Haneen
2014-12-18, 11:41 AM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (289)
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
الاربعاء
12/3/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
العنف الاسرائيلي المفرط ضد الفلسطينيين
بقلم: حديث القدس – القدس
إعلام الزي الموحد
بقلم: خيري منصور – القدس
هل ستعي أميركا التحذير القادم من أوكرانيا؟
بقلم: كوندوليزا رايس - وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة – القدس
مستقبل الفلسطينيين
بقلم: لورنس ديفيدسون – القدس
المياه... قضية لا تقل اهمية عن القضايا الاخرى في المفاوضات
بقلم: الدكتور عقل أبو قرع – القدس
قمة الفرصة الأخيرة...؟!
بقلم: عرفان نظام الدين – القدس
42 إشارة (X) على أخمص البندقية؟
بقلم: حسن البطل – الايام
السحر ينقلب على الساحر.. و" ليبرمان" يوحّد العرب؟!
بقلم: هاني حبيب – الايام
تصعيد دموي إسرائيلي: رغبة جامحة في العنف
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
حول جديد علاقة السعودية بـ"الإخوان"
بقلم: علي جرادات – الايام
تغريدة الصباح - اللي استحوا ماتوا
بقلم: يحيى يخلف – الحياة
اطلالة عربية - بين قوس القزح
بقلم: ابراهيم عبد المجيد – الحياة
لا خوف من لا
بقلم: عدلي صادق – الحياة
القابضون على جهنم!
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
رقصة الموت الاخيرة !!!
بقلم: يحيى رباح – الحياة
هل يكتب أبو مازن التاريخ الجديد ؟ (ح 1 )
بقلم: بكر أبو بكر – الحياة
العنف الاسرائيلي المفرط ضد الفلسطينيين
بقلم: حديث القدس – القدس
شهد الشهر الحالي الذي لم يمض منه سوى اثنا عشر يوما فقط سقوط ستة من الشهداء الفلسطينيين على الأقل برصاص القوات الاسرائيلية :فقد أقدمت هذه القوات على قتل الناشط معتز وشحة في بيرزيت الأسبوع الماضي دون مبرر وإنما وفقا لمصادر اسرائيلية بدم بارد.
وسقط أمس الأول القاضي الأردني من أصل فلسطيني رائد زعيتر، وفي اليوم نفسه قتل الجيش الاسرائيلي قرب بيتين الشاب سامي جرابعة وليس هناك حتى ذريعة اسرائيلية مقنعة لهذه الجريمة البشعة.
وبالأمس سقط في قطاع غزة ثلاثة شبان فلسطينيين بنيران الجيش الاسرائيلي الذي برر قتلهم بأنهم أطلقوا النار على قواته. ومهما كانت الروايات والتحليلات، فإن هناك عنفا مفرطا من جانب القوات الاسرائيلية تجاه أبناء شعبنا الأعزل، ولا يوجد في المقابل رد فعل من جانب المجتمع الدولي لوقف هذا العنف الذي يستفحل يوما بعد يوم.
ويبدو أن الأوامر المعطاة لقوات الأمن الاسرائيلي بخصوص إطلاق النار على الفلسطينيين فضفاضة للغاية، وتسمح لهذه القوات بالضغط على الزناد لأتفه الأسباب، وربما من دون أي سبب. والمقصود هو بث الرعب والخوف في نفوس الفلسطينيين، وذلك من باب تعزيز ما يوصف بقوة الردع الاسرائيلية من الناحية النفسية والمعنوية.
العالم يتغاضى عن هذه الممارسات الاسرائيلية ولا يتعرض لها بالتنديد والانتقاد. هذا في الوقت الذي يراقب فيه الأوروبيون والأميركيون ما قد يحدث في القرم وأوكرانيا على سبيل المثال، وما وقع في جنوب السودان، وهم على أتم الاستعداد لفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الطرف الذي يعتقدون أنه هو المتسبب في قتل المدنيين الأبرياء، أو حتى من يتوقع أن يقدم على أعمال قتل من هذا القبيل.
القاضي زعيتر كان أعزل، ولم يكن يشكل أي خطر على حياة الجندي الاسرائيلي الذي أطلق النار عليه. وروايات شهود العيان تؤكد أنه غضب بسبب الإهانة التي لحقت به. فهل كان في وسعه أن يهدد حياة حندي مدجج بالسلاح، وهل توفرت لديه مثل هذه النية أصلا وهو الذي كان يريد الوصول إلى نابلس للحصول على المال لمعالجة ابنه الطفل المصاب بمرض خطير، والذي يعالج في أحد مستشفيات عمان؟.
والشاب جرابعة، حتى لو افترضنا جدلا أنه ألقى حجرا على سيارة مستوطنين وفقا للرواية الاسرائيلية، أما كان بالإمكان اعتقاله حيا، بدلا من إنهاء حياته برصاصات الجيش الاسرائيلي ؟
فهل أصبحت حياة المواطنين الفلسطينيين رخيصة إلى هذا الحد في نظر السلطات الاسرائيلية؟ وكيف يمكن أن يتحقق مبدأ المساواة في التعامل خلال المفاوضات، على سبيل المثال، في الوقت الذي تستهين فيه الحكومة الاسرائيلية بحياة أبناء شعبنا الذي تدعي أنها تريد تحقيق السلام معه؟.
هذا العنف الاسرائيلي يجب أن تجد التقارير التي تصفه طريقها إلى الجهات الدولية المعنية بوقفه، وأن يحدث نوع من المساءلة لمن يرتكبه. ولن تكون هناك إمكانية لتحقق ما توصف بعملية السلام ما دامت الحكومات الاسررائيلية تمارس هذا العنف، أو تجد المبررات والذرائع الواهية لممارسته في انتهاك صارخ للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية.
إعلام الزي الموحد
بقلم: خيري منصور – القدس
هناك عبارة شهيرة تنسب إلى هوفمان، هي "الإنسان هو الأسلوب ولا شيء آخر"، والمقصود بها ليس ما نفكر به بل كيف نفكر؟ والإعلام العربي في ظاهره أشبه بقوس قزح بأطيافه العديدة وألوانه، لكن واقع الأمر ليس كذلك، فقد يختلف اليساري مع اليميني والمتدين مع العلماني، لكن ما يجمع بين هؤلاء رغم التناقض الإيديولوجي هو الأسلوب والأداء وكيفية تناول القضايا، ما دامت الحاضنة الاجتماعية والتربوية هي ذاتها، وكذلك المرجعيات .
ولو أخذنا عينات متنافرة ومتباعدة من المشهد الإعلامي على اتساعه لوجدنا أن أفضل توصيف لهذا المشهد هو الزي الموحد، فليس مهماً أن تكون أزرار المعطف على اليمين أو اليسار وكذلك الجيوب، ما دامت المادة الخام هي ذاتها وقد أعيد إنتاجها على هذا النحو أو ذاك، وقد يكون أقرب وأدق مثال لدينا تحويل بعض الماركسيين النظرية التي يتبنونها إلى يقين من طراز آخر، فالدوغمائية أو التعصب الأعمى لا هوية لهما، لهذا قيل دائماً إن المتطرفين والغلاة يلتقون في نهاية المطاف .
يتجلى الزي الإعلامي الموحد في هذا القاموس المتداول على مدار الساعة، وكأن هناك كائناً واحداً يحمل أسماء مختلفة، وعلى المشاهد أو القارئ أن يصدق بأن هذا التشابه هو التعدد، والعكس صحيح، لأن التعددية تغني الواقع والتماثل يفقره .
وليس صعباً علينا رصد منبرين إعلاميين أشبه بخندقين متقابلين، يقولان أشياء متناقضة لكنهما يصدران عن العقل ذاته والنهج ذاته، بخلاف ما هو معروف في تاريخ المنطق كله، وهو أن المضمون المختلف يخلق شكل تعبير مختلفاً لأن العلاقة بينهما جدلية .
لكن السائد مقابل الجدلية هو الثنائيات التي تفرض على أصحابها المراوحة حول الموقف ذاته كالنافورة التي تسيل على نفسها .
ثقافة الزي الموحد ليست حكراً على الإعلام سواء كان مرئياً أو مقروءاً أو مسموعاً إنها تشمل حتى الخطاب اليومي في الحياة الاجتماعية . والخروج من هذا المدار المغلق ليس سهلاً، أو لمجرد توفر النوايا لذلك، إذ لا بد من تأهيل ومران لردم الهوة العميقة بين الجدليات والثنائيات . وإذا سلمنا بأن التشابه إفقار والتنوع إثراء، فإن حصاد هذا الزي الموحد هو في نهاية المطاف مجرد هشيم انسجاماً مع المثل القائل إن الماء يكذب الغطاس، والبيدر يكذب الفلاح .
هل ستعي أميركا التحذير القادم من أوكرانيا؟
بقلم: كوندوليزا رايس - وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة – القدس
بينما كنت أقف أنا وبوتين في مكتبه بالقصر الرئاسي في موسكو أواخر 2004، أطل علينا فجأة رجل من غرفة خلفية. قال لي بوتين «أُعرفك بفيكتور يانوكوفيتش مرشح الرئاسة في أوكرانيا». هكذا قدم لي بوتين رئيس أوكرانيا يانوكوفيتش، وكان واضحا حينها أن بوتين يريد تمرير رسالة مفادها أن يانوكوفيتش هو رجلنا، وأن أوكرانيا هي الفناء الخلفي لروسيا - ولا تنسوا ذلك.
منذ ذلك الحين والمشكلة الأوكرانية آخذة في التبلور بين الغرب وروسيا، فحاولت الولايات المتحدة وأوروبا بعد الثورة البرتقالية إقناع روسيا بألا تتحول أراضي أوكرانيا المترامية الأطراف إلى بيدق في رقعة الصراع بين القوى الكبرى، بل عليها أن تبقى بلدا مستقلا قادرا على تقرير مصيره بنفسه. بيد أن بوتين كانت له حسابات أخرى، فتقارب كييف مع الغرب بالنسبة له كان بمثابة إهانة لروسيا في معادلة صفرية لا تقبل غير الولاء التام من بلدان الإمبراطورية السابقة. وقد كان الاجتياح الأخير لشبه جزيرة القرم واحتمال ضمها إلى روسيا بحجة واهية تتعلق بحماية الناطقين بالروسية، رد بوتين على الغرب.
ولذا تبقى الأولوية في الوقت الراهن لروسيا هي أن أي تحركات جديدة في أوكرانيا لن يتم التساهل بشأنها، وأن سلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها أمر مقدس لا يمكن تجاوزه. ومن ثم فإن فرض قرارات مثل العزلة الدبلوماسية وتجميد الأصول وحظر السفر على طبقة رجال الأعمال المرتبطين بالكرملين يعد أمرا مناسبا. كما سيعمل الإعلان عن إجراء مناورات جوية مشتركة مع دول البلطيق، وتحرك مدمرة أميركية إلى البحر الأسود، على طمأنة حلفائنا، بالإضافة إلى مساعدات اقتصادية لأوكرانيا وقادتها الجدد الذين يتعين عليهم في ظل هذه الظروف العصيبة تنحية خلافاتهم والتركيز على إدارة البلد.
وتظل مهمتنا على المدى الطويل هي التصدي للنظرة التي يتبناها بوتين بشأن مستقبل أوروبا ما بعد الحرب الباردة. فهو يقول إن أوكرانيا لن تمتلك الحرية مطلقا لاتخاذ خياراتها الخاصة - رسالة تتجاوز أوكرانيا إلى باقي أوروبا الشرقية ودول البلطيق - وأن لروسيا مصالح خاصة ستحميها مهما كلف الأمر. ولأن الحرب الباردة انتهت على نحو مأساوي بالنسبة لبوتين، فهو يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء من خلال الترهيب واستخدام القوة العسكرية، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية، ما دام العجز الغربي يسمح له بذلك.
جدير بالذكر أنه عندما اجتاحت روسيا الأراضي الجورجية في 2008 أرسلت الولايات المتحدة بوارجها إلى البحر الأسود، كما نقلت الوحدات الجورجية في العراق إلى قواعدها في أرض الوطن وأرسلت أيضا مساعدات إنسانية. وهكذا حرمت موسكو من هدفها المتمثل في الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا، وهو الاعتراف الذي صرح لي به وزير الخارجية الروسي. ولم تستطع الولايات المتحدة وأوروبا سوى اتخاذ خطوات متواضعة لعزل روسيا سياسيا.
بيد أن تلك الخطوات المتواضعة لم تستمر، فرغم استمرار الاحتلال الروسي لإقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، تلاشت العزلة الدبلوماسية المفروضة على روسيا. ثم جاءت بعدها سياسة أوباما القائمة على إعادة إصلاح العلاقة مع موسكو والتي أدت إلى مراجعة مفاجئة لخطط نشر صواريخ دفاعية في جمهورية التشيك وبولندا، وتوقف الحديث عن انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي.. الأمر الذين أبهج روسيا.
هذه المرة ينبغي أن يكون الوضع مختلفا، فبوتين يراهن على المدى البعيد من خلال استغلاله الذكي لكل فرصة متاحة، ولذا يجب علينا التحلي بالصبر الاستراتيجي إذا أردنا وقفه، لا سيما أن موسكو ليست محصنة من الضغوط. نحن لسنا في عام 1968 وروسيا ليست الاتحاد السوفياتي، فالروس بحاجة إلى الاستثمارات الأجنبية، ورجال الأعمال المرتبطون بالنظام يحبون السفر إلى باريس ولندن.
كما أن هناك قدرا ضخما من الأموال التي تم الحصول عليها بصورة غير مشروعة مودعة في البنوك الأجنبية. ولا ننسى أيضا أن روسيا لا تتحمل انخفاضا كبيرا في أسعار النفط، خاصة أن طفرة النفط والغاز في أميركا الشمالية ستضعف قدرات موسكو الإنتاجية، ومن شأن الترخيص بمد أنبوب الغاز «كيستون إكي إل» ودعم صادرات الغاز الأميركية، أن يبعث بالرسالة المناسبة لبوتين بقدرة أوروبا على تنويع مصادر الطاقة ومد أنابيب لنقل الغاز لا تمر عبر روسيا.
ومن الواضح أن الكثير من أفراد الشرائح الأكثر إنتاجا ضمن الشعب الروسي، وهم الشباب المتعلم، ليسوا على وفاق مع الكرملين، لأنهم يعرفون أن بلدهم ليس مجرد مكان لاستخراج الموارد من قبل الشركات العملاقة، بل يحتاج إلى مزيد من الحريات السياسية والاقتصادية والقدرة على الابتكار والمساهمة في الاقتصاد القائم على المعرفة، ومن ثم يجب علينا التواصل مع الشباب الروسي، خاصة الطلبة والمهنيين الذين يدرس العديد منهم في الجامعات الأميركية ويعملون مع شركات غربية. فالقوى الديمقراطية داخل روسيا تحتاج إلى سماع الدعم الأميركي لطموحاتها، لأنهم هم، لا بوتين، مستقبل روسيا.
ويأتي على رأس ذلك ضرورة استعادة الولايات المتحدة مكانتها ضمن المجتمع الدولي بعد أن تقوضت بسبب المبالغة في مد يد الصداقة إلى خصومنا، والتي تكون أحيانا على حساب أصدقائنا. فعدم تحركنا في سوريا الذي عزز الحضور الروسي في الشرق الأوسط والانطباع بأننا متلهفون على اتفاق نووي مع إيران، لا يمكن فصله عن تحركات بوتين الأخيرة.
كما أن خفض موازنة الدفاع الأميركية يوحي بأنه لم تعد لدينا النية ولا الرغبة في التأثير في النظام الدولي، كما هو الحال بالنسبة لحديثنا عن الانسحاب من أفغانستان سواء أكان الوضع الأمني يسمح بذلك أم لا. ينبغي ألا نفشل، كما فعلنا في العراق، في أن نترك خلفا وجودا عسكريا. وأي وجود عسكري يقل عن 10.000 جندي سيعني أننا غير جادين بشأن المساعدة في استقرار تلك الدولة.
وعندما جرى الحديث عن فكرة الانسحاب الأميركي وخفض الصوت المدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان اعتقد المراقبون أن الفراغ سيملأه الحلفاء الديمقراطيون والدول الصديقة والمعايير الدولية، لكننا شهدنا بدلا من ذلك كيف قفزت القوى المتطرفة، مثل «القاعدة» التي أطلت برأسها مجددا في العراق وسوريا، أو الأنظمة الديكتاتورية مثل نظام الأسد الذي لا يتوانى في قتل شعبه بمؤازرة من روسيا وإيران أو حتى من قبل الأصوات القومية الصادرة عن بكين وأمثال بوتين الذي يعي جيدا أن القوة الصلبة ما زالت مهمة في عالمنا، لملء الفراغ.
واللافت أن هذه التطورات لم تأتِ كرد فعل على السياسة الخارجية الأميركية القائمة على القوة، بل لأن الرسائل التي تبعث بها الولايات المتحدة تنم عن الإرهاق وعدم الاهتمام، ولذا تمثل الأحداث الأخيرة في أوكرانيا دعوة تحذيرية للنخب الأميركية في الحزبين معا ممن يعتقدون أن أميركا تستطيع التخلي عن مسؤوليتها الدولية في القيادة، فإذا لم ننتبه إلى هذا التحذير فإننا نجازف بتقوية المتطرفين والمستبدين حول العالم، وسينتهي بنا المطاف إلى دفع ثمن باهظ من مصالحنا وقيمنا ..
مستقبل الفلسطينيين
بقلم: لورنس ديفيدسون – القدس
تم فعل الكثير من أجل تحقيق التأثير المتصاعد لحركة المقاطعة ونزع الاستثمار والعقوبات ضد إسرائيل. وفي الحقيقة، ثمة إحساس متنامٍ بأن قوة المقاطعة من جانب المجتمع المدني، وبشكل خاص لأنها تتجلى في أوروبا، تسير على الطريق نحو تكرار التاريخ، بحيث تفعل مع إسرائيل ما سبق لها وأن فعلته مع جنوب أفريقيا.
على نحو متزامن، ثمة افتراض ملح بأن الجهد الأحدث للتوصل إلى تسوية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي يدير دفته وزير الخارجية الأميركية جون كيري، سوف يسلك الطريق نفسه الذي سلكته كل سابقاته، أي الفشل.
لكن، لا يوافق الجميع على هذا القول. ففي مقابلة أجراها معه مشروع اليسار الجديد، ونشرت على الموقع العنكبوتي للمشروع يوم 11 كانون الثاني الماضي، يعرض نورمان فينكلشتاين (المنتقد المعروف لإسرائيل والذي تحظى نشراته بتوزيع جيد) سيناريو مختلفاً. ويعتقد فينكلشتاين بحزم بأن جهود كيري ستؤتي أكلها. وبهذا، سوف تتوصل إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي لا تمثل كل الفلسطينيين بكل وضوح إلى اتفاق قبل نهاية فترة رئاسة باراك أوباما.
يشرح فينكلشتاين بالقول إن النقاش الكلاسيكي حول مجمع مستوطنات إسرائيل غير الشرعية قد انتهى، وفي هذه النقطة كسبت إسرائيل. وسوف يُسمح لها باستيعاب المستوطنات الرئيسية داخل حدودها. وهكذا تكون قد حولت الكيان الفلسطيني إلى كيان غير صالح جغرافياً. كما أن السلطة الفلسطينية ستهمل أيضاً حق العودة الذي يعد عزيزا جداً على اللاجئين الفلسطينيين.
نتيجة لذلك، تم حصر "المفاوضات" في موضوعين: المطلب الإسرائيلي بأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كـ"دولة يهودية" والوضع النهائي لوادي الأردن. ويتنبأ فينكلشتاين بأن يتم حل الموضوع الأول عبر وصف إسرائيل بأنها "دولة للشعب اليهودي ولمواطنيها"، بحيث تقدم بذلك حماية قانونية مزعومة للعرب الإسرائيليين. وعلى نحو مشابه ستصبح فلسطين "دولة للفلسطينيين ولمواطنيها".
فيما يتعلق بوادي الأردن، سوف تنسحب إسرائيل بوتيرة بطيئة من المنطقة. أما تعليق فينكلشتاين على هذا، فهو أن "إسرائيل ماهرة في التنازل عن الأشياء التي لا تهمها في المقام الأول". ويصف فينكلشتاين "القيادة الفلسطينية" بأنها "فاسدة على نحو لا يمكن تقويمه وغير كفؤة وحمقاء". لكنه يتعامل بقدر أكبر قليلاً من اللطف في وصفه "للداعمين الفلسطينيين في الخارج" والذين، حسب قوله "لا يتصرفون بحنكة وذكاء". وهو يقلل من شأن إنجازات المقاطعة المبتغاة منها في الولايات المتحدة. ويعتقد بأن أولئك من نشطاء حركة المقاطعة في أوروبا يجب أن يفكروا في تكتيكات للضغط دعماً لجهود كيري.
يقول فينكلشتاين أيضاً إن مجموعات التضامن مع الفلسطينيين "تستمر في العمل وكأن عملية كيري هي عرض جانبي بلا معنى، أي شيء يمكن تجاهله بأمان"، وهو يصف هذا الموقف بأنه خطأ كبير. ويضيف أن احتمال تقرير المصير الفلسطيني سيكون قد اختفى قبل أن يدرك هؤلاء الداعمون ما الذي أصابهم.
ماذا إذا كان ذلك صحيحاً؟
مهما كان رأي المرء في نورمان فينكلشتاين وتنبؤاته، فسيكون من الحكمة بالنسبة لأولئك الذين يدعمون حركة المقاطعة ونزع الاستثمار وفرض العقوبات وحقوق الفلسطينيين دراسة كيفية الرد، مهما كانت الاحتمالات، إذا نجح وزير الخارجية كيري. وهكذا، دعونا نعِد التفكير في الموضوع.
إن هذه التسوية (على الأقل كما وصفها فينكلشتاين) ستحول جزءاً جيداً من أراضي الضفة الغربية المحتلة إلى "السيادة" الإسرائيلية وتنشئ كياناً فلسطينياً مقتطعاً يستطيع اللاجئون الفلسطينيون "العودة" إليه. وقد يتساءل البعض عما إذا بقي هناك منطق للاستمرار في مقاطعة إسرائيل. قد تفقد حركة المقاطعة ونزع الاستثمار وفرض العقوبات زخمها، على الأقل مؤقتاً. ولكن، هل ستتلاشى الحركة هي وأهدافها جملة وتفصيلا؟
ربما لا. إن الذي سينقذ حركة المقاطعة ونزع الاستثمار وفرض العقوبات هو قادة إسرائيل نفسها المدفوعون كما هو حالهم دائماً بالطبيعة العنصرية المتأصلة في الإيديولوجية الصهيونية. وبعبارات أخرى، من الممكن التعويل بأمان على صانعي السياسة الإسرائيليين أنفسهم ليجسدوا هذا التوصيف.
ولك أن تأخذ مثلاً وزير المالية "المعتدل سياسياً"، يئير لابيد، الذي قال لجمهور إسرائيلي مؤخراً: "إن الموضوع هو أننا نحتاج لأن نتخلص من الفلسطينيين. فذلك موضوع يهددنا وشوكة تنخزنا". وكنتيجة لهذا الموقف المتبنى بشكل عام، فإن التطهير العرقي للفلسطينيين (ولغيرهم من طالبي اللجوء السياسي من غير اليهود من شرق أفريقيا) في داخل أراضي إسرائيل سيستمر على قدم وساق.
لصياغة الفكرة بطريقة أخرى، سوف يتكثف وعلى نحو كبير الجهد الذي مضى عليه الآن 67 عاماً للتضييق على المواطنين من غير اليهود من أجل طردهم إلى الخارج. وكانت الحملة على جنوب أفريقيا قد جاءت كرد فعل ضد ثقافة ذلك البلد العنصري وسياساته. وما من سبب يفسر السبب في أن لا تستطيع حركة مقاطعة ونزع استثمار وفرض عقوبات مفعمة بالقوة أن تدوم ضد إسرائيل على الأساس نفسه.
لكن نورمان فينكلشتاين قد يكون جانب الصواب. وقد يكون الصحفي جيد الاطلاع، جوناثان كوك، قد أصاب كبد الحقيقة عندما يلاحظ أنه "رغم وجود إمارات خارجية، فإن (رئيس الوزراء الإسرائيلي) نتنياهو بعيد كل البعد عن أن يكون جاهزا للتوصل إلى تسوية".
ويدعي كوك بأن نتنياهو يتوافر "على وقوف جل الشعب الإسرائيلي من خلفه... لكن الأكثر أهمية أنه يتمتع بوقوف قسم ضخم من المؤسسة الأمنية والاقتصادية إلى جانبه أيضاً". ويقول كوك إنه نتيجة لذلك، "فإن هذه المفاوضات قد لا تفضي للتوصل إلى اتفاقية، لكنها ستشكل نقطة انعطاف تاريخية رغم ذلك. إن عملية نزع الشرعية عن إسرائيل تجري على قدم وساق بحق، وإن الطرف الذي يلحق معظم الضرر بإسرائيل هو القيادة الإسرائيلية نفسها".
أعتقد بأنه يجب على حركة المقاطعة ونزع الاستثمار، وحركة الحقوق الفلسطينية بشكل أعم، أن تكون قادرة على الاستدامة في أي من الحالتين. وإذا كان كوك محقاً، فإنه ليس من المتوقع ديمومة الحركة وحسب، وإنما أيضاً نموها بوتيرة سريعة. أما إذا كان فنكلشتاين مصيباً، فستثبت الحالة أنها أكثر تعقيداً.
لا شك أن كوك محق بالتأكيد في شيء واحد: إننا أمام تقاطع طرق. أما إلى أين سيقودنا هذا الوضع، فهو أمر غير واضح كما يشير هو وفنكلشتاين. وهذا يعني أن أولئك الذين يدعمون الفلسطينيين بغض النظر عن الشكل الذي يتخذونه، يجب أن يفكروا في هذه الاحتمالات. هناك ما يكفي من الوقت بعد لتشكيل تصورات مناسبة للتعامل مع الطوارئ.
*أستاذ التاريخ في جامعة ويست شيستر في بنسلفانيا. وهو مؤلف "شركة السياسة الخارجية: خصخصة المصلحة القومية لأميركا"، "فلسطين وأميركا: الأحاسيس الشعبية والرسمية من بلفور إلى الدولة الإسرائيلية." و"الأصولية الإسلامية".
المياه... قضية لا تقل اهمية عن القضايا الاخرى في المفاوضات
بقلم: الدكتور عقل أبو قرع – القدس
* قبل فترة قامت شركات المياه الاسرائيلية بقطع المياه عن بعض المناطق الفلسطينية في القدس وضواحيها، وبغض النظر عن الاسباب، فأن هذا يعني اننا لا نتحكم بسلعة حيوية مثل المياه، سواء للحياة او للزراعة او لدوران عجلة الاقتصاد والتنمية، ومعروف حاليا ان الفلسطينيين ورغم وجود احواض المياه الجوفية في مناطقهم، فأنهم يشترون المياه من الاسرائيليين، وفي ظل الاوضاع العادية، فان معدل استهلاك الفلسطيني من المياه هو اقل بكثير من استهلاك الاسرائيلي، وكيف سيكون الوضع في المستقبل وفي ظل الظروف غير العادية، من النقص في المياه نتيجة انقطاع الامطار وبالتالي تدني منسوب ابار المياه الجوفية وكذلك مستوى المياه السطحية، المتمثل في بحيرة طبريا مثلا، وكل ذلك يوضح الاهمية الكبرى لتوفر كمية المياه للفلسطينيين، الان وفي المستقبل، حيث من المتوقع اقامة الدولة الفلسطينية وازدياد اعداد الناس ونشاطاتهم المختلفة، وهذا يوضح كم هو موضوع المياه مهم في التفاوض، كما هي المواضيع الاخرى كذلك مهمة.
ومع احتمال اعلان حالة الجفاف في بلادنا وما يتبع او ينتج عن ذلك، يصبح الجميع في امسّ الحاجة الى المياه، سواء للشرب او للزراعة، ومن الممكن ان تظهر اثار هذا النقص في المياه، وبشكل حاد خلال فصل الصيف القادم، وبالاخص في مناطق محددة في جنوب الضفة الغربية او في غزة للشرب، او في منطقة الاغوار حيث الزراعة المكثفة التي تعتمد على المياه، سواء من المطر او من ابار المياه الجوفية، ومن المتوقع ان يكون لذلك تبعات، صحية وبيئية واجتماعية وتبعات تتعلق بارتفاع كبير في اسعار الخضار والفواكه والمنتجات الحيوانية، نتيجة النقص في الكمية او في قلة العرض ومن ثم ازدياد الطلب وارتفاع الاسعار.
وبعيدا عن كمية المياه، فهناك تلوث او تدني جودة المياه، وبالاخص في قطاع غزة، حيث معروف ان النسبة العظمى، اي اكثر من 90% من مصادر المياه في بلادنا هي مصادر جوفية، اي التي تتغذى او تعتمد على سقوط مياه الامطار، وانقطاع مياه الامطار يمكن ان يؤدي الى تلوث المياه، لان نقص مخزون المياه، ومع وصول الملوثات اليها، سواء اكانت ملوثات كيميائية او بيولوجية سوف يؤدي الى زيادة تركيز الملوثات وبالتالي زيادة خطورتها على الصحة والبيئة، وكذلك فان نقص المياه واستهلاكها بدون تعويض النقص في الاستهلاك سوف يؤدي الى زيادة تركيز الاملاح والعناصر والمعادن وما لذلك من اثار على الزراعة والبيئة والصحة العامة.
والوضع المائي في غزة، وفي ظل تقارير محلية ودولية، هو وضع شبه كارثي، فمصادر المياه في قطاع غزة هي جوفية، ونوعية التربة هناك اشبه بالتربة الرملية، اي التي من الممكن ان يتسرب من خلالها العديد من المواد او الملوثات ومن ثم تصل الى المياه الجوفية، وهذا يبدو انه يحدث، سواء تسرب مواد من المياه العادمة العشوائية في غزة، او من الانشطة الزراعية كمتحللات الاسمدة والمبيدات، او من فضلات المصانع، وهذا بالاضافة الى الاستخدام العادي الزائد عن الحد من المياه الجوفية، وكذلك وصول مياه البحر المالحة اليها، ومن ثم زيادة نسبة الملوحة والتي تقاس عادة بتركيز الاملاح فيها، عن الحد المسموح به عالميا.
وقبل ايام نشرت تقارير اشارت الى التقدم الكبير الذي احرزه الجانب الاسرائيلي فيما يتعلق بتكنولوجيا تحلية المياه من البحر، وبالتالي اتباع ذلك كمشروع استراتيجي للتعامل مع موضوع شحة ونقص المياه في اسرائيل، وليس هذا فقط، ولكن التخطيط لتصدير او بيع المياه، اي الفائض من المياة من خلال اتباع هذه التكنولوجيا، وهذا ما سوف يتم القيام به من خلال الاتفاقيات حول اقامة محطات تحلية المياه مع الاردن، وربما مع الفلسطينيين، اي اننا سوف نعتمد في سد حاجتنا من المياه على شراء الفائض منها من الجانب الاسرائيلي، الناتج من محطات التحلية، وربما باسعار مخفضة، ولكن فان هذا يعني اننا سوف نزيد الاعتماد على الاخرين من اجل التنمية والبناء وحتى من اجل البقاء، حيث معروف اننا الان نشتري الكهرباء تم توقيع اتفاقية لشراء الغاز ونشتري البترول وسوف يتبعهما شراء المياه؟
والاستقلال اي عدم الاعتماد على الاخرين، والتنمية المستدامة والامن الغذائي، يحتاج الى المياة الصالحة التي تحت السيطرة، اي المياه غير الملوثة وغير المالحة، وهذا من المفترض ان يأتي في معظمة من المياة الجوفية التي تقع في الاراضي الفلسطينية، التي تم تعريفها او تحديدها حسب قرارات الامم المتحدة، وبالتالي من المفترض ان يشمل اي اتفاق مرحلي او غير مرحلي، او اي اتفاق اطار او غيره، تفصيلا واضحا بالحقوق المائية الفلسطينية، وليس كما هو قائم الان من الحاجة او المتطلب الى اخذ الاذن او رخصة من الجانب الاسرائيلي من اجل حفر بئر مياه للشرب، او من اجل زراعة محصول جديد، او توقيع او التفكير في توقيع الاتفاقيات لشراء المياه الناتجة من محطات التحلية؟
قمة الفرصة الأخيرة...؟!
بقلم: عرفان نظام الدين – القدس
حقاً إنها الفرصة الأخيرة للعرب لكي يبدأوا مسيرة العودة إلى التضامن ورأب الصدع وحصر الخلافات في حدودها الدنيا، بعد سنوات عجاف انقلبت فيها الأوضاع في المنطقة رأساً على عقب، وعمت الفوضى واختلطت التحالفات وتغيّرت الموازين وضاعت الأمة والشعوب في غياهب بحر هائج مائج لم نشهد له مثيلاً خلال قرن من الزمان.
فإذا كان مجرد انعقاد القمة العربية المقررة في الكويت في نهاية الشهر، أي بعد أسابيع قليلة، مجرد حلم قد يتحول إلى واقع، فإن نجاحها أو مجرّد التوصل إلى بعض القواسم المشتركة يعتبر معجزة من الصعب أن تتحقق بسبب تعقيدات المواقف وتشعب المشاكل وتداخل الأزمات وتنوع الخلافات وصعوبة الأوضاع الداخلية وسوء العلاقات العربية- العربية التي وصلت في أحيان كثيرة إلى قطيعة تامة وعداء مطبق، أين منه عداء الأعداء.
الرهان الوحيد القائم حالياً يتركز على دور الكويت التقليدي في معالجة القضايا العربية بهدوء وروية والسعي نحو حماية المصالح العليا للأمة وتغليبها على أي أمر آخر، ودأبها في عدم قطع «شعرة معاوية» مع أي طرف وإبقاء الأبواب مفتوحة للمصالحة والمصارحة. وقد قوبلت المبادرة الكويتية بترحيب عربي شامل، وبخاصة ما يتعلق منها بالمصالحة بين مصر وقطر، إلا أن انتكاسة حصلت قبل أيام بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة ثانية، أدت إلى سحب السفراء.
وفي حال عدم نجاح الوساطات فإنه يمكن القول إن قمة الكويت ستكون الفرصة الأخيرة للقادة العرب لمعالجة القضايا الشائكة، أو على الأقل منع تدهور العلاقات ووصولها إلى نقطة اللاعودة لأن فشلها، لا سمح الله، سيعني دق المسمار الأخير في العمل العربي المشترك، كما سيؤدي الى نهاية القمم العربية ودفن ما بقي من التضامن ومعه النظام العربي وجامعة الدول العربية التي زعزعت أركانها الهزات، وشلّت دورها وخيبت الآمال بتصحيح مسيرتها.
وتعليق الآمال على المبادرة الكويتية ناجم عن تجارب الماضي والرغبة في تحقيق إنجاز ما بعد نجاحات سابقة في العام الماضي من خلال القمة العربية الأفريقية وقمة مجلس التعاون الخليجي التي سرت شائعات خلال أيام انعقادها بأنها ستفشل بسبب خلافات حول قضايا شائكة، مثل مشروع الاتحاد الخليجي والدفاع المشترك والملف الإيراني، لكنها انتهت بنجاح وتم الاتفاق على حصر الخلافات واعتماد خطوات عملية لدرس التفاصيل بروية.
لكن هذه القمة العربية، إذا ما عقدت وفق ما هو مقرر، تختلف عن غيرها من حيث الظروف والتعقيدات، فالمشهد اليوم قاتم ومظلم والأحداث التي يعيش فيها معظم الدول العربية صعبة ومرعبة وتمر بحال غليان لا يبدو في نهاية نفقه أي شعاع أمل بفتوره أو بالفرج القريب، كما أن معظم القيادات التي ستحضر المؤتمر أو من يمثلها تمثل مرحلة انتقالية، لأنها لن تستمر في مواقعها سوى أشهر قليلة أو ربما أسابيع ولا يعرف احد من سيخلفها ولا كيف ومتى؟!
والبداية من مصر، التي تعيش إرهاصات المرحلة الانتقالية بعد سنتين من الفوضى والاضطرابات والأعمال الإرهابية، وهي الآن بصدد استكمال تنفيذ ما تبقى من «خريطة طريق» الإنقاذ التي بدأت في 30 حزيران الماضي، يوم الزحف الشعبي المليوني الذي أزاح حكم «الإخوان المسلمين» وعلى رأسهم الرئيس المعزول محمد مرسي، وأقام مجلساً مؤقتاً أنجز إعداد الدستور الجديد ويجري العمل الآن على تنفيذ المراحل التالية التي تبدأ بانتخابات الرئاسة وتستكمل بانتخابات مجلس الشعب على أمل وضع مصر على طريق الاستقرار والأمن والأمان.
والرئيس عدلي منصور، إن حضر، لن يستمر في منصبه سوى أسابيع، إذ سيتم انتخاب رئيس جديد من الأرجح أن يكون المشير عبد الفتاح السيسي.
أما في سورية، فالوضع أكثر تعقيداً، فهو مستمر في الضياع بعد 3 سنوات من الحرب من دون أن تلوح في الأفق بادرة أمل بالحل بعد فشل مؤتمر جنيف 2. كما أن سورية مقاطعة وغير مدعوة للقمة بقرار اتخذ في بداية الحرب، علماً بأن ولاية الرئيس بشار الأسد الثانية تنتهي في الصيف المقبل ولم يعرف بعد ما إذا كان سيرشح نفسه لولاية ثالثة على رغم عدم استبعاده الأمر.
وفي لبنان الوضع مماثل، اضطراب وعمليات إرهابية وخلل في التركيبة رغم تجدد الآمال الخافتة بحلول موقتة مع تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس تمام سلام، إلا أنها بدورها حكومة موقتة في فترة انتقالية مقدر لها ألاّ تستمر أكثر من شهرين في حال انتخاب رئيس جديد أو أن تتولى صلاحيات الرئيس في حال الفشل. وهذا يعني أن الرئيس ميشال سليمان سيحضر آخر قمة عربية له إذ إنه سيغادر قصر بعبدا بعد شهرين من انعقادها في أيار المقبل بسبب انتهاء ولايته (إلا إذا حدثت مفاجأة التمديد له لفترة قصيرة).
والعراق بدوره يعيش حالة مشابهة، اضطرابات وحروب وإرهاب واتجاهات انفصالية لتقسيم البلاد ونزاعات مذهبية في مرحلة انتقالية أيضاً بانتظار الانتخابات القادمة التي ستحدد المصير والمسار، مع العلم أن الرئيس العراقي جلال طالباني لن يحضر القمة بسبب ظروفه الصحية.
وفي ليبيا أيضاً، ضياع بين الرئيس والمرؤوس، وبين المجلس الحاكم وكتائب الثوار، وبين كتائب الثوار نفسها، التي تفتح كل واحدة منها على حسابها وفق انتماءاتها القبلية والمناطقية، وبانتظار حسم المواجهات لا يُعرف من سيمثل البلاد في القمة،وما هي قدراته على اتخاذ أي قرار ولا من سيبقى ومن سيرحل بعد إجراء انتخابات المجلس التأسيسي لوضع دستور ليبيا الجديد.
والأمر نفسه ينطبق على تونس التي ستشهد انتخابات عامة قريباً، وبالتالي فإن الرئيس الذي سيحضر، أو من سيمثله، سيكون «حالة مؤقتة» لا حول له ولا قوة. وهذا ينطبق أيضاً على اليمن الذي يشهد نزاعات وحروباً متعددة الأسباب والموت واحد بين النزعات الانفصالية والمعارك المذهبية بين الحوثيين والقبائل وعمليات إرهابية لـ «القاعدة» وغيرها واحتجاجات على الوضع المعيشي والأمني المتدهور. ولهذا، فإن الرئيس عبد ربه منصور هادي هو نفسه حالة موقتة كحال اليمن بانتظار حسم مسألة الفيديرالية ومطالب الحراك الجنوبي تمهيداً لإجراء انتخابات عامة.
أما الجزائر، فان انتخابات الرئاسة على الأبواب، والظاهر أن الرئيس الحالي المزمن عبد العزيز بوتفليقة مصر على الترشح لولاية جديدة، ويرشحه المراقبون للفوز، إلا أن من المرجح ألاّ يحضر القمة بسبب وضعه الصحي الحرج، وهو ما ينطبق على رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الذي تعرض أخيراً لوعكة صحية مما يرجح عدم حضوره القمة.
أما السودان، فيعيش حالة ضياع بعد انفصال الجنوب، والرئيس عمر البشير مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بسبب مذابح دارفور، ولم يعرف ما اذا كان سيتمكن من الحضور أم لا، وهل هذا الحضور سيحرج الدولة المضيفة والقمة نفسها، كما لم يعرف ما إذا كان الجنوب سيدعى للانضمام للجامعة أم سيعتبر دولة غير عربية.
باختصار وبأسف، فإن معظم الدول العربية يعيش مرحلة انتقالية حرجة ومحكومة برؤساء موقتين، ما يعني حتماً عدم القدرة على التقرير، أو على الأقل إلزام بلادهم بأي قرار. والأهم من كل ذلك أن قائمة الخلافات والتعقيدات طويلة ومتشعبة، فدول مجلس التعاون الخليجي على خلاف مع سورية وصل الى درجة القطيعة، والعلاقات داخل دول المجلس تشوبها حساسيات وخلافات مكبوتة لا سيما بين قطر والدول الاخرى بسبب موقفها من أحداث مصر ووقوفها إلى جانب «الإخوان المسلمين» ضد النظام الحالي ورئيسه المنتظر، وهذا ينعكس على العلاقات بين مصر وقطر، التي وصلت الى حد القطيعة، والعلاقة بين الجزائر والمغرب متوترة.
وهذا غيض من فيض الواقع العربي المزري، حيث تنعقد القمة في ظل ظروف صعبة إضافة إلى ملفات شائكة مثل العلاقات مع ايران بعد الاتفاق الدولي على حل مسألة ملفها النووي واستمرار إيران في محاولة لعب دور شرطي المنطقة والتدخل في عدد من الدول العربية، وسط بروز تيار يدعو للاعتدال بقيادة الرئيس حسن روحاني في مقابل تيار متشدد يقوده الحرس الثوري.
كل هذه العوامل تدعو الى عدم توقع الكثير، إلا إذا كان مجرد انعقاد القمة يعتبر إنجازاً في ظل حالة التفتت والتباعد أو إذا استطاع رئيس القمة تدوير الزوايا وحصر الخلافات ورسم خريطة طريق عملية لمعالجة القضايا الشائكة، وهي كثيرة، من بينها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في عدد من الدول العربية، ووسائل التصدي للإرهاب المتفشي، إضافة إلى الأمل بمبادرة مماثلة لتلك التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز في قمة سابقة لوضع مصالح الأمة والشعوب فوق كل اعتبار والعمل على رأب الصدع والتركيز على دعم الشعب الفلسطيني لأن المستفيد الوحيد من الخلافات العربية والأوضاع الراهنة هو إسرائيل.
وبانتظار انعقاد القمة العربية بمن حضر، إن لم تحكم الظروف بتأجيلها، يبقى الأمل قائماً بالفرج مع عدم استبعاد حدوث تطورات وأحداث تؤثر في مجرياتها سلباً او إيجاباً... والله اعلم.
42 إشارة (X) على أخمص البندقية؟
بقلم: حسن البطل – الايام
مرّت على الفلسطينيين، منذ مباشرة التفاوض المتجدّد، "أيام دم" وضحايا، لكن ندر أن تسقط ضحيتان بالرصاص في يوم واحد، ومكانين مختلفين من البلاد، كما حصل بالأمس في ضواحي قرية بيتين، شمال رام الله، وعلى جسر "معبر الكرامة".. الحبل السرّي بين فلسطين والأردن.
أيام الأسابيع الفلسطينية ملأى بمظاهرات "المقاومة السلمية" وتحمي سلميتها، غالباً، عدسات المصوّرين، وهؤلاء لم يتواجدوا في حادثي قتل منفصلين في مكانين مختلفين.
مع استشهاد الشاب ساجي صايل درويش، من قرية بيتين (20 عاماً) والرجل ـ القاضي رائد زعيتر (38 عاماً) على معبر الكرامة، يرتفع عدد الضحايا الفلسطينيين، منذ تجدّد المفاوضات الحالية، إلى 42 ضحية.
غالباً، هناك روايتان: فلسطينية وإسرائيلية لمعظم حوادث القتل هذه، والأغلب أن الرواية الإسرائيلية ملفّقة أو محرّفة، أو قتل لمجرد الاشتباه بأن ساجي اقترب من سياج بؤرة "غفعات أساف"، ربما مع عصاه التي توهّموا أنها بندقية أو فأس أو سلاح ما، بينما كان في طريقه إلى حظيرة أغنام عائلية قريبة، ربما، من سياج البؤرة.
ألا يمكن، في حادثة القتل هذه وما شابهها من حوادث، تنفيذ إجراء "اعتقال مشبوه" أو إطلاق نار تحذيري، ثم على أطراف المشبوه السفلى لشلّه.. هذا، علماً أن الادعاء الإسرائيلي لم يبرز مع جثة الضحية سلاحاً، وما يشبه السلاح؟
هل صار بكل مستوطنة وبؤرة "مجال حيوي" لنيران قاتلة (مئات الأمتار في غزة تلتهم 30% من أراضيها الزراعية)، أو سياج من الرصاص يحمي سياجاً أمنياً؟
أقبح ما قرأت في مصدر إسرائيلي ما، أن البندقية التي تسلب الضحية الفلسطينية حياتها يتم تعليمها بيد الجندي القاتل على أخمصها (كعبها) بحفر إشارة (X) بسونكي القاتل أو بسلاحه الأبيض.. وعندما يستلم جندي آخر البندقية يراوده إغراء بوضع "توقيعه" هو الآخر إلى جانب إشارة (X).. وهلمّ جرّا؟
الرواية الإسرائيلية لحادث القتل الثاني، على "معبر الكرامة" الصارم أمنياً أن ملاسنة تحوّلت مدافشة وشجاراً، وهذا تحوّل إلى محاولة "خطف" سلاح الجندي.
أي عاقل يدخل في رأسه محاولة اختطاف سلاح في منطقة عسكرية تحت سيطرة تامة وصارمة، أو أن المدافشة وضعت يد الضحية عفوياً على جسم الجندي أو سلاحه؟
الضحية ليس شاباً مندفعاً، بل رجل قانون، بل وقاض في محكمة صلح أردنية، عبر الجسر لرؤية عائلته بعد غياب طال، تاركاً أسرته الصغيرة وطفله المريض في عمّان.
من بين الضحايا الـ 42 حالات قليلة استشهد أصحابها على سلاحهم دفاعاً عن أرواحهم إزاء قوة حصار كبيرة ومدججة ومدرعة عملت ضدهم، بهدوء ساعات طويلة، وفي معظمها غابت عنها إجراءات "اعتقال مشبوه" بدلاً من تصفيته!
كأن وتيرة القتل أكثر من مُضمرة، بل مقصودة، لتحويل مظاهرات الاحتجاج الشعبي السلمية المتزايدة يومياً إلى هيجان شعبي عنيف، وتحويل "شرر" حوادث القتل إلى حريق انتفاضة ثالثة، عامة ومسلحة، للتملص من خيار المفاوضات إلى خيار الانتفاضة.
.. وفي النتيجة؟ عقوبة الموت قتلاً بتهمة "الشبهة"، تليها محاكمات غالباً ما تُثني على الرواية العسكرية، ونادراً ما تصدر أحكاماً عقابية خفيفة، بعد محاكمات مطوّلة، كما في المحاكمة الشهيرة لجندي في قطاع غزة ظنّ تلميذة صغيرة بين تلال الرمال "متسلّلة" .. ثم نفذ في جسدها، عن قرب، صلية رصاص لـ "التحقق من القتل".. وكانت تحمل حقيبتها المدرسية.
غروب "معاريف"
توقّفت يومية "معاريف ـ المساء" عن الصدور، ولعلّها أقل الصحف اليومية الإسرائيلية انتشاراً بعد تصدّر "إسرائيل هيوم" اليمينية "المجانيّة"، المقرّبة من نتنياهو، ومنافستها "يديعوت أحرونوت" الليبرالية ـ اليمينية و"هآرتس" الليبرالية ـ اليسارية (في المعايير الإسرائيلية).
الأسباب المعلنة للاحتجاب مالية لصحيفة نسبة توزيعها لا تتعدّى الـ 6% من توزيع الصحف، دون أن نعرف هل ستتحول إلى صحيفة إلكترونية، أم تختفي كما اختفت من قبلها صحف إسرائيلية، بعضها كان في صدارة الانتشار.
في يفاعتي كنت أسمع من "صوت إسرائيل" بالعربية وعناوين صحيفة "هبوكر ـ الصباح" و"هموديع" وفي شبابي عن صحيفة "هتسوفيه" الدينية، وفي رجولتي عن "دافار" الهستدروتية (لا أنسى سخرية محرّرتها حنّا زيغر).. وأيضاً، صحيفة "هعولام هزيه ـ هذا العالم" اليسارية لمحرّرها اوري أفنيري،عضو الكنيست ـ سابقاً، والأكثر نقداً وعمقاً لسياسة إسرائيل من الصحافيين في "هآرتس" دافيد ليفي وعميره هس.
أزمة الصحف الورقية ظاهرة عالمية طاولت حتى "لايف" ثم "نيوزويك" المحتجبة، والعائدة جزئياً من إلكترونية إلى ورقية، والباحثة عن شريك ناشر.
.. لكنها في إسرائيل لها أسباب أخرى، أهمها سيطرة "المال" على "الرأي" واتجاه المجتمع العام نحو اليمين أكثر فأكثر.. وضيق هامش الديمقراطية اليهودية منذ أوسلو وتشكيل السلطة الفلسطينية!
فلسطين والفلسطينيون يدفعون إسرائيل، شيئاً فشيئاً، نحو الفاشية والعنصرية.
السحر ينقلب على الساحر.. و" ليبرمان" يوحّد العرب؟!
بقلم: هاني حبيب – الايام
ها هو العام الأول على حكومة نتنياهو، الحكومة الإسرائيلية الثالثة والثلاثين، ينقضي، تزايدت فيه شعبية رئيس الحكومة مع أن الإسرائيليين لم يشعروا بأي تحسن يذكر على مستوى معيشتهم، سرّ ذلك، حسب تقييم بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن نتنياهو نجح "كساحر" في إضعاف أي بديل محتمل له من ناحية، والهدوء الأمني النسبي الذي لازم العام المنقضي من ولايته، النجاح الأكيد لهذا الساحر أنه ظل يفاوض الجانب الفلسطيني من دون تحقيق أي تقدم، وبمعايير الحكومة الإسرائيلية، فإن ذلك يعتبر نجاحاً حقيقياً باعتبار المفاوضات دون نتيجة هو هدف لهذه الحكومة.. وهو ما حقق نجاحاً آخر، فقد حافظ "الساحر" على حكومته باقية بفضل قدرته على السحر، ذلك أن هذه الحكومة المتعارضة بين ممثليها إلى حدود لا يمكن التوفيق فيما بينهم، في الوقت الذي قاد نتنياهو هذه الحكومة المتعارضة بنجاح مخلفاً وراءه كل العقبات والإشكالات التي ما كان أي رئيس حكومة ينجو منها!!
مؤخراً، تقدمت ثلاثة أحزاب في حكومة نتنياهو، بثلاثة مشاريع قوانين إلى الكنيست، لم يكن بالإمكان أن ينال أي واحد منها مصادقة الكنيست عليه، فقد تقدم حزب "إسرائيل بيتنا" بقانون "الحوكمة" لرفع نسبة الحسم في الانتخابات العامة من 2 في المئة إلى 3,25 بالمئة، والمقصود هنا، الأحزاب العربية حتى لا تصل إلى الكنيست. أما حزب "يش عتيد" فقد تقدم باقتراح قانون "المساواة في تحمل العبء" بهدف إلزام المتدينين ودارسي التوراة من "الحريديم" إلى الجيش بعدما كانوا معفَون من ذلك، أما مشروع القانون الثالث فقد تقدم به حزب "البيت اليهودي" تحت مسمى الاستفتاء الشعبي، والمقصود منه أن يتم عرض أي اتفاق مع الفلسطينيين على الاستفتاء الشعبي، إذا لم يتمكن هذا الاتفاق من التصديق عليه في الكنيست بأصوات 80 من أعضائه!
لكل مشروع قانون من هذه القوانين، مؤيدوه ومعارضوه داخل الحكومة وفي إطار المعارضة، ولم يكن بالإمكان التصديق وتمرير أي من هذه القوانين إلا بمعجزة، لكن قدرة "الساحر" تجلت في تعويذة، بإمكانها فعلاً أن تمرر هذه القوانين ببساطة في الكنيست، فقد قرر الساحر، أن يتم مناقشة وتمرير هذه المشاريع كوحدة واحدة، ملزماً أعضاء حكومته، بصرف النظر عن توجهاتهم الحزبية التصويت لصالح "مجموعة المشاريع دفعة واحدة، بصرف النظر عن موقفهم وموقف أحزابهم من مشروع أو أكثر من بين المشاريع الثلاثة".
وبالفعل نجحت تعويذة "الساحر"، فقد اضطرت قوى المعارضة على اختلاف أحزابها ومواقفها إلى أن تتخذ قراراً بعدم المشاركة في التصويت، وأثناء التصويت على المشروع الأول حول رفع نسبة الحسم، يوم أمس، اجتمعت أحزاب المعارضة في قاعة مجاورة لقاعة الكنيست بينما حاز المشروع على "إجماع" الحضور وعددهم 67 صوتاً، هي أصوات أحزاب الحكومة، رغم أن بعضاً من هذه الأحزاب ضد المشروع، إلاّ أن التصويت لصالح المشاريع التي يؤيدونها هي ثمن هذه المبايعة لمشروع قانون لا يحظى بتأييدهم!! ذلك أنه من المقرر أن يتم خلال يومي الأربعاء والخميس، اليوم وغداً، التصويت كل يوم على مشروع آخر لإقراره، علماً أن الكنيست لا تجتمع يوم الخميس عادة، إلاّ أن هذه المرة، فإن أحكام التعويذة تفعل فعلها في تغيير العادات المتبعة.. إنها قوة السحر الذي يتحلى بها ساحر إسرائيل نتنياهو!
ومع أن كافة مشاريع القوانين الثلاثة، تمسّ مباشرة بالفلسطينيين داخل "الخط الأخضر" وخارجه، إلاّ أن قانون "نسبة الحسم" هو الأكثر خطورة، على الأقل عندما اعتبر أفيغدور ليبرمان، الذي تقدم بهذا المشروع، ان الهدف من ورائه هو عدم تمكين الأحزاب العربية من الوصول إلى البرلمان، وهو يراهن بذلك على أن تجربة هذه الأحزاب لدى كافة الانتخابات العامة، تشير إلى أن كل حزب يفضل خوض التجربة الانتخابية وحيداً أو من خلال ائتلاف ضعيف، وبالتالي فإن إمكانية هذه الأحزاب المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة موحدة هو احتمال ضعيف، لذلك، فإن ليبرمان، مع رفع نسبة الحسم، يراهن على عدم وصول أي عربي إلى قبة البرلمان الإسرائيلي.
إلاّ أن الأحزاب العربية، خاصة تلك الممثلة في الكنيست الحالية، وتعبيراً عن نيتها في توجيه صدمة إلى رهان ليبرمان، فإنها أشارت إلى أنها ستخوض الانتخابات العامة القادمة موحدة، وقد بدأت بالفعل باتخاذ خطوات أولية استعداداً لمعركة الانتخابات التشريعية القادمة، وفي حال تم ذلك فعلاً، فعلى الأرجح فإن العرب سيحصلون على 15 مقعداً، مع أنهم يمثلون عشرين بالمئة من عدد الناخبين، ولعلهم، في هذه الحال، سيصبحون أكثر قوة داخل صنع القرار التشريعي والحكومي، باعتبارهم "بيضة القبّان" وبحيث يصبح تأييدهم، أو رفضهم لأي مشروع قرار أو قانون، مصيرياً بالنسبة لصناعة القرار الإسرائيلي، وهكذا يمكن أن يشكل ليبرمان الأداة التي أجبرت الأحزاب العربية على التوحد، بدلاً من تجاهل هذه الأحزاب في الماضي دعوات الوحدة من قبل الجماهير العربية في مناطق 1948، ولعلّ في ذلك تحقيقاً لمقولة تقول إن "أغرب الحقائق قد لا تنسجم مع المنطق"!!
تصعيد دموي إسرائيلي: رغبة جامحة في العنف
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
شهدت الفترة الماضية وخاصة الأيام الثلاثة الأخيرة تصعيدأ دموياً إسرائيلياً واضحاً لا يمكن أن يكون مصادفة، فجرائم القتل التي ارتكبها الاحتلال خلالها كانت بدون شك تعبيراً عن قرار إسرائيلي على أعلى مستوى وهو على الأغلب قرار وزير الحرب المتطرف موشي يعلون الذي أصبحت أسمى أمانيه القضاء على المفاوضات ووقفها بصورة تامة، فهو لم يخف معارضته الجامحة للمفاوضات وللمواقف التي طرحها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي وصفه يعلون بالمهووس والمسيحاني.
وموقف يعلون من المفاوضات هو نفس موقف رئيس حكومته بنيامين نتنياهو الذي يعبر يعلون عن موقفه بصورة فظة، بل إن يعلون قال ما كان يفكر فيه نتنياهو ولم يجرؤ على قوله.
هذا القتل الذي تمارسه إسرائيل في مختلف مناطق الضفة والقطاع والمبالغ فيه جداً يهدف إلى جر الفلسطينيين إلى مواقف متطرفة أو إلى استدعاء موجة من العنف تؤدي إلى الفوضى وإلى نتائج كارثية تتوقف نتيجة لها العملية السياسية برمتها وتطلق يد إسرائيل لتدمير كل شيء وإعادة الوضع إلى الوراء سنوات طويلة، وهذا يحقق لإسرائيل، التي لا يبدو أن يعلون أكثر وزراء حكومتها تطرفاً ودموية، التهرب من استحقاقات العملية السياسية ومحاولة إلقاء اللوم على الجانب الفلسطيني وتحميله المسؤولية عن الفشل في تحقيق اي اختراق سياسي حقيقي، والأهم من ذلك منح حكومة المستوطنين فترة إضافية لاستكمال مشاريع البناء الاستيطاني المخططة التي تقضي تماماً على فرص التسوية السياسية القائمة على حل الدولتين.
تدرك الحكومة الإسرائيلية أنها على أبواب أزمة مع المجتمع الدولي عنوانها افشال العملية السياسية بسبب الإصرار على مواصلة الاستيطان وعدم الرغبة في التوصل إلى حل سياسي على أساس قواعد ومبادئ الشرعية الدولية والمرجعيات المتفق عليها لعملية السلام.
وتعرف حكومة نتنياهو- يعلون- بينيت أن العالم لن يقف مكتوف الأيدي أمام السياسة التي ستكون السبب في فشل الجهود الأميركية التي يظهر أنها على أعتاب الفشل الذريع. وسوف تكون هناك تبعات لهذا الإفشال الإسرائيلي لآخر فرصة أمام مفاوضات على الطريقة الأميركية، وأن ما حصل مع جنوب إفريقيا في زمن حكم الأبرتهايد سيتكرر مع إسرائيل، فما بدأ كخطوات لمقاطعة المستوطنات يتواصل ويمتد لمقاطعة أوسع وأعمق، وحتى الدول الصديقة لإسرائيل والتي وقفت معها في محطات عديدة وجدت نفسها في وضع لا تستطيع أن تكون خارج الإجماع الأوروبي والدولي، حتى الرئيس باراك أوباما حذر إسرائيل بصورة واضحة في مقابلته الشهيرة مع الصحافي جفري غولدبرغ من أن الولايات المتحدة لن يكون بمقدورها منع التداعيات الدولية التي تترتب على استمرار الاحتلال والاستيطان.
إذن، لا بد لحكومة إسرائيل أن تقلب الطاولة وتخلط الأوراق حتى تؤجل ما يمكن أن ينتظرها على المدى المنظور إلى سنوات قادمة تمنحها برهة من الزمن لإكمال مخططاتها، وعلى ما يبدو فالخيار الإسرائيلي المفضل في هذه المرحلة هو دفع الفلسطينيين إلى الرد على الجرائم الإسرائيلية بصورة عنيفة ترد عليها إسرائيل بعنف أشد حتى تصل الأمور إلى المواجهة الشاملة التي تنهار فيها السلطة الوطنية وتصبح الفوضى سيدة الموقف، ولهذا نجد هذه الجرائم المتكررة يومياً بدون مبرر.
وإذا كان هذا هو الواقع فما الذي يمكن فعله لمنع جرائم الاحتلال وأيضاً لحث عملية العزلة الدولية والضغوط المتراكمة على إسرائيل؟
التهديد بالرد على إسرائيل عبر عملية قصف أو عملية تفجير هنا وهناك يريح إسرائيل كثيراً، ويدفع الأمور نحو المربع الذي تريد إسرائيل جرنا إليه وهو مربع العنف الذي تتفوق فيه إسرائيل، وبإمكانها جعلنا نخسر على أكثر من مستوى سواء الخسائر البشرية والمادية أم السياسية.
ولكن لا بد من رد فلسطيني سياسي محنك عكس ما تريده إسرائيل تماماً، وسلاحنا الأهم في مواجهة إسرائيل هو المجتمع الدولي، ولدينا أوراق قوة كثيرة، فالأمم المتحدة ومؤسساتها الحقوقية مفتوحة أمامنا لكي نشكو إسرائيل، ولدينا مجلس الأمن والجمعية العامة، ولدينا كذلك سلاح المقاطعة المبني على جهود منظمات المجتمع المدني الأوروبي والفلسطيني وبعض المؤسسات الإسرائيلية، ولتكن هناك حملة فلسطينية واسعة لفضح الممارسات الاحتلالية وجرائم جيش الاحتلال والمستوطنين بالاستعانة بالشركاء الإسرائيليين والأوروبيين ومنظمات المجتمع المدني في كل القارات.
ولدينا كذلك سلاح المفاوضات الذي يجب أن نحسن استخدامه دون التسرع والوصول لاستنتاجات خاطئة مبكرة، فعلى الأقل يجب توجيه رسالة للأميركان نحذر فيها من عدم قدرتنا على مواصلة التفاوض المتوقف فعلياً في ظل السياسة الإسرائيلية الدموية الحالية.
وإذا كانت الولايات المتحدة بحاجة لاستمرار المفاوضات لسبب أو لآخر يجب أن يكون هناك ثمن مقابل منح واشنطن هذا الامتياز لأن المفاوضات أصبحت بلا طائل منذ فترة ولا يوجد أي سبب للتفكير بإمكانية حدوث أي تقدم أو اختراق جدي في العملية التي تقودها واشنطن، وإسرائيل هي من يجب أن يدفع مقابل استمرارنا في هذه اللعبة.
وما نقل عن الرئيس أبو مازن بأن تمديد المفاوضات يجب أن يكون مقابل تجميد الاستيطان بشكل كامل وإطلاق سراح المزيد من الأسرى هو موقف صحيح وعاقل، ولكن يجب أن يضاف عليه توسيع مناطق(أ) واستغلال المناطق المصنفة(ج) التي لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية لتنفيذ مشاريع اقتصادية كبرى، والحصول على جمع شمل وعودة أعداد كبيرة من الفلسطينيين في الخارج وخاصة الذين يتعرضون لمذابح وحياتهم مهددة بالخطر وأشياء أخرى تجعل استكمال المفاوضات حتى بالرغم من القناعة بأنها لن تكون ناجحة مفيداً في تحقيق بعض الإنجازات، وتصبح عملية إضاعة الوقت التي تراهن عليها إسرائيل سلاحاً ضدها في انتظار حصول تطورات إقليمية ودولية تغير من موازين القوى القائمة وتدخل عوامل جديدة فيها، وهكذا نفوت على إسرائيل فرصة إدخالنا في دوامة عنف نخسر فيها الكثير.
حول جديد علاقة السعودية بـ"الإخوان"
بقلم: علي جرادات – الايام
قرار النظام السعودي وضع جماعة "الإخوان المسلمين" على لائحة "التنظيمات الإرهابية" حدث سياسي نوعي ينطوي على تداعيات وتأثيرات بعيدة المدى تجعل ما بعده غير ما قبله في علاقة الطرفين بما لكل منهما من نفوذ وتحالفات عربية وإقليمية ودولية. لماذا؟ نحن أمام انقلاب حاد وكامل في موقف أكبر وأقدم وأغنى "أنظمة الإسلام السياسي" العائلية العربية تجاه أكبر وأقدم "تنظيمات الإسلام الحزبي" في الوطن العربي. بل نحن أمام بداية صراع غير مسبوق بين طرفين طالما استفادا من بعضهما البعض بالمعنى الشامل للكلمة في مواجهتهما المشتركة لمدة قرنٍ مع الأنظمة والمعارضات السياسية العربية الوطنية والقومية واليسارية، فالنظام الوهابي السعودي هو من احتضن جماعة "الإخوان" منذ تسلمه للحكم في العام 1928 حيث طرد "أشراف الهاشميين"، بل هو من منع بصورة أساسية تآكل الجماعة وأمدها بكل سبل الاستمرار والقوة في كل محطات تعرضها لضربات مميتة في دول عربية مركزية أخرى. ويكفي الإشارة إلى أن السعودية كانت الدولة التي لجأت الجماعة إليها سواء في فترة صدامها الدموي مع النظام القومي الناصري المصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي أو في فترة صدامها الأشد دموية مع النظام القومي البعثي السوري في نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي أو في فترة إعادة الجماعة إلى المشهد السياسي والمجتمعي المصري بوساطة من النظام السعودي لدى نظام السادات الذي انقلب على الانجازات والمكتسبات الوطنية والقومية والاجتماعية لثورة 23 يوليو 1952 الناصرية.
لذلك فإن من الطبيعي والمنطقي القول إن موقف النظام السعودي الجديد من جماعة "الإخوان المسلمين" يشكل أحد أشد الضربات التي تلقتها الجماعة منذ تأسيسها قبل ثمانين عاماً، بل هي ضربة قاتلة ستحدد إلى درجة كبيرة دور ومكانة ومستقبل ومصير الجماعة وفروع تنظيمها عربياً وإقليمياً ودولياً، خاصة وأن الاستدارة السياسية الكاملة في موقف النظام السعودي من الجماعة تأتي متزامنة ومترابطة مع ما تواجهه الجماعة من تداعيات وتبعات زلزال إطاحة سلطتها وتصنيفها "منظمة إرهابية" في مصر الدولة العربية المركزية بلا منازع، ومع ما تواجهه داخل سورية من حرب ضروس حيث يضعها النظام السوري منذ زمن على لائحة "التنظيمات الإرهابية"، ما يعني أن الجماعة صارت في عداد "التنظيمات الإرهابية" في كل من مصر وسورية والسعودية أي في مراكز القوة العربية الثلاثة الأساسية التي تشكل مواقفها بوصلة لمواقف الأعم الأغلب من الدول العربية، وهذا واضح في مواقف كل من دولة الإمارات العربية والبحرين والأردن وموريتانيا والجزائر، بينما لا نظن أن دولاً مثل إمارة الكويت وسلطنة عمان ولبنان ستتبنى موقفاً مغايراً لموقف السعودية رغم ما تبديه من موقف محايد حتى الآن، هذا بينما لن يكون الموقف الرسمي لكل من اليمن والمغرب وليبيا وتونس منحازاً للجماعة رغم مشاركة فروعها في الائتلافات الحاكمة فيها. أما السودان وقطر الدولتان العربيتان الداعمتان بقوة للجماعة فستكونان في حالة تغريد خارج السرب الرسمي العربي، يشي بذلك قرار كل من السعودية ودولة الإمارات العربية والبحرين سحب سفراءها من دولة قطر بينما يشكل تبنيها للجماعة واحداً من أسباب هذا القرار-الحدث- غير المسبوق. هذا ناهيك عن أن القرار السعودي قد جاء في ظل ما تعانيه الجماعة من عزلة سياسية وشعبية ومجتمعية عربية آخذة في الاتساع منذ إطاحة سلطتها في مصر على يد الموجة الثانية لثورة 25 يناير بسبب فقر سياستها الاجتماعية وتغليبها للأيديولوجي على الوطني والقومي، بل أيضاً بسبب تزايد دوائر القناعة بأن الجماعة ركبت موجة الانتفاضات الشعبية العربية للتفرد بالسلطة، وبأنها لم تتورع عن الاتكاء على التدخلات الغربية والأميركية خصوصاً الهادفة لاحتواء هذه الانتفاضات وتقزيم مطالبها وحرف بوصلتها عن أهدافها الحقيقية، ما يعني أن الجماعة بفروعها كافة صارت في مواجهة شاملة مع أغلب وأقوى الأنظمة الرسمية العربية بينما تشهد شعبيتها وعلاقتها ببقية ألوان المعارضات السياسية العربية حالة تراجع غير مسبوقة، هذا دون أن ننسى أن ما حظيت به الجماعة من تأييد شعبي وتعاطف سياسي من بقية المعارضات العربية كان الجدار الأهم الذي اتكأت عليه في مواجهة عمليات القمع الأمني الذي تعرضت له على يد هذا النظام الرسمي العربي أو ذاك في مراحل سابقة.
أما لماذا يتهدم هذا الجدار بتسارع وبصورة غير مسبوقة؟
هنا ثمة نتيجة طبيعية يفسرها مأثور القول: "على نفسها جنت براقش". فجماعة "الإخوان المسلمين" قبلت منذ تأسيسها أن تكون مجرد برغي في ماكينة أنظمة الرجعية العربية وخصوصاً الأنظمة الخليجية التي لن يفيد الجماعة اللعب على حبال تفجر تناقضاتها الداخلية وتحديداً على انفجار التناقض السعودي القطري. وهو التناقض الذي يبقى محكوماً بحرص جميع هذه الأنظمة على عدم تحويل الصراع داخلها إلى صراع بين السلطة والشعب بل الحفاظ عليه كصراع بين نسل العائلات الحاكمة التي يجمعها نظام حكم وراثي عائلي ونمط ثقافي تقليدي يربط بين الدين والقبيلة ونظام اقتصادي ريعي حيث تعيش كلها على الريع النفطي باستثناء البحرين التي تعيش على تأجير البلد للأسطول الخامس الأميركي والتحول إلى مركز للتبادل المالي، هذا ناهيك عما يجمعها من تبعية للسياسة الأميركية ودوران في فلكلها واطمئنان لحماية أساطيلها المتواجدة على أراضيها، ما يعني أن الاختلاف بينها لا يتعدى التباين في المساحة وعدد السكان حيث تشكل السعودية بمساحتها الواسعة وعدد سكانها الكبير، (نحو 30 مليونا)، المركز الذي تدور حوله بقية مشيخات وإمارات وسلطنات وممالك الخليج بوصفه الحكم الملكي العائلي الوراثي القديم والعريق القائم منذ العام 1928، ذلك لأن السعودية لم تخضع للاستعمار المباشر، بينما تشكلت بقية "دول" الخليج العربي كـ"محميات" لدول الاستعمار الغربي الذي انتهى شكلياً في سبعينيات القرن الماضي.
إن إدراك أمراء قطر وقيادة جماعة "الإخوان المسلمين" لمركزية دور السعودية هو ما يفسِّر هدوء ردودهما على قرار سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة، وعلى تصنيف الجماعة ضمن "التنظيمات الإرهابية". فكلاهما يدرك مغزى اصطفاف الإمارات والبحرين إلى جانب السعودية، ويدركان أيضاً أن الكويت لا يمكن أن تتجاوز الدور السعودي، ذلك أن وضعها الداخلي والسلفية الضاغطة يشغلانها، عدا ما في عنق أمرائها من دين للسعودية التي أعاد ملكها الأول عبد العزيز بن سعود في زمانه أمراء عائلة الصباح الكويتية إلى الحكم، بينما كان للسعودية الدور الأساس في إعادتهم للحكم بعد اجتياح الجيش العراقي للكويت عام 1990. هذا ناهيك عن أن أمراء قطر وقيادة جماعة "الإخوان المسلمين" يدركان أن إمارة دبي التي تحولت إلى مركز للتجارة العالمية في الشرق الأوسط غير مقتنعة بسياسة قطر واحتضانها لـ"الإخوان".
خلاصة القول: قيادة جماعة "الإخوان المسلمين" لن تذهب إلى التصعيد مع السعودية وستسعى إلى احتواء الأزمة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. فهي تعلم أن اختلاف تعامل قطر والسعودية معها يبقى في حدود توظيف الجماعة في إطار الحفاظ على نظام الحكم القائم فيهما، حتى وإن اختلف الشكل، ففي حين تريد العائلة المالكة في السعودية أن تنتدب شيخاً لطريقتها السلفية تريد العائلة الحاكمة في قطر أن تستخدم إحدى جماعات "الإسلام الحزبي" الجاهزة من على قاعدة " اشتر العبد ولا تربيه". وكل حديث خارج هذا السياق إنما يتغاضى بوعي أو بجهالة عن أن كل دول الخليج لغز على المستوى الداخلي. فهي ليست مجتمعا مدنيا وأحزابا حتى تتعرف عليها عبر إخضاعها لأدوات تحليل المجتمعات الحديثة، بل هي عائلات حاكمة تتحكم في توزيع الثروات وفق رغباتها بما يجعل التوزيع أعطيات والشعوب رعايا والحلفاء- خارج السيد الأميركي- عبيداً.
لكن تظهير وتصعيد السعودية وحلفائها الخليجيين لصراعها مع قطر وحليفتها جماعة "الإخوان المسلمين" يشي باقتراب ألسنة لهب الانتفاضات الشعبية العربية من منطقة الخليج، فهل في هذا التصعيد غير المسبوق في الصراع بين السعودية وقطر ما ينبئ بانطوائه على إمكانية فتح صراع بين الشعوب العربية الخليجية وأنظمة حكمها العتيقة؟.
تغريدة الصباح - اللي استحوا ماتوا
بقلم: يحيى يخلف – الحياة
صديقي الكاتب والدبلوماسي المتقاعد والمثقف الكبير عبد الفتاح القلقيلي (ابو نائل) يمتاز بالظرف وخفة الدم، وبقدر ما هو جاد في قراءاته، وفيما يكتب، فهو بالقدر نفسه يميل الى الفكاهة والسخرية، وأحياناً يمزج الجد بالهزل، وينقلك في حديثه العذب من حر الصيف الى برد الشتاء، ومن جفاف الخريف الى نسائم الربيع.
قارئ نهم، لا يصدر كتاب جديد الا ويسارع للحصول عليه، لا يضعه على رف مكتبته للزينة كما يفعل البعض، وانما يقرأه ويشبعه تأملاً وبحثاً في مضمونه ودلالاته. ولعله من اكثرنا قراءة، وأكثرنا متابعة لكل ما هو جديد، وان كان يبدو في حديثه وأمثاله وطرائفه التي يستمدها من حكايا الفلاحين وفولكلور الاجداد يبدو مثل الفلاح الفصيح، فهو يجمع بين الاصالة والمعاصرة، وبين القديم والجديد، وبين المحسوس والمجرد، لديه خلطة عجيبة من الجدية والسخرية يمكن ان تكون وصفة للمحزونين والفقراء والطفارى، ينتزع منك الابتسامة، اذ يوظف الطرفة ليشرح لك موقفا في غاية الجدية فتحسب انك امام ابن الريف الذي يتحلى بحكمة الاجداد. وعلى الرغم من عمق ومتانة ثقافته، تدهشك بساطته ودماثته، فهو ابن البلد الذي لم تغيره المناصب والمواقع، واذكر انني زرت الصين الشعبية عندما كنت في مرحلة الشباب المبكر عام 1971 مع وفد فلسطيني، وكان وقتها سفيرا لمنظمة التحرير هناك، اذكر انني وبعض اعضاء الوفد زرنا السفارة دون ان ندري ان ذلك اليوم عطلة رسمية، دخلنا السفارة فوجدنا (ابو نائل) وزوجته السيدة (ام نائل) منهمكين في مسح بلاط السفارة، وتنظيف الاثاث، وتلميع الزجاج.
كان نموذجا للمناضل الفتحاوي الذي ينتمي الى قيم الثورة، ويقدم نفسه نموذجا لدولة الصين التي كانت تمر آنذاك بما يسمى مرحلة الثورة الثقافية.
عبد الفتاح القلقيلي أدهش محمود درويش عندما كان درويش رئيسا لمركز الابحاث الفلسطيني، ورئيسا لتحرير مجلة شؤون فلسطينية، اذكر ان ابو نائل في جلسة جمعتنا بمحمود درويش اخذ يناقشه في محتوى ومقالات المجلة، ويبدي ملاحظاته استحسانا تارة واستهجانا تارة اخرى، بينما محمود صامت لا يتكلم، وعندما انهى ابو نائل كلامه قال له محمود: أنت أول وأصعب قارئ أقابله في حياتي وأنت أول وآخر من يقرأ مجلة شؤون فلسطينية من الغلاف الاول الى الغلاف الاخير.
كانت جلسة ممتعة لنا ولمحمود، ودائما جلسات (ابو نائل) ممتعة، وقد لا تتسع هذه الزاوية لمزيد من الحديث عن سجايا هذا الرجل الطيب، وأريد ان أنهي الحديث عنه، بطرفة حكاها لي عندما قال احدهم أمامه (اللي استحوا ماتوا)، وهذا مثل يضربه الناس للقول ان المحترمين في حياتنا يرحلون، او يضربونه لأشياء مشابهة. حكى ابو نائل قصة المثل باعتباره مفعماً برائحة وحكايا فلاحي بلادنا، قال شارحاً ان مجموعة من الرجال كانوا يستحمون في حمام بلدي، وفجأة حدث حريق هائل بالحمام، وكان على الرجال ان يهربوا من الحريق، وكان الموقف محرجاً، لان ملابسهم التهمها الحريق. لذا، فان بعضهم فر هارباً وهو عار كما ولدته أمه، اما الذين استحوا (خجلوا)، فقد فضلوا الموت على ان يخرجوا الى الشارع عراة، ومن هنا جاء المثل (اللي استحوا ماتوا).
اطلالة عربية - بين قوس القزح
بقلم: ابراهيم عبد المجيد – الحياة
من المشاهد التي مشت معي طوال عمري مشهد قوس قزح في الإسكندرية بعد أن ينتهي المطر وهو يمتد فوق البحر من الشرق الى الغرب بألوانه التي يظهر فيها الأحمر في الخارج ويتدرج الى الداخل بالبرتقالي فالأصفر فالأخضر فالأزرق فالازرق الغامق فالبنفسجي. تدرج الألوان واتساع الأفق وهياج البحر ورفق الشمس وصياد وحيد يجلس على الشاطئ شعور بالراحة وأن الدنيا بعد لم يملأها البشر بالشرور. بعدت عن الاسكندرية الآن أربعين سنة وكلما زرتها أحرص أن تكون زيارتي شتاء لأرى قوس القزح وأزيح الكرب عن نفسي بما حملت من تقلبات الوطن. اليوم هنا في القاهرة انفقت الوقت انشد الصفاء الذهني لساعات بعد ما أقرأ أو أرى من قرارات سياسية وافعال ليس هنا مجال الحديث عنها بعيدا عن الوطن فقرأت كتابا جميلا لفنان تشكيلي شاب وأديب هو حسن الحلوجي. الكتاب عنوانه «أخضر بحواجب» وهو كتاب عن الالوان. خبرته كفنان تشكيلي وقراءاته كأديب في التاريخ والسياسة والدين والحياة والمجتمع جعلت الألوان هي حياتنا الحقيقية. قلمه الرشيق ينثر الأفكار العلمية كما تنثر الماء في يوم حار وكل لون يتحول إلى حياة تجري أمامك بحزنها وفرحها. البنفسجي مثلا منطو على نفسه كزاهد رغم بعده عن الزهد وقربه من الاحتشام. محير في شجونه يبهج غيره ولا يبهج نفسه فلونه الذي يموج بين الأزرق البارد والاحمر الدافئ مثل البحر والنار تشعر فيه بدفء اللقاء إذا اقترب من الأحمر أو تحول إلى الجفاء إذا اقترب من الأزرق. وتلون الفتيات خدودهن وعيونهن بدرجات من هذا اللون فيكون الموف على وجنتي فتاة يبهجك باشراق لايخلو من دمعة وتهفو لمعانقة خدها الرقيق. والوردي تراه فكأنك تلمس بعينيك نعومته والبنات تكاد تحتكر الوردي ودرجاته حتى ان بطاقة تطعيم الطفلة لونها وردي. والأحمرنشيط لا يهدأ صاخب لايسكت مهووس بشهوة السيطرة وجذب الانظار فهو لون فانلة النادي الأهلي ومانشستر يونايتد وليفربول والأرسينال الخ. وهو لون حي من لحم ودم لون وثيق الصلة بك لأنه لون جدران الرحم من الداخل ولون الدم «اللي عمره ما يبقي مية» وشربات الفرح أحمر مبهج والمحب يشعر أن في قلبه حريقا وسيارات الإطفاء حمراء رغم انها كما يقول ساخرا لا تأتي سريعا وسيارات الصليب والهلال الاحمر تسعف جرحى الحروب والكوارث وأهم سلعة تهم المصريين هي اللحمة الحمراء، اللي سعرها نار والنار تنضج اللحمة مثلما ستنضج لحم حرامية البلد إن شاء الله، وأخطر عقاب دنيوي في مصر هو ارتداء البدلة الحمراء بدلة الاعدام والأحمر لون الثورة والتمرد وفاتح الشهية فهو لون مطاعم ماكدونالدز وهارديز وكنتاكي وينحاز الأحمر إلى الثراء والأبهة عند ذكر الياقوت والعقيق والمرجان لكنه لا ينسى أن ينظر بعين العطف للبطيخ وبشفقة لجنون الطماطم. رحلة بديعة عشتها ساعات مع كتاب رائع يبدو خفيفا لكنه عميق التأمل ومرجعية كاتبه الفنية والاجتماعية والأدبية والفلسفية مدهشة. رأيت قوس قزح يمتد أمامي والشمس حانية والفضاء واسع كأنني في مدينتي الاسكندرية. كتاب صغير لكنه فاتن للعقل والروح حقا. شكرا ياعزيزي حسن على هذه البهجة. * روائي مصري
لا خوف من لا
بقلم: عدلي صادق – الحياة
هناك من يميلون الى تشبيه المرحلة التي نمر بها اليوم، بتلك الفترة التي حملت مخاطر كبيرة في السنوات الأخيرة للرئيس الشهيد ياسر عرفات، ويتحسّبون من تكرار ما حدث، في حال قال الرئيس «أبو مازن» للأميركيين لا.
إن هذا تحليل خاطئ، لأن البيئة السياسية التي عمل فيها المحتلون على حصار الرئيس عرفات توطئة لتصفيته، هي غير البيئة الراهنة. الفارق الأهم بين البيئتين أن الأولى لعب فيها المحتلون بورقة الكفاح المسلح الذي يسمونه عنفاً أو إرهاباً، وأن الأطراف العربية، مع الأطراف الدولية، قاطعت الزعيم الفلسطيني. وعلى الرغم من ذلك، عندما كان شارون وموفاز يلوّحان بما سمياه فقدان عرفات للصلاحية، كانا حريصين مثلما نُقل عنهما بعدئذٍ، على ألا يترك المجرمون أثراً لجريمتهم. إن البيئة اليوم تختلف، والطرف الإسرائيلي يقترف جرائم إرهاب الدولة، مثلما فعل أمس في الضفة وفي غزة. وهذا الطرف، هو وحده المسؤول عن انسداد أفق التسوية، ولا عمل كفاحياً فلسطينياً بالنيران لكي يستغله لتمرير مواقف احتلاله واشتراطاته الظلامية. ثم إن مسؤولية الجانب الإسرائيلي عن فشل عملية التسوية، لم تعد تلتبس على الأطراف الدولية المتنفذة، وبالتالي إن موقف الإدارة الأميركية بات محرجاً، ونتنياهو هو المأزوم وهو الذي يأخذ إسرائيل الى العزلة الدولية. أما التهديدات بتصفية القيادة الفلسطينية، فإنها لا تتأسس على شيء يمكن أن يقبله العالم، ولا ينبغي أن نكترث لها.
موضع القوة في الموقف الفلسطيني، يكمن في تمسكه بمرجعيات عملية التسوية. أما الاشتراطات السخيفة، كضرورة الاعتراف الفلسطيني بـ «يهودية الدولة» فإنها تعكس أزمة الطرف الإسرائيلي وليس أزمتنا، لأن في معنى هذا الاشتراط، ما يخالف عناصر قيام الدول العصرية ووظائفها، وهو مخالف للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومثلما قلنا مراراً، ليس في وسع الدولة في الولايات المتحدة، أن تطلب من الأمم الأخرى اعترافاً بالتعريف الديني لها كدولة بروتستانتية. فالدول لكل مواطنيها، وعندما نرفض اعترافاً كهذا، لم يُطلب من شعب قبلنا؛ نتساوق مع قيم ومبادئ توافقت عليها الأمم، ويكون المحتلون هم الذين يعودون القهقرى بما وصلت اليه البشرية في صياغة وسبل وضمانات اجتماعها السياسي.
رحلة الرئيس «أبو مازن» الى الولايات المتحدة، ليست إلا مناسبة للتأكيد على شطط الأوساط الحاكمة في إسرائيل، وعلى أن طرحها غير المنطقي، وتمسكها باحتلال الأرض، لن يلقى منا قبولاً. كذلك فإن لقاء أوباما، هو مناسبة للتأكيد على أن السلطة، كإطار انتقالي في اتجاه بسط سيادة الدولة على أراضيها؛ لا يمكن أن تظل في هذا الوضع. بل إن كل يوم يمر، على إحباط بسط سيادة الدولة على أراضيها؛ يتهدد استقرار المنطقة، ويضر بالسلام العالمي، ويغذي التطرف، ويضرب في بُنية المنظومة الدولية على أصعدة القانون والأعراف والعلاقات بين الأمم!
وليس أدل على أن الطرف الإسرائيلي هو الذي يتعين عليه التزام جادة الصواب؛ من تلك المقاربات والتسريبات عن ما يُسمى «اتفاق إطار» ربما يطرحه الأميركيون كمخرج من المأزق. ففي كل ما ذُكر، من بنود وتفاصيل، يشملها هذا «الإطار» الوهمي؛ كان الغرض منه وضع قاعدة للتفاوض، وتخليق الانطباع لدينا بأنهم عازمون على التمسك بما يزيد عن نصف مساحة الضفة، بحيث يتبقى لنا 2000 كم مربع محاصرة أو بلا حدود مفتوحة (من 5800 كم المساحة الإجمالية) لكي نتفاوض لتحسين الشروط ورفع نسبة الأرض التي تُقام عليها الدولة الفلسطينية. وحتى في موضوع القدس، فإن مقاربات وتسريبات «الإطار» الوهمي تجعل العاصمة الفلسطينية المقترحة، في بيت حنينا، وليس في قلب القدس التاريخية. فضاحية بيت حنينا، كانت خارج إطار بلدية القدس ثم ضُمت الى المدينة فيما يسمونه حدود القدس الكبرى.
نحن لن نقبل الاعتراف بـ «يهودية الدولة» ولن نوقع على اتفاق، ولا على إطار اتفاق، لا يقر بحقنا في الأراضي المحتلة في عالم 1967 ولا يؤكد على حقوق اللاجئين الفلسطينيين. وعندما نقول ذلك ننسجم مع أنفسنا، ونلقى تأييد الأمم، ونظل في السياق الصحيح دون أن نخشى شيئاً، ولا خوف من «لا» على الإطلاق!
القابضون على جهنم!
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
راعني ما سمعته اليوم من شهادات حية حول واقعنا الإنساني الفلسطيني المعيش في سوريا ولبنان من قبل زملائنا أعضاء المجلس الثوري لحركة فتح هناك. وكأننا نعيش نكبة متجددة لكنها أكثر تباعداً في أحداثها مما كان عليه الحال إبان النكبة الأم.
وكأننا أيضاً نعيش اكتمال الصورة بين أركان الوطن وما بعد الوطن ليكون الفلسطيني بطلها من جديد ليس فقط في الجلزون وعتيل وبيتين وبيرزيت وغزة ومخيم اليرموك وعين الحلوة، بل أيضاً في معبر الكرامة التي أبى الفلسطيني أن يبيع فيه كرامته فأردته رصاصات الحقد الإسرائيلي بعدما هب منتفضاً لشرفه وعزته.
الفلسطيني وكما قال أحد الأصدقاء لم يعد قابضاً على الجمر بل بات قابضاً على جهنم ليس لجراحه فقط بل لأن قتلة العصر مهما تعددت جنسياتهم ودياناتهم أرادوا أن يكون الفلسطيني العنصر المفعول فيه المكسور الهامة، لكنه أبى ويأبى.
لاجئون يغسلون كلاهم، وأطفال ينامون في البرد القارس، ونساء يعشن اضطرابات نفسية، وشيوخ بلا مأوى، وبقايا إنسان شطب الجوع معدته حتى التصق لحمه بعظمه كلهم في مقابل بندقية مأجورة وعقائد ملتوية خارج الوطن يعتقدون أنهم أُجراء الله على الأرض واحتلال اعتاد على العوج داخل الوطن.
احتلال رفع وتيرة استيطانه بواقع 124 ضعفاً خلال العام الماضي، وصادر ما يزيد عن ربع الضفة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ونهب مخزون الماء فلم يترك للفلسطيني مع نهاية العام الماضي إلا ما هو اقل من لترٍ واحدٍ مقابل 9 لترات لكل مستوطن. إضافة إلى التحكم بحوالي 94% من أراضي الأغوار واعتقال أكثر من ربع الشعب الفلسطيني خلال العقود الماضية.
ربيع العرب نحن حطامه على ما يبدو واحتلال إسرائيل نحن ضحاياه وكأننا القاسم المشترك الأكبر في الذبح والتنكيل.
الأهم أن القابضين على جهنم لا ينسون حقهم طال الزمن أم قصر وهم كالملائكة الذين لا تثنيهم المصاعب عن تحقيق رسالتهم حتى لو تطلب الأمر القبض على الجحيم.
رقصة الموت الاخيرة !!!
بقلم: يحيى رباح – الحياة
حتى هذه اللحظة، وبعد انقضاء تسعة اشهر على الثورة المصرية الثانية في الثلاثين من حزيران 2013،وسقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر، وانكشاف هذه الجماعة وتنظيمها الدولي في العالم وبالاخص في المنطقة الحيوية في دول الخليج العربي وفي العراق وسوريا وفلسطين، وفي ليبيا وتونس، فان جماعة الاخوان المسلمين رغم انتشارها في دول كثيرة –اكثر من سبعين دولة، ورغم امبراطوريتها المالية، فان الجماعة اكثر من خمس وثمانين سنة على انشائها من منابع يدور حولها جدل كبير، لم تستطع ان ترسل ولو اشارة واحدة بانها يمكن ان تكون شريكا سياسيا في المنطقة! بل هي عل العكس من ذلك، تندفع اكثر في طريق الانتحار، وتنهمك اكثر في رقصة الموت الاخيرة، كاشفة عن انحدار اخلاقي مريع تحت عنوان "فقه الضرورة "التي بالغت فيه الى حد الجنون، عابثة بالمطلق بمصالح الدولة الوطنية، وبضرورات الامن القومي، بحيث انها استنفرت اقصى درجات العداوة مع امة باكملها، ومع انظمة حكم جديدة وقدمة ذات اتجاهات مختلفة غير مدركة ولو بالحد الادنى ان تحالف الثالث من تموز 2013 في مصر تحول الى تحالف عربي بامتياز له اعمدته الرئيسية وله اهدافه القريبة والبعيدة وله امكانياتها الهائلة، وان هذا التحالف الوطني والقومي اخذ في التطور على الصعيد السياسي مثلما راينا في قرارات سحب السفراء من قطر، وادراج جماعة الاخوان المسلمين وعدد اخر من تشكيلات الاسلام السياسي على قائمة الارهاب، وملاحقة كل من يمارسون الارهاب الاسلامي في الداخل والخارج، واعادة ترتيب اولويات المنطقة بشكل جديد.
لماذا عجزت جماعة الاخوان المسلمين حتى الآن عن التكيف مع الحقائق الجديدة؟وهذا السؤال مهم ومحوري جدا، حين نتذكر ان جماعة الاخوان المسلمين بكل تفريعاتها استطاعت الحياة على امتداد خمس وثمانين سنة بفعل قدرتها على المرونة وقدرتها على عقد الصفقات مع اعدائها في الوطن، فليس هناك نظام في مصر منذ العهد الملكي وحتى عهد حسني مبارك الا وتمكنت الجماعة ان تتعامل معه وان تكون جزءا منه فلماذا العجز والفشل الخارق هذه المرة؟
اعتقد ان السبب الاول وراء ذلك، هو التجويف والخواء الذي اصاب الجماعة، امكانيات كبيرة وكفاءات قليلة ان لم تقل معدومة، وهذا راجع الى التخلف عن عربة الزمن نفسه،فلا يمكن الاستمرار في عصر الفضاءات وثورة التكنلوجيا بعقلية القرن الثالث الهجري !!! خاصة وان هذا التجويف والخواء تمت التغطية عليه باستخدام سلبي لمبدأ"السمع والطاعة " الذي انتج اجيالا غير قادرة ولا بالحد الادنى على تبرير نفسها، وهذا نفسه جعل الجماعة تسقط بعيون عمياء وعقول مغلقة في لعبة الدول الكبرى، حين اصبحت هذه الدول الكبرى وخاصة اميركا هي قوة الجذب الرئيسية وهي مركز الكون وهي صاحبة الوعد النهائي، انظروا كيف سلمت جماعة الاخوان امرها بالمطلق لاميركا، انظروا الى فداحة الصفقة التي عقددتها مع اسرائيل، انظروا كيف هانت لديها حرمة التراب الوطني في موضوع شلاتين وحلايب في الجنوب، وسيناء في الشرق، اي ان الجماعة اصبحت بوعي او دون وعي تعبد الهة اعدائها، وتستهين الى حد العداء المطلق بمقدرات شعبها، وخاصة الجيش المصري العظيم، وحجم القدرات والامكانيات والخبرات والكفاءات التي تراكمت لهذا الجيش على امتداد عقود طويلة، وان هذا الجيش المصري هو اعظم تعبير وتجسيد لوحدة الامة المصرية، وليس جيشا انكشاريا يكرهه الناس بل هو من اصلاب هذه الامة ورمز فخرها ومححل ثقتها وعنوان املها ونهوضها من كل صعوبة !!!هذه هي الخطيئة الكبرى التي سقطت فيها الجماعة، عندما عبدت الهة اعدائها،وانجذبت اليهم مثلما تنجذب السفينة الصغيرة الى جبل المغناطيس، كما تقول الاساطير، فانها تفقد الوعي والارادة، وتتحطم الى شظايا، فيا لهول النهاية ويا لفداحة الاقدار.
هل يكتب أبو مازن التاريخ الجديد ؟ (ح 1 )
بقلم: بكر أبو بكر – الحياة
تقف حركة فتح اليوم كما تقف الحركة الوطنية عامة أمام منعطف تاريخي – وما اكثر المنعطفات في تاريخنا – يتمثل بالموقف الواجب اتخاذه إزاء الصراع العربي – الاسرائيلي في شقه الفلسطيني المكافح، وشقة العربي المؤازر.
ويقف المجلس الثوري للحركة في دورته الـ 13 اليوم أمام هذه التحديات ليقرأ ويتبصر ويستمع وليقرر أو يتخذ توجهات للقيادة والحركة والأمة، وفي رصد لخطوات الحراك السياسي وتقويم وتصويب لها ، خاصة ونحن نرى مقدارالضعف الذي اعترى الحراك لأسباب داخلية وإقليمية وعالمية.
إن الوضع الفلسطيني يقف اليوم أمام جملة من التحديات يمكننا أن نرسم ثلاثة منها بالشكل التالي:
أولا : حساسية الوضع الفلسطيني الداخلي الذي يعاني من انقسام ما بين العزم على الوحدة في جهة أو طرف ومن التشكك بالنوايا والتفلت من الالتزامات الوطنية من جهة ثانية، ما كانت نتيجة الانقلاب في غزة عام 2007 حيث نعيش حالة الانقسام الجغرافي والفكري بل والنفسي بين أهلنا في شطري الوطن.
إن التفكك الفلسطيني يحتاج بعد 7 سنوات مديدة الى وقفه جادة، وقد جرت بالنهر مياه كثيرة جديدة، تأخذ بالاعتبار المصلحة الوطنية أولا وتكرس الانتماء الموحد للإطار الجامع من خلال (م.ت.ف) قوية صالحة، وعبر تمتين أركان السلطة كمقدمة لبناء الدولة، وحري بنا في هذا الموقف أن نتفق على برنامج سياسي أو ميثاق جامع لا يستثني أحدا، بل ويصبح دليلا للعمل السياسي والتنظيمي الجديد وربما يشكل تعديلا للنظام الأساسي سواء للسلطة أو للمنظمة أو لهما معا.
ان التشكك بالنوايا يأتي في حالات الضعف رغم مظاهر القوة المسيطرة، وهو ما يحصل من حماس تجاه السلطة وحركة فتح اليوم ، والتشكك بالنوايا دلالة ضعف داخلي هو ما تعاني منه حماس في بطنها وعلى ظهرها من الاقليم لذا فبدلا من أن تقرر بوضوح اللجوء للفعل الوطني عبر المصالحة والتوجه للانتخابات فإنها تخشى ذلك في سياق فهمها أو فهم أطراف فاعلة فيها لمعنى المشاركة بأنها تعني اقتسام للسلطة فقط.
ان التفلت من الالتزامات الوطنية تجاه الفضية والناس والوحدة الوطنية لصالح ان يعيش الناس في أحلام كبرى أو أوهام مثل: الخلافة الموعودة أو المهدي المنتظر أو دمار (اسرائيل) أو أن السماء ستمطر ذهبا وفضة ما لن يجر على حالمي حماس وغيرها وعلى شعبنا إلا الوبال والخسران المبين، هو ما يجب ان نقابله بإزالة الارتباك بالموافقة على الشراكة الحقة في ظل ميثاق وعهد سياسي جديد يمكن الفلسطيني من صعود الجبال بإباء وشمم، ويجرم الاقتتال الداخلي قطعيا، لا سيما وأن الوحدة الوطنية في مسيرة حركة فتح كانت دوما لها الأولوية على الانحسار لفكر الآخرين في مضيق الحزبية.
أما التحدي الثاني : فهو تحدي الفوضى وإعادة ترتيب المواقع في المنطقة العربية والإقليم، حيث نرى انشغالات عربية عميقة ذات طابع اقليمي في مواجهات مستمرة في معادلة العرب مقابل ايران وخاصة دول الخليج العربي، والعرب مقابل تركيا و»الإخوان»، والعرب مقابل (اسرائيل) وكما تلاحظون أصبحت هي -اسرائيل-في المقام الثالث وربما لا تذكر إلا من باب التزيين (الديكور) بينما حقيقة الأمر أن فوضى الاقليم وإعادة ترتيب المواقع في المنطقة العربية وفي الاقليم تنشغل بالمحاور والمناهج وتحويرات الصراع.
إن في الأمة اليوم محاور تطل برؤوسها تقلب معادلة المنطقة إثر 3 سنوات، مما أسمي (الربيع العربي) فنرى اصطفافا جديدا ما بين التيارات المناوئة للإسلام السياسي والزحف الشيعي السياسي ، وما بين تيارات الحفاظ على الأمن القومي الداخلي ما يقابلها من تيار يحاول (دمقرطة) الجماهير.
في مناهج التفكير السياسي وخاصة بطريقة التعامل مع الاسلامويين أو تيارات الاسلام السياسي وعلى رأسهم الاخوان المسلمين تتوزع الرؤى بين استئصال الاخوان او التصالح معهم، ما يحتاج في حقيقة الأمر لتفكير معمق لا يلغي المختلفين ويضع أسسا جديدة للاختلاف تعمق من ثقافة الديمقراطية والتعددية والتغيير.
أما في تحوير الصراع فلقد أصبح جليا أن للدولة العبرية دور وأيما دور في كل ما يدور في المنطقة العربية والإقليم (سياسيا وعسكريا واقتصاديا واستخباريا... ) وعبر ما تصوره (اسرائيل) وأميركا على أنه صراع مذهبي ديني وخاصة شيعي – سنى في المنطقة في رغبة متنامية لإعادة تركيب المنطقة وفق منظور ديني مذهبي يقضي على الدولة الوطنية التي نشأت عام 1916 ثم عام 1920 ويقضي على أي أمل بالوحدة العربية أو الجغرافية على النمط الاوروبي الحديث، وفي نفس الوقت يعطي الذرائع القوية لتطالب (اسرائيل) بذاتها دولة خاصة باليهود كما يصرخ نتنياهو يوميا.
أما التحدي الثالث أمام القيادة الفلسطينية والحركة الوطنية (بما فيها حماس والجهاد) فهو كيفية التعامل مع الضغوط الصهيوأميركية على فلسطين سواء أكان ذلك في الضفة أو غزة أو الخارج وفي اطار دفع المفاوض نحو الحائط فإما الاصطدام وإما لا درب إلا درب التنازلات التي يحلم بها الاسرائيليون ضمن أسلوب (البقرة) في القرآن الكريم من تمييع ومماطلات وأكاذيب وادعاءات تحافظ لهم على الكيان من جهة وتمنعهم من اعطاء أي تعهد أو التزام سياسي.
إن الوقوف بثبات امام الضغوط ليس سهلا فنتنياهو وليبرمان وليفني على اختلافاتهما السياسية الداخلية متفقون على تكبيل الفلسطيني بأوهام ما يسمونه (الدولة اليهودية) وما ينبثق عن ذلك من مخاطر لا حد لها علينا في الاغوار والقدس والضفة والقانون وفلسطيني 48 والرواية والتاريخ.
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (289)
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
الاربعاء
12/3/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
العنف الاسرائيلي المفرط ضد الفلسطينيين
بقلم: حديث القدس – القدس
إعلام الزي الموحد
بقلم: خيري منصور – القدس
هل ستعي أميركا التحذير القادم من أوكرانيا؟
بقلم: كوندوليزا رايس - وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة – القدس
مستقبل الفلسطينيين
بقلم: لورنس ديفيدسون – القدس
المياه... قضية لا تقل اهمية عن القضايا الاخرى في المفاوضات
بقلم: الدكتور عقل أبو قرع – القدس
قمة الفرصة الأخيرة...؟!
بقلم: عرفان نظام الدين – القدس
42 إشارة (X) على أخمص البندقية؟
بقلم: حسن البطل – الايام
السحر ينقلب على الساحر.. و" ليبرمان" يوحّد العرب؟!
بقلم: هاني حبيب – الايام
تصعيد دموي إسرائيلي: رغبة جامحة في العنف
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
حول جديد علاقة السعودية بـ"الإخوان"
بقلم: علي جرادات – الايام
تغريدة الصباح - اللي استحوا ماتوا
بقلم: يحيى يخلف – الحياة
اطلالة عربية - بين قوس القزح
بقلم: ابراهيم عبد المجيد – الحياة
لا خوف من لا
بقلم: عدلي صادق – الحياة
القابضون على جهنم!
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
رقصة الموت الاخيرة !!!
بقلم: يحيى رباح – الحياة
هل يكتب أبو مازن التاريخ الجديد ؟ (ح 1 )
بقلم: بكر أبو بكر – الحياة
العنف الاسرائيلي المفرط ضد الفلسطينيين
بقلم: حديث القدس – القدس
شهد الشهر الحالي الذي لم يمض منه سوى اثنا عشر يوما فقط سقوط ستة من الشهداء الفلسطينيين على الأقل برصاص القوات الاسرائيلية :فقد أقدمت هذه القوات على قتل الناشط معتز وشحة في بيرزيت الأسبوع الماضي دون مبرر وإنما وفقا لمصادر اسرائيلية بدم بارد.
وسقط أمس الأول القاضي الأردني من أصل فلسطيني رائد زعيتر، وفي اليوم نفسه قتل الجيش الاسرائيلي قرب بيتين الشاب سامي جرابعة وليس هناك حتى ذريعة اسرائيلية مقنعة لهذه الجريمة البشعة.
وبالأمس سقط في قطاع غزة ثلاثة شبان فلسطينيين بنيران الجيش الاسرائيلي الذي برر قتلهم بأنهم أطلقوا النار على قواته. ومهما كانت الروايات والتحليلات، فإن هناك عنفا مفرطا من جانب القوات الاسرائيلية تجاه أبناء شعبنا الأعزل، ولا يوجد في المقابل رد فعل من جانب المجتمع الدولي لوقف هذا العنف الذي يستفحل يوما بعد يوم.
ويبدو أن الأوامر المعطاة لقوات الأمن الاسرائيلي بخصوص إطلاق النار على الفلسطينيين فضفاضة للغاية، وتسمح لهذه القوات بالضغط على الزناد لأتفه الأسباب، وربما من دون أي سبب. والمقصود هو بث الرعب والخوف في نفوس الفلسطينيين، وذلك من باب تعزيز ما يوصف بقوة الردع الاسرائيلية من الناحية النفسية والمعنوية.
العالم يتغاضى عن هذه الممارسات الاسرائيلية ولا يتعرض لها بالتنديد والانتقاد. هذا في الوقت الذي يراقب فيه الأوروبيون والأميركيون ما قد يحدث في القرم وأوكرانيا على سبيل المثال، وما وقع في جنوب السودان، وهم على أتم الاستعداد لفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الطرف الذي يعتقدون أنه هو المتسبب في قتل المدنيين الأبرياء، أو حتى من يتوقع أن يقدم على أعمال قتل من هذا القبيل.
القاضي زعيتر كان أعزل، ولم يكن يشكل أي خطر على حياة الجندي الاسرائيلي الذي أطلق النار عليه. وروايات شهود العيان تؤكد أنه غضب بسبب الإهانة التي لحقت به. فهل كان في وسعه أن يهدد حياة حندي مدجج بالسلاح، وهل توفرت لديه مثل هذه النية أصلا وهو الذي كان يريد الوصول إلى نابلس للحصول على المال لمعالجة ابنه الطفل المصاب بمرض خطير، والذي يعالج في أحد مستشفيات عمان؟.
والشاب جرابعة، حتى لو افترضنا جدلا أنه ألقى حجرا على سيارة مستوطنين وفقا للرواية الاسرائيلية، أما كان بالإمكان اعتقاله حيا، بدلا من إنهاء حياته برصاصات الجيش الاسرائيلي ؟
فهل أصبحت حياة المواطنين الفلسطينيين رخيصة إلى هذا الحد في نظر السلطات الاسرائيلية؟ وكيف يمكن أن يتحقق مبدأ المساواة في التعامل خلال المفاوضات، على سبيل المثال، في الوقت الذي تستهين فيه الحكومة الاسرائيلية بحياة أبناء شعبنا الذي تدعي أنها تريد تحقيق السلام معه؟.
هذا العنف الاسرائيلي يجب أن تجد التقارير التي تصفه طريقها إلى الجهات الدولية المعنية بوقفه، وأن يحدث نوع من المساءلة لمن يرتكبه. ولن تكون هناك إمكانية لتحقق ما توصف بعملية السلام ما دامت الحكومات الاسررائيلية تمارس هذا العنف، أو تجد المبررات والذرائع الواهية لممارسته في انتهاك صارخ للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية والإنسانية.
إعلام الزي الموحد
بقلم: خيري منصور – القدس
هناك عبارة شهيرة تنسب إلى هوفمان، هي "الإنسان هو الأسلوب ولا شيء آخر"، والمقصود بها ليس ما نفكر به بل كيف نفكر؟ والإعلام العربي في ظاهره أشبه بقوس قزح بأطيافه العديدة وألوانه، لكن واقع الأمر ليس كذلك، فقد يختلف اليساري مع اليميني والمتدين مع العلماني، لكن ما يجمع بين هؤلاء رغم التناقض الإيديولوجي هو الأسلوب والأداء وكيفية تناول القضايا، ما دامت الحاضنة الاجتماعية والتربوية هي ذاتها، وكذلك المرجعيات .
ولو أخذنا عينات متنافرة ومتباعدة من المشهد الإعلامي على اتساعه لوجدنا أن أفضل توصيف لهذا المشهد هو الزي الموحد، فليس مهماً أن تكون أزرار المعطف على اليمين أو اليسار وكذلك الجيوب، ما دامت المادة الخام هي ذاتها وقد أعيد إنتاجها على هذا النحو أو ذاك، وقد يكون أقرب وأدق مثال لدينا تحويل بعض الماركسيين النظرية التي يتبنونها إلى يقين من طراز آخر، فالدوغمائية أو التعصب الأعمى لا هوية لهما، لهذا قيل دائماً إن المتطرفين والغلاة يلتقون في نهاية المطاف .
يتجلى الزي الإعلامي الموحد في هذا القاموس المتداول على مدار الساعة، وكأن هناك كائناً واحداً يحمل أسماء مختلفة، وعلى المشاهد أو القارئ أن يصدق بأن هذا التشابه هو التعدد، والعكس صحيح، لأن التعددية تغني الواقع والتماثل يفقره .
وليس صعباً علينا رصد منبرين إعلاميين أشبه بخندقين متقابلين، يقولان أشياء متناقضة لكنهما يصدران عن العقل ذاته والنهج ذاته، بخلاف ما هو معروف في تاريخ المنطق كله، وهو أن المضمون المختلف يخلق شكل تعبير مختلفاً لأن العلاقة بينهما جدلية .
لكن السائد مقابل الجدلية هو الثنائيات التي تفرض على أصحابها المراوحة حول الموقف ذاته كالنافورة التي تسيل على نفسها .
ثقافة الزي الموحد ليست حكراً على الإعلام سواء كان مرئياً أو مقروءاً أو مسموعاً إنها تشمل حتى الخطاب اليومي في الحياة الاجتماعية . والخروج من هذا المدار المغلق ليس سهلاً، أو لمجرد توفر النوايا لذلك، إذ لا بد من تأهيل ومران لردم الهوة العميقة بين الجدليات والثنائيات . وإذا سلمنا بأن التشابه إفقار والتنوع إثراء، فإن حصاد هذا الزي الموحد هو في نهاية المطاف مجرد هشيم انسجاماً مع المثل القائل إن الماء يكذب الغطاس، والبيدر يكذب الفلاح .
هل ستعي أميركا التحذير القادم من أوكرانيا؟
بقلم: كوندوليزا رايس - وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة – القدس
بينما كنت أقف أنا وبوتين في مكتبه بالقصر الرئاسي في موسكو أواخر 2004، أطل علينا فجأة رجل من غرفة خلفية. قال لي بوتين «أُعرفك بفيكتور يانوكوفيتش مرشح الرئاسة في أوكرانيا». هكذا قدم لي بوتين رئيس أوكرانيا يانوكوفيتش، وكان واضحا حينها أن بوتين يريد تمرير رسالة مفادها أن يانوكوفيتش هو رجلنا، وأن أوكرانيا هي الفناء الخلفي لروسيا - ولا تنسوا ذلك.
منذ ذلك الحين والمشكلة الأوكرانية آخذة في التبلور بين الغرب وروسيا، فحاولت الولايات المتحدة وأوروبا بعد الثورة البرتقالية إقناع روسيا بألا تتحول أراضي أوكرانيا المترامية الأطراف إلى بيدق في رقعة الصراع بين القوى الكبرى، بل عليها أن تبقى بلدا مستقلا قادرا على تقرير مصيره بنفسه. بيد أن بوتين كانت له حسابات أخرى، فتقارب كييف مع الغرب بالنسبة له كان بمثابة إهانة لروسيا في معادلة صفرية لا تقبل غير الولاء التام من بلدان الإمبراطورية السابقة. وقد كان الاجتياح الأخير لشبه جزيرة القرم واحتمال ضمها إلى روسيا بحجة واهية تتعلق بحماية الناطقين بالروسية، رد بوتين على الغرب.
ولذا تبقى الأولوية في الوقت الراهن لروسيا هي أن أي تحركات جديدة في أوكرانيا لن يتم التساهل بشأنها، وأن سلامة أراضي أوكرانيا وسيادتها أمر مقدس لا يمكن تجاوزه. ومن ثم فإن فرض قرارات مثل العزلة الدبلوماسية وتجميد الأصول وحظر السفر على طبقة رجال الأعمال المرتبطين بالكرملين يعد أمرا مناسبا. كما سيعمل الإعلان عن إجراء مناورات جوية مشتركة مع دول البلطيق، وتحرك مدمرة أميركية إلى البحر الأسود، على طمأنة حلفائنا، بالإضافة إلى مساعدات اقتصادية لأوكرانيا وقادتها الجدد الذين يتعين عليهم في ظل هذه الظروف العصيبة تنحية خلافاتهم والتركيز على إدارة البلد.
وتظل مهمتنا على المدى الطويل هي التصدي للنظرة التي يتبناها بوتين بشأن مستقبل أوروبا ما بعد الحرب الباردة. فهو يقول إن أوكرانيا لن تمتلك الحرية مطلقا لاتخاذ خياراتها الخاصة - رسالة تتجاوز أوكرانيا إلى باقي أوروبا الشرقية ودول البلطيق - وأن لروسيا مصالح خاصة ستحميها مهما كلف الأمر. ولأن الحرب الباردة انتهت على نحو مأساوي بالنسبة لبوتين، فهو يحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء من خلال الترهيب واستخدام القوة العسكرية، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية، ما دام العجز الغربي يسمح له بذلك.
جدير بالذكر أنه عندما اجتاحت روسيا الأراضي الجورجية في 2008 أرسلت الولايات المتحدة بوارجها إلى البحر الأسود، كما نقلت الوحدات الجورجية في العراق إلى قواعدها في أرض الوطن وأرسلت أيضا مساعدات إنسانية. وهكذا حرمت موسكو من هدفها المتمثل في الإطاحة بالحكومة المنتخبة ديمقراطيا، وهو الاعتراف الذي صرح لي به وزير الخارجية الروسي. ولم تستطع الولايات المتحدة وأوروبا سوى اتخاذ خطوات متواضعة لعزل روسيا سياسيا.
بيد أن تلك الخطوات المتواضعة لم تستمر، فرغم استمرار الاحتلال الروسي لإقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، تلاشت العزلة الدبلوماسية المفروضة على روسيا. ثم جاءت بعدها سياسة أوباما القائمة على إعادة إصلاح العلاقة مع موسكو والتي أدت إلى مراجعة مفاجئة لخطط نشر صواريخ دفاعية في جمهورية التشيك وبولندا، وتوقف الحديث عن انضمام أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي.. الأمر الذين أبهج روسيا.
هذه المرة ينبغي أن يكون الوضع مختلفا، فبوتين يراهن على المدى البعيد من خلال استغلاله الذكي لكل فرصة متاحة، ولذا يجب علينا التحلي بالصبر الاستراتيجي إذا أردنا وقفه، لا سيما أن موسكو ليست محصنة من الضغوط. نحن لسنا في عام 1968 وروسيا ليست الاتحاد السوفياتي، فالروس بحاجة إلى الاستثمارات الأجنبية، ورجال الأعمال المرتبطون بالنظام يحبون السفر إلى باريس ولندن.
كما أن هناك قدرا ضخما من الأموال التي تم الحصول عليها بصورة غير مشروعة مودعة في البنوك الأجنبية. ولا ننسى أيضا أن روسيا لا تتحمل انخفاضا كبيرا في أسعار النفط، خاصة أن طفرة النفط والغاز في أميركا الشمالية ستضعف قدرات موسكو الإنتاجية، ومن شأن الترخيص بمد أنبوب الغاز «كيستون إكي إل» ودعم صادرات الغاز الأميركية، أن يبعث بالرسالة المناسبة لبوتين بقدرة أوروبا على تنويع مصادر الطاقة ومد أنابيب لنقل الغاز لا تمر عبر روسيا.
ومن الواضح أن الكثير من أفراد الشرائح الأكثر إنتاجا ضمن الشعب الروسي، وهم الشباب المتعلم، ليسوا على وفاق مع الكرملين، لأنهم يعرفون أن بلدهم ليس مجرد مكان لاستخراج الموارد من قبل الشركات العملاقة، بل يحتاج إلى مزيد من الحريات السياسية والاقتصادية والقدرة على الابتكار والمساهمة في الاقتصاد القائم على المعرفة، ومن ثم يجب علينا التواصل مع الشباب الروسي، خاصة الطلبة والمهنيين الذين يدرس العديد منهم في الجامعات الأميركية ويعملون مع شركات غربية. فالقوى الديمقراطية داخل روسيا تحتاج إلى سماع الدعم الأميركي لطموحاتها، لأنهم هم، لا بوتين، مستقبل روسيا.
ويأتي على رأس ذلك ضرورة استعادة الولايات المتحدة مكانتها ضمن المجتمع الدولي بعد أن تقوضت بسبب المبالغة في مد يد الصداقة إلى خصومنا، والتي تكون أحيانا على حساب أصدقائنا. فعدم تحركنا في سوريا الذي عزز الحضور الروسي في الشرق الأوسط والانطباع بأننا متلهفون على اتفاق نووي مع إيران، لا يمكن فصله عن تحركات بوتين الأخيرة.
كما أن خفض موازنة الدفاع الأميركية يوحي بأنه لم تعد لدينا النية ولا الرغبة في التأثير في النظام الدولي، كما هو الحال بالنسبة لحديثنا عن الانسحاب من أفغانستان سواء أكان الوضع الأمني يسمح بذلك أم لا. ينبغي ألا نفشل، كما فعلنا في العراق، في أن نترك خلفا وجودا عسكريا. وأي وجود عسكري يقل عن 10.000 جندي سيعني أننا غير جادين بشأن المساعدة في استقرار تلك الدولة.
وعندما جرى الحديث عن فكرة الانسحاب الأميركي وخفض الصوت المدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان اعتقد المراقبون أن الفراغ سيملأه الحلفاء الديمقراطيون والدول الصديقة والمعايير الدولية، لكننا شهدنا بدلا من ذلك كيف قفزت القوى المتطرفة، مثل «القاعدة» التي أطلت برأسها مجددا في العراق وسوريا، أو الأنظمة الديكتاتورية مثل نظام الأسد الذي لا يتوانى في قتل شعبه بمؤازرة من روسيا وإيران أو حتى من قبل الأصوات القومية الصادرة عن بكين وأمثال بوتين الذي يعي جيدا أن القوة الصلبة ما زالت مهمة في عالمنا، لملء الفراغ.
واللافت أن هذه التطورات لم تأتِ كرد فعل على السياسة الخارجية الأميركية القائمة على القوة، بل لأن الرسائل التي تبعث بها الولايات المتحدة تنم عن الإرهاق وعدم الاهتمام، ولذا تمثل الأحداث الأخيرة في أوكرانيا دعوة تحذيرية للنخب الأميركية في الحزبين معا ممن يعتقدون أن أميركا تستطيع التخلي عن مسؤوليتها الدولية في القيادة، فإذا لم ننتبه إلى هذا التحذير فإننا نجازف بتقوية المتطرفين والمستبدين حول العالم، وسينتهي بنا المطاف إلى دفع ثمن باهظ من مصالحنا وقيمنا ..
مستقبل الفلسطينيين
بقلم: لورنس ديفيدسون – القدس
تم فعل الكثير من أجل تحقيق التأثير المتصاعد لحركة المقاطعة ونزع الاستثمار والعقوبات ضد إسرائيل. وفي الحقيقة، ثمة إحساس متنامٍ بأن قوة المقاطعة من جانب المجتمع المدني، وبشكل خاص لأنها تتجلى في أوروبا، تسير على الطريق نحو تكرار التاريخ، بحيث تفعل مع إسرائيل ما سبق لها وأن فعلته مع جنوب أفريقيا.
على نحو متزامن، ثمة افتراض ملح بأن الجهد الأحدث للتوصل إلى تسوية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي يدير دفته وزير الخارجية الأميركية جون كيري، سوف يسلك الطريق نفسه الذي سلكته كل سابقاته، أي الفشل.
لكن، لا يوافق الجميع على هذا القول. ففي مقابلة أجراها معه مشروع اليسار الجديد، ونشرت على الموقع العنكبوتي للمشروع يوم 11 كانون الثاني الماضي، يعرض نورمان فينكلشتاين (المنتقد المعروف لإسرائيل والذي تحظى نشراته بتوزيع جيد) سيناريو مختلفاً. ويعتقد فينكلشتاين بحزم بأن جهود كيري ستؤتي أكلها. وبهذا، سوف تتوصل إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي لا تمثل كل الفلسطينيين بكل وضوح إلى اتفاق قبل نهاية فترة رئاسة باراك أوباما.
يشرح فينكلشتاين بالقول إن النقاش الكلاسيكي حول مجمع مستوطنات إسرائيل غير الشرعية قد انتهى، وفي هذه النقطة كسبت إسرائيل. وسوف يُسمح لها باستيعاب المستوطنات الرئيسية داخل حدودها. وهكذا تكون قد حولت الكيان الفلسطيني إلى كيان غير صالح جغرافياً. كما أن السلطة الفلسطينية ستهمل أيضاً حق العودة الذي يعد عزيزا جداً على اللاجئين الفلسطينيين.
نتيجة لذلك، تم حصر "المفاوضات" في موضوعين: المطلب الإسرائيلي بأن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كـ"دولة يهودية" والوضع النهائي لوادي الأردن. ويتنبأ فينكلشتاين بأن يتم حل الموضوع الأول عبر وصف إسرائيل بأنها "دولة للشعب اليهودي ولمواطنيها"، بحيث تقدم بذلك حماية قانونية مزعومة للعرب الإسرائيليين. وعلى نحو مشابه ستصبح فلسطين "دولة للفلسطينيين ولمواطنيها".
فيما يتعلق بوادي الأردن، سوف تنسحب إسرائيل بوتيرة بطيئة من المنطقة. أما تعليق فينكلشتاين على هذا، فهو أن "إسرائيل ماهرة في التنازل عن الأشياء التي لا تهمها في المقام الأول". ويصف فينكلشتاين "القيادة الفلسطينية" بأنها "فاسدة على نحو لا يمكن تقويمه وغير كفؤة وحمقاء". لكنه يتعامل بقدر أكبر قليلاً من اللطف في وصفه "للداعمين الفلسطينيين في الخارج" والذين، حسب قوله "لا يتصرفون بحنكة وذكاء". وهو يقلل من شأن إنجازات المقاطعة المبتغاة منها في الولايات المتحدة. ويعتقد بأن أولئك من نشطاء حركة المقاطعة في أوروبا يجب أن يفكروا في تكتيكات للضغط دعماً لجهود كيري.
يقول فينكلشتاين أيضاً إن مجموعات التضامن مع الفلسطينيين "تستمر في العمل وكأن عملية كيري هي عرض جانبي بلا معنى، أي شيء يمكن تجاهله بأمان"، وهو يصف هذا الموقف بأنه خطأ كبير. ويضيف أن احتمال تقرير المصير الفلسطيني سيكون قد اختفى قبل أن يدرك هؤلاء الداعمون ما الذي أصابهم.
ماذا إذا كان ذلك صحيحاً؟
مهما كان رأي المرء في نورمان فينكلشتاين وتنبؤاته، فسيكون من الحكمة بالنسبة لأولئك الذين يدعمون حركة المقاطعة ونزع الاستثمار وفرض العقوبات وحقوق الفلسطينيين دراسة كيفية الرد، مهما كانت الاحتمالات، إذا نجح وزير الخارجية كيري. وهكذا، دعونا نعِد التفكير في الموضوع.
إن هذه التسوية (على الأقل كما وصفها فينكلشتاين) ستحول جزءاً جيداً من أراضي الضفة الغربية المحتلة إلى "السيادة" الإسرائيلية وتنشئ كياناً فلسطينياً مقتطعاً يستطيع اللاجئون الفلسطينيون "العودة" إليه. وقد يتساءل البعض عما إذا بقي هناك منطق للاستمرار في مقاطعة إسرائيل. قد تفقد حركة المقاطعة ونزع الاستثمار وفرض العقوبات زخمها، على الأقل مؤقتاً. ولكن، هل ستتلاشى الحركة هي وأهدافها جملة وتفصيلا؟
ربما لا. إن الذي سينقذ حركة المقاطعة ونزع الاستثمار وفرض العقوبات هو قادة إسرائيل نفسها المدفوعون كما هو حالهم دائماً بالطبيعة العنصرية المتأصلة في الإيديولوجية الصهيونية. وبعبارات أخرى، من الممكن التعويل بأمان على صانعي السياسة الإسرائيليين أنفسهم ليجسدوا هذا التوصيف.
ولك أن تأخذ مثلاً وزير المالية "المعتدل سياسياً"، يئير لابيد، الذي قال لجمهور إسرائيلي مؤخراً: "إن الموضوع هو أننا نحتاج لأن نتخلص من الفلسطينيين. فذلك موضوع يهددنا وشوكة تنخزنا". وكنتيجة لهذا الموقف المتبنى بشكل عام، فإن التطهير العرقي للفلسطينيين (ولغيرهم من طالبي اللجوء السياسي من غير اليهود من شرق أفريقيا) في داخل أراضي إسرائيل سيستمر على قدم وساق.
لصياغة الفكرة بطريقة أخرى، سوف يتكثف وعلى نحو كبير الجهد الذي مضى عليه الآن 67 عاماً للتضييق على المواطنين من غير اليهود من أجل طردهم إلى الخارج. وكانت الحملة على جنوب أفريقيا قد جاءت كرد فعل ضد ثقافة ذلك البلد العنصري وسياساته. وما من سبب يفسر السبب في أن لا تستطيع حركة مقاطعة ونزع استثمار وفرض عقوبات مفعمة بالقوة أن تدوم ضد إسرائيل على الأساس نفسه.
لكن نورمان فينكلشتاين قد يكون جانب الصواب. وقد يكون الصحفي جيد الاطلاع، جوناثان كوك، قد أصاب كبد الحقيقة عندما يلاحظ أنه "رغم وجود إمارات خارجية، فإن (رئيس الوزراء الإسرائيلي) نتنياهو بعيد كل البعد عن أن يكون جاهزا للتوصل إلى تسوية".
ويدعي كوك بأن نتنياهو يتوافر "على وقوف جل الشعب الإسرائيلي من خلفه... لكن الأكثر أهمية أنه يتمتع بوقوف قسم ضخم من المؤسسة الأمنية والاقتصادية إلى جانبه أيضاً". ويقول كوك إنه نتيجة لذلك، "فإن هذه المفاوضات قد لا تفضي للتوصل إلى اتفاقية، لكنها ستشكل نقطة انعطاف تاريخية رغم ذلك. إن عملية نزع الشرعية عن إسرائيل تجري على قدم وساق بحق، وإن الطرف الذي يلحق معظم الضرر بإسرائيل هو القيادة الإسرائيلية نفسها".
أعتقد بأنه يجب على حركة المقاطعة ونزع الاستثمار، وحركة الحقوق الفلسطينية بشكل أعم، أن تكون قادرة على الاستدامة في أي من الحالتين. وإذا كان كوك محقاً، فإنه ليس من المتوقع ديمومة الحركة وحسب، وإنما أيضاً نموها بوتيرة سريعة. أما إذا كان فنكلشتاين مصيباً، فستثبت الحالة أنها أكثر تعقيداً.
لا شك أن كوك محق بالتأكيد في شيء واحد: إننا أمام تقاطع طرق. أما إلى أين سيقودنا هذا الوضع، فهو أمر غير واضح كما يشير هو وفنكلشتاين. وهذا يعني أن أولئك الذين يدعمون الفلسطينيين بغض النظر عن الشكل الذي يتخذونه، يجب أن يفكروا في هذه الاحتمالات. هناك ما يكفي من الوقت بعد لتشكيل تصورات مناسبة للتعامل مع الطوارئ.
*أستاذ التاريخ في جامعة ويست شيستر في بنسلفانيا. وهو مؤلف "شركة السياسة الخارجية: خصخصة المصلحة القومية لأميركا"، "فلسطين وأميركا: الأحاسيس الشعبية والرسمية من بلفور إلى الدولة الإسرائيلية." و"الأصولية الإسلامية".
المياه... قضية لا تقل اهمية عن القضايا الاخرى في المفاوضات
بقلم: الدكتور عقل أبو قرع – القدس
* قبل فترة قامت شركات المياه الاسرائيلية بقطع المياه عن بعض المناطق الفلسطينية في القدس وضواحيها، وبغض النظر عن الاسباب، فأن هذا يعني اننا لا نتحكم بسلعة حيوية مثل المياه، سواء للحياة او للزراعة او لدوران عجلة الاقتصاد والتنمية، ومعروف حاليا ان الفلسطينيين ورغم وجود احواض المياه الجوفية في مناطقهم، فأنهم يشترون المياه من الاسرائيليين، وفي ظل الاوضاع العادية، فان معدل استهلاك الفلسطيني من المياه هو اقل بكثير من استهلاك الاسرائيلي، وكيف سيكون الوضع في المستقبل وفي ظل الظروف غير العادية، من النقص في المياه نتيجة انقطاع الامطار وبالتالي تدني منسوب ابار المياه الجوفية وكذلك مستوى المياه السطحية، المتمثل في بحيرة طبريا مثلا، وكل ذلك يوضح الاهمية الكبرى لتوفر كمية المياه للفلسطينيين، الان وفي المستقبل، حيث من المتوقع اقامة الدولة الفلسطينية وازدياد اعداد الناس ونشاطاتهم المختلفة، وهذا يوضح كم هو موضوع المياه مهم في التفاوض، كما هي المواضيع الاخرى كذلك مهمة.
ومع احتمال اعلان حالة الجفاف في بلادنا وما يتبع او ينتج عن ذلك، يصبح الجميع في امسّ الحاجة الى المياه، سواء للشرب او للزراعة، ومن الممكن ان تظهر اثار هذا النقص في المياه، وبشكل حاد خلال فصل الصيف القادم، وبالاخص في مناطق محددة في جنوب الضفة الغربية او في غزة للشرب، او في منطقة الاغوار حيث الزراعة المكثفة التي تعتمد على المياه، سواء من المطر او من ابار المياه الجوفية، ومن المتوقع ان يكون لذلك تبعات، صحية وبيئية واجتماعية وتبعات تتعلق بارتفاع كبير في اسعار الخضار والفواكه والمنتجات الحيوانية، نتيجة النقص في الكمية او في قلة العرض ومن ثم ازدياد الطلب وارتفاع الاسعار.
وبعيدا عن كمية المياه، فهناك تلوث او تدني جودة المياه، وبالاخص في قطاع غزة، حيث معروف ان النسبة العظمى، اي اكثر من 90% من مصادر المياه في بلادنا هي مصادر جوفية، اي التي تتغذى او تعتمد على سقوط مياه الامطار، وانقطاع مياه الامطار يمكن ان يؤدي الى تلوث المياه، لان نقص مخزون المياه، ومع وصول الملوثات اليها، سواء اكانت ملوثات كيميائية او بيولوجية سوف يؤدي الى زيادة تركيز الملوثات وبالتالي زيادة خطورتها على الصحة والبيئة، وكذلك فان نقص المياه واستهلاكها بدون تعويض النقص في الاستهلاك سوف يؤدي الى زيادة تركيز الاملاح والعناصر والمعادن وما لذلك من اثار على الزراعة والبيئة والصحة العامة.
والوضع المائي في غزة، وفي ظل تقارير محلية ودولية، هو وضع شبه كارثي، فمصادر المياه في قطاع غزة هي جوفية، ونوعية التربة هناك اشبه بالتربة الرملية، اي التي من الممكن ان يتسرب من خلالها العديد من المواد او الملوثات ومن ثم تصل الى المياه الجوفية، وهذا يبدو انه يحدث، سواء تسرب مواد من المياه العادمة العشوائية في غزة، او من الانشطة الزراعية كمتحللات الاسمدة والمبيدات، او من فضلات المصانع، وهذا بالاضافة الى الاستخدام العادي الزائد عن الحد من المياه الجوفية، وكذلك وصول مياه البحر المالحة اليها، ومن ثم زيادة نسبة الملوحة والتي تقاس عادة بتركيز الاملاح فيها، عن الحد المسموح به عالميا.
وقبل ايام نشرت تقارير اشارت الى التقدم الكبير الذي احرزه الجانب الاسرائيلي فيما يتعلق بتكنولوجيا تحلية المياه من البحر، وبالتالي اتباع ذلك كمشروع استراتيجي للتعامل مع موضوع شحة ونقص المياه في اسرائيل، وليس هذا فقط، ولكن التخطيط لتصدير او بيع المياه، اي الفائض من المياة من خلال اتباع هذه التكنولوجيا، وهذا ما سوف يتم القيام به من خلال الاتفاقيات حول اقامة محطات تحلية المياه مع الاردن، وربما مع الفلسطينيين، اي اننا سوف نعتمد في سد حاجتنا من المياه على شراء الفائض منها من الجانب الاسرائيلي، الناتج من محطات التحلية، وربما باسعار مخفضة، ولكن فان هذا يعني اننا سوف نزيد الاعتماد على الاخرين من اجل التنمية والبناء وحتى من اجل البقاء، حيث معروف اننا الان نشتري الكهرباء تم توقيع اتفاقية لشراء الغاز ونشتري البترول وسوف يتبعهما شراء المياه؟
والاستقلال اي عدم الاعتماد على الاخرين، والتنمية المستدامة والامن الغذائي، يحتاج الى المياة الصالحة التي تحت السيطرة، اي المياه غير الملوثة وغير المالحة، وهذا من المفترض ان يأتي في معظمة من المياة الجوفية التي تقع في الاراضي الفلسطينية، التي تم تعريفها او تحديدها حسب قرارات الامم المتحدة، وبالتالي من المفترض ان يشمل اي اتفاق مرحلي او غير مرحلي، او اي اتفاق اطار او غيره، تفصيلا واضحا بالحقوق المائية الفلسطينية، وليس كما هو قائم الان من الحاجة او المتطلب الى اخذ الاذن او رخصة من الجانب الاسرائيلي من اجل حفر بئر مياه للشرب، او من اجل زراعة محصول جديد، او توقيع او التفكير في توقيع الاتفاقيات لشراء المياه الناتجة من محطات التحلية؟
قمة الفرصة الأخيرة...؟!
بقلم: عرفان نظام الدين – القدس
حقاً إنها الفرصة الأخيرة للعرب لكي يبدأوا مسيرة العودة إلى التضامن ورأب الصدع وحصر الخلافات في حدودها الدنيا، بعد سنوات عجاف انقلبت فيها الأوضاع في المنطقة رأساً على عقب، وعمت الفوضى واختلطت التحالفات وتغيّرت الموازين وضاعت الأمة والشعوب في غياهب بحر هائج مائج لم نشهد له مثيلاً خلال قرن من الزمان.
فإذا كان مجرد انعقاد القمة العربية المقررة في الكويت في نهاية الشهر، أي بعد أسابيع قليلة، مجرد حلم قد يتحول إلى واقع، فإن نجاحها أو مجرّد التوصل إلى بعض القواسم المشتركة يعتبر معجزة من الصعب أن تتحقق بسبب تعقيدات المواقف وتشعب المشاكل وتداخل الأزمات وتنوع الخلافات وصعوبة الأوضاع الداخلية وسوء العلاقات العربية- العربية التي وصلت في أحيان كثيرة إلى قطيعة تامة وعداء مطبق، أين منه عداء الأعداء.
الرهان الوحيد القائم حالياً يتركز على دور الكويت التقليدي في معالجة القضايا العربية بهدوء وروية والسعي نحو حماية المصالح العليا للأمة وتغليبها على أي أمر آخر، ودأبها في عدم قطع «شعرة معاوية» مع أي طرف وإبقاء الأبواب مفتوحة للمصالحة والمصارحة. وقد قوبلت المبادرة الكويتية بترحيب عربي شامل، وبخاصة ما يتعلق منها بالمصالحة بين مصر وقطر، إلا أن انتكاسة حصلت قبل أيام بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة ثانية، أدت إلى سحب السفراء.
وفي حال عدم نجاح الوساطات فإنه يمكن القول إن قمة الكويت ستكون الفرصة الأخيرة للقادة العرب لمعالجة القضايا الشائكة، أو على الأقل منع تدهور العلاقات ووصولها إلى نقطة اللاعودة لأن فشلها، لا سمح الله، سيعني دق المسمار الأخير في العمل العربي المشترك، كما سيؤدي الى نهاية القمم العربية ودفن ما بقي من التضامن ومعه النظام العربي وجامعة الدول العربية التي زعزعت أركانها الهزات، وشلّت دورها وخيبت الآمال بتصحيح مسيرتها.
وتعليق الآمال على المبادرة الكويتية ناجم عن تجارب الماضي والرغبة في تحقيق إنجاز ما بعد نجاحات سابقة في العام الماضي من خلال القمة العربية الأفريقية وقمة مجلس التعاون الخليجي التي سرت شائعات خلال أيام انعقادها بأنها ستفشل بسبب خلافات حول قضايا شائكة، مثل مشروع الاتحاد الخليجي والدفاع المشترك والملف الإيراني، لكنها انتهت بنجاح وتم الاتفاق على حصر الخلافات واعتماد خطوات عملية لدرس التفاصيل بروية.
لكن هذه القمة العربية، إذا ما عقدت وفق ما هو مقرر، تختلف عن غيرها من حيث الظروف والتعقيدات، فالمشهد اليوم قاتم ومظلم والأحداث التي يعيش فيها معظم الدول العربية صعبة ومرعبة وتمر بحال غليان لا يبدو في نهاية نفقه أي شعاع أمل بفتوره أو بالفرج القريب، كما أن معظم القيادات التي ستحضر المؤتمر أو من يمثلها تمثل مرحلة انتقالية، لأنها لن تستمر في مواقعها سوى أشهر قليلة أو ربما أسابيع ولا يعرف احد من سيخلفها ولا كيف ومتى؟!
والبداية من مصر، التي تعيش إرهاصات المرحلة الانتقالية بعد سنتين من الفوضى والاضطرابات والأعمال الإرهابية، وهي الآن بصدد استكمال تنفيذ ما تبقى من «خريطة طريق» الإنقاذ التي بدأت في 30 حزيران الماضي، يوم الزحف الشعبي المليوني الذي أزاح حكم «الإخوان المسلمين» وعلى رأسهم الرئيس المعزول محمد مرسي، وأقام مجلساً مؤقتاً أنجز إعداد الدستور الجديد ويجري العمل الآن على تنفيذ المراحل التالية التي تبدأ بانتخابات الرئاسة وتستكمل بانتخابات مجلس الشعب على أمل وضع مصر على طريق الاستقرار والأمن والأمان.
والرئيس عدلي منصور، إن حضر، لن يستمر في منصبه سوى أسابيع، إذ سيتم انتخاب رئيس جديد من الأرجح أن يكون المشير عبد الفتاح السيسي.
أما في سورية، فالوضع أكثر تعقيداً، فهو مستمر في الضياع بعد 3 سنوات من الحرب من دون أن تلوح في الأفق بادرة أمل بالحل بعد فشل مؤتمر جنيف 2. كما أن سورية مقاطعة وغير مدعوة للقمة بقرار اتخذ في بداية الحرب، علماً بأن ولاية الرئيس بشار الأسد الثانية تنتهي في الصيف المقبل ولم يعرف بعد ما إذا كان سيرشح نفسه لولاية ثالثة على رغم عدم استبعاده الأمر.
وفي لبنان الوضع مماثل، اضطراب وعمليات إرهابية وخلل في التركيبة رغم تجدد الآمال الخافتة بحلول موقتة مع تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس تمام سلام، إلا أنها بدورها حكومة موقتة في فترة انتقالية مقدر لها ألاّ تستمر أكثر من شهرين في حال انتخاب رئيس جديد أو أن تتولى صلاحيات الرئيس في حال الفشل. وهذا يعني أن الرئيس ميشال سليمان سيحضر آخر قمة عربية له إذ إنه سيغادر قصر بعبدا بعد شهرين من انعقادها في أيار المقبل بسبب انتهاء ولايته (إلا إذا حدثت مفاجأة التمديد له لفترة قصيرة).
والعراق بدوره يعيش حالة مشابهة، اضطرابات وحروب وإرهاب واتجاهات انفصالية لتقسيم البلاد ونزاعات مذهبية في مرحلة انتقالية أيضاً بانتظار الانتخابات القادمة التي ستحدد المصير والمسار، مع العلم أن الرئيس العراقي جلال طالباني لن يحضر القمة بسبب ظروفه الصحية.
وفي ليبيا أيضاً، ضياع بين الرئيس والمرؤوس، وبين المجلس الحاكم وكتائب الثوار، وبين كتائب الثوار نفسها، التي تفتح كل واحدة منها على حسابها وفق انتماءاتها القبلية والمناطقية، وبانتظار حسم المواجهات لا يُعرف من سيمثل البلاد في القمة،وما هي قدراته على اتخاذ أي قرار ولا من سيبقى ومن سيرحل بعد إجراء انتخابات المجلس التأسيسي لوضع دستور ليبيا الجديد.
والأمر نفسه ينطبق على تونس التي ستشهد انتخابات عامة قريباً، وبالتالي فإن الرئيس الذي سيحضر، أو من سيمثله، سيكون «حالة مؤقتة» لا حول له ولا قوة. وهذا ينطبق أيضاً على اليمن الذي يشهد نزاعات وحروباً متعددة الأسباب والموت واحد بين النزعات الانفصالية والمعارك المذهبية بين الحوثيين والقبائل وعمليات إرهابية لـ «القاعدة» وغيرها واحتجاجات على الوضع المعيشي والأمني المتدهور. ولهذا، فإن الرئيس عبد ربه منصور هادي هو نفسه حالة موقتة كحال اليمن بانتظار حسم مسألة الفيديرالية ومطالب الحراك الجنوبي تمهيداً لإجراء انتخابات عامة.
أما الجزائر، فان انتخابات الرئاسة على الأبواب، والظاهر أن الرئيس الحالي المزمن عبد العزيز بوتفليقة مصر على الترشح لولاية جديدة، ويرشحه المراقبون للفوز، إلا أن من المرجح ألاّ يحضر القمة بسبب وضعه الصحي الحرج، وهو ما ينطبق على رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، الذي تعرض أخيراً لوعكة صحية مما يرجح عدم حضوره القمة.
أما السودان، فيعيش حالة ضياع بعد انفصال الجنوب، والرئيس عمر البشير مطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بسبب مذابح دارفور، ولم يعرف ما اذا كان سيتمكن من الحضور أم لا، وهل هذا الحضور سيحرج الدولة المضيفة والقمة نفسها، كما لم يعرف ما إذا كان الجنوب سيدعى للانضمام للجامعة أم سيعتبر دولة غير عربية.
باختصار وبأسف، فإن معظم الدول العربية يعيش مرحلة انتقالية حرجة ومحكومة برؤساء موقتين، ما يعني حتماً عدم القدرة على التقرير، أو على الأقل إلزام بلادهم بأي قرار. والأهم من كل ذلك أن قائمة الخلافات والتعقيدات طويلة ومتشعبة، فدول مجلس التعاون الخليجي على خلاف مع سورية وصل الى درجة القطيعة، والعلاقات داخل دول المجلس تشوبها حساسيات وخلافات مكبوتة لا سيما بين قطر والدول الاخرى بسبب موقفها من أحداث مصر ووقوفها إلى جانب «الإخوان المسلمين» ضد النظام الحالي ورئيسه المنتظر، وهذا ينعكس على العلاقات بين مصر وقطر، التي وصلت الى حد القطيعة، والعلاقة بين الجزائر والمغرب متوترة.
وهذا غيض من فيض الواقع العربي المزري، حيث تنعقد القمة في ظل ظروف صعبة إضافة إلى ملفات شائكة مثل العلاقات مع ايران بعد الاتفاق الدولي على حل مسألة ملفها النووي واستمرار إيران في محاولة لعب دور شرطي المنطقة والتدخل في عدد من الدول العربية، وسط بروز تيار يدعو للاعتدال بقيادة الرئيس حسن روحاني في مقابل تيار متشدد يقوده الحرس الثوري.
كل هذه العوامل تدعو الى عدم توقع الكثير، إلا إذا كان مجرد انعقاد القمة يعتبر إنجازاً في ظل حالة التفتت والتباعد أو إذا استطاع رئيس القمة تدوير الزوايا وحصر الخلافات ورسم خريطة طريق عملية لمعالجة القضايا الشائكة، وهي كثيرة، من بينها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في عدد من الدول العربية، ووسائل التصدي للإرهاب المتفشي، إضافة إلى الأمل بمبادرة مماثلة لتلك التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز في قمة سابقة لوضع مصالح الأمة والشعوب فوق كل اعتبار والعمل على رأب الصدع والتركيز على دعم الشعب الفلسطيني لأن المستفيد الوحيد من الخلافات العربية والأوضاع الراهنة هو إسرائيل.
وبانتظار انعقاد القمة العربية بمن حضر، إن لم تحكم الظروف بتأجيلها، يبقى الأمل قائماً بالفرج مع عدم استبعاد حدوث تطورات وأحداث تؤثر في مجرياتها سلباً او إيجاباً... والله اعلم.
42 إشارة (X) على أخمص البندقية؟
بقلم: حسن البطل – الايام
مرّت على الفلسطينيين، منذ مباشرة التفاوض المتجدّد، "أيام دم" وضحايا، لكن ندر أن تسقط ضحيتان بالرصاص في يوم واحد، ومكانين مختلفين من البلاد، كما حصل بالأمس في ضواحي قرية بيتين، شمال رام الله، وعلى جسر "معبر الكرامة".. الحبل السرّي بين فلسطين والأردن.
أيام الأسابيع الفلسطينية ملأى بمظاهرات "المقاومة السلمية" وتحمي سلميتها، غالباً، عدسات المصوّرين، وهؤلاء لم يتواجدوا في حادثي قتل منفصلين في مكانين مختلفين.
مع استشهاد الشاب ساجي صايل درويش، من قرية بيتين (20 عاماً) والرجل ـ القاضي رائد زعيتر (38 عاماً) على معبر الكرامة، يرتفع عدد الضحايا الفلسطينيين، منذ تجدّد المفاوضات الحالية، إلى 42 ضحية.
غالباً، هناك روايتان: فلسطينية وإسرائيلية لمعظم حوادث القتل هذه، والأغلب أن الرواية الإسرائيلية ملفّقة أو محرّفة، أو قتل لمجرد الاشتباه بأن ساجي اقترب من سياج بؤرة "غفعات أساف"، ربما مع عصاه التي توهّموا أنها بندقية أو فأس أو سلاح ما، بينما كان في طريقه إلى حظيرة أغنام عائلية قريبة، ربما، من سياج البؤرة.
ألا يمكن، في حادثة القتل هذه وما شابهها من حوادث، تنفيذ إجراء "اعتقال مشبوه" أو إطلاق نار تحذيري، ثم على أطراف المشبوه السفلى لشلّه.. هذا، علماً أن الادعاء الإسرائيلي لم يبرز مع جثة الضحية سلاحاً، وما يشبه السلاح؟
هل صار بكل مستوطنة وبؤرة "مجال حيوي" لنيران قاتلة (مئات الأمتار في غزة تلتهم 30% من أراضيها الزراعية)، أو سياج من الرصاص يحمي سياجاً أمنياً؟
أقبح ما قرأت في مصدر إسرائيلي ما، أن البندقية التي تسلب الضحية الفلسطينية حياتها يتم تعليمها بيد الجندي القاتل على أخمصها (كعبها) بحفر إشارة (X) بسونكي القاتل أو بسلاحه الأبيض.. وعندما يستلم جندي آخر البندقية يراوده إغراء بوضع "توقيعه" هو الآخر إلى جانب إشارة (X).. وهلمّ جرّا؟
الرواية الإسرائيلية لحادث القتل الثاني، على "معبر الكرامة" الصارم أمنياً أن ملاسنة تحوّلت مدافشة وشجاراً، وهذا تحوّل إلى محاولة "خطف" سلاح الجندي.
أي عاقل يدخل في رأسه محاولة اختطاف سلاح في منطقة عسكرية تحت سيطرة تامة وصارمة، أو أن المدافشة وضعت يد الضحية عفوياً على جسم الجندي أو سلاحه؟
الضحية ليس شاباً مندفعاً، بل رجل قانون، بل وقاض في محكمة صلح أردنية، عبر الجسر لرؤية عائلته بعد غياب طال، تاركاً أسرته الصغيرة وطفله المريض في عمّان.
من بين الضحايا الـ 42 حالات قليلة استشهد أصحابها على سلاحهم دفاعاً عن أرواحهم إزاء قوة حصار كبيرة ومدججة ومدرعة عملت ضدهم، بهدوء ساعات طويلة، وفي معظمها غابت عنها إجراءات "اعتقال مشبوه" بدلاً من تصفيته!
كأن وتيرة القتل أكثر من مُضمرة، بل مقصودة، لتحويل مظاهرات الاحتجاج الشعبي السلمية المتزايدة يومياً إلى هيجان شعبي عنيف، وتحويل "شرر" حوادث القتل إلى حريق انتفاضة ثالثة، عامة ومسلحة، للتملص من خيار المفاوضات إلى خيار الانتفاضة.
.. وفي النتيجة؟ عقوبة الموت قتلاً بتهمة "الشبهة"، تليها محاكمات غالباً ما تُثني على الرواية العسكرية، ونادراً ما تصدر أحكاماً عقابية خفيفة، بعد محاكمات مطوّلة، كما في المحاكمة الشهيرة لجندي في قطاع غزة ظنّ تلميذة صغيرة بين تلال الرمال "متسلّلة" .. ثم نفذ في جسدها، عن قرب، صلية رصاص لـ "التحقق من القتل".. وكانت تحمل حقيبتها المدرسية.
غروب "معاريف"
توقّفت يومية "معاريف ـ المساء" عن الصدور، ولعلّها أقل الصحف اليومية الإسرائيلية انتشاراً بعد تصدّر "إسرائيل هيوم" اليمينية "المجانيّة"، المقرّبة من نتنياهو، ومنافستها "يديعوت أحرونوت" الليبرالية ـ اليمينية و"هآرتس" الليبرالية ـ اليسارية (في المعايير الإسرائيلية).
الأسباب المعلنة للاحتجاب مالية لصحيفة نسبة توزيعها لا تتعدّى الـ 6% من توزيع الصحف، دون أن نعرف هل ستتحول إلى صحيفة إلكترونية، أم تختفي كما اختفت من قبلها صحف إسرائيلية، بعضها كان في صدارة الانتشار.
في يفاعتي كنت أسمع من "صوت إسرائيل" بالعربية وعناوين صحيفة "هبوكر ـ الصباح" و"هموديع" وفي شبابي عن صحيفة "هتسوفيه" الدينية، وفي رجولتي عن "دافار" الهستدروتية (لا أنسى سخرية محرّرتها حنّا زيغر).. وأيضاً، صحيفة "هعولام هزيه ـ هذا العالم" اليسارية لمحرّرها اوري أفنيري،عضو الكنيست ـ سابقاً، والأكثر نقداً وعمقاً لسياسة إسرائيل من الصحافيين في "هآرتس" دافيد ليفي وعميره هس.
أزمة الصحف الورقية ظاهرة عالمية طاولت حتى "لايف" ثم "نيوزويك" المحتجبة، والعائدة جزئياً من إلكترونية إلى ورقية، والباحثة عن شريك ناشر.
.. لكنها في إسرائيل لها أسباب أخرى، أهمها سيطرة "المال" على "الرأي" واتجاه المجتمع العام نحو اليمين أكثر فأكثر.. وضيق هامش الديمقراطية اليهودية منذ أوسلو وتشكيل السلطة الفلسطينية!
فلسطين والفلسطينيون يدفعون إسرائيل، شيئاً فشيئاً، نحو الفاشية والعنصرية.
السحر ينقلب على الساحر.. و" ليبرمان" يوحّد العرب؟!
بقلم: هاني حبيب – الايام
ها هو العام الأول على حكومة نتنياهو، الحكومة الإسرائيلية الثالثة والثلاثين، ينقضي، تزايدت فيه شعبية رئيس الحكومة مع أن الإسرائيليين لم يشعروا بأي تحسن يذكر على مستوى معيشتهم، سرّ ذلك، حسب تقييم بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن نتنياهو نجح "كساحر" في إضعاف أي بديل محتمل له من ناحية، والهدوء الأمني النسبي الذي لازم العام المنقضي من ولايته، النجاح الأكيد لهذا الساحر أنه ظل يفاوض الجانب الفلسطيني من دون تحقيق أي تقدم، وبمعايير الحكومة الإسرائيلية، فإن ذلك يعتبر نجاحاً حقيقياً باعتبار المفاوضات دون نتيجة هو هدف لهذه الحكومة.. وهو ما حقق نجاحاً آخر، فقد حافظ "الساحر" على حكومته باقية بفضل قدرته على السحر، ذلك أن هذه الحكومة المتعارضة بين ممثليها إلى حدود لا يمكن التوفيق فيما بينهم، في الوقت الذي قاد نتنياهو هذه الحكومة المتعارضة بنجاح مخلفاً وراءه كل العقبات والإشكالات التي ما كان أي رئيس حكومة ينجو منها!!
مؤخراً، تقدمت ثلاثة أحزاب في حكومة نتنياهو، بثلاثة مشاريع قوانين إلى الكنيست، لم يكن بالإمكان أن ينال أي واحد منها مصادقة الكنيست عليه، فقد تقدم حزب "إسرائيل بيتنا" بقانون "الحوكمة" لرفع نسبة الحسم في الانتخابات العامة من 2 في المئة إلى 3,25 بالمئة، والمقصود هنا، الأحزاب العربية حتى لا تصل إلى الكنيست. أما حزب "يش عتيد" فقد تقدم باقتراح قانون "المساواة في تحمل العبء" بهدف إلزام المتدينين ودارسي التوراة من "الحريديم" إلى الجيش بعدما كانوا معفَون من ذلك، أما مشروع القانون الثالث فقد تقدم به حزب "البيت اليهودي" تحت مسمى الاستفتاء الشعبي، والمقصود منه أن يتم عرض أي اتفاق مع الفلسطينيين على الاستفتاء الشعبي، إذا لم يتمكن هذا الاتفاق من التصديق عليه في الكنيست بأصوات 80 من أعضائه!
لكل مشروع قانون من هذه القوانين، مؤيدوه ومعارضوه داخل الحكومة وفي إطار المعارضة، ولم يكن بالإمكان التصديق وتمرير أي من هذه القوانين إلا بمعجزة، لكن قدرة "الساحر" تجلت في تعويذة، بإمكانها فعلاً أن تمرر هذه القوانين ببساطة في الكنيست، فقد قرر الساحر، أن يتم مناقشة وتمرير هذه المشاريع كوحدة واحدة، ملزماً أعضاء حكومته، بصرف النظر عن توجهاتهم الحزبية التصويت لصالح "مجموعة المشاريع دفعة واحدة، بصرف النظر عن موقفهم وموقف أحزابهم من مشروع أو أكثر من بين المشاريع الثلاثة".
وبالفعل نجحت تعويذة "الساحر"، فقد اضطرت قوى المعارضة على اختلاف أحزابها ومواقفها إلى أن تتخذ قراراً بعدم المشاركة في التصويت، وأثناء التصويت على المشروع الأول حول رفع نسبة الحسم، يوم أمس، اجتمعت أحزاب المعارضة في قاعة مجاورة لقاعة الكنيست بينما حاز المشروع على "إجماع" الحضور وعددهم 67 صوتاً، هي أصوات أحزاب الحكومة، رغم أن بعضاً من هذه الأحزاب ضد المشروع، إلاّ أن التصويت لصالح المشاريع التي يؤيدونها هي ثمن هذه المبايعة لمشروع قانون لا يحظى بتأييدهم!! ذلك أنه من المقرر أن يتم خلال يومي الأربعاء والخميس، اليوم وغداً، التصويت كل يوم على مشروع آخر لإقراره، علماً أن الكنيست لا تجتمع يوم الخميس عادة، إلاّ أن هذه المرة، فإن أحكام التعويذة تفعل فعلها في تغيير العادات المتبعة.. إنها قوة السحر الذي يتحلى بها ساحر إسرائيل نتنياهو!
ومع أن كافة مشاريع القوانين الثلاثة، تمسّ مباشرة بالفلسطينيين داخل "الخط الأخضر" وخارجه، إلاّ أن قانون "نسبة الحسم" هو الأكثر خطورة، على الأقل عندما اعتبر أفيغدور ليبرمان، الذي تقدم بهذا المشروع، ان الهدف من ورائه هو عدم تمكين الأحزاب العربية من الوصول إلى البرلمان، وهو يراهن بذلك على أن تجربة هذه الأحزاب لدى كافة الانتخابات العامة، تشير إلى أن كل حزب يفضل خوض التجربة الانتخابية وحيداً أو من خلال ائتلاف ضعيف، وبالتالي فإن إمكانية هذه الأحزاب المشاركة في الانتخابات التشريعية القادمة موحدة هو احتمال ضعيف، لذلك، فإن ليبرمان، مع رفع نسبة الحسم، يراهن على عدم وصول أي عربي إلى قبة البرلمان الإسرائيلي.
إلاّ أن الأحزاب العربية، خاصة تلك الممثلة في الكنيست الحالية، وتعبيراً عن نيتها في توجيه صدمة إلى رهان ليبرمان، فإنها أشارت إلى أنها ستخوض الانتخابات العامة القادمة موحدة، وقد بدأت بالفعل باتخاذ خطوات أولية استعداداً لمعركة الانتخابات التشريعية القادمة، وفي حال تم ذلك فعلاً، فعلى الأرجح فإن العرب سيحصلون على 15 مقعداً، مع أنهم يمثلون عشرين بالمئة من عدد الناخبين، ولعلهم، في هذه الحال، سيصبحون أكثر قوة داخل صنع القرار التشريعي والحكومي، باعتبارهم "بيضة القبّان" وبحيث يصبح تأييدهم، أو رفضهم لأي مشروع قرار أو قانون، مصيرياً بالنسبة لصناعة القرار الإسرائيلي، وهكذا يمكن أن يشكل ليبرمان الأداة التي أجبرت الأحزاب العربية على التوحد، بدلاً من تجاهل هذه الأحزاب في الماضي دعوات الوحدة من قبل الجماهير العربية في مناطق 1948، ولعلّ في ذلك تحقيقاً لمقولة تقول إن "أغرب الحقائق قد لا تنسجم مع المنطق"!!
تصعيد دموي إسرائيلي: رغبة جامحة في العنف
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
شهدت الفترة الماضية وخاصة الأيام الثلاثة الأخيرة تصعيدأ دموياً إسرائيلياً واضحاً لا يمكن أن يكون مصادفة، فجرائم القتل التي ارتكبها الاحتلال خلالها كانت بدون شك تعبيراً عن قرار إسرائيلي على أعلى مستوى وهو على الأغلب قرار وزير الحرب المتطرف موشي يعلون الذي أصبحت أسمى أمانيه القضاء على المفاوضات ووقفها بصورة تامة، فهو لم يخف معارضته الجامحة للمفاوضات وللمواقف التي طرحها وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي وصفه يعلون بالمهووس والمسيحاني.
وموقف يعلون من المفاوضات هو نفس موقف رئيس حكومته بنيامين نتنياهو الذي يعبر يعلون عن موقفه بصورة فظة، بل إن يعلون قال ما كان يفكر فيه نتنياهو ولم يجرؤ على قوله.
هذا القتل الذي تمارسه إسرائيل في مختلف مناطق الضفة والقطاع والمبالغ فيه جداً يهدف إلى جر الفلسطينيين إلى مواقف متطرفة أو إلى استدعاء موجة من العنف تؤدي إلى الفوضى وإلى نتائج كارثية تتوقف نتيجة لها العملية السياسية برمتها وتطلق يد إسرائيل لتدمير كل شيء وإعادة الوضع إلى الوراء سنوات طويلة، وهذا يحقق لإسرائيل، التي لا يبدو أن يعلون أكثر وزراء حكومتها تطرفاً ودموية، التهرب من استحقاقات العملية السياسية ومحاولة إلقاء اللوم على الجانب الفلسطيني وتحميله المسؤولية عن الفشل في تحقيق اي اختراق سياسي حقيقي، والأهم من ذلك منح حكومة المستوطنين فترة إضافية لاستكمال مشاريع البناء الاستيطاني المخططة التي تقضي تماماً على فرص التسوية السياسية القائمة على حل الدولتين.
تدرك الحكومة الإسرائيلية أنها على أبواب أزمة مع المجتمع الدولي عنوانها افشال العملية السياسية بسبب الإصرار على مواصلة الاستيطان وعدم الرغبة في التوصل إلى حل سياسي على أساس قواعد ومبادئ الشرعية الدولية والمرجعيات المتفق عليها لعملية السلام.
وتعرف حكومة نتنياهو- يعلون- بينيت أن العالم لن يقف مكتوف الأيدي أمام السياسة التي ستكون السبب في فشل الجهود الأميركية التي يظهر أنها على أعتاب الفشل الذريع. وسوف تكون هناك تبعات لهذا الإفشال الإسرائيلي لآخر فرصة أمام مفاوضات على الطريقة الأميركية، وأن ما حصل مع جنوب إفريقيا في زمن حكم الأبرتهايد سيتكرر مع إسرائيل، فما بدأ كخطوات لمقاطعة المستوطنات يتواصل ويمتد لمقاطعة أوسع وأعمق، وحتى الدول الصديقة لإسرائيل والتي وقفت معها في محطات عديدة وجدت نفسها في وضع لا تستطيع أن تكون خارج الإجماع الأوروبي والدولي، حتى الرئيس باراك أوباما حذر إسرائيل بصورة واضحة في مقابلته الشهيرة مع الصحافي جفري غولدبرغ من أن الولايات المتحدة لن يكون بمقدورها منع التداعيات الدولية التي تترتب على استمرار الاحتلال والاستيطان.
إذن، لا بد لحكومة إسرائيل أن تقلب الطاولة وتخلط الأوراق حتى تؤجل ما يمكن أن ينتظرها على المدى المنظور إلى سنوات قادمة تمنحها برهة من الزمن لإكمال مخططاتها، وعلى ما يبدو فالخيار الإسرائيلي المفضل في هذه المرحلة هو دفع الفلسطينيين إلى الرد على الجرائم الإسرائيلية بصورة عنيفة ترد عليها إسرائيل بعنف أشد حتى تصل الأمور إلى المواجهة الشاملة التي تنهار فيها السلطة الوطنية وتصبح الفوضى سيدة الموقف، ولهذا نجد هذه الجرائم المتكررة يومياً بدون مبرر.
وإذا كان هذا هو الواقع فما الذي يمكن فعله لمنع جرائم الاحتلال وأيضاً لحث عملية العزلة الدولية والضغوط المتراكمة على إسرائيل؟
التهديد بالرد على إسرائيل عبر عملية قصف أو عملية تفجير هنا وهناك يريح إسرائيل كثيراً، ويدفع الأمور نحو المربع الذي تريد إسرائيل جرنا إليه وهو مربع العنف الذي تتفوق فيه إسرائيل، وبإمكانها جعلنا نخسر على أكثر من مستوى سواء الخسائر البشرية والمادية أم السياسية.
ولكن لا بد من رد فلسطيني سياسي محنك عكس ما تريده إسرائيل تماماً، وسلاحنا الأهم في مواجهة إسرائيل هو المجتمع الدولي، ولدينا أوراق قوة كثيرة، فالأمم المتحدة ومؤسساتها الحقوقية مفتوحة أمامنا لكي نشكو إسرائيل، ولدينا مجلس الأمن والجمعية العامة، ولدينا كذلك سلاح المقاطعة المبني على جهود منظمات المجتمع المدني الأوروبي والفلسطيني وبعض المؤسسات الإسرائيلية، ولتكن هناك حملة فلسطينية واسعة لفضح الممارسات الاحتلالية وجرائم جيش الاحتلال والمستوطنين بالاستعانة بالشركاء الإسرائيليين والأوروبيين ومنظمات المجتمع المدني في كل القارات.
ولدينا كذلك سلاح المفاوضات الذي يجب أن نحسن استخدامه دون التسرع والوصول لاستنتاجات خاطئة مبكرة، فعلى الأقل يجب توجيه رسالة للأميركان نحذر فيها من عدم قدرتنا على مواصلة التفاوض المتوقف فعلياً في ظل السياسة الإسرائيلية الدموية الحالية.
وإذا كانت الولايات المتحدة بحاجة لاستمرار المفاوضات لسبب أو لآخر يجب أن يكون هناك ثمن مقابل منح واشنطن هذا الامتياز لأن المفاوضات أصبحت بلا طائل منذ فترة ولا يوجد أي سبب للتفكير بإمكانية حدوث أي تقدم أو اختراق جدي في العملية التي تقودها واشنطن، وإسرائيل هي من يجب أن يدفع مقابل استمرارنا في هذه اللعبة.
وما نقل عن الرئيس أبو مازن بأن تمديد المفاوضات يجب أن يكون مقابل تجميد الاستيطان بشكل كامل وإطلاق سراح المزيد من الأسرى هو موقف صحيح وعاقل، ولكن يجب أن يضاف عليه توسيع مناطق(أ) واستغلال المناطق المصنفة(ج) التي لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية لتنفيذ مشاريع اقتصادية كبرى، والحصول على جمع شمل وعودة أعداد كبيرة من الفلسطينيين في الخارج وخاصة الذين يتعرضون لمذابح وحياتهم مهددة بالخطر وأشياء أخرى تجعل استكمال المفاوضات حتى بالرغم من القناعة بأنها لن تكون ناجحة مفيداً في تحقيق بعض الإنجازات، وتصبح عملية إضاعة الوقت التي تراهن عليها إسرائيل سلاحاً ضدها في انتظار حصول تطورات إقليمية ودولية تغير من موازين القوى القائمة وتدخل عوامل جديدة فيها، وهكذا نفوت على إسرائيل فرصة إدخالنا في دوامة عنف نخسر فيها الكثير.
حول جديد علاقة السعودية بـ"الإخوان"
بقلم: علي جرادات – الايام
قرار النظام السعودي وضع جماعة "الإخوان المسلمين" على لائحة "التنظيمات الإرهابية" حدث سياسي نوعي ينطوي على تداعيات وتأثيرات بعيدة المدى تجعل ما بعده غير ما قبله في علاقة الطرفين بما لكل منهما من نفوذ وتحالفات عربية وإقليمية ودولية. لماذا؟ نحن أمام انقلاب حاد وكامل في موقف أكبر وأقدم وأغنى "أنظمة الإسلام السياسي" العائلية العربية تجاه أكبر وأقدم "تنظيمات الإسلام الحزبي" في الوطن العربي. بل نحن أمام بداية صراع غير مسبوق بين طرفين طالما استفادا من بعضهما البعض بالمعنى الشامل للكلمة في مواجهتهما المشتركة لمدة قرنٍ مع الأنظمة والمعارضات السياسية العربية الوطنية والقومية واليسارية، فالنظام الوهابي السعودي هو من احتضن جماعة "الإخوان" منذ تسلمه للحكم في العام 1928 حيث طرد "أشراف الهاشميين"، بل هو من منع بصورة أساسية تآكل الجماعة وأمدها بكل سبل الاستمرار والقوة في كل محطات تعرضها لضربات مميتة في دول عربية مركزية أخرى. ويكفي الإشارة إلى أن السعودية كانت الدولة التي لجأت الجماعة إليها سواء في فترة صدامها الدموي مع النظام القومي الناصري المصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي أو في فترة صدامها الأشد دموية مع النظام القومي البعثي السوري في نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي أو في فترة إعادة الجماعة إلى المشهد السياسي والمجتمعي المصري بوساطة من النظام السعودي لدى نظام السادات الذي انقلب على الانجازات والمكتسبات الوطنية والقومية والاجتماعية لثورة 23 يوليو 1952 الناصرية.
لذلك فإن من الطبيعي والمنطقي القول إن موقف النظام السعودي الجديد من جماعة "الإخوان المسلمين" يشكل أحد أشد الضربات التي تلقتها الجماعة منذ تأسيسها قبل ثمانين عاماً، بل هي ضربة قاتلة ستحدد إلى درجة كبيرة دور ومكانة ومستقبل ومصير الجماعة وفروع تنظيمها عربياً وإقليمياً ودولياً، خاصة وأن الاستدارة السياسية الكاملة في موقف النظام السعودي من الجماعة تأتي متزامنة ومترابطة مع ما تواجهه الجماعة من تداعيات وتبعات زلزال إطاحة سلطتها وتصنيفها "منظمة إرهابية" في مصر الدولة العربية المركزية بلا منازع، ومع ما تواجهه داخل سورية من حرب ضروس حيث يضعها النظام السوري منذ زمن على لائحة "التنظيمات الإرهابية"، ما يعني أن الجماعة صارت في عداد "التنظيمات الإرهابية" في كل من مصر وسورية والسعودية أي في مراكز القوة العربية الثلاثة الأساسية التي تشكل مواقفها بوصلة لمواقف الأعم الأغلب من الدول العربية، وهذا واضح في مواقف كل من دولة الإمارات العربية والبحرين والأردن وموريتانيا والجزائر، بينما لا نظن أن دولاً مثل إمارة الكويت وسلطنة عمان ولبنان ستتبنى موقفاً مغايراً لموقف السعودية رغم ما تبديه من موقف محايد حتى الآن، هذا بينما لن يكون الموقف الرسمي لكل من اليمن والمغرب وليبيا وتونس منحازاً للجماعة رغم مشاركة فروعها في الائتلافات الحاكمة فيها. أما السودان وقطر الدولتان العربيتان الداعمتان بقوة للجماعة فستكونان في حالة تغريد خارج السرب الرسمي العربي، يشي بذلك قرار كل من السعودية ودولة الإمارات العربية والبحرين سحب سفراءها من دولة قطر بينما يشكل تبنيها للجماعة واحداً من أسباب هذا القرار-الحدث- غير المسبوق. هذا ناهيك عن أن القرار السعودي قد جاء في ظل ما تعانيه الجماعة من عزلة سياسية وشعبية ومجتمعية عربية آخذة في الاتساع منذ إطاحة سلطتها في مصر على يد الموجة الثانية لثورة 25 يناير بسبب فقر سياستها الاجتماعية وتغليبها للأيديولوجي على الوطني والقومي، بل أيضاً بسبب تزايد دوائر القناعة بأن الجماعة ركبت موجة الانتفاضات الشعبية العربية للتفرد بالسلطة، وبأنها لم تتورع عن الاتكاء على التدخلات الغربية والأميركية خصوصاً الهادفة لاحتواء هذه الانتفاضات وتقزيم مطالبها وحرف بوصلتها عن أهدافها الحقيقية، ما يعني أن الجماعة بفروعها كافة صارت في مواجهة شاملة مع أغلب وأقوى الأنظمة الرسمية العربية بينما تشهد شعبيتها وعلاقتها ببقية ألوان المعارضات السياسية العربية حالة تراجع غير مسبوقة، هذا دون أن ننسى أن ما حظيت به الجماعة من تأييد شعبي وتعاطف سياسي من بقية المعارضات العربية كان الجدار الأهم الذي اتكأت عليه في مواجهة عمليات القمع الأمني الذي تعرضت له على يد هذا النظام الرسمي العربي أو ذاك في مراحل سابقة.
أما لماذا يتهدم هذا الجدار بتسارع وبصورة غير مسبوقة؟
هنا ثمة نتيجة طبيعية يفسرها مأثور القول: "على نفسها جنت براقش". فجماعة "الإخوان المسلمين" قبلت منذ تأسيسها أن تكون مجرد برغي في ماكينة أنظمة الرجعية العربية وخصوصاً الأنظمة الخليجية التي لن يفيد الجماعة اللعب على حبال تفجر تناقضاتها الداخلية وتحديداً على انفجار التناقض السعودي القطري. وهو التناقض الذي يبقى محكوماً بحرص جميع هذه الأنظمة على عدم تحويل الصراع داخلها إلى صراع بين السلطة والشعب بل الحفاظ عليه كصراع بين نسل العائلات الحاكمة التي يجمعها نظام حكم وراثي عائلي ونمط ثقافي تقليدي يربط بين الدين والقبيلة ونظام اقتصادي ريعي حيث تعيش كلها على الريع النفطي باستثناء البحرين التي تعيش على تأجير البلد للأسطول الخامس الأميركي والتحول إلى مركز للتبادل المالي، هذا ناهيك عما يجمعها من تبعية للسياسة الأميركية ودوران في فلكلها واطمئنان لحماية أساطيلها المتواجدة على أراضيها، ما يعني أن الاختلاف بينها لا يتعدى التباين في المساحة وعدد السكان حيث تشكل السعودية بمساحتها الواسعة وعدد سكانها الكبير، (نحو 30 مليونا)، المركز الذي تدور حوله بقية مشيخات وإمارات وسلطنات وممالك الخليج بوصفه الحكم الملكي العائلي الوراثي القديم والعريق القائم منذ العام 1928، ذلك لأن السعودية لم تخضع للاستعمار المباشر، بينما تشكلت بقية "دول" الخليج العربي كـ"محميات" لدول الاستعمار الغربي الذي انتهى شكلياً في سبعينيات القرن الماضي.
إن إدراك أمراء قطر وقيادة جماعة "الإخوان المسلمين" لمركزية دور السعودية هو ما يفسِّر هدوء ردودهما على قرار سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين من الدوحة، وعلى تصنيف الجماعة ضمن "التنظيمات الإرهابية". فكلاهما يدرك مغزى اصطفاف الإمارات والبحرين إلى جانب السعودية، ويدركان أيضاً أن الكويت لا يمكن أن تتجاوز الدور السعودي، ذلك أن وضعها الداخلي والسلفية الضاغطة يشغلانها، عدا ما في عنق أمرائها من دين للسعودية التي أعاد ملكها الأول عبد العزيز بن سعود في زمانه أمراء عائلة الصباح الكويتية إلى الحكم، بينما كان للسعودية الدور الأساس في إعادتهم للحكم بعد اجتياح الجيش العراقي للكويت عام 1990. هذا ناهيك عن أن أمراء قطر وقيادة جماعة "الإخوان المسلمين" يدركان أن إمارة دبي التي تحولت إلى مركز للتجارة العالمية في الشرق الأوسط غير مقتنعة بسياسة قطر واحتضانها لـ"الإخوان".
خلاصة القول: قيادة جماعة "الإخوان المسلمين" لن تذهب إلى التصعيد مع السعودية وستسعى إلى احتواء الأزمة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. فهي تعلم أن اختلاف تعامل قطر والسعودية معها يبقى في حدود توظيف الجماعة في إطار الحفاظ على نظام الحكم القائم فيهما، حتى وإن اختلف الشكل، ففي حين تريد العائلة المالكة في السعودية أن تنتدب شيخاً لطريقتها السلفية تريد العائلة الحاكمة في قطر أن تستخدم إحدى جماعات "الإسلام الحزبي" الجاهزة من على قاعدة " اشتر العبد ولا تربيه". وكل حديث خارج هذا السياق إنما يتغاضى بوعي أو بجهالة عن أن كل دول الخليج لغز على المستوى الداخلي. فهي ليست مجتمعا مدنيا وأحزابا حتى تتعرف عليها عبر إخضاعها لأدوات تحليل المجتمعات الحديثة، بل هي عائلات حاكمة تتحكم في توزيع الثروات وفق رغباتها بما يجعل التوزيع أعطيات والشعوب رعايا والحلفاء- خارج السيد الأميركي- عبيداً.
لكن تظهير وتصعيد السعودية وحلفائها الخليجيين لصراعها مع قطر وحليفتها جماعة "الإخوان المسلمين" يشي باقتراب ألسنة لهب الانتفاضات الشعبية العربية من منطقة الخليج، فهل في هذا التصعيد غير المسبوق في الصراع بين السعودية وقطر ما ينبئ بانطوائه على إمكانية فتح صراع بين الشعوب العربية الخليجية وأنظمة حكمها العتيقة؟.
تغريدة الصباح - اللي استحوا ماتوا
بقلم: يحيى يخلف – الحياة
صديقي الكاتب والدبلوماسي المتقاعد والمثقف الكبير عبد الفتاح القلقيلي (ابو نائل) يمتاز بالظرف وخفة الدم، وبقدر ما هو جاد في قراءاته، وفيما يكتب، فهو بالقدر نفسه يميل الى الفكاهة والسخرية، وأحياناً يمزج الجد بالهزل، وينقلك في حديثه العذب من حر الصيف الى برد الشتاء، ومن جفاف الخريف الى نسائم الربيع.
قارئ نهم، لا يصدر كتاب جديد الا ويسارع للحصول عليه، لا يضعه على رف مكتبته للزينة كما يفعل البعض، وانما يقرأه ويشبعه تأملاً وبحثاً في مضمونه ودلالاته. ولعله من اكثرنا قراءة، وأكثرنا متابعة لكل ما هو جديد، وان كان يبدو في حديثه وأمثاله وطرائفه التي يستمدها من حكايا الفلاحين وفولكلور الاجداد يبدو مثل الفلاح الفصيح، فهو يجمع بين الاصالة والمعاصرة، وبين القديم والجديد، وبين المحسوس والمجرد، لديه خلطة عجيبة من الجدية والسخرية يمكن ان تكون وصفة للمحزونين والفقراء والطفارى، ينتزع منك الابتسامة، اذ يوظف الطرفة ليشرح لك موقفا في غاية الجدية فتحسب انك امام ابن الريف الذي يتحلى بحكمة الاجداد. وعلى الرغم من عمق ومتانة ثقافته، تدهشك بساطته ودماثته، فهو ابن البلد الذي لم تغيره المناصب والمواقع، واذكر انني زرت الصين الشعبية عندما كنت في مرحلة الشباب المبكر عام 1971 مع وفد فلسطيني، وكان وقتها سفيرا لمنظمة التحرير هناك، اذكر انني وبعض اعضاء الوفد زرنا السفارة دون ان ندري ان ذلك اليوم عطلة رسمية، دخلنا السفارة فوجدنا (ابو نائل) وزوجته السيدة (ام نائل) منهمكين في مسح بلاط السفارة، وتنظيف الاثاث، وتلميع الزجاج.
كان نموذجا للمناضل الفتحاوي الذي ينتمي الى قيم الثورة، ويقدم نفسه نموذجا لدولة الصين التي كانت تمر آنذاك بما يسمى مرحلة الثورة الثقافية.
عبد الفتاح القلقيلي أدهش محمود درويش عندما كان درويش رئيسا لمركز الابحاث الفلسطيني، ورئيسا لتحرير مجلة شؤون فلسطينية، اذكر ان ابو نائل في جلسة جمعتنا بمحمود درويش اخذ يناقشه في محتوى ومقالات المجلة، ويبدي ملاحظاته استحسانا تارة واستهجانا تارة اخرى، بينما محمود صامت لا يتكلم، وعندما انهى ابو نائل كلامه قال له محمود: أنت أول وأصعب قارئ أقابله في حياتي وأنت أول وآخر من يقرأ مجلة شؤون فلسطينية من الغلاف الاول الى الغلاف الاخير.
كانت جلسة ممتعة لنا ولمحمود، ودائما جلسات (ابو نائل) ممتعة، وقد لا تتسع هذه الزاوية لمزيد من الحديث عن سجايا هذا الرجل الطيب، وأريد ان أنهي الحديث عنه، بطرفة حكاها لي عندما قال احدهم أمامه (اللي استحوا ماتوا)، وهذا مثل يضربه الناس للقول ان المحترمين في حياتنا يرحلون، او يضربونه لأشياء مشابهة. حكى ابو نائل قصة المثل باعتباره مفعماً برائحة وحكايا فلاحي بلادنا، قال شارحاً ان مجموعة من الرجال كانوا يستحمون في حمام بلدي، وفجأة حدث حريق هائل بالحمام، وكان على الرجال ان يهربوا من الحريق، وكان الموقف محرجاً، لان ملابسهم التهمها الحريق. لذا، فان بعضهم فر هارباً وهو عار كما ولدته أمه، اما الذين استحوا (خجلوا)، فقد فضلوا الموت على ان يخرجوا الى الشارع عراة، ومن هنا جاء المثل (اللي استحوا ماتوا).
اطلالة عربية - بين قوس القزح
بقلم: ابراهيم عبد المجيد – الحياة
من المشاهد التي مشت معي طوال عمري مشهد قوس قزح في الإسكندرية بعد أن ينتهي المطر وهو يمتد فوق البحر من الشرق الى الغرب بألوانه التي يظهر فيها الأحمر في الخارج ويتدرج الى الداخل بالبرتقالي فالأصفر فالأخضر فالأزرق فالازرق الغامق فالبنفسجي. تدرج الألوان واتساع الأفق وهياج البحر ورفق الشمس وصياد وحيد يجلس على الشاطئ شعور بالراحة وأن الدنيا بعد لم يملأها البشر بالشرور. بعدت عن الاسكندرية الآن أربعين سنة وكلما زرتها أحرص أن تكون زيارتي شتاء لأرى قوس القزح وأزيح الكرب عن نفسي بما حملت من تقلبات الوطن. اليوم هنا في القاهرة انفقت الوقت انشد الصفاء الذهني لساعات بعد ما أقرأ أو أرى من قرارات سياسية وافعال ليس هنا مجال الحديث عنها بعيدا عن الوطن فقرأت كتابا جميلا لفنان تشكيلي شاب وأديب هو حسن الحلوجي. الكتاب عنوانه «أخضر بحواجب» وهو كتاب عن الالوان. خبرته كفنان تشكيلي وقراءاته كأديب في التاريخ والسياسة والدين والحياة والمجتمع جعلت الألوان هي حياتنا الحقيقية. قلمه الرشيق ينثر الأفكار العلمية كما تنثر الماء في يوم حار وكل لون يتحول إلى حياة تجري أمامك بحزنها وفرحها. البنفسجي مثلا منطو على نفسه كزاهد رغم بعده عن الزهد وقربه من الاحتشام. محير في شجونه يبهج غيره ولا يبهج نفسه فلونه الذي يموج بين الأزرق البارد والاحمر الدافئ مثل البحر والنار تشعر فيه بدفء اللقاء إذا اقترب من الأحمر أو تحول إلى الجفاء إذا اقترب من الأزرق. وتلون الفتيات خدودهن وعيونهن بدرجات من هذا اللون فيكون الموف على وجنتي فتاة يبهجك باشراق لايخلو من دمعة وتهفو لمعانقة خدها الرقيق. والوردي تراه فكأنك تلمس بعينيك نعومته والبنات تكاد تحتكر الوردي ودرجاته حتى ان بطاقة تطعيم الطفلة لونها وردي. والأحمرنشيط لا يهدأ صاخب لايسكت مهووس بشهوة السيطرة وجذب الانظار فهو لون فانلة النادي الأهلي ومانشستر يونايتد وليفربول والأرسينال الخ. وهو لون حي من لحم ودم لون وثيق الصلة بك لأنه لون جدران الرحم من الداخل ولون الدم «اللي عمره ما يبقي مية» وشربات الفرح أحمر مبهج والمحب يشعر أن في قلبه حريقا وسيارات الإطفاء حمراء رغم انها كما يقول ساخرا لا تأتي سريعا وسيارات الصليب والهلال الاحمر تسعف جرحى الحروب والكوارث وأهم سلعة تهم المصريين هي اللحمة الحمراء، اللي سعرها نار والنار تنضج اللحمة مثلما ستنضج لحم حرامية البلد إن شاء الله، وأخطر عقاب دنيوي في مصر هو ارتداء البدلة الحمراء بدلة الاعدام والأحمر لون الثورة والتمرد وفاتح الشهية فهو لون مطاعم ماكدونالدز وهارديز وكنتاكي وينحاز الأحمر إلى الثراء والأبهة عند ذكر الياقوت والعقيق والمرجان لكنه لا ينسى أن ينظر بعين العطف للبطيخ وبشفقة لجنون الطماطم. رحلة بديعة عشتها ساعات مع كتاب رائع يبدو خفيفا لكنه عميق التأمل ومرجعية كاتبه الفنية والاجتماعية والأدبية والفلسفية مدهشة. رأيت قوس قزح يمتد أمامي والشمس حانية والفضاء واسع كأنني في مدينتي الاسكندرية. كتاب صغير لكنه فاتن للعقل والروح حقا. شكرا ياعزيزي حسن على هذه البهجة. * روائي مصري
لا خوف من لا
بقلم: عدلي صادق – الحياة
هناك من يميلون الى تشبيه المرحلة التي نمر بها اليوم، بتلك الفترة التي حملت مخاطر كبيرة في السنوات الأخيرة للرئيس الشهيد ياسر عرفات، ويتحسّبون من تكرار ما حدث، في حال قال الرئيس «أبو مازن» للأميركيين لا.
إن هذا تحليل خاطئ، لأن البيئة السياسية التي عمل فيها المحتلون على حصار الرئيس عرفات توطئة لتصفيته، هي غير البيئة الراهنة. الفارق الأهم بين البيئتين أن الأولى لعب فيها المحتلون بورقة الكفاح المسلح الذي يسمونه عنفاً أو إرهاباً، وأن الأطراف العربية، مع الأطراف الدولية، قاطعت الزعيم الفلسطيني. وعلى الرغم من ذلك، عندما كان شارون وموفاز يلوّحان بما سمياه فقدان عرفات للصلاحية، كانا حريصين مثلما نُقل عنهما بعدئذٍ، على ألا يترك المجرمون أثراً لجريمتهم. إن البيئة اليوم تختلف، والطرف الإسرائيلي يقترف جرائم إرهاب الدولة، مثلما فعل أمس في الضفة وفي غزة. وهذا الطرف، هو وحده المسؤول عن انسداد أفق التسوية، ولا عمل كفاحياً فلسطينياً بالنيران لكي يستغله لتمرير مواقف احتلاله واشتراطاته الظلامية. ثم إن مسؤولية الجانب الإسرائيلي عن فشل عملية التسوية، لم تعد تلتبس على الأطراف الدولية المتنفذة، وبالتالي إن موقف الإدارة الأميركية بات محرجاً، ونتنياهو هو المأزوم وهو الذي يأخذ إسرائيل الى العزلة الدولية. أما التهديدات بتصفية القيادة الفلسطينية، فإنها لا تتأسس على شيء يمكن أن يقبله العالم، ولا ينبغي أن نكترث لها.
موضع القوة في الموقف الفلسطيني، يكمن في تمسكه بمرجعيات عملية التسوية. أما الاشتراطات السخيفة، كضرورة الاعتراف الفلسطيني بـ «يهودية الدولة» فإنها تعكس أزمة الطرف الإسرائيلي وليس أزمتنا، لأن في معنى هذا الاشتراط، ما يخالف عناصر قيام الدول العصرية ووظائفها، وهو مخالف للإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ومثلما قلنا مراراً، ليس في وسع الدولة في الولايات المتحدة، أن تطلب من الأمم الأخرى اعترافاً بالتعريف الديني لها كدولة بروتستانتية. فالدول لكل مواطنيها، وعندما نرفض اعترافاً كهذا، لم يُطلب من شعب قبلنا؛ نتساوق مع قيم ومبادئ توافقت عليها الأمم، ويكون المحتلون هم الذين يعودون القهقرى بما وصلت اليه البشرية في صياغة وسبل وضمانات اجتماعها السياسي.
رحلة الرئيس «أبو مازن» الى الولايات المتحدة، ليست إلا مناسبة للتأكيد على شطط الأوساط الحاكمة في إسرائيل، وعلى أن طرحها غير المنطقي، وتمسكها باحتلال الأرض، لن يلقى منا قبولاً. كذلك فإن لقاء أوباما، هو مناسبة للتأكيد على أن السلطة، كإطار انتقالي في اتجاه بسط سيادة الدولة على أراضيها؛ لا يمكن أن تظل في هذا الوضع. بل إن كل يوم يمر، على إحباط بسط سيادة الدولة على أراضيها؛ يتهدد استقرار المنطقة، ويضر بالسلام العالمي، ويغذي التطرف، ويضرب في بُنية المنظومة الدولية على أصعدة القانون والأعراف والعلاقات بين الأمم!
وليس أدل على أن الطرف الإسرائيلي هو الذي يتعين عليه التزام جادة الصواب؛ من تلك المقاربات والتسريبات عن ما يُسمى «اتفاق إطار» ربما يطرحه الأميركيون كمخرج من المأزق. ففي كل ما ذُكر، من بنود وتفاصيل، يشملها هذا «الإطار» الوهمي؛ كان الغرض منه وضع قاعدة للتفاوض، وتخليق الانطباع لدينا بأنهم عازمون على التمسك بما يزيد عن نصف مساحة الضفة، بحيث يتبقى لنا 2000 كم مربع محاصرة أو بلا حدود مفتوحة (من 5800 كم المساحة الإجمالية) لكي نتفاوض لتحسين الشروط ورفع نسبة الأرض التي تُقام عليها الدولة الفلسطينية. وحتى في موضوع القدس، فإن مقاربات وتسريبات «الإطار» الوهمي تجعل العاصمة الفلسطينية المقترحة، في بيت حنينا، وليس في قلب القدس التاريخية. فضاحية بيت حنينا، كانت خارج إطار بلدية القدس ثم ضُمت الى المدينة فيما يسمونه حدود القدس الكبرى.
نحن لن نقبل الاعتراف بـ «يهودية الدولة» ولن نوقع على اتفاق، ولا على إطار اتفاق، لا يقر بحقنا في الأراضي المحتلة في عالم 1967 ولا يؤكد على حقوق اللاجئين الفلسطينيين. وعندما نقول ذلك ننسجم مع أنفسنا، ونلقى تأييد الأمم، ونظل في السياق الصحيح دون أن نخشى شيئاً، ولا خوف من «لا» على الإطلاق!
القابضون على جهنم!
بقلم: د. صبري صيدم – الحياة
راعني ما سمعته اليوم من شهادات حية حول واقعنا الإنساني الفلسطيني المعيش في سوريا ولبنان من قبل زملائنا أعضاء المجلس الثوري لحركة فتح هناك. وكأننا نعيش نكبة متجددة لكنها أكثر تباعداً في أحداثها مما كان عليه الحال إبان النكبة الأم.
وكأننا أيضاً نعيش اكتمال الصورة بين أركان الوطن وما بعد الوطن ليكون الفلسطيني بطلها من جديد ليس فقط في الجلزون وعتيل وبيتين وبيرزيت وغزة ومخيم اليرموك وعين الحلوة، بل أيضاً في معبر الكرامة التي أبى الفلسطيني أن يبيع فيه كرامته فأردته رصاصات الحقد الإسرائيلي بعدما هب منتفضاً لشرفه وعزته.
الفلسطيني وكما قال أحد الأصدقاء لم يعد قابضاً على الجمر بل بات قابضاً على جهنم ليس لجراحه فقط بل لأن قتلة العصر مهما تعددت جنسياتهم ودياناتهم أرادوا أن يكون الفلسطيني العنصر المفعول فيه المكسور الهامة، لكنه أبى ويأبى.
لاجئون يغسلون كلاهم، وأطفال ينامون في البرد القارس، ونساء يعشن اضطرابات نفسية، وشيوخ بلا مأوى، وبقايا إنسان شطب الجوع معدته حتى التصق لحمه بعظمه كلهم في مقابل بندقية مأجورة وعقائد ملتوية خارج الوطن يعتقدون أنهم أُجراء الله على الأرض واحتلال اعتاد على العوج داخل الوطن.
احتلال رفع وتيرة استيطانه بواقع 124 ضعفاً خلال العام الماضي، وصادر ما يزيد عن ربع الضفة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ونهب مخزون الماء فلم يترك للفلسطيني مع نهاية العام الماضي إلا ما هو اقل من لترٍ واحدٍ مقابل 9 لترات لكل مستوطن. إضافة إلى التحكم بحوالي 94% من أراضي الأغوار واعتقال أكثر من ربع الشعب الفلسطيني خلال العقود الماضية.
ربيع العرب نحن حطامه على ما يبدو واحتلال إسرائيل نحن ضحاياه وكأننا القاسم المشترك الأكبر في الذبح والتنكيل.
الأهم أن القابضين على جهنم لا ينسون حقهم طال الزمن أم قصر وهم كالملائكة الذين لا تثنيهم المصاعب عن تحقيق رسالتهم حتى لو تطلب الأمر القبض على الجحيم.
رقصة الموت الاخيرة !!!
بقلم: يحيى رباح – الحياة
حتى هذه اللحظة، وبعد انقضاء تسعة اشهر على الثورة المصرية الثانية في الثلاثين من حزيران 2013،وسقوط حكم الاخوان المسلمين في مصر، وانكشاف هذه الجماعة وتنظيمها الدولي في العالم وبالاخص في المنطقة الحيوية في دول الخليج العربي وفي العراق وسوريا وفلسطين، وفي ليبيا وتونس، فان جماعة الاخوان المسلمين رغم انتشارها في دول كثيرة –اكثر من سبعين دولة، ورغم امبراطوريتها المالية، فان الجماعة اكثر من خمس وثمانين سنة على انشائها من منابع يدور حولها جدل كبير، لم تستطع ان ترسل ولو اشارة واحدة بانها يمكن ان تكون شريكا سياسيا في المنطقة! بل هي عل العكس من ذلك، تندفع اكثر في طريق الانتحار، وتنهمك اكثر في رقصة الموت الاخيرة، كاشفة عن انحدار اخلاقي مريع تحت عنوان "فقه الضرورة "التي بالغت فيه الى حد الجنون، عابثة بالمطلق بمصالح الدولة الوطنية، وبضرورات الامن القومي، بحيث انها استنفرت اقصى درجات العداوة مع امة باكملها، ومع انظمة حكم جديدة وقدمة ذات اتجاهات مختلفة غير مدركة ولو بالحد الادنى ان تحالف الثالث من تموز 2013 في مصر تحول الى تحالف عربي بامتياز له اعمدته الرئيسية وله اهدافه القريبة والبعيدة وله امكانياتها الهائلة، وان هذا التحالف الوطني والقومي اخذ في التطور على الصعيد السياسي مثلما راينا في قرارات سحب السفراء من قطر، وادراج جماعة الاخوان المسلمين وعدد اخر من تشكيلات الاسلام السياسي على قائمة الارهاب، وملاحقة كل من يمارسون الارهاب الاسلامي في الداخل والخارج، واعادة ترتيب اولويات المنطقة بشكل جديد.
لماذا عجزت جماعة الاخوان المسلمين حتى الآن عن التكيف مع الحقائق الجديدة؟وهذا السؤال مهم ومحوري جدا، حين نتذكر ان جماعة الاخوان المسلمين بكل تفريعاتها استطاعت الحياة على امتداد خمس وثمانين سنة بفعل قدرتها على المرونة وقدرتها على عقد الصفقات مع اعدائها في الوطن، فليس هناك نظام في مصر منذ العهد الملكي وحتى عهد حسني مبارك الا وتمكنت الجماعة ان تتعامل معه وان تكون جزءا منه فلماذا العجز والفشل الخارق هذه المرة؟
اعتقد ان السبب الاول وراء ذلك، هو التجويف والخواء الذي اصاب الجماعة، امكانيات كبيرة وكفاءات قليلة ان لم تقل معدومة، وهذا راجع الى التخلف عن عربة الزمن نفسه،فلا يمكن الاستمرار في عصر الفضاءات وثورة التكنلوجيا بعقلية القرن الثالث الهجري !!! خاصة وان هذا التجويف والخواء تمت التغطية عليه باستخدام سلبي لمبدأ"السمع والطاعة " الذي انتج اجيالا غير قادرة ولا بالحد الادنى على تبرير نفسها، وهذا نفسه جعل الجماعة تسقط بعيون عمياء وعقول مغلقة في لعبة الدول الكبرى، حين اصبحت هذه الدول الكبرى وخاصة اميركا هي قوة الجذب الرئيسية وهي مركز الكون وهي صاحبة الوعد النهائي، انظروا كيف سلمت جماعة الاخوان امرها بالمطلق لاميركا، انظروا الى فداحة الصفقة التي عقددتها مع اسرائيل، انظروا كيف هانت لديها حرمة التراب الوطني في موضوع شلاتين وحلايب في الجنوب، وسيناء في الشرق، اي ان الجماعة اصبحت بوعي او دون وعي تعبد الهة اعدائها، وتستهين الى حد العداء المطلق بمقدرات شعبها، وخاصة الجيش المصري العظيم، وحجم القدرات والامكانيات والخبرات والكفاءات التي تراكمت لهذا الجيش على امتداد عقود طويلة، وان هذا الجيش المصري هو اعظم تعبير وتجسيد لوحدة الامة المصرية، وليس جيشا انكشاريا يكرهه الناس بل هو من اصلاب هذه الامة ورمز فخرها ومححل ثقتها وعنوان املها ونهوضها من كل صعوبة !!!هذه هي الخطيئة الكبرى التي سقطت فيها الجماعة، عندما عبدت الهة اعدائها،وانجذبت اليهم مثلما تنجذب السفينة الصغيرة الى جبل المغناطيس، كما تقول الاساطير، فانها تفقد الوعي والارادة، وتتحطم الى شظايا، فيا لهول النهاية ويا لفداحة الاقدار.
هل يكتب أبو مازن التاريخ الجديد ؟ (ح 1 )
بقلم: بكر أبو بكر – الحياة
تقف حركة فتح اليوم كما تقف الحركة الوطنية عامة أمام منعطف تاريخي – وما اكثر المنعطفات في تاريخنا – يتمثل بالموقف الواجب اتخاذه إزاء الصراع العربي – الاسرائيلي في شقه الفلسطيني المكافح، وشقة العربي المؤازر.
ويقف المجلس الثوري للحركة في دورته الـ 13 اليوم أمام هذه التحديات ليقرأ ويتبصر ويستمع وليقرر أو يتخذ توجهات للقيادة والحركة والأمة، وفي رصد لخطوات الحراك السياسي وتقويم وتصويب لها ، خاصة ونحن نرى مقدارالضعف الذي اعترى الحراك لأسباب داخلية وإقليمية وعالمية.
إن الوضع الفلسطيني يقف اليوم أمام جملة من التحديات يمكننا أن نرسم ثلاثة منها بالشكل التالي:
أولا : حساسية الوضع الفلسطيني الداخلي الذي يعاني من انقسام ما بين العزم على الوحدة في جهة أو طرف ومن التشكك بالنوايا والتفلت من الالتزامات الوطنية من جهة ثانية، ما كانت نتيجة الانقلاب في غزة عام 2007 حيث نعيش حالة الانقسام الجغرافي والفكري بل والنفسي بين أهلنا في شطري الوطن.
إن التفكك الفلسطيني يحتاج بعد 7 سنوات مديدة الى وقفه جادة، وقد جرت بالنهر مياه كثيرة جديدة، تأخذ بالاعتبار المصلحة الوطنية أولا وتكرس الانتماء الموحد للإطار الجامع من خلال (م.ت.ف) قوية صالحة، وعبر تمتين أركان السلطة كمقدمة لبناء الدولة، وحري بنا في هذا الموقف أن نتفق على برنامج سياسي أو ميثاق جامع لا يستثني أحدا، بل ويصبح دليلا للعمل السياسي والتنظيمي الجديد وربما يشكل تعديلا للنظام الأساسي سواء للسلطة أو للمنظمة أو لهما معا.
ان التشكك بالنوايا يأتي في حالات الضعف رغم مظاهر القوة المسيطرة، وهو ما يحصل من حماس تجاه السلطة وحركة فتح اليوم ، والتشكك بالنوايا دلالة ضعف داخلي هو ما تعاني منه حماس في بطنها وعلى ظهرها من الاقليم لذا فبدلا من أن تقرر بوضوح اللجوء للفعل الوطني عبر المصالحة والتوجه للانتخابات فإنها تخشى ذلك في سياق فهمها أو فهم أطراف فاعلة فيها لمعنى المشاركة بأنها تعني اقتسام للسلطة فقط.
ان التفلت من الالتزامات الوطنية تجاه الفضية والناس والوحدة الوطنية لصالح ان يعيش الناس في أحلام كبرى أو أوهام مثل: الخلافة الموعودة أو المهدي المنتظر أو دمار (اسرائيل) أو أن السماء ستمطر ذهبا وفضة ما لن يجر على حالمي حماس وغيرها وعلى شعبنا إلا الوبال والخسران المبين، هو ما يجب ان نقابله بإزالة الارتباك بالموافقة على الشراكة الحقة في ظل ميثاق وعهد سياسي جديد يمكن الفلسطيني من صعود الجبال بإباء وشمم، ويجرم الاقتتال الداخلي قطعيا، لا سيما وأن الوحدة الوطنية في مسيرة حركة فتح كانت دوما لها الأولوية على الانحسار لفكر الآخرين في مضيق الحزبية.
أما التحدي الثاني : فهو تحدي الفوضى وإعادة ترتيب المواقع في المنطقة العربية والإقليم، حيث نرى انشغالات عربية عميقة ذات طابع اقليمي في مواجهات مستمرة في معادلة العرب مقابل ايران وخاصة دول الخليج العربي، والعرب مقابل تركيا و»الإخوان»، والعرب مقابل (اسرائيل) وكما تلاحظون أصبحت هي -اسرائيل-في المقام الثالث وربما لا تذكر إلا من باب التزيين (الديكور) بينما حقيقة الأمر أن فوضى الاقليم وإعادة ترتيب المواقع في المنطقة العربية وفي الاقليم تنشغل بالمحاور والمناهج وتحويرات الصراع.
إن في الأمة اليوم محاور تطل برؤوسها تقلب معادلة المنطقة إثر 3 سنوات، مما أسمي (الربيع العربي) فنرى اصطفافا جديدا ما بين التيارات المناوئة للإسلام السياسي والزحف الشيعي السياسي ، وما بين تيارات الحفاظ على الأمن القومي الداخلي ما يقابلها من تيار يحاول (دمقرطة) الجماهير.
في مناهج التفكير السياسي وخاصة بطريقة التعامل مع الاسلامويين أو تيارات الاسلام السياسي وعلى رأسهم الاخوان المسلمين تتوزع الرؤى بين استئصال الاخوان او التصالح معهم، ما يحتاج في حقيقة الأمر لتفكير معمق لا يلغي المختلفين ويضع أسسا جديدة للاختلاف تعمق من ثقافة الديمقراطية والتعددية والتغيير.
أما في تحوير الصراع فلقد أصبح جليا أن للدولة العبرية دور وأيما دور في كل ما يدور في المنطقة العربية والإقليم (سياسيا وعسكريا واقتصاديا واستخباريا... ) وعبر ما تصوره (اسرائيل) وأميركا على أنه صراع مذهبي ديني وخاصة شيعي – سنى في المنطقة في رغبة متنامية لإعادة تركيب المنطقة وفق منظور ديني مذهبي يقضي على الدولة الوطنية التي نشأت عام 1916 ثم عام 1920 ويقضي على أي أمل بالوحدة العربية أو الجغرافية على النمط الاوروبي الحديث، وفي نفس الوقت يعطي الذرائع القوية لتطالب (اسرائيل) بذاتها دولة خاصة باليهود كما يصرخ نتنياهو يوميا.
أما التحدي الثالث أمام القيادة الفلسطينية والحركة الوطنية (بما فيها حماس والجهاد) فهو كيفية التعامل مع الضغوط الصهيوأميركية على فلسطين سواء أكان ذلك في الضفة أو غزة أو الخارج وفي اطار دفع المفاوض نحو الحائط فإما الاصطدام وإما لا درب إلا درب التنازلات التي يحلم بها الاسرائيليون ضمن أسلوب (البقرة) في القرآن الكريم من تمييع ومماطلات وأكاذيب وادعاءات تحافظ لهم على الكيان من جهة وتمنعهم من اعطاء أي تعهد أو التزام سياسي.
إن الوقوف بثبات امام الضغوط ليس سهلا فنتنياهو وليبرمان وليفني على اختلافاتهما السياسية الداخلية متفقون على تكبيل الفلسطيني بأوهام ما يسمونه (الدولة اليهودية) وما ينبثق عن ذلك من مخاطر لا حد لها علينا في الاغوار والقدس والضفة والقانون وفلسطيني 48 والرواية والتاريخ.