراكز التموين لإعالة الأُسر الباقية. بعد ان كان الاهتمام الأكبر في بداية اللجوء للإغاثة الطارئة او العاجلة، اي بتوزيع الخيم وبعد ذلك إقامة المساكن فيما يعرف اليوم بالمخيمات.
ولم ينسوا في غضون كل ذلك ان يوثقوا لهذه اللحظة من تاريخ اللاجئين الفلسطينيين، حيث كان الفلسطينيون لا زالوا تحت تأثير الصدمة وظهرهم الي الحائط، ان يوثقوا بالصور التي تساوي عشرة آلاف كلمه كما يقول المثل الصيني، لجميع مناحي حياة هؤلاء اللاجئين في أرشيف الوكالة، الذي قام المفوض العام الحالي لها بنشره على الإنترنت كهديه للفلسطينيين، حوالي نصف مليون صورة مدمجة بالنظام الرقمي، لتوثيق جزء من تاريخهم. الصورة هنا التي تعادل التأكيد على الهوية في تجسيدها الصلة بين الإنسان والمكان.
وبهذا المعني فقد نجحت الوكالة في الحفاظ على قضية اللاجئين في بعدها الإنساني، وهو الهدف الذي قامت من اجل تحقيقه ومنصوص عليه في شعارها او رسالتها، "إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين". وهنا قدمت السكن والتعليم الأساسي والإعدادي وكوبونات الإعاشة والرعاية الصحية. لكن هل كان يدخل في نطاق أهدافها او استراتيجية الأمم المتحدة على حد سواء، العمل على حل هذه القضية من جميع جوانبها وهي صلب القضية الفلسطينية بإعادة هؤلاء اللاجئين الي ديارهم الأصلية ؟ والجواب كلا. وإذن ما هو الجانب او البعد المعياري من القضية؟ اذا كان البعد الإنساني هو الأكثر وضوحا. ولماذا يعتقد بعض الفلسطينيين على نحو ماكر من الشك ان ثمة في أساس كل هذه القصة او الهدف من إنشاء الوكالة، انما ثمة صله سياسية بعيدة المدى تهدف الى نوع من تخدير الفلسطينيين، فإذا كنتم بالأصل مجرد جموع من الفقراء المعدمين في قراكم الفلسطينية الأصلية قبل الهجرة، فهاكم ما تظهرون عليه من حداثة حينما يطل الأولاد من جيل النكبة في الصورة يرتدون الزي المدرسي، وهم يلوحون بابتساماتهم الضاحكة أمام عدسة الكاميرا.
وربما يذهب البعض الآخر من أنصار نظرية المؤامرة الى استنباط قاسم مشترك بين إنشاء الوكالة بقرار أممي، وإنشاء السلطة الفلسطينية غداة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، باتفاق إسرائيلي فلسطيني ومباركة دولية، بدلالة الدور هنا والهدف والوظيفة مع فارق في الحالة الثانية، وهو ان هدف الاحتواء والتسكين او إدامة الوهم والتخدير، لا يقتصر او يستهدف لاجئي 1948 في الضفة وغزة وإنما مجموع الفلسطينيين، اذا كانت الكلمة السحرية في كلا الحالتين هي "الراتب" في عهد السلطة الذي يعادل او يوازي بطاقة التموين والإعاشة. وفي حقيقة ان الجوهر الوظيفي الاستثماري المشترك هو الدور الاقتصادي الإغاثي في بداية عمل الوكالة، قبل ان يتكامل الدوران في إطار مشترك قوامه التنمية الاقتصادية، وباعتبار ان المقاربة الوحيدة التي تراها إسرائيل كحل نهائي للقضية الفلسطينية، كما قضية اللاجئين هي مقاربة اقتصادية بالأساس او هكذا على الأقل، تحاول ان تكيف جميع الحلول السياسية ضمن هذا الإطار.
وقد يكون في هذا التصور جزء من الحقيقة لكن الحقيقة ان عرفات حينما التقيت به لأول مرة خريف العام 1994، بعد شهور قليلة من انشاء السلطة الوطنية الفلسطينية، أسر لي ساخراً في مقره القديم بالمنتدى، "ان الإسرائيليين يتصورون بأنني سأكون هنا مجرد رئيس بلدية". واليوم حين يسرد أمامي السيد عدنان أبو حسنة مفوض الإعلام في الوكالة بعض المعطيات والأرقام والحقائق، فليس ثمة شكاً بأنه ما كان للفلسطينيين الخارجين من صدمة النكبة العام 1948، ان يستوعبوا ما حدث لهم ويقفوا على أقدامهم من جديد، من دون هذا الدور الذي قامت به الوكالة . حيث كان العالم العربي آنذاك يغط في سباته، وكذا هي الحقيقة الأخرى اليوم انه ما كان للفلسطينيين ان ينتزعوا اعتراف العالم بشرعية هدفهم الاستراتيجي المتمثل بإقامة دولتهم، دون المرور بهذه الحلقة الوسيطة التي هي السلطة. وان القاسم المشترك هنا في الدور المزدوج والمتكامل بين الوكالة والسلطة بين عرفات وبيتر هانسن ( مفوض الوكالة حينذاك)، انما هو التدعيم المتبادل في تعزيز صمود الفلسطينيين والحفاظ على هذا الصمود، والذي يعد العنصر والعامل الاول في نظرية الأمن القومي الفلسطيني، أي قدرة الفلسطينيين وتمكنهم من الصمود والاحتمال .
وهكذا بعض الأرقام يمكنها التحدث عن الموضوع، ان سكان غزة من اللاجئين لا يمثلون سوى 20% من مجموع اللاجئين المسجلين في مناطق عمل عمليات الوكالة الخمس، ولكنهم بالنظر الى خصوصيتهم الاجتماعية والاقتصادية يحصلون على ما نسبته 40% من ميزانية الوكالة، البالغة نحو 650 مليون دولار، يضاف اليها نحو نصف هذا المبلغ أي 300 مليون دولار ميزانية طارئة. واذا عرفنا انه في غضون العام الماضي فقط تمكنت الوكالة من إنشاء نحو 30 مدرسة جديدة في غزة، وان الوكالة قامت بعيد الحرب الأولى على غزة العام 2008 و2009 بإصلاح وترميم ما مجموعه 55 الف منزل، وفي الحرب الأخيرة العام 2012 نحو ثمانية آلاف وخمسمائة بيت. وحتى في المنخفض الجوي الأخير الذي ضرب غزة قدمت إغاثة طارئة ومساعدات لحوالي 12 ألف أسرة. فإننا نتحدث عن ثقل دور حاسم ومؤثر، اقله في مساعدة الفلسطينيين ولا سيما الغزيين منهم في القدرة على مواصلة الصمود والبقاء، في ظل ما يعانونه من الحصار. وهو دور وازن حتى فيما يشتمل عليه من التمدد في العمران لتخفيف معاناة السكن، كما يشهد على ذلك اقامة الوحدات السكنية في خان يوس ورفح ضمن منح المشاريع التي قدمتها السعودية والإمارات وهولندا.
هل هو النزاع او الخلاف على الصورة ما يفك غموض هذا اللغز التباس الدور؟ وهو خلاف إعلامي في مظهره على السطح ولكنه سياسي في العمق، بين الصورة التي يظهرون عليها وهم في موسم الفرح على شاطئ البحر في المعسكرات الصيفية لما يقرب من 250 ألف طفل، كما لو ان ذلك يتم بصورة مقصودة وماكرة لاجتذاب الخزان البشري من الأطفال الفلسطينيين الغزيين بعيدا عن دروس تحفيظ القرآن في مساجد "حماس"، التي هي معسكرات إعداد وتدريب فتية جنود وقادة كتائب القسام اللاحقين. ام ان النقلة التاريخية التي أحدثها عرفات مع بطرس غالي (امين عام الأمم المتحدة حينذاك) وبيتر هانسن العام 1996، بنقل المقر الرئيسي للوكالة الى غزة واستقرار هذا التموضع، أنشأ واقعاً جديداً في علاقة ونظرة الغزيين للوكالة على قياس نظرتهم الى السلطة الفلسطينية، يشكون وينظمون الاحتجاجات أمام أبوابها، باعتبارها أيضاً السلطة الموازية خاصتهم المطلوب منها دوما الإيفاء بتوقعاتهم، اذا ما تقاعست عن تقديم المساعدات لهم. الاحتجاجات التي تبلغ ذروتها المتواترة في كل مرة مع تواتر درجة أحكام الحصار الخارجي عليهم كما هو الحال اليوم، بحيث يتوزع غضبهم على السلطتين معاً. وحيث يجدون انفسهم في هذا الوضع المسدود وكأنه لا مغيث لهم.
على حصان الوطنية المصرية يترشح
بقلم: صادق الشافعي – الايام
يدور في أرض مصر المحروسة، وخارجها أيضاً، جدل واسع وعميق وساخن في بعض الحالات، حول صوابية ترشح المشير السيسي لرئاسة الجمهورية.
ورغم أنه لم يعلن ترشحه حتى الآن فإن الجدل الدائر يتعامل مع الأمر وكأنه محسوم وتحصيل حاصل.
ميزان الجدل يميل بقوة لصالح الفريق المؤيد لصوابية الترشح، بل ضرورته، حتى اطلق البعض على السيسي "الرئيس الضرورة ". لكن الفريق المعارض لتلك الصوابية لا يفتقد إلى المنطق إذا استثنينا حركة الإخوان وأنصارهم وأزلامهم الذين لا منطق لهم إلا استعادة سلطة نزعتها منهم إرادة جماهيرية عارمة.
منطق الفريق المعارض يقوم أساساً على رفض الحكم العسكري بما يعنيه من عسكرة الدولة وعسكرة المجتمع، والشك الذي يقترب من اليقين لدى البعض ان ترشيح المشير السيسي وانتخابه يتعارض مع الديمقراطية، بل هو نفي لها.
وهم يحاكمون هذا الأمر بمنطق وقواعد ومفردات دول الغرب وشعوبها في فهمهم للديمقراطية وتعبيراتها وفي التعاطي معها. مع ان الديموقراطية في هذه الدول وشعوبها لم تتكرس وتعم وتستقر، الا بعد ان تم تكريس اسس وركائز الدولة الوطنية فيها، وتمتين سياج سيادتها الوطنية لها.
والفريق المعارض لترشح السيسي يتخوف، وبحق، ان تصل حملة المناداة برئاسة السيسي وبالحماس الفائض الذي يرافقها، والمنفلت من العقلانية في بعض ما تطرحه بعض وسائل الإعلام الى إضفاء نوع من العصمة عليه وعلى حكمه بما يقود الى تحريم النقد له او الاعتراض على سياسات ينتهجها ومواقف يتخذها، او إجراءات يقوم او ينوي القيام بها.
ويتخوف هذا الفريق أيضا، من أن تركب قوى نظام مبارك المنصرف المسماة بالفلول موجة التأييد الطاغية لترشيح المشير السيسي ليستعيدوا موقعهم ودورهم في النظام الجديد او جزءا منه على الأقل. وهو تخوف مبالغ فيه ويشغل حيزا اكبر بكثير من حجم وقوة هذه القوى، ويغذيه أهل الهوى والمصلحة من الفريق المعارض للترشيح، بالذات الإخوان المسلمون وحلفاؤهم.
بالمقابل فان هناك موجة عارمة من التأييد لترشيح ثم انتخاب المشير السيسي تشمل معظم ان لم يكن كل قطاعات الشعب وبحماس منقطع النظير.
ان الاساس الذي تقوم عليه هذه الموجة من التأييد، هو الوطنية المصرية الخالصة.
واذا ما حصل ووصل المشير السيسي الى موقع رئاسة مصر، وهو امر يبدو شبه اكيد، فان هذا الوصول يكون قد تحقق على حصان الوطنية المصرية، بعد ان اقتنعت الناس بانتمائه المخلص له واقتنعت ايضا بقدرته على حماية الوطنية والوطن وسيادته من الخطر الماحق الذي كان يتهددهما، ومعهما نسيج المجتمع المصري وتدينه الفطري الوسطي العميق.
ولا يمكن إنكار ان مكونا من مكونات الموجة العارمة من التأييد يأتي من قدوم المشير السيسي من بين صفوف الجيش المصري، الذي ظلت مكانته مستقرة في عمق الوجدان الشعبي المصري وعمق موروثه الوطني بوصفه ركن الاساس في الوطنية المصرية والسياج الحامي لها، من أيام محمد على باني الجيش الوطني ومؤسسه مرورا بعرابي وعبد الناصر وصولا الى يومنا الحاضر.
وشكلت حاجة الناس إلى الأمن والأمان والاستقرار في مواجهة حملات الترويع التي شنتها عليهم حركة الإخوان وأعوانهم واقتناعهم ان رجل الجيش القوي هو الأقدر على تحقيقها، شكلت مكونا آخر من مكونات الموجة العارمة من التأييد.
ففي بعض الحالات والظروف، وإذا ما وضع المواطن العادي أمام خيارات: الحياة والاستقرار والأمان ومعها او قبلها الوطن وسيادته الوطنية، مقابل خيارات: الديموقراطية وربما المؤسساتية وخيارات شبيهة أخرى، وحين يكون الجمع بينها غير ممكن، فان اختياره قد يتجه نحو الأولى.
فما قيمة الديمقراطية، بمنطقه، والوطن وسيادته مهددان، وما قيمتها في غياب الاستقرار والأمان، وما قيمتها والحياة نفسها مهددة.
ان الكثير من عوامل الحكم على ترشيح السيسي سوف يعتمد على البرنامج الذي يفترض ان يقدمه ومدى تلاقيه مع حاجات الناس وبالدرجة الأولى تحقيق الأمن وتوفير الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية وحماية السيادة الوطنية وتعزيزها، وبعدها العناوين الأخرى الاقتصادية والتنموية والاجتماعية والخدمية والدور السياسي، ومشاركة الآخرين، واحترام السلطات الأخرى التشريعية والقضائية والفصل بينها والالتزام بالدستور وغيرها من العناوين. وسوف يعتمد أيضا على الفريق الذي سيستعين به في الحكم ومدى وطنيته وكفاءته وخبرته، ونزاهته ايضا.
خصوصا وان السيسي لم يعرف عنه انه انتمى الى حزب سياسي او كان صاحب أيديولوجية أو انه نشط في المجال العام خارج نطاق موقعه في الجيش المصري.
وفي جميع الأحوال فان المشير السيسي لا يمكن ان يكون امتدادا او تكرارا للزعيم العظيم جمال عبد الناصر وتجربته في الحكم، كما يتصور البعض : فلا الزمان هو الزمان ولا الظروف هي الظروف ولا التحديات هي التحديات ولا المهمات هي المهمات.
يكفيه ان يستلهم روح تجربة عبد الناصر بعناوينها الأساسية:
الانحياز المطلق للناس وقضاياها واحتياجاتها، التمسك بالاستقلال الوطني لمصر وبسيادتها الوطنية والدفاع عنهما، التنمية الشاملة، الانتماء العميق الى الامة العربية والدور المؤثر والفاعل في قضاياها.
بالمختصر والجوهر، أن يمتلك الوعي العميق لقيمة البلد التي يحكمها (مصر) بتاريخها وتجربتها وحضارتها ودورها القائد في كل المجالات، وإمكاناتها الهائلة، وان يمتلك الاستعداد ومعه القدرة لوضعها في موقعها الصحيح واللائق بها.
لتبقى مصر بهية وأم الدنيا اليوم وغدا، كما ظلت دائما بالأمس وقبل الأمس.
متفاجئون على مدار الساعة حيث لا يستقيم التفاجؤ
بقلم: صلاح هنية – الايام
تذهلني تلك الحالة من التفاجؤ التي تسود اوساط غالبية المسؤولين الفلسطينيين إذا لم تعد حالة تفاجئ دائمة حتى بت أكرر نفسي داعيا إلى تأسيس التجمع الوطني للمتفاجئين ( مفاجأة ) ليضم في صفوفه كل المتفاجئين والجاهزين للتفاجؤ مستقبلا.
في المقابل لا يجوز للمواطن/ة الفلسطيني أن يذهل أو يتساءل عن عديد القضايا التي يعيشها يوما بيوم ويصبح استفساره محط استغراب اذا لم يكن استهجانا أصلا، إذ ليس من حق المواطن العادي أن يستغرب هذا التضخيم لشخصية مواطن اسمه محمد دحلان وتحويله إلى قوة كبرى تتحكم بحاضرنا ومستقبلنا وهو ليس كذلك.
المواطن/ة مدان ان عبر عن همه عبر الاعلام أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر شكوى مقدمة من خلال جمعية حماية المستهلك الفلسطيني، نعم ليس من حق المواطن/ة أن يشكو ارتفاع الاسعار، أو أن يشكو تعاطي البنوك معه كزبون دون الحفاظ على حقوقه الاساسية، أو أن يطالب بحقوقه كمشاهد ومستمع وقارئ لوسائل الإعلام المختلفة.
سبحان الله على حد قول خطيب مسجد حينا ( يتفاجأون من قيام الاحتلال باقرار من يحق له السيادة على المسجد الاقصى المبارك وها هم اليوم يمنعون الصلاة في المسجد الاقصى).
على مستوى القضايا الداخلية فالتفاجؤ سيد الموقف ...
نتحدث عن الحكومة الإلكترونية ولكننا نعيد المرضى من المشافي انتظارا لتجديد التحويلة للعلاج ومن ثم يطلب منهم اثبات سريان مفعول التأمين الصحي ولا يوجد ربط الكتروني بين اجهزة وزارة الصحة نفسها ... وتقع المفاجأة من تحول هذه القضية إلى قضية رأي عام.
نتحدث عن الحكومة الالكترونية وما زال ملف السيارة التي يتم شراؤها من جنين مثلا لا يمكن ترخيصها في رام الله لأن الملف لا يأتي بل يؤتى حيث هو.
وتستمر المفاجأة من عدم توفر الادوية في مستودعات وزارة الصحة وعيادات الحكومة ويصبح التأمين الصحي وثيقة فقط دون أي استخدام، وكأن الأمر مجرد مفاجأة وليس إجراءات وقرارات تحل الاشكالية من اساسها وليس التفاجؤ وليس السؤال من هو هذا الذي كتب عن ارجاع مرضى السرطان من مشفى المطلع في القدس، ومن هو ذاك الذي كتب عن غياب الادوية من وزارة الصحة، بل يجب أن نقول اين هي اجراءاتنا الفعلية لتجاوز هذه الاوضاع.
وقد يتفاجئ هذا المسؤول أن نقلت له تلك الحكاية في أحدى مشافي دولة فلسطين ( طفل حمله والديه إلى المشفى في طوارئ الاطفال فقيل لهم يحتاج إلى محلول غير توفر اذهبوا لشرائه من الصيدلية وعندما عادوا بالمحلول قيل لهم اين العبوة التي سنحل فيها المحلول عادوا ليبتاعوها ومرة ثالثة قيل اين المياه التي سنحل بها المحلول )
انا شخصيا قلت لاسرته هذا ليس ذنب وزارة الصحة ولا وزارة المالية هذه مسؤوليتكم انتم لماذا مرض هذا الطفل! لماذا وقع طفل أخر فشج رأسه فلم يجد خيوط لقطب موقع الجرح في أحدى مشافي وزارة الصحة!
يتفاجئ بعض المسؤولين ايضا من فرق السعر في منتجات غذائية وحليب الاطفال بين السوق الإسرائيلي والسوق الفلسطيني حيث يباع حليب الاطفال في السوق الإسرائيلي ب 40 شيكل ويباع ذاتي في سوقنا ب 69 شيكل، وبعض اخرى من المنتجات، وهذا ما أكده عدد من كبار تجار جملة الجملة، جواب احد المستمعين قال استقلوا سيارة نمرة صفراء عمومي واجلبوا الحليب بطلع أوفر ماليا.
يتفاجئ مسؤولون انه لا يوجد نظام واضح لمنح المكافآت في الوزارات والهيئات وهذا التفاجأ يأتي متأخرا بعد اجتياز امتحان الجاهزية امام العالم، ولماذا لا يكون هذا النظام قائما وواضحا ويساءل على اساسه.
لا زال البعض متفاجئ من كون العالم يتوجه نحو مقاطعة إسرائيل وقيام بنوك بسحب استثماراتها في بنوك إسرائيلية بسبب غجراءاتها ضد الشعب الفلسطيني، وتأتي المفاجأة ان السوق الفلسطيني لا زال لا يأبه بالمنتجات الفلسطينية ويذهب للتسوق من رامي ليفي ويمتلك القدرة على إعادة تغليف تمور المستوطنات ويسوق محاصيل من المستوطنات.
اتمنى أن يفيق غالبية المسؤولين من حالة المــــفاجأة لأنها لا تستقيم مع مواقعهم لأنهم يحملون مسؤولية جوهرها اتخاذ إجراءات تيسّر شؤون الناس وتتصدى للسلبيات وعلاجها ضمن سياسات واستراتيجيات واضحة المعالم.
اتمنى أن يعي المسؤول الفلسطيني أن التفاجئ تعبير عن تعاطي سلبي مع القضايا المفصلية التي تحتاج إلى معالجة.
اتمنى أن يعلم المسؤول الفلسطيني أن المواطن الفلسطيني لا يطلب المستحيل ولكنه يتعاطى مع الممكن والممكن هو الربط الالكتروني بين الوزارات المختلفة والربط الالكتروني بين الوزارة الواحدة، وعدم ارتفاع الاسعار لذات السلعة في السوق الفلسطيني عنها في السوق الإسرائيلي.
فــرِّق لا تـــســـد!
بقلم: رامي مهداوي – الايام
وأنا أدرس في مدرسة شويكة الثانوية، أستاذ التاريخ شرح لنا مصطلحا أو مرة كنت أسمعه " فرق تسد" كسياسة استعمارية اعتمدت عليها بريطانيا العظمى من أجل توسيع دائرة تحكمها بمستعمراتها من أجل الحفاظ على مصالحها ونهب تلك الدول الخاضعة لها. وأقرب مثال كان دائما هو حالة الهند وما قامت به بريطانيا بإشعال نيران الفتنة بين المسلمين والهندوس. وأكيد هذا ما تقوم به إسرائيل كدولة احتلال على الصعيد الفلسطيني أو الإقليمي.
موضوعي مش النظرية السابقة بسياقها التاريخي المعروف لدى الجميع، ادعائي _وقد أكون مخطئا_ في هذا المقال بأن من يعالج الأمور على الصعيد الفلسطيني الداخلي بكافة جوانبه ضمن نظرية فرق تسد يقوم بكارثة مدمرة في النسيج الفلسطيني البنيوي، وتطبيقها فلسطينياً رغم افتراضي بأن النية الموجودة هي علاج الأزمة، لكن هذا مدمر وأخطر علينا إذا ما تم تطبيقه ضمن رؤية استعمارية كما في السياق التاريخي الذي ذكرته في الفقرة الأولى.
ما تقوم به القيادات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الرياضية، النقابية.....الخ من محاولة للعلاج الجزئي _ هنا أفكر إيجابيا بأنها محاولة لعلاج فقط_ للقضايا المختلفة التي يواجهها الشعب في هذا الوقت بالتحديد لا يعالج الأمور من حيث المضمون الأساسي للقضية، ويرهق الملف ذاته بقضايا هو ليس بالحاجة لها من أساسه، ما يؤدي الى زيادة الطين بله وإغراق الغريق معتقدين بأننا نحاول تقديم يد العون والمساعدة. مما يؤدي الى مراكمة العمل وبذل جهد مالي ومعنوي نحن ليس بحاجة له وكان يجب أن يبذل ذلك في مكان آخر هو بحاجة لذلك من أجل علاجه.. تطويره... تنميته.... أو إعادة بنائه من أجل تحقيق الهدف الأساسي، ذلك ليس له علاقة بمفهوم الإرشاد وإنما غياب الرؤية والإستراتيجية وحصر الموضوع في محاولة للعلاج السريع من أجل تحقيق نجاح إعلامي مبهرج فاقد للمضمون الأساسي.
ما تتعرض له المؤسسات المختلفة المكونة لبقايا للنظام السياسي الفلسطيني هو نتيجة محاولة علاج الجزئيات المتفرقة وهذا ما جعل النظام السياسي الفلسطيني سوى بقايا تتآكل يوم عن يوم، ومن ناحية آخرى فقدان المعنى لما هو موجود. بالتالي يجب أن يكون هناك علاج كامل سريع للبقايا الموجودة مهما كلف الأمر من تبعات متوقعة قد تكون مؤلمة للبعض من متنفذين وأصحاب مصالح شخصية وإلا سيتم الانهيار السريع للنسيج الفلسطيني أرضاً وشعباً.
من ناحية آخرى العلاج الجزئي يوتر الاستقرار الداخلي لأي منظومة يجب أن تستمر بالعمل والإنتاج، وهنا أضع مثال ازدياد الإضرابات بمختلف القطاعات خلال السنوات الأخيرة الماضية. بالتالي لا يتم الأخذ بعين الاعتبار بأن العلاج يجب أن لا يكون انتقائيا أو لمن له صوت أعلى من الثاني، بل يجب أن يتم وضع مسطرة يتم القياس بها ولمرة واحدة وإلا لن يستقر الوضع الداخلي للمؤسسة.. الدولة.. الجمعية ... النقابة... الفريق... والأخطر إذا ما كانت الدولة تتعامل مع الجميع ضمن سياسية محمد يرث ومحمد لا يرث، بالتالي ستسقط هيبة الدولة عند مواطنيها مما يؤدي الى حالة من التمرد على كل شيء تقوم به الدولة والتعنت بالآراء وتحويل المواطن نفسه الى خصم للدولة وليس ابن شرعي لها عليه حقوق وله واجبات.
وعلى صعيد التحرر من الاحتلال الإسرائيلي ما يقوم به جميعنا بسبب غياب خطة إستراتيجية وطنية تحررية سوى مقاومة جزئية كل حسب اختصاصه ورؤيته للأمور أكثر من منهج واحد مدروس يؤدي الى التحرر، بل إن علاجاتنا الجزئية للأمور المختلفة أصبحت تتناحر فيما بينها حتى أصبحنا نعتبر من هو ليس معنا هو مشبوه.. جاسوس.. متعاون... أو أصبحنا ننفذ علاجات جزئية ليس من أجل التحرر بل من أجل الحفاظ على ذاتنا التي هي عبارة عن مؤسسة، مقعد، امتيازات، مسمى وظيفة، مشروع ممول... بالتالي نقوم بفرض حلول جزئية تتلاءم مع مصالحنا الشخصية فقط لا غير، مما يؤدي الى ضياع الهدف الأساسي وهو التحرر من الإحتلال، في هذه الجزئية فقط أنظر من حولك تجد بأن هناك من يصارع الاحتلال وأدواته من خلال نظرته الفردية الذاتيه وليس ما يراه الشعب على الرغم بأن الشعب أي شعب في العالم لا ينظر أو يتفق على رؤية واحدة لهذا يجب النظر الى الأمر بأننا خاضعون تحت احتلال وليس في مختبر أو مدينة ملاهي. لهذا في حالتنا الفلسطينية تجد مؤسسة على رأسها فرد يريد تمرير قضية ما فقط من أجل حل جزئي يخدم ذاته فقط!!
حتى في مواجهة الإحتلال ننظر الى الأمور بأنها جزئية موسمية حسب الحاجة وليس كهدف يتناغم مع الأهداف الأخرى، لهذا ننشغل بأدوات نضالية جزئية، موسم مقاومة الجدار، موسم مقاطعة البضائع الإسرائيلية، موسم الدولة الواحدة، موسم مواجهة المجتمع الإسرائيلي، موسم الدخول الى المؤسسات الدولية، موسم المقاومة الشعبية..... الخ دون القدرة على فتح مواجهة كاملة وليس جزئية مزاجية. أتمنى أن أكون مخطئ فيما كتبت بهذا المقال!! لكن هذا ما أعيشه أنا الكاتب من خلال أدوات الاستشعار المختلفة أثناء تواجدي الواقعي في النسيج الفلسطيني لهذا علينا أن لا نفرق حتى نسد.
هي حروبٌ بارِدَة ولكن تَسخُنُ أحياناً
بقلم: آصف قزموز – الايام
يعتقد المؤرخون أن الحرب الباردة قد دخلت حيز التنفيذ ما بين المعسكرين الوليدين، مع أفول نجمي كل من بريطانيا وفرنسا كقوتين عظميين وهزيمة ألمانيا بُعَيد دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، وذلك عندما قصف اليابانيون بطائراتهم ميناء بيرل هاربر الأميركي. وكما هو معلوم اتخذت الحرب الباردة أشكالاً وتجليات عِدَّة في الصراع على النفوذ ما بين القطبين الشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي، والغربي بزعامة الولايات المتحدة، سواء لجهة الاستيلاء على الثروات والموارد ولاستقواء بها، أم لجهة السيطرة والنفوذ على بلدان أخرى وضمها لجانبها كل من موقعه ونفوذه. لكن ما من أحد يستطيع أن ينفي معادلة المصالح التي تجلت في هذا الصراع البارد ما بين القطبين، بوسائله المشهودة اقتصادياًّ وعسكرياًّ. ولهذا تتخذ الوسائل الاقتصادية في الحرب حيزاً أشمل وأكبر من الوسائل العسكرية التي سيطرت على الميدان في الماضي.
في ضوء ما يجري هذه الأيام من صراعات تنافسية بين أقطاب ودول وأجندات متخالفة، على مستويي المنطقة والعالم، باتت تشكل خريطة فسيفسائية عاكسة للاصطفافات الحزبية والفصائلية على مستوى البلد الواحد، والثنائية والجمعية ما بين الأقطاب أو الدول، تأخذ في جلها شكل الحرب الباردة وإن في بعضها كانت حروباً أكثر سخونة. إنها تحالفات وأجندات المصالح الساعية للهيمنة والنفوذ على السلطات والنظم وعلى الموارد والثروات التي تشكل سبباً وجيهاً حاسماً من أسباب والقوة.
نعم إنها إعادة إنتاج للحرب الباردة، ولكن بحلتها الجديدة التي تتناسب مع تطورات العصر والحروب، التكنولوجية منها والتقليدية كذلك. ليس هذا وحسب، لا بل إنها حرب عالمية ثالثة باردة تسخن أحياناً قد اندلعت منذ سنين، ومجريات أمورها تنساب أمامنا بهدوءٍ حذرٍ يشتد أحياناً لكنه يظل في الغالب على البارد، برغم النتائج المذهلة التي تتحقق سلباً وإيجاباً بناءً وتخريباً وإعادة صياغةٍ، وبناء لزوم ومستلزمات الحداثة ولاصطفافات الجديدة. ولعمري إن هذه الحرب الجارية بكل برودتها، قد أحدثت وأنتجت ما لم تحدثه أو تنتجه الحروب الكلاسيكية والتقليدية في القرن المنصرم، سواءً لجهة الكُلَف والضحايا، أم لجهة التغيير وإعادة الصياغة الشاملة للمجتمعات والدول المستهدفة من قبل مراكز النفوذ الكبرى أو ذات الاستهداف المتبادل، كالذي تجلى في إزاحة العراق القديم وليبيا وسورية، ولا يبعد الحال كثيراً عن سمات ما نحن فيه في فلسطين، التي ما زالت تقع فعلياً تحت نير الاحتلال الاسرائيلي. ومن هنا كذلك نرى في الفترة الأخيرة بعض المراقبين والمتتبعين لما يجري من تجليات للصراع على السلطة في أوكرانيا، تجلياً واضحا لعودة اندلاع الحرب الباردة التي شهدها القرن الماضي من جديد.
إذن معظم الحروب الدائرة اليوم بين بلدان، أو الدائرة منها في البلد الواحد، ما هي في الحقيقة سوى حروب باردة بعضها على نارٍ هادئة لكنها تسير لترسو في مستقرها المرسوم، وأخرى تشتد سخونتها أحياناً في إطار ونطاق الباردة وتسير هي الأخرى لترسو في ذات المستقرات المرسومة والمحملة إحداثياتها على الخارطة الأكبر للعالم البارد الجديد.
ثمة استقطابات وتحوصلات وتفاعلات متصارعة، هي من مكونات ما يمكن أن نسميه بالحرب الباردة. ففي الساحة الفلسطينية ونحن نشهد التفاعلات التنظيمية والفصائلية التي تصب في استقطابات على مستوى الحزب الواحد أو الفصيل، وتصب في النهاية لصالح الاصطفافات الأوسع والأكبر عبر أجندات ضيقة، لكنها تعيش لأجل ما هو أكبر من الأجندات وفي رحمها. ولا أدل على ذلك من تجربة حركة حماس التي فرضت أمراً واقعاً على الأرض، وباتت تخوض صراعها مع الخصوم الذين بدأ يروق لبعضهم فكرة القسمة والقبول الساعي لاهثاً لحسن الجوار. اللهم لا حَسَد وربنا يهني سْعِيدْ بِسعِيدِه، لكن هنا أفرق وأميز ما بين تصالح الشعب الفلسطيني ووحدته الشاملة، وتصالح المصالح ما بين قطبي الحرب الباردة وهما الفصيلين الرئيسين.
وعلى الجبهة الاسرائيلية تدور عملياً رحى حرب باردة أخرى، بفتح الهَمزة وضمها، لها تجليات ومستويات مختلفة، ولا سيما في الحلبة السياسية، التي اعتادت وعودتنا أن تشتعل بين الأطراف والأحزاب، لتصل ذروتها وما صنع الحداد أحياناً، لكنها سرعان ما تهدأ الخيول وتعود لِمَداوِدِها، ولا تتحد إلاَّ في صراعها الحامي والبارد ضدنا، وتلك هي المفارقة العجيبة التي اتسمت بها الجبهة الاسرائيلية على مر الزمن من عُمر الصراع، وتميزت بها عن جبهتنا الفلسطينية. كما أن الحرب الباردة ما بين واشنطن وتل أبيب هي الأخرى تشتعل أحياناً وتخبو حيناً آخر، ما يمكن أن يعيد الى الذاكرة، تلك الأجواء التي سادت بين الطرفين عندما حاول الرئيس الأميركي السابق بيل كينتون أن يأخذ موقفاً متوازناً ضاغطاً على نتنياهو لتوقيع اتفاق الخليل، ليعربد الأخير مفصحاً بالقول ومهدداً بما معناه "إن على الرئيس الأميركي أن يعرف أننا نستطيع إشعال البيت الأبيض من حوله" وكان ما كان فعلاً، عبر فضيحة مونيكا ليوينسكي التى هزت عرش كلينتون في البيت الأبيض.
نعم، ها هي حكومة نتنياهو، تخوض مع الفلسطينيين حرباً ضروساً استيطانية عنصرية أحياناً كثيرة، وهي تضع مستوطنات غور الأردن والخليل على قائمة البلدات التي ستمنح تسهيلات وفوائد ضريبية، والتي اشتملت على 400 تجمع سكاني واستيطاني، تحت شعار ما أسموه دعم صمود هذه المناطق، ولا سيما تلك المحاذية للمناطق الحدودية مع سورية ولبنان وقطاع غزة، بالإضافة لغور الأردن وجبل الخليل، يأتي ذلك أيضاً مع تصريحات لنتنياهو نفى فيها وجود أي طلب أميركي جديد يلزم اسرائيل بتجميد الاستيطان.
وفي جميع الأحوال، وبالرغم من قناعتي بأن أي حل سياسي بيننا وبين الاسرائيليين لن يكون إلاَّ نتاجاً لتوازن مخرجات وارتدادات هذه الحروب الباردة والساخنة الدائرة، إلاَّ أنه بات اليوم لزاماً وأكثر من أي وقت مضى، أن على حركة فتح من موقعها وصفتها، كحامل حاسم للمشروع السياسي الوطني ورافعة أساسية للسلطة والمنظمة في آنٍ معاً، مهمة عاجلة غير قابلة للتأجيل، وهي أن تنهض بذاتها وأوضاعها الداخلية لتعيد بناء وتعزيز هذه الذات، كإطار حركي واسع وأكثر شمولية من غيره لعموم الشعب الفلسطيني، واستعادة أخذ زمام المبادرة الحافظة للبوصلة الفلسطينية عن ظهر قلب، بعيداً عن من يريدون التعامل مع القضية الوطنية بقرةً حلوب، أو كعكة يقتسمها المتقاسمون فيما بينهم وحتى مع خصوم الأمس المنقسمين. فبخراب "فتح" خراب للمشروع وفي إصلاحها صَلاح المشروع ونهوضه حتى من تحت الركام نظراً لحالة التمازج التاريخي وجدلية العلاقة الرابطة ما بين المشروع والحركة، الأمر الذي يتطلب حسماً سريعاً وعاجلاً للانقسامات أو التشظيات المعلنة منها والمستترة بغض النظر عن كونها فردية أو جمعية عمودية أم أفقية، من على قاعدة الإصلاح الجاد والمسؤول للنهوض والاضطلاع بالمسؤوليات الحركية أولاً باعتبارها شرطاً ضرورياً للثانية، ولكن ذلك يجب أن يجري في إطار وجلباب النهوض بالمسؤولية والالتزام الوطني العام والأشمل، وبالتالي عقد المؤتمر السابع لهذه الحركة كمهمة عاجلة، على أسس وتوجهات سياسية وتنظيمية واضحة، بحيث يشكل عقد المؤتمر خطوة نهضوية تطويرية تؤسس النواة الصلبة للحل السياسي المرجح، وتتناسب مع احتياجات نجاحه وقابليته للحياة، لا بل والأداة الحاسمة لجل القضايا والخلافات التنظيمية والسياسية القائمة.
يا جماعة اتقوا الله، المرحلة لم تعد تحتمل أية إرهاصات أو أخطاء في الأداء السياسي، ولا حل لقضيتنا إلاَّ بتحقيق سلام متوازن يحفظ الحقوق المشروعة لجميع الأطراف في إطار سلام شامل في المنطقة، وقد يكون صحيحاً ما قاله رئيس الأركان الاسرائيلي بيني غانتس أن الوضع الحالي في الضفة الفلسطينية "تحت السيطرة الكاملة". لكن كل هذا لن يفيد الأمن الاسرائيلي من دون التوصل لحل سياسي جذري مرض للفلسطينيين ومتوافق عليه، وخلافه لن يتعدى أو يتجاوز أمر هذه السيطرة، بقاء واستمرار حالة ما يشبه الحرب الباردة غير المتكافئة طبعاً ودوام الجمر الملتهب الكامن تحت الرماد، الذي يمكن أن تشعله نسمة ريح قد تكون عابرة عمداً أو صُدفَة، وفي ذلك سيكون خراباً سريعاً لما نبذله ونراكمه ونتطلع اليه في الفعل السياسي، وبالتالي لا أظن أن ما ينشده الشعب الاسرائيلي في نهاية المطاف الذي طال، أمناً هشاًّ واستقراراً مهدداً على كف عفريت. نعم لا بد من سلام عاقل عادل ومتوازن، يحفظ الحقوق المشروعَة، ويُخرس أصحاب العقول المصروعَة، في أتون كل ما يجري على الجانبين في أرضنا. لأن سلاماً يُدحَشُ في أنف الشعب الفلسطيني ويفرض بالقهر والقوة والاستبداد، لا يمكن أن يدوم، وسرعان ما ينهار وينتهي بزوال أو ضعف أسباب ومسببات وجوده، حتى وإن استمرَّ الصراع بشكل حروبٍ باردة أو ساخنَةْ، وإرهاب المتطرفين السابحين في المياه الآسِنَةْ.
نــفــّذ ثــم نــاقـــش
بقلم: وليد بطراوي
لطالما تعجبت من "ديمقراطية" الاحزاب والحركات اليسارية التي كانت تطلب من اعضائها وانصارها التنفيذ اولاً ومن ثم النقاش. وكنت اتساءل دوماً "وهل ينفع النقاش بعد التنفيذ وخاصة اذا كان التنفيذ عن عدم قناعة. وما الداعي للنقاش اذا كانت القيادات لا ترضى نقاش قراراتها". اكتشفت مؤخراً ان مقولة "نفّذ ثم ناقش" ما هي الا تعبير اخر عن المركزية المطلقة والديكتاتورية، وهي وجه محسن لما يحصل الآن من مظاهر التكفير والتخوين، واذهب الى ابعد من ذلك الى الادعاء بان هذا ما يمكن ان يوصف بالارهاب الفكري. الاحزاب والحركات اليسارية تقول "نفّذ ثم ناقش". الحركات الاسلامية تقول "ان لم تكن معنا فأنت كافر". الحركات التي تدعي العلمانية والديمقراطية تنعت من لا يتفق معها في الرأي بالخائن. كل هذا يصب في "الارهاب الفكري" اي انه ممنوع عليك الاختلاف والتفكير والاجتهاد. باختصار الجميع "قارين ع شيخ واحد"! نقطة في بحر قرأت الاخبار التي تتحدث عن التسعيرة الجديدة التي اقرتها وزارة النقل والمواصلات للتنقل عبر "الجسر" وهي 10 شواقل للراكب و3 شواقل للطرد. حقيقة لا اذكر كم كانت التسعيرة في السابق، لانك عندما تسافر تفقد البوصلة ولا يمكنك ان تحصي عدد الشواقل التي عليك ان تدفعها رسمياً وبشكل غير رسمي! الاشكالية ليست في التسعيرة والتي باعتقادي انها عالية وانما في النظام الساري خلال التنقل عبر الجسر. فهذه التسعيرة تتضاعف لان عليك ان تدفهعا عند صعودك الحافلة الاولى في الاستراحة، وعليك ان تدفع مرة اخرى عند صعودك في الحافلة مرة اخرى عند "مكب الحقائب" مع انك ما زلت تسير في نفس الخط. هذا اضافة الى المبالغ الاخرى التي عليك ان تدفعها هنا وهناك. اذاً فالتسعيرة الجديدة نقطة في بحر. فبحساب بسيط اذا كنت مسافرا من رام الله الى عمان وحدك فانك تدفع ما يقارب 350 شيقلا على اقل تقدير. بلطوا البحر منذ ان قامت بلدية رام الله بتبليط الشوارع في وسط البلد وانا اتساءل عن السبب. وتزداد تساؤلاتي حيرة بعد ان اصبحت هذه الشوارع عبارة عن حفر ومطبات. حاولت جاهداً ان اجد تفسيراً منطقياً وهندسياً وجمالياً فلم اجد سوى تفسير واحد وهو ان من اتخذ القرار كان غاضباً من شيء ما، وبما انه لا يوجد بحر في رام الله قام بتبليط وسط المدينة!. خوفتوني! في محل الجزارة الذي اشتري منه، كتب صاحب المحل "التدخين ممنوع بقرار من وزارة الصحة". ضحكت وقلت لصديقي الذي تواجد في المحل "وهل ورود اسم وزارة الصحة سيمنع الناس من التدخين؟" ثم اشرت على صاحب المحل ان يضع بدلاً من "بقرار من وزارة الصحة" عبارة "بقرار من صاحب المحل" وخاصة ان لديه القوة والسلاح لفرض قراره هذا، وكيف لا وهو يحمل في يده سكينا وساطوراً. وزارة الصحة لا تستطيع تطبيق القانون في مؤسساتها فكيف لها ان تطبقه في "ملحمة"؟ قد يجادلني احد المسؤولين في الوزارة ويتساءل "كيف لك ان تدّعي ذلك؟" سأقول له اذهب الى مجمع رام الله الطبي، وتجول في قسم الاشعة عند شباك التسجيل، وانظر خلف الزجاج. تجول في الساحات الخارجية للمجمع، فانك لن تستنشق الا دخان السجائر، على الرغم من اوراق الوصفات الطبية الخاصة بالمجمع ذيلت بعبارة "مجمع فلسطين الطبي منطقة خالية من التدخين". لا فقوس ولا خيار دخلت الى مكتب خدمات مضطراً، فالنماذج الصادرة عن وزارة الداخلية لطلبات تجديد جواز السفر او الهوية او اية معاملة اخرى، غير متوفرة الا في مكاتب الخدمات. يعني احتكار. المهم ان الكاتب بدأ بتعبئة الطلب، والحقيقة انني انا الذي قمت بتعبئته عن طريق الكاتب. فهو الذي ربما لم يتجاوز تعليمه المرحلة الاعدادية، مع كل الاحترام له، يقوم بتعبئة الطلبات للمحامي والطبيب والمعلم وغيرهم. وبالطبع في كثير من الاحيان، لا يستطيع تعبئة الطلب بالشكل المطلوب، فعلى سبيل المثال، الشخص الذي سبقني كان يعمل لدى احدى الجهات الدولية، فعندما سأله الموظف عن مكان عمله، وكانت الاجابة، لم يفهم الكاتب معناها، ولم يستطع كتابتها. اعترف ان هناك حاجة لمثل هذه المكاتب لمساعدة من هم بحاجة الى المساعدة، ولكن هناك من لا يحتاجونها، فلماذا لا تتوفر هذه النماذج الكترونياً، ولماذا لا تتوفر في دوائر الاحوال المدنية؟ ولماذا علينا ان ندفع ثمن الطلب الذي يجب ان يتوفر مجاناً؟ ام ان الهدف من كل هذا، ان نتثبت ان لا فرق بين الناس، يعني "لا فقوس ولا خيار"، مع انه كل البلد ماشية "فقوس وخيار"!. لو كنت مسؤولاً لما عرفت ما سيكون ترتيبي بين المسؤولين. وساكون قد اضفت مسؤولاً جديداً لقوافل المسؤولين، وسأكون قد زدت عدد المسؤولين المغرمين باجراء المقابلات الصحافية مسؤولاً اضافياً، وسأكون عبئاً اضافياً على ميزانية اي مؤسسة، وبالطبع ساتطلب ان تكون لي سيارة، ومكتب، واثاث مكتب، وبدل سفريات، ونثريات، ومرافقين وحراسات وغيرها من الامتيازات. لو كنت مسؤولاً وبحثت عن الشعب فلن اجده، لاننا كلنا مسؤولون، او نوهم انفسنا باننا مسؤولين. الشاطر انا مرة الصبح وانا بعمل الساندويش لبنتي تاخذه ع المدرسة طلبت مني احطلها جنب الساندويش في العلبة كعكة شوكولاته، وما خلصت تطلب حتى قالت لي "بس بنفعش". انا لاني شاطر قلتلها "ما في اشي اسمه بنفعش". دارت الايام وع مين بدها تدور، طبعاً عليّ. مش عارف شو طلبت مني بنتي اعمللها رحت تيست وقلتلها "بنفعش" علشان اتهرب من اني البيلها طلبها. راحت مثل الصاروخ ردت علي "مش انت قلت ما في اشي اسمه بنفعش". شاطرة طالعة لابوها فرخ البط (راوي) عوّام!.
أسـئـلــة حــاضــرة
بقلم: وليد ابو بكر – الايام
لا أدري كيف يغمض العالم عينيه عن أطول احتلال في تاريخه المعاصر، وأقسى احتلال، وهو يشاهد ممارساته التي اندلعت من أجل ما حدث مثلها حروب عالمية، في زمن الحروب، ومقاطعات دولية، في زمن المقاطعات، زمن رفض التمييز العنصري والاستخفاف بحقوق الإنسان.
وإذا كان القتل سمة أساسية في هذا الاحتلال، تكاد تكون يومية، حتى في زمن المفاوضات المفروضة على الطرف الضحية، التي قتل خلالها حتى الآن ثلاثون شهيدا فلسطينيا، كان آخرهم معتزّ وشحة، الذي قذف بالصواريخ داخل منزله في بيرزيت، فإن هناك ـ من سلوك الاحتلال ـ ما يثير التقزز والاشمئزاز الإنساني على كل مستوى: فهل سمع أحد في التاريخ كله عن "جنس بشريّ" يعتقل رفات الشهداء لسنوات طويلة، وكأنها تشكل خطرا على "أمنه"، وحين يتكرّم بتسليمها إلى أهلها، بعد طول مطالبة وضغوط دولية و"مفاوضات" مباشرة أو بالواسطة، فإنه يعتبر ذلك من بوادر حسن النية تجاه الناس الذين يستبيح أرضهم، وحياتهم، ويستنفد خيرات بلادهم، منذ عشرات السنين، دون وازع إنساني؟
هل يمكن أن يوصف بالعدالة، أيا كان مستواها، عالم لا يستطيع أن يرى فيما يفعله هذا الاحتلال، انتهاكا للمواثيق الدولية، أو للحقوق الأساسية للإنسان، التي يتغنى بها المجتمع الدولي، وفي مقدّمته أولئك الذين يطالبون الفلسطيني كل يوم بالتنازل عن مزيد من وطنه، وعن مزيد من كرامته، لصالح احتلال لا يمكن أن يدوم؟
هي أسئلة بسيطة تدور في ذهن الفلسطيني وهو يسمع عن خط سير المفاوضات، وعن عدم قدرتها على تحقيق خطوة واحدة نحو حقوقه. وهو أمر لا يفاجئه أبدا، لأنه يعرف هذه النتيجة مقدما مع احتلال من هذا النوع، ظلت مقدّماته الكثيرة تشير إلى نتائجه المتوقعة دون وهم، ما اقنع الفلسطيني البسيط بأن المطلوب "الحقيقي" منه هو أن يرحل أو يموت، لأن الأرض كلها هي هدف الاحتلال، وكل سلوك "يتدارى" الاحتلال خلفه إنما يشكل تحفزا نحو توسع أكبر، وقتل بلا حدود، دون أن تدرك حدود وعيه أن الفلسطيني قرر أن يدافع عن أرضه، بالبقاء فيها، وعن بيته، بعدم مغادرته تحت وابل الصواريخ الموجهة إلى صدره، تماما كما فعل معتزّ وشحة، الذي اختار ألا يسلم نفسه للاحتلال، وأن يقاوم حتى قطرة الدم الأخيرة.
يرى الفلسطيني بكلّ وضوح أن الاحتلال يفاوض وهو يتوسع على امتداد ما تبقى من الأرض، وأنه يفاوض، وهو يتوسع في عمليات الاجتياح والاعتقال والقتل، ويفاوض، وهو يعلن كل لحظة، بالفعل وبالقول، أنه لن يتنازل عن شيء، وأنه كلما حقق هدفا معلنا انتقل إلى هدف معلن أيضا، تلخصه مقولة صهيونية لم تتغير منذ أطلقت: لا تنازل عن كل الأرض!
على ماذا نراهن في التفاوض إذن، وعلى ماذا نفاوض؟ كانت قيادة حكومة اليمين ذاتها في السابق تعلن: إذا أعطوا أخذوا، وكأنهم لم يستولوا على معظم الأرض التي لا حق لهم فيها، وحين تغير شيء في الحال، تغير الإعلان نحو المطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة! والعالم يتفرج، ويكاد يوافق على أول دولة "دينية" في زمنه الحاليّ! والعالم يعرف، والفلسطيني يعرف أيضا، أن تلبية طلب مستحيل مثل هذا، يلغي حقوقا إنسانية مقرة ومشروعة، لن يحول دون طلب جديد، سيكون تحقيقه مستحيلا أيضا، لأن الاحتلال يسير في تدرجه نحو هدف معلن: لا تنازل عن كلّ الأرض، حتى دون أن يحدد هذه الأرض التي يريد، لأن شعاره الأساسي أوسع مما يطالب به كبار غلاته في الزمن الحالي.
السؤال حول فترة التفاوض الحالية، تمديدا أو وقفا، لم يعد يعني الفلسطيني البسيط منذ زمن بعيد، لأنه يعرف من تجربته المريرة أن التفاوض يرتدّ في نهاية "مرحلته" إلى "تفاوض على التفاوض"، وأن الأمر صار مثل قصة إبريق الزيت، الذي لا زيت فيه على الإطلاق، حتى لو تكالب العالم على إيهام الفلسطيني البسيط، الذي لم يوافق على "المراحل" قط، بأنه مليء بما تنتجه الشجرة المباركة، لأنه يعرف الشجرة، ويشمّ رائحة زيتها حين يوجد، دون حاجة إلى من يقنعه بعكس ما تقرّره حواسه الأصيلة.
استمرّ التفاوض أم توقف، دون أن تكون فيه شروط واضحة، سوف يستمرّ الاستيلاء على الأرض، وسوف يستمر اعتقال الشباب، وسوف يستمرّ القتل، وسوف يستمرّ الفعل المقزّز لاحتجاز رفات الشهداء، من أجل "التكرّم" بها كبادرة حسن نية، من أجل تفاوض جديد، لا يأتي بجديد، لأنه ليس بمثل هذا يرحل الاحتلال، أو يرحّل.
نتنياهو يفتعل المأزق الخطير
بقلم: يحيى رباح – الحياة
يوم الخميس الماضي، تسمرت لساعات طويلة أمام شاشة تلفزيون فلسطين، وأنا اتابع تفاصيل ذلك المشهد الإجرامي الذي ارتكبته حكومة نتنياهو في مدينة بيرزيت شمال رام الله، حين قام الجيش الإسرائيلي بفرض حصار كامل على البلدة من الجهات الأربع، ثم اندفعت قوات الاحتلال لاقتحام بيت تسكن فيه عائلة وشحة يتواجد فيه أحد أبناء هذه العائلة المناضلة، وهو الشاب معتز، بدعوى أنه مطلوب، ثم انهالت القذائف على البيت، وتقدمت الجرافات لتهدم البيت الذي تحتشد فيه العائلة برجالها ونسائها وأطفالها، وانتهى المشهد الذي بدأ منذ الرابعة فجراً وحتى منتصف النهار بقتل الشاب معتز وشحة.
كل هذه العربدة من قبل الجيش الإسرائيلي لاستهداف مطلوب واحد، ثم ينتهي المشهد المعربد ليس باعتقاله بل بقتله بدماء باردة وقرار مسبق متعمد، فإلى أين تصل الأمور، وكيف يمكن فكفكة هذا المأزق المتفجر الذي صنعه نتنياهو إذا بقي نفس الرجال على رأس نفس هذه الحكومة التي تعيد إسرائيل مجدداً إلى مرحلة العصابات وليس إلى مرحلة الدولة التي يمكن أن يعقد معها اتفاقات؟
المأزق الذي صنعه نتنياهو منذ شكل هذه الحكومة الحالية بتعمد لكي يختبئ وراءها، ويتظاهر بالضجر والشلل أمامها، بحيث لا يتقدم ولو خطوة واحدة لإنجاح المفاوضات، هذا المأزق تتجلى شواهده على الجانب الفلسطيني من خلال عربدة الاستيطان، وجنون التهديد في القدس حيث وزراء الحكومة وجيش الحكومة هم الذين يشجعون قطعان المتطرفين المهووسين، وحيث كل شبر من الأرض الفلسطينية مستباح، وكل طفل فلسطيني مستهدف، وكل معتقل فلسطيني عرضة للموت لأسباب كثيرة، وكل المقدسات الفلسطينية تحت بند العدوان من أصغر مسجد في قرية إلى المسجد الأقصى نفسه.
وبما أن هذا المأزق الإسرائيلي لا يجري أي محاولات من أي نوع للسيطرة عليه، فقد وصلت تجلياته إلى الأردن، ورأينا موقف البرلمان الأردني الذي يعبر عن عدم القدرة على الاحتمال، ثم أنتج المأزق الإسرائيلي نفسه في لبنان عبر الغارة الإسرائيلية الأخيرة، ويصل إلى أبعد من ذلك، فهل يستطيع نتنياهو أن يستمر على هذا النحو، يقرأ من نصوص معلقة، يتجاهل الجميع، يستهين بالجميع، يستفز الجميع؟ وإذا كان هناك احتمال قوي للفشل أمام أمام كيري، وأمام الجهد الأميركي، فمن يتحمل مسؤولية هذا الفشل؟ وهل نتنياهو قوي إلى هذه الدرجة بحيث يسمح له المجتمع الدولي بأن يتجاهل كل قراراته، وكل مقارباته، وكل التضحيات والتنازلات التي قدمها الشعب الفلسطيني، بحيث نعود إلى نقطة الصفر من جديد؟
الخلل الأكبر في هذا السجال كله، أن الحلقة الوسيطة، متمثلة بالموقف العربي، هي حلقة غائبة نهائياً، بل هي مبالغة في الغياب، فهناك مشروع السلام العربي وهو أكبر تنازل تاريخي، ولكن أصحابه لا يدافعون عنه ولا بالحد الأدنى! وهناك قوة الصمود الكبرى للشعب الفلسطيني وخاصة في القدس، ولكنها لا تدعم عربياً وإسلامياً بما يستحق الذكر، وهناك النجاحات الفلسطينية مع المجتمع الدولي، ولكن المنظومة العربية لا تغذيها بأي جهد ممكن، وكأن العبء كله يقع على عاتق الفلسطينيين، في ذروة المعركة وحدهم، ولذلك فإن المطلوب منهم أكثر من العادي مليون مرة، مطلوب منهم أن يحسبوا الحسابات بدقة متناهية، فليس عندهم أي فائض يمكن أن يضيعوه الآن.
المقاطعة: إدراك إسرائيلي بتزايد خطورتها؟
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
في العام 2005، تأسست الحركة المدنية الفلسطينية المعروفة باسم (BDS) لأجل مقاطعة إسرائيل والتي تنادي بإنهاء الاحتلال واستيطانه لكل الأراضي العربية، فضلا عن تفكيك جدار الفصل العنصري، والاعتراف الإسرائيلي بحقوق فلسطينيي الـ 48، وعودة اللاجئين الفلسطينيين. هذه الحركة الفلسطينية تؤمن وتعمل باللاعنف، مثلما هي تخاطب أصحاب الضمير الحي من كل الأعراف والأديان والجنسيات وعلى رأسهم المجتمع الإسرائيلي وكل الجاليات اليهودية حول العالم. لهذا أصبح الدعم العالمي لهذه الحركة المدنية يغطي بلدان العالم على نحو تدريجي لكنه ثابت.
لقد كشفت الحركة المدنية الفلسطينية حقيقة إسرائيل المستندة إلى التمييز العنصري وزيف ديمقراطيتها في عدد متنام من الميادين على المسرح الدولي، الأمر الذي خلق خشية متزايدة في إسرائيل أجبر وزارة الشؤون الاستراتيجية والاستخبارية الإسرائيلية على تجهيز خطة تقوم على استخدام الإعلام والدعاية وتفعيل دور المنظمات الدولية المتعاطفة مع الدولة الصهيونية. ولكن وزارة الخارجية الإسرائيلية رأت بأن الحل حاليا لمواجهة حركة BDS يتجسد عبر وصفها بانها "معادية للسامية". بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) لعب على الحبل ذاته، وصرح: "أعتقد انه من المهم ان نكشف حقيقة الداعين لمقاطعة اسرائيل بأنهم معادون تقليديون للسامية ولكن بزي حديث، واعتقد ان علينا محاربتهم". ورد عمر برغوثي الناشط الفلسطيني وأحد مؤسسي (BDS) في مقال له في "نيويورك تايمز" على اتهامات إسرائيل بكون (BDS) أصبحت خطراً يهدد "شرعية" الدولة الصهيونية قائلاً فيه: "إن حركة BDS لا تمثل خطراً موجهاً لأجل إزالة إسرائيل كدولة بل هي تشكل تحديا للنظام العنصري الاستيطاني الحالي في إسرائيل. لقد زال النظام العنصري في جنوب إفريقيا وما زالت جنوب إفريقيا دولة قائمة. والنظام العنصري الصهيوني القائم هو الذي جلب المقاطعة ضد إسرائيل". وفي تقرير لها، قالت "السي بي إس"، إحدى أشهر شبكات التلفزة في الولايات المتحدة الأميركية، إن "التصويت بمقاطعة إسرائيل ما يزال في طوره الرمزي ولكنه مؤشر إلى أن تلك المقاطعة ربما تنامت لتعزل العالم إسرائيل شيئا فشيئا، ولن يجدي إسرائيل شيطنة مشروع عزلها بما تروجه من أقاويل تنسبها إلى الحركة عن "عداء السامية". فالمقاطعة مثل كل الأفكار، التي إذا جاء أوانها، شقت طريقها للتحقق الكامل". وفي مقال حمل عنوان "المقاطعة، سحب الاستثمارات، والعقوبات: كيف نحبط التهديد" كتب (مارك هيلر) يقول: "واضح أن حجم العقوبات الاقتصادية (والمقاطعات الاخرى في مجالات الثقافة والتعليم العالي)، التي كان مسببها الأول نشاط الـ BDS، ازداد في الأشهر الاخيرة. ومن الصعب الاختلاف مع حقيقة أن إسرائيل هشة جدا تجاه مقاطعة من هذا القبيل". وأضاف: "سيكون من قبيل عدم المسؤولية من جانب زعماء في إسرائيل الاستخفاف بهذا التهديد او التظاهر بانه يمكن معالجته بمجرد الحملات الاعلامية أو التنديد بالجهل، وانعدام الأخلاقية أو الازدواجية الأخلاقية أو الدافع اللاسامي".
النجاح المتنامي الذي تحققه حركة (BDS) الفلسطينية، إذا تُرجم إلى الدولارات كما بينته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، هو نجاح ملموس. فقد أكدت الصحيفة: "أن خسائر إسرائيل من هذه المقاطعة وخاصة لنمو 70 مصنعاً في المستوطنات والمزارعين من مستوطنات غور الأردن قاربت أن تصل إلى 20 مليار دولار وفصل نحو عشرة آلاف عامل من العمل في الفترة القريبة المقبلة". في هذا السياق، جاء كلام وزير خارجية الولايات المتحدة (جون كيري) من أن "إسرائيل تمر بازدهار مؤقت وأمن مؤقت ولكن ذلك وهم وسيتغير مع فشل محادثات "السلام" وستواجه إسرائيل مخاطر أكبر بكثير".
حقا، إن مقاطعة إسرائيل اقتصادياً (وغير ذلك) تتفاعل يوماً بعد يوم، حيث تواجه موجة عارمة لمقاطعتها خاصة في أوروبا. ومن المؤكد أيضا أن سلسلة النجاحات التي حققتها (BDS) تشجع على الدعوة الى فرض عقوبات على اسرائيل مماثلة لتلك التي فرضت على نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. وأعربت صحيفة "هارتس" عن قلقها وكتبت تقول: "التحذير أصبح أكثر وضوحا وشدة. ويتضاعف الاعتقاد بإمكانية تركيع إسرائيل مثلما حدث مع جنوب إفريقيا".
تغريدة الصباح - عن سجننا الذي لم نكتبه
بقلم: عدلي صادق – الحياة
كنت أسيراً لتسع سنوات. لم أكتب عن التجربة صفحات ممتدة، يمكن أن تصدر في كتاب. ثمة أسباب عدة، للاستنكاف عن الكتابة الطويلة عن السجن، من بينها أنني لم أرغب في تكرار السرد التعبوي، الذي يفاخر بصمودنا الذي ظل متلازماً مع المعاناة. فهكذا سرد، تكفل به البعض ولا أقول قد تكفل به كثيرون، لأننا ـ في الواقع ـ لم نكتب حتى الآن، سجننا بسياقه العام، بعد نحو 45 عاماً من تجارب السجن التي أعقبت حرب العام 1967. لكنني ما زلت أطمح الى عمل سوسيولوجي يرسم تجربة السجن، بمفارقاتها ولقطاتها الإنسانية المحببة، ونقاط ضعفها وقوتها، ومعها الظلال التي لا بد أن تنشأ في ظروف قاهرة، مثل وجود شخصيات ذهب بها امتثالها وهزيمتها النفسية وخواؤها الفكري وسذاجتها أو نذالتها، الى مد حبل الوداد للسجان العدو، إن لم يكن الى التخابر معه. فمثل هذه الظلال، كانت موجودة في هامش حياتنا، وإن كانت ضئيلة، لكن إقحامها في جماليات الصورة العامة، يخفف من بريق السرد، فيما السطور تحاكي قصيدة فخر!
قصائد الفخر، لا تؤسس أدباً لسجننا، وإنما تراكم ديوان شعر. لكن الحياة ـ أية حياة ـ أوسع وأشمل من كل القريض في كل العصور. فقد أردته سرداً شاملاً لكل شيء، أيام كبريائنا وعنفوان صمودنا وإيثارنا، وحكايات جنود مجهولين أسطوريين، ومع هذا كله، ظلالنا وشجاراتنا ونعراتنا في هامش حياة تحتقن موضوعياً ويُفاقمها السجان!
بين قتل الوقت وكسبه، توجعت مسافات الزمن في السجن، وارتسم الفارق بين سجين يقتل الوقت أو يروّضه، ويرى أن الحبس زمن ضائع ومهدور، يتحمله السجين سلبياً، وينتظر يوم الخلاص منه، لأنه يرفض الاعتراف والصلح معه وإعطاءه أي معنى، وسجين آخر يسعى الى كسب الوقت لصفه، ويدمج السجن في مسار حياته، ويسبغ عليه معنى آخر، فيوسع فيه من فسحة حريته، حتى وهو وراء القضبان. بل إنه يرى في القراءة عنصراً يضاعف قيمة الحياة، ويمنحها أفقاً حراً. الأول لا يصالح السجن بالمعنى النفسي، ويظل يراه وحشاً يكابد معايشته، ولا يستريح إلا عندما تغزو الذكريات الجميلة مخيلته، أو تلوح فجأة في أفق أوقاته!
الحديث عن السجن، بمنطق السوسيولوجيا، يفتح أبواب الإطالة في وصف "الزيارة" وبخاصة مفارقات سجناء الأمل، الذين ينتظرون أنباء إفراج قريب، وتحضر وقائع "الفسحة" وأحداثها، ويتطرف الحديث الى التنظيمات والمسؤوليات فيها، على صعيد حياة السجن العامة، والى محاولات تأسيس السجين لخصوصيته، في مكان يصعب فيه إخفاء عيوبنا ونقائصنا وحتى أسرارنا، على النقيض من الوضع خارج السجن. فقد مرّ على حركتنا الأسيرة، حال ما يسمى "السجين المطُلق" بانقطاع الزيارات بسبب هجمات الاحتلال وتقطيع الطرق والإغلاقات ومنع الزيارة. فلا أخبار عندئذٍ ولا بشائر ولا مسار يتقدم، للوعي بحياة الخارج الاجتماعي للسجين. وكيف نصنع، كسجناء، خصوصيتنا في مكان نغير فيه ملابسنا على مرأى من الزملاء، ونشخر على مسمع منهم، ونحلم فيما بعضهم يراقب قسمات وجوهنا، ونحزن ونغضب فيما البث مباشر. هنا، ينحو السجين الى تدبير خصوصية ذاتية، أو جوانيّة، أو افتعال فضاء يقيم في داخله، لكي تتوافر حرية معنوية واستقلالاً لا يقتحمه أحد!
كأن المحتلين، تعمدوا خلق فوارق طفيفة بين سجن وسجن. وربما يكون أحد السجون، في شروط حياته اليسيرة بالقياس، بمثابة أمنية شأنها شأن "سدرة المنتهى" التي ورد ذكرها في الأثر، وفيها من الحُسن ما لا يستطيع بشر أن يصفه حسب قول المصطفى عليه السلام. في أيامنا، كان "سجن الرملة" هو "سدرة المنتهى" فيما كانت سائر السجون تتدرج في تقديم جرعات الإراحة للسجين في سجنه، لكي لا ينهار جسده وتستوطن فيه الأمراض. في السجون المركزية في المحافظات، كانت قطعة الاسفنج التي ننام عليها، حكاية نسمع عنها ولا ننالها، وكان السجانون يزجون بخمسة وعشرين أسيراً، أو ثلاثين، في المهجع الذي يتسع بالكاد لعشرة سجناء. وفي "بئر السبع" الذي أتيحت فيه فرشات الاسفنج، كان جهاز الراديو الصغير، هو أخطر مواد التهريب، ويكون ضبطه مشكلة كبيرة. وعلى مر السنين، وتتالي الإضرابات لتحسين شروط الحياة في السجن؛ نقلت "التحسينات" للاسرى شاشات التلفزة. لكن المحتلين كانوا طوال الرحلة، ينكفئون بالسجن الى سيرته الأولى، فتأسست سجون من خيام في الصحراء. فهذه ضرورية بالنسبة لهم، لوقف التدرج، تلويحاً لمن يطلبون الاستزادة، بمخاطر واحتمالات نقلهم الى حيث الرياح الباردة شتاءً والحر اللافح صيفاً!
سجننا الاحتلالي البغيض، ما زال في انتظار من يكتبه، ومن يقدمون فصول حكايته، ووصف أروع ما فيها من انجازات على مستوى الوعي والتعلم. وفي هذه الفصول كلها، يطول الحديث!
القدس واقصاها في خطر
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
تواجه مدينة القدس والمسجد الاقصى تصعيدا خطيرا في عملية التهويد والمصادرة والتشريع الصهيوني لنزع السيادة عن اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. لم يكتفِ الاسرائيليون بالاعتداءات المتواصلة على المسجد الاقصى، واقتحام باحاته بشكل شبه يومي، وتدنيسه باسم "الصلوات" التلمودية، بل بلغت مرحلة متقدمة في الهجوم على المسجد الاقصى، من خلال طرح النائب عن تكتل "الليكود بيتنا" المستوطن فايغلن نزع السيادة الفلسطينية العربية عنه من خلال تشريع ذلك بقانون في الكنيست الاسرائيلي!؟
الحملة الاسرائيلية على الأقصى تجاوزت كل الخطوط السياسية، وتصب الزيت على نيران السخط والغليان الشعبي الفلسطيني، لاشعال الحرائق السياسية والباسها الثوب الديني بالتناغم والتكامل مع من يتساوق معها في التوجه المريب، لتحقيق مجموعة أهداف منها: اولا قطع الطريق على التوجهات والجهود الاميركية السلمية؛ وثانيا تصفية أي آفاق محتملة على التقدم في خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967؛ ثالثا اضعاف مكانة القيادة الفلسطينية، وتشوية دورها الوطني؛ رابعا إسقاط الدور الاردني في حماية المسجد الاقصى، كمقدمة لتفعيل خيار الوطن البديل، الذي يراود عقول قادة اليمين الصهيوني المتطرف؛ خامسا استغلال حالة الضعف العربية القائمة، وانشغال الدول الشقيقة بهمومها الخاصة لتمرير عملية التهويد للمسجد الاقصى خاصة والقدس عامة، تمهيدا لبناء الهيكل الثالث على انقاضه؛ سادسا خلط الاوراق في الساحة، لتحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية اية تطورات غير حميدة في المنطقة.
ما شهده المسجد الاقصى من اعتداءات اسرائيلية ارهابية، واقدام الكنيست على مناقشة نزع السيادة عنه دفع الجامعة العربية لعقد جلسة طارئة لبحث الموقف، واتخذ مجلس المندوبين قراراً بالتوجه للمجموعات الدولية في مجلس الامن لبحث إمكانية عقد جلسة لمناقشة الموقف الخطير في القدس والاقصى على حد سواء. كما ان البرلمان الاردني اتخذ خطوة أكثر ايجابية عندما طالب الحكومة بطرد السفير الاسرائيلي وسحب السفير الاردني. في السياق اصدر شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب ومفتي الديار المصرية ووزير الاوقاف والقيادة المصرية موقفا منددا بالانتهاكات الاسرائيلية.
غير ان الموقف العربي ما زال دون المطلوب تجاه الاعتداءات الاسرائيلية المنهجية، التي تستهدف الارض الفلسطينية المحتلة عام 1967. لا سيما وان الدول الشقيقة تملك اوراق قوة عديدة، إذا ما احسنت استخدامها فإنها بالضرورة سترغم إسرائيل واميركا على إعادة النظر في جرائمها وخياراتها الاستعمارية، من هذه الاوراق: السلاح السياسي والديبلوماسي والاقتصادي والتجاري والمالي. والتحرك في كل المنابر والمحافل الاممية للضغط على دولة الارهاب المنظم الاسرائيلية، وتوسيع حملة المقاطعة لها في مجالات الحياة المختلفة لتعميق الخطوة الاوروبية.
كما ان القيادة الفلسطينية معنية بتصعيد جهودها على الصعد المختلفة، وخاصة المقاومة الشعبية، ودفع عجلة المصالحة الوطنية، وطي صفحة الانقلاب الاسود من السجل الوطني مرة وللابد، لتعزيز عوامل الصمود لمواجهة التحديات الاسرائيلية والضغوط الدولية، الملقاة على كاهل القيادة الفلسطينية. ولعل زيارة الرئيس محمود عباس للولايات المتحدة واللقاء مع الرئيس اوباما، ومن ثم عقد القمة العربية نهاية الشهر، تمنح الرئيس عباس والقيادة الفرصة لاثارة الموضوع، وانتزاع قرارات لكف اليد الاسرائيلية عن القدس والمسجد الاقصى وكل الاماكن المقدسة، ووقف الهدم واعلان العطاءات لابناء الوحدات الاستيطانية في العاصمة الابدية للدولة الفلسطينية وعموم الاراضي الفلسطينية.
ما يجري في القدس خطر جدا، ويهدد المصالح العليا للشعب العربي الفلسطيني، الامر الذي يفرض تحرك غير عادي واشتقاق سياسات جديدة ونوعية للجم الخطر الاسرائيلي، وقطع الطريق على من يستهدف مصالح الشعب العليا.
********
الاخوة القراء، أود ان الفت انتباهكم، إلى ان اسم "عادل عبد الرحمن"، لم يكن اسما حقيقيا، بل اسما مستعارا فرضته عوامل موضوعية منذ شهر نوفمبر 2009، غير ان الظروف تغيرت، والآن اعود للكتابة باسمي الحقيقي. وأشكر الظروف الجديدة والدعم، الذي منحني اياه بعض المعنيين لاستعادة الهوية الشخصية في الكتابة باسمي، لأتحمل المسؤولية كاملة عن كل ما أكتب. وشكرا لسعة صدركم.