Haneen
2014-12-18, 11:44 AM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (291)
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
السبت
15/3/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
الدور الغائب للجنة الرباعية الدولية !!
بقلم: حديث القدس – القدس
الرئيس عباس يشرح الوضع السياسي ومستجدات عملية السلام
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
حكاية المطر.. عِلم الثورة
بقلم: د.أحمد جميل عزم – القدس
حماس.. وماذا بعد؟! "الرياض" السعودية
بقلم: يوسف الكويليت – القدس
تـــاريـــخ أخــــرس!
بقلم: جواد بولس – القدس
مــخــاطر إيـران الــنـوويــة
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـر – القدس
ع الــفــاضــي
بقلم: حسن البطل – الايام
جامعة بيرزيت.. ويهودية الدولة
بقلم : عبد الناصر النجار – الايام
أداروا المعركة وفق نظرية صن تزو ولكن الحساب المؤجل مع "حماس"
بقلم: حسين حجازي – الايام
كان الله، وكان الناس، في عونه
بقلم: صادق الشافعي – الايام
هل من جدوى من يوم المستهلك الفلسطيني؟
بقلم صلاح هنية – الايام
الأسـيـاد والــعـبد
بقلم: رامي مهداوي – الايام
وللموت فُسْحَةً حُرَّة، بينَ حَدّ السَّيْفِ والصُّرَّة
بقلم:آصف قزموز – الايام
وصــل الــدعـــم!
بقلم: وليد بطراوي - الايام
تغريدة الصباح - منوعات "تامانا"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
الكلام غير المباح فلسطينيا في التخلي الأميركي عن الحلفاء
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
استنهاض جديد لمنظومة الأمن القومي
بقلم: يحيى رباح – الحياة
الناصرة تلبس حلة جديدة
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
الــخــبــرة عـنـد الـصـغـار
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
الدور الغائب للجنة الرباعية الدولية !!
بقلم: حديث القدس – القدس
وسط كم هائل من الانتهاكات الاسرائيلية المتواصلة التي تستهدف الانسان الفلسطيني وممتلكاته وحقوقه واصرار الاحتلال الاسرائيلي على توسيع وترسيخ الاستيطان وسد الطريق أمام جهود السلام جاء الاجتماعان اللذان عقدهما توني بلير ممثل اللجنة الرباعية الدولية في القدس الأول مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والثاني مع رجال اعمال بريطانيين لمناقشة ما أسمي "خطة اقتصادية تهدف الى تحفيز النمو الاقتصادي الفلسطيني" وهو ما يثير التساؤل اولا حول الدور المفترض للجنة الرباعية الدولية بشأن القضية الفلسطينية وعملية السلام وثانيا حول جدوى أية مشاريع أو خطط اقتصادية توضع على الورق ويرهن تطبيقها بإذن من الاحتلال الاسرائيلي الذي يتحكم بمختلف مناحي الحياة في الاراضي الفلسطينية ويفرض قيودا واجراءات تستهدف نمو وتطوير الاقتصاد الفلسطيني في الوقت الذي يسيطر فيه هذا الاحتلال على الموارد خاصة المياه وغيرها.
بداية لابد من التذكير ان اللجنة الرباعية الدولية التي تضم الامم المتحدة واوروبا واميركا وروسيا والتي وضعت خطة خريطة الطريق لانهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية مستقلة علي الاراضي المحتلة منذ عام 1967، هذه اللجنة لم تقم حتى الآن ومنذ سنوات طويلة بواجباتها السياسية بهذا الشأن بل إن اسرائيل التي وضعت اربعة عشر تحفظا على خطة خريطة الطريق والتي افرغتها عمليا من محتواها، صعدت على مدى السنوات الماضية من ممارساتها بهدف تعزيز الاحتلال والاستيطان غير المشروعين من جهة والتضييق على الجانب الفلسطيني في كل ما يتعلق بمحاولاته للنهوض بالاقتصاد والبنية التحتية أو في مواجهتها لأي مؤشر لصالح الاستقلال الفلسطيني.
ولقد رأينا كما رأى بلير على مدى السنوات الطويلة الماضية كيف اجهضت اسرائيل ولا زالت الكثير من المشاريع الدولية التي استهدفت النهوض بالواقع الفلسطيني سواء مشاريع بنى تحتية او مشاريع اقتصادية او غيرها، وهو ما يلقي ظلالا من الشك ايضا حول المشاريع التي يتحدث عنها بلير والمرهونة ايضا بالحصول على إذن من الاحتلال الاسرائيلي.
إن ما يجب ان يقال هنا ان من الأجدر باللجنة الرباعية الدولية وممثلها توني بلير مواجهة الانتهاكات الاسرائيلية اليومية والعقبات التي تضعها اسرائيل من جهة وضمان الزام اسرائيل بتطبيق خطة خريطة الطريق التي سبق أن وافق عليها الجانب الفلسطيني. فمن غير المعقول أو المقبول ان يكافأ هذا الاحتلال الاسرائيلي غير المشروع بالتشاور والتنسيق معه وانتظار موافقته على مشاريع خاصة بفلسطين في الوقت الذي يدرك فيه بلير أن اسرائيل تسعى جاهدا للإبقاء على التبعية الاقتصادية الفلسطينية لاقتصادها وتحول دون أي تطوير يهدد احتكارها للسوق الفلسطينية عدا عن اصرارها على تكريس الاحتلال والاستيطان ومنع اي حل عادل للقضية الفلسطينية.
كما أن ما يجب ان يقال ايضا أن التفرد الاميركي برعاية المفاوضات التي تراوح مكانها بعيدا عتن ارادة المجتمع الدولي ودون تدخل فاعل من اللجنة الرباعية الدولية يشكل خللا رئيسيا لا يمكن أن تعالجه حملة المشاريع التي يتحدث عنها بلير فالأصل هو إلزام اسرائيل بإرادة المجتمع الدولي سياسيا وكف يدها عن كل ما يتعلق بتطوير مختلف مناحي الحياة الفلسطينية بما فيها الجانب الاقتصادي.
ولهذا نقول ان الأزمة التي وصلت اليها عملية السلام وسط كل هذا التصعيد الاسرائيلي ووسط الشروط والاملادات التي يحاول الاحتلال الاسرائيلي فرضها بما يتناقض مع خطة خريطة الطريق وفي الوقت الذي يدفع فيه هذا التصعيد الاسرائيلي نحو حافة الانفجار، فأن من واجب اللجنة الرباعية الدولية البدء بتحرك سياسي فاعل وعاجل لتنفيذ خطة خريطة الطريق إلزام اسرائيل بذلك بدل استمرار غياب الدور المفترض لهذه اللجنة الدولية وبدل الاستمرار في الحديث عن مشاريع يشكل الاحتلال الاسرائيلي اكبر معّوق لتنفيذها فالنمو الاقتصادي وازدهار دور القطاع الخاص ضمن ضوابط المصلحة الوطنية العليا يبقى مجرد حلم ونظريات على الورق لأنه يتناقض تماما مع استمرار الاحتلال غير المشروع بكل قيوده واجراءاته.
الرئيس عباس يشرح الوضع السياسي ومستجدات عملية السلام
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
تناول الرئيس محمود عباس في كلمته الهامة التي ألقاها مساء يوم الأثنين الماضي في افتتاح أعمال الدورة الثالثة للمجلس الثوري لحركة فتح عددا من القضايا الخاصة بالشأن الفلسطيني وفي مقدمتها الوضع السياسي الراهن وآخر مستجدات العملية السلمية وملف المصالحة مع حركة حماس، والتحضيرات الجارية للإعداد للقاء المرتقب بين الرئيس ونظيره الأميركي باراك أوباما في واشنطن خلال الشهر الجاري.
وكان الرئيس عباس قد تحدث أيضا بإسهاب وتفصيل عن هذه القضايا يوم الخميس قبل الماضي خلال لقائه وفد الشبيبة الفتحاوية في الجامعات الفلسطينية، وقد تميزت تصريحات الرئيس خلال اللقاءين مع أعضاء المجلس الثوري لفتح ومع الشبيبة الفتحاوية كعادته دائما بالصراحة والوضوح والشفافية، ومن خلال هذين اللقاءين فإن الرئيس وضع أمام شعبه الفلسطيني حقائق المرحلة الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية محليا وعربيا ودوليا.
وفيما يخص الوضع السياسي الراهن فإن الرئيس تحدث عما وصلت إليه المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي والتي تجري استجابة لطلب الجانب الأميركي وبرعاية مباشرة من وزير الخارجية الأميركية جون كيري، وقد أكد الرئيس أبو مازن تمسك القيادة الفلسطينية بالثوابت الفلسطينية وبالخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها فيما يخص قضايا الوضع النهائي.
فبالنسبة لموضوع القدس رفض الرئيس بشدة ما يثار من طروحات حول القدس وما قيل مؤخرا من أن القدس ستكون أبو ديس أو بيت حنينا، وأكد أن القدس التي نريدها عاصمة لدولتنا الفلسطينية هي القدس الشرقية ضمن حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وأنه لا تنازل عن أي جزء منها في أية اتفاقية سلام مع الجانب الإسرائيلي. كما أننا لن نوقع أي اتفاق سلام لا يتضمن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. وهذا الموقف من القدس الشرقية الذي يؤكده الرئيس عباس باستمرار إنما هو يتوافق مع قرارات الشرعية الدولية ، كما لم تعترف أي دولة في العالم بما فيها الحليف الأول لإسرائيل وهي الولايات المتحدة بضم إسرائيل القدس الشرقية واعتبارها مع القدس الغربية "عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل".
وقد شدد الرئيس عباس على أن القدس الشرقية ستكون مدينة مفتوحة أمام أتباع الديانات السماوية الثلاث، يؤدون فيها شعائرهم الدينية بحرية ودون أية عوائق، كما أن حرية الوصول إلى تلك الأماكن المقدسة ستكون مكفولة للجميع وأن المدينة المقدسة لن تقسم كما كانت قبل حرب الخامس من حزيران عام 1967 ولن تكون بين شرقيها وغربيها أية حواجز أو أية حدود.
وفيما يتعلق بالمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي فقد أكد الرئيس عباس أن القيادة الفلسطينية اتفقت مع وزير الخارجية الأميركية جون كيري على أن تكون المدة المحددة لتلك المفاوضات تسعة أشهرتنتهي في آخر شهر نيسان المقبل وأنه إذا لم يتم اتفاق خلال هذه المدة فإن القيادة الفلسطينية ستكون حرة في اتخاذ القرار المناسب في هذا الشأن، حيث ستتوجه الى الأمم المتحدة وإلى المنظمات الدولية لطرح القضية أمامها واتخاذ القرارات المناسبة.
وأشار الرئيس أبو مازن إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يضع العراقيل أمام التوصل إلى حل دائم ينهي الصراع ويحقق سلاما عادلا وشاملا، ومن تلك العراقيل إصرار نتنياهو على الإستمرار في سياسة الإستيطان في الأراضي الفلسطينية ورفض تجميده، وهذا الاستيطان يمزق الأراضي الفلسطينية ويجعل إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا وقابلة للحياة أمرا مستحيلا. والواقع أن هناك إجماعا دوليا على أن الإستيطان بكافة صوره وأشكاله غير شرعي، وحتى الولايات المتحدة تعتبره عقبة كأداء في طريق تحقيق السلام.
ومن بين العراقيل التي يضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في طريق السلام قال الرئيس عباس إصرار نتنياهو على اعتراف الجانب الفلسطيني بيهودية الدولة العبرية، وشدد الرئيس على رفض الجانب الفلسطيني القاطع لهذا المطلب، والحقيقة أن طرح نتنياهو لهذا المطلب إنما يهدف إلى إلغاء حق العودة وإلى جعل الفلسطينيين داخل الخط الأخضر غرباء في أرضهم وديارهم. وكان الرئيس أبو مازن قد تساءل وبحق لماذا لم تطالب إسرائيل كلا من مصر والأردن الإعتراف بيهودية اسرائيل عندما وقعت معهما اتفاقيتي سلام؟
وحول قضية المصالحة شدد الرئيس عباس على أن القيادة الفلسطينية مصممة على تحقيق هذه المصالحة باعتبارها السبيل لتحقيق الوحدة الوطنية لأبناء الشعب الفلسطيني الواحد، وقال إنه منذ الخلاف الذي قادته حركة حماس وهو يسعى لتحقيق المصالحة وإنهاء الإنقسام ولكن حماس تتأخر في تحقيقها وتزعم أن أبا مازن يتعرض لضغوط أميركية وإسرائيلية لعدم انجاز هذه المصالحة ورفض هذا الزعم بشدة، وقال أنه لا يخضع لأية ضغوط أو إملاءات، وأن الحقيقة أن حماس لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالوطن.
وأكد الرئيس أبو مازن أنه إذا وافقت حماس على المصالحة فإنه سيدعو فورا الى تشكيل حكومة جديدة وإجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة يقول فيها الشعب الفلسطيني كلمته بحرية وديمقراطية وشفافية، والواقع أن الإنقسام الذي وصفه الرئيس عباس وبحق الخلاف ألحق أفدح الأضرار بالقضية الفلسطينية وأظهر الشعب الفلسطيني أمام العالم أنه شعب منقسم على نفسه وأنه غير موحد.
وقد أثبتت الوقائع أن الرئيس عباس لا يخضع لأية ضغوط فلا يستطيع أحد ليّ ذراعه، وقد رفض الإستجابة لضغوط الرئيس الأميركي أوباما بعدم التوجه إلى الأمم المتحدة للحصول على مقعد عضو غير كامل العضوية في الأمم المتحدة، وتوجه إلى المنظمة الدولية وألقى فيها كلمة وصوتت أكثر من مئة وثلاثين دولة لصالح قبول فلسطين عضوا غير كامل العضوية في هذه المنظمة الدولية.
إن حركة حماس هي التي تؤخر تحقيق المصالحة وتتنصل من كل الإتفاقات التي وقعتها مع حركة فتح لإنجاز هذه المصالحة وإعادة اللّحمة إلى جناحي الوطن في الضفة الغربية وقطاع غزة بدءا من اتفاقات القاهرة ومرورا باتفاق صنعاء ومكة المكرمة وانتهاء باتفاق الدوحة. والذي زاد الطين بلة أن ساءت العلاقات بين حماس ومصر إلى درجة أن حماس أعلنت أن مصر لم تعد طرفا في تحقيق هذه المصالحة وذلك بعد أن أصدرت محكمة مصرية قرارا مؤقتا يعتبر حركة حماس حركة إرهابية باعتبارها جزءا من جماعة الإخوان المسلمين التي أدرجتها مصر ثم السعودية والإمارات والبحرين حركة إرهابية.
إن تحقيق المصالحة ضرورة وطنية ملحة خاصة في هذه الظروف البالغة التعقيد التي تمر بها القضية الفلسطينية، وفي ظل الأوضاع القلقة والمضطربة التي تعيشها الدول العربية جراء ما بات يعرف بالربيع العربي حيث أن كل دولة عربية منكفئة على مشاكلها وقضاياها الداخلية ولذا فإن من واجب حركة حماس الإستجابة لليد الممدودة الصادقة من القيادة الفلسطينية لإنهاء الإنقسام وتطبيق اتفاقات المصالحة والذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية، وكذلك انتخاب مجلس وطني جديد بعد تشكيل حكومة كفاءات تشرف على تلك الإنتخابات وعندئذ ينتهي هذا الإنقسام المشؤوم وتعود الوحدة إلى جناحي الوطن.
ولا شك أن لقاء الرئيس عباس بنظيره الأميركي قريبا في واشنطن سيكون غاية في الأهمية لأنه يأتي بعد لقاء أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسيطرح الرئيس أبو مازن خلال لقائه أوباما وجهة النظر الفلسطينية من قضية تحقيق السلام، وسيؤكد تمسكه بالثوابت الفلسطينية وتمسكه بالسلام كخيار استراتيجي للشعب الفلسطيني، وسيطالب أوباما بالضغط على الجانب الإسرائيلي للوفاء بالتزاماته تجاه عملية السلام خاصة وأن الجانب الفلسطيني وفى بكل ما التزم به تجاه تلك العملية، وسيؤكد حق الشعب الفلسطيني كبقية شعوب العالم في أن تكون له دولته المستقلة كاملة السيادة في الأراضي الفلسطينية ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967.
وسيكون الرئيس عباس خلال لقائه أوباما متسلحا بتأييد شعبه الفلسطيني وكذلك تأييد الجامعة العربية ولن يخضع لأية ضغوط ولا إملاءات. والله الموفق.
حكاية المطر.. عِلم الثورة
بقلم: د.أحمد جميل عزم – القدس
يُحكى أنّ الناس كانوا، في زمن ما، يسيرون في أزقة قرية وبين بيوتها، في غور الأردن مثلا، كما أخبرنا ذات يوم أستاذ "علم الإنسان-الأنثروبولوجيا"، فيقومون بطقس استسقاءٍ خاص؛ فإذا وصلوا بيتاً طرقوا بابه لتخرج السيدة حاملة كوب ماء تَرشُقهُ عالياً فيهبط رذاذاً على النّاس.
وفي الهند، يقوم القرويون بصلاة يسيرون فيها بموكب يقوده موسيقيون، يُقدّم لهم الأهالي نقوداً وشاياً وطعاماً، ويرمون أشياء في الماء.
وفي الأسطورة المصرية، تُلقى دُمية (تسمى بالمصرية الدارجة "عروسة")، في نهر النيل لإرضائه ليفيض. ويُعتقد أنّه في الماضي كانت تلقى عروسٌ (فتاة) حقيقية لهذا الغرض. وغير بعيد عن هذا، يوجد في حضارة المايا القديمة، وتحديداً في مدينة تشيتشنإيتزا بالمكسيك، والتي توجد فيها أهرامات شبيهة بالأهرامات المصرية، بئر تُعرف بالبئر المقدسة، كانت تُرمى فيها قرابين، منها قرابين بشرية، إرضاء لآلهة المطر.
ونستمر في إلقاء الأرز على مواكب الأعراس حتى اليوم. والأرز محصول يحتاج كثيرا من الماء؛ فهو رمز للخصب.
تقوم كل هذه الطقوس على فكرة أنّ "الشيء يأتي بمثله". وهي فكرة سَكَنَت الناس قديماً؛ فَيُرشق الماء عاليا علّه يأتي بالمطر، ونُقدّم الطعام والفتاة والأرز لنأتي بالخصب.
تَستفزُ الصراعات والحروب هذه الأفكار والمشاعر؛ فالدّم يأتي بالدّم. وفي اللغة العربية تعبيرات مجازية شائعة عن تقديم الشيء ليأتي بمثله، من نوع "لا يفلّ الحديد إلا الحديد"، و"روّى الأرض بدمه". وفي مُضاهاة لحديث "عروس النيل" نقول: "قدّم روحه قُرباناً للحرية".
عندما يرتقي شهيد على يد قوة مُعادية مُحتلّة، تُستنفر أفكار الدم وقرابين الحرية، والردّ على الرصاص برصاص. وهذا الأسبوع ارتقى شهداء عدة في فلسطين، منهم شهيدان سيتذّكرهما الناس طويلا.
الأول قاض أردني فلسطيني، قُتل في إحدى محطات الإهانة الحتمية على الحدود للدخول إلى فلسطين، فاجتمع من أجله القضاة والمحامون في قصر العدل بعمّان في مشهد لن ينسى. والثاني طالب أعزل من جامعة بيرزيت، عبّر زملاؤه عن حبهم له على نحو فريد؛ إذ "قرروا" أن يمر في طريقه إلى قريته بَيتين، بالجامعة. فجاء كما الشهداء سافر الوجه، مَلفُوفاً بالعَلَم، فبكاه أساتذتهُ بدمع سخي، وبكته زميلاته بدمعهن وشحوبهن، وشيّعه زملاؤه بالهتاف وبتنافسهم فصيلاً بعيد فصيل على التمسّح به وزعم انتمائهم له. فاستحالت الجامعة كتلة بشرية واحدة ملوّنة، بما تجمعه الجامعات من تنوع الانتماءات المناطقية لأبنائها، وتنوع ملابسهم وأنماط حياتهم؛ فكان طبيعيا أن يقول بعض الحضور: "يا وطن الشهداء تكامل". وكان مؤثّرا وعبقريّا طواف رفاقه به شوارع الجامعة التي أحبّها، وأن "يتخرج" من الجامعة، وأن يقول أحد مدرسيه سأبقى أُسجّله حاضراً في المساق.
وفي بَيتين، المستّقرة على مُرتفع يُطل غرباً على رام الله، وشرقاً على الأردن، وقف عمداء الكليّات وعمداء الأسرى المحررين، وعرب وأجانب، والجماهير، وتحدّث رفاقه عن "الرّد". وفي المساء، أعدوا أغنيات لروحه تضم صورته مُبتسماً ضاحكاً على حصانه في الحقول. أمّا أمه، فاختصرت كل معاني الأمومة وهي تبكي "أرجعوه إلى حضني لعله يعود للحياة".
اكتشفت البشرية الآن طرقاً علمية وطبيعية تُسهم في سقوط المطر وزيادة خصوبة الأرض؛ مثل المحافظة على الثروة الشجرية التي تزيد تبخر الماء، فتكون كما رشقة ماء للسّماء. بل ويوجد ما يسمى استمطارا؛ فتصعد طائرات تُنزل الماء من الغمام.
للمؤرخ الإنجليزي أرنولد توينبي نظريته "التحدي والاستجابة"، التي تتحدث عن سقوط الحضارات واختفائها، إن لم تكن استجابتها للتحدي مناسبة كمّاً ونوعاً.
جرب الفلسطينيون "استجابات" عديدة في مسيرتهم، حالت دون هزيمتهم كُليّا أو أن يختفوا، ولكنها لم تحقق النصر بعد. الدّماء الفائرة في العروق يجب أن تظل كذلك، ولكن بعيداً عن الفعل ورد الفعل؛ فللاستمطار في العالم الجديد قواعده.
لقد كان مشهد الوحدة والوطن المتكامل رشقة ماء للاستمطار. ولو أديرت المقاومة الجماهيرية الشاملة المدروسة بعيداً عن ترهلٍ لا يرى سوى الدبلوماسية والمفاوضات، وبعيداً عن جُزر مقاومة ومبادرات معزولة عن استراتجية وطنية موحدة فيها مقاومة جماهيرية شعبية، واقتصاد، وتعليم، وسياسة، وإعلام، فإن هذه الجماهير ستكون شجر الاستمطار وطائرته.. وسيسقط المطر.
حماس.. وماذا بعد؟! "الرياض" السعودية
بقلم: يوسف الكويليت – القدس
الذين يهتمون بالشأن الفلسطيني منذ الاحتلال إلى تمزق ساحتهم ليسوا على خصومة مع أي طرف لأنها قضية عربية قبل أن تكون فلسطينية أو إقليمية، غير أن تتابع السباقات والانتقال من يسار ماركسي إلى قومي، ثم إسلامي إخواني بدأ يقلل التعاطف معهم، والأسباب لا تعلل من الخارج وإنما من بنية التركيبة السياسية التي تشتت ولاءاتها بين تنظيمات وجماعات ودول بدعوى المنقذ والحليف والداعم، والمعلن الدائم عن عدائه لإسرائيل، وهي حوادث بدأت مع الحروب وانتهت بالمصالحات والاعترافات وبشكل علني، لتأتي الوفود الفلسطينية لتفاوض وجهاً لوجه مع العدو المحتل، وهي صيغة الخروج من الحرب بين قوى غير متعادلة للبحث عن مدخل للسلام، غير أن إسرائيل حين تكون هي «الممانع» وليس الفلسطينيين أو من يرفعون هذا الشعار، بررت مواقفها بأنه لا ضمانات لسلام بوجود من يرسل عليها الصواريخ من غزة أو يستقوي بدول أخرى ترسل السلاح والدعم المادي لها..
غزة تحررت وقت «شارون» الذي يعد من الصقور الإسرائيلية لأنه رأى أن بقاء قواته أو بناء مستوطنات بحيز جغرافي ضيق، مع أكثرية فلسطينية تسجل أعلى كثافة عالمية في الكيلو متر الواحد، يجعل التخلص من هذا العبء أهم من البقاء، لتذهب في تعويض التمدد على مساحات أهم في الضفة الغربية، ودون شعور بأنها تخالف قوانين دولية، أو خوف من أي قوة عربية أو غيرها وهي تبنى مستوطناتها الجديدة أمام أنظار العالم كله..
حماس ومنذ نشأتها قيل إن إسرائيل رأت فيها المعادل الموضوعي ضد التيارات الأخرى التي طالما أشعلت الانتفاضات وخطف الطائرات واختيار أهداف خارج مدار الوطن العربي لضربها، إلى جانب التحالف مع منظمات عالمية تلتقي معها ايدلوجياً مثل (بادر مانهوف) والجبهة الشعبية والألوية الحمراء وغيرها، وعادت إسرائيل تقوّم مواقفها مع الفلسطينيين الذين كان انتماؤهم لليسار الراديكالي أكثر من القومي العربي، فكان أن رأت إسرائيل أن حماس بطبيعة تكوينها وطروحاتها العدو الأساسي لتلك التنظيمات، لكن تصورها عاكس أهدافها فبقيت المنظمة الفلسطينية أكثر عداء وتحالفاً مع قوى دولية وإقليمية في سبيل محاربتها من الداخل، فجاء إطلاق الصواريخ من غزة، بما يشبه حرب الاستنزاف أو على الأقل تخويف الإسرائيليين بأنهم بمتناول قوة المنظمة، إن ردت إسرائيل بعنف عن كل صاروخ يوجه لها..
عملياً الكل يتمنى أن يصل أي فصيل فلسطيني إلى قوة ردع لإسرائيل، لكن هذا يشبه المستحيل لدولة تملك وتصنع كل الأسلحة التقليدية أو ذات الدمار الشامل، والتي استطاعت ان تهزم العرب ثم تحيد سلاحهم، وبالتالي فإرسال الصواريخ يبقى بلا هدف إلاّ إعطاءها الذرائع بأن تنعم بأسلوبها الخاص، وعند التمحيص نجد الخسائر الفلسطينية، مادية وبشرية هي الأعلى قياساً مع إسرائيل، ثم إن المجتمع الدولي بدلاً من أن يرى القضية الفلسطينية بأنها ظلم لحق بشعب وكيان، وجد أن التعايش على مبدأ السلام مستحيل إذا كان أمن إسرائيل هو المعتدى عليه وليس العكس..
لا يوجد عربي لا يرى في الحق الفلسطيني أمراً ثابتاً لا تغيره السياسات ولا القوى الدولية وبالتالي فالنضال حق مشروع، لكن كيف يتم هذا النضال يبقى تقديراً للفلسطينيين أنفسهم لكن بدون أن يتعاموا عن الواقع وهو أن كل القوة العربية العسكرية عاجزة عن حرب إسرائيل فما بالك بإطلاق صواريخ بدائية تواجه بما هو أقوى وأكثر تدميراً وخسائر للفلسطينيين بغزة؟
تـــاريـــخ أخــــرس!
بقلم: جواد بولس – القدس
نامت الناصرة على جرح. ملأت سماءها فراقيع فرح المنتصرين في حرب، ككل الحروب، لا تترك للفضيلة مكانًا ولا للمنطق فسحة. نامت على حلم وصوت من أهلها الصالحين يبشّر بسقوط "القلعة الحمراء" وميلاد ناصرة الطهارة والشموخ.
ترى في أي ليل كنّا، وكانت المدينة؟
ما زالت الجيوش على "سنجاتها" تتكئ وتلملم أهداب الندى، الكل ينتظر رحيل آخر الغبار لتبدأ، كما كان دومًا في آذار، طقوس الولائم احتفاءً بالأخضر القادم. لندع صباحها يغرق في بركات آذار الهاطلة شلّالات سماوية، والبعض سيحسبها دموعًا على ضياع "عرش" لم يصن.
في الناصرة أقفلت الستائر على عهد حافل من حياة الجماهير العربية التي تكبّدت وناضلت لتبقى وتحيا في موطنها الأصلي. وبعيدًا عن إغواء الهزيمة، أو نشوة النصر، لن يصحّ التطرّق لما حدث في الناصرة وقبلها في معظم قرانا ومدننا العربية من تغييرات واضحة على سيرورة التفاعلات السياسية الاجتماعية، بتعابير العاطفة والنقمة أو النشوة والانتقام.
ما يجري في داخل المجتمع العربي جدير بالبحث العلمي الموضوعي المسؤول. ما يحدث في الدولة من تفاعلات سياسية وتغييرات اجتماعية وتأثير ذلك على مستقبل الجماهير العربية في إسرائيل يستصرخ بدوره ذوي الشأن والعقل والحريّة ليشرعوا بعملية شاملة جذرية تؤدي الى تشخيص ما يحدث، ومن ثم ليجتهدوا بتوصيف طرق النجاة والسلامة.
اليوم، أكثر ممّا مضى، يتّضح أن عملية التصحيح المطلوبة لن تسعى إليها الأحزاب والحركات السياسية القائمة الفاعلة على الساحة السياسية، فلو نوت لفعلت ذلك منذ سنين، وكذلك بات واضحًا أن المؤسستين القياديتين الكُبريين غير قادرتين على هذه المسؤولية، هذا إذا افترضنا إن النيّة عند هؤلاء القادة موجودة في الأصل.
لجنة المتابعة العليا باتت أداة أسيرة بأيدي من حوّلوها إلى "دفيئة"، في حضنها يرتبون قوانين بقائهم في الحياة العامة، وهي لذلك لم ولن تنتج أي مشروع جامع يتعرّض لواقع الجماهير العربية، يستشرف رؤى لمستقبلها، ويحدد وسائل نضالها ومواجهتها لعواتي الرياح الهابة عليها، كما سأبيّن بعد قليل.
أمّا لجنة الرؤساء، فلقد أفرغت عمليًّا من مضامينها الوطنية الأصلية المؤسسة. ولدت هذه المؤسسة القيادية من رحم شعار وواقع استولدا قيادات وطنية، كشرط أساسي للقيادة، وهذه القيادات الوطنية تسعى لتأمين الخدمات المحلية والبلدية. لقد انطوى هذا الفكر، وهزمت، عمليًا، الوطنية بمعناها الشعبي السياسي الفطري العام، حينما كانت تعني عكس العمالة و"الذَنَبية". ونحن نشهد، اليوم، قادة أحزاب وحركات "وطنية" يصطفون في الطوابير كي يعلنوا البيعة والدعم لمرشح "أمّيّ" في الوطنية، وحتى فترة قريبة كانت علاماته عند أولئك القادة؛ في السياسة والنزاهة والدين والانتماء، كلّها تراوح بين راسب ويكاد يكفي.
لن يجدي الاعتماد على وسائل التفكيك التقليدية لدراسة ما جرى في مجتمعاتنا من تحوّلات سياسية واجتماعية، فجداول الإحصاء والنسب وما إلى ذلك من رسومات بيانيّة قد تقنع المانحين والداعمين، ولكنّها لن تغنينا بتشخيص صحيح ولا بنصيحة تشفي. نحن بحاجة إلى محللين وباحثين متمكنين، يتمتعون بالجرأة قبل كل شيء، وبالموضوعية والنزاهة. وبحاجة لدارسين لا يخشون سطوة عقد العمل مع مؤسستهم أو جامعتهم، ولسنا بحاجة لمن تصرّفوا كجنود صغار تخندقوا وراء ذلك الشيخ أو زعيم القبيلة.
واقع الجماهير العربية، بعد ستة عقود ونصف من عمر إسرائيل، يختلف، بكل حيثياته، عمّا كان سائدًا في سنوات بعد النكبة. من هنا فثمة ضرورة لتحديد مفاصل ومفاعيل علاقة الجماهير العربية بالدولة ومؤسساتها، حيث أنها بحاجة لعملية "نفض" جذرية. والتشبث بالخطابات السائدة منذ فترة التكوين بحاجة الى إعادة تقييم ونظر، ألا يكفي أن نشاهد كيف وأين وقف معظم قادة الجماهير العربية، ولمن هتفوا في الانتخابات المحلية والبلدية لنعي هزيمتهم وهزال مبدئيتهم!
لقد دعوت الى ضرورة الاتفاق على تحديد ما يواجهنا من مخاطر وتحدّيات، وما زلت أدعو إلى التنبّه لما يجري على ساحة الدولة وما تنتجه التطورات السياسية المتفاعلة هناك، إنّه منزلق خطير ومن يحسب أننا في بحبوحة من وقت، وأن النباح لن يتلوه عضٌّ فهو خاطئ ومهمل.
ما يتشكّل أمام أعيننا هو نظام سياسي ينزع إلى جوهرٍ فاشي- كما يعرّفه علم الاجتماع السياسي؛ فسيادة الجيش وهيمنة العسكرة تستفحل وتتحكم في توجيه سياسة الدولة، ومثلها التعامل شبه المرَضي فيما يدعى "بأمن الدولة". ثم إن العلاقة الوثيقة بين المؤسسة الحاكمة والمؤسسة الدينية هي ركيزة أساسية لنظام الحكم القائم، وكذلك فإن دفاع الدولة عن الشركات الكبرى والعلاقة بين السلطة ورأس المال واقع متين وواضح، وها نحن نشهد ضعف نقابات العمال وإضعافها المستمر، غطرسة المشاعر القومية والاستهتار بحقوق الإنسان، وأصبح الاعتداء على الحرّيات الأساسية ظاهرة يومية مقلقة، حيث نلاحظ الإجماع على استعداء هدف، وإيجاد أكباش فداء على شاكلة أقليات قومية أو فئات مستضعفة يتحقق أمامنا، فنحن العرب ضحايا تلك الاعتداءات والمتسلّلين الملوّنين والعاجزين وغيرهم، سيطرة إعلام مجنّد وغير موضوعي وفاقد للمهنيّة الإعلامية المحايدة، وفساد متفشٍّ في جميع منظومات الإدارة والحكم. وأخيرًا، وحتى تكتمل الصورة ويربو القلق على أكثر من صعيد، نرى انقضاضًا على الحرّيات الأكاديمية وملاحقة الأكاديميين اليساريين وتعريفهم كأعداء دولة.
بمثل ذلك شخّص العلماء نظام حكم ينزلق في منحدر الفاشية؛ فلماذا يصمت علماؤنا ويتجاهل قادتنا؟
أخوات الناصرة سقطن قبلها والنواطير غارقون في أحلامهم.
أفيقوا من حلمكم واسألوا: من نحن بعد ليل الغريبة؟
فَـ "أنا أنهض من حلمي خائفًا من غموض النهار على مرمر الدار/ من عتمة الشمس في الورد/ من حاضر لم يعد حاضرًا/ خائفًا من مروري على عالم لم يعد عالمي/ أيّها اليأس كن رحمة/ أين الطريق إلى أي شيء؟".
التاريخ أخرس، لكنّه يترك وصيّته والجراح، فاقرأوا يا عرب!
مــخــاطر إيـران الــنـوويــة
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـر – القدس
على ضوء الإحتمال القوي بأن إيران ستمتلك الأسلحة النووية، يجب أن يعتمد سبب وكيفية منعها من تحقيق هدفها على فرضية أن العواقب ستكون وخيمة عليها إذا هي حقّقت هدفها. هناك مخاطر متداخلة مع بعضها البعض لدول الخليج ولإسرائيل بشكلٍ خاصّ تشكلها إيران النووية، وهذه ذات شقّين: فيزيائية (مادية) وسيكولوجية (نفسية). وحيث أنه بالإمكان معادلة أو تحييد امتلاك إيران للأسلحة النووية بالرّدع والإحتواء، غير أن الناحية السيكولوجية (النفسية) ستبقى تُراوح في مكانها حيث أنها ستحمل دائماً درجة عالية من التشكّك وعدم اليقين. وهذان الشقان إن ترابطا معاً سيغيران بشكلٍ جذريّ الحسابات الجيوسياسية للدول في المنطقة وللقوى الخارجية أيضاً، وبشكلٍ خاصّ الولايات المتحدة الأمريكية التي لها مصالح استراتيجية هامة والتزامات أمنية لحلفائها في المنطقة.
القضية الأولى المقلقة هي انتشار الأسلحة النووية: لا شكّ أن امتلاك إيران للأسلحة النووية سيشجّع دولاً أخرى في الشرق الأوسط على الحذو حذوها بالرّغم من أنّ هناك إجماع واسع في الرأي بين العلماء والقادة السياسيين بأن إيران لن تستخدم مثل هذه الأسلحة ضد أي من خصومها لسببين: أ) لأنها تخشى ضربات نووية انتقامية من طرف الولايات المتحدة و/أو إسرائيل وهذه ستلحق أضراراً جسيمة بإيران و ب) امتلاك الأسلحة النووية يخدم مصالح إيران الإستراتيجية بشكلٍ أفضل من استخدامها الفعلي.
ولكن هذه كله، على أيّة حال، لا يقدّم اطمئناناً كافياً للدول التي تشعر بأنها مهدّدة من قِبَل إيران، مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي لا تمتلك أسلحة مماثلة. هذه الدول تنظر لإيران على أنها عدوّ دائم ولذا فهي لا تريد أن تعيش تحت مظلة تهديدٍ نووي. فإسرائيل، التي يُعتقد بأنها تمتلك قدرات نووية هائلة، ترغب في الإحتفاظ بتفوقها النووي ولا تستبعد احتمال أن تقوم الزمرة الدينية الحاكمة في إيران، بتشجيعٍ أو اندفاعٍ من قوى دينية، بالتفكير في استخدامها.
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، فهذه قد تصبح على الأرجح الدولة الأولى التي ستسعى للحصول على أسلحة نووية تمتلكها دون الضرورة للدخول في عملية لتطوير برنامج نووي لأن السعودية بحاجة لامتلاك قدرات ردع نووية خلال فترة قصيرة جداً من الوقت إذا أصبحت إيران قوّة نووية. وللوصول إلى هذا الهدف، من المرجح أن يشتري السعوديون أسلحة نووية "جاهزة الصنع" من الدولة الإسلامية السنية، الشقيقة الباكستان. والمال على ما يبدو بالنسبة للسعوديين ليس مشكلة إذ أن بإمكانهم صرف مليار دولار أو مليارين لحيازة قدرات ردع نووية كاملة بمساعدة علماء وفنيين نوويين باكستانيين.
هذا يعني بأن انتشار الأسلحة النووية لن يكون مقتصراً على المملكة العربية السعودية، بل قد تحذو حذوها دول عربية أخرى مثل مصر، وبالأخصّ لأن مصر تسعى لاستعادة دورها القيادي التقليدي في العالم العربي وقد تفعل كلّ ما بوسعها لصدّ طموحات إيران في الهيمنة على المنطقة. لا مصر ولا المملكة العربية السعودية ولا إيران نفسها ستتردّد في الإنسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في حالة ما اتّضح بأن إيران تمتلك الأسلحة النووية.
القضية الثانية المقلقة هي أن إيران ستصبح القوة المهيمنة على المنطقة مجهّزة بأسلحة نووية تضعها في وضعٍ يرهب دول الخليج ويستأسد عليها لقبول إملاءاتها السياسية، فإيران متورطة في نشاطات مدمّرة في البحرين وغيرها من دول الخليج مثيرةً للشغب والقلاقل عن طريق الأقليّات الشيعية. وقد اكتسبت العداوة القديمة ما بين الدول السنية وإيران الشيعية زخماً أكبر الآن نتيجة الحروب الدائرة في العراق وسوريا والتي تخوض من خلالها إيران والمملكة العربية السعودية، مدعومة بدول خليجية أخرى، حرب وكالة ضد بعضها البعض.
والقضية الثالثة المقلقة هي احتمال الوقوع في خطأ في الحسابات: فبالنظر إلى الإضطرابات والثورات التي يمرّ بها الشرق الأوسط والتي من غير المرجح أن تخمد في وقتٍ قريب، فإن دول المنطقة ميّالة للخطأ في الحسابات، لا بل هي على حافة مثل هذا الخطأ. وإذا تبيّن بأن البقاء على قيد الحياة في خطر، فإن التوتر العالي يضيق من مجال التعامل بحذر والتدقيق في الأمور قبل اتخاذ القرارات، وتحت هذه الظروف يتصرّف الناس كما في جو من الأزمات يصبح فيه الوقت والإستعجال ذات أهمية كبرى وقرار اتخاذ إجراء فوري يهيمن على كلّ الإعتبارات. ولذا فإن ارتكاب خطأ في حساب نوايا العدو قد يؤدي إلى نتائج كارثية.
القضية الرابعة المقلقة هي احتمال وقوع بعض التركيبات النووية، مثلاً ما يسمّى بِ "القنابل القذرة" (وهذه عبارة عن اتحاد مواد مشعة مع متفجرات تقليدية) في الأيدي الخاطئة أو حتى تزويدها عمداً لمجموعات إسلامية متطرفة. هذا يعني كلّما زاد انتشار الأسلحة والمواد النووية في المنطقة، زاد معه خطر أن تقوم مثل هذه المجموعات باستخدام هذه المواد ضد أعدائها، بصرف النظر إن كانوا سنيّين أو شيعيّين أو إسرائيليين. فما يمكن تصوره أو تخيله هو أن تقوم إيران بتزويد مثل هذه الأسلحة لحزب الله لكي تردع بها إسرائيل من مهاجمة منشآتها النووية. أضف إلى ذلك، قد تقوم مجموعات إرهابية بسرقة مثل هذه الأسلحة. ولا يمكن استبعاد أيّ من هذه السيناريوهات لأن المملكة العربية السعودية ومصر ولربّما دول أخرى – كما ذكرت سابقاً – قد تنسحب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وستترك بدون عمليات تفتيش صارمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. زد على ذلك، هناك العديد من المجموعات الجهادية، وبشكلٍ خاص القاعدة، التي لن تفوّت أية فرصة لوضع يدها على مثل هذه الأسلحة.
أما القضية الخامسة المقلقة فهي أن حيازة إيران للأسلحة النووية تتناقض مع الرغبة التي عبّر عنها المجتمع الدولي أكثر من مرّة والمتمثلة في جعل منطقة الشرق الأوسط معزولة من السلاح النووي. والنقطة هنا أنه باستثناء جنوب إفريقيا التي قامت بتفكيك أسلحتها النووية تحت ظروفٍ فريدة من نوعها، لم تقم بعدها أية دولة تمتلك أسلحة نووية بتفكيك مخزونها النووي أو التخلي عنه.
ومع انهيار الإتحاد السوفيتي أعادت عدّة دول شرقية حليفة لروسيا، مثل أوكرانيا وروسيا البيضاء (بيلاروس) وكازاخستان، أسلحتها النووية الموروثة إلى روسيا. وخلال العقد الماضي من الزمن قامت الولايات المتحدة وروسيا بتخفيض فقط لمخزونها النووي. وأما أحدث ثلاثة أعضاء في النادي النووي وهم كوريا الشمالية والباكستان والهند فهذه تقوم في الواقع بزيادة وتعزيز مخزونها من الأسلحة النووية.
المشكلة هنا أنه في حالة حيازة دول أخرى في الشرق الأوسط أسلحة نووية سيكون من المستحيل تقريباً تحرير المنطقة من هذه المستودعات المرعبة من الأسلحة. وبالفعل، إذا كانت الفكرة هي جعل الشرق الأوسط منطقة معزولة من الأسلحة النووية، فإن إضافة قوة نووية أخرى لا يتوافق بتاتاً مع هذا الهدف العام.
وأخيراً، فإن الدول المجهزّة بمخزون من الأسلحة النووية تميل إلى اتخاذ مخاطر أكبر وتتصرّف بتهوّر بسبب شعورها المتزايد بالحصانة. كوريا الشمالية تجسّد مثل هذا التّصرف وليس هناك سبب للإعتقاد بأن إيران ستتصرّف بشكلٍ مختلف. لقد هدّدت كوريا الشمالية في مناسبات عديدة شقيقتها كوريا الجنوبية وحاميها، ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية. هذا قد يؤدي إلى "حريق جديد هائل" بين الكوريتين سيورّط بشكلٍ شبه أكيد الولايات المتحدة، وهو سيناريو ممكن تطبيقه على الصراع القائم حالياً بين المملكة العربية السعودية وإيران أو بين إسرائيل وإيران.
وهناك من يتساءَل عن الأسباب التي تستدعي منع إيران من حيازة الأسلحة النووية في حين أن إسرائيل تمتلك – كما هو معروف – مخزوناً هائلاً من هذه الأسلحة. وبصرف النظر عن صحّة أو عدم صحّة هذا الجدل، فإسرائيل تشعر نفسها محاصرة. إنها مهدّدة بوجودها حاضراً ومستقبلاً من قِبل إيران وليس العكس. الدليل على ذلك أن إسرائيل مثلاً لم تكن قلقة عندما قامت الباكستان بتطوير أسلحتها النووية لأن الباكستان لم تهدّد يوماً إسرائيل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.
يجب أن يُفهم هذا أيضاً في سياق مخاوف إسرائيل الشديدة حول أمنها القومي. فبالنظر للتجارب التاريخية، تأخذ إسرائيل أية تهديدات بوجودها بمنتهى الجدية ولن يوقفها أي شيء لإبطال مثل هذه التهديدات.
وبالرّغم من أن إسرائيل قد تبنّت طيلة الوقت سياسة الغموض النووي ولم تؤكد أو تنفي حتى الآن امتلاكها للأسلحة النووية، غير أنها ذكرت في عدّة مناسبات بأنها ستشارك في أي جهد لجعل الشرق الأوسط منطقة معزولة السلاح النووي في حالة التّوصل لسلامٍ شامل مع العالم العربي والإسلامي، بما في ذلك إيران، وبقاء هذا السلام ثابتاً لعدة سنوات لكي يتأصّل جسدياً ونفسياً بين شعوب المنطقة.
ولهذه الأسباب، من الضروري جداً أن تكون الاتفاقية بعيدة المدى – التي يتمّ التفاوض حولها في الوقت الحاضر بين الدول الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي وألمانيا من ناحية وإيران من الناحية الأخرى – محكمة تماماً وتستطيع أن تمنع إيران بجدارة من الحصول على سلاحٍ نووي مهما كان هذا الإحتمال بعيداً.
وللتأكيد، إن أصبحت إيران نووية فإنها ستعجّل من انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيشكّل غيمة سوداء هائلة وراعدة تحوم حول المنطقة ولن يعلم أحد متى وأين ستضرب العاصفة المتجمعة. يجب أن تبقى كلّ دولة على قدرٍ عالٍ من الحيطة والحذر، وهذه أفضل وصفة لمنع الخطأ في الحسابات وحدوث فوضى بعواقب لا يمكن التنبؤ بها.
ع الــفــاضــي
بقلم: حسن البطل – الايام
تدوير "الكرتنة"
فهمت من العدد الثامن لمطبوعة صادرة عن بلدية رام الله معنونة "رسالة بلدية رام الله" أنها فصلية، لأن ذاك العدد يغطي نشاطات ومشاريع البلدية من أيار (مايو) إلى آب (أغسطس).
لم أتصفح العدد التاسع بعد، فإن صدر ووصلني سأقرأ عن مشروع ما وكيف مشى، وآخر ولماذا تعثر. آمل أن يمشي مشروع بلدي يحمل عنوان "غرين سيتي"، ومن تفاصيله وضع مستطيلات حديد شبك رشيقة وجميلة، جانب كل حاوية قمامة.
الغاية هي "تدوير" صناديق الكرتون (ريسيكل).
هذا مشروع بلدي ثان في مجاله، وسبقه مشروع غير بلدي، قال صاحبه إن طموحه تغطية حاجة "الكرتنة" الفلسطينية بنسبة 40 - 50٪ . لكنه فشل، لأسباب فنية (شكل صناديق الجمع) أو أسباب أعمق هي حداثة فكرة "التدوير" لدى الجمهور، وبالذات لدى أصحاب المحلات التجارية.
في بلاد أخرى ترسخت فيها فكرة "التدوير" يبدأ التطبيق من البيوت، ويشمل مروحة واسعة من المواد (الزجاج، المعادن، الملابس .. وحتى بقايا الطعام لجعلها سماداً أو طعاماً للخنازير).
لي ملاحظات، عملية غير جمالية، على تنفيذ فكرة تدوير صناديق الكرتون، تبدأ بشكل الصناديق، حيث توجد فتحة ضيقة في اعلاها، وسقف مغلق، وقفل بمفتاح في بابها؟
لماذا ليست الفتحة أكبر، لأن "همة" الناس قليلة في طي و"تستيف" الصندوق الفارغ .. او ما الحاجة الى سقف مقفل وقفل على الباب؟
ومن ثم، فالحاوية جانبها مليء بصناديق فارغة بعضها كبيرة الحجم مثلاً، بدلاً من طيها وادخالها في الفتحة .. او ان جامعي القمامة يستفيدون من الصناديق لتحميل عربات الجمع بما فوق طاقتها.
مع ذلك، بدأ المشروع مهدداً بالفشل، كما بداية مشروع مواقف الدفع المسبق، التي تعثرت في البداية بسبب اعمال واسعة لتحديث البنية التحتية والسطحية لشوارع وساحات مركز المدينة .. وبعد ذلك، أمكن بالغرامات تنشيط المشروع، وانطلاقه من جديد.. نصف - نصف!
شيئاً فشيئاً بدأت "ثقافة" طي صندوق الكرتون الفارغ، وادخاله في الفتحة الضيقة، وايضاً طي الصناديق الفارغة أمام المحلات التجارية، لتقوم البلدية بجمعها حيث لا مكان لحاويات القمامة الكبيرة .. يلزم البلدية سيارات جمع مع مكبس!
بدأ المشروع يبدو "ع الفاضي" لكن مع الزمن صار "نصف الكأس مليئاً ونصفها فارغاً" .. لا بأس والى الأمام!
ترويض الرصيف لحقوق المعاق
بعد أن انتهت البلدية من توحيد بلاط أرصفة شوارع مركز المدينة، وتذليلها هندسياً لتراعي تفاوت ارتفاعات الرصيف، فطنت الى حقوق المعاق الفلسطيني، وقامت باستكمال تذليل فوضى هندسة الارصفة، بتذليل حافّاتها لتسهيل اجتياز عربات المعاقين لها.
الخلل في هكذا أمر يتحمله سائق السيارة، او صاحب عربة البسطة، وحتى شرطي السير.. ولا أحد منهم يترك فتحات عربات المعاقين حرّة من العائق، او بفرض مخالفة على المخالف.
.. إلا اذا كان المعاق حركياً في اقدامه السفلى صاحب سيارة، فتعطيه البلدية "حقوق موقف" خاص، مع اشارة للتنبيه "ممنوع الوقوف" لغير سيارات المعاقين وأحياناً ارقام موقف خاص جانب المتجر!
في هذا الأمر، تتعاون شرطة السير مع موظفي مواقف البلدية للدفع المسبق، وتقوم بمخالفة المخالفين بغرامة مالية عالية نسبياً.
أرى ان المسألة هي هضم حقوق المعاق الذي يقود عربة يدوية الدفع، أو آلية الدفع، لأن سدّ فتحة العربة على الرصيف يعيق المعاق عن استعمال هذا التسهيل .. وجميع مداخل العمارات الحديثة تقدم تسهيلات جيدة!
يبدو جهد البلدية في تذليل حواف الأرصفة "ع الفاضي" .. حتى الآن!
شارع القدس (فلسطين!)
بلدية البيرة لحقت بلدية رام الله، وقامت بإعادة تأهيل شارع القدس، بدءاً من مستديرة المنارة، بنية تحتية جديدة، ولكن مع بنية سطحية جميلة حقاً، ذات هندسة عملية.
هكذا، تحوّل من شارع كثيف المرور، وواسع ورصيف فوضوي، بلا شجرة او نبات اخضر، الى شارع جيد الرصف مع أشجار زيتون معمرة، او أشجار نخليات كبيرة، او "حواجب" جانبية لنباتات محمية بسياج حديدي مشغول .. (أحياناً يكسرونه)!
لكن، سرعان ما أصبحت "الحواجب" الجانبية الجميلة والخضراء كأنها مكبّات مفتوحة لبقايا عربات الخضار، وصناديق الكرتون، ولا يقوم عمال التنظيفات برفعها أولاً بأول، كما يفعلون بقمامة الشارع وأرصفته .. نصف - نصف!
* * *
بجملة أسباب متداخلة، انتهى مشروع "سوق رام الله" الشعبي - شارع المعاهد، الى الإغلاق .. وعادت البسطات والتبسيط الى الأرصفة.
كتبتُ عن هذا، ولكن المفارقة هي أن النشرة، رقم 8 رسالة البلدية، تحدثت عن مشروع نموذجي يستفيد منه الباعة من ذوي الأسرى والشهداء، وذوي الإعاقة.
الافتتاح كان رسمياً جداً، رئيس الوزراء وزير الاقتصاد، محافظة رام الله، رئيس بلدية بيتونيا، شرطة المحافظة ..الخ. كان المشروع يبدو نموذجياً في جماله.
ربما أقرأ في العدد التاسع عن أسباب الفشل، وإغلاق السوق .. لأنه كان مشروع "ع الفاضي"!
معظم المشاريع ناجحة وهي كثيرة و"ع المليان" لكن بعضها "ع الفاضي".
جامعة بيرزيت.. ويهودية الدولة
بقلم : عبد الناصر النجار – الايام
لا ندري لماذا اختار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو جامعة بيرزيت لكي تكون منبراً لخطاب يريد من الرئيس أن يعلن فيه قبوله بالدولة اليهودية... لعلّ السبب يعود إلى أن الجامعة ما زالت عند الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إحدى الركائز الأساسية للعمل الوطني، أو لأنها خرّجت معظم القيادات الفلسطينية في الصف الأول أو الصف الثاني... أو لأن طلبتها هم "الأكثر راديكالية" وفق تعبير بعض وسائل الإعلام، خاصةً بعد وقوع حوادث لشخصيات أجنبية زارت الجامعة ولم تعجب آراؤهم بعض الطلبة أو لأن مواقف حكوماتهم في تلك الأيام لم تكن تتساوق مع رؤية دول وشعوب المنطقة للاعتداءات الإسرائيلية.
ولكن بصرف النظر عن مسوّغات نتنياهو لهذا الاختيار، فإن ردّ الجامعة كان واضحاً خلال الأيام الماضية... وحددته الحركة الطلابية بكافة مكوناتها بعد أن اغتال جنود نتنياهو الطالب في دائرة الإعلام ساجي درويش بدمٍ بارد... كانت صرخات المشيعين تؤكد فلسطينية هذه الأرض التي زرعتها قوات الاحتلال على مدى 45 عاماً بمئات المستوطنات التي شوّهت الأرض، فترى هذه الكتل الإسمنتية كالسرطان تنتشر في جسم الأرض الفلسطينية.
كان الأحرى بحكومة نتنياهو أن تستجيب لنداء السلام الفلسطيني الممتد على فترة مفاوضات ستدخل عقدها الثالث دون أن يكون هناك بصيص أمل... حيث أعطى الفلسطينيون كل ما يمكن في سبيل سلام عادل... لم يتبق لهم من أرض فلسطين التاريخية سوى أقل من ربعها... رغم أن قرار التقسيم الذي رفض في حينه كان يعطي الفلسطينيين نصف أراضي فلسطين التاريخية... وقد تنازل الفلسطينيون في اتفاقات أوسلو أكثر بكثير مما هو متوقع.. ورغم ذلك لم يحصل الفلسطينيون على الحد الأدنى مما هو منصوص عليه في هذه الاتفاقات... وظل الاحتلال سيد الموقف ولكن بصور مختلفة... بمعنى أنه قد يكون غادر فناء المنزل ولكنه ما زال أمام البوابات والنوافذ الرئيسة...
إذن يهودية الدولة ليست إلاّ مسماراً أخيراً يدقه نتنياهو وحكومته في نعش جهود السلام التي تحاول الإدارة الأميركية إنعاشها بشتى السبل... وأهمها مزيد من الضغط على القيادة الفلسطينية تهديداً ووعيداً، وربما في بعض الأحيان رشوة في هذا المجال أو ذاك، وخاصة الوضع الاقتصادي والمالي الصعب للسلطة الفلسطينية.
إن هذيان القيادة الإسرائيلية لم يكن لولا هذا الضعف العربي.. مع ربيع لم يزهر قط، بل تحوّل إلى مزيد من الجفاف والأشواك الضارة المنتشرة هنا وهناك.
الأخطر هو زجّ الدين بطريقة فجّة ليس لشيء إلاّ لكسب مزيد من الوقت، مع تسارع مسلسل التهويد، خاصة في القدس والمنطقة المحيطة بها، لتكثيف البناء الاستيطاني والاستيلاء على مزيد من الأرض الفلسطينية.
إذن بيرزيت قالت كلمتها مدوّية لنتنياهو وليس فقط الجامعة، ولكن الجامعات الفلسطينية جميعها والحركة الطلابية قاطبة... ونحن نلاحظ أن جيلاً من الشباب اليوم هو أكثر قوةً وإصراراً على الحفاظ على الثوابت الوطنية، وتصميماً على الحق الفلسطيني رغم كثرة الأعداء وتعددهم...
قد يرى البعض أن الوقت ليس في صالح الفلسطينيين، وكلما تأخروا فإن قضيتهم تفقد وهجها... ونحن نقول بالصمود وبقوة الحق إن لم يستطع هذا الجيل فليترك ذلك للأجيال المقبلة... ولكن لا تسجلوا على أنفسكم أيها الفلسطينيون والعرب أنكم تنازلتم مقابل لا شيء... وتراجعتم في سبيل إنجازات وهمية...
الفلسطينيون والعرب هم الأصل في هذه المنطقة... وسيظلون كذلك... وكل المحاولات من أجل اقتلاع الفلسطينيين ستفشل... كما أن كل الجهود التي يبذلها نتنياهو وقيادة الاحتلال وحلفاؤه من أجل ما يسمى الدولة اليهودية لن تكون إلاّ هباءً منثوراً.. دم الشهيد ساجي كان أكثر من خطاب وأهم لغة واقعية، فهل وصلت الرسالة إلى آخر احتلال في هذا العالم!.
أداروا المعركة وفق نظرية صن تزو ولكن الحساب المؤجل مع "حماس"
بقلم: حسين حجازي – الايام
في أقل من ساعتين كانت الضربة الصاروخية التي قامت بها "الجهاد الإسلامي" قد انتهت، نحو 130 صاروخاً دفعة واحدة وعاد الشباب الى بيوتهم بعد أن تحقق الهدف من العملية بكسر الصمت. لم تتجاوز في المدى ثمانية كيلو مترات على الغلاف المحيط بغزة، وكما لو ان الإحداثيات حسبت بالسنتمترات وليس حتى بالأمتار، لم يكن الهدف كما اتضح لاحقا إيقاع أي إصابات في صفوف العدو، وفي المساء ردت إسرائيل التي بدا عليها وكأنها بوغتت بكثافة النيران التي أطلقت، ردت التحية على "الجهاد الإسلامي" وغزة بمثلها، اذ على مدى اتساع نطاق الغارات الـ 29 التي قامت بها الطائرات الإسرائيلية، سوف يتضح لاحقاً ان الهدف كان أيضا عدم التسبب بايقاع أي إصابات في صفوف الفلسطينيين، لئلا يستدعي ذلك صعود الفلسطينيين درجة أُخرى على السلم في ردهم التالي.
وهكذا بدا لحين كما لو ان ما جرى هو أشبه بشخصين غريمين بينهم عداوة، ولكن يخشى كل منهما الآخر، التقيا مصادفةً وجهاً لوجه في الطريق فاشهر كلاهما مسدسه في وجه الآخر، ولكنهما بدلاً من ان يطلقا النار اختار كلٌ منهما التراجع خطوات الى الوراء ليختفيا في أقرب زقاق جانبي، دون ان يقر أي منهما بأنه هزم أمام الآخر.
ولكن في التحليل الإستراتيجي ماذا يمكن ان نطلق على هذا النوع من الاشتباك بقوة النيران السلبية أي بتحاشي القتال فعلياً، ان لم يكن توازن الردع؟. واذا كان توازن الردع هذا ليس انعكاساً حقيقيا لتوازن القوى المادي في الواقع أي على الأرض، بحساب وسائط القوة التي يملكها الطرفان وإنما هناك اختلال واضح وعدم تناسب في هذا التوازن بين الطرفين، فمن يكون عندئذ الطرف الذي حقق النصر او الفوز في هذه المعركة؟ والجواب واضح انه الطرف الأضعف على الأرض.
هذه جولة حربية، اشتباك آخر جرى من الناحية العملية وفق نظرية معلم الحرب الصيني (صن تزو) الذي عاش قبل خمسمائة عام قبل الميلاد، وأولى أهمية حاسمة للذكاء في طريقة الطرف الضعيف في استعمال القوة المحدودة التي يملكها على حساب توازن القوى الحقيقي أو المادي على الأرض، هنا قد ينتصر القادة المهرة في مئة معركة حربية من دون قتال، كما ينتصر كل فطين يتربص بعدو غبي، وهم هنا الفلسطينيون الغزيون الضعفاء على اسرائيل.
لكن هل بلغنا عند هذا المنحنى ذروة النهايات الأخيرة في هذه السلسلة المتصلة حلقاتها فيما يمكن اعتبارها المعركة الغزية؟، والتي بدأت كافتتاحية دامية في العام 2008 ثم في العام 2012 كجولة أقل تطاولاً، لتبلغ أخيرا ذروة المنحنى في مواجهة شبه نظيفة غير دامية كاشتباك أبيض، ولكن لتسفر هذه الجولة الأخيرة عن تثبيت الخطوط الحمراء التي تم التفاهم عليها العام 2012، كخطوط على الرمال يمكن الانقلاب عليها مع الانقلاب على الشريك المصري، الذي كان دوره حاسماً في وضعها أو رسمها، واليوم حان الوقت لإعادة تثبيتها هذه المرة على اللوحة العامة للعلامات على الحائط، ام انه من المبكر، أو بالأحرى من المضلل وخداع النفس التوصل الى مثل هذا الاستنتاج، اذا كان من غير الممكن التيقن بعد من ان إسرائيل يمكنها ان تسلم بهذه النتيجة في سجالها المتواصل مع غزة.
والواقع ان الوجه الآخر في مقاربة ما حدث ربما يحيلنا الى نظرية فرويد عالم النفس، عن العملية التي في حقيقة الأمر لا تتم بين اثنين وإنما هناك دوما أربعة أشخاص مشاركين فيها، وهؤلاء الأربعة لاعبين المشاركين فعلياً فيما جرى هم إلى جانب إسرائيل و"الجهاد الإسلامي" كلٌ من مصر و"حماس"، وان اللعبة الحقيقية هي بين هذين اللاعبين الأخيرين المستترين أي مصر و "حماس"، وان هذا الإدراك هو الذي سوف ينتج لنا تفسير ما جرى على وجه التحديد او الخصوص، ولماذا اتخذت هذه الجولة الأخيرة هذا الطابع المحدود الذي بدا وكأنه على قدر من التنسيق، كما لو ان يداً خفية هي التي قامت بتوزيع الأدوار فيما يشبه مناورةً تمثيلية تحاكي معركة حقيقية تحبس الأنفاس ولكن ليست بمعركة حقيقية.
لعلكم تذكرون هنا السبت الماضي أننا أشرنا إلى خيار "حماس" الأخير في مواجهة الضغوط عليها بالذهاب الى تصعيد عسكري مع إسرائيل، لكن ما حدث ان "حماس" أعطت الضوء الأخضر لـ "الجهاد" بالتصعيد واكتفت بالوقوف وراء الستارة، وكانت هذه مناورة بارعة من جانب "حماس"، لعب ورقة "الجهاد" وان تبقى هي كاحتياطي استراتيجي تمارس التهديد المباشر لإسرائيل في حال وسعت إسرائيل من ردها، الى هنا نجحت "حماس" في لعبة توزيع الأدوار، لكن بينما انتظرت "حماس" ان يتصل بها الجانب المصري باعتبارها هي اللاعب الرئيسي في غزة، فإن المصريين الذين بادروا من أنفسهم هذه المرة بإجراء الاتصالات، عملوا على تجاهل "حماس" والاتفاق مع إسرائيل و"الجهاد الإسلامي" على وقف إطلاق النار أو تثبيت التهدئة. وهكذا بدلا من ان تظهر "الجهاد" وكأنها حصان "حماس"، قال المصريون لماذا نعطي الرصيد لـ "حماس" الإخوانية اذا كان يمكن الرهان على فرس "الجهاد" لمزيد من فرض العزلة على "حماس" ولو على المستوى المعنوي باعتبار هذا النصر لـ "الجهاد" وليس لـ "حماس"؟.
وهكذا كرماً للنظام السياسي الجديد في مصر لم تعترض إسرائيل ليبدو كما لو ان الجميع خرج راضياً ولكن مع إضمار الحساب الحقيقي والمؤجل من قبل إسرائيل وربما مصر لاحقاً في مناسبة أُخرى مع "حماس" الخصم المشترك لإسرائيل ومصر على حد سواء.
لكن ومرة أُخرى هل هذا التصور واقعي أو صحيح؟ والجواب هو عند "الجهاد الإسلامي" التي قال المتحدثون باسمها إن هذه التخرصات ليست إلا من قبيل خيال مريض لبعض الأطراف التي تحاول الالتفاف على تماسك ووحدة المقاومة، واتفاقها المشترك على أي خطوة او مبادرة يقدم عليها احد الفصائل في مسعى لتفكيك هذا التلاحم والتسلل ما بين الشقوق بعد اصطناع هذه الشقوق، وأرى شخصياً هنا أن أداء المتحدثين السياسيين والعسكريين باسم "الجهاد الإسلامي" لم يكن أقل في مستواه عن أداء الذراع العسكرية للحركة في هذه المعركة، اذ حرص الجميع هنا على إيعاز الفضل فيما تحقق لهذا التوافق الفصائلي الفلسطيني ككل دون استثناء، لعب "الجهاد" الدور الرئيسي في العملية باسم الجميع، وهذا لم يحدث هذه المرة فقط وإنما في مواجهات سابقة كان توزيع الأدوار فيها سبباً للنجاح، اذا كانت المقاومة بلغت من النضوج والذكاء والحنكة، بحيث تعرف ليس متى تقاتل ولا تستدرج للقتال ولكن هذه الحكمة التكتيكية البارعة متى تقاتل بكل الفريق القومي ومتى تقاتل بأحد الفرق المحلية، وإذا كانت نبرة الصوت الهادئة ولكن الأكثر ثقة بالنفس من أي وقت سابق، فإن ما جرى في الأيام الأخيرة يعطي انطباعا واضحاً ان المقاومة في غزة تملك القدرة لترجمة ما تقوله إلى واقع أكثر من أي وقت مضى.
كان الله، وكان الناس، في عونه
بقلم: صادق الشافعي – الايام
بعد غد في17/3 يلتقي الرئيس الفلسطيني أبو مازن في واشنطن مع الرئيس الأميركي أوباما بناء على دعوة رسمية من الأخير. الهدف من الدعوة واللقاء هو الدفع بعملية المفاوضات وإعادة الحركة لها بهدف الوصول بين طرفيها الى اتفاق إطار قد يمهد في وقت لاحق وغير محدد إلى حل. ولنفس الهدف كانت دعوة أوباما لرئيس الكيان الصهيوني واللقاء معه في بداية الشهر الحالي.
إن وصول الأمر إلى درجة تستدعي تدخل الرئيس الأميركي بنفسه مباشرة والرمي بثقله وثقل منصبه يعيد تأكيد حقيقتين: الأولى، أن جهود وزير خارجيته كيري ومساعديه الثلاثين وأكثر، وبعد جولاته الكثيرة الى المنطقة ولقاءاته الأكثر فيها، قد وصلت الى طريق مسدود.
والحقيقة الثانية أن أميركا مستميتة ألا تفشل حتى لو عنى ذلك الوصول الى اتفاق شكلي لا قيمة موضوعية له (مثلاً، أفكار للتفاوض من حق كل طرف التحفظ على اي فكرة فيها). أو حتى لو عنى ذلك، الاتفاق فقط على استمرار المفاوضات. ويبدو ان هذا هو هدف أميركا الآن. المهم لأميركا ألا تصدر نعوة انتهاء المفاوضات وفشلها، فهي لا تحتمل فشلاً إضافياً الآن.
إن استمرار المفاوضات بعد الموعد المتفق عليه لا يعني للطرف الإسرائيلي شيئا، ولكنه يعني بالنسبة لنا استمرار الجدل الخلافي والتشكيك، ويعني أيضا بقاء حركتنا الدولية تحت الوصاية الأميركية وضمن أسرها ويعني عدم بلورتنا لطريقنا البديل وانطلاقنا فيه.
إذن، الرئيس أبو مازن سيكون في زيارته ولقائه مع أوباما، وربما مع غيره، عرضة لضغوط هائلة ومن كل نوع وفي كل مجال، وستطال كل الوضع الفلسطيني.
ولن يقابل هذه الضغوط إغراءات ذات قيمة، فالموقف العدواني المتعنت لحكومة الكيان الصهيوني لم يترك للإدارة الأميركية فرصة لتقديم اية إغراءات. الإدارة الأميركية في الغالب ستحاول استحضار ضغوط إضافية من حلفاء لها، وقد يترافق مع هذه الضغوط الإضافية بعض الإغراءات في المجالين المالي والاستثماري.
المقدمات التي تسبق اللقاء بدأت بالظهور وبشكل متناغم بين أميركا وإسرائيل: المقدمات الإسرائيلية، جاءت على شكل الإصرار، ومن على الأرض الأميركية نفسها، على كل المطالب التعجيزية المرفوضة وأولها وجوب الاعتراف الفلسطيني بيهودية دولة احتلالهم، وعلى شكل تصعيد عنفها وزيادة وتيرة ومعدلات القتل والاغتيالات ضد المدنيين الفلسطينيين بدون تهديدات تذكر. وجاءت ايضا، على شكل تمرير قوانين عنصرية تتوجه الى محاولة قسمة المجتمع في مناطق1948 بين فلسطيني ومسيحي، وكأن المسيحي ليس فلسطينيا أصيلا ومن ملح الأرض، والى محاولة خنق دور قواه السياسية ونسبة تمثيلهم. أما المقدمات الأميركية، فظهرت من خلال عدم ضغطها، ولا حتى مطالبتها الجادة، القيادة الصهيونية بالتنازل عن أي من مطالبها، بل قامت بدل ذلك بالإطراء على إيجابية مواقفها وتعاطيها مع المفاوضات. حتى الإعلان الأميركي باعترافها هي بيهودية دولة الكيان وترك الاعتراف المتبادل بين الطرفين للتفاوض لم يقترن بالقول إنها ستسقط بند وجوب الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة المحتلة من مشروع اتفاق الإطار الذي ستطرحه على الطرفين إذا ما قدّر للمفاوضات ان تستمر.
وإذا كانت الضغوط على الرئيس ستأتي أساسا من أميركا وحلفائها، فان ذلك لا يلغي إمكانية وجود ضغوط محلية وربما داخلية أيضا، وهذه قد تأتي من مصدرين: الأول، من قوى وهيئات وشخصيات لا تقتنع بالتفاوض لجهة المبدأ، وترفضه من ألفه إلى يائه وتمارس ضغطا للخروج منه، او من قوى سياسية تمارس ضغوطها خدمة لأجندة سياسية خاصة بها ومن اجل التشكيك بالطرف الفلسطيني المسؤول عن المفاوضات، وسعيا لتسجيل نقاط لصالحها في تنافسها، وصراعها السياسي معه. والثاني، من دعاة (أدعياء) الموضوعية والعقلانية، المنادين بقراءة الواقع المحلي والإقليمي وحقائقه، ليصلوا بالنتيجة والجوهر الى الدعوة للتجاوب مع ما يتم عرضه، حتى وان أحاطوا دعوتهم بتفسيرات أو اشتراطات يعرفون قبل غيرهم أنها شكلية ولن تصمد، وهؤلاء لحسن الحظ قلة.
الرهان اذن على قدرة أبو مازن وفريقه المفاوض على الصمود في وجه هذه الضغوط بأنواعها. ولا بد من الاعتراف أن ذلك أمر في غاية الصعوبة والمشقة، وفي غاية الخطورة أيضا.
في خطابه مع شبيبة "فتح" والذي نقله تلفزيون فلسطين بدا أبو مازن في مستوى عال من الارتياح والوضوح والثقة، ومن التمسك بمرتكزات الموقف الذي أقرته القيادة الفلسطينية ووافقت على العودة الى المفاوضات على أساسه، وكان على نفس المستوى، وبدرجة أعلى من المسؤولية، في الخطاب الذي ألقاه في افتتاح اجتماع المجلس الثوري لحركة فتح والذي نال التأييد على مضمونه بالإجماع وبالتصفيق وقوفاً.
من خطاب أبو مازن في افتتاح المجلس الثوري، نقل عنه قوله "لقد بلغت الآن من العمر 79 سنة ولن أتنازل عن حقوق شعبي ولن اخون شعبي وقضيته" اذن، هو رفع التنازل عن أي من الثوابت الوطنية المعلنة إلى درجة الخيانة، وهذا يعزز لدى الناس الراحة والاطمئنان، ويزيد من هذا التعزيز، قرار اللجنة التنفيذية للمنظمة الذي جاء على نفس الوتيرة والاتجاه ونفس المضمون.
لدى الرئيس أبو مازن في مقاومته للضغوط عدد من عناصر القوة، أهمها: إنه يدافع عن حقوق وطنية مشروعة لشعبنا الفلسطيني، وان موقفه التفاوضي ينطلق من التمسك بقرارات الشرعية الدولية والإصرار على تنفيذها، وان هناك موقفا شعبياً فلسطينياً عارماً يتمسك بحقوقه الوطنية وثوابته ويرفض بالقطع التنازل عن اي منها ومستعد لمواجهة الضغوط من اي مصدر أتت، وعناصر قوة أُخرى. كان الله، وكان الناس، في عون الرئيس.
هل من جدوى من يوم المستهلك الفلسطيني؟
بقلم صلاح هنية – الايام
هل من جديد عندما نعلن أن اليوم 15 اذار هو يوم المستهلك الفلسطيني؟
وما هو الجديد الذي سيكون يا ترى؟.
العالم يجدد نفسه سنويا على مستوى احياء يوم المستهلك العالمي في ذات التاريخ باختيار عناوين تحاكي مواضيع جديدة تضغط وتؤثر من خلالها لتحقيق تقدم أو نقلة نوعية في هذا القطاع أو ذاك. ولا ندّعي أن العالم يعيش حالة مثالية في حقوق المستهلك ولكن هناك من يحاول.
في فلسطين يأتي يوم المستهلك الفلسطيني وما زال المستهلك يعيش تحت وطأة مجموعة من القضايا ابرزها:
يذهب المواطن صوب البنك وهو لا يدري كم هي المدة الزمنية المثلى والمعتمدة عالميا لانجاز معاملته مع الانتظار في البنك، في فلسطين توجه المواطن الى البنك وهو يردد ( يوم الحراث يوم ) فيسحب الرقم وهو التطور الوحيد الذي وقع في البنك ويجلس ويطول انتظاره من ستة صناديق يعمل فقط ثلاثة صناديق وببطء قاتل، وبدخول تجار على الصناديق رغم وجود صناديق للشركات، ويضيع الوقت والمستهلك يقرأ عبارات حوله عن جودة الخدمة وعن خدمات جديدة ولكنه لا يراها على ارض الواقع، ينظر صوب المدير وصوب المراقب لعلهما يحرّكان ساكنا دون جدوى ... ويمضي يوم المستهلك.
فرق السعر للسلع الإسرائيلية المنشأ في السوق الفلسطينية يشهد ارتفاعا ويشهد انخفاضا كبيرا في السوق الإسرائيلية، واذا ناقشت تنطلق النظريات الفلسفية التبريرية لتثبت خطأ المواطن وصدقية الاخرين بصورة غريبة تماما، ولماذا لا تتم المتابعة الميدانية واجراء مقارنة للاسعار والوقوف على تفاصيل الوضع طالما أن تجار جملة الجملة يؤكدون حديث المواطن الشاكي ... ويمضي يوم المستهلك.
الرسائل المقتحمة التي تصل المشتركين عبر هاتفهم النقال تحثك على تحقيق حلمك بكبسة زر وتطلع كل كبسة زر بثلاثة شواكل وتنهال الاسئلة على من يطاوع هذه الرسائل ليجد نفسه قد غرق ولم يحقق حلمه بعيد المنال، وعندما تراجع يقال لك اننا وسيط تمر عبرنا الرسائل وليست صادرة عنا، الرسائل المقتحمة موضوع متابع لدى حماية المستهلك عالميا وفلسطينيا .. ويمضي يوم المستهلك.
السيارات الخصوصي تنافس السيارات العمومي على الركاب دون اهتمام بآمن وسلامة الركاب الفلسطينين وحين تقدم الشكوى لجهات الاختصاص المطلوب ايجاد دليل ادانة وكأن الراكب وسائق العمومي سيقومون بالمتابعة الميدانية دون دور جهات الاختصاص الملزمة ... ويمضي يوم المستهلك.
على معبر الكرامة نعلم أن الاحتلال عقبة كأداء في معاناة المسافر الفلسطيني ولكن بالامكان افضل مما كان خصوصا تعدد مناطق التوقف وتبديل الحافلات للمسافر وارتفاع نفقات السفر على المواطن دون أي حماية لحقوقه بالحد الادنى، وحتى أن المسافر الفلسطيني غير محمي في بقية العالم سواء من حيث جودة خدمات الطيران وتغير المواعيد دون ابلاغ مسبق والخدمات الفندقية ... ويمضي يوم المستهلك.
عقود الصيانة للسلع التي تباع عبر وكيل معتمد وقيام بعض الشركات بالاخلال بهذه العقود الأمر الذي يسبب ضررا للمستهلك الذي ابتاع على اساس أن الصيانة متميزة والقطع اصلية اساسا ... ويمضي يوم المستهلك.
ويظل السؤال ما الفائدة المرجوة من احياء يوم المستهلك الفلسطيني؟
هذا الواقع لا يعفي جمعية حماية المستهلك من مسؤوليتها لتشكل منظمة ضغط وتأثير لنيل حقوق المستهلك الفلسطيني، ويجب أن تعلم انه لن يقوم لها قائمة دون توسيع قاعدة عضويتها وتفعيل شراكتها المجتمعية والتميز في الاداء.
هذا الواقع يلقي على كاهل مؤسسات القطاع الخاص مسؤولية أكبر تجاه ممارسة دورها في التعامل بشفافية أكبر مع زبائنها ومستهلكي منتجاتها ومتلقي خدماتها.
هذا لا يعفي بقية مؤسسات المجتمع المدني من التحالف مع جمعية حماية المستهلك لتصعيد الحملات ضد عدادات المياه مسبقة الدفع، ومن أجل اقرار مجلس المياه الوطني وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات.
وفصل المقال يكون لدى جهات الاختصاص الرسمية الحكومية التي يقع على كاهلها دور نوعي اكبر بحكم القانون وبحكم الاختصاص والمسؤوليات الملقاة على عاتقها.
الأسـيـاد والــعـبد
بقلم: رامي مهداوي – الايام
كنت ممن توقع فوز فيلم "12 عاماً من العبودية" بجائزة الأوسكار 2014، فيلم مبني على سيرة ذاتية "لسليمان نورثوب"، هو شخص أسود حر يتم اختطافه في واشنطن سنة 1841 ويباع إلى العبودية، سليمان عمل كعبد 12 سنة في إحدى المزارع في ولاية لويزيانا قبل أن يطلق سراحه، الفيلم من إخراج "ستيف ماكوينهي". كثير من الأفلام في سنوات مختلفة تحدثت عن قضية العبودية لكن هذا الفيلم قدم أسئلة جديدة للتفكير بها بمفهوم العبودية والحرية.
العلاقة جدلية بين السيد والعبد، نجد هيغل في كتابه "ظاهرة الروح" يطرح جدلية هل السيد من صنع العبد نتيجة لسلوكه العبودي أم العبد من صنع السيد نتيجة لاستبداده؟ هيغل كان يرجع مشروعية السيادة الى السيد الذي يمتلك الشجاعة ويخاطر بماله وروحه والعبد الذي يرضى بالخضوع الى ظروفه. سأحاول النظر الى واقعنا من منظور السيد والعبد كما أراها في بنية مجتمعنا في الوقت الحالي، بالتأكيد لن أستطيع رسم الواقع كاملاً لكن هذه محاولة للتفكير!!
في الزمن الحالي، مفهوم السيد يأخذ أشكالاً مختلفة عن السياق التاريخي للكلمة على الرغم من وجود السيد في مختلف مراحل التكوين الفلسطيني، لكن هناك علاقة واضحة بين السيد والآخر الذي ليس بالضرورة أن يكون عبداً بما تحمله الكلمة من معنى، مع الأخذ بعين الاعتبار وضوح العلاقة بينهما في الماضي كنوع من الأدوار الوظيفية في كينونة وبنية المجتمع.
في هذا الزمن لا وضوح للعلاقة مما يشكل عدم معرفة في أي نوع عقوبة سيتم إسقاطها عليك_ بحق أو دون حق_ وربما كان الحق بأن تقوم أنت بمحاسبة من تريد ضمن مفهوم المواطنة التي بدأت بالأساس تتآكل مع شرعنة الأسياد بأنهم أسياد.
في حالتنا الفلسطينية تجد عبدا لسيد ليكون سيدا لعبيد_ ما بقصد حد معين، بقصد الكثيييييييييير_ في مختلف القطاعات، وتجد هذه الحالات من حيث الفعل ذاته أو انعكاسات فعل الفعل، بالتالي يتم خلق أبوية مضطهدة تريد أن تخلق لنفسها صورة السيد لأنه بالأصل فاقد التواصل مع حيزه ودوائره المختلفة بسبب أخلاقه التي لا ترتقي بالأصل لمفهوم الإنسان أو المواطن، بالتالي يريد أن يعوض فقدانه للكثير من الأخلاق أو المعرفة وحتى التعليم، لهذا تلد ذاته ذاتا فوقيه.. متعالية.. متكبرة... جائعة للمنصب... مدمرة لمن حوله من أجل الحفاظ على كينونته بمصالحها المختلفة.
الأمثلة على الفقرة السابقة تجدها في الدوائر المحيطة بنا من الشارع، التلفاز، المؤسسة "الحكومية، الخاصة، الأهلية" وأيضاً في العائلة النووية أو الممتدة. فنجد بأنه أصبح للمرافق مرافقون!! قرارات دون مرجعية فقط لأنه من جماعة س أو ص بمبررات لا معنى لها فضفاضة!! عدم محاسبة س رغم ثبات التهمة بالدليل القاطع لأنه عبد عند السيد والسيد علينا ينفذ سياسة سيده!! الانتقائية في الفعل أو عدمه بما يضمن تنفيذ رؤيته هو من أجل ضمان عدم مزاحمة أي عبد يريد أن يكون سيدا على الآخرين بخنوعه الكامل، لسيد يقدم له امتيازات تجعل منه سيدا على الآخرين، حتى في الأسواق التجارية المتنوعة تجد في المطعم مثلاً مسميات تعزز بيئة ولادة علاقة السيد والعبد والعبد السيد "كبير الخدم". لن أدخل في أمثلة أخرى حتى لا يتم الاتصال بي من عبد يقول لي أنا سيد الأسياد، يا سيدي إنت على راسي من فوق وخرابيش سعادتكم ترسم مستقبلنا!!
تم خلق بيئة خاصة للعبيد وهذه البيئة ليس بمفهوم الحيز المكاني كما كان في القرن الماضي بإنشاء حظائر خاصة للعبيد، أو كما كان الاستعمار في جنوب إفريقيا بصناعة "الغيتو". في بيئتنا الفلسطينية تعتمد هذه البيئة بالأساس على نظرية العصا والجزرة من جانب والعولمة الاستهلاكية من جانب آخر، فأنت يجب أن تكون كما يريد الأسياد وإلا سيتم طردك من "ملكوتهم" فتشاهد بسبب الجوع العصا أنها الجزرة، ولتكتشف مع الوقت بأن ما هو مربوط بين العصا والجزرة عبارة عن ديون، قروض، مواد مستهلكة على الرغم بأنك أنت من استهلكتها وباختيارك، إلا أن ذلك كله يصب في محصلة مصلحة السيد!! والسيد هنا يستخدم مبررات مختلفة لتبرير استخدامه العصا ولتبرير أن علاقة السيد والعبد مبررة أخلاقياً، وطنياً، دينياً اقتصادياً، ثقافياً.
وعودة لفيلم " 1 عاما من العبودية" نجد السيد يؤمن بأن الحق في إساءة معاملة عبيده مقررة في الإنجيل، ويشجع العبيد على قبولهم واقعهم المعاش من خلال قراءة آيات الكتاب المقدس المؤيدة للعبودية. ويطلب السيد من كل عبد أن يجمع على الأقل 90 كيلوغراما من القطن في كل يوم وإلا تعرض للجلد!! ما مدى اقترابنا من هذه الحالة ؟؟ عزيزي القارئ أترك الجواب لك سواء كنت سيداً أو عبداً أو الاثنين معاً!!
وللموت فُسْحَةً حُرَّة، بينَ حَدّ السَّيْفِ والصُّرَّة
بقلم:آصف قزموز – الايام
في جزيرةٍ في عرض البحر نائيَة، وتمهيداً لإعدامه المحتوم كالغاشيَة، لجريمة قتل ارتكبها ربما في ثانيَة، جلس المليونير في زنزانته الخاويَة، يندب حظه ومصيره وافتضاح سيرته المتواريَة، فأُمه هاويَة.
ولأن صاحب المال دائماً يرى بماله تملك كل شيءْ، وقضاء حاجاته في أي شيءْ، وصاحب النفوذ يرى العالم ملكاً له بجاهه وسلطانه، واللص يرى في الناس لصوصاً فلا يأمنهم على أنهم لصوص، تماماً مثلما يرى الطيبون كل الناس طيبين فيقعون بطيبتهم. قرر المليونير رشوة السجان بأي مبلغ يريدْ، مقابل تهريبه من السجن وأقفاص الحديدْ، ( علشان هيك ثبت بطلان مقولة لفلوس وسخ إيدين، وأصبحنا أمام حقيقة من يملك المال يملك كل شيء، وما أكثر اللصوص والفاسدين الذين يحتمون بأموالهم أو بجاههم وسلطانهم المزيف غالباً).
فأجابه الحارس: لا يمكن خروج أي شخص من هذا السجن إلاَّ ميتاً، يعني في العاشرة من صباح كل يوم، يتم إخراج توابيت الموتى ليواروا الثرى بعيداً عن هذه الجزيرة.
( طبعاً العرض السخي الذي قدمه السجين، لا يبقي في رأس الحارس عقلاً ولا دينْا،ولا ضميرا ولا يقينْا، إذْ جعل السجان يدور حول نفسه ويفكر في الجيمِ قبل السِّينْ، وبارتكاب أية مغامرة في سبيل المال والجشَعِ الدفينْ، فابتدع طريقة جهنمية لتهريب المليونير لا على بالِ عُقَّالٍ ولا مجانينْ، وعلى فكرة، في ناس يستخدمون المال في شراء المصالح والنفوذ وآخرين يستخدمون النفوذ والمسؤولية في الحصول على أموال والرشاوى والهِباتْ، فموظف بسيط يمكن أن يجني مالاً بحكم موقعه ونوع الخدمة التي يقدمها للناس، وجاهلٌ صاحب مال، يمكن أن يحتل وظيفة ليس أهلاً لها، لكنها تحقق له مال ونفوذ لا يتحصل عليه أي نزيه صالح، وفي كلتا الحالتين يكون المال والنفوذ فسادٌ في فسادٍ في فسادِ، لمن هانَ عليهم تخريب البلادِ).
ثم أردف قائلاً: إسمع يا سيدي، بما أنه لا يسمح بخروج أي شيء من هذا السجن سوى توابيت الموتى، التي تنقل على متن السفينة التي تبحر صبيحة كل يوم صوب اليابسة البعيدة حيث يقوم الحراس بدفنهم هناك، فسأقوم بوضعك في أحد التوابيت فوق أحد الموتى، وسيدفنوك هناك، وأنا بدوري سآخذ إجازة في اليوم الموعود، وآتي فور مغادرتهم وأفتح التابوت لتخرج سالماً، وبالتالي ما عليك إلاَّ أن تتحمل بالكثير نصف ساعة ريثما أصل لإخراجك، ثم تسلمني ما اتفقنا عليه من المال، وتختفي دون أن يعلم بك أحد ويظل اختفاؤك لغزاً لا نعرفه إلاَّ نحن،( طبعاً كلنا بنعرف قديش في ناس بيعيشوا على موت الآخرين في مجتمعاتنا المعاصرة، ولك أن ترى قطع يد سارق رغيف الخبز لِسَدِّ الرَّمَق، بينما سارقي البلاد والعبادْ، طلقاء ينعمون بأموال الفسادْ، ويتحكمون بمعايير الحرية والديمقراطية لغيرهم ومن هم دونهم، لا بل وغالباً ما يكونوا المتسيدين على الفقير سارق الرغيف، وكثيراً ما تشاهد نماذج من هؤلاء يسرقون الملايين ويفتدون أنفسهم بالتخلي عن نسبة من المال المسروق، وآخرون هاربونْ، لا تطالهم يد عدالة ولا قانونْ، ولا حتى تُسائِلُهُم من أنتم ولا ماذا وكم سرقتُم. إنها العودة الميمونة لتاريخ يعيد نفسه من خلال التسيُّد والهيمنة عبر سياسات العصا والجزرة، ومباديء السَّيف والصُّرَّة، القادمات من سحيق ماضٍ أشَرّْ وسفالة حاضرٍ بَشِعْ).
السَّجين(يحدث نفسه): (طيب ما في شي أخاف عليه لأنني بالأصل ذاهب للموت على الكرسي الكهربائي، وما سأقوم به صحيح مغامرة لكنها أهون من الموت المحتم، وربما يكتب لي فيها النجاح ما بين فُسحة الموت وفُسحة الأمَلْ)، يا سيدي موافق على كل شروطك، بس ادعيلي يْكون في ميتين بكرا علشان انْعيش بْمَعِيْتَكْ.
السَّجان: بإذن الله راح يكون في موتى ما تخاف ربك كريم،( وهنا سخريات الحياة وسخريات القَدَر معاً، حيث المليونير والحارس يتمنيا موت أيٍّ كان من السجن، لأن في ذلك فرصة حياة للمليونير الراَّشي، وفرصة ثراء للحارس المرتشي، وكلاهما لا يعلمان من الذي سيموت قبل الآخر، فالموت لا يستأذن أحَد ولا يُخطِر بقدومهِ أحَد، وهو يأتي بإذن الله مثلما الحياة كذلك، ما يعيد لذاكرتي مشهداً طريفاً من مسرحية فيلم أميركي طويل للفنان زياد الرحباني، عندما كان إدوارد في مستشفى الأمراض النفسية يعاني من فوبيا الخوف من السيارات المفخخة، وقالت له الممرضة لتهدئته" يا إدوارد يا حبيبي ما بيصير تظلك خايف من أي سيارة بتشوفها مش كل السيارات مفخخة إنتي بس توكل على الله وبإذن الله ما راح يصير شي"، فأجابها " ولك يا إختي مهو اللي مفخخ السيارة كمان بيكون متوكل على الله"، يعني القاتل والمقتول متوكلين على الله، والموت والحياة بإذن الله، وعلشان هيك قاعدين بنشوف نظم وحكام مستبدين، يقتلون شعوبهم ويدمرون كل شيء في بلادهم لكي يعيشوا وحدهم على كراسي الحُكْم حتى على ركام، وقوىً وأحزاب يحتربون ويقتلون ويذبحون الأبرياء باسم الدين أيضاً لذات الغايات الضيقة والكراسي المستبدَّة، وما أكثرهم يعني الله وكيلكُم،" .
من حُسُن حظ السجين وسوء حظ الميتين، تحرك المليونير أثناء الفورَة لغرفة الموتى ليجد تابوتين، وسرعان ما تملكه الرعب من مجرد فكرة استلقائه فوق جثة ميت في صندوق واحد، لكن غريزة التشبث بالحياة في لحظة يأس، ظلت أقوى وأمضى من سكين القاتل، فأغمض عينيه ورمى بنفسه فوق الميت بالتابوت الأول عن اليسار حسب الاتفاق، وأغلقه على ذاته والميت كما كان. وهكذا انطلقت السفينة تمخُر عباب البحر، والرجل ساكنٌ بلاحراك داخل التابوت فوق الجثة ورائحة البحر الممزوجة برائحة الموت تزكُمُ أنفه، حتى وصلو اليابسة. (طبعاً حب الملايين والهروب نحو العيش الرغيد، زَيَّن للسجان خيانة الأمانة وشرف الوظيفة الحكومية مثله مثل الكثيرين مما تعدُّون، وحب السجين لشراء حياته المستبدَّة بأي ثمن، دفعهُ للقبول بأي خيارٍ إلاَّ الموت).
بدأ السجين يشعر بنزول التابوت داخل اللَّحد، والأتربة تنهال فوقه مبعدةً أسماعهُ عن أصوات السَّجانين شيئاً فشيئا حتى تلاشت، ومع كل دقيقةٍ كانت تمر وهو داخل الصندوق تحت الأرض، كان التنفس يزداد صعوبةً وضيقاً، يفوق تسارع ضائقته بجُلِّها. التنفس يتسارع ويضيق والحرارة خانقة في حُلْكَةِ الظُّلمة، وهو مرهون بكل ثانية من النصف ساعة المتبقية مابين الظلم والظلمة، نعم يتناقص الأوكسجين وينعدم الضوء، الثواني سنين عصيبة على شفير المصيبة الرابضة على حد السيف القاطع ما بين فُسحَة الحياة والموت، وخيط الأمل لِمتَخْتِخْ مع كل شهقة أو عَبَّة أوكسجين، ثم يشعل الولاعة ليرى كم تبقى من الوقت للخلاص من هذا الموت المركب، الذي يستفرد به من حيث لا يحتسب ولا بباله، دون أن ينتبه لشَفْطِ الولاعة جزءً من حياته المعلَّقة بما تبقى من الأوكسجين السائر به حثيثاً صوب حَتفِه، رغم تشبثه بالآمال بأن يعود ليرى النور مرّةً أخرى إن لم تكن بفتحِ الهمزَةِ لا بِضَمِّها المفترَض، ثم يبدأ بالسعال من شَوخَةِ التراب وارطوبة وتزايد النَّقص في الأكسجين على السَّجين، فيدخل في نوبةٍ من الهذيان المُسَجَّى على بساط خيالهِ المرتبك، فيتراأى له جثَّة الجاثم تحته وكأنها تبتسم ساخرةً في وجههِ تارةً، وتخرج له لسانها مسددةً وسطى كفها في وجههِ تارةً أخرى، كل هذا ولم يصل الحارس بعد لإنقاذه، يعود ويشعل الولاعة ليرى أن الوقت المحدد قد نفذ وتجاوز النصف ساعة، فيتملَّكه الهَلَع بأنه هالكٌ لا محالة، وقبل أن يطفيء ولاعته حاملة الموت وهي تأتي على ما تبقى من الأكسجين المنفلت من بين يدي روحه المغادرة، فيقربها محدقاً في وجه الجثة ليرى ما لا على خاطِرٍ ولا بالْ، إنه وجه الحارس السَّجان العارف الوحيد بمكان وجوده تحت الأرض كان قد سبقه الى حَتفِه، فيهوي لافظاً نفسه الأخير هامداً فوق الجُثَّة ميتاً على ميتْ.
على فكرة، العرب قديماً اختصروا صفات العدل والقوة في الحُكم بتعبير" السيف والصُّرَّة"، فكان السيف يعني إحقاق الحق وتنفيذ القانون بالعدل والحزم والقوة لصالح المجتمع، بينما الصُّرَّة كانت تعني إعطاء كل ذي حق حقه بالعدل والإنصاف دون تقصير.
إذن عندما تشتري روحك بالمال ممكن يروح المال وتروح روحك وبيظل الحال على المُحالْ، لذا لم ينفع المليونير ملايينه في قلب الأحوالْ. وعندما تستجيب لصاحب سلطان ونفوذ عليك في فعلِ أمرٍ يخالف الضمير والأخلاق والقانون، تحت طائلة إمَّا وإلاَّ، فهذا إعمالٌ للسيف بحقك، وعندما يُسَيِّر مسؤول مرؤوسيه في خدمة مصالحه الخاصة والخارجة عن الحق والقانون مقابل تمتعهم بدعمه وعطاياه، يكون بذلك قَد استخدم الصُّرَّة، وهَلُمَّ جَراَّ، لكن عندما تستجيب لصاحب مالٍ ونفوذٍ معاً في فعلِ أمرٍ فاسد مقابل مالٍ وإلاَّ، فهذا يضعك في منطقة انعدام الأخلاق معاً ما بين السيف والصُّرَّهْ، وقلم صاحب الصُّرَّة سيفاً عليكَ يُخفيكَ بِجَرَّهْ.
لقد صَحَّ القول" إذا الإيمانُ ضاعْ فلا أمانْ.." وبمالك تشتري ذمة من هانَ وخانْ، لكنك لن تشتري حياةَ لِإنسانْ. وهكذا انتشر في المجتمعات مبدأَ السيفِ والصُّرَّهْ، وأذى الصديقِ الأعلَم بالمَضَرَّهْ، بكل القوانينِ المُقَرَّة وغير المُقَرَّهْ، وزعافُ الظُّلمِ الأشَدُّ من العَلْقَم ألِفْ مَرَّهْ، وشتان ما بين فارس السابحات وراكبِ الأتانَ والقُرَّهْ، وبين ابنِ الجاريَة وإبنِ الضُّرَّهْ، وقُل على الأرض السلام وبالناس المَسَرَّهْ، فلغير الخالق الشكوى مَضَرَّهْ.
وصــل الــدعـــم!
بقلم: وليد بطراوي - الايام
قرأت عنواناً لخبر يقول "الحكومة تؤكد دعمها الكامل لموقف الرئيس". تساءلت وما الجديد في ذلك؟ وهل نتوقع من الحكومة غير ذلك؟ وان لم تكن الحكومة هي اول من يدعم موقف الرئيس فمن سيكون؟ ما هو نوع الدعم الذي تقدمه الحكومة لموقف الرئيس؟ وهل الرئيس بحاجة الى دعم الحكومة ام انه بحاجة الى دعم الجماهير؟ ربما تكون كلمات بائع القهوة اقوى من اي دعم حكومي، حيث قال لي عندما التقيته وعرف انني اعلامي "اذا شفت الرئيس، قول له على لساني انه احنا معاه على طول الخط، هو الوحيد اللي عارف شو بيعمل ولوين راح يوصلنا، وما يتنازل عن موقفه تحت اي ظرف".
الأقربون اولى
مشاريع كثيرة تنفذها الدول المانحة لتعزيز دور الشباب في فلسطين. اجوب دولاً كثيرة من تلك التي تقدم الدعم لشبابنا، ألتقي بشبابهم لأجد ان من يحتاج فعلاً لتعزيز دوره هو شبابهم لا شبابنا. فشبابنا على قدر عال من الوعي، ويشارك بفاعلية في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وله دور في المساءلة والمحاسبة. اما شبابهم فيعيشون حالة من الرفاهية وهو معزز مكرم ينعم بالتعليم والصحة وغيرها من متطلبات الحياة، لكنه قلّما يشارك في الحياة السياسية والديمقراطية والعمل نحو التغيير وضخ الدماء الشابة بالشكل الذي تطلبه هذه الدول من شبابنا. فلماذا على شبابنا ان يفعلوا ذلك، بينما تغرق هذه الدول شبابها بالرفاهية لتنسيهم ان لهم دوراً سياسياً وتبقى الادارة والقيادة في ايد غير شابة؟
العقل في الراس زينة
لا ادري كيف يفكر هؤلاء الذين يُجلسون اطفالهم في المقعد الامامي للسيارة. ولا ادري ما الذي يدور في رأس والد يضع طفله في حضنه ويقود سيارته، بينما يقوم الطفل بالضغط على الزامور. جميع القوانين في جميع الدول تمنع جلوس من تقل اعمارهم عن 16 سنة في المقعد الامامي، اما عندنا فيبدو ان لدينا قانوناً خاصاً يسمح يتدريب الاطفال على السياقة في سن مبكرة، وهو سر احتراف سائقينا للقيادة والتزامهم بالقوانين وقلة الحوادث، وزامور بمناسبة وبدونها، فمن شب على شيء شاب عليه!.
حرمة المؤسسات
وما زال المشهد يتكرر، مشهد حمل حراس الشخصيات العامة والهامة لاسلحتهم، وبشكل علني مستفز، داخل المؤسسات التعليمية والثقافية وغيرها. ولان لهذه المؤسسات حرمتها فان حمل السلاح فيها تمنعه الاعراف الدولية والقانون الفلسطيني. فمبوجب المادة 14 من قانون الاسلحة النارية والذخائر لسنة 1998 "لا يجوز حمل الاسلحة في المحلات العامة وفي المؤتمرات والاجتماعات والحفلات العامة والافراح".
لو كنت مسؤولاً
لا اريد ان اكون مسؤولاً في الوقت الحالي، ويكفيني انني كنت مسؤولاً في يوم من الايام. فما الفرق سوى ان على المسؤول الحالي ان يعمل، وان يتحمل اعباء المرحلة. اما المسؤول السابق فلا يعمل ويتقاضى اجراً ثابتاً وسيارته الحكومية ما زالت معه، وربما تحلولت السيارة الحكومية باسمه (لا ادري كيف) وسائقه معها، ومرافقوه معهم، ولا ننسى ال VIP والهاتف النقال وكل الامتيازات التي يحظى بها المسؤولون السابقون. والله المسؤولية صعبة، وكلنا في خدمة هذا الوطن المعطاء. المعطاء بمعنى الكلمة!
الشاطر انا
لما كان عمري تقريبا 14 سنة، كنت ماشي وسرحان، مش ضروري تعرفوا في شو، بس المهم سرحان ومش منتبه. ماشي وماشي، وصلت جنب سور دار، وصار راسي جاي مع حفة السور. على السور في دربزين حديد، وفجأة سمعت صوت كلب بيعوي. حضرتي لاني سرحان ارتعبت ولفيت وجهي لمصدر الصوت، الا وجهي جاي في نص وجه الكلب، فكانت ردة فعلي اني بلشت اعوي ع الكلب، راح الكلب شرد مني. من يومها تعلمت اني كل ما هجم علي كلب اعوي عليه. وصارت معي اكثر من مرة، ونجحت اني ابعد الكلاب عني لاني عويت عليهم. بس بصراحة لحد اليوم مش قادر الاقي تفسير ليش الكلاب بتخاف لما بعوي عليهم. قبل كم يوم كنت في زيارة لدار اخوي، وحديث بيجر حديث قلت انه انا كل ليلة بمشي، فراح اخوي بيقول لي دير بالك من الكلاب. انا بعفوية رددت عليه "ما تخاف اذا هاجمني كلب بعوي عليه فبيهرب" واستدركت "بيجوز الكلب بيستغرب انه في حد اكلب منه، او انه لما بعوي عليه ما بيفهم شوي بحكي لانه عوائي مش مثل عوائه فبخاف وبيهرب". وهيك وبكل بساطة وشطارة عرفت سبب هرب الكلاب لما بعوي عليهم. نصيحتي اذا حد عوى عليك عوّي عليه!
تغريدة الصباح - منوعات "تامانا"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
تعرض الصفحات الأخيرة، من جرائد العالم، العربي، لقطات لنجمات الفن السينمائي، مع تعليق مقتضب عن تسلم واحدتهن جائزة أو حضورها مناسبة أو عرضاً للأزياء. بخلاف ذلك تقدم هذه الصفحات التي يُفترض أنها للمنوعات، انباء الغرائب والمفارقات، التي من شأنها إثارة الفضول وأخذ القارئ الى خارج مربع الكآبة المتأتية عن السياسة وعن الفكر وعن الخطابة الرديئة. ولوحظ في السنوات الأخيرة، أن نجمات صناعة السينما الهندية "بولويود" يأخذن حصة معتبرة من مساحات الصفحات الأخيرة في العالم. في البداية ظننت أن الأمر يتعلق بممثلات هنديات، في مضمار الفنون، اقتحمن العالمية، فتبوأن مكانة مرموقة لم تستطع الصحافة العربية تجاهلها. ونعلم أن التبعية الإعلامية لوكالات الأنباء والصور في العالم، هي التي تضخ هذه المواد، فتنشرها الصحافة العربية لكونها لا تملك فاعلية العمل الميداني وحتى الاستقصائي، التي تمكنها من تسليط الضوء على الثنايا المعتمة في مجتمعات الأمة، لكي تحصد مواد منوعات وطنية أو محلية، تتبدى فيها عناصر التميز في الأوطان. لكن محسوبكم الماكث حتى الآن في الهند، ويرى في نفسه صحفياً وباحثاً؛ لم يدع المسألة تمر دون أن يعرف وزن وعبقريات الممثلات الهنديات المليحات، التي تعرضها صحافتنا العربية، مع إلمام بشيء من المعرفة بطبائع السينما في هذا البلد. ومع تواتر نشر الصور في الصفحات الأخيرة أو في صفحات المنوعات، بدأت أفتش عن خلفيات كل اسم، فاكتشفت ما يدعو الى الأسف والرثاء!
إن الذي يحدث بشكل عام، في السينما الهندية، هو أن كل ممثلة مليحة الخلقة، لا بد أن تستهل عملها بخطوة تتبعها خطوات منتظمة على امتداد مشوارها، وهي أن تعرض عبر شبكة العنكبوت صوراً ومشاهد جنسية فاجرة ومثيرة للقرف. ولا تخالف هذه القاعدة أية واحدة منهن على الإطلاق، ومن بين هذا الرهط النسوي اللئيم، المُهين للمرأة؛ مليحات هنديات مسلمات أصلاً، من شاكلة مليكة آرورا، وسهى علي خان، وشبانه عزمي، والكشميرية المسلمة بالولادة كاترينا كيف ذات الأربع بغال في الواقعة الواحدة، وذات النصيب الأوفر من العروض في الصفحات الأخيرة من جرائد العالم وجرائدنا. ولا تكتفي الواحدة منهن، بتصوير مشاهد لمضاجعات طبيعية، وإنما تزيد بمشاهد لمضاجعات شاذة، يعدها لهن منتجو السينما، الذين يستأجرون بغالاً آدمية، سودا وبيضا، لأداء المشاهد، فتتبدى الصور وكأن غرضها اثبات قدرة الفتاة على احتمال أو استيعاب بغلين أو ثلاثة. وسر هذا التدبير، يتوخى الاستفادة من شبكة الانترنت، لإشعال مخيلات الشباب الفقراء للإقبال على عروض الأفلام الخالية من المشاهد الجنسية التي يمنعها القانون. وفي مقدور أي قارئ، أن يستهدي الى تهجئة اسم أية "نجمة" سينمائية تعرضها الصفحات الأخيرة في الجرائد العربية، ويضيف عليه كلمة العُري Nude ويبحث في "غوغل" الصور، لكي يرى أن هذه السحنات لا تستحق أن تُعرض في صحافتنا!
كنا نطمح الى تأسيس وكالة عربية لصور وأنباء المنوعات التي تتحاشى حساسيات السياسة، ليُصار الى تجميع لقطات الغرائب ومواد التسلية وأنباء المفارقات في المجتمع، والجوانب الإنسانية من حياة رموز الفكر والثقافة والفنون عندنا وفي العالم، وتعرض عجائب القطط ومظالمها والكلاب والشجر والحجر وجداول الماء وعبقريات الطبيعة، مروراً حتى بوجوه الفن السينمائي الراقي. باتت صحافتنا طيّعة للضخ من وكالات لا تحلل ولا تحرّم، وتقدم للناشئة وجوهاً ذات أفعال بذيئة، بينما تغيب عن صفحات المنوعات، الوجوه التي تحث الهمم ويُقتدى بها. ففي يوم أمس مثلاً، نقلت عشرات الجرائد العربية، خبرين عن القطط، في صفحاتها الأخيرة، الأول ـ المأساوي ـ يتعلق بفتاة غليظة القلب، لم تتورع عن طهي قطتها في صندوق "المايكرويف" وحُكم عليها بالسجن أربعة عشر أسبوعاً. والثاني مأخوذ من الوثائق البريطانية التي كشفت عن اشتباه المخابرات بقطتين مع كلب، بالتجسس على قوات الحلفاء لصالح الألمان، في الجبهة الغربية في مستهل الأربعينيات. وفي يوم الخميس الفائت، نشرت جرائدنا العربية ـ ومنها واحدة عندنا ـ صورة للممثلة الهندية "تامانا" في لباس محتشم فيما هي تبتسم بما يشبه البراءة، وكأنها قد تخرجت من مدرسة الأخلاق الحميدة أو نذرت نفسها لإشاعة الفضيلة والرقي بقيمة المرأة.
منوعات جرائدنا تتلقى مواد التسلية وتنشر. وعلى الرغم من تضخم أعداد الكوادر الإعلامية التي تأهلت أكاديمياً؛ لا نرى أثراً لتوظيفها في الميدان الاجتماعي الاستقصائي والأنثروبولجي. ظل التركيز على وقائع السياسة والخدمات والعمل الحكومي، وتكتفي الصحيفة بقليل من المحررين والمراسلين، وكأن لا أهمية للملامح المبهجة والمفارقات واللقطات في المجتمع وفي الأوطان.
الكلام غير المباح فلسطينيا في التخلي الأميركي عن الحلفاء
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
تخلي الولايات المتحدة الأميركية عن حلفائها ليس أمرا جديدا والقائمة طويلة ومعروفة. فمن الماضي القريب وحتى اليوم نستذكر حالات واضحة من نوع ما جرى مع الجنرال التشيلي (أوغستو بينوشيه)، وشاه إيران (محمد رضا بهلوي)، والرئيس التونسي (زين العابدين بن علي)، والرئيس المصري الأسبق (حسني مبارك) ومن بعده (محمد مرسي) وغيرهم في كافة أصقاع الأرض. بل إن الأمر تعدى واقع التخلي عن رؤساء دول إلى عملية التخلي عن التزامات قائمة مع منظومة دول في مناطق حساسة ربما لن يكون آخرها، الموقف من الملف النووي الإيراني. فمن وجهة نظر دول الخليج، المخاوف من المشروع الإيراني مشروعة تماما بحيث بات الكل يتساءل عما إذا كانت الصفقة بين إيران والدول الست ليست مجرد إعادة رسم للاستراتيجية الأميركية في المنطقة في سياق ما بدا تخلي واشنطن عن حلفائها التقليديين لصالح التقارب مع إيران.
بالمقابل، يرى البعض، أن الولايات المتحدة لا تتخلى عن حلفائها. إذ هم، بالأصل، ليسوا حلفاء وإنما هي تعمل على خلق ذلك الوهم، علما بأنهم – فيما ينظر إليهم في الأغلب الأعم – مجرد أدوات ما أن تؤدي أدوارها وتنتفي الحاجة لها حتى ينتهي أمرها ويشطب اسمها من على "قائمة الحلفاء"!
اليوم، ومن واقع وجودي في أطر القيادة الفلسطينية، ثمة همس فلسطيني "غير مباح"، لا يعلن على الملأ رغم انتشاره الكثيف في "الأجواء الداخلية"، وبالذات عن مسألة الإمكانية المتزايدة لتخلي الولايات المتحدة عن القيادة الفلسطينية. ولربما تحول هذا الهاجس إلى خوف حقيقي لدى القيادة الفلسطينية التي حرصت أيما حرص على المراهنة على واشنطن. ومما يكثف هذه المخاوف ما يطرحه اللوبي الصهيوني على لسان بعض قادته الفكريين/ السياسيين. وفي هذا، السياق، كان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قد نظم بداية شباط، ندوة بعنوان "إسرائيل وأميركا وشرق أوسط يتلاطم بالأمواج"، تحدث فيها مدير المعهد (روبرت ساتلوف) قائلا: "وزير الخارجية الأميركي جون كيري اكتشف سر النجاح، واحتضن الموقف الإسرائيلي وأعطى بنيامين نتنياهو وجودا أمنياً في الأغوار، ولكن هذا غير كاف". وأضاف (ساتلوف) الذي يعتبر من أشد المدافعين عن إسرائيل في واشنطن: "يتوجب على الولايات المتحدة التي تتحدث مع إسرائيل بصراحة عن التضحيات التي يجب أن تقدمها، أن تفعل الشيء ذاته مع الفلسطينيين، وتتحدث معهم بمنتهى الصراحة وتقول لهم: اما الدولة واما حق العودة، وأن تخبرهم كذلك بحقيقة أن عودة اللاجئين هي ضرب من الخيال، ولذلك فانكم إن أردتم الدولة الفلسطينية لا بد ان تتخلوا عن أوهام حق العودة، وتعترفوا بيهودية الدولة".
بات جليا أن الإدارة الأميركية قد تخلت عن الإلتزام الذي قطعته للقيادة الفلسطينية بالعمل من أجل التوصل إلى اتفاق "سلام" نهائي خلال مدة الـ 9 شهور المحددة للمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية التي استؤنفت في تموز/ يوليو الماضي وبدأت تطرح التوصل إلى ما يسمى "اتفاق إطار" لا يعلم كنهه أحد حتى الآن، لكنه من الواضح أنه يستجيب للمطامع والمخططات الإسرائيلية ولا يقدم للفلسطينيين شيئا حقيقيا عدا عن أنه يمثل التفافا على الإتفاق النهائي المفترض التوصل إليه، الأمر الذي يكرس الاحتلال الإسرائيلي ويديم من عمره الملعون. والحال كذلك، تعاني القيادة الفلسطينية من شكوك حقيقية تجعلها تتخوف من تحميلها، أميركيا، مسؤولية فشل المفاوضات. فرغم كل الكلام الناعم الصادر عن الإدارة الأميركية للقيادة الفلسطينية، ورغم ما قدمته وما يمكن أن تقدمه القيادة الفلسطينية من تنازلات في المقابل، تتوارد في مخيلة القيادة الفلسطينية أشواك أفكار على رأسها انسحابات إسرائيلية جزئية أحادية الجانب و/ أو عقوبات متنوعة قد تفرضها إسرائيل، مقرونة بانسحاب أميركي من ساحة العمل على إيجاد تسوية دون إدانة للطرف الإسرائيلي الذي ما فتئ يطرح مطالب تعجيزية، وذلك في نطاق تجنب أي "مواجهة" مع الحكومة الإسرائيلية، وطبعا دون أن تسمح الإدارة الأميركية للأمم المتحدة أو "الرباعية الدولية" بتولي الأمور. وهذا الموقف إن تبلور حقا، فإنه سيقدم خدمة كبرى في نطاق شراء الوقت لإسرائيل كي تستكمل جهودها المحمومة لإنجاز شعارها القديم: الاستيلاء على أكبر قدر من الأرض الفلسطينية مع تقليص عدد الفلسطينيين (في أرضهم) إلى أقصى مدى!
استنهاض جديد لمنظومة الأمن القومي
بقلم: يحيى رباح – الحياة
الموقف السعودي باعتبار جماعة الاخوان المسلمين وداعش، وجبهة النصرة وحزب الله والقاعدة كيانات إرهابية بدأ يخلق ردات فعل واسعة في المنطقة وفي العالم، فليس هناك صحيفة ذات شأن في العالم إلا وأفردت مساحة مهمة من التحليل لأبعاد وتداعيات هذا القرار النوعي الشجاع، لأن الجميع يعلمون أن القرارات التي تصدر عن المملكة العربية السعودية بهذا الحجم هي دائماً قرارات متحفظة، ولا تصدر إلا عن رؤية وعمق وحسابات واسعة النطاق، وخاصة وأن هذا القرار جاء من سياق طويل، وهذا السياق هو استنهاض شامل وجديد لمنظومة الأمن القومي العربي.
و بدأ هذا السياق في أعقاب الثورة المصرية الثانية في الثلاثين من حزيران العام الماضي، حين تم إسقاط حكم الاخوان المسلمين الذي بالكاد استمر لمدة سنة واحدة، ولكنه في هذه السنة كشف عن تورطه في منظومات وصفقات خطرة جداً، مثل استجلاب الإرهاب إلى صحراء سيناء، ومعروف أن سيناء مفتوحة على شواطئ البحرين الأبيض والأحمر، ومفتوحة على فلسطين وإسرائيل والأردن والسعودية من جبهة الشرق وعلى ليبيا من جهة الغرب، كما أظهر الاخوان المسلمون في تلك السنة من حكمهم استهتاراً بتعدي حدود المنطقة بالدولة الوطنية والقومية، وخروجاً مفضوحاً عن ضرورات الأمن القومي، والقفز من فوق المصالح العربية والاستراتيجية لصالح ارتباطهم مع قوى إقليمية ومع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي بدأ استخدامه كخنجر ضد أمن الدول العربية ومصالحها.
وبعد ثورة الثلاثين من حزيران 2013 بدأ التحريض الواسع ضد مصر وضد شرعنة النظام الجديد، وكان يمكن لهذه الموجة أن تتوسع لولا القرار السعودي الذي أعلن وقوفه الكامل مع مصر وجيشها ومع النظام الجديد وخطته للمستقبل، وقد جاء ذلك القرار السعودي بأوضح رسالة ممكنة، لأنه جاء مباشرة على لسان خادم الحرمين الشريفين، العاهل السعودي، الملك عبد الله عبد العزيز وليس عبر مستوى آخر ولا حتى عبر القنوات الأخرى العديدة التي تمتلكها المملكة.
وكان ذلك القرار السياسي الخارق مصحوباً بدعم مادي ملحوظ وظاهر ومؤثر ولا يمكن تجاهله والذي كان له تداعيات بالغة الأهمية في إعادة قراءة ما يجري في مصر سواء على صعيد الإقليم أو على الصعيد الدولي.
ثم جاء الموقف السعودي الإماراتي البحريني الذي وجه إنذاراً قوياً إلى دولة قطر من خلال سحب السفراء، والتأشير القوي بأن دولة قطر عليها أن تعود إلى بيتها الخليجي، وهذا معناه ضرورة عودتها إلى منظومة الأمن القومي العربي وضروراتها الملحة.
القرار السعودي هو محاولة جادة في سياق طويل لاستنهاض منظومة الأمن القومي العربي، وتشكيل محور حقيقي لقيادة العمل العربي المشترك على ركائز موضوعية وقوية قادرة على دفع منظومة الأمن القومي إلى الأمام لتكون قادرة على تحمل أعباء قضاياها الرئيسية وأولها القضية المركزية القضية الفلسطينية التي تشهد الآن أعنف لحظات الاشتباك السياسي.
لدينا إذن كمجموعة عربية ما تحتشد حوله وتشكل جدار ضد قويا في قمة الكويت المقبلة قبل نهاية هذا الشهر، لدينا هذا التوحش الإسرائيلي الذي وصل إلى حد أن يصعد حاخام مجنون وهو الحاخام "جليك" إلى سطح مسجد الصخرة في استفزاز واضح، وتصعيد التأزيم السياسي والتهديد العسكري من قبل حكومة نتنياهو، ولدينا ضرورة الوقوف القوي مع الرئيس أبو مازن في لقائه المقبل مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولدينا مهمة استعادة سوريا في عملية الاستنهاض الجديد، ولدينا في القمة جدول أعماق كبير على مستوى العلاقات البينية، والمعركة كبيرة جداً، معركة وجودية كبرى، ذلك أن العالم يتغير بقوة ويجب علينا أن نكون حاضرين في قلب هذا الغير لحماية وجودنا ومصالحنا القومية.
الناصرة تلبس حلة جديدة
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
حسمت مدينة الناصرة خيارها في انتخابات الاعادة يوم الثلاثاء الماضي بانتخابها علي سلام رئيسا لها بفارق يزيد عن عشرة الاف صوت عن رئيس البلدية السابق رامز جرايسة.
معركة رئاسة بلدية الناصرة، عاصمة الجماهير العربية في الجليل والمثلث والنقب، لم تكن عادية هذه الدورة، بل كانت معركة كسر عظم بين القيادة التقليدية الممثلة بالجبهة الديمقراطية للسلام، التي تبوأ رموزها توفيق زياد ثم رامز جرايسة، رئاسة البلدية منذ العام 1975 حتى الان، وبين باقي التيارات السياسية والدينية في المدينة. عشية الانتخابات في 22 إكتوبر 2013، التي لم تحسم شخصية رئيس البلدية آنذاك، حيث كان الخلاف على اصوات لا تزيد عن عدد اصابع اليدين كفارق بين المرشحين جرايسة وسلام، حصل في حزيران وتموز 2013 في اعقاب مؤتمر الجبهة الديمقراطية بعض التشظي في صفوفها حيث انفصلت مجموعة نتيجة رفض سياسات الجبهة، كما ان علي سلام، نائب رئيس البلدية، الذي كان محسوبا على الجبهة إنسحب من قائمة الجبهة، واعلن مع النائب الثاني لرئيس البلدية السابق جرايسة عن تشكيل قائمة خاصة به باسم " ناصرتي"، وتمكن من حصد سبعة اعضاء من مجموع تسعة عشر عضوا، وحصدت قائمة الجبهة ثمانية اعضاء، وبقية الاصوات ذهبت لكتل صغيرة.
مما لاشك فيه، ان القوى السياسية والدينية المختلفة في الناصرة وقفت في خندق في الجولة الثانية، والجبهة الديمقراطية للسلام في خندق، وهو ما يعني ان المزاج العام في الناصرة اتجه بشكل واضح وقوي نحو التغيير وخلع عباءة الجبهة عن رئاسة البلدية، وإن ابقت على ممثليها في عضوية المجلس، إلا انها (الجماهير النصراوية) حسمت خيارها نحو التجديد في قيادة البلدية. وهذا التغيير لم يكن مفاجئا او خطوة طارئة، بل له اسبابه الذاتية والموضوعية، منها:
اولا: أخطاء في إدارة عمل البلدية، وانتهاج سياسات غير صحيحة عكست نفسها على عمل ووحدة رئيس واعضاء المجلس البلدي؛ ثانيا: ابتعاد اعضاء المجلس عموما عن قضايا الجماهير، وركون قيادة واعضاء المجلس البلدي على الرصيد التاريخي للجبهة، حتى بدأت تتعامل وفق بعض المعطيات الراشحة بطريقة غير ايجابية مع المواطنين ومصالحهم؛ ثالثا: تراجع مكانة الجبهة في اوساط الشارع الفلسطيني؛ رابعا: ما اشير اليه آنفا، انشقاق عدد من الاعضاء عن جسم الجبهة، وتشكيل تيارات منافسة لها، منهم علي سلام نفسه؛ رابعا: وقوف كل القوى السياسية والدينية في مواجهة الجبهة؛ خامسا: نشر بعض الشخصيات الفلسطينية من ابناء الجليل مواقف طائفية تحت إدعاء الجبهة، حيث دعت تلك الشخصيات الى إضفاء الصبغة الطائفية لرئاسة البلدية، وهو ما يتناقض مع سياسات وتوجهات الجبهة تناقضا جذريا لكن تلك الدعوات، تركت بصمات سوداوية على المعركة الانتخابية؛ سادسا: وضع حكومة نتنياهو واجهزة الأمن الاسرائيلية وبلدية نتسيرت عليت ثقلها لابعاد ممثل الجبهة، ودعم منافسه بغض النظر عما تشيعه الجبهة من علاقات تلك الشخصيات مع اجهزة الدولة والليكود. وهذا لا يحسب لصالح الجبهة ، لاسيما وان من يتهم الان بتلك التهم كان حتى الامس القريب عضوا في الجبهة، وممثلا لها في المجلس البلدي.
39 عاما من القيادة للبلدية الاهم داخل الخط الاخضر تحتاج الى مراجعة ذاتية عميقة لاستخلاص الدروس والعبر، وإعادة النظر بالسياسات واليات العمل، وابرزها التغيير في الاشخاص المرشحين للمواقع القيادية، وترميم العلاقة مع الجماهير والقوى السياسية العربية، والخروج من شرنقة التقوقع على الذات، والابتعاد عن استسهال لغة التخوين والاتهام للاخرين، والكف عن تعظيم الاشخاص ايا كانت انجازاتهم، والسعي لقراءة موضوعية جادة للتجربة الماضية.
الــخــبــرة عـنـد الـصـغـار
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
بات من المشاهد المألوفة في الأماكن العامة والخاصة أن يحملق الجميع في هاتفه النقال، ليس بهدف إجراء مكالمة هاتفية بل لتصفح محتوياته التي يطوف من خلالها عالم المعلومات الرحب، بدأت الصورة منذ سنوات قليلة بالجيل الشاب وهو يمسك بيديه هذه الآلة المتناهية في الصغر فيما يتسابق إبهاماه لملامسة الحروف الصغيرة، سيطرت هذه الآلة الصغيرة على الجزء الأكبر من حياتهم، واقتحمت دون استئذان ابجديات السلوك البشري، فلم يعد من الغريب في شيء أن يختصر الصبي مشاركته في الحوار الأسري على القليل من الكلام بينما يفسح جل وقته مع آلته الصغيرة.
لم تعد الصورة تقتصر على الصبية المفتونين بجديد هذه الآلة، بل شاركهم في ذلك من سبق ميلادهم بكثير مولد هذا التقنية، ولا حرج اليوم في أن يستعين الكبار بخبرة الصغار في مدخلات ومخرجات هذا العالم الذي لا حدود له، الخبرة هنا في متناول الجيل الشاب ولم تعد بحاجة إلى العامل التراكمي الزمني، فيض المعلومات وسرعة الوصول إليها ونفض التراب عنها وصقلها من خلال تعدد مصادرها باتت في متناول الجميع، وإن تمتع الجيل الشاب بأفضلية التعاطي معها من خلال متابعة وملاحقة الجديد في تقنية الاتصالات وعالم الانترنت، لا ضير اليوم أن يلجأ الأب إلى طفله الصغير كي يفك له شيئاً من طلاسم الانترنت، وكذلك تفعل الأم مع ابنتها الصغيرة، لا نخجل أن نفضح جهلنا أمامهم، ولا نجد حرجاً في أن ننهل من بئر معرفتهم بالتقنية الرقمية.
يحتفل العالم بمرور عقدين ونصف على ميلاد الانترنت، ومنذ ذلك اليوم تبدلت الكثير من مفردات الحياة، بل لا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا ان العالم بعد الانترنت لم يعد كما كان قبله، تمترسنا في العالم الثالث على مدار عقود عدة في وجه الغزو الثقافي الغربي لبلادنا، كنا نضيق الخناق على المطبوعات ونغلق الحدود في وجه ما هو آت إلينا من خلف البحار، ورحنا نطارد الملامح الغربية في الملبس والمأكل، حتى الرواية لم تسلم من ملاحقتنا لها وأبقينا البعض منها قيد الأسر لسنوات طويلة، كانت بحاجة إلى أذن ممهور بختم رسمي كي تسير في شوارعنا، جعلنا من ثقافة الغير العدو الممنوع من دخول بلادنا، وإن سمحنا للقليل منها أن يطأ بقدميه أرضنا فلا بد أن ننهك قواه في ردهات الرقابة، خيل إلينا يومها أننا حققنا نصراً مؤزراً على «المهربين»للثقافة الغربية، واعتقدنا بأننا نجحنا في محاصرة العولمة في عقر دارها، فجاءت تقنية الاتصالات لتزيل غبار المعركة ويتضح معها أننا في أتون العولمة الذي اعتقدنا لسنوات طويلة أننا حصنا أنفسنا منها.
لم تعد العولمة صاحبة الوجه المشوه كما كان عليه الوضع سابقاً، ولم يعد الاقتراب منها يجلب لصاحبه الاتهام، ولا شك أن مفهوم العولمة تغيرت ملامحه طبقاَ للمتغيرات والتحالفات الدولية وصعود وهبوط الأمم، ولم يكن الغرب هو المستفيد الأكبر منها، بل فتح الشرق أبوابها لينفذ منها إلى مكونات الحياة المختلفة، حيث بات الاقتصاد هو المؤثر الأقوى في تشكيلها.
خلال سنوات قليلة سيكون الانترنت في متناول البشر براً وبحرا وجواً، وسيرافق ذلك تغييراً في منهج الحياة، سيتحول فيها دور الدول إلى القضاء على الأمية الرقمية، لتصبح معها أمية القراءة والكتابة شيئاً من الماضي، فهل سيكون بمقدورنا ملاحقة ذلك أم أن الهم الأكبر لدينا سيقتصر على محاولة فهم اليسير مما يقدم إلينا من تقنية ونهرول وراء الشكل دون المضمون.
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (291)
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
السبت
15/3/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
الدور الغائب للجنة الرباعية الدولية !!
بقلم: حديث القدس – القدس
الرئيس عباس يشرح الوضع السياسي ومستجدات عملية السلام
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
حكاية المطر.. عِلم الثورة
بقلم: د.أحمد جميل عزم – القدس
حماس.. وماذا بعد؟! "الرياض" السعودية
بقلم: يوسف الكويليت – القدس
تـــاريـــخ أخــــرس!
بقلم: جواد بولس – القدس
مــخــاطر إيـران الــنـوويــة
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـر – القدس
ع الــفــاضــي
بقلم: حسن البطل – الايام
جامعة بيرزيت.. ويهودية الدولة
بقلم : عبد الناصر النجار – الايام
أداروا المعركة وفق نظرية صن تزو ولكن الحساب المؤجل مع "حماس"
بقلم: حسين حجازي – الايام
كان الله، وكان الناس، في عونه
بقلم: صادق الشافعي – الايام
هل من جدوى من يوم المستهلك الفلسطيني؟
بقلم صلاح هنية – الايام
الأسـيـاد والــعـبد
بقلم: رامي مهداوي – الايام
وللموت فُسْحَةً حُرَّة، بينَ حَدّ السَّيْفِ والصُّرَّة
بقلم:آصف قزموز – الايام
وصــل الــدعـــم!
بقلم: وليد بطراوي - الايام
تغريدة الصباح - منوعات "تامانا"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
الكلام غير المباح فلسطينيا في التخلي الأميركي عن الحلفاء
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
استنهاض جديد لمنظومة الأمن القومي
بقلم: يحيى رباح – الحياة
الناصرة تلبس حلة جديدة
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
الــخــبــرة عـنـد الـصـغـار
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
الدور الغائب للجنة الرباعية الدولية !!
بقلم: حديث القدس – القدس
وسط كم هائل من الانتهاكات الاسرائيلية المتواصلة التي تستهدف الانسان الفلسطيني وممتلكاته وحقوقه واصرار الاحتلال الاسرائيلي على توسيع وترسيخ الاستيطان وسد الطريق أمام جهود السلام جاء الاجتماعان اللذان عقدهما توني بلير ممثل اللجنة الرباعية الدولية في القدس الأول مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والثاني مع رجال اعمال بريطانيين لمناقشة ما أسمي "خطة اقتصادية تهدف الى تحفيز النمو الاقتصادي الفلسطيني" وهو ما يثير التساؤل اولا حول الدور المفترض للجنة الرباعية الدولية بشأن القضية الفلسطينية وعملية السلام وثانيا حول جدوى أية مشاريع أو خطط اقتصادية توضع على الورق ويرهن تطبيقها بإذن من الاحتلال الاسرائيلي الذي يتحكم بمختلف مناحي الحياة في الاراضي الفلسطينية ويفرض قيودا واجراءات تستهدف نمو وتطوير الاقتصاد الفلسطيني في الوقت الذي يسيطر فيه هذا الاحتلال على الموارد خاصة المياه وغيرها.
بداية لابد من التذكير ان اللجنة الرباعية الدولية التي تضم الامم المتحدة واوروبا واميركا وروسيا والتي وضعت خطة خريطة الطريق لانهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية مستقلة علي الاراضي المحتلة منذ عام 1967، هذه اللجنة لم تقم حتى الآن ومنذ سنوات طويلة بواجباتها السياسية بهذا الشأن بل إن اسرائيل التي وضعت اربعة عشر تحفظا على خطة خريطة الطريق والتي افرغتها عمليا من محتواها، صعدت على مدى السنوات الماضية من ممارساتها بهدف تعزيز الاحتلال والاستيطان غير المشروعين من جهة والتضييق على الجانب الفلسطيني في كل ما يتعلق بمحاولاته للنهوض بالاقتصاد والبنية التحتية أو في مواجهتها لأي مؤشر لصالح الاستقلال الفلسطيني.
ولقد رأينا كما رأى بلير على مدى السنوات الطويلة الماضية كيف اجهضت اسرائيل ولا زالت الكثير من المشاريع الدولية التي استهدفت النهوض بالواقع الفلسطيني سواء مشاريع بنى تحتية او مشاريع اقتصادية او غيرها، وهو ما يلقي ظلالا من الشك ايضا حول المشاريع التي يتحدث عنها بلير والمرهونة ايضا بالحصول على إذن من الاحتلال الاسرائيلي.
إن ما يجب ان يقال هنا ان من الأجدر باللجنة الرباعية الدولية وممثلها توني بلير مواجهة الانتهاكات الاسرائيلية اليومية والعقبات التي تضعها اسرائيل من جهة وضمان الزام اسرائيل بتطبيق خطة خريطة الطريق التي سبق أن وافق عليها الجانب الفلسطيني. فمن غير المعقول أو المقبول ان يكافأ هذا الاحتلال الاسرائيلي غير المشروع بالتشاور والتنسيق معه وانتظار موافقته على مشاريع خاصة بفلسطين في الوقت الذي يدرك فيه بلير أن اسرائيل تسعى جاهدا للإبقاء على التبعية الاقتصادية الفلسطينية لاقتصادها وتحول دون أي تطوير يهدد احتكارها للسوق الفلسطينية عدا عن اصرارها على تكريس الاحتلال والاستيطان ومنع اي حل عادل للقضية الفلسطينية.
كما أن ما يجب ان يقال ايضا أن التفرد الاميركي برعاية المفاوضات التي تراوح مكانها بعيدا عتن ارادة المجتمع الدولي ودون تدخل فاعل من اللجنة الرباعية الدولية يشكل خللا رئيسيا لا يمكن أن تعالجه حملة المشاريع التي يتحدث عنها بلير فالأصل هو إلزام اسرائيل بإرادة المجتمع الدولي سياسيا وكف يدها عن كل ما يتعلق بتطوير مختلف مناحي الحياة الفلسطينية بما فيها الجانب الاقتصادي.
ولهذا نقول ان الأزمة التي وصلت اليها عملية السلام وسط كل هذا التصعيد الاسرائيلي ووسط الشروط والاملادات التي يحاول الاحتلال الاسرائيلي فرضها بما يتناقض مع خطة خريطة الطريق وفي الوقت الذي يدفع فيه هذا التصعيد الاسرائيلي نحو حافة الانفجار، فأن من واجب اللجنة الرباعية الدولية البدء بتحرك سياسي فاعل وعاجل لتنفيذ خطة خريطة الطريق إلزام اسرائيل بذلك بدل استمرار غياب الدور المفترض لهذه اللجنة الدولية وبدل الاستمرار في الحديث عن مشاريع يشكل الاحتلال الاسرائيلي اكبر معّوق لتنفيذها فالنمو الاقتصادي وازدهار دور القطاع الخاص ضمن ضوابط المصلحة الوطنية العليا يبقى مجرد حلم ونظريات على الورق لأنه يتناقض تماما مع استمرار الاحتلال غير المشروع بكل قيوده واجراءاته.
الرئيس عباس يشرح الوضع السياسي ومستجدات عملية السلام
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
تناول الرئيس محمود عباس في كلمته الهامة التي ألقاها مساء يوم الأثنين الماضي في افتتاح أعمال الدورة الثالثة للمجلس الثوري لحركة فتح عددا من القضايا الخاصة بالشأن الفلسطيني وفي مقدمتها الوضع السياسي الراهن وآخر مستجدات العملية السلمية وملف المصالحة مع حركة حماس، والتحضيرات الجارية للإعداد للقاء المرتقب بين الرئيس ونظيره الأميركي باراك أوباما في واشنطن خلال الشهر الجاري.
وكان الرئيس عباس قد تحدث أيضا بإسهاب وتفصيل عن هذه القضايا يوم الخميس قبل الماضي خلال لقائه وفد الشبيبة الفتحاوية في الجامعات الفلسطينية، وقد تميزت تصريحات الرئيس خلال اللقاءين مع أعضاء المجلس الثوري لفتح ومع الشبيبة الفتحاوية كعادته دائما بالصراحة والوضوح والشفافية، ومن خلال هذين اللقاءين فإن الرئيس وضع أمام شعبه الفلسطيني حقائق المرحلة الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية محليا وعربيا ودوليا.
وفيما يخص الوضع السياسي الراهن فإن الرئيس تحدث عما وصلت إليه المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي والتي تجري استجابة لطلب الجانب الأميركي وبرعاية مباشرة من وزير الخارجية الأميركية جون كيري، وقد أكد الرئيس أبو مازن تمسك القيادة الفلسطينية بالثوابت الفلسطينية وبالخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها فيما يخص قضايا الوضع النهائي.
فبالنسبة لموضوع القدس رفض الرئيس بشدة ما يثار من طروحات حول القدس وما قيل مؤخرا من أن القدس ستكون أبو ديس أو بيت حنينا، وأكد أن القدس التي نريدها عاصمة لدولتنا الفلسطينية هي القدس الشرقية ضمن حدود الرابع من حزيران لعام 1967 وأنه لا تنازل عن أي جزء منها في أية اتفاقية سلام مع الجانب الإسرائيلي. كما أننا لن نوقع أي اتفاق سلام لا يتضمن القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية. وهذا الموقف من القدس الشرقية الذي يؤكده الرئيس عباس باستمرار إنما هو يتوافق مع قرارات الشرعية الدولية ، كما لم تعترف أي دولة في العالم بما فيها الحليف الأول لإسرائيل وهي الولايات المتحدة بضم إسرائيل القدس الشرقية واعتبارها مع القدس الغربية "عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل".
وقد شدد الرئيس عباس على أن القدس الشرقية ستكون مدينة مفتوحة أمام أتباع الديانات السماوية الثلاث، يؤدون فيها شعائرهم الدينية بحرية ودون أية عوائق، كما أن حرية الوصول إلى تلك الأماكن المقدسة ستكون مكفولة للجميع وأن المدينة المقدسة لن تقسم كما كانت قبل حرب الخامس من حزيران عام 1967 ولن تكون بين شرقيها وغربيها أية حواجز أو أية حدود.
وفيما يتعلق بالمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي فقد أكد الرئيس عباس أن القيادة الفلسطينية اتفقت مع وزير الخارجية الأميركية جون كيري على أن تكون المدة المحددة لتلك المفاوضات تسعة أشهرتنتهي في آخر شهر نيسان المقبل وأنه إذا لم يتم اتفاق خلال هذه المدة فإن القيادة الفلسطينية ستكون حرة في اتخاذ القرار المناسب في هذا الشأن، حيث ستتوجه الى الأمم المتحدة وإلى المنظمات الدولية لطرح القضية أمامها واتخاذ القرارات المناسبة.
وأشار الرئيس أبو مازن إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يضع العراقيل أمام التوصل إلى حل دائم ينهي الصراع ويحقق سلاما عادلا وشاملا، ومن تلك العراقيل إصرار نتنياهو على الإستمرار في سياسة الإستيطان في الأراضي الفلسطينية ورفض تجميده، وهذا الاستيطان يمزق الأراضي الفلسطينية ويجعل إمكانية قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا وقابلة للحياة أمرا مستحيلا. والواقع أن هناك إجماعا دوليا على أن الإستيطان بكافة صوره وأشكاله غير شرعي، وحتى الولايات المتحدة تعتبره عقبة كأداء في طريق تحقيق السلام.
ومن بين العراقيل التي يضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في طريق السلام قال الرئيس عباس إصرار نتنياهو على اعتراف الجانب الفلسطيني بيهودية الدولة العبرية، وشدد الرئيس على رفض الجانب الفلسطيني القاطع لهذا المطلب، والحقيقة أن طرح نتنياهو لهذا المطلب إنما يهدف إلى إلغاء حق العودة وإلى جعل الفلسطينيين داخل الخط الأخضر غرباء في أرضهم وديارهم. وكان الرئيس أبو مازن قد تساءل وبحق لماذا لم تطالب إسرائيل كلا من مصر والأردن الإعتراف بيهودية اسرائيل عندما وقعت معهما اتفاقيتي سلام؟
وحول قضية المصالحة شدد الرئيس عباس على أن القيادة الفلسطينية مصممة على تحقيق هذه المصالحة باعتبارها السبيل لتحقيق الوحدة الوطنية لأبناء الشعب الفلسطيني الواحد، وقال إنه منذ الخلاف الذي قادته حركة حماس وهو يسعى لتحقيق المصالحة وإنهاء الإنقسام ولكن حماس تتأخر في تحقيقها وتزعم أن أبا مازن يتعرض لضغوط أميركية وإسرائيلية لعدم انجاز هذه المصالحة ورفض هذا الزعم بشدة، وقال أنه لا يخضع لأية ضغوط أو إملاءات، وأن الحقيقة أن حماس لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالوطن.
وأكد الرئيس أبو مازن أنه إذا وافقت حماس على المصالحة فإنه سيدعو فورا الى تشكيل حكومة جديدة وإجراء الإنتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة يقول فيها الشعب الفلسطيني كلمته بحرية وديمقراطية وشفافية، والواقع أن الإنقسام الذي وصفه الرئيس عباس وبحق الخلاف ألحق أفدح الأضرار بالقضية الفلسطينية وأظهر الشعب الفلسطيني أمام العالم أنه شعب منقسم على نفسه وأنه غير موحد.
وقد أثبتت الوقائع أن الرئيس عباس لا يخضع لأية ضغوط فلا يستطيع أحد ليّ ذراعه، وقد رفض الإستجابة لضغوط الرئيس الأميركي أوباما بعدم التوجه إلى الأمم المتحدة للحصول على مقعد عضو غير كامل العضوية في الأمم المتحدة، وتوجه إلى المنظمة الدولية وألقى فيها كلمة وصوتت أكثر من مئة وثلاثين دولة لصالح قبول فلسطين عضوا غير كامل العضوية في هذه المنظمة الدولية.
إن حركة حماس هي التي تؤخر تحقيق المصالحة وتتنصل من كل الإتفاقات التي وقعتها مع حركة فتح لإنجاز هذه المصالحة وإعادة اللّحمة إلى جناحي الوطن في الضفة الغربية وقطاع غزة بدءا من اتفاقات القاهرة ومرورا باتفاق صنعاء ومكة المكرمة وانتهاء باتفاق الدوحة. والذي زاد الطين بلة أن ساءت العلاقات بين حماس ومصر إلى درجة أن حماس أعلنت أن مصر لم تعد طرفا في تحقيق هذه المصالحة وذلك بعد أن أصدرت محكمة مصرية قرارا مؤقتا يعتبر حركة حماس حركة إرهابية باعتبارها جزءا من جماعة الإخوان المسلمين التي أدرجتها مصر ثم السعودية والإمارات والبحرين حركة إرهابية.
إن تحقيق المصالحة ضرورة وطنية ملحة خاصة في هذه الظروف البالغة التعقيد التي تمر بها القضية الفلسطينية، وفي ظل الأوضاع القلقة والمضطربة التي تعيشها الدول العربية جراء ما بات يعرف بالربيع العربي حيث أن كل دولة عربية منكفئة على مشاكلها وقضاياها الداخلية ولذا فإن من واجب حركة حماس الإستجابة لليد الممدودة الصادقة من القيادة الفلسطينية لإنهاء الإنقسام وتطبيق اتفاقات المصالحة والذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية، وكذلك انتخاب مجلس وطني جديد بعد تشكيل حكومة كفاءات تشرف على تلك الإنتخابات وعندئذ ينتهي هذا الإنقسام المشؤوم وتعود الوحدة إلى جناحي الوطن.
ولا شك أن لقاء الرئيس عباس بنظيره الأميركي قريبا في واشنطن سيكون غاية في الأهمية لأنه يأتي بعد لقاء أوباما برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسيطرح الرئيس أبو مازن خلال لقائه أوباما وجهة النظر الفلسطينية من قضية تحقيق السلام، وسيؤكد تمسكه بالثوابت الفلسطينية وتمسكه بالسلام كخيار استراتيجي للشعب الفلسطيني، وسيطالب أوباما بالضغط على الجانب الإسرائيلي للوفاء بالتزاماته تجاه عملية السلام خاصة وأن الجانب الفلسطيني وفى بكل ما التزم به تجاه تلك العملية، وسيؤكد حق الشعب الفلسطيني كبقية شعوب العالم في أن تكون له دولته المستقلة كاملة السيادة في الأراضي الفلسطينية ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967.
وسيكون الرئيس عباس خلال لقائه أوباما متسلحا بتأييد شعبه الفلسطيني وكذلك تأييد الجامعة العربية ولن يخضع لأية ضغوط ولا إملاءات. والله الموفق.
حكاية المطر.. عِلم الثورة
بقلم: د.أحمد جميل عزم – القدس
يُحكى أنّ الناس كانوا، في زمن ما، يسيرون في أزقة قرية وبين بيوتها، في غور الأردن مثلا، كما أخبرنا ذات يوم أستاذ "علم الإنسان-الأنثروبولوجيا"، فيقومون بطقس استسقاءٍ خاص؛ فإذا وصلوا بيتاً طرقوا بابه لتخرج السيدة حاملة كوب ماء تَرشُقهُ عالياً فيهبط رذاذاً على النّاس.
وفي الهند، يقوم القرويون بصلاة يسيرون فيها بموكب يقوده موسيقيون، يُقدّم لهم الأهالي نقوداً وشاياً وطعاماً، ويرمون أشياء في الماء.
وفي الأسطورة المصرية، تُلقى دُمية (تسمى بالمصرية الدارجة "عروسة")، في نهر النيل لإرضائه ليفيض. ويُعتقد أنّه في الماضي كانت تلقى عروسٌ (فتاة) حقيقية لهذا الغرض. وغير بعيد عن هذا، يوجد في حضارة المايا القديمة، وتحديداً في مدينة تشيتشنإيتزا بالمكسيك، والتي توجد فيها أهرامات شبيهة بالأهرامات المصرية، بئر تُعرف بالبئر المقدسة، كانت تُرمى فيها قرابين، منها قرابين بشرية، إرضاء لآلهة المطر.
ونستمر في إلقاء الأرز على مواكب الأعراس حتى اليوم. والأرز محصول يحتاج كثيرا من الماء؛ فهو رمز للخصب.
تقوم كل هذه الطقوس على فكرة أنّ "الشيء يأتي بمثله". وهي فكرة سَكَنَت الناس قديماً؛ فَيُرشق الماء عاليا علّه يأتي بالمطر، ونُقدّم الطعام والفتاة والأرز لنأتي بالخصب.
تَستفزُ الصراعات والحروب هذه الأفكار والمشاعر؛ فالدّم يأتي بالدّم. وفي اللغة العربية تعبيرات مجازية شائعة عن تقديم الشيء ليأتي بمثله، من نوع "لا يفلّ الحديد إلا الحديد"، و"روّى الأرض بدمه". وفي مُضاهاة لحديث "عروس النيل" نقول: "قدّم روحه قُرباناً للحرية".
عندما يرتقي شهيد على يد قوة مُعادية مُحتلّة، تُستنفر أفكار الدم وقرابين الحرية، والردّ على الرصاص برصاص. وهذا الأسبوع ارتقى شهداء عدة في فلسطين، منهم شهيدان سيتذّكرهما الناس طويلا.
الأول قاض أردني فلسطيني، قُتل في إحدى محطات الإهانة الحتمية على الحدود للدخول إلى فلسطين، فاجتمع من أجله القضاة والمحامون في قصر العدل بعمّان في مشهد لن ينسى. والثاني طالب أعزل من جامعة بيرزيت، عبّر زملاؤه عن حبهم له على نحو فريد؛ إذ "قرروا" أن يمر في طريقه إلى قريته بَيتين، بالجامعة. فجاء كما الشهداء سافر الوجه، مَلفُوفاً بالعَلَم، فبكاه أساتذتهُ بدمع سخي، وبكته زميلاته بدمعهن وشحوبهن، وشيّعه زملاؤه بالهتاف وبتنافسهم فصيلاً بعيد فصيل على التمسّح به وزعم انتمائهم له. فاستحالت الجامعة كتلة بشرية واحدة ملوّنة، بما تجمعه الجامعات من تنوع الانتماءات المناطقية لأبنائها، وتنوع ملابسهم وأنماط حياتهم؛ فكان طبيعيا أن يقول بعض الحضور: "يا وطن الشهداء تكامل". وكان مؤثّرا وعبقريّا طواف رفاقه به شوارع الجامعة التي أحبّها، وأن "يتخرج" من الجامعة، وأن يقول أحد مدرسيه سأبقى أُسجّله حاضراً في المساق.
وفي بَيتين، المستّقرة على مُرتفع يُطل غرباً على رام الله، وشرقاً على الأردن، وقف عمداء الكليّات وعمداء الأسرى المحررين، وعرب وأجانب، والجماهير، وتحدّث رفاقه عن "الرّد". وفي المساء، أعدوا أغنيات لروحه تضم صورته مُبتسماً ضاحكاً على حصانه في الحقول. أمّا أمه، فاختصرت كل معاني الأمومة وهي تبكي "أرجعوه إلى حضني لعله يعود للحياة".
اكتشفت البشرية الآن طرقاً علمية وطبيعية تُسهم في سقوط المطر وزيادة خصوبة الأرض؛ مثل المحافظة على الثروة الشجرية التي تزيد تبخر الماء، فتكون كما رشقة ماء للسّماء. بل ويوجد ما يسمى استمطارا؛ فتصعد طائرات تُنزل الماء من الغمام.
للمؤرخ الإنجليزي أرنولد توينبي نظريته "التحدي والاستجابة"، التي تتحدث عن سقوط الحضارات واختفائها، إن لم تكن استجابتها للتحدي مناسبة كمّاً ونوعاً.
جرب الفلسطينيون "استجابات" عديدة في مسيرتهم، حالت دون هزيمتهم كُليّا أو أن يختفوا، ولكنها لم تحقق النصر بعد. الدّماء الفائرة في العروق يجب أن تظل كذلك، ولكن بعيداً عن الفعل ورد الفعل؛ فللاستمطار في العالم الجديد قواعده.
لقد كان مشهد الوحدة والوطن المتكامل رشقة ماء للاستمطار. ولو أديرت المقاومة الجماهيرية الشاملة المدروسة بعيداً عن ترهلٍ لا يرى سوى الدبلوماسية والمفاوضات، وبعيداً عن جُزر مقاومة ومبادرات معزولة عن استراتجية وطنية موحدة فيها مقاومة جماهيرية شعبية، واقتصاد، وتعليم، وسياسة، وإعلام، فإن هذه الجماهير ستكون شجر الاستمطار وطائرته.. وسيسقط المطر.
حماس.. وماذا بعد؟! "الرياض" السعودية
بقلم: يوسف الكويليت – القدس
الذين يهتمون بالشأن الفلسطيني منذ الاحتلال إلى تمزق ساحتهم ليسوا على خصومة مع أي طرف لأنها قضية عربية قبل أن تكون فلسطينية أو إقليمية، غير أن تتابع السباقات والانتقال من يسار ماركسي إلى قومي، ثم إسلامي إخواني بدأ يقلل التعاطف معهم، والأسباب لا تعلل من الخارج وإنما من بنية التركيبة السياسية التي تشتت ولاءاتها بين تنظيمات وجماعات ودول بدعوى المنقذ والحليف والداعم، والمعلن الدائم عن عدائه لإسرائيل، وهي حوادث بدأت مع الحروب وانتهت بالمصالحات والاعترافات وبشكل علني، لتأتي الوفود الفلسطينية لتفاوض وجهاً لوجه مع العدو المحتل، وهي صيغة الخروج من الحرب بين قوى غير متعادلة للبحث عن مدخل للسلام، غير أن إسرائيل حين تكون هي «الممانع» وليس الفلسطينيين أو من يرفعون هذا الشعار، بررت مواقفها بأنه لا ضمانات لسلام بوجود من يرسل عليها الصواريخ من غزة أو يستقوي بدول أخرى ترسل السلاح والدعم المادي لها..
غزة تحررت وقت «شارون» الذي يعد من الصقور الإسرائيلية لأنه رأى أن بقاء قواته أو بناء مستوطنات بحيز جغرافي ضيق، مع أكثرية فلسطينية تسجل أعلى كثافة عالمية في الكيلو متر الواحد، يجعل التخلص من هذا العبء أهم من البقاء، لتذهب في تعويض التمدد على مساحات أهم في الضفة الغربية، ودون شعور بأنها تخالف قوانين دولية، أو خوف من أي قوة عربية أو غيرها وهي تبنى مستوطناتها الجديدة أمام أنظار العالم كله..
حماس ومنذ نشأتها قيل إن إسرائيل رأت فيها المعادل الموضوعي ضد التيارات الأخرى التي طالما أشعلت الانتفاضات وخطف الطائرات واختيار أهداف خارج مدار الوطن العربي لضربها، إلى جانب التحالف مع منظمات عالمية تلتقي معها ايدلوجياً مثل (بادر مانهوف) والجبهة الشعبية والألوية الحمراء وغيرها، وعادت إسرائيل تقوّم مواقفها مع الفلسطينيين الذين كان انتماؤهم لليسار الراديكالي أكثر من القومي العربي، فكان أن رأت إسرائيل أن حماس بطبيعة تكوينها وطروحاتها العدو الأساسي لتلك التنظيمات، لكن تصورها عاكس أهدافها فبقيت المنظمة الفلسطينية أكثر عداء وتحالفاً مع قوى دولية وإقليمية في سبيل محاربتها من الداخل، فجاء إطلاق الصواريخ من غزة، بما يشبه حرب الاستنزاف أو على الأقل تخويف الإسرائيليين بأنهم بمتناول قوة المنظمة، إن ردت إسرائيل بعنف عن كل صاروخ يوجه لها..
عملياً الكل يتمنى أن يصل أي فصيل فلسطيني إلى قوة ردع لإسرائيل، لكن هذا يشبه المستحيل لدولة تملك وتصنع كل الأسلحة التقليدية أو ذات الدمار الشامل، والتي استطاعت ان تهزم العرب ثم تحيد سلاحهم، وبالتالي فإرسال الصواريخ يبقى بلا هدف إلاّ إعطاءها الذرائع بأن تنعم بأسلوبها الخاص، وعند التمحيص نجد الخسائر الفلسطينية، مادية وبشرية هي الأعلى قياساً مع إسرائيل، ثم إن المجتمع الدولي بدلاً من أن يرى القضية الفلسطينية بأنها ظلم لحق بشعب وكيان، وجد أن التعايش على مبدأ السلام مستحيل إذا كان أمن إسرائيل هو المعتدى عليه وليس العكس..
لا يوجد عربي لا يرى في الحق الفلسطيني أمراً ثابتاً لا تغيره السياسات ولا القوى الدولية وبالتالي فالنضال حق مشروع، لكن كيف يتم هذا النضال يبقى تقديراً للفلسطينيين أنفسهم لكن بدون أن يتعاموا عن الواقع وهو أن كل القوة العربية العسكرية عاجزة عن حرب إسرائيل فما بالك بإطلاق صواريخ بدائية تواجه بما هو أقوى وأكثر تدميراً وخسائر للفلسطينيين بغزة؟
تـــاريـــخ أخــــرس!
بقلم: جواد بولس – القدس
نامت الناصرة على جرح. ملأت سماءها فراقيع فرح المنتصرين في حرب، ككل الحروب، لا تترك للفضيلة مكانًا ولا للمنطق فسحة. نامت على حلم وصوت من أهلها الصالحين يبشّر بسقوط "القلعة الحمراء" وميلاد ناصرة الطهارة والشموخ.
ترى في أي ليل كنّا، وكانت المدينة؟
ما زالت الجيوش على "سنجاتها" تتكئ وتلملم أهداب الندى، الكل ينتظر رحيل آخر الغبار لتبدأ، كما كان دومًا في آذار، طقوس الولائم احتفاءً بالأخضر القادم. لندع صباحها يغرق في بركات آذار الهاطلة شلّالات سماوية، والبعض سيحسبها دموعًا على ضياع "عرش" لم يصن.
في الناصرة أقفلت الستائر على عهد حافل من حياة الجماهير العربية التي تكبّدت وناضلت لتبقى وتحيا في موطنها الأصلي. وبعيدًا عن إغواء الهزيمة، أو نشوة النصر، لن يصحّ التطرّق لما حدث في الناصرة وقبلها في معظم قرانا ومدننا العربية من تغييرات واضحة على سيرورة التفاعلات السياسية الاجتماعية، بتعابير العاطفة والنقمة أو النشوة والانتقام.
ما يجري في داخل المجتمع العربي جدير بالبحث العلمي الموضوعي المسؤول. ما يحدث في الدولة من تفاعلات سياسية وتغييرات اجتماعية وتأثير ذلك على مستقبل الجماهير العربية في إسرائيل يستصرخ بدوره ذوي الشأن والعقل والحريّة ليشرعوا بعملية شاملة جذرية تؤدي الى تشخيص ما يحدث، ومن ثم ليجتهدوا بتوصيف طرق النجاة والسلامة.
اليوم، أكثر ممّا مضى، يتّضح أن عملية التصحيح المطلوبة لن تسعى إليها الأحزاب والحركات السياسية القائمة الفاعلة على الساحة السياسية، فلو نوت لفعلت ذلك منذ سنين، وكذلك بات واضحًا أن المؤسستين القياديتين الكُبريين غير قادرتين على هذه المسؤولية، هذا إذا افترضنا إن النيّة عند هؤلاء القادة موجودة في الأصل.
لجنة المتابعة العليا باتت أداة أسيرة بأيدي من حوّلوها إلى "دفيئة"، في حضنها يرتبون قوانين بقائهم في الحياة العامة، وهي لذلك لم ولن تنتج أي مشروع جامع يتعرّض لواقع الجماهير العربية، يستشرف رؤى لمستقبلها، ويحدد وسائل نضالها ومواجهتها لعواتي الرياح الهابة عليها، كما سأبيّن بعد قليل.
أمّا لجنة الرؤساء، فلقد أفرغت عمليًّا من مضامينها الوطنية الأصلية المؤسسة. ولدت هذه المؤسسة القيادية من رحم شعار وواقع استولدا قيادات وطنية، كشرط أساسي للقيادة، وهذه القيادات الوطنية تسعى لتأمين الخدمات المحلية والبلدية. لقد انطوى هذا الفكر، وهزمت، عمليًا، الوطنية بمعناها الشعبي السياسي الفطري العام، حينما كانت تعني عكس العمالة و"الذَنَبية". ونحن نشهد، اليوم، قادة أحزاب وحركات "وطنية" يصطفون في الطوابير كي يعلنوا البيعة والدعم لمرشح "أمّيّ" في الوطنية، وحتى فترة قريبة كانت علاماته عند أولئك القادة؛ في السياسة والنزاهة والدين والانتماء، كلّها تراوح بين راسب ويكاد يكفي.
لن يجدي الاعتماد على وسائل التفكيك التقليدية لدراسة ما جرى في مجتمعاتنا من تحوّلات سياسية واجتماعية، فجداول الإحصاء والنسب وما إلى ذلك من رسومات بيانيّة قد تقنع المانحين والداعمين، ولكنّها لن تغنينا بتشخيص صحيح ولا بنصيحة تشفي. نحن بحاجة إلى محللين وباحثين متمكنين، يتمتعون بالجرأة قبل كل شيء، وبالموضوعية والنزاهة. وبحاجة لدارسين لا يخشون سطوة عقد العمل مع مؤسستهم أو جامعتهم، ولسنا بحاجة لمن تصرّفوا كجنود صغار تخندقوا وراء ذلك الشيخ أو زعيم القبيلة.
واقع الجماهير العربية، بعد ستة عقود ونصف من عمر إسرائيل، يختلف، بكل حيثياته، عمّا كان سائدًا في سنوات بعد النكبة. من هنا فثمة ضرورة لتحديد مفاصل ومفاعيل علاقة الجماهير العربية بالدولة ومؤسساتها، حيث أنها بحاجة لعملية "نفض" جذرية. والتشبث بالخطابات السائدة منذ فترة التكوين بحاجة الى إعادة تقييم ونظر، ألا يكفي أن نشاهد كيف وأين وقف معظم قادة الجماهير العربية، ولمن هتفوا في الانتخابات المحلية والبلدية لنعي هزيمتهم وهزال مبدئيتهم!
لقد دعوت الى ضرورة الاتفاق على تحديد ما يواجهنا من مخاطر وتحدّيات، وما زلت أدعو إلى التنبّه لما يجري على ساحة الدولة وما تنتجه التطورات السياسية المتفاعلة هناك، إنّه منزلق خطير ومن يحسب أننا في بحبوحة من وقت، وأن النباح لن يتلوه عضٌّ فهو خاطئ ومهمل.
ما يتشكّل أمام أعيننا هو نظام سياسي ينزع إلى جوهرٍ فاشي- كما يعرّفه علم الاجتماع السياسي؛ فسيادة الجيش وهيمنة العسكرة تستفحل وتتحكم في توجيه سياسة الدولة، ومثلها التعامل شبه المرَضي فيما يدعى "بأمن الدولة". ثم إن العلاقة الوثيقة بين المؤسسة الحاكمة والمؤسسة الدينية هي ركيزة أساسية لنظام الحكم القائم، وكذلك فإن دفاع الدولة عن الشركات الكبرى والعلاقة بين السلطة ورأس المال واقع متين وواضح، وها نحن نشهد ضعف نقابات العمال وإضعافها المستمر، غطرسة المشاعر القومية والاستهتار بحقوق الإنسان، وأصبح الاعتداء على الحرّيات الأساسية ظاهرة يومية مقلقة، حيث نلاحظ الإجماع على استعداء هدف، وإيجاد أكباش فداء على شاكلة أقليات قومية أو فئات مستضعفة يتحقق أمامنا، فنحن العرب ضحايا تلك الاعتداءات والمتسلّلين الملوّنين والعاجزين وغيرهم، سيطرة إعلام مجنّد وغير موضوعي وفاقد للمهنيّة الإعلامية المحايدة، وفساد متفشٍّ في جميع منظومات الإدارة والحكم. وأخيرًا، وحتى تكتمل الصورة ويربو القلق على أكثر من صعيد، نرى انقضاضًا على الحرّيات الأكاديمية وملاحقة الأكاديميين اليساريين وتعريفهم كأعداء دولة.
بمثل ذلك شخّص العلماء نظام حكم ينزلق في منحدر الفاشية؛ فلماذا يصمت علماؤنا ويتجاهل قادتنا؟
أخوات الناصرة سقطن قبلها والنواطير غارقون في أحلامهم.
أفيقوا من حلمكم واسألوا: من نحن بعد ليل الغريبة؟
فَـ "أنا أنهض من حلمي خائفًا من غموض النهار على مرمر الدار/ من عتمة الشمس في الورد/ من حاضر لم يعد حاضرًا/ خائفًا من مروري على عالم لم يعد عالمي/ أيّها اليأس كن رحمة/ أين الطريق إلى أي شيء؟".
التاريخ أخرس، لكنّه يترك وصيّته والجراح، فاقرأوا يا عرب!
مــخــاطر إيـران الــنـوويــة
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـر – القدس
على ضوء الإحتمال القوي بأن إيران ستمتلك الأسلحة النووية، يجب أن يعتمد سبب وكيفية منعها من تحقيق هدفها على فرضية أن العواقب ستكون وخيمة عليها إذا هي حقّقت هدفها. هناك مخاطر متداخلة مع بعضها البعض لدول الخليج ولإسرائيل بشكلٍ خاصّ تشكلها إيران النووية، وهذه ذات شقّين: فيزيائية (مادية) وسيكولوجية (نفسية). وحيث أنه بالإمكان معادلة أو تحييد امتلاك إيران للأسلحة النووية بالرّدع والإحتواء، غير أن الناحية السيكولوجية (النفسية) ستبقى تُراوح في مكانها حيث أنها ستحمل دائماً درجة عالية من التشكّك وعدم اليقين. وهذان الشقان إن ترابطا معاً سيغيران بشكلٍ جذريّ الحسابات الجيوسياسية للدول في المنطقة وللقوى الخارجية أيضاً، وبشكلٍ خاصّ الولايات المتحدة الأمريكية التي لها مصالح استراتيجية هامة والتزامات أمنية لحلفائها في المنطقة.
القضية الأولى المقلقة هي انتشار الأسلحة النووية: لا شكّ أن امتلاك إيران للأسلحة النووية سيشجّع دولاً أخرى في الشرق الأوسط على الحذو حذوها بالرّغم من أنّ هناك إجماع واسع في الرأي بين العلماء والقادة السياسيين بأن إيران لن تستخدم مثل هذه الأسلحة ضد أي من خصومها لسببين: أ) لأنها تخشى ضربات نووية انتقامية من طرف الولايات المتحدة و/أو إسرائيل وهذه ستلحق أضراراً جسيمة بإيران و ب) امتلاك الأسلحة النووية يخدم مصالح إيران الإستراتيجية بشكلٍ أفضل من استخدامها الفعلي.
ولكن هذه كله، على أيّة حال، لا يقدّم اطمئناناً كافياً للدول التي تشعر بأنها مهدّدة من قِبَل إيران، مثل المملكة العربية السعودية ودول الخليج التي لا تمتلك أسلحة مماثلة. هذه الدول تنظر لإيران على أنها عدوّ دائم ولذا فهي لا تريد أن تعيش تحت مظلة تهديدٍ نووي. فإسرائيل، التي يُعتقد بأنها تمتلك قدرات نووية هائلة، ترغب في الإحتفاظ بتفوقها النووي ولا تستبعد احتمال أن تقوم الزمرة الدينية الحاكمة في إيران، بتشجيعٍ أو اندفاعٍ من قوى دينية، بالتفكير في استخدامها.
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، فهذه قد تصبح على الأرجح الدولة الأولى التي ستسعى للحصول على أسلحة نووية تمتلكها دون الضرورة للدخول في عملية لتطوير برنامج نووي لأن السعودية بحاجة لامتلاك قدرات ردع نووية خلال فترة قصيرة جداً من الوقت إذا أصبحت إيران قوّة نووية. وللوصول إلى هذا الهدف، من المرجح أن يشتري السعوديون أسلحة نووية "جاهزة الصنع" من الدولة الإسلامية السنية، الشقيقة الباكستان. والمال على ما يبدو بالنسبة للسعوديين ليس مشكلة إذ أن بإمكانهم صرف مليار دولار أو مليارين لحيازة قدرات ردع نووية كاملة بمساعدة علماء وفنيين نوويين باكستانيين.
هذا يعني بأن انتشار الأسلحة النووية لن يكون مقتصراً على المملكة العربية السعودية، بل قد تحذو حذوها دول عربية أخرى مثل مصر، وبالأخصّ لأن مصر تسعى لاستعادة دورها القيادي التقليدي في العالم العربي وقد تفعل كلّ ما بوسعها لصدّ طموحات إيران في الهيمنة على المنطقة. لا مصر ولا المملكة العربية السعودية ولا إيران نفسها ستتردّد في الإنسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في حالة ما اتّضح بأن إيران تمتلك الأسلحة النووية.
القضية الثانية المقلقة هي أن إيران ستصبح القوة المهيمنة على المنطقة مجهّزة بأسلحة نووية تضعها في وضعٍ يرهب دول الخليج ويستأسد عليها لقبول إملاءاتها السياسية، فإيران متورطة في نشاطات مدمّرة في البحرين وغيرها من دول الخليج مثيرةً للشغب والقلاقل عن طريق الأقليّات الشيعية. وقد اكتسبت العداوة القديمة ما بين الدول السنية وإيران الشيعية زخماً أكبر الآن نتيجة الحروب الدائرة في العراق وسوريا والتي تخوض من خلالها إيران والمملكة العربية السعودية، مدعومة بدول خليجية أخرى، حرب وكالة ضد بعضها البعض.
والقضية الثالثة المقلقة هي احتمال الوقوع في خطأ في الحسابات: فبالنظر إلى الإضطرابات والثورات التي يمرّ بها الشرق الأوسط والتي من غير المرجح أن تخمد في وقتٍ قريب، فإن دول المنطقة ميّالة للخطأ في الحسابات، لا بل هي على حافة مثل هذا الخطأ. وإذا تبيّن بأن البقاء على قيد الحياة في خطر، فإن التوتر العالي يضيق من مجال التعامل بحذر والتدقيق في الأمور قبل اتخاذ القرارات، وتحت هذه الظروف يتصرّف الناس كما في جو من الأزمات يصبح فيه الوقت والإستعجال ذات أهمية كبرى وقرار اتخاذ إجراء فوري يهيمن على كلّ الإعتبارات. ولذا فإن ارتكاب خطأ في حساب نوايا العدو قد يؤدي إلى نتائج كارثية.
القضية الرابعة المقلقة هي احتمال وقوع بعض التركيبات النووية، مثلاً ما يسمّى بِ "القنابل القذرة" (وهذه عبارة عن اتحاد مواد مشعة مع متفجرات تقليدية) في الأيدي الخاطئة أو حتى تزويدها عمداً لمجموعات إسلامية متطرفة. هذا يعني كلّما زاد انتشار الأسلحة والمواد النووية في المنطقة، زاد معه خطر أن تقوم مثل هذه المجموعات باستخدام هذه المواد ضد أعدائها، بصرف النظر إن كانوا سنيّين أو شيعيّين أو إسرائيليين. فما يمكن تصوره أو تخيله هو أن تقوم إيران بتزويد مثل هذه الأسلحة لحزب الله لكي تردع بها إسرائيل من مهاجمة منشآتها النووية. أضف إلى ذلك، قد تقوم مجموعات إرهابية بسرقة مثل هذه الأسلحة. ولا يمكن استبعاد أيّ من هذه السيناريوهات لأن المملكة العربية السعودية ومصر ولربّما دول أخرى – كما ذكرت سابقاً – قد تنسحب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وستترك بدون عمليات تفتيش صارمة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. زد على ذلك، هناك العديد من المجموعات الجهادية، وبشكلٍ خاص القاعدة، التي لن تفوّت أية فرصة لوضع يدها على مثل هذه الأسلحة.
أما القضية الخامسة المقلقة فهي أن حيازة إيران للأسلحة النووية تتناقض مع الرغبة التي عبّر عنها المجتمع الدولي أكثر من مرّة والمتمثلة في جعل منطقة الشرق الأوسط معزولة من السلاح النووي. والنقطة هنا أنه باستثناء جنوب إفريقيا التي قامت بتفكيك أسلحتها النووية تحت ظروفٍ فريدة من نوعها، لم تقم بعدها أية دولة تمتلك أسلحة نووية بتفكيك مخزونها النووي أو التخلي عنه.
ومع انهيار الإتحاد السوفيتي أعادت عدّة دول شرقية حليفة لروسيا، مثل أوكرانيا وروسيا البيضاء (بيلاروس) وكازاخستان، أسلحتها النووية الموروثة إلى روسيا. وخلال العقد الماضي من الزمن قامت الولايات المتحدة وروسيا بتخفيض فقط لمخزونها النووي. وأما أحدث ثلاثة أعضاء في النادي النووي وهم كوريا الشمالية والباكستان والهند فهذه تقوم في الواقع بزيادة وتعزيز مخزونها من الأسلحة النووية.
المشكلة هنا أنه في حالة حيازة دول أخرى في الشرق الأوسط أسلحة نووية سيكون من المستحيل تقريباً تحرير المنطقة من هذه المستودعات المرعبة من الأسلحة. وبالفعل، إذا كانت الفكرة هي جعل الشرق الأوسط منطقة معزولة من الأسلحة النووية، فإن إضافة قوة نووية أخرى لا يتوافق بتاتاً مع هذا الهدف العام.
وأخيراً، فإن الدول المجهزّة بمخزون من الأسلحة النووية تميل إلى اتخاذ مخاطر أكبر وتتصرّف بتهوّر بسبب شعورها المتزايد بالحصانة. كوريا الشمالية تجسّد مثل هذا التّصرف وليس هناك سبب للإعتقاد بأن إيران ستتصرّف بشكلٍ مختلف. لقد هدّدت كوريا الشمالية في مناسبات عديدة شقيقتها كوريا الجنوبية وحاميها، ألا وهي الولايات المتحدة الأمريكية. هذا قد يؤدي إلى "حريق جديد هائل" بين الكوريتين سيورّط بشكلٍ شبه أكيد الولايات المتحدة، وهو سيناريو ممكن تطبيقه على الصراع القائم حالياً بين المملكة العربية السعودية وإيران أو بين إسرائيل وإيران.
وهناك من يتساءَل عن الأسباب التي تستدعي منع إيران من حيازة الأسلحة النووية في حين أن إسرائيل تمتلك – كما هو معروف – مخزوناً هائلاً من هذه الأسلحة. وبصرف النظر عن صحّة أو عدم صحّة هذا الجدل، فإسرائيل تشعر نفسها محاصرة. إنها مهدّدة بوجودها حاضراً ومستقبلاً من قِبل إيران وليس العكس. الدليل على ذلك أن إسرائيل مثلاً لم تكن قلقة عندما قامت الباكستان بتطوير أسلحتها النووية لأن الباكستان لم تهدّد يوماً إسرائيل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.
يجب أن يُفهم هذا أيضاً في سياق مخاوف إسرائيل الشديدة حول أمنها القومي. فبالنظر للتجارب التاريخية، تأخذ إسرائيل أية تهديدات بوجودها بمنتهى الجدية ولن يوقفها أي شيء لإبطال مثل هذه التهديدات.
وبالرّغم من أن إسرائيل قد تبنّت طيلة الوقت سياسة الغموض النووي ولم تؤكد أو تنفي حتى الآن امتلاكها للأسلحة النووية، غير أنها ذكرت في عدّة مناسبات بأنها ستشارك في أي جهد لجعل الشرق الأوسط منطقة معزولة السلاح النووي في حالة التّوصل لسلامٍ شامل مع العالم العربي والإسلامي، بما في ذلك إيران، وبقاء هذا السلام ثابتاً لعدة سنوات لكي يتأصّل جسدياً ونفسياً بين شعوب المنطقة.
ولهذه الأسباب، من الضروري جداً أن تكون الاتفاقية بعيدة المدى – التي يتمّ التفاوض حولها في الوقت الحاضر بين الدول الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي وألمانيا من ناحية وإيران من الناحية الأخرى – محكمة تماماً وتستطيع أن تمنع إيران بجدارة من الحصول على سلاحٍ نووي مهما كان هذا الإحتمال بعيداً.
وللتأكيد، إن أصبحت إيران نووية فإنها ستعجّل من انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيشكّل غيمة سوداء هائلة وراعدة تحوم حول المنطقة ولن يعلم أحد متى وأين ستضرب العاصفة المتجمعة. يجب أن تبقى كلّ دولة على قدرٍ عالٍ من الحيطة والحذر، وهذه أفضل وصفة لمنع الخطأ في الحسابات وحدوث فوضى بعواقب لا يمكن التنبؤ بها.
ع الــفــاضــي
بقلم: حسن البطل – الايام
تدوير "الكرتنة"
فهمت من العدد الثامن لمطبوعة صادرة عن بلدية رام الله معنونة "رسالة بلدية رام الله" أنها فصلية، لأن ذاك العدد يغطي نشاطات ومشاريع البلدية من أيار (مايو) إلى آب (أغسطس).
لم أتصفح العدد التاسع بعد، فإن صدر ووصلني سأقرأ عن مشروع ما وكيف مشى، وآخر ولماذا تعثر. آمل أن يمشي مشروع بلدي يحمل عنوان "غرين سيتي"، ومن تفاصيله وضع مستطيلات حديد شبك رشيقة وجميلة، جانب كل حاوية قمامة.
الغاية هي "تدوير" صناديق الكرتون (ريسيكل).
هذا مشروع بلدي ثان في مجاله، وسبقه مشروع غير بلدي، قال صاحبه إن طموحه تغطية حاجة "الكرتنة" الفلسطينية بنسبة 40 - 50٪ . لكنه فشل، لأسباب فنية (شكل صناديق الجمع) أو أسباب أعمق هي حداثة فكرة "التدوير" لدى الجمهور، وبالذات لدى أصحاب المحلات التجارية.
في بلاد أخرى ترسخت فيها فكرة "التدوير" يبدأ التطبيق من البيوت، ويشمل مروحة واسعة من المواد (الزجاج، المعادن، الملابس .. وحتى بقايا الطعام لجعلها سماداً أو طعاماً للخنازير).
لي ملاحظات، عملية غير جمالية، على تنفيذ فكرة تدوير صناديق الكرتون، تبدأ بشكل الصناديق، حيث توجد فتحة ضيقة في اعلاها، وسقف مغلق، وقفل بمفتاح في بابها؟
لماذا ليست الفتحة أكبر، لأن "همة" الناس قليلة في طي و"تستيف" الصندوق الفارغ .. او ما الحاجة الى سقف مقفل وقفل على الباب؟
ومن ثم، فالحاوية جانبها مليء بصناديق فارغة بعضها كبيرة الحجم مثلاً، بدلاً من طيها وادخالها في الفتحة .. او ان جامعي القمامة يستفيدون من الصناديق لتحميل عربات الجمع بما فوق طاقتها.
مع ذلك، بدأ المشروع مهدداً بالفشل، كما بداية مشروع مواقف الدفع المسبق، التي تعثرت في البداية بسبب اعمال واسعة لتحديث البنية التحتية والسطحية لشوارع وساحات مركز المدينة .. وبعد ذلك، أمكن بالغرامات تنشيط المشروع، وانطلاقه من جديد.. نصف - نصف!
شيئاً فشيئاً بدأت "ثقافة" طي صندوق الكرتون الفارغ، وادخاله في الفتحة الضيقة، وايضاً طي الصناديق الفارغة أمام المحلات التجارية، لتقوم البلدية بجمعها حيث لا مكان لحاويات القمامة الكبيرة .. يلزم البلدية سيارات جمع مع مكبس!
بدأ المشروع يبدو "ع الفاضي" لكن مع الزمن صار "نصف الكأس مليئاً ونصفها فارغاً" .. لا بأس والى الأمام!
ترويض الرصيف لحقوق المعاق
بعد أن انتهت البلدية من توحيد بلاط أرصفة شوارع مركز المدينة، وتذليلها هندسياً لتراعي تفاوت ارتفاعات الرصيف، فطنت الى حقوق المعاق الفلسطيني، وقامت باستكمال تذليل فوضى هندسة الارصفة، بتذليل حافّاتها لتسهيل اجتياز عربات المعاقين لها.
الخلل في هكذا أمر يتحمله سائق السيارة، او صاحب عربة البسطة، وحتى شرطي السير.. ولا أحد منهم يترك فتحات عربات المعاقين حرّة من العائق، او بفرض مخالفة على المخالف.
.. إلا اذا كان المعاق حركياً في اقدامه السفلى صاحب سيارة، فتعطيه البلدية "حقوق موقف" خاص، مع اشارة للتنبيه "ممنوع الوقوف" لغير سيارات المعاقين وأحياناً ارقام موقف خاص جانب المتجر!
في هذا الأمر، تتعاون شرطة السير مع موظفي مواقف البلدية للدفع المسبق، وتقوم بمخالفة المخالفين بغرامة مالية عالية نسبياً.
أرى ان المسألة هي هضم حقوق المعاق الذي يقود عربة يدوية الدفع، أو آلية الدفع، لأن سدّ فتحة العربة على الرصيف يعيق المعاق عن استعمال هذا التسهيل .. وجميع مداخل العمارات الحديثة تقدم تسهيلات جيدة!
يبدو جهد البلدية في تذليل حواف الأرصفة "ع الفاضي" .. حتى الآن!
شارع القدس (فلسطين!)
بلدية البيرة لحقت بلدية رام الله، وقامت بإعادة تأهيل شارع القدس، بدءاً من مستديرة المنارة، بنية تحتية جديدة، ولكن مع بنية سطحية جميلة حقاً، ذات هندسة عملية.
هكذا، تحوّل من شارع كثيف المرور، وواسع ورصيف فوضوي، بلا شجرة او نبات اخضر، الى شارع جيد الرصف مع أشجار زيتون معمرة، او أشجار نخليات كبيرة، او "حواجب" جانبية لنباتات محمية بسياج حديدي مشغول .. (أحياناً يكسرونه)!
لكن، سرعان ما أصبحت "الحواجب" الجانبية الجميلة والخضراء كأنها مكبّات مفتوحة لبقايا عربات الخضار، وصناديق الكرتون، ولا يقوم عمال التنظيفات برفعها أولاً بأول، كما يفعلون بقمامة الشارع وأرصفته .. نصف - نصف!
* * *
بجملة أسباب متداخلة، انتهى مشروع "سوق رام الله" الشعبي - شارع المعاهد، الى الإغلاق .. وعادت البسطات والتبسيط الى الأرصفة.
كتبتُ عن هذا، ولكن المفارقة هي أن النشرة، رقم 8 رسالة البلدية، تحدثت عن مشروع نموذجي يستفيد منه الباعة من ذوي الأسرى والشهداء، وذوي الإعاقة.
الافتتاح كان رسمياً جداً، رئيس الوزراء وزير الاقتصاد، محافظة رام الله، رئيس بلدية بيتونيا، شرطة المحافظة ..الخ. كان المشروع يبدو نموذجياً في جماله.
ربما أقرأ في العدد التاسع عن أسباب الفشل، وإغلاق السوق .. لأنه كان مشروع "ع الفاضي"!
معظم المشاريع ناجحة وهي كثيرة و"ع المليان" لكن بعضها "ع الفاضي".
جامعة بيرزيت.. ويهودية الدولة
بقلم : عبد الناصر النجار – الايام
لا ندري لماذا اختار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو جامعة بيرزيت لكي تكون منبراً لخطاب يريد من الرئيس أن يعلن فيه قبوله بالدولة اليهودية... لعلّ السبب يعود إلى أن الجامعة ما زالت عند الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إحدى الركائز الأساسية للعمل الوطني، أو لأنها خرّجت معظم القيادات الفلسطينية في الصف الأول أو الصف الثاني... أو لأن طلبتها هم "الأكثر راديكالية" وفق تعبير بعض وسائل الإعلام، خاصةً بعد وقوع حوادث لشخصيات أجنبية زارت الجامعة ولم تعجب آراؤهم بعض الطلبة أو لأن مواقف حكوماتهم في تلك الأيام لم تكن تتساوق مع رؤية دول وشعوب المنطقة للاعتداءات الإسرائيلية.
ولكن بصرف النظر عن مسوّغات نتنياهو لهذا الاختيار، فإن ردّ الجامعة كان واضحاً خلال الأيام الماضية... وحددته الحركة الطلابية بكافة مكوناتها بعد أن اغتال جنود نتنياهو الطالب في دائرة الإعلام ساجي درويش بدمٍ بارد... كانت صرخات المشيعين تؤكد فلسطينية هذه الأرض التي زرعتها قوات الاحتلال على مدى 45 عاماً بمئات المستوطنات التي شوّهت الأرض، فترى هذه الكتل الإسمنتية كالسرطان تنتشر في جسم الأرض الفلسطينية.
كان الأحرى بحكومة نتنياهو أن تستجيب لنداء السلام الفلسطيني الممتد على فترة مفاوضات ستدخل عقدها الثالث دون أن يكون هناك بصيص أمل... حيث أعطى الفلسطينيون كل ما يمكن في سبيل سلام عادل... لم يتبق لهم من أرض فلسطين التاريخية سوى أقل من ربعها... رغم أن قرار التقسيم الذي رفض في حينه كان يعطي الفلسطينيين نصف أراضي فلسطين التاريخية... وقد تنازل الفلسطينيون في اتفاقات أوسلو أكثر بكثير مما هو متوقع.. ورغم ذلك لم يحصل الفلسطينيون على الحد الأدنى مما هو منصوص عليه في هذه الاتفاقات... وظل الاحتلال سيد الموقف ولكن بصور مختلفة... بمعنى أنه قد يكون غادر فناء المنزل ولكنه ما زال أمام البوابات والنوافذ الرئيسة...
إذن يهودية الدولة ليست إلاّ مسماراً أخيراً يدقه نتنياهو وحكومته في نعش جهود السلام التي تحاول الإدارة الأميركية إنعاشها بشتى السبل... وأهمها مزيد من الضغط على القيادة الفلسطينية تهديداً ووعيداً، وربما في بعض الأحيان رشوة في هذا المجال أو ذاك، وخاصة الوضع الاقتصادي والمالي الصعب للسلطة الفلسطينية.
إن هذيان القيادة الإسرائيلية لم يكن لولا هذا الضعف العربي.. مع ربيع لم يزهر قط، بل تحوّل إلى مزيد من الجفاف والأشواك الضارة المنتشرة هنا وهناك.
الأخطر هو زجّ الدين بطريقة فجّة ليس لشيء إلاّ لكسب مزيد من الوقت، مع تسارع مسلسل التهويد، خاصة في القدس والمنطقة المحيطة بها، لتكثيف البناء الاستيطاني والاستيلاء على مزيد من الأرض الفلسطينية.
إذن بيرزيت قالت كلمتها مدوّية لنتنياهو وليس فقط الجامعة، ولكن الجامعات الفلسطينية جميعها والحركة الطلابية قاطبة... ونحن نلاحظ أن جيلاً من الشباب اليوم هو أكثر قوةً وإصراراً على الحفاظ على الثوابت الوطنية، وتصميماً على الحق الفلسطيني رغم كثرة الأعداء وتعددهم...
قد يرى البعض أن الوقت ليس في صالح الفلسطينيين، وكلما تأخروا فإن قضيتهم تفقد وهجها... ونحن نقول بالصمود وبقوة الحق إن لم يستطع هذا الجيل فليترك ذلك للأجيال المقبلة... ولكن لا تسجلوا على أنفسكم أيها الفلسطينيون والعرب أنكم تنازلتم مقابل لا شيء... وتراجعتم في سبيل إنجازات وهمية...
الفلسطينيون والعرب هم الأصل في هذه المنطقة... وسيظلون كذلك... وكل المحاولات من أجل اقتلاع الفلسطينيين ستفشل... كما أن كل الجهود التي يبذلها نتنياهو وقيادة الاحتلال وحلفاؤه من أجل ما يسمى الدولة اليهودية لن تكون إلاّ هباءً منثوراً.. دم الشهيد ساجي كان أكثر من خطاب وأهم لغة واقعية، فهل وصلت الرسالة إلى آخر احتلال في هذا العالم!.
أداروا المعركة وفق نظرية صن تزو ولكن الحساب المؤجل مع "حماس"
بقلم: حسين حجازي – الايام
في أقل من ساعتين كانت الضربة الصاروخية التي قامت بها "الجهاد الإسلامي" قد انتهت، نحو 130 صاروخاً دفعة واحدة وعاد الشباب الى بيوتهم بعد أن تحقق الهدف من العملية بكسر الصمت. لم تتجاوز في المدى ثمانية كيلو مترات على الغلاف المحيط بغزة، وكما لو ان الإحداثيات حسبت بالسنتمترات وليس حتى بالأمتار، لم يكن الهدف كما اتضح لاحقا إيقاع أي إصابات في صفوف العدو، وفي المساء ردت إسرائيل التي بدا عليها وكأنها بوغتت بكثافة النيران التي أطلقت، ردت التحية على "الجهاد الإسلامي" وغزة بمثلها، اذ على مدى اتساع نطاق الغارات الـ 29 التي قامت بها الطائرات الإسرائيلية، سوف يتضح لاحقاً ان الهدف كان أيضا عدم التسبب بايقاع أي إصابات في صفوف الفلسطينيين، لئلا يستدعي ذلك صعود الفلسطينيين درجة أُخرى على السلم في ردهم التالي.
وهكذا بدا لحين كما لو ان ما جرى هو أشبه بشخصين غريمين بينهم عداوة، ولكن يخشى كل منهما الآخر، التقيا مصادفةً وجهاً لوجه في الطريق فاشهر كلاهما مسدسه في وجه الآخر، ولكنهما بدلاً من ان يطلقا النار اختار كلٌ منهما التراجع خطوات الى الوراء ليختفيا في أقرب زقاق جانبي، دون ان يقر أي منهما بأنه هزم أمام الآخر.
ولكن في التحليل الإستراتيجي ماذا يمكن ان نطلق على هذا النوع من الاشتباك بقوة النيران السلبية أي بتحاشي القتال فعلياً، ان لم يكن توازن الردع؟. واذا كان توازن الردع هذا ليس انعكاساً حقيقيا لتوازن القوى المادي في الواقع أي على الأرض، بحساب وسائط القوة التي يملكها الطرفان وإنما هناك اختلال واضح وعدم تناسب في هذا التوازن بين الطرفين، فمن يكون عندئذ الطرف الذي حقق النصر او الفوز في هذه المعركة؟ والجواب واضح انه الطرف الأضعف على الأرض.
هذه جولة حربية، اشتباك آخر جرى من الناحية العملية وفق نظرية معلم الحرب الصيني (صن تزو) الذي عاش قبل خمسمائة عام قبل الميلاد، وأولى أهمية حاسمة للذكاء في طريقة الطرف الضعيف في استعمال القوة المحدودة التي يملكها على حساب توازن القوى الحقيقي أو المادي على الأرض، هنا قد ينتصر القادة المهرة في مئة معركة حربية من دون قتال، كما ينتصر كل فطين يتربص بعدو غبي، وهم هنا الفلسطينيون الغزيون الضعفاء على اسرائيل.
لكن هل بلغنا عند هذا المنحنى ذروة النهايات الأخيرة في هذه السلسلة المتصلة حلقاتها فيما يمكن اعتبارها المعركة الغزية؟، والتي بدأت كافتتاحية دامية في العام 2008 ثم في العام 2012 كجولة أقل تطاولاً، لتبلغ أخيرا ذروة المنحنى في مواجهة شبه نظيفة غير دامية كاشتباك أبيض، ولكن لتسفر هذه الجولة الأخيرة عن تثبيت الخطوط الحمراء التي تم التفاهم عليها العام 2012، كخطوط على الرمال يمكن الانقلاب عليها مع الانقلاب على الشريك المصري، الذي كان دوره حاسماً في وضعها أو رسمها، واليوم حان الوقت لإعادة تثبيتها هذه المرة على اللوحة العامة للعلامات على الحائط، ام انه من المبكر، أو بالأحرى من المضلل وخداع النفس التوصل الى مثل هذا الاستنتاج، اذا كان من غير الممكن التيقن بعد من ان إسرائيل يمكنها ان تسلم بهذه النتيجة في سجالها المتواصل مع غزة.
والواقع ان الوجه الآخر في مقاربة ما حدث ربما يحيلنا الى نظرية فرويد عالم النفس، عن العملية التي في حقيقة الأمر لا تتم بين اثنين وإنما هناك دوما أربعة أشخاص مشاركين فيها، وهؤلاء الأربعة لاعبين المشاركين فعلياً فيما جرى هم إلى جانب إسرائيل و"الجهاد الإسلامي" كلٌ من مصر و"حماس"، وان اللعبة الحقيقية هي بين هذين اللاعبين الأخيرين المستترين أي مصر و "حماس"، وان هذا الإدراك هو الذي سوف ينتج لنا تفسير ما جرى على وجه التحديد او الخصوص، ولماذا اتخذت هذه الجولة الأخيرة هذا الطابع المحدود الذي بدا وكأنه على قدر من التنسيق، كما لو ان يداً خفية هي التي قامت بتوزيع الأدوار فيما يشبه مناورةً تمثيلية تحاكي معركة حقيقية تحبس الأنفاس ولكن ليست بمعركة حقيقية.
لعلكم تذكرون هنا السبت الماضي أننا أشرنا إلى خيار "حماس" الأخير في مواجهة الضغوط عليها بالذهاب الى تصعيد عسكري مع إسرائيل، لكن ما حدث ان "حماس" أعطت الضوء الأخضر لـ "الجهاد" بالتصعيد واكتفت بالوقوف وراء الستارة، وكانت هذه مناورة بارعة من جانب "حماس"، لعب ورقة "الجهاد" وان تبقى هي كاحتياطي استراتيجي تمارس التهديد المباشر لإسرائيل في حال وسعت إسرائيل من ردها، الى هنا نجحت "حماس" في لعبة توزيع الأدوار، لكن بينما انتظرت "حماس" ان يتصل بها الجانب المصري باعتبارها هي اللاعب الرئيسي في غزة، فإن المصريين الذين بادروا من أنفسهم هذه المرة بإجراء الاتصالات، عملوا على تجاهل "حماس" والاتفاق مع إسرائيل و"الجهاد الإسلامي" على وقف إطلاق النار أو تثبيت التهدئة. وهكذا بدلا من ان تظهر "الجهاد" وكأنها حصان "حماس"، قال المصريون لماذا نعطي الرصيد لـ "حماس" الإخوانية اذا كان يمكن الرهان على فرس "الجهاد" لمزيد من فرض العزلة على "حماس" ولو على المستوى المعنوي باعتبار هذا النصر لـ "الجهاد" وليس لـ "حماس"؟.
وهكذا كرماً للنظام السياسي الجديد في مصر لم تعترض إسرائيل ليبدو كما لو ان الجميع خرج راضياً ولكن مع إضمار الحساب الحقيقي والمؤجل من قبل إسرائيل وربما مصر لاحقاً في مناسبة أُخرى مع "حماس" الخصم المشترك لإسرائيل ومصر على حد سواء.
لكن ومرة أُخرى هل هذا التصور واقعي أو صحيح؟ والجواب هو عند "الجهاد الإسلامي" التي قال المتحدثون باسمها إن هذه التخرصات ليست إلا من قبيل خيال مريض لبعض الأطراف التي تحاول الالتفاف على تماسك ووحدة المقاومة، واتفاقها المشترك على أي خطوة او مبادرة يقدم عليها احد الفصائل في مسعى لتفكيك هذا التلاحم والتسلل ما بين الشقوق بعد اصطناع هذه الشقوق، وأرى شخصياً هنا أن أداء المتحدثين السياسيين والعسكريين باسم "الجهاد الإسلامي" لم يكن أقل في مستواه عن أداء الذراع العسكرية للحركة في هذه المعركة، اذ حرص الجميع هنا على إيعاز الفضل فيما تحقق لهذا التوافق الفصائلي الفلسطيني ككل دون استثناء، لعب "الجهاد" الدور الرئيسي في العملية باسم الجميع، وهذا لم يحدث هذه المرة فقط وإنما في مواجهات سابقة كان توزيع الأدوار فيها سبباً للنجاح، اذا كانت المقاومة بلغت من النضوج والذكاء والحنكة، بحيث تعرف ليس متى تقاتل ولا تستدرج للقتال ولكن هذه الحكمة التكتيكية البارعة متى تقاتل بكل الفريق القومي ومتى تقاتل بأحد الفرق المحلية، وإذا كانت نبرة الصوت الهادئة ولكن الأكثر ثقة بالنفس من أي وقت سابق، فإن ما جرى في الأيام الأخيرة يعطي انطباعا واضحاً ان المقاومة في غزة تملك القدرة لترجمة ما تقوله إلى واقع أكثر من أي وقت مضى.
كان الله، وكان الناس، في عونه
بقلم: صادق الشافعي – الايام
بعد غد في17/3 يلتقي الرئيس الفلسطيني أبو مازن في واشنطن مع الرئيس الأميركي أوباما بناء على دعوة رسمية من الأخير. الهدف من الدعوة واللقاء هو الدفع بعملية المفاوضات وإعادة الحركة لها بهدف الوصول بين طرفيها الى اتفاق إطار قد يمهد في وقت لاحق وغير محدد إلى حل. ولنفس الهدف كانت دعوة أوباما لرئيس الكيان الصهيوني واللقاء معه في بداية الشهر الحالي.
إن وصول الأمر إلى درجة تستدعي تدخل الرئيس الأميركي بنفسه مباشرة والرمي بثقله وثقل منصبه يعيد تأكيد حقيقتين: الأولى، أن جهود وزير خارجيته كيري ومساعديه الثلاثين وأكثر، وبعد جولاته الكثيرة الى المنطقة ولقاءاته الأكثر فيها، قد وصلت الى طريق مسدود.
والحقيقة الثانية أن أميركا مستميتة ألا تفشل حتى لو عنى ذلك الوصول الى اتفاق شكلي لا قيمة موضوعية له (مثلاً، أفكار للتفاوض من حق كل طرف التحفظ على اي فكرة فيها). أو حتى لو عنى ذلك، الاتفاق فقط على استمرار المفاوضات. ويبدو ان هذا هو هدف أميركا الآن. المهم لأميركا ألا تصدر نعوة انتهاء المفاوضات وفشلها، فهي لا تحتمل فشلاً إضافياً الآن.
إن استمرار المفاوضات بعد الموعد المتفق عليه لا يعني للطرف الإسرائيلي شيئا، ولكنه يعني بالنسبة لنا استمرار الجدل الخلافي والتشكيك، ويعني أيضا بقاء حركتنا الدولية تحت الوصاية الأميركية وضمن أسرها ويعني عدم بلورتنا لطريقنا البديل وانطلاقنا فيه.
إذن، الرئيس أبو مازن سيكون في زيارته ولقائه مع أوباما، وربما مع غيره، عرضة لضغوط هائلة ومن كل نوع وفي كل مجال، وستطال كل الوضع الفلسطيني.
ولن يقابل هذه الضغوط إغراءات ذات قيمة، فالموقف العدواني المتعنت لحكومة الكيان الصهيوني لم يترك للإدارة الأميركية فرصة لتقديم اية إغراءات. الإدارة الأميركية في الغالب ستحاول استحضار ضغوط إضافية من حلفاء لها، وقد يترافق مع هذه الضغوط الإضافية بعض الإغراءات في المجالين المالي والاستثماري.
المقدمات التي تسبق اللقاء بدأت بالظهور وبشكل متناغم بين أميركا وإسرائيل: المقدمات الإسرائيلية، جاءت على شكل الإصرار، ومن على الأرض الأميركية نفسها، على كل المطالب التعجيزية المرفوضة وأولها وجوب الاعتراف الفلسطيني بيهودية دولة احتلالهم، وعلى شكل تصعيد عنفها وزيادة وتيرة ومعدلات القتل والاغتيالات ضد المدنيين الفلسطينيين بدون تهديدات تذكر. وجاءت ايضا، على شكل تمرير قوانين عنصرية تتوجه الى محاولة قسمة المجتمع في مناطق1948 بين فلسطيني ومسيحي، وكأن المسيحي ليس فلسطينيا أصيلا ومن ملح الأرض، والى محاولة خنق دور قواه السياسية ونسبة تمثيلهم. أما المقدمات الأميركية، فظهرت من خلال عدم ضغطها، ولا حتى مطالبتها الجادة، القيادة الصهيونية بالتنازل عن أي من مطالبها، بل قامت بدل ذلك بالإطراء على إيجابية مواقفها وتعاطيها مع المفاوضات. حتى الإعلان الأميركي باعترافها هي بيهودية دولة الكيان وترك الاعتراف المتبادل بين الطرفين للتفاوض لم يقترن بالقول إنها ستسقط بند وجوب الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة المحتلة من مشروع اتفاق الإطار الذي ستطرحه على الطرفين إذا ما قدّر للمفاوضات ان تستمر.
وإذا كانت الضغوط على الرئيس ستأتي أساسا من أميركا وحلفائها، فان ذلك لا يلغي إمكانية وجود ضغوط محلية وربما داخلية أيضا، وهذه قد تأتي من مصدرين: الأول، من قوى وهيئات وشخصيات لا تقتنع بالتفاوض لجهة المبدأ، وترفضه من ألفه إلى يائه وتمارس ضغطا للخروج منه، او من قوى سياسية تمارس ضغوطها خدمة لأجندة سياسية خاصة بها ومن اجل التشكيك بالطرف الفلسطيني المسؤول عن المفاوضات، وسعيا لتسجيل نقاط لصالحها في تنافسها، وصراعها السياسي معه. والثاني، من دعاة (أدعياء) الموضوعية والعقلانية، المنادين بقراءة الواقع المحلي والإقليمي وحقائقه، ليصلوا بالنتيجة والجوهر الى الدعوة للتجاوب مع ما يتم عرضه، حتى وان أحاطوا دعوتهم بتفسيرات أو اشتراطات يعرفون قبل غيرهم أنها شكلية ولن تصمد، وهؤلاء لحسن الحظ قلة.
الرهان اذن على قدرة أبو مازن وفريقه المفاوض على الصمود في وجه هذه الضغوط بأنواعها. ولا بد من الاعتراف أن ذلك أمر في غاية الصعوبة والمشقة، وفي غاية الخطورة أيضا.
في خطابه مع شبيبة "فتح" والذي نقله تلفزيون فلسطين بدا أبو مازن في مستوى عال من الارتياح والوضوح والثقة، ومن التمسك بمرتكزات الموقف الذي أقرته القيادة الفلسطينية ووافقت على العودة الى المفاوضات على أساسه، وكان على نفس المستوى، وبدرجة أعلى من المسؤولية، في الخطاب الذي ألقاه في افتتاح اجتماع المجلس الثوري لحركة فتح والذي نال التأييد على مضمونه بالإجماع وبالتصفيق وقوفاً.
من خطاب أبو مازن في افتتاح المجلس الثوري، نقل عنه قوله "لقد بلغت الآن من العمر 79 سنة ولن أتنازل عن حقوق شعبي ولن اخون شعبي وقضيته" اذن، هو رفع التنازل عن أي من الثوابت الوطنية المعلنة إلى درجة الخيانة، وهذا يعزز لدى الناس الراحة والاطمئنان، ويزيد من هذا التعزيز، قرار اللجنة التنفيذية للمنظمة الذي جاء على نفس الوتيرة والاتجاه ونفس المضمون.
لدى الرئيس أبو مازن في مقاومته للضغوط عدد من عناصر القوة، أهمها: إنه يدافع عن حقوق وطنية مشروعة لشعبنا الفلسطيني، وان موقفه التفاوضي ينطلق من التمسك بقرارات الشرعية الدولية والإصرار على تنفيذها، وان هناك موقفا شعبياً فلسطينياً عارماً يتمسك بحقوقه الوطنية وثوابته ويرفض بالقطع التنازل عن اي منها ومستعد لمواجهة الضغوط من اي مصدر أتت، وعناصر قوة أُخرى. كان الله، وكان الناس، في عون الرئيس.
هل من جدوى من يوم المستهلك الفلسطيني؟
بقلم صلاح هنية – الايام
هل من جديد عندما نعلن أن اليوم 15 اذار هو يوم المستهلك الفلسطيني؟
وما هو الجديد الذي سيكون يا ترى؟.
العالم يجدد نفسه سنويا على مستوى احياء يوم المستهلك العالمي في ذات التاريخ باختيار عناوين تحاكي مواضيع جديدة تضغط وتؤثر من خلالها لتحقيق تقدم أو نقلة نوعية في هذا القطاع أو ذاك. ولا ندّعي أن العالم يعيش حالة مثالية في حقوق المستهلك ولكن هناك من يحاول.
في فلسطين يأتي يوم المستهلك الفلسطيني وما زال المستهلك يعيش تحت وطأة مجموعة من القضايا ابرزها:
يذهب المواطن صوب البنك وهو لا يدري كم هي المدة الزمنية المثلى والمعتمدة عالميا لانجاز معاملته مع الانتظار في البنك، في فلسطين توجه المواطن الى البنك وهو يردد ( يوم الحراث يوم ) فيسحب الرقم وهو التطور الوحيد الذي وقع في البنك ويجلس ويطول انتظاره من ستة صناديق يعمل فقط ثلاثة صناديق وببطء قاتل، وبدخول تجار على الصناديق رغم وجود صناديق للشركات، ويضيع الوقت والمستهلك يقرأ عبارات حوله عن جودة الخدمة وعن خدمات جديدة ولكنه لا يراها على ارض الواقع، ينظر صوب المدير وصوب المراقب لعلهما يحرّكان ساكنا دون جدوى ... ويمضي يوم المستهلك.
فرق السعر للسلع الإسرائيلية المنشأ في السوق الفلسطينية يشهد ارتفاعا ويشهد انخفاضا كبيرا في السوق الإسرائيلية، واذا ناقشت تنطلق النظريات الفلسفية التبريرية لتثبت خطأ المواطن وصدقية الاخرين بصورة غريبة تماما، ولماذا لا تتم المتابعة الميدانية واجراء مقارنة للاسعار والوقوف على تفاصيل الوضع طالما أن تجار جملة الجملة يؤكدون حديث المواطن الشاكي ... ويمضي يوم المستهلك.
الرسائل المقتحمة التي تصل المشتركين عبر هاتفهم النقال تحثك على تحقيق حلمك بكبسة زر وتطلع كل كبسة زر بثلاثة شواكل وتنهال الاسئلة على من يطاوع هذه الرسائل ليجد نفسه قد غرق ولم يحقق حلمه بعيد المنال، وعندما تراجع يقال لك اننا وسيط تمر عبرنا الرسائل وليست صادرة عنا، الرسائل المقتحمة موضوع متابع لدى حماية المستهلك عالميا وفلسطينيا .. ويمضي يوم المستهلك.
السيارات الخصوصي تنافس السيارات العمومي على الركاب دون اهتمام بآمن وسلامة الركاب الفلسطينين وحين تقدم الشكوى لجهات الاختصاص المطلوب ايجاد دليل ادانة وكأن الراكب وسائق العمومي سيقومون بالمتابعة الميدانية دون دور جهات الاختصاص الملزمة ... ويمضي يوم المستهلك.
على معبر الكرامة نعلم أن الاحتلال عقبة كأداء في معاناة المسافر الفلسطيني ولكن بالامكان افضل مما كان خصوصا تعدد مناطق التوقف وتبديل الحافلات للمسافر وارتفاع نفقات السفر على المواطن دون أي حماية لحقوقه بالحد الادنى، وحتى أن المسافر الفلسطيني غير محمي في بقية العالم سواء من حيث جودة خدمات الطيران وتغير المواعيد دون ابلاغ مسبق والخدمات الفندقية ... ويمضي يوم المستهلك.
عقود الصيانة للسلع التي تباع عبر وكيل معتمد وقيام بعض الشركات بالاخلال بهذه العقود الأمر الذي يسبب ضررا للمستهلك الذي ابتاع على اساس أن الصيانة متميزة والقطع اصلية اساسا ... ويمضي يوم المستهلك.
ويظل السؤال ما الفائدة المرجوة من احياء يوم المستهلك الفلسطيني؟
هذا الواقع لا يعفي جمعية حماية المستهلك من مسؤوليتها لتشكل منظمة ضغط وتأثير لنيل حقوق المستهلك الفلسطيني، ويجب أن تعلم انه لن يقوم لها قائمة دون توسيع قاعدة عضويتها وتفعيل شراكتها المجتمعية والتميز في الاداء.
هذا الواقع يلقي على كاهل مؤسسات القطاع الخاص مسؤولية أكبر تجاه ممارسة دورها في التعامل بشفافية أكبر مع زبائنها ومستهلكي منتجاتها ومتلقي خدماتها.
هذا لا يعفي بقية مؤسسات المجتمع المدني من التحالف مع جمعية حماية المستهلك لتصعيد الحملات ضد عدادات المياه مسبقة الدفع، ومن أجل اقرار مجلس المياه الوطني وهيئة تنظيم قطاع الاتصالات.
وفصل المقال يكون لدى جهات الاختصاص الرسمية الحكومية التي يقع على كاهلها دور نوعي اكبر بحكم القانون وبحكم الاختصاص والمسؤوليات الملقاة على عاتقها.
الأسـيـاد والــعـبد
بقلم: رامي مهداوي – الايام
كنت ممن توقع فوز فيلم "12 عاماً من العبودية" بجائزة الأوسكار 2014، فيلم مبني على سيرة ذاتية "لسليمان نورثوب"، هو شخص أسود حر يتم اختطافه في واشنطن سنة 1841 ويباع إلى العبودية، سليمان عمل كعبد 12 سنة في إحدى المزارع في ولاية لويزيانا قبل أن يطلق سراحه، الفيلم من إخراج "ستيف ماكوينهي". كثير من الأفلام في سنوات مختلفة تحدثت عن قضية العبودية لكن هذا الفيلم قدم أسئلة جديدة للتفكير بها بمفهوم العبودية والحرية.
العلاقة جدلية بين السيد والعبد، نجد هيغل في كتابه "ظاهرة الروح" يطرح جدلية هل السيد من صنع العبد نتيجة لسلوكه العبودي أم العبد من صنع السيد نتيجة لاستبداده؟ هيغل كان يرجع مشروعية السيادة الى السيد الذي يمتلك الشجاعة ويخاطر بماله وروحه والعبد الذي يرضى بالخضوع الى ظروفه. سأحاول النظر الى واقعنا من منظور السيد والعبد كما أراها في بنية مجتمعنا في الوقت الحالي، بالتأكيد لن أستطيع رسم الواقع كاملاً لكن هذه محاولة للتفكير!!
في الزمن الحالي، مفهوم السيد يأخذ أشكالاً مختلفة عن السياق التاريخي للكلمة على الرغم من وجود السيد في مختلف مراحل التكوين الفلسطيني، لكن هناك علاقة واضحة بين السيد والآخر الذي ليس بالضرورة أن يكون عبداً بما تحمله الكلمة من معنى، مع الأخذ بعين الاعتبار وضوح العلاقة بينهما في الماضي كنوع من الأدوار الوظيفية في كينونة وبنية المجتمع.
في هذا الزمن لا وضوح للعلاقة مما يشكل عدم معرفة في أي نوع عقوبة سيتم إسقاطها عليك_ بحق أو دون حق_ وربما كان الحق بأن تقوم أنت بمحاسبة من تريد ضمن مفهوم المواطنة التي بدأت بالأساس تتآكل مع شرعنة الأسياد بأنهم أسياد.
في حالتنا الفلسطينية تجد عبدا لسيد ليكون سيدا لعبيد_ ما بقصد حد معين، بقصد الكثيييييييييير_ في مختلف القطاعات، وتجد هذه الحالات من حيث الفعل ذاته أو انعكاسات فعل الفعل، بالتالي يتم خلق أبوية مضطهدة تريد أن تخلق لنفسها صورة السيد لأنه بالأصل فاقد التواصل مع حيزه ودوائره المختلفة بسبب أخلاقه التي لا ترتقي بالأصل لمفهوم الإنسان أو المواطن، بالتالي يريد أن يعوض فقدانه للكثير من الأخلاق أو المعرفة وحتى التعليم، لهذا تلد ذاته ذاتا فوقيه.. متعالية.. متكبرة... جائعة للمنصب... مدمرة لمن حوله من أجل الحفاظ على كينونته بمصالحها المختلفة.
الأمثلة على الفقرة السابقة تجدها في الدوائر المحيطة بنا من الشارع، التلفاز، المؤسسة "الحكومية، الخاصة، الأهلية" وأيضاً في العائلة النووية أو الممتدة. فنجد بأنه أصبح للمرافق مرافقون!! قرارات دون مرجعية فقط لأنه من جماعة س أو ص بمبررات لا معنى لها فضفاضة!! عدم محاسبة س رغم ثبات التهمة بالدليل القاطع لأنه عبد عند السيد والسيد علينا ينفذ سياسة سيده!! الانتقائية في الفعل أو عدمه بما يضمن تنفيذ رؤيته هو من أجل ضمان عدم مزاحمة أي عبد يريد أن يكون سيدا على الآخرين بخنوعه الكامل، لسيد يقدم له امتيازات تجعل منه سيدا على الآخرين، حتى في الأسواق التجارية المتنوعة تجد في المطعم مثلاً مسميات تعزز بيئة ولادة علاقة السيد والعبد والعبد السيد "كبير الخدم". لن أدخل في أمثلة أخرى حتى لا يتم الاتصال بي من عبد يقول لي أنا سيد الأسياد، يا سيدي إنت على راسي من فوق وخرابيش سعادتكم ترسم مستقبلنا!!
تم خلق بيئة خاصة للعبيد وهذه البيئة ليس بمفهوم الحيز المكاني كما كان في القرن الماضي بإنشاء حظائر خاصة للعبيد، أو كما كان الاستعمار في جنوب إفريقيا بصناعة "الغيتو". في بيئتنا الفلسطينية تعتمد هذه البيئة بالأساس على نظرية العصا والجزرة من جانب والعولمة الاستهلاكية من جانب آخر، فأنت يجب أن تكون كما يريد الأسياد وإلا سيتم طردك من "ملكوتهم" فتشاهد بسبب الجوع العصا أنها الجزرة، ولتكتشف مع الوقت بأن ما هو مربوط بين العصا والجزرة عبارة عن ديون، قروض، مواد مستهلكة على الرغم بأنك أنت من استهلكتها وباختيارك، إلا أن ذلك كله يصب في محصلة مصلحة السيد!! والسيد هنا يستخدم مبررات مختلفة لتبرير استخدامه العصا ولتبرير أن علاقة السيد والعبد مبررة أخلاقياً، وطنياً، دينياً اقتصادياً، ثقافياً.
وعودة لفيلم " 1 عاما من العبودية" نجد السيد يؤمن بأن الحق في إساءة معاملة عبيده مقررة في الإنجيل، ويشجع العبيد على قبولهم واقعهم المعاش من خلال قراءة آيات الكتاب المقدس المؤيدة للعبودية. ويطلب السيد من كل عبد أن يجمع على الأقل 90 كيلوغراما من القطن في كل يوم وإلا تعرض للجلد!! ما مدى اقترابنا من هذه الحالة ؟؟ عزيزي القارئ أترك الجواب لك سواء كنت سيداً أو عبداً أو الاثنين معاً!!
وللموت فُسْحَةً حُرَّة، بينَ حَدّ السَّيْفِ والصُّرَّة
بقلم:آصف قزموز – الايام
في جزيرةٍ في عرض البحر نائيَة، وتمهيداً لإعدامه المحتوم كالغاشيَة، لجريمة قتل ارتكبها ربما في ثانيَة، جلس المليونير في زنزانته الخاويَة، يندب حظه ومصيره وافتضاح سيرته المتواريَة، فأُمه هاويَة.
ولأن صاحب المال دائماً يرى بماله تملك كل شيءْ، وقضاء حاجاته في أي شيءْ، وصاحب النفوذ يرى العالم ملكاً له بجاهه وسلطانه، واللص يرى في الناس لصوصاً فلا يأمنهم على أنهم لصوص، تماماً مثلما يرى الطيبون كل الناس طيبين فيقعون بطيبتهم. قرر المليونير رشوة السجان بأي مبلغ يريدْ، مقابل تهريبه من السجن وأقفاص الحديدْ، ( علشان هيك ثبت بطلان مقولة لفلوس وسخ إيدين، وأصبحنا أمام حقيقة من يملك المال يملك كل شيء، وما أكثر اللصوص والفاسدين الذين يحتمون بأموالهم أو بجاههم وسلطانهم المزيف غالباً).
فأجابه الحارس: لا يمكن خروج أي شخص من هذا السجن إلاَّ ميتاً، يعني في العاشرة من صباح كل يوم، يتم إخراج توابيت الموتى ليواروا الثرى بعيداً عن هذه الجزيرة.
( طبعاً العرض السخي الذي قدمه السجين، لا يبقي في رأس الحارس عقلاً ولا دينْا،ولا ضميرا ولا يقينْا، إذْ جعل السجان يدور حول نفسه ويفكر في الجيمِ قبل السِّينْ، وبارتكاب أية مغامرة في سبيل المال والجشَعِ الدفينْ، فابتدع طريقة جهنمية لتهريب المليونير لا على بالِ عُقَّالٍ ولا مجانينْ، وعلى فكرة، في ناس يستخدمون المال في شراء المصالح والنفوذ وآخرين يستخدمون النفوذ والمسؤولية في الحصول على أموال والرشاوى والهِباتْ، فموظف بسيط يمكن أن يجني مالاً بحكم موقعه ونوع الخدمة التي يقدمها للناس، وجاهلٌ صاحب مال، يمكن أن يحتل وظيفة ليس أهلاً لها، لكنها تحقق له مال ونفوذ لا يتحصل عليه أي نزيه صالح، وفي كلتا الحالتين يكون المال والنفوذ فسادٌ في فسادٍ في فسادِ، لمن هانَ عليهم تخريب البلادِ).
ثم أردف قائلاً: إسمع يا سيدي، بما أنه لا يسمح بخروج أي شيء من هذا السجن سوى توابيت الموتى، التي تنقل على متن السفينة التي تبحر صبيحة كل يوم صوب اليابسة البعيدة حيث يقوم الحراس بدفنهم هناك، فسأقوم بوضعك في أحد التوابيت فوق أحد الموتى، وسيدفنوك هناك، وأنا بدوري سآخذ إجازة في اليوم الموعود، وآتي فور مغادرتهم وأفتح التابوت لتخرج سالماً، وبالتالي ما عليك إلاَّ أن تتحمل بالكثير نصف ساعة ريثما أصل لإخراجك، ثم تسلمني ما اتفقنا عليه من المال، وتختفي دون أن يعلم بك أحد ويظل اختفاؤك لغزاً لا نعرفه إلاَّ نحن،( طبعاً كلنا بنعرف قديش في ناس بيعيشوا على موت الآخرين في مجتمعاتنا المعاصرة، ولك أن ترى قطع يد سارق رغيف الخبز لِسَدِّ الرَّمَق، بينما سارقي البلاد والعبادْ، طلقاء ينعمون بأموال الفسادْ، ويتحكمون بمعايير الحرية والديمقراطية لغيرهم ومن هم دونهم، لا بل وغالباً ما يكونوا المتسيدين على الفقير سارق الرغيف، وكثيراً ما تشاهد نماذج من هؤلاء يسرقون الملايين ويفتدون أنفسهم بالتخلي عن نسبة من المال المسروق، وآخرون هاربونْ، لا تطالهم يد عدالة ولا قانونْ، ولا حتى تُسائِلُهُم من أنتم ولا ماذا وكم سرقتُم. إنها العودة الميمونة لتاريخ يعيد نفسه من خلال التسيُّد والهيمنة عبر سياسات العصا والجزرة، ومباديء السَّيف والصُّرَّة، القادمات من سحيق ماضٍ أشَرّْ وسفالة حاضرٍ بَشِعْ).
السَّجين(يحدث نفسه): (طيب ما في شي أخاف عليه لأنني بالأصل ذاهب للموت على الكرسي الكهربائي، وما سأقوم به صحيح مغامرة لكنها أهون من الموت المحتم، وربما يكتب لي فيها النجاح ما بين فُسحة الموت وفُسحة الأمَلْ)، يا سيدي موافق على كل شروطك، بس ادعيلي يْكون في ميتين بكرا علشان انْعيش بْمَعِيْتَكْ.
السَّجان: بإذن الله راح يكون في موتى ما تخاف ربك كريم،( وهنا سخريات الحياة وسخريات القَدَر معاً، حيث المليونير والحارس يتمنيا موت أيٍّ كان من السجن، لأن في ذلك فرصة حياة للمليونير الراَّشي، وفرصة ثراء للحارس المرتشي، وكلاهما لا يعلمان من الذي سيموت قبل الآخر، فالموت لا يستأذن أحَد ولا يُخطِر بقدومهِ أحَد، وهو يأتي بإذن الله مثلما الحياة كذلك، ما يعيد لذاكرتي مشهداً طريفاً من مسرحية فيلم أميركي طويل للفنان زياد الرحباني، عندما كان إدوارد في مستشفى الأمراض النفسية يعاني من فوبيا الخوف من السيارات المفخخة، وقالت له الممرضة لتهدئته" يا إدوارد يا حبيبي ما بيصير تظلك خايف من أي سيارة بتشوفها مش كل السيارات مفخخة إنتي بس توكل على الله وبإذن الله ما راح يصير شي"، فأجابها " ولك يا إختي مهو اللي مفخخ السيارة كمان بيكون متوكل على الله"، يعني القاتل والمقتول متوكلين على الله، والموت والحياة بإذن الله، وعلشان هيك قاعدين بنشوف نظم وحكام مستبدين، يقتلون شعوبهم ويدمرون كل شيء في بلادهم لكي يعيشوا وحدهم على كراسي الحُكْم حتى على ركام، وقوىً وأحزاب يحتربون ويقتلون ويذبحون الأبرياء باسم الدين أيضاً لذات الغايات الضيقة والكراسي المستبدَّة، وما أكثرهم يعني الله وكيلكُم،" .
من حُسُن حظ السجين وسوء حظ الميتين، تحرك المليونير أثناء الفورَة لغرفة الموتى ليجد تابوتين، وسرعان ما تملكه الرعب من مجرد فكرة استلقائه فوق جثة ميت في صندوق واحد، لكن غريزة التشبث بالحياة في لحظة يأس، ظلت أقوى وأمضى من سكين القاتل، فأغمض عينيه ورمى بنفسه فوق الميت بالتابوت الأول عن اليسار حسب الاتفاق، وأغلقه على ذاته والميت كما كان. وهكذا انطلقت السفينة تمخُر عباب البحر، والرجل ساكنٌ بلاحراك داخل التابوت فوق الجثة ورائحة البحر الممزوجة برائحة الموت تزكُمُ أنفه، حتى وصلو اليابسة. (طبعاً حب الملايين والهروب نحو العيش الرغيد، زَيَّن للسجان خيانة الأمانة وشرف الوظيفة الحكومية مثله مثل الكثيرين مما تعدُّون، وحب السجين لشراء حياته المستبدَّة بأي ثمن، دفعهُ للقبول بأي خيارٍ إلاَّ الموت).
بدأ السجين يشعر بنزول التابوت داخل اللَّحد، والأتربة تنهال فوقه مبعدةً أسماعهُ عن أصوات السَّجانين شيئاً فشيئا حتى تلاشت، ومع كل دقيقةٍ كانت تمر وهو داخل الصندوق تحت الأرض، كان التنفس يزداد صعوبةً وضيقاً، يفوق تسارع ضائقته بجُلِّها. التنفس يتسارع ويضيق والحرارة خانقة في حُلْكَةِ الظُّلمة، وهو مرهون بكل ثانية من النصف ساعة المتبقية مابين الظلم والظلمة، نعم يتناقص الأوكسجين وينعدم الضوء، الثواني سنين عصيبة على شفير المصيبة الرابضة على حد السيف القاطع ما بين فُسحَة الحياة والموت، وخيط الأمل لِمتَخْتِخْ مع كل شهقة أو عَبَّة أوكسجين، ثم يشعل الولاعة ليرى كم تبقى من الوقت للخلاص من هذا الموت المركب، الذي يستفرد به من حيث لا يحتسب ولا بباله، دون أن ينتبه لشَفْطِ الولاعة جزءً من حياته المعلَّقة بما تبقى من الأوكسجين السائر به حثيثاً صوب حَتفِه، رغم تشبثه بالآمال بأن يعود ليرى النور مرّةً أخرى إن لم تكن بفتحِ الهمزَةِ لا بِضَمِّها المفترَض، ثم يبدأ بالسعال من شَوخَةِ التراب وارطوبة وتزايد النَّقص في الأكسجين على السَّجين، فيدخل في نوبةٍ من الهذيان المُسَجَّى على بساط خيالهِ المرتبك، فيتراأى له جثَّة الجاثم تحته وكأنها تبتسم ساخرةً في وجههِ تارةً، وتخرج له لسانها مسددةً وسطى كفها في وجههِ تارةً أخرى، كل هذا ولم يصل الحارس بعد لإنقاذه، يعود ويشعل الولاعة ليرى أن الوقت المحدد قد نفذ وتجاوز النصف ساعة، فيتملَّكه الهَلَع بأنه هالكٌ لا محالة، وقبل أن يطفيء ولاعته حاملة الموت وهي تأتي على ما تبقى من الأكسجين المنفلت من بين يدي روحه المغادرة، فيقربها محدقاً في وجه الجثة ليرى ما لا على خاطِرٍ ولا بالْ، إنه وجه الحارس السَّجان العارف الوحيد بمكان وجوده تحت الأرض كان قد سبقه الى حَتفِه، فيهوي لافظاً نفسه الأخير هامداً فوق الجُثَّة ميتاً على ميتْ.
على فكرة، العرب قديماً اختصروا صفات العدل والقوة في الحُكم بتعبير" السيف والصُّرَّة"، فكان السيف يعني إحقاق الحق وتنفيذ القانون بالعدل والحزم والقوة لصالح المجتمع، بينما الصُّرَّة كانت تعني إعطاء كل ذي حق حقه بالعدل والإنصاف دون تقصير.
إذن عندما تشتري روحك بالمال ممكن يروح المال وتروح روحك وبيظل الحال على المُحالْ، لذا لم ينفع المليونير ملايينه في قلب الأحوالْ. وعندما تستجيب لصاحب سلطان ونفوذ عليك في فعلِ أمرٍ يخالف الضمير والأخلاق والقانون، تحت طائلة إمَّا وإلاَّ، فهذا إعمالٌ للسيف بحقك، وعندما يُسَيِّر مسؤول مرؤوسيه في خدمة مصالحه الخاصة والخارجة عن الحق والقانون مقابل تمتعهم بدعمه وعطاياه، يكون بذلك قَد استخدم الصُّرَّة، وهَلُمَّ جَراَّ، لكن عندما تستجيب لصاحب مالٍ ونفوذٍ معاً في فعلِ أمرٍ فاسد مقابل مالٍ وإلاَّ، فهذا يضعك في منطقة انعدام الأخلاق معاً ما بين السيف والصُّرَّهْ، وقلم صاحب الصُّرَّة سيفاً عليكَ يُخفيكَ بِجَرَّهْ.
لقد صَحَّ القول" إذا الإيمانُ ضاعْ فلا أمانْ.." وبمالك تشتري ذمة من هانَ وخانْ، لكنك لن تشتري حياةَ لِإنسانْ. وهكذا انتشر في المجتمعات مبدأَ السيفِ والصُّرَّهْ، وأذى الصديقِ الأعلَم بالمَضَرَّهْ، بكل القوانينِ المُقَرَّة وغير المُقَرَّهْ، وزعافُ الظُّلمِ الأشَدُّ من العَلْقَم ألِفْ مَرَّهْ، وشتان ما بين فارس السابحات وراكبِ الأتانَ والقُرَّهْ، وبين ابنِ الجاريَة وإبنِ الضُّرَّهْ، وقُل على الأرض السلام وبالناس المَسَرَّهْ، فلغير الخالق الشكوى مَضَرَّهْ.
وصــل الــدعـــم!
بقلم: وليد بطراوي - الايام
قرأت عنواناً لخبر يقول "الحكومة تؤكد دعمها الكامل لموقف الرئيس". تساءلت وما الجديد في ذلك؟ وهل نتوقع من الحكومة غير ذلك؟ وان لم تكن الحكومة هي اول من يدعم موقف الرئيس فمن سيكون؟ ما هو نوع الدعم الذي تقدمه الحكومة لموقف الرئيس؟ وهل الرئيس بحاجة الى دعم الحكومة ام انه بحاجة الى دعم الجماهير؟ ربما تكون كلمات بائع القهوة اقوى من اي دعم حكومي، حيث قال لي عندما التقيته وعرف انني اعلامي "اذا شفت الرئيس، قول له على لساني انه احنا معاه على طول الخط، هو الوحيد اللي عارف شو بيعمل ولوين راح يوصلنا، وما يتنازل عن موقفه تحت اي ظرف".
الأقربون اولى
مشاريع كثيرة تنفذها الدول المانحة لتعزيز دور الشباب في فلسطين. اجوب دولاً كثيرة من تلك التي تقدم الدعم لشبابنا، ألتقي بشبابهم لأجد ان من يحتاج فعلاً لتعزيز دوره هو شبابهم لا شبابنا. فشبابنا على قدر عال من الوعي، ويشارك بفاعلية في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وله دور في المساءلة والمحاسبة. اما شبابهم فيعيشون حالة من الرفاهية وهو معزز مكرم ينعم بالتعليم والصحة وغيرها من متطلبات الحياة، لكنه قلّما يشارك في الحياة السياسية والديمقراطية والعمل نحو التغيير وضخ الدماء الشابة بالشكل الذي تطلبه هذه الدول من شبابنا. فلماذا على شبابنا ان يفعلوا ذلك، بينما تغرق هذه الدول شبابها بالرفاهية لتنسيهم ان لهم دوراً سياسياً وتبقى الادارة والقيادة في ايد غير شابة؟
العقل في الراس زينة
لا ادري كيف يفكر هؤلاء الذين يُجلسون اطفالهم في المقعد الامامي للسيارة. ولا ادري ما الذي يدور في رأس والد يضع طفله في حضنه ويقود سيارته، بينما يقوم الطفل بالضغط على الزامور. جميع القوانين في جميع الدول تمنع جلوس من تقل اعمارهم عن 16 سنة في المقعد الامامي، اما عندنا فيبدو ان لدينا قانوناً خاصاً يسمح يتدريب الاطفال على السياقة في سن مبكرة، وهو سر احتراف سائقينا للقيادة والتزامهم بالقوانين وقلة الحوادث، وزامور بمناسبة وبدونها، فمن شب على شيء شاب عليه!.
حرمة المؤسسات
وما زال المشهد يتكرر، مشهد حمل حراس الشخصيات العامة والهامة لاسلحتهم، وبشكل علني مستفز، داخل المؤسسات التعليمية والثقافية وغيرها. ولان لهذه المؤسسات حرمتها فان حمل السلاح فيها تمنعه الاعراف الدولية والقانون الفلسطيني. فمبوجب المادة 14 من قانون الاسلحة النارية والذخائر لسنة 1998 "لا يجوز حمل الاسلحة في المحلات العامة وفي المؤتمرات والاجتماعات والحفلات العامة والافراح".
لو كنت مسؤولاً
لا اريد ان اكون مسؤولاً في الوقت الحالي، ويكفيني انني كنت مسؤولاً في يوم من الايام. فما الفرق سوى ان على المسؤول الحالي ان يعمل، وان يتحمل اعباء المرحلة. اما المسؤول السابق فلا يعمل ويتقاضى اجراً ثابتاً وسيارته الحكومية ما زالت معه، وربما تحلولت السيارة الحكومية باسمه (لا ادري كيف) وسائقه معها، ومرافقوه معهم، ولا ننسى ال VIP والهاتف النقال وكل الامتيازات التي يحظى بها المسؤولون السابقون. والله المسؤولية صعبة، وكلنا في خدمة هذا الوطن المعطاء. المعطاء بمعنى الكلمة!
الشاطر انا
لما كان عمري تقريبا 14 سنة، كنت ماشي وسرحان، مش ضروري تعرفوا في شو، بس المهم سرحان ومش منتبه. ماشي وماشي، وصلت جنب سور دار، وصار راسي جاي مع حفة السور. على السور في دربزين حديد، وفجأة سمعت صوت كلب بيعوي. حضرتي لاني سرحان ارتعبت ولفيت وجهي لمصدر الصوت، الا وجهي جاي في نص وجه الكلب، فكانت ردة فعلي اني بلشت اعوي ع الكلب، راح الكلب شرد مني. من يومها تعلمت اني كل ما هجم علي كلب اعوي عليه. وصارت معي اكثر من مرة، ونجحت اني ابعد الكلاب عني لاني عويت عليهم. بس بصراحة لحد اليوم مش قادر الاقي تفسير ليش الكلاب بتخاف لما بعوي عليهم. قبل كم يوم كنت في زيارة لدار اخوي، وحديث بيجر حديث قلت انه انا كل ليلة بمشي، فراح اخوي بيقول لي دير بالك من الكلاب. انا بعفوية رددت عليه "ما تخاف اذا هاجمني كلب بعوي عليه فبيهرب" واستدركت "بيجوز الكلب بيستغرب انه في حد اكلب منه، او انه لما بعوي عليه ما بيفهم شوي بحكي لانه عوائي مش مثل عوائه فبخاف وبيهرب". وهيك وبكل بساطة وشطارة عرفت سبب هرب الكلاب لما بعوي عليهم. نصيحتي اذا حد عوى عليك عوّي عليه!
تغريدة الصباح - منوعات "تامانا"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
تعرض الصفحات الأخيرة، من جرائد العالم، العربي، لقطات لنجمات الفن السينمائي، مع تعليق مقتضب عن تسلم واحدتهن جائزة أو حضورها مناسبة أو عرضاً للأزياء. بخلاف ذلك تقدم هذه الصفحات التي يُفترض أنها للمنوعات، انباء الغرائب والمفارقات، التي من شأنها إثارة الفضول وأخذ القارئ الى خارج مربع الكآبة المتأتية عن السياسة وعن الفكر وعن الخطابة الرديئة. ولوحظ في السنوات الأخيرة، أن نجمات صناعة السينما الهندية "بولويود" يأخذن حصة معتبرة من مساحات الصفحات الأخيرة في العالم. في البداية ظننت أن الأمر يتعلق بممثلات هنديات، في مضمار الفنون، اقتحمن العالمية، فتبوأن مكانة مرموقة لم تستطع الصحافة العربية تجاهلها. ونعلم أن التبعية الإعلامية لوكالات الأنباء والصور في العالم، هي التي تضخ هذه المواد، فتنشرها الصحافة العربية لكونها لا تملك فاعلية العمل الميداني وحتى الاستقصائي، التي تمكنها من تسليط الضوء على الثنايا المعتمة في مجتمعات الأمة، لكي تحصد مواد منوعات وطنية أو محلية، تتبدى فيها عناصر التميز في الأوطان. لكن محسوبكم الماكث حتى الآن في الهند، ويرى في نفسه صحفياً وباحثاً؛ لم يدع المسألة تمر دون أن يعرف وزن وعبقريات الممثلات الهنديات المليحات، التي تعرضها صحافتنا العربية، مع إلمام بشيء من المعرفة بطبائع السينما في هذا البلد. ومع تواتر نشر الصور في الصفحات الأخيرة أو في صفحات المنوعات، بدأت أفتش عن خلفيات كل اسم، فاكتشفت ما يدعو الى الأسف والرثاء!
إن الذي يحدث بشكل عام، في السينما الهندية، هو أن كل ممثلة مليحة الخلقة، لا بد أن تستهل عملها بخطوة تتبعها خطوات منتظمة على امتداد مشوارها، وهي أن تعرض عبر شبكة العنكبوت صوراً ومشاهد جنسية فاجرة ومثيرة للقرف. ولا تخالف هذه القاعدة أية واحدة منهن على الإطلاق، ومن بين هذا الرهط النسوي اللئيم، المُهين للمرأة؛ مليحات هنديات مسلمات أصلاً، من شاكلة مليكة آرورا، وسهى علي خان، وشبانه عزمي، والكشميرية المسلمة بالولادة كاترينا كيف ذات الأربع بغال في الواقعة الواحدة، وذات النصيب الأوفر من العروض في الصفحات الأخيرة من جرائد العالم وجرائدنا. ولا تكتفي الواحدة منهن، بتصوير مشاهد لمضاجعات طبيعية، وإنما تزيد بمشاهد لمضاجعات شاذة، يعدها لهن منتجو السينما، الذين يستأجرون بغالاً آدمية، سودا وبيضا، لأداء المشاهد، فتتبدى الصور وكأن غرضها اثبات قدرة الفتاة على احتمال أو استيعاب بغلين أو ثلاثة. وسر هذا التدبير، يتوخى الاستفادة من شبكة الانترنت، لإشعال مخيلات الشباب الفقراء للإقبال على عروض الأفلام الخالية من المشاهد الجنسية التي يمنعها القانون. وفي مقدور أي قارئ، أن يستهدي الى تهجئة اسم أية "نجمة" سينمائية تعرضها الصفحات الأخيرة في الجرائد العربية، ويضيف عليه كلمة العُري Nude ويبحث في "غوغل" الصور، لكي يرى أن هذه السحنات لا تستحق أن تُعرض في صحافتنا!
كنا نطمح الى تأسيس وكالة عربية لصور وأنباء المنوعات التي تتحاشى حساسيات السياسة، ليُصار الى تجميع لقطات الغرائب ومواد التسلية وأنباء المفارقات في المجتمع، والجوانب الإنسانية من حياة رموز الفكر والثقافة والفنون عندنا وفي العالم، وتعرض عجائب القطط ومظالمها والكلاب والشجر والحجر وجداول الماء وعبقريات الطبيعة، مروراً حتى بوجوه الفن السينمائي الراقي. باتت صحافتنا طيّعة للضخ من وكالات لا تحلل ولا تحرّم، وتقدم للناشئة وجوهاً ذات أفعال بذيئة، بينما تغيب عن صفحات المنوعات، الوجوه التي تحث الهمم ويُقتدى بها. ففي يوم أمس مثلاً، نقلت عشرات الجرائد العربية، خبرين عن القطط، في صفحاتها الأخيرة، الأول ـ المأساوي ـ يتعلق بفتاة غليظة القلب، لم تتورع عن طهي قطتها في صندوق "المايكرويف" وحُكم عليها بالسجن أربعة عشر أسبوعاً. والثاني مأخوذ من الوثائق البريطانية التي كشفت عن اشتباه المخابرات بقطتين مع كلب، بالتجسس على قوات الحلفاء لصالح الألمان، في الجبهة الغربية في مستهل الأربعينيات. وفي يوم الخميس الفائت، نشرت جرائدنا العربية ـ ومنها واحدة عندنا ـ صورة للممثلة الهندية "تامانا" في لباس محتشم فيما هي تبتسم بما يشبه البراءة، وكأنها قد تخرجت من مدرسة الأخلاق الحميدة أو نذرت نفسها لإشاعة الفضيلة والرقي بقيمة المرأة.
منوعات جرائدنا تتلقى مواد التسلية وتنشر. وعلى الرغم من تضخم أعداد الكوادر الإعلامية التي تأهلت أكاديمياً؛ لا نرى أثراً لتوظيفها في الميدان الاجتماعي الاستقصائي والأنثروبولجي. ظل التركيز على وقائع السياسة والخدمات والعمل الحكومي، وتكتفي الصحيفة بقليل من المحررين والمراسلين، وكأن لا أهمية للملامح المبهجة والمفارقات واللقطات في المجتمع وفي الأوطان.
الكلام غير المباح فلسطينيا في التخلي الأميركي عن الحلفاء
بقلم: د. أسعد عبد الرحمن – الحياة
تخلي الولايات المتحدة الأميركية عن حلفائها ليس أمرا جديدا والقائمة طويلة ومعروفة. فمن الماضي القريب وحتى اليوم نستذكر حالات واضحة من نوع ما جرى مع الجنرال التشيلي (أوغستو بينوشيه)، وشاه إيران (محمد رضا بهلوي)، والرئيس التونسي (زين العابدين بن علي)، والرئيس المصري الأسبق (حسني مبارك) ومن بعده (محمد مرسي) وغيرهم في كافة أصقاع الأرض. بل إن الأمر تعدى واقع التخلي عن رؤساء دول إلى عملية التخلي عن التزامات قائمة مع منظومة دول في مناطق حساسة ربما لن يكون آخرها، الموقف من الملف النووي الإيراني. فمن وجهة نظر دول الخليج، المخاوف من المشروع الإيراني مشروعة تماما بحيث بات الكل يتساءل عما إذا كانت الصفقة بين إيران والدول الست ليست مجرد إعادة رسم للاستراتيجية الأميركية في المنطقة في سياق ما بدا تخلي واشنطن عن حلفائها التقليديين لصالح التقارب مع إيران.
بالمقابل، يرى البعض، أن الولايات المتحدة لا تتخلى عن حلفائها. إذ هم، بالأصل، ليسوا حلفاء وإنما هي تعمل على خلق ذلك الوهم، علما بأنهم – فيما ينظر إليهم في الأغلب الأعم – مجرد أدوات ما أن تؤدي أدوارها وتنتفي الحاجة لها حتى ينتهي أمرها ويشطب اسمها من على "قائمة الحلفاء"!
اليوم، ومن واقع وجودي في أطر القيادة الفلسطينية، ثمة همس فلسطيني "غير مباح"، لا يعلن على الملأ رغم انتشاره الكثيف في "الأجواء الداخلية"، وبالذات عن مسألة الإمكانية المتزايدة لتخلي الولايات المتحدة عن القيادة الفلسطينية. ولربما تحول هذا الهاجس إلى خوف حقيقي لدى القيادة الفلسطينية التي حرصت أيما حرص على المراهنة على واشنطن. ومما يكثف هذه المخاوف ما يطرحه اللوبي الصهيوني على لسان بعض قادته الفكريين/ السياسيين. وفي هذا، السياق، كان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قد نظم بداية شباط، ندوة بعنوان "إسرائيل وأميركا وشرق أوسط يتلاطم بالأمواج"، تحدث فيها مدير المعهد (روبرت ساتلوف) قائلا: "وزير الخارجية الأميركي جون كيري اكتشف سر النجاح، واحتضن الموقف الإسرائيلي وأعطى بنيامين نتنياهو وجودا أمنياً في الأغوار، ولكن هذا غير كاف". وأضاف (ساتلوف) الذي يعتبر من أشد المدافعين عن إسرائيل في واشنطن: "يتوجب على الولايات المتحدة التي تتحدث مع إسرائيل بصراحة عن التضحيات التي يجب أن تقدمها، أن تفعل الشيء ذاته مع الفلسطينيين، وتتحدث معهم بمنتهى الصراحة وتقول لهم: اما الدولة واما حق العودة، وأن تخبرهم كذلك بحقيقة أن عودة اللاجئين هي ضرب من الخيال، ولذلك فانكم إن أردتم الدولة الفلسطينية لا بد ان تتخلوا عن أوهام حق العودة، وتعترفوا بيهودية الدولة".
بات جليا أن الإدارة الأميركية قد تخلت عن الإلتزام الذي قطعته للقيادة الفلسطينية بالعمل من أجل التوصل إلى اتفاق "سلام" نهائي خلال مدة الـ 9 شهور المحددة للمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية التي استؤنفت في تموز/ يوليو الماضي وبدأت تطرح التوصل إلى ما يسمى "اتفاق إطار" لا يعلم كنهه أحد حتى الآن، لكنه من الواضح أنه يستجيب للمطامع والمخططات الإسرائيلية ولا يقدم للفلسطينيين شيئا حقيقيا عدا عن أنه يمثل التفافا على الإتفاق النهائي المفترض التوصل إليه، الأمر الذي يكرس الاحتلال الإسرائيلي ويديم من عمره الملعون. والحال كذلك، تعاني القيادة الفلسطينية من شكوك حقيقية تجعلها تتخوف من تحميلها، أميركيا، مسؤولية فشل المفاوضات. فرغم كل الكلام الناعم الصادر عن الإدارة الأميركية للقيادة الفلسطينية، ورغم ما قدمته وما يمكن أن تقدمه القيادة الفلسطينية من تنازلات في المقابل، تتوارد في مخيلة القيادة الفلسطينية أشواك أفكار على رأسها انسحابات إسرائيلية جزئية أحادية الجانب و/ أو عقوبات متنوعة قد تفرضها إسرائيل، مقرونة بانسحاب أميركي من ساحة العمل على إيجاد تسوية دون إدانة للطرف الإسرائيلي الذي ما فتئ يطرح مطالب تعجيزية، وذلك في نطاق تجنب أي "مواجهة" مع الحكومة الإسرائيلية، وطبعا دون أن تسمح الإدارة الأميركية للأمم المتحدة أو "الرباعية الدولية" بتولي الأمور. وهذا الموقف إن تبلور حقا، فإنه سيقدم خدمة كبرى في نطاق شراء الوقت لإسرائيل كي تستكمل جهودها المحمومة لإنجاز شعارها القديم: الاستيلاء على أكبر قدر من الأرض الفلسطينية مع تقليص عدد الفلسطينيين (في أرضهم) إلى أقصى مدى!
استنهاض جديد لمنظومة الأمن القومي
بقلم: يحيى رباح – الحياة
الموقف السعودي باعتبار جماعة الاخوان المسلمين وداعش، وجبهة النصرة وحزب الله والقاعدة كيانات إرهابية بدأ يخلق ردات فعل واسعة في المنطقة وفي العالم، فليس هناك صحيفة ذات شأن في العالم إلا وأفردت مساحة مهمة من التحليل لأبعاد وتداعيات هذا القرار النوعي الشجاع، لأن الجميع يعلمون أن القرارات التي تصدر عن المملكة العربية السعودية بهذا الحجم هي دائماً قرارات متحفظة، ولا تصدر إلا عن رؤية وعمق وحسابات واسعة النطاق، وخاصة وأن هذا القرار جاء من سياق طويل، وهذا السياق هو استنهاض شامل وجديد لمنظومة الأمن القومي العربي.
و بدأ هذا السياق في أعقاب الثورة المصرية الثانية في الثلاثين من حزيران العام الماضي، حين تم إسقاط حكم الاخوان المسلمين الذي بالكاد استمر لمدة سنة واحدة، ولكنه في هذه السنة كشف عن تورطه في منظومات وصفقات خطرة جداً، مثل استجلاب الإرهاب إلى صحراء سيناء، ومعروف أن سيناء مفتوحة على شواطئ البحرين الأبيض والأحمر، ومفتوحة على فلسطين وإسرائيل والأردن والسعودية من جبهة الشرق وعلى ليبيا من جهة الغرب، كما أظهر الاخوان المسلمون في تلك السنة من حكمهم استهتاراً بتعدي حدود المنطقة بالدولة الوطنية والقومية، وخروجاً مفضوحاً عن ضرورات الأمن القومي، والقفز من فوق المصالح العربية والاستراتيجية لصالح ارتباطهم مع قوى إقليمية ومع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين الذي بدأ استخدامه كخنجر ضد أمن الدول العربية ومصالحها.
وبعد ثورة الثلاثين من حزيران 2013 بدأ التحريض الواسع ضد مصر وضد شرعنة النظام الجديد، وكان يمكن لهذه الموجة أن تتوسع لولا القرار السعودي الذي أعلن وقوفه الكامل مع مصر وجيشها ومع النظام الجديد وخطته للمستقبل، وقد جاء ذلك القرار السعودي بأوضح رسالة ممكنة، لأنه جاء مباشرة على لسان خادم الحرمين الشريفين، العاهل السعودي، الملك عبد الله عبد العزيز وليس عبر مستوى آخر ولا حتى عبر القنوات الأخرى العديدة التي تمتلكها المملكة.
وكان ذلك القرار السياسي الخارق مصحوباً بدعم مادي ملحوظ وظاهر ومؤثر ولا يمكن تجاهله والذي كان له تداعيات بالغة الأهمية في إعادة قراءة ما يجري في مصر سواء على صعيد الإقليم أو على الصعيد الدولي.
ثم جاء الموقف السعودي الإماراتي البحريني الذي وجه إنذاراً قوياً إلى دولة قطر من خلال سحب السفراء، والتأشير القوي بأن دولة قطر عليها أن تعود إلى بيتها الخليجي، وهذا معناه ضرورة عودتها إلى منظومة الأمن القومي العربي وضروراتها الملحة.
القرار السعودي هو محاولة جادة في سياق طويل لاستنهاض منظومة الأمن القومي العربي، وتشكيل محور حقيقي لقيادة العمل العربي المشترك على ركائز موضوعية وقوية قادرة على دفع منظومة الأمن القومي إلى الأمام لتكون قادرة على تحمل أعباء قضاياها الرئيسية وأولها القضية المركزية القضية الفلسطينية التي تشهد الآن أعنف لحظات الاشتباك السياسي.
لدينا إذن كمجموعة عربية ما تحتشد حوله وتشكل جدار ضد قويا في قمة الكويت المقبلة قبل نهاية هذا الشهر، لدينا هذا التوحش الإسرائيلي الذي وصل إلى حد أن يصعد حاخام مجنون وهو الحاخام "جليك" إلى سطح مسجد الصخرة في استفزاز واضح، وتصعيد التأزيم السياسي والتهديد العسكري من قبل حكومة نتنياهو، ولدينا ضرورة الوقوف القوي مع الرئيس أبو مازن في لقائه المقبل مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولدينا مهمة استعادة سوريا في عملية الاستنهاض الجديد، ولدينا في القمة جدول أعماق كبير على مستوى العلاقات البينية، والمعركة كبيرة جداً، معركة وجودية كبرى، ذلك أن العالم يتغير بقوة ويجب علينا أن نكون حاضرين في قلب هذا الغير لحماية وجودنا ومصالحنا القومية.
الناصرة تلبس حلة جديدة
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
حسمت مدينة الناصرة خيارها في انتخابات الاعادة يوم الثلاثاء الماضي بانتخابها علي سلام رئيسا لها بفارق يزيد عن عشرة الاف صوت عن رئيس البلدية السابق رامز جرايسة.
معركة رئاسة بلدية الناصرة، عاصمة الجماهير العربية في الجليل والمثلث والنقب، لم تكن عادية هذه الدورة، بل كانت معركة كسر عظم بين القيادة التقليدية الممثلة بالجبهة الديمقراطية للسلام، التي تبوأ رموزها توفيق زياد ثم رامز جرايسة، رئاسة البلدية منذ العام 1975 حتى الان، وبين باقي التيارات السياسية والدينية في المدينة. عشية الانتخابات في 22 إكتوبر 2013، التي لم تحسم شخصية رئيس البلدية آنذاك، حيث كان الخلاف على اصوات لا تزيد عن عدد اصابع اليدين كفارق بين المرشحين جرايسة وسلام، حصل في حزيران وتموز 2013 في اعقاب مؤتمر الجبهة الديمقراطية بعض التشظي في صفوفها حيث انفصلت مجموعة نتيجة رفض سياسات الجبهة، كما ان علي سلام، نائب رئيس البلدية، الذي كان محسوبا على الجبهة إنسحب من قائمة الجبهة، واعلن مع النائب الثاني لرئيس البلدية السابق جرايسة عن تشكيل قائمة خاصة به باسم " ناصرتي"، وتمكن من حصد سبعة اعضاء من مجموع تسعة عشر عضوا، وحصدت قائمة الجبهة ثمانية اعضاء، وبقية الاصوات ذهبت لكتل صغيرة.
مما لاشك فيه، ان القوى السياسية والدينية المختلفة في الناصرة وقفت في خندق في الجولة الثانية، والجبهة الديمقراطية للسلام في خندق، وهو ما يعني ان المزاج العام في الناصرة اتجه بشكل واضح وقوي نحو التغيير وخلع عباءة الجبهة عن رئاسة البلدية، وإن ابقت على ممثليها في عضوية المجلس، إلا انها (الجماهير النصراوية) حسمت خيارها نحو التجديد في قيادة البلدية. وهذا التغيير لم يكن مفاجئا او خطوة طارئة، بل له اسبابه الذاتية والموضوعية، منها:
اولا: أخطاء في إدارة عمل البلدية، وانتهاج سياسات غير صحيحة عكست نفسها على عمل ووحدة رئيس واعضاء المجلس البلدي؛ ثانيا: ابتعاد اعضاء المجلس عموما عن قضايا الجماهير، وركون قيادة واعضاء المجلس البلدي على الرصيد التاريخي للجبهة، حتى بدأت تتعامل وفق بعض المعطيات الراشحة بطريقة غير ايجابية مع المواطنين ومصالحهم؛ ثالثا: تراجع مكانة الجبهة في اوساط الشارع الفلسطيني؛ رابعا: ما اشير اليه آنفا، انشقاق عدد من الاعضاء عن جسم الجبهة، وتشكيل تيارات منافسة لها، منهم علي سلام نفسه؛ رابعا: وقوف كل القوى السياسية والدينية في مواجهة الجبهة؛ خامسا: نشر بعض الشخصيات الفلسطينية من ابناء الجليل مواقف طائفية تحت إدعاء الجبهة، حيث دعت تلك الشخصيات الى إضفاء الصبغة الطائفية لرئاسة البلدية، وهو ما يتناقض مع سياسات وتوجهات الجبهة تناقضا جذريا لكن تلك الدعوات، تركت بصمات سوداوية على المعركة الانتخابية؛ سادسا: وضع حكومة نتنياهو واجهزة الأمن الاسرائيلية وبلدية نتسيرت عليت ثقلها لابعاد ممثل الجبهة، ودعم منافسه بغض النظر عما تشيعه الجبهة من علاقات تلك الشخصيات مع اجهزة الدولة والليكود. وهذا لا يحسب لصالح الجبهة ، لاسيما وان من يتهم الان بتلك التهم كان حتى الامس القريب عضوا في الجبهة، وممثلا لها في المجلس البلدي.
39 عاما من القيادة للبلدية الاهم داخل الخط الاخضر تحتاج الى مراجعة ذاتية عميقة لاستخلاص الدروس والعبر، وإعادة النظر بالسياسات واليات العمل، وابرزها التغيير في الاشخاص المرشحين للمواقع القيادية، وترميم العلاقة مع الجماهير والقوى السياسية العربية، والخروج من شرنقة التقوقع على الذات، والابتعاد عن استسهال لغة التخوين والاتهام للاخرين، والكف عن تعظيم الاشخاص ايا كانت انجازاتهم، والسعي لقراءة موضوعية جادة للتجربة الماضية.
الــخــبــرة عـنـد الـصـغـار
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
بات من المشاهد المألوفة في الأماكن العامة والخاصة أن يحملق الجميع في هاتفه النقال، ليس بهدف إجراء مكالمة هاتفية بل لتصفح محتوياته التي يطوف من خلالها عالم المعلومات الرحب، بدأت الصورة منذ سنوات قليلة بالجيل الشاب وهو يمسك بيديه هذه الآلة المتناهية في الصغر فيما يتسابق إبهاماه لملامسة الحروف الصغيرة، سيطرت هذه الآلة الصغيرة على الجزء الأكبر من حياتهم، واقتحمت دون استئذان ابجديات السلوك البشري، فلم يعد من الغريب في شيء أن يختصر الصبي مشاركته في الحوار الأسري على القليل من الكلام بينما يفسح جل وقته مع آلته الصغيرة.
لم تعد الصورة تقتصر على الصبية المفتونين بجديد هذه الآلة، بل شاركهم في ذلك من سبق ميلادهم بكثير مولد هذا التقنية، ولا حرج اليوم في أن يستعين الكبار بخبرة الصغار في مدخلات ومخرجات هذا العالم الذي لا حدود له، الخبرة هنا في متناول الجيل الشاب ولم تعد بحاجة إلى العامل التراكمي الزمني، فيض المعلومات وسرعة الوصول إليها ونفض التراب عنها وصقلها من خلال تعدد مصادرها باتت في متناول الجميع، وإن تمتع الجيل الشاب بأفضلية التعاطي معها من خلال متابعة وملاحقة الجديد في تقنية الاتصالات وعالم الانترنت، لا ضير اليوم أن يلجأ الأب إلى طفله الصغير كي يفك له شيئاً من طلاسم الانترنت، وكذلك تفعل الأم مع ابنتها الصغيرة، لا نخجل أن نفضح جهلنا أمامهم، ولا نجد حرجاً في أن ننهل من بئر معرفتهم بالتقنية الرقمية.
يحتفل العالم بمرور عقدين ونصف على ميلاد الانترنت، ومنذ ذلك اليوم تبدلت الكثير من مفردات الحياة، بل لا نجافي الحقيقة إذا ما قلنا ان العالم بعد الانترنت لم يعد كما كان قبله، تمترسنا في العالم الثالث على مدار عقود عدة في وجه الغزو الثقافي الغربي لبلادنا، كنا نضيق الخناق على المطبوعات ونغلق الحدود في وجه ما هو آت إلينا من خلف البحار، ورحنا نطارد الملامح الغربية في الملبس والمأكل، حتى الرواية لم تسلم من ملاحقتنا لها وأبقينا البعض منها قيد الأسر لسنوات طويلة، كانت بحاجة إلى أذن ممهور بختم رسمي كي تسير في شوارعنا، جعلنا من ثقافة الغير العدو الممنوع من دخول بلادنا، وإن سمحنا للقليل منها أن يطأ بقدميه أرضنا فلا بد أن ننهك قواه في ردهات الرقابة، خيل إلينا يومها أننا حققنا نصراً مؤزراً على «المهربين»للثقافة الغربية، واعتقدنا بأننا نجحنا في محاصرة العولمة في عقر دارها، فجاءت تقنية الاتصالات لتزيل غبار المعركة ويتضح معها أننا في أتون العولمة الذي اعتقدنا لسنوات طويلة أننا حصنا أنفسنا منها.
لم تعد العولمة صاحبة الوجه المشوه كما كان عليه الوضع سابقاً، ولم يعد الاقتراب منها يجلب لصاحبه الاتهام، ولا شك أن مفهوم العولمة تغيرت ملامحه طبقاَ للمتغيرات والتحالفات الدولية وصعود وهبوط الأمم، ولم يكن الغرب هو المستفيد الأكبر منها، بل فتح الشرق أبوابها لينفذ منها إلى مكونات الحياة المختلفة، حيث بات الاقتصاد هو المؤثر الأقوى في تشكيلها.
خلال سنوات قليلة سيكون الانترنت في متناول البشر براً وبحرا وجواً، وسيرافق ذلك تغييراً في منهج الحياة، سيتحول فيها دور الدول إلى القضاء على الأمية الرقمية، لتصبح معها أمية القراءة والكتابة شيئاً من الماضي، فهل سيكون بمقدورنا ملاحقة ذلك أم أن الهم الأكبر لدينا سيقتصر على محاولة فهم اليسير مما يقدم إلينا من تقنية ونهرول وراء الشكل دون المضمون.