Haneen
2014-12-18, 11:47 AM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (298)
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
الاحد
23/3/2014
</tbody>
شهداء مخيم جنين يجسدون وحدة الشعب والموقف
بقلم: حديث القدس – القدس
العلاقة الفلسطينية المصرية لا تهزها فرقعات إعلامية
بقلم: الدكتور حسن عبدالله – القدس
الأحد ... وكل يوم أحد ...أعطونا يوما... بدون جنازات وبدون مهاترات!
بقلم: المحامي زياد أبو زياد – القدس
المشهد العربي.. من الحراك إلى العراك
بقلم: حسين الزاوي – القدس
لمن يهمه الأمر: منعطف تاريخي مهم
بقلم: عبد المنعم سعيد – القدس
ألف تحية لأمهاتنا في عيد الأم
بقلم: راسم عبيدات - القدس
أوكرانيا وفلسطين: القياس والبرهان
بقلم: حسن البطل – الايام
أوباما إلى الرياض.. والسعودية تتجه نحو الشرق!!
بقلم: هاني حبيب – الايام
الخـديـعـة الكـــبرى
بقلم: حمادة فراعنة – الايام
خيارات "حماس" لفتح معبر رفح ..!
بقلم: أكرم عطا الله – الايام
في نابلس، جنازتان لثلاثة شهداء!
بقلم: ريما كتانة نزال – الايام
الوقوف على أطلال .. شعر المقاومة
بقلم: عادل الأسطة – الايام
تغريدة الصباح- عقدة الدال والنقطة
بقلم: حنان باكير – الحياة
في واقعة قتل الدكتور محمد بديوي: أن تكون إعلامياً.. تحمل معك سر استشهادك..!
بقلم: فخري كريم – الحياة
الى "محكمة الجنايات الدولية"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
الرد على مذبحة جنين
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
ماذا نريد من قمة الكويت؟
بقلم: موفق مطر – الحياة
شهداء مخيم جنين يجسدون وحدة الشعب والموقف
بقلم: حديث القدس – القدس
يبدو واضحاً أكثر من أي وقت مضى ان العملية السياسية وصلت الى طريق مسدود وان حل الدولتين صار اقرب ما يكون الى المستحيل بسبب المواقف الاسرائيلية والشروط التعجيزية المنافية لأبسط مبادىء السلام، من جهة او بسبب الممارسات الميدانية التي هي الوجه الآخر للمواقف السياسية، من جهة أخرى، حتى ابن الرئيس ابو مازن نفسه لم يعد يؤمن بحل الدولتين، وبدأت تتزايد الأصوات الداعية الى الدولة الواحدة.
وبالاضافة للاستيطان المتزايد وتهويد القدس وتهجير ما أمكن من ابنائها والمساعي التي لا تتوقف لاقتسام الزمان والمكان في المسجد الأقصى المبارك، صعدت اسرائيل في الأيام القليلة الماضية من اعتداءاتها ضد المواطنين في مختلف الانحاء واغتالت عدداً من الشبان في البلدات وعلى الحواجز، وحتى على معبر الكرامة حين اغتالت بدم بارد القاضي الشاب رائد زعيتر، وبالأمس اقتحمت قوات اسرائيلية كبيرة مخيم جنين واغتالت او اصابت عدداً كبيراً من الشبان وألحقت دماراً في عدة منازل، مما زاد في غضب المواطنين جميعاً على اختلاف توجهاتهم السياسية ومواقعهم الجغرافية، وفوق الغضب كان في استشهاد الشبان الثلاثة في مخيم جنين الذي أصبح أسطورة في الصمود والتصدي والمواجهة، درساً بليغاً وعبرة رائعة في الوحدة الوطنية في هذه الشهادة .. فقد كانوا من فتح وحماس والجهاد الاسلامي معاً، لان هؤلاء الشبان لم يعرفوا سوى حب الوطن ولم يتعلموا سوى الوقوف صفاً واحداً ويداً واحدة ضد الاحتلال، وارتفعوا بدمائهم الزكية فوق الانقسامات والخلافات... وفي هذا دعوة ونداء في أبهى الصور وأزكى العبر الى القيادات المنقسمة والمتخاصمة لكي توحد صفوفها وترتفع فوق المصالح الشخصية لخدمة القضية الوطنية التي تواجه أشد التحديات المصيرية وأصعب اللحظات التاريخية، لعلهم يسمعون ويتعظون.
ويتساءل الجميع، ما الذي تريده اسرائيل فعلاً ؟ وهل ما تقوم به من ممارسات عدوانية في مختلف المجالات، يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية ؟ وهل تعتقد حقاً أنها قادرة على ابتلاع الأرض دون أخذ أي حساب لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون فوقها من البحر الى النهر؟
ان هذه السياسة القائمة على غطرسة القوة العمياء، لن تستمر الى الأبد ولن تؤدي في النهاية الا الى مزيد من التطرف والعداء وعدم الاستقرار، سواء طال الزمان أو قصر... وسيظل الفلسطينيون فوق أرضهم وشوكة في حلق الاحتلال مهما كانت الصعوبات والتحديات، وقد بدأ العالم يدرك ذلك وبدأ يواجه سياسة التوسع الاسرائيلية بأنواع مختلفة من المقاطعة والإدانات والانتقادات...وهذا ليس سوى المقدمة لما هو قادم.
العلاقة الفلسطينية المصرية لا تهزها فرقعات إعلامية
بقلم: الدكتور حسن عبدالله – القدس
مثل كثير من المحللين والمتابعين السياسيين، فإنني لا أجد نفسي متحمسا في الغوص والتعليق على الاتهامات المتبادلة التي انشغلت بها وسائل إعلامية محلية وعربية ودولية، واعتبر ذلك شأناً فتحاوياً، وان هذه الحركة بتاريخها الطويل والحافل المعمد بالشهداء والتضحيات قادرة على حسم أمورها من خلال لجان التحقيق الموضوعية المتوازنة والوثائق والمعطيات، لكن ما يهمني كمحلل هنا واستنادا إلى تصريحات فلسطينية ومصرية تأكيد أهمية وإستراتيجية العلاقات بين البلدين رسميا وشعبيا، هذه العلاقات التي وصلت أوجها في مرحلة القائد الراحل جمال عبد الناصر الذي اعتبر القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى منذ أن كان ضابطا محاربا في الفالوجة ووصولا لدوره على رأس الهرم القيادي مصريا وعربيا وفي منظمة دول عدم الانحياز التي بادر إلى تأسيسها .
وبعد رحيل عبد الناصر كان الفلسطينيون أكبر المتضررين من قيام السادات ومن ثم مبارك بتحييد الثقل المصري وجعل هذه الدولة ذات الإمكانات تنأى بنفسها عن الاضطلاع بدور قيادي في المنطقة وحصرها في حدودها الجغرافية تتآكل اقتصاديا، بعد أن كانت مرشحة لو لم يتم قطع تطورها الاقتصادي، لتكون الان دولة بمستوى البرازيل والهند وماليزا، لانها في الستينيات من القرن الماضي تفوقت على هذه الدول تصنيعا وتنمية.
واليوم نجد الفلسطينيين من أشد المتحمسين لعودة مصر للعب دور قيادي فاعل في المنطقة، لأنهم يعتبرون استقرار مصر يشكل حصانة وأمنا لكل العرب، لا سيما وان عددا كبيرا من الكفاءات العاملة في الوطن العربي قد تخرجت من جامعاتها، وان الثقافة التي تلقيناها من إعلامها ومفكريها أمدتنا بالقوة والثقة بحاضرنا وحفزتنا على التطلع لمستقبل أفضل مزودين بالاصرار والأمل. وان الإبداع المصري بكل تجلياته أسهم في تشكيل ذائقتنا وارهاف روحنا.
لذلك ينبغي لنا ان لا نعتقد ان بث برنامج من إحدى الفضائيات او نشر مقال في هذه الصحيفة او تلك من شأنه هزّ عرش العلاقة المتأصلة تاريخيا وعروبيا ونفسيا وثقافيا ووجدانيا، وهذا ما أكدته بيانات وتصريحات صدرت عن مسؤولين في البلدين الشقيقين، حيث ان مبادرة إعلامي مصري أو سيله إعلامية بحد ذاتها قد تصيب او تخطئ ، لكن الثابت الذي لا يقبل الخطأ تلك العلاقة الإستراتيجية، من منطلق ان الفلسطينيين لا يستطيعون تصور الخريطة العربية دون مصر، وان المصريين مهما اختلفت آراؤهم وتعددت اجتهاداتهم لا يستطيعون حرف أنظارهم عن القضية الفلسطينية-قضيتهم-
القيادة الفلسطينية كما هو الشعب الفلسطيني بحاجة اليوم وأكثر من أية مرحلة سابقة لإسناد المصري، بخاصة وقد اشتدت الضغوط علينا للقبول بحلول تفرغ قضيتنا من مضمونها الحقوقي والتاريخي والأخلاقي، حيث أن ما تمارسه إسرائيل والإدارة الأمريكية على القيادة الفلسطينية من ضغوط ليس أمرا سهلاً، وان الصمود أمام كل ذلك يتطلب موقفا فلسطينيا صلبا وشجاعا مدعوما بسياج تضامن عربي، وان مقدمات الصمود والثبات على الموقف تتضح أكثر من اي وقت سابق، وبالتالي المطلوب من الفلسطينيين والعرب وكل الأصدقاء في العالم المساعدة في جعل مقدمات الصمود تؤدي إلى النتائج المرجوة.
ان مصلحة الفلسطينيين تحتم عليهم، عدم الإنجرار إلى معارك داخلية وتحصين جبهتهم، ومعالجة اية حالات انقسام وتشرذم، وعدم تبديد طاقاتهم وإمكاناتهم في نقاشات ومناظرات تقدم خدمات مجانية لمن يتربصون بهم ويستهدفون قضيتهم.
مصر تنهض من جديد والإرهاصات التي تشهدها الساحة المصرية وان احتاجت لكي تتبلور وتنضج رؤى ومواقف وتوجهات بعض الزمن، فان النهوض المصري هو أمر حتمي، فالحركة لا تقبل الفراغ، ونحن نستبشر خيرا بهذا النهوض، لا سيما وان الفلسطينيين مجمعون على عمق وتاريخية وحيوية العلاقة الإستراتيجية مع مصر ابتداءً من الرئيس محمود عباس ومرورا بكل القيادات والكفاءات ووصولا إلى اصغر طفل في وطننا فلسطين.
الأحد ... وكل يوم أحد ...أعطونا يوما... بدون جنازات وبدون مهاترات!
بقلم: المحامي زياد أبو زياد – القدس
يستمر مسلسل القتل اليومي للمدنيين العزل من السلاح أطفال اوصبيانا وشبابا دون تمييز. فقد ودعنا في الأيام الأخيرة الفتى يوسف نايف يوسف الشوامرة من دير العسل قضاء الخليل بعد أن سقط برصاص الجيش الاسرائيلي وهو يجمع نبتة العكوب ليبيعها ويسهم في كسب قوت عائلته ، وودعنا الفارس ساجي درويش الطالب بكلية الاعلام ببير زيت الذي سقط برصاص الجيش الاسرائيلي وهو يعمل في حقله ، وودعنا القاضي الشاب الواعد رائد علاء الدين زعيتر من نابلس الذي سقط برصاص الجنود الاسرائيليين على جسر اللنبي لمجرد أنه رفض الاهانة من قبلهم ورفع وتيرة صوته في الأحتجاج ، وقبلهم ودعنا العديد من المدنيين الأبرياء الذي سقطوا برصاص جنود الاحتلال في ظروف مماثلة.
هذه أمثلة ولكنها ليست كل الحكاية فقد أصبحنا نستيقظ كل يوم ونحن نتساءل من الذي سنودعه اليوم!..
ومسلسل القتل لا يقتصر على من يمكن أن يدعي الأحتلال بأنه ينتمي لعناصر المقاومة وإنما لم يعد يستثني أحدا ، وباتت اسطوانة الاحتلال بأنه حاول خطف سلاح جندي أو طعنه اسطوانة مشروخة لا يصدقها أحد ولا تنطلي على أحد.
المسألة هي في غاية البساطة ، فالذين يطلقون النار على الفلسطينيين ويقتلونهم هم جنود يعرفون بأن لا عقاب سيطالهم وأنهم ربما يحظون بوسام التكريم وبلقب البطولة لقتلهم " مخربا " ، وأنهم إنما يعملون من خلال القناعة التي غرست في اللاوعي عندهم بأن حياة اليهودي هي وحدها المقدسة وأن دم غير اليهودي مباح ومستباح. ورغم تكرار أعمال القتل فإننا لم نسمع بأنه تم التعامل جديا مع ما يسمى بتعليمات إطلاق النار أو تعليمات اعتقال المشبوهين ، لأن الجنود ما زالوا يضغطون على الزناد لأتفه الأسباب ولأن من يقال بأنه تم توقيفهم والتحقيق معهم يتم اطلاق سراحهم فورا بحجة أنهم عملوا حسب التعليمات !.
وفي نفس الوقت فإن الأراضي المحتلة تشهد تصعيدا في العمليات العسكرية والاغتيالات للمطلوبين الذين كان من الممكن في معظم الأحيان اعتقالهم ، مما يشكل إعداما ميدانيا يتعارض مع أبسط مباديء حقوق الانسان. ولقد أصبحت مثل هذه الاعدامات عملا روتينيا وازدادت وتيرتها جنبا إلى جنب مع تصعيد وتيرة الأنشطة الأستيطانية في نفس الوقت الذي يتم الحديث فيه عن المفاوضات وكأن القيادة الأسرائيلية تحاول بكل الوسائل استفزاز الشعب الفلسطيني وقيادته لجرهم إلى ردود فعل متشنجة سواء بالاعلان عن الانسحاب من المفاوضات أو القيام بعمليات عنفية تبرر لأسرائيل وقف المفاوضات من جانبها.
ولا بد في هذا السياق من الاشارة إلى أمرين لا يجوز استمرار السكوت عليهما:
الأمر الأول ، هو مسلسل المهاترات التي تجري على الساحة الفلسطينية والثاني هو الدور الأمريكي الذي ثبت بشكل لا يقبل الجدل بأنه دور معوق ومعرقل لتحقيق التسوية السياسية للصراع العربي الأسرائيلي خلافا لما تدعيه أمريكا .
أما بالنسبة للمهاترات الداخلية فقد كان بالأمكان فهم أن يأخذ الرئيس عباس راحته في الحديث امام المجلس الثوري وأن يتطرق إلى أمور خاصة تجري داخل البيت الفتحاوي ولكن الاسهاب الذي حدث لم يكن مطلوبا كما أن إذاعة الخطاب على العامة من خلال تلفزيون وإذاعة فلسطين قد حول هذا الخطاب من حديث " عائلي " داخل البيت الفتحاوي إلى حديث للعامة التي شعرت بالاحباط إذ لم يرق لها سماع كل تلك التفاصيل التي لا تعنيها.
وأستطيع أن أجزم بأن عامة الناس قد شعروا بالأسى مما وصلت إليه الأمور وأن الحديث الذي أذيع والمقابلة المطولة التي بثتها قناة دريم المأجورة مع الأخ محمد دحلان وإرسال مبعوث فتحاوي للقاهرة في محاولة للرد عليها ، كل تلك الأمور قد تركت أثرا سلبيا جدا على الساحة الداخلية الفلسطينية. فأغلبية الناس تعتقد بأن الأمر لا يعدو كونه مجرد خلافات شخصية بين الرئيس ومحمد دحلان تثار وتستثمر على حساب المصلحة الوطنية في وقت هو من أخطر الأوقات التي مرت وتمر بها القضية الفلسطينية.
وإذا كان هناك من يمكن أن نتوجه إليه باللوم فهو أولئك المستشارين الذين يحيطون بالأخ أبو مازن فقد كان الأحرى بهم ان ينصحوه بعدم التوسع بالحديث في موضوع دحلان أمام المجلس الثوري وأن يمنعوا نشر الخطاب وإذاعته بوسائل الاعلام العامة لأنهم كان يجب أن يدركوا الآثار السلبية التي ستترتب على إذاعته. ويبدو وللأسف الشديد أنه ربما كان هناك أشخاص لهم أسبابهم الشخصية لتصعيد الخلاف مع دحلان وإيصاله إلى نقطة اللاعودة التي يمكن أن تحقق لهم طموحاتهم أو توفر لهم الفرصة لتسوية حسابات قديمة مع دحلان حتى لو كان ذلك على حساب الرئيس أو على حساب المصلحة العامة. فنحن نعرف عن حالات كثيرة زل فيها لسان قائد أو زعيم عالمي فبادر مستشاروه إلى تطويق ذلك إما بافتعال حالة توقفه عن الأستمرار في الحديث أو بمنع نشر أو إذاعة ما صدر عنه ، وهم في هذه الحالة يقدمون له خدمة وطنية وشخصية. كما أنه لا بد من القول بأن الأخ محمد دحلان قد تجاوز كل الخطوط الحمراء في هجومه على الرئيس والتعرض لشخصه وذويه وبطريقة غير مقبولة بالمطلق.
ولكي لا أطيل في هذا المجال فإنني أؤكد أن الناس لا ترغب باستمرار هذه المناكفات والمهاترات التي لا تزيد أيا من الطرفين شرفا أو شعبية وأن المصلحة تقتضي وأدها وبأسرع وقت ممكن والتفرغ للقضية الأهم التي يواجهها شعبنا في هذه المرحلة وهي كيفية المواجهة والتعامل مع الهجمة الأستيطانية الشرسة وأعمال القتل اليومي لأبناء شعبنا الأبرياء.
وأما بالنسبة لأمريكا فقد واكبنا الدور الأمريكي في المنطقة منذ عشرات السنين. ومن الممكن تلخيص الدور الأمريكي بأن أمريكا ومنذ حرب عام 1973 ظلت تحتكر الوساطة في الصراع وتمنع الأمم المتحدة وأوروبا وروسيا من لعب أي دور في جهود التسوية. وقد اتبعت أمريكا منذ البداية ، إزاء الأطراف الخارجية ، منطق أن هناك عملية سياسية وأن أي تدخل من قبل أية جهة سيؤدي إلى عرقلة العملية السياسية وهكذا تم تحييد الأمم المتحدة ، وتجميد الدور الأوروبي وعزل الدور الروسي الذي كان هو الآخر منشغلا بهمومه وقضاياه الداخلية إثر إنهيار الاتحاد السوفييتي. أما بالنسبة لأطراف الصراع فقد اتبعت أمريكا منطق أنها ستوفر الوسائل للمفاوضات ولكنها لن تتدخل فيها ، وأدخلت إلى العملية مفهوم أن هذا ما ستقبل به إسرائيل وهذا لن تقبل به إسرائيل وأصبح المعيار في تقدم المفاوضات هو ما ستقبل به إسرائيل مما شل العملية التفاوضية وحصرها لتراوح في نفس المكان منذ عشرات السنين.
ويستطيع المراقب أن يجزم بأن الدور الأمريكي قد تبنى دور المعرقل للتسوية لأنه يفرض منطق ما تريده إسرائيل ويمنع المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة من القيام بدوره في حفظ الأمن والسلام العالمي حسبما ينص ميثاق الأمم المتحدة.
ولا شك بأن استمرار هذا النهج الأمريكي لن يحقق السلام أيا كان المبعوث الأمريكي الذي يروج له ، ولا بد من ان تتخلى أمريكا عن هذا المنهج وأن تتيح إعادة الملف إلى الأمم المتحدة لتقوم بدورها وفقا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وإلى أن يتم ذلك فإن على القيادة الفلسطينية أن تكون أكثر احساسا وإدراكا للحس الوطني العام ، وعليها أيضا أن لا تسمح لهواة بث الفتنة وأبطال المهاترات الاعلامية أن يتصدروا المشهد ويزيدون النار اشتعالا. وأنا على يقين بأن الرئيس عباس قادر على إعادة وضع الأمور في سياقها السليم ولا بد من مراجعة دور من حوله ومقدار إسهامهم في منع تدهور الأوضاع وإعادة وضع العربة على القضبان في الأتجاه الصحيح.
فالشعب يشعر بالضجر من استمرار الانقسام والصراع مع حماس ولن يقبل إغراقه في صراع داخل فتح يفشلها ويذهب ريحها وفي ذلك دمار للشعب والقضية.
ولا شك بأن استمرار الأنقسام مع حماس ، وتصعيد المهاترات والصراع داخل فتح ، واستمرار المنهج الأمريكي، هي الأسباب الرئيسية التي تشجع الغطرسة وأعمال القتل والأستيطان الأسرائيلية والتي ستؤدي دون أدنى شك إلى ضياع القضية وتصفيتها ، وإذا ما أردنا عكس ذلك فإن علينا أن نعكس اتجاه تلك العملية.
المشهد العربي.. من الحراك إلى العراك
بقلم: حسين الزاوي – القدس
باتت أيام قليلة تفصلنا عن موعد انعقاد القمة العربية الدورية في الكويت، ولا يبدو حتى الآن أن هناك مؤشرات تشير إلى إمكانية انقشاع غيوم الفُرقة والتشرذم التي تلبّد سماء العلاقات العربية - العربية، فالتناحر والعراك أضحيا يمثلان السمة الغالبة على المشهد العربي الراهن، الذي ما فتئ يزداد تأزماً بعد سنوات قليلة من انطلاق ما سمي بموجات "الربيع العربي" .
كان الأمل معقوداً في البداية على حراك الشعوب من أجل تجاوز عثرات الدول الوطنية التي تأسست غداة عصر النهضة العربية، وكانت تطلعات الشعوب العربية متجهة صوب آفاق المستقبل، تحدوها رغبة عارمة في عبور مرحلة بناء الدولة البيروقراطية والمركزية والوصول إلى مرحلة بناء مؤسسات الوطن والمواطنة التي تضمن المشاركة السياسية للجميع بناءً على قاعدة التداول السلمي للسلطة .
أما الآن فنحن على أبواب مرحلة خطرة يكاد يغيب فيها الوعي بالمصير المشترك ويتراجع في سياقها الاهتمام بالأمن القومي العربي، حيث أصبحت الحسابات القُطرية الضيِّقة تسيطر على اهتمامات قسم كبير من الدول الأعضاء الموقعة على ميثاق الجامعة العربية، بل إن هناك أطرافاً إقليمية باتت تتجرأ على المساس بأمن ووحدة بعض الدول العربية، وأصبح من شبه المألوف أن تدفع بعض الكيانات القطرية بخلافاتها السياسية المتعلقة بالملفات الإقليمية إلى أقصى سلم العداوة والبغضاء، وغاب الحد الأدنى من التوافق الذي لم يُزل عن القمم العربية، حتى في زمن الثنائية القطبية التي كانت تدفع بالدول العربية إلى الانتصار إلى إحدى القوتين العظميين .
الأخطر في كل ما حدث وما زال يحدث حتى الآن، هو أن النظام الرسمي العربي بات يملك استعدادات غريبة وغير مسبوقة من أجل الدخول في صراعات إقليمية داخلية، على حساب التحديات الخارجية التي تهدد الأمن القومي المشترك، ولم تعد بعض الأطراف تجد حرجاً في إعلان تحالفها مع قوى دولية من أجل حسم الخصومات الإقليمية لمصلحتها من دون التساؤل عن التكلفة والأثمان التي سوف تُدفع من أجل تحقيق انتصارات ظرفية عابرة، لأن التحدي لا يكمن فقط في تغيير المشهد بل في مستوى الإمكانات المتاحة من أجل التحكم في تحديد مسار التغيّرات المرجوة؛ وعليه فإنه من غير المعقول أن نثق في الخطابات التي تقلل من خطورة التأثيرات الناجمة عن المخططات الاسرائيلية التي تستهدف المنطقة العربية.. فإسرائيل التي كنا نظنها كياناً زائلاً استطاعت أن تضمن من خلال استراتيجيتها استقراراً مستمراً على حساب جوارها، وهي الآن قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هدفها الأكبر المتعلق بتفتيت الجغرافيا العربية، بعد أن تمكنت في وقت سابق، بفضل تحالف القوى الغربية معها، من جعل التاريخ "يشهد" زوراً لمصلحتها .
كما أنه من الخطورة بمكان أن نروِّج للشعارات التي تدعم الصراع الطائفي ونعتبره أهم وأخطر من الصراع الوجودي مع إسرائيل، إذ يمكن مع القليل من الحكمة والتبصر ونكران الذات أن نعيد إحياء الثقة والسلم الأهلي والاحترام المتبادل ما بين المكوِّنات المختلفة لشعوب المنطقة .
ونزعم أن بعض الأطراف العربية تخطئ خطأ فادحاً عندما تعتقد أنها ستحقق مكاسب عاجلة بفضل توظيفها لقوى التطرف وجماعات الإسلام السياسي، التي لا تؤمن أصلاً بمفهوم الدولة الوطنية، وتعتبر كل تحالف مهما بلغت قيمته الرمزية، مجرد تحالف مؤقت من أجل تحقيق يوتوبيا أصولية تحلّق بخيالها خارج معطيات الزمان والمكان . ولن نذيع هنا سراً إذا قلنا إن كل الدول التي حاولت توظيف هذا التيار احترقت بنيرانه فلن تجني القوى الإقليمية والدولية التي تدعم التشدد سوى الخراب والدمار، إذ إن قيم الحضارة تستند في أساسها إلى مبادئ التسامح والحرية واحترام الاختلاف .
وبالتالي فإن العدالة المنصفة هي تلك التي تحترم الاختلافات الطبيعية بين البشر ولا تلجأ إلى المساواة بين أفراد غير متساوين، كما أن الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة يجب أن يظلاّ مرتبطين بمدى مشروعية القوى التي بإمكانها أن تُؤمن بهذه المبادئ النسبية المتعلقة بقيم الحرية والمواطنة والحق في الاختلاف، وإلاّ تحولت صناديق الانتخاب إلى نعوش .
من الواضح أن المشهد العربي الراهن في حاجة إلى حراك جديد، لا يكون ظاهره الإصلاح وباطنه العراك والصراع والحروب الأهلية والاتهامات المتبادلة المؤسّسة والباطلة، حراك يُعيد التصالح واللحمة بين شعوب ودول الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، من منطلق أن ما يجمع العرب هو أكثر بكثير مما يفرِّقهم . ذلك أن الدول العربية قادرة في مجملها على تحقيق مصالحها القطرية من دون أن تضطر إلى تفجير خصومات إقليمية، تترك أجواءً مسمومة من شأنها أن تؤثر سلباً في كل الأجيال المقبلة .
فما أسهل أن تهرول النخب السياسية العربية من أجل استدعاء شيطان التفاصيل وتفجير نزاعات وربما عداوات قد لا تنتهي، ولكن ما أصعب في المقابل، أن تصدُق النوايا وتجتمع الإرادات الخيِّرة من أجل تجنيب الشعوب العربية ويلات الدم والدموع .
لمن يهمه الأمر: منعطف تاريخي مهم
بقلم: عبد المنعم سعيد – القدس
كنت أشعر دائما بتحفظ إزاء كلمة «منعطف»، خاصة حينما يضاف لها كلمة «تاريخي»، أما إذا جاءت كلمة «مهم» بعدها فقد كانت القشعريرة تلف بدني كله. السبب في ذلك أن كل أيام العرب كانت منعطفات تاريخية ومهمة، ومن ثم فقد التعبير قيمته اللغوية، والأخطر أن من قالوا به كثيرا كانوا في الحقيقة يغطون على قدر هائل من الركود في التاريخ العربي المعاصر.
هذه الأيام مختلفة، وبالتأكيد فإنها بعيدة تماما عن الركود، والحركة والتغيير سمة حركة الأيام، ولكن غير المعروف هو ما إذا كانت الحركة والتغيير يسيران في الاتجاه الصحيح والإيجابي، أم أن لدينا خطوات كثيرة متراجعة إلى الخلف. من الصعب أن نعرف الآن ونحن في قلب العاصفة ما الذي يحدث على وجه الدقة، ولكننا قلنا منذ بداية هذه العواصف في بداية عام 2011 إننا أمام عقد كامل من الأحداث التي تماثل ما جرى في الخمسينات من القرن الماضي تستقر الأمور بعدها، وتتحدد الخطوط، وتعرف التحالفات، وأحيانا تتقرر قواعد اللعبة. تعالوا نعرف ما يدور حولنا، ونشاهد عملية الفرز الحالية، ونقرر منذ البداية أنه بينما تتغير المنطقة العربية، والشرق أوسطية، فإن العالم هو الآخر يتغير، وفيما يبدو فإنه يتغير بشدة، وهنا على وجه التحديد يمكن مشاهدة «المنعطف» الذي نتحدث عنه حينما يلتقي التغير الإقليمي مع ذلك الدولي في حالة من التضاغط الذي عندما تحدث في الطبيعة فإنها تولد موجات مرعبة.
ما عندنا نعرفه، أو بعضا منه، جاء «الربيع» العربي ممتلئا بعواصف رملية، وظهر بوضوح أن الظاهرة مركبة وإفرازاتها مختلفة من بلد إلى آخر حسب ظروفه وتاريخه وثقافته. ومن تصور أن في الأمر ثورة ثبت أنها عدة ثورات، ومن تخيل أن الثورات تقود الأمم إلى الأمام فقد ثبت في حالتنا على الأقل أنها يمكن أن تكون عودة إلى الخلف. ولكن ثبت أن هناك ثلاث نتائج لا يمكن إغفالها: الحراك الشعبي السياسي، والأمور لا يمكن أن تبقى على حالها، والتكنولوجيا والعولمة تلعبان أدوارا لا نعرفها على وجه التحديد، ولكنها موجودة ومحسوسة لا ريب.
النتيجة هي عملية فرز جرت بسرعة فائقة، فلم يمض عام على الاغتراب المصري عن الخليج العربي حتى عادت مصر مرة أخرى، وربما كان مشهد المناورات المصرية - السعودية، وتلك المصرية مع الإمارات العربية، والموقف المشترك من الإرهاب وجماعة الإخوان وحلفائها من الجماعات الإرهابية، شاهدا على رابطة أقوى وأكبر من أي وقت مضى.
علينا رغم حالات الصعود والهبوط ملاحظة أن ذلك كان حلف أكتوبر (تشرين الأول) 1973، ومواجهة إيران في الحرب العراقية - الإيرانية، وعراق صدام حسين في حرب الخليج، والإرهاب في كل أشكاله الصريحة والخفية، والموقف من مصر بعد 30 (حزيران). حقيقة أخرى أن فرزا آخر يجري، فهناك دول في ذلك الحلف، ولكنها تؤجل الإعلان، وهناك دول استحكمت فيها الفوضى، وهناك دول تراقب وتنتظر، ولكن في كل الأحوال القلب كبير وقوي وصلد.
العالم عرف نهاية الحرب الباردة، واجتاحته موجات العولمة، ثم جاء زمن الحرب ضد الإرهاب الذي قاد إلى حربين في أفغانستان والعراق، ودفعت أميركا والغرب الثمن غاليا في أزمة اقتصادية ومالية طاحنة، وقبل أن يعود إلى التماسك مرة أخرى ظهر أن روسيا لا تريد للفرصة أن تمر. كما ذكرنا من قبل في هذا المكان كانت هناك «شواهد» روسية على محاولة العودة إلى المسرح العالمي كقوة عظمى مرة أخرى ظهرت في جورجيا وسوريا، ولكن أحدا في العالم لم يقتنع بأن دولة تدار على التوالي بين بوتين و مديفيديف ولا يوجد لديها من الصادرات إلا المواد الأولية، ولم تخرج للعالم «غوغل» واحدا، يمكنها أن تكون قوة عظمى.
ولكن الاختبار الروسي جاء مفاجئا في أوكرانيا التي لا تهم ثوراتها المتعددة كثيرا، ولكن المهم هو الواقع الجغرافي السياسي والاستراتيجي الذي يجعلها بمثابة تشيكوسلوفاكيا قبل الحرب العالمية الثانية. كان الادعاء الألماني وقتها أن الأقلية الألمانية تلاقي اضطهادا، وكان هؤلاء في تشيكوسلوفاكيا يقولون إنهم لا يحصلون على حقوقهم ويريدون الانضمام إلى الأمة الألمانية.
كانت النتيجة اتفاق ميونيخ الذي أعطى ألمانيا ما لا حق لها فيه، وكان ذلك نذير حرب آتية. الآن، روسيا تعيد الكرة، فهي تعتمد على الأقلية الروسية في أوكرانيا، وذات الأغلبية في نفس الوقت في إقليم القرم، وهنا تحصل القيادة الروسية على تصريح من البرلمان، ومعه تحشد القوات على الحدود، ويخرج الموالون في مظاهرات تريد الانضمام للوطن الأم، والميليشيات الروسية مع عناصر من المخابرات القادمة من روسيا تبدأ عمليات حصار منشآت الدولة الأوكرانية.
النتيجة أزمة دولية مستحكمة، لا نعرف من فيها سيتراجع أولا، والغرب لا يوجد لديه استعداد لمواجهات حرب باردة أخرى، وروسيا لا يوجد لديها استعداد للتعامل معها عن طريق التأديب بالعقوبات الاقتصادية كما لو كانت دولة من دول العالم الثالث. صحيح هناك مصالح روسية - غربية مشتركة، ولكن بوتين يلعب لعبة حافة الهاوية، وهو يريد أن يهين الغرب ويستعيد قطعة مهمة من الأرض تربط الأسطول الروسي على البحر الأسود بالوطن الأم، وفي كل الأحوال يجري تأديب أوكرانيا التي خانت الاتحاد السوفياتي وخرجت عليه عندما حانت الفرصة.
العواصف الحالية إقليميا وعالميا تلاقت في الزمن الحالي، وهناك أمور كثيرة في التاريخ لا نعرف عنها الكثير حتى تخرج من المنعطف فتظهر واضحة، ولكننا نعرف أنه في أوقات العواصف، فإن الوحدة والاتحاد هما الأصل في الأمان والأمن والخروج المنتصر من قلب الرمال الحارة والمتحركة. وبغض النظر عما هو معلوم أو غير معلوم في العلاقات بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين، فإن أربعتهم هم الجذر والوتد للخيمة العربية والإقليمية.
وقد يحتاج الجميع ليس فقط إلى إدراك خطورة اللحظة وحساسية المنعطف، وإنما يحتاج إلى القدرة المشتركة على التخطيط الاستراتيجي الذي لا يحدث وحده، وإنما من خلال آليات تفكر، وتتنبأ، وتخطط، وتقيم ما يجري بصورة لحظية. إن كفاءة إدارة هذه المرحلة حتى تستقر الرمال وتهدأ العواصف سوف تنجم عن التعامل مع مواقف مفاجئة، وتغيرات وتبدلات وانفجارات هنا أو هناك، وهذه سوف تحتاج لثبات الأعصاب وحكمة القادة، وساعتها فإن من يقفون موقف المراقبة سوف يحزمون أمرهم ويتخذون قراراتهم. وساعتها أيضا سوف يكون لنا موقف وسياسة من إدارة الإقليم كله بما فيه من ثورة وما فيه من تخلف، وقضايا نخرت في مناعته التي تحتاج إلى الكثير من العناية في هذه الأيام الصعبة.
ألف تحية لأمهاتنا في عيد الأم
بقلم: راسم عبيدات - القدس
في عيد الأم الذي صادف امس لا بد لي من ان أوجه تحياتي أولاً لوالدتي صبحة الصبوحة،تلك الوالدة التي أضحت الآن عاجزة حيث أقعدها المرض،ولكنها كانت مناضلة حقيقية،حيث كانت تكد وتكدح من اجل تربيتنا وإطعامنا وتدبر امورنا وتعليمنا كعشرة افواه خمسة ذكور وخمس إناث،وزوج عامل بسيط، يكدح ويستغل من أرباب العمل من بزوغ الفجر وحتى ما بعد غياب الشمس،بدون أية حقوق او قوانين عمالية او حكومية تحميه وتحمي غيره من العمال من هذا الإستغلال البشع، وخصوصاً انه لسنوات طويلة ولمعتقداته الناصرية التي امن بها كان يرفض العمل عند المحتل.
امنا كانت تتنقل من بوابة سجن لآخر عندما كنا انا وأشقائي في السجون،كانت تاتي لزيارتنا في السجن،ولم يكن هناك وسائل اتصال....وليخبرها السجان بأن ابنك او ابناءك تم نقلهم لسجن آخر ولتعيد الكرة من جديد،ونفس الجواب تم نقلهم لمعتقل آخر،دورة من العذاب والذل لا يمتهنها سوى الإحتلال،وليست أمي هي الإستثناء فالكثير من امهات أسرانا وزوجاتهم وبناتهم عانين نفس معاناتها،بل واكثر حتى ان البعض منهن كان الإحتلال يشكك في امومتهن لأبنائهن بسبب ما يكتب في الوثيقة الشخصية"الهوية" من معلومات متضاربة،او لمجرد التنغيص والتنكيد، إحتلال يريد ان يكسر إرادة شعبنا وان يذل أمهاتنا ويهزم عزيمتنا،ولكن أمهاتنا الفلسطينيات ككل يستحقن كل النياشين والألقاب والأوسمة،فمنهن والدة الشهيد او الأسير او الجريح،ومنهن من تقبع خلف القضبان،ومنهن من تكدح ليل نهار وتتعرض لأبشع استغلال من البرجوازية المحلية او المحتلين من أجل تأمين لقمة العيش لأطفالها لكي يعيشوا بكرامة وعزة،ومنهن من صانت عرضها وبقيت صابرة على طفلها او اطفالها بعد رحيل زوجها،تناضل وتشقى وتتعرض لكل انواع الذل والإضطهاد لكي تحسن تربية أطفالها،ومنهن من رحلن وهن يمنين النفس ان تتكحل عيونهن برؤية أبنائهن محررين من الأسر...ومنهن من تشارك في كل معارك ونضالات شعبنا... فمثل هؤلاء النساء هن من يستحقن التكريم والأوسمة والنياشين، لا من نالوها زوراً وبهتاناً،وليس عن شرف او جدارة وإستحقاق،كحال العديد من النسوة والأمهات اللواتي يجري تكريمهن إستناداً للعلاقة الشخصية والمعرفة والمصالح.
في عيد الأم انا واثق بان الكثير من امهات شعبنا ،لسنا منشغلات بالإحتفال والإستقبال،فلكل واحدة منها همومها،فهناك من تترقب على نار،هل سيلتزم الإحتلال بتعهداته؟؟،ويطلق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى،من اجل رؤية أبنائهن الذين مضى على الواحد منهم في الأسر ربع قرن وما فوق،فتلك فرحتهن الحقيقية وعيدهن،عيد رؤية أبنائهن وإحتضانهم ودموع الفرح تتساقط من عيونهن،فمن بقي حياً منهن أصبحن طاعنات في السن،ويتذكرن امهات رفاق واخوة أبنائهن وصديقاتهن،اللواتي غادرنا هذه الدنيا،دون ان تقر وتتكحل عيونهن برية أبنائهن.
في عيد الأم ماذا سنقول لأم الشهيد الذي روى بدمائه الزكية ثرى الوطن من اجل ان يصنع فجراً وحرية لشعبنا،وطناً يعيش فيه أبناء شعبنا بحرية وكرامة؟ وهي ترى ما يحدث بين اخوة ورفاق السلاح والنضال،حيث الإنقسام يستمر ويتعزز والخلافات الداخلية ليس بين أبناء الفصائل فقط،بل وبين أبناء الفصيل الواحد،إنقسامات وخلافات تضع المصالح الفئوية والحزبية والخاصة فوق المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني،وبما يهدد المشروع الوطني بالتبدد والتفكك وضياع القضية؟.
ماذا سنقول لأبناء حركتنا الأسيرة،المتخندقين في المواقع الأمامية للنضال؟؟،وماذا ستحمل لهم امهاتهم من رسائل على الزيارة،هل سيقلن لهم أفنيتم اعماركم وزهرات شبابكم،من أجل خدمة مصالح خاصة لجماعات تتقاتل وتتصارع على السلطة والمصالح والنفوذ؟؟أم سيحاولن بث الأمل فيهم قدر الإمكان،مع إدراكهن بأن تلك الكلمات والعبارت،لن تساهم كثيراً في رفع روحهم المعنوية،فهم رغم تضحياتهم ونضالاتهم وصمودهم ،باتوا يشعرون بأن مشروعنا الوطني في خطر،وانه بحاجة الى ثورة في الثورة،ثورة تعيد تجليس الهرم على قاعدته بدل رأسه.
امهاتنا يختلفن عن كل امهات هذه الأرض،ليس من منطلقات عنصرية او إستعلائية،بل لأنهن لم يعرفن طعم الفرح،فهن يسرقن لحظات الفرح سرقة،حيث الإحتلال كل يوم ينغص عليهن فرحتهن،كيف ستفرح او تحتفل ام بعيد ام أتى جند الإحتلال ومخابراته ومستعربيه في ساعات الفجر الأولى مدججين بأسلحتهم ومقنعين،ترافقهم كلابهم البوليسية،من اجل ان يقتحموا بيتها ويعيثوا الخراب والدمار في كل ركن من اركانه،ويبثون الرعب في قلوب أطفاله وساكنيه،ومن ثم يعتقلوا طفلها بعمر الورود،ولربما يضربونه أمامها؟؟.
كيف ستحتفل او تفرح ام عاد إليها إبنها في كفن من المعتقل بعد ان كانت تعيش على امل ان يعود إليها سليماً معافى،لكي تفرح وترفع رأسها به..؟ فرقم الأسرى الذين يعودون في اكفانا من أبناء شعبنا جاوز ال(204) أسير،بسبب سياسات الإهمال الطبي والتعذيب والتصفيات الجسدية.
الأم الفلسطينية كانت وستبقى حامية الحلم الفلسطيني،وشريكة في مشروعنا الوطني،تكد وتكدح وتناضل وتعمل في كل المجالات والميادين،تراها في الحقل تزرع وتقلع،في البيت تربي وتعلم وتخرج اجيال،في العمل تناضل من اجل تامين قوتها وقوت اطفالها،في العمل الوطني والشعبي،في المسيرات والمظاهرات نصرة لقضايا اسرانا،ولحماية ثوابتنا ومشروعنا الوطني،في مظاهرات ومسيرات الدفاع عن الأرض،وكذلك في حماية والدفاع عن اقصانا المهدد بالتقسيم الزماني والمكاني من قبل زعران الإحتلال ومستوطنيه.
رغم كل ذلك من حق امنا الفلسطينية،أن تفرح وان تحتفل بعيد الأم،فهي الأحق بهذا الإحتفال،فهي من يدفع الثمن أضعاف اضعاف،ما تدفعه اي ام اخرى في العالم،فتكريم الأمهات الفلسطينيات واجب وحق علينا،كما هو واجب وحق علينا تكريم شهدائنا واسرانا ومناضلينا وعائلاتهم.
في عيد الأم علينا جميعاً،ان نتوحد في سبيل حماية والدفاع عن امنا جميعاً،امنا فلسطين علينا ان نصونها في حدقات عيوننا،علينا ان لا نسمح لخلافتنا وإنقسامنا بأن تضيع منا امنا،او تصيب منها مقتلاً،حينها سنصبح كلنا شركاء في الضياع والقتل،وسنبكي مثل بكاء الخليفة الأموي عبد الرحمن الداخل،عندما بكى بكاء النساء بعد ضياع الأندلس،أمنا يجب ان تكون هي بوصلتنا جميعاً،نختلف في كيفية وطرق حمايتها،ولكن لا نختلف عليها،فامنا فلسطين حدودها التاريخية معروفة لنا جميعاً.
اما امهاتنا بنات فلسطين وحارسات حلمها،فعلينا ان نجلهن ونحترمهن، وأن نقيم لهن التماثيل وأقواس النصر،وان نصونهن أيضاً بحدقات عيوننا، فهن من نعتز ونفخر بهن دائماً، فهن صانعات الرجال والأبطال، رجال فلسطين وحماتها،منهم الشهيد ومنهم من ينتظر، ومنهم الأسيروالجريح،ومنهم المناضل والعامل والفلاح والمثقف والمتعلم والقائد الوطني والسياسي وغيرهم،هؤلاء هم رجال فلسطين الذين انجبتهم امهاتنا،فمثل هؤلاء الأمهات، يستحقن النياشين والأوسمة عن جدارة وإستحقاق،والأم التي كرمتها الأديان السماوية وقدمها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في الرعاية والتكريم والمحبة على الرجل ،أن ننحني لها إجلالاً واحتراماً وتقدرياً ومحبة.
أوكرانيا وفلسطين: القياس والبرهان
بقلم: حسن البطل – الايام
لا نفهم علاقة الجيولوجيا بالسياسة، كما نفهم علاقة السياسة بالجغرافيا مثل هنري كيسنجر (جيوبولتيكا) وعلاقة هذه بالاستراتيجية، أو نفهم علاقة الفيزياء بالكيمياء.
مع هذا، يخيّل إليّ أن غرام اليهودية والصهيونية والإسرائيلية بالقياسات (وهي شكل من أشكال البراهين) تشبه، في استحالة الفهم، علاقة الجيولوجيا بالسياسة.
في الجيولوجيا هناك صخور: رسوبية، متحوّلة، واندفاعية (نارية).. لكن هناك شكلا رابعا خليطا وهجينا يسمى "كونفلوميرا" في اللغة العلمية العالمية لعلم طبقات الأرض (الجيولوجيا)، وقد عرّبوه في جامعة دمشق إلى صخر (المشبّك)!
صخر المشبّك هو أنقاض ومهيلات صخور منفرطة، قريبة من سطح الأرض، قد تتماسك بملاط تحت قوة الضغط الفيزيائي، لكن ليس بقوة تماسك عناصر صخر "الغرانيت" الثلاثة: مرو (كوارتز)، فيلدسبات، ميكا.
"الكونفلوميرا" الإسرائيلية مجموعة من المهيلات والأنقاض من الخرافة والاسطورة و"الوعد الإلهي" و"خراب اليهكل" و"الهولوكوست" ويجمعها، حالياً، ملاط لاصق هو القوة.
لنترك التاريخ نائماً من هيرودوت إلى "اختراع أرض إسرائيل" لشلومو ساند، إلى محاولة إسرائيل للبرهنة على فرادتها، بغير "الوعد الإلهي" و"وعد بلفور".. وحتى "قرار التقسيم".
في كل حالة تاريخية، من الغزوات الصليبية، إلى نظام سياسة ومصير الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا، إلى نضالات الشعوب من أجل حريتها واستقلالها، يقولون في إسرائيل إن هذا ليس قياساً للحالة الإسرائيلية بما فيها الاحتلالات لشعوب وأراض أُخرى.
تشظي اتحاد يوغسلافيا، عرقياً ودينياً، لا يشكل علاقة قياسية إلى احتمال تشظي إسرائيل نتيجة احتلالها لفلسطين، ولا مقاطعة "كيبك" في كندا تشبه حالة سيطرة إسرائيل على الضفة، ولا تتطلع اسكتلندا للانفصال عن المملكة المتحدة.. ولا.. ولا إلخ!
فإلى المسألة الراهنة العالمية، وهي انفصال أو استقلال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا، لأسباب سياسية واقتصادية وتاريخية ولغوية ودينية وثقافية.. وما هبّ ودبّ من اسباب.
أخذ وزير حربية إسرائيل، موشي يعلون، أو "صوت سيّده" نتنياهو من هذه المسألة دليلاً على "رخاوة" أميركا والغرب، كما في المسألة النووية الإيرانية، وانتقال مصر من مرسي إلى السيسي، والعراق.. وأفغانستان إلخ! وخلص إلى القول "إن لم أكن لي، فمن يكون لي"؟!
سنقفز حول أزمة أثارتها تفوهاته، عن تفاوت النظرة الاستراتيجية الإسرائيلية عن مصالح السياسة الاستراتيجية الأميركية.. رغم "العلاقة الاستراتيجية" بين البلدين.
في العام 2014 استعادت موسكو "هدية" الأوكراني نيكيتا خروتشوف للرفاق في أوكرانيا، هي ضم القرم لروسيا، وتم ذلك باستفتاء وافق فيه 93% من سكان القرم على العودة إلى حضن الرفيق الكبير و"الدب الأكبر" لأسباب قومية ولغوية وتاريخية وسياسية.. إلخ!
الطريف في الأمر أن اسم "اوكرانيا" يعني في اللغة الروسية القديمة "البلد الطرف"، والأكثر طرافة حتى السخف، أن الغرب لا يعترف بالاستفتاء، أي لا يعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها.
جوهر الأمر، فيما يخص علاقة "قياس" بين القرم وفلسطين، أن استقلال فلسطين يجب أن يمرّ عبر استفتاء شعب الدولة القائمة بالاحتلال، كما استفتاء الأوكرانيين جميعاً حول استقلال القرم وانضمامها إلى روسيا!
دولة "التهويشات" السياسية الإسرائيلية حول "قياس" الحالة الأوكرانية على حالة الاحتلال الإسرائيلي للضفة، فإن القرم ليست - شعباً ولغة وتاريخاً- جزءاً من أوكرانيا، التي عليها أن تبارك انفصال القرم الذي يشدّها إلى النفوذ والهيمنة الروسية أو "الاستعمار الروسي" بلغة أميركا وأوروبا.
المعنى، كما يقول دمتري شومسكي ("هآرتس" 20 آذار) أن السيطرة على أراضي الغير تعني العبودية الذاتية للقوة المسيطرة، ولو بدت "حرية وهمية"، أي كما أراها ذات علاقة بالوعد الإلهي ووعد بلفور، وقرارات عصبة الأمم .. التي صارت الأمم المتحدة وفي ميثاقها حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحق الشعب الفلسطيني، بالتالي في التحرر من الاحتلال، دون قياسات إسرائيلية أنه لم تكن هناك قط دولة فلسطينية عبر التاريخ، الذي كانت فيه امبراطوريات عابرة للديانات والقوميات.. والقبائل. وكم دولة وشعباً في أميركا الجنوبية وأفريقيا لم تكن دولاً من قبل؟
كان سكان هذه الأرض المقدسة القدماء وثنيين، ثم صار بعضهم يهوداً، ثم عرباً مسيحيين، ثم عرباً مسلمين.. ثم فلسطينيين.. وكانوا قبائل وليسوا "شعوباً" و"ممالك" وليسوا دولاً.
لذلك، فالقياس التاريخي (ادعاء بيبي بأربعة آلاف عام) والقياس السياسي من جنوب أفريقيا إلى يوغسلافيا وأوكرانيا تستخدمه إسرائيل بشكل معوج لا علاقة له بالبراهين السياسية الراهنة، وأبرزها حق الشعوب في تقرير المصير وتشكيل دول.
هذه "كونفلوميرا" من أشكال القياس اليهودية والصهيونية والإسرائيلية تحت ضغط "قوة الاحتلال" لا حقائق سياسية راهنة، ولا عرقية ولا دينية.
على إسرائيل أن تتحرر من الاحتلال أو تغرق هي وقياساتها تحت وطأة الاحتلال. ألا تقول النظرية الصهيونية الأصلية: كل مجموعة من البشر تعتبر نفسها شعباً فهي شعب؟.
أوباما إلى الرياض.. والسعودية تتجه نحو الشرق!!
بقلم: هاني حبيب – الايام
بالرغم من انشغال الإدارة الأميركية بتداعيات الأزمة الأوكرانية، إلاّ أن الرئيس أوباما ما زال ملتزماً بزيارة العاصمة السعودية الرياض بعد أيام، هي الثانية بعد الأولى قبل حوالي خمسة أعوام، الأمر الذي يشير إلى أهمية هذه الزيارة البالغة على ضوء تردي العلاقات السعودية ـ الأميركية، على خلفية مواقف أميركية برزت إثر التوقيع على اتفاقات أولية مع إيران، وعجز إدارة أوباما في التدخل لصالح المعارضة السورية وتلكئها في تنفيذ تهديداتها بدعم عسكري شامل للمعارضة وإنشاء منطقة حظر جوي، إلى أن برزت القوى الإرهابية لتلعب دوراً بارزاً في الميدان السوري، الأمر الذي قلب ميزان القوى لصالح النظام، وتحميل الرياض مسؤوليته إلى إدارة أوباما العاجزة.
ولكن وقبل وصول أوباما إلى الرياض، قامت السعودية باتخاذ خطوات تشير إلى مدى انزعاجها من السياسة الأميركية على ملفات الشرق الأوسط، خاصة عندما رفضت السعودية عضوية مجلس الأمن غير الدائمة كتعبير أولي عن مدى الانزعاج وإشارة كان لا بد منها بنظر الرياض، لمدى التصدع في العلاقات السعودية ـ الأميركية، إلاّ أن الرد السعودي الأبرز في هذا السياق، استباق زيارة الرئيس الأميركي لها بالتوجه شرقاً، إلى الصين تحديداً، الذي زارها ولي العهد ووزير الدفاع الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود قبل حوالي أسبوعين، واللافت أن هذه الزيارة، حسب تصريح ولي العهد السعودي، نقلت العلاقات بين البلدين، السعودية والصين، من مرحلة التعاون إلى مرحلة "الشراكة الاستراتيجية" وهو التعبير الأول من نوعه الذي يؤكد على أن السعودية هدفت من هذه الزيارة إيجاد توازن في علاقاتها التي كانت محصورة في الاطار الغربي عموماً والأميركي خصوصاً، إلى شراكة استراتيجية لم تعد الولايات المتحدة وحدها، بالنسبة إلى السعودية، التي تحتل مثل هذا الموقع في العلاقات الاستراتيجية، ما يشكل ضربة قوية لتفرد الولايات المتحدة في اطار العلاقات التقليدية ـ التي لم تصبح كذلك ـ بين البلدين!
وإذا كان الدفء الذي دب في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، كان علنياً وواضحاً من خلال التوقيع على اتفاقية حول الملف النووي الإيراني، فإن التأثيرات ذات الطابع السري للجهود الأميركية لزعزعة دول مجلس التعاون الخليجي، لصالح دعم الدور القطري للتأثير على عموم المنطقة، كان أمراً بالغ الخطورة بالنسبة للدور الإقليمي والقومي العربي. الموقف الأميركي لتداعيات الربيع العربي عموماً، والثورة المصرية في 30 يونيو / حزيران على وجه التحديد، زاد من تصدع العلاقات السعودية ـ الأميركية بعد أن تبين للرياض أن الدور القطري المتزايد المنسجم مع الأهداف الأميركية، ذو أهداف عديدة، أهمها هو العمل على تهميش الدور السعودي في المنطقة عربياً وإقليمياً، لحسابات قوة صاعدة أميركية تمثلت في الإمارة القطرية.
وربما حاولت واشنطن أن تجري بعض الجراحات التجميلية في منطقة الخليج العربي، في محاولة منها للإيهام، أن هناك تغيرات من شأنها جسر الهوة في اطار صراعات مجلس التعاون، وذلك عندما أسهمت من دون شك في تولي الأمير تميم بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم من والده، إلاّ أنه وقبل أن ينتهي عام من حكم أصغر أمير في منطقة الخليج العربي، فإن قدرة هذا الأمير على إصلاح الأمور، باتت منعدمة، بسبب الطموحات التي رسختها واشنطن من ناحية لدور هذه الإمارة، ولدور "الحرس القديم" في الإمارة، والذي ربما لا يزال قادراً على أن يحكم من خلف ستار، وها نحن نرى، بعد بضعة أشهر من تولي الأمير الجديد للحكم ـ فقد زاد الأمر تصدعاً عندما أعلنت كل من السعودية والبحرين والإمارات سحب سفرائها دفعة واحدة من الدوحة، أما الكويت، التي لا يختلف موقفها عن الدول الثلاث، فإنها "تأخرت" في قطع علاقاتها مع الدوحة لأسباب إجرائية، حيث أنها ستكون مقراً لعقد مؤتمر القمة العربي هذا الأسبوع، وهي حريصة على لم الشمل العربي لنجاح هذه القمة المنعقدة فوق أراضيها، الأمر الذي جعلها تتخلف عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الإمارة القطرية.
وفي تسريبات نشرتها وسائل الإعلام الأميركية، أن مشروعاً تمت دراسته في وزارة الدفاع الأميركية، كان سيعرض على البيت الأبيض، يتضمن تخفيض التواجد العسكري في قطر لتخفيف النفقات على خلفية تخفيض ميزانية الدفاع الأميركية، إلاّ أن الحكومة القطرية سارعت بتقديم تعهدات بدفع نفقات الجيش الأميركي كاملة، وانه الآن تتم دراسة التكاليف وتحضير اتفاق جديد بين البلدين ("العرب" ـ 22/3/2014). فالدوحة تخشى من أن تخسر دعماً أميركياً من دون أن تربح الخليج، خاصة بعدما ألغى الجانب الأميركي لقاء قمة في الرياض يجمع الرئيس الأميركي مع أمراء وملوك الخليج ومن بينهم أمير قطر الجديد، وذلك بطلب سعودي حسب وسائل الإعلام الأميركية.
وعندما يصل الرئيس الأميركي إلى الرياض، سيجد الخليج العربي ليس كما عرفه، الربيع العربي، لم يصل إلى هناك بعد، إلاّ أن تأثيراته المباشرة أحدثت تغيرات بالغة الأهمية، وربما سيفلت الخليج العربي من القبضة الحديدية للتأثير الأميركي، التوجه السعودي شرقاً نحو الصين إحدى علاماته ولكنها ليست الإشارة الوحيدة، ولم يتبق أمام واشنطن لتصحيح علاقاتها وإعادتها إلى شكلها التقليدي إن أمكن، سوى مراجعة مواقفها انطلاقاً من الموقف من الثورة المصرية في 30 يونيو/ حزيران.. وإلاّ فإن الخليج العربي سيظل مختلفاً عما كان الأمر عليه، والدوحة ستبقى رهاناً خاسراً للسياسة الأميركية في المنطقة!!
الخـديـعـة الكـــبرى
بقلم: حمادة فراعنة – الايام
لماذا اختار نتنياهو تحرير سجناء؟ مقال في صيغة سؤال، كتبه شالوم يروشالمي، نشرته "معاريف" يوم 20/3/2014، تحدث فيه باستغراب عن دوافع نتنياهو للإفراج عن أسرى فلسطينيين، نفذوا عمليات مسلحة، قتلوا خلالها إسرائيليين، ومع ذلك أفرج عنهم، وهو إجراء لم يستطع الإقدام عليه كل رؤساء وزراء إسرائيل من قبل، حتى بمن فيهم إسحق رابين الذي وقع اتفاق أوسلو مع ياسر عرفات، والجواب قدمه يروشالمي في مقالته على لسان نتنياهو بقوله، "لم أُنتخب كي أفكك خارطة إسرائيل إلى دولتين".
لقد اختار نتنياهو، إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، رغم صعوبة القرار، مقابل استئناف المفاوضات، وهذا يدلل على مدى أهمية المفاوضات بالنسبة له، لماذا ؟؟ لأنه يحتاج للمفاوضات للتغطية على كل سياساته التوسعية ومعتقداته الاستعمارية، فالمفاوضات يحتاجها غطاء لاستمرار الاستيطان وتوسيع المستوطنات، تغطية لتهويد القدس وأسرلتها، وتمزيق الضفة الفلسطينية وجعلها طاردة لأهلها، والاستيلاء على الغور وتهويده أسوة بالقدس وقلب الضفة، ولهذا استطاع اتخاذ قرار إطلاق سراح أسرى، لأنه لا يستطيع وقف الاستيطان، فالاستيطان أداة للتوسع، وهو بحاجة للمستوطنين كي يبقى قوياً بهم، ولذلك ضحى بالإفراج عن الأسرى، ولم يستطع التضحية بالاستيطان وبالمستوطنين، لأنه بذلك يريد الاحتفاظ بكل فلسطين، وأن تكون خارطة إسرائيل بديلاً لخارطة كل فلسطين.
والولايات المتحدة بحاجة ماسة لاستمرارية المفاوضات، لتغطية مسلسل فشلها:
أولاً: لتغطية فشلها في عدم قدرتها وحلفائها وأتباعها في إسقاط النظام السوري، رغم قوة الضربات التي وجهت له على الأرض، وقوة المعارضة المسلحة والحشد الهائل من الخصوم والحلفاء ضده، ومع ذلك صمد النظام وما زال يملك زمام المبادرة العسكرية الميدانية، وهو عنوان لفشل أميركي صارخ.
ثانياً: فشلها في توفير الحد الأدنى المطلوب من الأمن والاستقرار لثلاثة شعوب أسقط التدخل العسكري الأميركي المباشر أنظمتها في أفغانستان والعراق وليبيا، ولكنها فشلت في توفير البديل الأرقى لهذه الشعوب، وغدا التدخل الأميركي عنواناً للموت والخراب والتطرف والتمزق الذي أصاب مجتمعات هذه الدول.
ثالثاً: لتغطية فشلها في الضغط على قادة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وتراجعها عن كل مبادراتها السابقة في ولاية أوباما الأولى الذي طالب بوقف الاستيطان في القدس والضفة بناء على توصية من مستشاره السابق جورج ميتشيل الذي استقال مهزوماً أمام الإسرائيليين وأمام اللوبي اليهودي الصهيوني الأميركي المتنفذ داخل الولايات المتحدة الأميركية.
وفشله خلال ولايته الثانية، التي سجل فيها وخلالها جون كيري وزير الخارجية رحلات متكررة غير مسبوقة العدد، بهدف التوصل إلى اتفاق يُنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكنه فشل في تحقيق غايته وتراجع عن اقتراحاته التي بدأ بها خطواته وهي أولاً تحقيق انسحاب إسرائيلي من الضفة والغور والمعابر مع تأجيل 1- الانسحاب من القدس، و 2- إزالة المستوطنات، وثانياً أن يوفر الأمن للفلسطينيين وللإسرائيليين من خلال طرف ثالث أميركي أوروبي، ولكن هذه المقترحات وجدت الرفض العلني من قبل نتنياهو وحكومته، مدعوماً من قبل اللوبي اليهودي الأميركي المتنفذ في واشنطن.
رابعاً: وجاءت هزيمة الأميركيين في أوكرانيا أمام زخم المبادرة الروسية وقوتها واندفاعها، ما أعاد لروسيا بريقها، ومكانتها وكأنها في ذروة مجدها أبان الحرب الباردة.
خامساً: يريد توظيف الضعف الفلسطيني، أمام الاحتلال والانقسام والمديونية وابتزاز الشعب الفلسطيني وقيادته لقبول تسوية مهينة لا تلبي حقوقهم ولا تستجيب لقرارات الأمم المتحدة.
في ضوء هذا الفشل المتراكم تسعى الإدارة الأميركية إلى إعلان الموافقة الإسرائيلية الفلسطينية على استمرار المفاوضات بعد شهر نيسان، وخطورتها لا تكمن باستمراريتها بل تكمن خطورتها في أن سقفها سيكون "الإطار الذي وضعته أو الذي ستضعه الولايات المتحدة"، ويشكل أرضية للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ومحكومة له، هنا تكمن خطورة المفاوضات المقبلة إذا أعلن الجانب الفلسطيني موافقته عليها، فالموافقة تتضمن، الموافقة على دخول غرف المفاوضات محكومة بالسقف الذي حددته الولايات المتحدة، أي أن الإطار الأميركي هو مرجعية التفاوض وليس قرارات الشرعية الدولية، وأن حقوق الشعب العربي الفلسطيني المجسدة بقرارات الأمم المتحدة، تصبح بلا معنى، مثل أمل إبليس في الجنة.
الإدارة الأميركية سمحت للوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن أن يُعلن تحفظه على الإطار الذي تم تقديمه بشكل شفهي من قبل الفريق الأميركي، على خلاف ما هو معلن أن الإدارة الأميركية "لم تقدم الإطار رسمياً"، وهذا صحيح لم تقدمه رسمياً كوثيقة مكتوبة، ولكنها قدمته كورقة مكتوبة ومصاغة ومحددة بشأن القضايا الجوهرية وتتضمن مواقف وسياسات وتفاصيل بشأن القدس واللاجئين والحدود والأمن، وجميعها تضمنت محددات ومفاهيم وصفها أحد المفاوضين الفلسطينيين الذي كان يجلس على الطاولة في مواجهة الوفد الأميركي في واشنطن "أن روابط القرى التي أسسها (الليكود)، لا تستطيع قبول مثل هذه الاقتراحات كقاعدة للتفاوض".
الرشوة التي سيقدمها الجانب الأميركي هي الإفراج عن عدد من الأسرى في طليعتهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات وفؤاد الشوبكي والعشرات مقابل القبول باستمرار المفاوضات على قاعدة وثيقة الإطار التي سيعلنها الأميركيون مع حق الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للتحفظ على ما جاء فيها، وبذلك تقدم واشنطن غطاء للوفد الفلسطيني للتورط في المفاوضات سقفها الإطار ويكون التحفظ الفلسطيني بمثابة "خديعة كبرى" للنفس وللشعب العربي الفلسطيني.
خيارات "حماس" لفتح معبر رفح ..!
بقلم: أكرم عطا الله – الايام
قيادة الشعوب ليست عملية سهلة ولا هي عبارة عن مجموعة مجازفات ولا مجال فيها للتجربة والخطأ وتقاس فيها المواقف بميزان بائع الذهب وتجري فيها الحسابات تماما كما المعادلات الكيميائية في المختبرات بقياس مجموع العناصر المتفاعلة والمتداخلة، وأي خطأ في حساب عنصر واحد قد يحدث انفجارا يؤدي إلى خسائر كبيرة، وهكذا تجري حسابات السياسة بهدوء وبعقل بارد بعيدا عن العواطف لتحقيق مصالح المجموع ومن يتقدم لقيادة الشعوب يتخذ المواقف لتحقيق مصالحها ولجعل حياتها أفضل لا أن يذهب بمواقف متسرعة تدفع الشعوب ثمنها فيصبح هو ومواقفه عبئا على شعبه.
يمكن القول أن حركة حماس أخطأت في موقفها برفض التغيرات الأخيرة في مصر وتلك شأن مصري داخلي ليس من حق أي فلسطيني أن يتنطح ليقرر في شكل الأنظمة السياسية في الدول العربية، وهذا الموقف له تداعيات لا يستطيع الشعب الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة تحمل تكاليفه، وها نحن نرى النتيجة، موقف صعب تتخذه مصر من حركة حماس يؤدي إلى إغلاق معبر رفح واعتقال مليوني فلسطيني في هذا الجزء الفقير والصغير من الوطن بما يحمله ذلك من معاناة وتعطيل لمصالح مئات الآلاف من الطلبة والمرضى والتجار والعائلات المشتتة التي حرمت من التواصل مع امتداداتها فتعطلت الحياة ودخل قطاع غزة في حالة موت سريري يزداد وضعه سوءا مع كل يوم بما يصاحبه من ألم لم يعد محتملا.
أخطأت "حماس" في حسابات السياسة هذه المرة حيث اتخذت موقفا من حقها أن تتخذه كحزب سياسي ولكن ليس من حقها أن تتخذه كنظام سياسي، وهناك فرق هائل بين الاثنين لم تدركه الحركة التي غلبت الأيدولوجيا على السياسة ومصلحة الحزب والحركة على مصلحة الشعب، فالحزب السياسي يدفع وحده ثمن مواقفه لكن حين يكون هذا الحزب هو النظام السياسي فالمسألة بحاجة إلى حسابات أكثر رصينة لأن الثمن يدفعه الشعب وعلى النظام السياسي أن يقدم تنازلات وأن يدفع الحزب ثمن من أجل الدولة والشعب وحين يحدث العكس تصبح المسألة بحاجة إلى مراجعة اكبر وإلى حل أشمل.
قد يكون في تجربة الراحل ياسر عرفات ما يستدعي التوقف أمامه من قبل السياسيين فقد روى لي الصديق الصحافي حسن الكاشف عندما قام ياسر عرفات بعد حرب 82 والذي كان قد تحول على اثرها إلى رمز للكفاح بزيارة اتحاد الكتاب والصحافيين وما أن دخل مقر الاتحاد حتى فاجأه رسام الكاريكاتير الكبير ناجي العلي بلومه بحدة على شكل معانقته للزعماء العرب قائلا له، "أنت زعيم وفدائي وأطهر منهم جميعا وهم متآمرون لماذا تقوم بتقبيل رؤوسهم فالفدائي لا ينحني للمتخاذل" فوضع ياسر عرفات يده على كتف ناجي بابتسامة هادئة امتصت غضبه وقال أمام الحضور بمن فيهم ناقل الرواية ومحمود درويش، "يا ناجي طالما أن شعبي يعيش عندهم ويتحرك من معابرهم، فأنا مستعد لأن أقبل أقدامهم من أجله".
في موضوع مصر كان على "حماس" أن تكون أكثر اتزانا لأن استبداد الجغرافيا أعمق كثيرا من استسهال المواقف لأن الحقائق التي تفرضها الجغرافيا رغما عن الدول تصبح جزءا أساسيا في اتخاذ القرار هذا أولا وثانيا الشعب الفلسطيني ليس مسؤولا عن إعادة الحكم للإخوان المسلمين أو إعادة الإخوان للحكم ولسنا معنيين بذلك ولا يهمنا هذا الأمر وفقط ما يهمنا هو مصالح شعبنا ولسنا مستعدين للمعاناة من أجل حركة الإخوان.
وأمام هذا الوضع الصعب لا أجد أمام حركة حماس من خيارات سوى ثلاثة أولها أن تعلن تأييدها للخيار المصري باعتبار أن ذلك شأن مصري تمهيدا للمصالحة مع مصر، فما اتخذه وزير الدفاع المصري لا يتساوى مع ما فعله أمير قطر السابق ضد والده لأن الوزير المصري كان يحظى بتأييد تظاهرات كبيرة ومع ذلك تغاضت "حماس" عن سلوك الأمير القطري باعتبار الأمر شأنا قطريا داخليا عندما رأت أن في التغاضي خدمة لمصالح شعبنا.
هذا خيار صعب لأن للمسألة بعدا أيدولوجيا وحين تكون هذه حكما في المواقف تصبح مسألة التراجع مستحيلة لأن الأيدولوجيا تنطلق من حقائق جامدة وليست كالسياسة التي تعرف المرونة والمناورات ولأن للمسألة أيضا بعدا تنظيميا داخليا ولأن في الأمر استهدافا لحركة الإخوان وهي جزء عضوي من هذه الحركة ولا تستطيع التخلي عنها ويشبه الأمر تخلي الابن عن أمه وهذا لا يجوز حتى في ظل كل مرونات السياسة.
الخيار الثاني هو أن تندفع باتجاه المصالحة مع خصمها في الساحة الفلسطينية وتستجيب لشروط حركة فتح التي تنامت بعد التغيرات في مصر وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتمكن من فتح معبر رفح أما الخيار الثالث وهو أن تتخلى حركة حماس عن حكم قطاع غزة لأن في استمرار حكمها بهذا الشكل أزمة إنسانية متزايدة وعبئا على الحركة نفسها وعلى سكان القطاع.
هذه الخيارات الصعبة على حركة حماس هي أشبه بعملية جراحية لا تعرض بهدف حشرها في الزاوية وضبطها متلبسة بالعجز بل لأنه ليس هناك خيار رابع سوى الانتظار، والانتظار هو حالة من الفراغ والسياسة لا تعرف الفراغ وكلما ازداد الانتظار ازداد الأمر سوءا ولا يجوز تركنا كل هذه السنوات نعيش المأساة والمعاناة التي تتفاقم ولا أفق قريبا للخروج من عنق الزجاجة فقد هرمنا بانتظار الكهرباء وهرمنا بانتظار المعبر، ثماني سنوات بلا كهرباء وبلا معبر جعلت الحياة أكثر قسوة ومن حقنا أن نقول كفى .. أن نرفع صوتنا عاليا ليس بهدف التربص بحركة حماس بل للخروج من هذا المأزق الذي وضعت الحركة نفسها فيه وضعتنا معها .. علينا أن نفكر بشكل جماعي بكيفية الخروج مهما كانت صعوبة الحل وليس أمام "حماس" سوى الخيارات الثلاثة إما تعديل موقفها والتصالح مع النظام الجديد في مصر وإما الذهاب نحو أبو مازن وإما أن تترك الحكم.
وإذا ما تخلت عن حكم غزة فلن تحتله إسرائيل وهذه خرجت لأنها لا تريد البقاء في غزة فقد عبر مستشار الأمن القومي السابق غيورا ايلاند بوضوح عن سياسة إسرائيل تجاه القطاع وهي حصيلة مجموع الفكر الإسرائيلي ومراكز الدراسات "فك ارتباط للأبد" لأن غزة تشكل مشكلة إنسانية وديمغرافية ومشكلة إستراتيجية "حسب مؤتمر هرتسيليا التاسع" وأزمة أمن قومي وهي عبء كبير كانت تنتظر اللحظة للتخلص منها بدءا من أوسلو الذي قام على التخلص من القطاع مرورا بالانسحاب انتهاء بما قاله ايلاند بوجوب الاعتراف بدولة غزة .. الأمر بدا مستحيلا بالتعايش في ظل هذه الظروف وعلى "حماس" التي قررت الانفراد بحكم القطاع أن تبحث عن حل فلا يمكن الاستمرار هكذا .. وعليها أن تقدم تنازلات من أجلنا، وإذا كان لديها خيار جديد فلتتفضل .. هذا طبعا لا يبرر لمصر تلك القسوة في التعامل مع قطاع غزة وخاصة بمسألة المعبر لكنه في سياق الممكن فلسطينيا والممكن لدى "حماس" وعليها أن تقدم تنازلات من أجلنا...!
في نابلس، جنازتان لثلاثة شهداء!
بقلم: ريما كتانة نزال – الايام
صُدم شهداء نابلس عندما أفلَت زمام المدينة من يدهم، وخروج الأمور عن سطوتهم المعنوية، وشعورهم بأنهم ليسوا الموضوع. لقد تعرف الشهداء على وضع شاذ تكرس خلال سبع سنوات، ولم تستطع نابلس أو كان خارجاً عن إرادتها الارتقاء الى رفعة اللحظة التي يستعيد بها الشهداء الثلاثة أسماءهم، والتحرر من صَلب الاحتلال رفاتهم على رقم أصم.
من نعوشهم، وبمحاجر عظامهم رأوا ماذا فعل الانقسام بمدينتهم، وشاهدوا ضياع حلمهم بزفة عرس لا تُنسى. لقد توقع الشهداء عودة دافئة للتربة المرويّة بوفائهم، وحلموا ببذخ نابلسي مقطَّر بسكر الكنافة، ووعدوا أنفسهم بزغاريد تتبادل صداها جبالها المتقابلة، وأن يقترب "جرزيم" من "عيبال" كعادتهما في مناسبات الشهادة لتبادل القبلات والتهاني وتظليل الشهداء ومواكبهم.
توقع الشهداء الثلاثة أن تكون الجنازة معبراً استثنائياً للحالة الانقسامية، مع احتفاظهم بوجهة نظرهم الخاصة، والتوحد على نبذ انقسام الجنازة إلى خندقين متقابلين، فمنذ استشهادهم، خرجوا من طباع البشر وانحيازاتهم الدنيوية، وارتقوا نحو السماء وطالت أعناقهم نحو القضية الوطنية وعلمها الواحد وبيارقها المتعددة، حيث يمتلكون أسرار الحياة والموت ومفاتيحهما بوضوح وشفافية.
الشهداء يتفهمون دقة اللحظة، لكنهم يتفهمون أكثر الخطوط الحمراء المحرَّم تخطيها، وامتطاء نعوشهم لتسعير الحالة الانقسامية، وتوظيفهم في خدمة الخطاب الدموي. لم يكن بمقدور عظام الشهداء التواقة الى لحظتها الوحيدة المتبقية وقف لعبة المساخر، وعجزوا عن الإمساك بتلابيب الانحدار الذاهب إلى القاع، في لحظة عاطفية استدرجت الأذى بهم وألحقت الضرر برسالتهم الموحدة، وهالهم تشتت زفَّتهم إلى حوريتهم الأبدية فلسطين.
تحاور الشهداء حوار النبلاء الذين تفاجؤوا بخسة الحالة، وتساءلوا عن ممكنات تغيير المشهد وقلب النفوس المتحفزة للشرور، جنازتان أو جنازة واحدة! وبأي جنازة يمضون! وهل لهم حرية اختيار مساربهم وهتافاتهم! واتفقوا انهم يعودون في الوقت الخطأ، وأمسكوا لسانهم عن القول انهم يتجهون نحو المكان الخطأ..
الشهيد "أحمد ياسر" نفى عن ذاته الاستقطاب قائلاً: على من أعتب إضاعة لحظتي الخاصة، ومن ألوم على هزّ أركان هويتنا الوطنية، ومن المسؤول عن الاعتداء على شهادتنا وخصوصية الشهيد؟ لقد سُلبت مني لحظة مخصصة لي، لقد حرمتني القبائل من وداع دافئ، أرقد فيه قرب أخي الذي سبقني شهيداً على نفس الدرب، ليس بيدي سوى الشكوى إلى الله..
وبينما كانت الدموع تتساقط من نعش الشهيد "محمد حموضة" قال: حبيبتي نابلس، لمَ فقدت ملامحها الخاصة، ولماذا اختلطت هوية الوطن الواحد بنابل الخلاف السياسي والمصلحي، وأُعلن رفضي وغربتي عن الاستقبال المفتعل، وأستغرب ضياع البوصلة عن اتجاهها، وأفضل أن أبقى عالقاً بين رقمي واسمي على رؤية هذا المشهد.
الشهيد "محمد الحنبلي" يفكر مليّا قبل أن يقول: نابلس التي أحبتني وخرجت عن بكرة أبيها يوم أطبق الاحتلال المنافذ أمامي، اليوم تنقسم على محبتي. أنا أستحق منكم أكثر، وجدير بتوحد الناس في عرسي كما توحدت في مأتمي، لقد حرمتموني من لحظتي المنتظرة..لا علاقة لي بهذا الانقسام، أعيدوني إلى رقمي، لقد حملت بندقيتي لفلسطين ومن أجلها استشهدت، وأريد أن أدفن بحضور مكوناتها، ولن يدفئني إلا التدثر بعلمها الوطني.
الخيارات كانت مغلقة أمام الشهداء، فقد باءت محاولاتهم السير في جنازة واحدة بالفشل. لم يعرفوا لمن يتوجهون بعتابهم، ولمن يوجهون لومهم على تفسخ النسيج واهترائه، لم يكن بين الشهداء أي خلاف، وتحرروا من حساسية متلازمة الألوان، فقد وحدهم لون الهدف، وقاربت المقبرة الرقمية عظامهم.
وعدت نابلس نفسها بالفرح، وعد لم تكن متأكدة منه كثيرا، لكنها وعدت نفسها بأن تتجمع كعادتها حول الشهداء، لترشهم بدفق عارم من العطر والحب. وعدت نفسها بثقة وإصرار أن تبقى مع بعضها، معوِّلة على طبيعتها المتسامحة، متكئة على شبكتها الاجتماعية والعائلية، لتكتشف أن الشبكة أصابها "فيروس" الانقسام الذي اخترق الحزب السياسي، فتعطلت مناعتها ضد الانحياز الفاقع والتشيّع الفاضح.
عين نابلس العتيقة والخبيرة، تكتشف تدريجياً جميع الأجواء المشحونة بشتى ملوِّثات التعصب السياسي، وتفحص مليّا الآثار السلبية للهرج والتعصب المتفشي فلسطينيا، والذي ينمو على وقع التحريض الإعلامي البائس، ويترعرع على وقع "ربيع العرب"، وتتأكد في جنازة الأرقام فشلها وفقدها القدرة على حماية براءة وطنيتها من كل شرر وخطر.
لقد أطلقت نابلس صافرة الانذار، رافضة تحويل ميدانها إلى ميدان "رابعة"، ورفضت بالمقابل الحلول الأمنية وقالت كلمتها: أن فلسطيننا تفقد تدريجيا شخصيتها المتفردة، حيث تحمل الفئوية مِعْولها لتدمير أسس العقد الاجتماعي بين الفلسطينيين، وإضاعة البوصلة الفطرية، في خضم المتناقضات والاستقطابات ومؤثراتها، فهلا صحونا..
الوقوف على أطلال .. شعر المقاومة
بقلم: عادل الأسطة – الايام
السبت 15/3/2014 ألقيت، لأول مرة، في جامعة القدس (أبو ديس) محاضرة عن شعر المقاومة.
أذكر أنني في نهاية 90 ق20 شاركت في مؤتمر عقدته الجامعة، بالتعاون مع اتحاد الكتاب، عن الرواية الفلسطينية، وقد قدمت فيه ورقة عن تطور السرد في الرواية الفلسطينية، وقد عقد المؤتمر في كلية هند الحسيني. يومها دخلنا القدس خلسة، لا للحصول على مائتي دولار مكافأة للورقة، وإنما لأنني أرغب في زيارة القدس، ولو تسللاً.
ورحم الله الكاتب عزت الغزاوي، فقد كان نشيطاً وفاعلاً في الحركة الثقافية.
كنت دعيت لإلقاء ورقة عن شعر المقاومة، ذلك أن جامعة القدس عقدت النية على استضافة السيد عبد العزيز البابطين، صاحب مؤسسة البابطين للشعر، والاحتفال به، ولقد لبيتُ الدعوة، علماً بأن المحتفى به لم يحضر، وألقيت محاضرة عن أدب المقاومة، وتحديداً عن شعر المقاومة، فهل بقي هناك أدب مقاومة وشعر مقاومة؟ هل وقفت، إذن، على أطلال شعر المقاومة ونثرها؟
كان غسان كنفاني التفت إلى الشعر العربي في فلسطين المحتلة، وأصدر كتابين فيه هما "أدب المقاومة في فلسطين المحتلة" و"الأدب الفلسطيني المقاوم بين 1948 و1968" وتوقف أمام أبعاد هذا الشعر: البعد الاجتماعي، والبعد الوطني والبعد القومي والبعد الإنساني.
كتب الشعراء عن الأرض والصمود والمجازر التي تعرض لها الفلسطينيون في دير ياسين وكفر قاسم، وكتبوا عن هزيمة حزيران أيضاً. وتوقفوا أمام التخلف الاجتماعي والعادات والتقاليد البائسة، وتغنوا بالثورات العربية في مصر والعراق والجزائر واليمن، ونشدوا نشيداً أمميا لانتصارات الكونغو والفيتكونغ وكوبا، وكانوا يصدرون في هذا كله عن فكر ماركسي حملوه وانطلقوا يكتبون من رؤاه، وآمنوا بأهمية الكلمة ودور الشاعر في التغيير، ولذا خاطبوا الجماهير وكتبوا لها أشعاراً تفهمها وتتغنى بها. "سجل أنا عربي/ علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي وأقاوم/ نحن يا أخت لا نكتب أشعاراً ولكنا نقاوم/ أناديكم، أشدّ على أياديكم/ أنا ما هنت في وطني/ هنا باقون... إلخ... إلخ".
وفي الوقت الذي رأى فيه غسان في هذا الشعر شعر مقاومة، اختلف معه غالي شكري في كتابه "أدب المقاومة"، ورأى فيه شعر احتجاج، ذلك أنه شعر يدعو إلى الحوار ويجنح إلى أوضاع الشعب الفلسطيني، دون أن يدعو إلى حمل السلاح، ولم ير شكري في الشعراء الفلسطينيين شعراء مقاومة، إلاّ من دعا منهم إلى حمل السلاح، وهذا ما بدا في أشعار معين بسيسو. والطريف أن شكري رأى في فدوى طوقان شاعرة مقاومة، لا لأنها دعت إلى حمل السلاح، فهي حتى العام 1967 لم تكتب سوى بضع قصائد وطنية لا تدعو فيها أصلاً إلى حمل السلاح، وإنما لأن أبعاد شعر المقاومة، كما يرى شكري، ثلاثة: البعد الاجتماعي والبعد القومي والبعد الإنساني، وهي ركزت على البعد الاجتماعي وتمردت على الواقع في قصائدها المبكرة.
أدونيس، علي أحمد سعيد، سيقف في كتابه "زمن الشعر" أمام ظاهرة شعر المقاومة، وسيدلي بدلوه فيه. سيكتب أدونيس "إنني لست واثقاً من أن في الأرض المحتلة شعر مقاومة" ـ أي شعراً ثورياً. (ص103) وشعر المقاومة، أو ما اصطلح عليه على أنه شعر مقاومة هو، في نظر أدونيس، "شعر محافظ منطقي ومباشر، مشبع بروح المبالغة، يحاول أن يصنع الثورة بوسائل غير ثورية، ينطق بالقيم التقليدية التي تتبناها القوى المحافظة".
هل مقطع محمود درويش التالي هو ما جعله يذهب ذلك المذهب؟" أحد الشعراء يقول: لو سرّت أشعاري خلاّني/ وأغاظت أعدائي،/ فأنا شاعر/ وأنا سأقول".
ويرى أدونيس أن شعراء الأرض المحتلة يستلهمون أحياناً أحداثاً ماضية ذات بعد وإطار دينيين، وأحياناً يستلهمون الأنبياء أنفسهم، وأحياناً يعكسون فكرة الثأر، والثورة لا تقوم بإحياء الماضي أو استدعائه" (ص180).
هل بعض قصائد محمود درويش في "عاشق من فلسطين"، وبعض قصائد سميح القاسم في "دخان البراكين"، وقصيدة فدوى طوقان التي استدعت فيها هند بنت عتبة، هي ما دفع أدونيس ليقول ما قال؟
يختلف حسين مروة في كتابه "دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي" عن شكري وأدونيس، ويرى في شعر الأرض المحتلة شعر مقاومة، و"ميزة أدب المقاومة تكمن في علاقته بالجماهير، وفي صدق تجربته حيث الممارسة الفعلية للمقاومة، وفي النظرية العلمية للثورة وامتلاك الشعراء للنظرية".
وأعتقد أنه ما من شاعر فلسطيني امتلك النظرية ونظر لفن الشعر، في شعره وفي المقابلات التي أنجزت معه، مثل محمود درويش، ما دفعني ذات يوم لأن أكتب دراسة عنوانها: "الشاعر، من خلال شعره، منظراً للشعر"، وقد نشرتها في مجلة "الأسوار" في عكا.
في كتابي "أدب المقاومة.. من تفاؤل البدايات إلى خيبة النهايات" (1998) الذي كنت نشرته على حلقات في جريدتي "الأيام" و"البلاد"، تحت عنوان "أدب السلم.. أدب الخيبة" (1997) توقفت أمام شعراء عديدين، وأمام روائيين عديدين، لألاحظ ما كانوا عليه قبل أوسلو، وما غدوا عليه في أثناء أوسلو: محمود درويش، وأميل حبيبي وسحر خليفة وأحمد دحبور وسميح القاسم ومريد البرغوثي وعلي الخليلي و.. و.. و..
كان سميح القاسم، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أعلن أنه سيتوقف عن كتابة الشعر، وأظن أنه كتب هذا في مجلة الناقد التي كانت تصدر في لندن عن دار رياض الريس.
لماذا؟ لأن المشاريع الثلاثة التي كرس الشاعر لها شعره انهارت، المشروع القومي والمشروع الاشتراكي والمشروع الوطني.
وسيختلف سميح وستختلف كتابته، وسيكتب قصائد مديح في هذا الزعيم العربي وفي ذاك النظام العربي، بعد أن كان هجاها ـ أي الأنظمة. هل ظل سميح شاعر مقاومة؟
محمود درويش سيكتب بعد أوسلو ثلاث مجموعات شعرية "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" (1995) و"سرير الغريبة" (1999) و"جدارية" (2000). أين قصائد هذه المجموعات من قصيدة "سجل أنا عربي" أو قصيدة "أحمد الزعتر" أو قصيدة "عابرون في كلام عابر"؟ هل هذه المجموعات الثلاث أدب مقاومة؟ وسيعود محمود درويش في 2002 ليكتب "حالة حصار"، ولقد فرض الواقع نفسه عليه. سيعود ليكتب شعر مقاومة، ولكن "حالة حصار" سيكون استثناء، إذ بعده أصدر الشاعر مجموعات مختلفة، فقد عاد ليجرب وليكتب قصائد مختلفة. هل ما كتبه درويش بعد "حالة حصار" يعد شعر مقاومة؟
في العام 2005 وقع الشاعر ديوانه "كزهر اللوز أبو أبعد" (2005) وقد كتب كلمة ألقاها، ثم نشرها في مجلته "الكرمل"، يقف فيها أمام مصطلح أدب المقاومة، ويعرّض بالنقاد الذين أخذوا يعرّضون به ذاهبين إلى أنه لم يعد شاعر مقاومة.
أشار درويش إلى أنه لم يتخلّ عن شعر المقاومة، إنما تخلى "عن كتابة الشعر السياسي المباشر محدود الدلالات، دون أن يتخلى عن مفهوم المقاومة الجمالية"، ولقد تساءل: "أما من دليل آخر على المقاومة سوى القول مثلاً: سجل أنا عربي، أو تكرار شعار: سأقاوم، سأقاوم"؟، وذهب إلى أنه يوم كتب الشعر في فلسطين كان يكتب حياته، ولم يكن يعرف أنه شاعر مقاومة إلاّ حين كتب غسان كنفاني كتابيه ودرسه على أنه شاعر مقاومة".
إن استيعاب الشعر لقوة الحياة البديهية فنياً هو فعل مقاومة، فلماذا نتهم الشعر بالردة إذا تطلع إلى ما فينا من جماليات حسية وحرية خيال وقاوم البشاعة بالجمال؟".
ولم يكن هذا الفهم الجديد لشعر المقاومة مقتصراً على محمود درويش، فقد قرأنا رأياً مشابهاً لمحمود شقير القاص، وآخر للشاعر مريد البرغوثي. شقير قال إن قصة فيركور "صمت البحر" هي أدب مقاوم، مع أنها لا تحفل بأية مفردة ترتبط بالسلاح، ومريد البرغوثي قال: ديوان الشعر ليس عيادة نفسية ولا خندقاً ولا دبابة، وله رأي طريف نشره في مقابلة معه في "الدستور" الأردنية (30/9/2005) ولعلها توضح أنه لا يختلف في فهمه الجديد لقصيدة المقاومة عن محمود درويش، و.. و.. و... .
تغريدة الصباح- عقدة الدال والنقطة
بقلم: حنان باكير – الحياة
عقدة الألقاب والرتب، هي مرضنا الاجتماعي الراهن وبامتياز. ولعل عقدة لقب " الدكتور"، أي الـ " د." عند العديد من مثقفينا هي الأبرز والأوضح. لفتني هذا الأمر، منذ زمن طويل، عندما انتقلت للعيش في الغرب!
في النرويج، استعرضت جميع الصحف، ولم أجد أمام اسم أي صحفي او رئيس تحرير: " د. ".. وكذلك على الكتب، إذ لم أقرأ مرة، أي لقب أمام اسم أيّ مؤلف. فكرت في نفسي.. بهذه المفارقة.. شعب متحضّر مثل الشعب النرويجي، وليس بين كتّابه من يحمل لقب " د. ".. بينما في بلادنا ونحن من شعوب العالم الثالث، ما شاء الله .. ما أكثر حملة الدكتوراه عندنا !!
بحت بهذا الهاجس لصديق كاتب نرويجي. ضحك وتناول جريدتين كانتا معه، فتحهما واستعرض لي، أسماء كتّابها، معظمهم من حملة الدكتوراة! ثم فلفش في جريدة كانت معي وفعل الشيء ذاته!
سألته: ولماذا لا يكتبون ذلك؟ أجابني: ولم عليهم فعل ذلك؟ وهل نقيّم كتاباتهم على ضوء ألقابهم؟!
التقيت ذات مرة، عند صديقة لي، بصديق لها مع زوجته. في جلستنا القصيرة، تكررت عدة مرات على لسانه: أنا كنت في بلدي دكتورا في الجامعة، وكذلك زوجتي هي دكتوره أيضا! وعندما تتحدث هي، تذكّرنا بأنها كانت دكتورة جامعية وزوجها كذلك! ورغم تقدمهم بالعمر، فإنهما لم يرفعا الكلفة بينهما.. هي تناديه "يا دكتور"! وهو كذلك!! ضاقت اخلاقي منهم، وهممت بالانصراف، قال لي: جلستك جميلة فلم لا تبقين؟ أجبته: عم بحضّر دكتوراه، وعندي شغل كثير. وما هو موضوع رسالتك؟ سألني.. عن الأمراض النفسية والاجتماعية التي تصيبنا، في المنافي المتحضّرة كما في بلادنا! أجبته. قلّب شفتيه علامة الاعجاب، وعقّب: موضوع جدا مهم! وهذا ليس صحيحا! انها سخرية.
صديق آخر من حملة الدكتوراه.. عندما شعر أخيرا وأدرك، أنه " تخّنها"، في ذكر لقبه الـ "د. "، وتجنبا لسخريتي من هؤلاء، الذين يتشرفون بألقابهم، ويعتقدون بأن اللقب هو من يشرّف اسماءهم وليس العكس.. ماذا فعل؟
هذا الصديق، وبما أنه ذكي وفطن، ويستحق عن جدارة حمل لقبه، لجأ الى أسلوب جديد! في كل مرة تلتقيه، يخبرك بأنه التقى صديقا.. وبادره بالقول: يا دكتور فلان .. وقبل أن يتابع حديثه، يقاطعه الدكتور: لو سمحت يا صديقي.. أنا ما بحب أن تناديني يا دكتور.. وماذا يعني أني دكتور جامعي! وأني أحمل الدكتوراه وبدرجة جيد جدا! وبقدرة قادر تتحوّل عنده.. الدال، ضادا. والتاء، طاء، لزوم التفخيم ربما، فتلفظ " ضكطور".. ومع التشديد على الكلمة! ليلفت انتباهك جيدا! ولو التقيت ذلك المثقف الأكاديمي خمس مرات في اليوم الواحد، فإنك ستسمع تلك اللازمة خمس مرات!! طريقة ذكية .. تجنّبه السخرية.. تشبع غروره بأنه دكتور، ولا يحرم من نعمة التذكير بها! فالذكرى تنفع المؤمنين!
كثر من أصدقائي، يعتقدون بأني أحمل ذلك اللقب، وأنا والله، بريئة منه.. براءة الذئب من دم يوسف.
في واقعة قتل الدكتور محمد بديوي: أن تكون إعلامياً.. تحمل معك سر استشهادك..!
بقلم: فخري كريم – الحياة
سقط شهيد آخر، أعزل، مجرداً من اي سلاح جارح، سوى فكرة يظل يُقلبُها في ذهنه، ويعيد صياغتها قبل ان تتحول الى سلاحٍ يرتعب منه الحاكم الجائر، والمُتلبس بالجرم العام الذي يذهب ضحيته كل يوم مئات الضحايا، ويتحول الشعب الاعزل الى هدفٍ مُسلٍّ، لا يأبه به وبمحنته أشباه الرجال، أشباه الحكام، أياً تكن هوياتهم الفرعية. فالقتل على الهوية، واستباحة الكرامات، وامتهان الحقوق، اذ تصبح "عادة يومية"، ومشهداً يتطاير في كل انحاء البلاد، تفقد اهميتها، ولا تشكل مدعاة لملاحقة المجرم الحقيقي "المستهتر" بحرمة الروح الانسانية، ومعنى الفقدان، ما دام ممكناً تحويل النزيف غير المنقطع الى تميمة تحفظ له كرسي الحكم وما يدره من امتيازٍ وجاهٍ ومالٍ سحت حرام.
الشهيد الدكتور محمد بديوي، سقط امس مضرجاً بدمه الزكي في بغداد، برصاصة قاتل يرتدي بدلة قوات حكومية، وعلى كتفه إشارة الحرس الرئاسي، لأول مرة، بغياب الرئيس جلال الطالباني الذي لم يكن ليتردد لحظة واحدة، ودون ان يستمع الى تبريرٍ أو تفسيرٍ، في وضع القاتل في دائرة الادانة وتسليمه الى الجهات القضائية، للتحقيق والمحاكمة وانزال العقاب الرادع به.
الصحفي والاعلامي اصبح هدفاً غير مكلفٍ، فلا هو قادرٌ على حماية نفسه، وليس له ما يتكئ عليه للذود عن حياته، وخلق البيئة التي تؤّمن له ممارسة مهمته في الكشف عن الحقيقة، ومتابعة المظالم التي تقضّ مضاجع الناس، وتجرح حساسيتهم الانسانية.
الاعلامي يضع هويته على صدره، دون ان يدري انها ستكون اينما اتجه، وفي اي حقلٍ ملغوم تحرّك، علامة استشهاده، والهدف الذي يُغري القاتل بالتصويب نحوه بدقة المحترف، وحقده على حامل الهوية. فالقاتل يعرف ان الهدف مكشوف الظهر، بلا حول ولا سلاح. مقتحمٌ بقوة اقدامه على جلاء المستور، واستكمال البحث عن الحقيقة المغيّبة، اياً كان من يسعى للتمويه عليها.
القاتل، لا يحمل هويته على صدره، بل يُشهر سلاحه، ويُكشّر عن انيابه وهو ينظر الى الضحية بدمٍ باردٍ مسموم. وقد تعددت هوية القاتل الذي يبحث عن الاعلامي، لأنه مطلوبٌ، يُغري "العلّاسة" الذين يمهدون طريق القاعدة وداعش والميليشيات الاجرامية، للوصول اليه. لكنه هدفٌ لا يحتاج الى "علاسة"، حين تستهدفه حماية مسؤولٍ، أو قوات سوات وهي تطارد متظاهرين مسالمين، يحتجون على نقص خدمات أو التعدي على الدستور والحريات وانتهاك الحرمات والكرامات واغتصاب السلطة.
ليس بالسلاح وحده يُقتل الاعلامي، بل بالتعدي المجاني عليه، كلما أراد أن يغطي حدثاً أو يلقي الضوء على مسارٍ يبدو غامضاً، أو حتى حين يقوم بمجرد متابعة نشاطه اليومي الذي لا يستهدف جهة بعينها أو مسؤولاً. وأقسى ما يواجهه الاعلامي، قد يراه البعض منهم، أشد وقعا من الموت نفسه، وذلك عبر محاولة سلب كرامته وامتهانها، والسعي لشراء ذمته وتطويعه لما يتعارض مع قيمه وشرفه المهني، ويُخّيره بين ذاك وبين التحول الى موضوع للشهادة، حياً أو ميتاً.
ليس دم الاعلامي ازكى من دم العراقيين والعراقيات التي تُسفح كل يوم، بل كل لحظة، ودون ترتيبٍ أو تفريقٍ على الهوية، لكنه علامة تختزل معنى موت العراقي في هذا الزمن، حيث القاتل يتخّفى، ويتلون، بزيٍ ارهابي مكشوف أو متستر، أو بلباسٍ وهوية حكومية مسروقة، أو متواطئة. وفي كل مرة، يجري تسجيل الجريمة ضد "مجهول" أو تُمرر بحكم تقادم الزمن، ليطويها النسيان، خصوصاً اذا كانت الجريمة معروفة بالصورة، كما حصل للشهيد محمد عباس، المدرب الرياضي المشهور الذي ترك نعيم الدانمارك، ليُقتل ضرباً وتجريحاً من افراد سوات، وبينهم قريب اكبر مسؤولٍ في الدولة، وليستشهد في "نعيم عبعوب"! والجريمة المروّعة تآكلت بحكم تقادم الزمن!
لقد نسي الناس فواجعهم، بعد ان رأى كثرة منهم، جسد الشهيد محمد بديوي، مضرجاً مسجىً في نثار دمه الطاهر، وربما شعر البعض منهم، بقوة السلطة وهي تتخذ اقصى الجاهزية لاقتحام مجمع الرئاسة بحثاً عن القاتل الهارب، لا لتحمي حرمة القتيل وتأخذ بدمه الطاهر، بل لتدُك آخر ما تبقى من هيبة الدولة الفاشلة في غياب رئيسٍ كان بامكانه ان يمنع الجريمة، ويأخذ بحق البلد التي انتهكت حرماتها، دون مساءلة أو ملاحقة أو اجراء.
لقد ألقت قوات حرس الرئاسة القبض على الجاني، وهي بذلك قدمت مثلاً في الخضوع للقانون، والامتناع عن حماية الجريمة وتبريرها، ما يجعلها سابقة، يفترض ان تشجع على فضح الجهات التي تحمي قتلة الشهيد المدرب محمد عباس، والشهيد هادي المهدي، والشهيد كامل شياع، وعشرات الشهداء الآخرين، ومنع اسدال الستار على جرائم قتلهم، وتسجيلها على ذمة مجهول معروف الهوية والانتماء.
والقاتل لابد ان ينال ما تفرضه العدالة، والامتثال لها يجب ان يتحول في الوعي العام الى ثقافة، لكن حذار من تحويل دم الشهيد الى قميص آخر، يجري التلويح به في الدعاية الانتخابية، وحذار من السماح لمن يتصيد في المياه العكرة، فيشعل بها فتيل فتنة، لتظل ازمة مفتوحة تشعل نيراناً وحرائق.
القتل المجاني العبثي، صار ثقافة تسود، مع سيادة عسكرة المجتمع، بعد ان جرى اعتمادها، كبديلٍ عن ثقافة الاصلاح، والمصالحة المجتمعية، والتوافق الوطني، والاحتكام الى الدستور والقيم الديمقراطية والمواطنة الحرة.
ولا سبيل لردع القاتل، وازاحة ثقافة القتل والجريمة، الا عبر نهوض جماهيري ديمقراطي، يعيد للناس الامل والثقة بالمستقبل.
الى "محكمة الجنايات الدولية"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
يتواصل مسلسل القتل بمعدل شبه يومي، وبدا واضحاً، أن هدف الاحتلال، هو جرّنا الى مواجهات مسلحة، يُصار أثناءها وبعدها الى صرف الأنظار عن مسؤوليتهم عن الانسداد السياسي، والعودة الى ديماغوجيا تقول إنهم يتعرضون لما يسمونه "الإرهاب". واللافت أن عمليات القتل، تتم دون أسباب سوى إعلانهم عن نوايا للضحايا في حال كان الشهداء من الفصائل الإسلامية، وبالزعم تارة أخرى عن كون الشهيد الضحية، قضى مسلحاً ويتحفز لإطلاق النار، مثلما حدث مع الشهيد العامل الكادح البريء في جنوبي الضفة، الذي كان يعمل مع وكالة (USAID) ويرتدي سترة عليها شعار هذه الوكالة. فقد طلبوا منه خلع السترة، وأمروه بالركض جيئة وذهاباً، ثم أطلقوا النار عليه بدم بارد، ونقلوا الجثة بسرعة الى أحد مشافيهم، ما دعا الى ترجيح احتمالات سرقة أعضاء من الميت، وهذه فعلة، على الرغم من بشاعتها ولا إنسانيتها، غير مستبعدة على الأوغاد المحتلين، لا سيما وأن طبيبة إسرائيلية، اعترفت أمس أنهم يسرقون أعضاء من جثث أبنائنا الشهداء!
ماذا يريد هؤلاء، غير جرنا الى ردود أفعال يجعلونها سبباً في تنصلهم من استحقاق التسوية؟ ففي تشييع شهداد جنين الثلاثة تأججت مشاعر الناس الذين شاهدوا بأم العين، كيف قُتل أبناؤهم وجُرح بعض المواطنين المتواجدين في المكان. كانت الوحدة العسكرية التي اقتحمت مخيم جنين، هي "وحدة الاغتيالات" ما يعني أن العملية جرت ضد شبان لم يخرجوا من مخيمهم للقتال، لكنهم قاتلوا دفاعاً عن أنفسهم.
إن سفك دمنا، هو الطريقة التي رآها الفاشيون مناسبة لكي يهربوا من تداعيات صلفهم وغرورهم، إذ لم يكتف الأميركيون بالاعتذار الناقص الذي قدمه وزير الحرب موشي يعالون، لنظيره الأميركي تشاك هايغل. فقد طالب الأميركيون باعتذار واضح عن توبيخ الإدارة الأميركية وتعييرها بضعفها، لكن يعالون اكتفى بالقول إنه لم يقصد الإساءة. وفي محاولات التهرب من تحمل المسؤولية عن فشل العملية السلمية، لم يجدوا أنسب لهم من تشغيل آلة القتل، لإثارة غضب الشعب الفلسطيني ودفعه الى العنف، وخلط الأوراق وجرنا الى مواجهات لا تتوافر لنا فيها، الشروط الموضوعية المساعدة على القتال. وهنا ينبغي أن يكون وصف بشاعة القتل اليومي، موضوعاً لمخاطبات للقوى الدولية، تشرح دوافع الاحتلال من هذه الجرائم، وتذكّر بحقنا في الذهاب الى "محكمة الجنايات الدولية". وفي لغة السياسة، لا بد من إعلاء الصوت ضد هذه الجرائم التي تطال مواطنين لا يحملون السلاح، وكذلك التأكيد على حق الفلسطيني الذي يمتلك السلاح، في الدفاع عن نفسه عندما يُهاجم في منزله. فنحن على الطرف النقيض للاحتلال، فلم تعرف النزاعات في التاريخ، طرفاً يزعم الحق لنفسه في مهاجمة بيوت الطرف الآخر، لمجرد نوايا يفترضها عندهم.
واضح تماماً، أنهم يريدون أخذنا الى دائرة العنف، لأنهم يرون أن هذه هي التي تناسبهم، ويكون بمقدورهم اقتراف الفظاعات وإدانة الضحايا في الوقت نفسه. أما في دائرة السياسة، فإنهم يجدون أنفسهم الطرف الأضعف، الذي احترقت ذرائعه واتضح تطرفه وتبدى صلفه وغروره!
الجريمة التي راح ضحيتها شاب عامل ضمن أشغال (USAID) تستحق منا جهداً سياسياً ودبلوماسياً، يسلط الضوء على الممارسات الاحتلالية، المجردة من كل القيم الإنسانية. أما الجريمة التي اقترفتها "وحدة الاغتيالات" في مخيم جنين؛ فإنها تستوجب شرحاً يؤكد على بشاعة وجود مثل هذه الوحدة العسكرية أصلاً، وعلى حق الذين يُهاجمون في البيوت، في الدفاع عن أنفسهم، من أي فصيل كانوا!
شيء عجيب يلامس العار، أن يظل العالم يتفرج على دولة احتلال، تعاند مرجعيات التسوية وترفض الجلاء عن الأراضي التي تحتلها، وتقتحم المناطق المأهولة بالسكان، وتقتل. فإسرائيل ينبغي أن تحُاسب، ولا بد من جواب عن هذه الجرائم، والذهاب الى المنظمات القضائية الدولية. إننا بصدد قوة غاشمة، مسلحة حتى النواجز، تمارس إرهاباً مكشوفاً، وتتحفز لتوسيع دائرة العنف، لكي تتهم ضحاياها بممارسة الإرهاب!
الرد على مذبحة جنين
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
ارتكبت دولة التطهير العرقي الاسرائيلية مذبحة جديدة في مخيم جنين صباح أمس، ذهب ضحيتها ثلاثة شهداء، وسبع إصابات واختطاف ثلاثة مواطنين دون اي مبرر وفق شهود العيان. وهو ما يتناقض مع الرواية الاسرائيلية الكاذبة، التي اعلنها يعلون، وزير الحرب، مدعيا، ان الارهاب المنظم، الذي نفذ في جنين، امكن من تفادي عملية عسكرية كبيرة. الا ان الحقيقة غير ذلك، لأن الاعتداء تم على المواطنين، وهم في بيوتهم، ولم يكن احد منهم (الشهداء أو الجرحى والمختطفون) يقوم بأي عمل كفاحي.
السؤال، ماذا تريد إسرائيل من الجريمة الارهابية الجديدة؟ وما هي الرسالة، التي ارادت إرسالها للقيادة والشعب الفلسطيني على حد سواء، وللقادة العرب في قمتهم العربية الراهنة، وللغرب واقطاب الرباعية وخاصة الولايات المتحدة؟
أرادت إسرائيل الاستيطانية من جريمتها الارهابية تأجيج حالة السخط والغليان في اوساط الشعب، ودفعه نحو الانفجار، لا سيما ان عمليات القتل والاغتيال للشباب الفلسطيني بلغت 57 شهيدا منذ نهاية تموز الماضي (العودة لطاولة المفاوضات)، وحوالي 900 جريح، واكثر من 500 اعتداء من قبل قطعان المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين ومصالحهم وممتلكاتهم، واعتقال حوالي 3000 مواطن؛ وذلك لعودة حالة الفوضى في الساحة، وبهدف خلط الاوراق على امل تحميل الفلسطينيين المسؤولية عما آلت اليه الامور، وللهروب من استحقاق الافراج عن الدفعة الاخيرة من الاسرى، الذين اعتقلوا قبل اوسلو، ومواصلة الاستيطان الاستيطاني.
اما رسائل إسرائيل للقيادة الفلسطينية والقيادات العربية والعالم بمستويات المختلفة ومنابره الدولية المعنية بالصراع الفلسطيني / الاسرائيلي، فهي:
اولا: شاءت الحكومة الاسرائيلية التأكيد للشعب والقيادة السياسية، ان اللغة الوحيدة للتعامل معكم هي، لغة البارود والقتل؛ ثانيا: حكومة نتنياهو ليست مستعدة ولا جاهزة لتقديم اي استحقاق من استحقاقات التسوية السياسية ثالثا: خيار إسرائيل الاستراتيجي، هو التخندق في خنادق الاستيطان؛ رابعا: لا لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؛ خامسا على اميركا اوباما أن تطوي ملف جهودها وتصمت، وتكف عن اي فعل سياسي، لان إسرائيل غير مستعدة للاستجابة لاية جهود لا جهود كيري او جهود غيره؛ سادسا حل المسألة الفلسطينية تقرره دولة التطهير العرقي وفق ما تمليه عليها مصالحها ومشروعها الاستيطاني وليس القانون الدولي ومرجعيات السلام.
ما هو المطلوب للرد على المخطط الاسرائيلي: 1- عدم الانجرار الى مربع العنف والفوضى الاسرائيلية؛ 2- لكن هذا لا يعني الصمت، بل يفترض العمل على الصعيد الداخلي دعوة القيادة الفلسطينية لوضع رؤية جديدة تتناسب وحجم الارهاب الاسرائيلي المنظم المنفلت من عقاله، والعمل على تصعيد المقاومة الشعبية؛ وتفعيل الجهد السياسي والدبلوماسي على المستويات كافة لفضح عدوانية وجرائم اسرائيل؛ 3- التوجه للولايات المتحدة الاميركية ومطالبتها باتخاذ موقف واضح من الجريمة والمذبحة الاسرائيلية لحماية جهودها السلمية؛ 4- كذلك التوجه لاقطاب الرباعية الدولية لتحميلها المسؤولية عن جرائم إسرائيل بصمتها وعدم إتخاذها إجراءات كافية للجم الارهاب المنظم الاسرائيلي؛ 5- وعليها مطالبة القمة العربية باتخاذ قرارات تتناسب مع اللحظة السياسية، ولعل التلويح بقطع العلاقات الدبلوماسية من قبل الدول العربية مع إسرائيل، يشكل نافذة إيجابية في دفع قيادة إسرائيل للتفكير بما ستؤول إليه الامور في حال واصلت عمليات القتل والذبح لابناء الشعب العربي الفلسطيني؛ 6- ضرورة الاندفاع نحو المصالحة وطي صفحة الانقلاب الحمساوي الاسود، واعادة الاعتبار للوحدة الوطنية.
الضرورة تملي اتخاذ مواقف أكثر جرأة وشجاعة من قبل القيادة الفلسطينية ردا على جرائم وانتهاكات إسرائيل، التي تتنافى مع ابسط معايير عملية السلام وحقوق الانسان.. دون تطير او مواقف شعاراتية.
ماذا نريد من قمة الكويت؟
بقلم: موفق مطر – الحياة
ماذا نريد من القمة العربية في الكويت؟! وهل يمكن لنا المطالبة بموقف عربي خاص بالقضية الفلسطينية منعزل عن موقف عربي موحد تجاه القضايا العربية المعقدة وتحديدا في الدول العربية المجاورة لفلسطين.
سنكون نحن الفلسطينيون أكثر الرابحين من بيئة ومناخ عربي سياسي مستقر، وبالتأكيد أول الخاسرين من حالة الصراعات الداخلية في الأقطار العربية، ذلك ان سلامة مسار القضية الفلسطينية، وتحقيق آمال الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، مرتبطان بسلامة قلب ثورة الشعب الفلسطيني العربي، ووجهها الفلسطيني، وجذورها الانسانية.
يعلم العرب على الصعيدين الرسمي والشعبي ان التوجه السياسي الفلسطيني يحظى بغطاء عربي رسمي عبر قرارات القمم العربية، ولجنة المتابعة العربية لوزراء الخارجية العرب حيث تتم مناقشة الخطوات الفلسطينية بالتفصيل قبل وبعد أي مرحلة في المعركة السياسية التي يخوضها باقتدار وبتفويض من الشعب الفلسطيني الرئيس محمود عباس، ما يعني ان ايماننا بقومية المعركة مع الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي لم يكن مجرد شعارات وإنما تطبيقا عمليا لمبدأ مركزية القضية الفلسطينية للأمة العربية، فللعرب حق الإطلاع ومناقشة أي خطوة او قرار فلسطيني متعلق بالقضية الفلسطينية تحت مظلة استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، بالتوازي مع حقنا على الأشقاء العرب بتضامن ودعم عربي رسمي وشعبي، ووحدة موقف لا يكون مجرد رافعة وحسب، بل ضمانة لمستقبل القضية ودولة فلسطين المستقلة. وسيندم كل من يعتقد بإمكانية الانسلاخ عن قضية فلسطين.
يجتمع الرؤساء والملوك والأمراء والقادة العرب في دولة الكويت الشقيقة التي شهدت اجتماعات ولقاءات قادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح لسنوات قبل قرارهم اطلاق شرارة الثورة الفلسطينية، وتغيير الحالتين الفلسطينية والعربية، وتتطلع شعوب الدول العربية الى خطط او رؤى عربية ترجع قاطرة التقدم والبناء واستكمال التحرر الى مسارها على سكة الحوار والمصالحات الداخلية وتكريس مبدأ السلام المجتمعي والأهلي، وقرارات تقطع دابر الارهاب والدكتاتورية والشمولية في الحكم، فهذا الثالوث كان سبب الصراعات العنيفة والطائفية والمذهبية والجهوية،، فاستنزفت الدماء، والمقدرات والثروات، حتى ان دولا عربية عريقة باتت اليوم نموذجا سلبيا للصراعات الدموية والتشظي، يهددها خطر التقسيم كما يحدث في سوريا والعراق وليبيا، بعد ان صاغت الشخصية الحضارية لأمة الانسان، ووأد فتن سياسية، وحالة لا استقرار استهدفت مصر لتغييبها، وإضعاف ثقلها الاقليمي، حيث يسعى التيار العالمي للإخوان المسلمين اجهاض ثورة الشعب المصري، ومنع نشوء حركة تحرر عربية، تعمل على تثوير واقع المجتمع العربي وتغييره جذريا، وتحديدا، البنية الثقافية.
أما بالنسبة لدول الخليج العربي فالمطلوب موقف عربي موحد يمنع تحويل جبهة الصراع العربي الأساسي والمركزي مع المشروع الصهيوني الى ثانوي، ويحول دون تحويل الصراع مع ايران الى مرتبة المركزي، مع تأكيد حق الامارات العربية بجزرها المحتلة، فأمام قمة الكويت مهمة تصويب بوصلة الصراع المركزي عبر اقناع (طهران الجديدة ) بالشراكة في تحقيق الأمن والاستقرار مع دول الخليج العربي، واحترام سيادة الدول خصوصياتها الثقافية.
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (298)
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
الاحد
23/3/2014
</tbody>
شهداء مخيم جنين يجسدون وحدة الشعب والموقف
بقلم: حديث القدس – القدس
العلاقة الفلسطينية المصرية لا تهزها فرقعات إعلامية
بقلم: الدكتور حسن عبدالله – القدس
الأحد ... وكل يوم أحد ...أعطونا يوما... بدون جنازات وبدون مهاترات!
بقلم: المحامي زياد أبو زياد – القدس
المشهد العربي.. من الحراك إلى العراك
بقلم: حسين الزاوي – القدس
لمن يهمه الأمر: منعطف تاريخي مهم
بقلم: عبد المنعم سعيد – القدس
ألف تحية لأمهاتنا في عيد الأم
بقلم: راسم عبيدات - القدس
أوكرانيا وفلسطين: القياس والبرهان
بقلم: حسن البطل – الايام
أوباما إلى الرياض.. والسعودية تتجه نحو الشرق!!
بقلم: هاني حبيب – الايام
الخـديـعـة الكـــبرى
بقلم: حمادة فراعنة – الايام
خيارات "حماس" لفتح معبر رفح ..!
بقلم: أكرم عطا الله – الايام
في نابلس، جنازتان لثلاثة شهداء!
بقلم: ريما كتانة نزال – الايام
الوقوف على أطلال .. شعر المقاومة
بقلم: عادل الأسطة – الايام
تغريدة الصباح- عقدة الدال والنقطة
بقلم: حنان باكير – الحياة
في واقعة قتل الدكتور محمد بديوي: أن تكون إعلامياً.. تحمل معك سر استشهادك..!
بقلم: فخري كريم – الحياة
الى "محكمة الجنايات الدولية"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
الرد على مذبحة جنين
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
ماذا نريد من قمة الكويت؟
بقلم: موفق مطر – الحياة
شهداء مخيم جنين يجسدون وحدة الشعب والموقف
بقلم: حديث القدس – القدس
يبدو واضحاً أكثر من أي وقت مضى ان العملية السياسية وصلت الى طريق مسدود وان حل الدولتين صار اقرب ما يكون الى المستحيل بسبب المواقف الاسرائيلية والشروط التعجيزية المنافية لأبسط مبادىء السلام، من جهة او بسبب الممارسات الميدانية التي هي الوجه الآخر للمواقف السياسية، من جهة أخرى، حتى ابن الرئيس ابو مازن نفسه لم يعد يؤمن بحل الدولتين، وبدأت تتزايد الأصوات الداعية الى الدولة الواحدة.
وبالاضافة للاستيطان المتزايد وتهويد القدس وتهجير ما أمكن من ابنائها والمساعي التي لا تتوقف لاقتسام الزمان والمكان في المسجد الأقصى المبارك، صعدت اسرائيل في الأيام القليلة الماضية من اعتداءاتها ضد المواطنين في مختلف الانحاء واغتالت عدداً من الشبان في البلدات وعلى الحواجز، وحتى على معبر الكرامة حين اغتالت بدم بارد القاضي الشاب رائد زعيتر، وبالأمس اقتحمت قوات اسرائيلية كبيرة مخيم جنين واغتالت او اصابت عدداً كبيراً من الشبان وألحقت دماراً في عدة منازل، مما زاد في غضب المواطنين جميعاً على اختلاف توجهاتهم السياسية ومواقعهم الجغرافية، وفوق الغضب كان في استشهاد الشبان الثلاثة في مخيم جنين الذي أصبح أسطورة في الصمود والتصدي والمواجهة، درساً بليغاً وعبرة رائعة في الوحدة الوطنية في هذه الشهادة .. فقد كانوا من فتح وحماس والجهاد الاسلامي معاً، لان هؤلاء الشبان لم يعرفوا سوى حب الوطن ولم يتعلموا سوى الوقوف صفاً واحداً ويداً واحدة ضد الاحتلال، وارتفعوا بدمائهم الزكية فوق الانقسامات والخلافات... وفي هذا دعوة ونداء في أبهى الصور وأزكى العبر الى القيادات المنقسمة والمتخاصمة لكي توحد صفوفها وترتفع فوق المصالح الشخصية لخدمة القضية الوطنية التي تواجه أشد التحديات المصيرية وأصعب اللحظات التاريخية، لعلهم يسمعون ويتعظون.
ويتساءل الجميع، ما الذي تريده اسرائيل فعلاً ؟ وهل ما تقوم به من ممارسات عدوانية في مختلف المجالات، يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية ؟ وهل تعتقد حقاً أنها قادرة على ابتلاع الأرض دون أخذ أي حساب لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون فوقها من البحر الى النهر؟
ان هذه السياسة القائمة على غطرسة القوة العمياء، لن تستمر الى الأبد ولن تؤدي في النهاية الا الى مزيد من التطرف والعداء وعدم الاستقرار، سواء طال الزمان أو قصر... وسيظل الفلسطينيون فوق أرضهم وشوكة في حلق الاحتلال مهما كانت الصعوبات والتحديات، وقد بدأ العالم يدرك ذلك وبدأ يواجه سياسة التوسع الاسرائيلية بأنواع مختلفة من المقاطعة والإدانات والانتقادات...وهذا ليس سوى المقدمة لما هو قادم.
العلاقة الفلسطينية المصرية لا تهزها فرقعات إعلامية
بقلم: الدكتور حسن عبدالله – القدس
مثل كثير من المحللين والمتابعين السياسيين، فإنني لا أجد نفسي متحمسا في الغوص والتعليق على الاتهامات المتبادلة التي انشغلت بها وسائل إعلامية محلية وعربية ودولية، واعتبر ذلك شأناً فتحاوياً، وان هذه الحركة بتاريخها الطويل والحافل المعمد بالشهداء والتضحيات قادرة على حسم أمورها من خلال لجان التحقيق الموضوعية المتوازنة والوثائق والمعطيات، لكن ما يهمني كمحلل هنا واستنادا إلى تصريحات فلسطينية ومصرية تأكيد أهمية وإستراتيجية العلاقات بين البلدين رسميا وشعبيا، هذه العلاقات التي وصلت أوجها في مرحلة القائد الراحل جمال عبد الناصر الذي اعتبر القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى منذ أن كان ضابطا محاربا في الفالوجة ووصولا لدوره على رأس الهرم القيادي مصريا وعربيا وفي منظمة دول عدم الانحياز التي بادر إلى تأسيسها .
وبعد رحيل عبد الناصر كان الفلسطينيون أكبر المتضررين من قيام السادات ومن ثم مبارك بتحييد الثقل المصري وجعل هذه الدولة ذات الإمكانات تنأى بنفسها عن الاضطلاع بدور قيادي في المنطقة وحصرها في حدودها الجغرافية تتآكل اقتصاديا، بعد أن كانت مرشحة لو لم يتم قطع تطورها الاقتصادي، لتكون الان دولة بمستوى البرازيل والهند وماليزا، لانها في الستينيات من القرن الماضي تفوقت على هذه الدول تصنيعا وتنمية.
واليوم نجد الفلسطينيين من أشد المتحمسين لعودة مصر للعب دور قيادي فاعل في المنطقة، لأنهم يعتبرون استقرار مصر يشكل حصانة وأمنا لكل العرب، لا سيما وان عددا كبيرا من الكفاءات العاملة في الوطن العربي قد تخرجت من جامعاتها، وان الثقافة التي تلقيناها من إعلامها ومفكريها أمدتنا بالقوة والثقة بحاضرنا وحفزتنا على التطلع لمستقبل أفضل مزودين بالاصرار والأمل. وان الإبداع المصري بكل تجلياته أسهم في تشكيل ذائقتنا وارهاف روحنا.
لذلك ينبغي لنا ان لا نعتقد ان بث برنامج من إحدى الفضائيات او نشر مقال في هذه الصحيفة او تلك من شأنه هزّ عرش العلاقة المتأصلة تاريخيا وعروبيا ونفسيا وثقافيا ووجدانيا، وهذا ما أكدته بيانات وتصريحات صدرت عن مسؤولين في البلدين الشقيقين، حيث ان مبادرة إعلامي مصري أو سيله إعلامية بحد ذاتها قد تصيب او تخطئ ، لكن الثابت الذي لا يقبل الخطأ تلك العلاقة الإستراتيجية، من منطلق ان الفلسطينيين لا يستطيعون تصور الخريطة العربية دون مصر، وان المصريين مهما اختلفت آراؤهم وتعددت اجتهاداتهم لا يستطيعون حرف أنظارهم عن القضية الفلسطينية-قضيتهم-
القيادة الفلسطينية كما هو الشعب الفلسطيني بحاجة اليوم وأكثر من أية مرحلة سابقة لإسناد المصري، بخاصة وقد اشتدت الضغوط علينا للقبول بحلول تفرغ قضيتنا من مضمونها الحقوقي والتاريخي والأخلاقي، حيث أن ما تمارسه إسرائيل والإدارة الأمريكية على القيادة الفلسطينية من ضغوط ليس أمرا سهلاً، وان الصمود أمام كل ذلك يتطلب موقفا فلسطينيا صلبا وشجاعا مدعوما بسياج تضامن عربي، وان مقدمات الصمود والثبات على الموقف تتضح أكثر من اي وقت سابق، وبالتالي المطلوب من الفلسطينيين والعرب وكل الأصدقاء في العالم المساعدة في جعل مقدمات الصمود تؤدي إلى النتائج المرجوة.
ان مصلحة الفلسطينيين تحتم عليهم، عدم الإنجرار إلى معارك داخلية وتحصين جبهتهم، ومعالجة اية حالات انقسام وتشرذم، وعدم تبديد طاقاتهم وإمكاناتهم في نقاشات ومناظرات تقدم خدمات مجانية لمن يتربصون بهم ويستهدفون قضيتهم.
مصر تنهض من جديد والإرهاصات التي تشهدها الساحة المصرية وان احتاجت لكي تتبلور وتنضج رؤى ومواقف وتوجهات بعض الزمن، فان النهوض المصري هو أمر حتمي، فالحركة لا تقبل الفراغ، ونحن نستبشر خيرا بهذا النهوض، لا سيما وان الفلسطينيين مجمعون على عمق وتاريخية وحيوية العلاقة الإستراتيجية مع مصر ابتداءً من الرئيس محمود عباس ومرورا بكل القيادات والكفاءات ووصولا إلى اصغر طفل في وطننا فلسطين.
الأحد ... وكل يوم أحد ...أعطونا يوما... بدون جنازات وبدون مهاترات!
بقلم: المحامي زياد أبو زياد – القدس
يستمر مسلسل القتل اليومي للمدنيين العزل من السلاح أطفال اوصبيانا وشبابا دون تمييز. فقد ودعنا في الأيام الأخيرة الفتى يوسف نايف يوسف الشوامرة من دير العسل قضاء الخليل بعد أن سقط برصاص الجيش الاسرائيلي وهو يجمع نبتة العكوب ليبيعها ويسهم في كسب قوت عائلته ، وودعنا الفارس ساجي درويش الطالب بكلية الاعلام ببير زيت الذي سقط برصاص الجيش الاسرائيلي وهو يعمل في حقله ، وودعنا القاضي الشاب الواعد رائد علاء الدين زعيتر من نابلس الذي سقط برصاص الجنود الاسرائيليين على جسر اللنبي لمجرد أنه رفض الاهانة من قبلهم ورفع وتيرة صوته في الأحتجاج ، وقبلهم ودعنا العديد من المدنيين الأبرياء الذي سقطوا برصاص جنود الاحتلال في ظروف مماثلة.
هذه أمثلة ولكنها ليست كل الحكاية فقد أصبحنا نستيقظ كل يوم ونحن نتساءل من الذي سنودعه اليوم!..
ومسلسل القتل لا يقتصر على من يمكن أن يدعي الأحتلال بأنه ينتمي لعناصر المقاومة وإنما لم يعد يستثني أحدا ، وباتت اسطوانة الاحتلال بأنه حاول خطف سلاح جندي أو طعنه اسطوانة مشروخة لا يصدقها أحد ولا تنطلي على أحد.
المسألة هي في غاية البساطة ، فالذين يطلقون النار على الفلسطينيين ويقتلونهم هم جنود يعرفون بأن لا عقاب سيطالهم وأنهم ربما يحظون بوسام التكريم وبلقب البطولة لقتلهم " مخربا " ، وأنهم إنما يعملون من خلال القناعة التي غرست في اللاوعي عندهم بأن حياة اليهودي هي وحدها المقدسة وأن دم غير اليهودي مباح ومستباح. ورغم تكرار أعمال القتل فإننا لم نسمع بأنه تم التعامل جديا مع ما يسمى بتعليمات إطلاق النار أو تعليمات اعتقال المشبوهين ، لأن الجنود ما زالوا يضغطون على الزناد لأتفه الأسباب ولأن من يقال بأنه تم توقيفهم والتحقيق معهم يتم اطلاق سراحهم فورا بحجة أنهم عملوا حسب التعليمات !.
وفي نفس الوقت فإن الأراضي المحتلة تشهد تصعيدا في العمليات العسكرية والاغتيالات للمطلوبين الذين كان من الممكن في معظم الأحيان اعتقالهم ، مما يشكل إعداما ميدانيا يتعارض مع أبسط مباديء حقوق الانسان. ولقد أصبحت مثل هذه الاعدامات عملا روتينيا وازدادت وتيرتها جنبا إلى جنب مع تصعيد وتيرة الأنشطة الأستيطانية في نفس الوقت الذي يتم الحديث فيه عن المفاوضات وكأن القيادة الأسرائيلية تحاول بكل الوسائل استفزاز الشعب الفلسطيني وقيادته لجرهم إلى ردود فعل متشنجة سواء بالاعلان عن الانسحاب من المفاوضات أو القيام بعمليات عنفية تبرر لأسرائيل وقف المفاوضات من جانبها.
ولا بد في هذا السياق من الاشارة إلى أمرين لا يجوز استمرار السكوت عليهما:
الأمر الأول ، هو مسلسل المهاترات التي تجري على الساحة الفلسطينية والثاني هو الدور الأمريكي الذي ثبت بشكل لا يقبل الجدل بأنه دور معوق ومعرقل لتحقيق التسوية السياسية للصراع العربي الأسرائيلي خلافا لما تدعيه أمريكا .
أما بالنسبة للمهاترات الداخلية فقد كان بالأمكان فهم أن يأخذ الرئيس عباس راحته في الحديث امام المجلس الثوري وأن يتطرق إلى أمور خاصة تجري داخل البيت الفتحاوي ولكن الاسهاب الذي حدث لم يكن مطلوبا كما أن إذاعة الخطاب على العامة من خلال تلفزيون وإذاعة فلسطين قد حول هذا الخطاب من حديث " عائلي " داخل البيت الفتحاوي إلى حديث للعامة التي شعرت بالاحباط إذ لم يرق لها سماع كل تلك التفاصيل التي لا تعنيها.
وأستطيع أن أجزم بأن عامة الناس قد شعروا بالأسى مما وصلت إليه الأمور وأن الحديث الذي أذيع والمقابلة المطولة التي بثتها قناة دريم المأجورة مع الأخ محمد دحلان وإرسال مبعوث فتحاوي للقاهرة في محاولة للرد عليها ، كل تلك الأمور قد تركت أثرا سلبيا جدا على الساحة الداخلية الفلسطينية. فأغلبية الناس تعتقد بأن الأمر لا يعدو كونه مجرد خلافات شخصية بين الرئيس ومحمد دحلان تثار وتستثمر على حساب المصلحة الوطنية في وقت هو من أخطر الأوقات التي مرت وتمر بها القضية الفلسطينية.
وإذا كان هناك من يمكن أن نتوجه إليه باللوم فهو أولئك المستشارين الذين يحيطون بالأخ أبو مازن فقد كان الأحرى بهم ان ينصحوه بعدم التوسع بالحديث في موضوع دحلان أمام المجلس الثوري وأن يمنعوا نشر الخطاب وإذاعته بوسائل الاعلام العامة لأنهم كان يجب أن يدركوا الآثار السلبية التي ستترتب على إذاعته. ويبدو وللأسف الشديد أنه ربما كان هناك أشخاص لهم أسبابهم الشخصية لتصعيد الخلاف مع دحلان وإيصاله إلى نقطة اللاعودة التي يمكن أن تحقق لهم طموحاتهم أو توفر لهم الفرصة لتسوية حسابات قديمة مع دحلان حتى لو كان ذلك على حساب الرئيس أو على حساب المصلحة العامة. فنحن نعرف عن حالات كثيرة زل فيها لسان قائد أو زعيم عالمي فبادر مستشاروه إلى تطويق ذلك إما بافتعال حالة توقفه عن الأستمرار في الحديث أو بمنع نشر أو إذاعة ما صدر عنه ، وهم في هذه الحالة يقدمون له خدمة وطنية وشخصية. كما أنه لا بد من القول بأن الأخ محمد دحلان قد تجاوز كل الخطوط الحمراء في هجومه على الرئيس والتعرض لشخصه وذويه وبطريقة غير مقبولة بالمطلق.
ولكي لا أطيل في هذا المجال فإنني أؤكد أن الناس لا ترغب باستمرار هذه المناكفات والمهاترات التي لا تزيد أيا من الطرفين شرفا أو شعبية وأن المصلحة تقتضي وأدها وبأسرع وقت ممكن والتفرغ للقضية الأهم التي يواجهها شعبنا في هذه المرحلة وهي كيفية المواجهة والتعامل مع الهجمة الأستيطانية الشرسة وأعمال القتل اليومي لأبناء شعبنا الأبرياء.
وأما بالنسبة لأمريكا فقد واكبنا الدور الأمريكي في المنطقة منذ عشرات السنين. ومن الممكن تلخيص الدور الأمريكي بأن أمريكا ومنذ حرب عام 1973 ظلت تحتكر الوساطة في الصراع وتمنع الأمم المتحدة وأوروبا وروسيا من لعب أي دور في جهود التسوية. وقد اتبعت أمريكا منذ البداية ، إزاء الأطراف الخارجية ، منطق أن هناك عملية سياسية وأن أي تدخل من قبل أية جهة سيؤدي إلى عرقلة العملية السياسية وهكذا تم تحييد الأمم المتحدة ، وتجميد الدور الأوروبي وعزل الدور الروسي الذي كان هو الآخر منشغلا بهمومه وقضاياه الداخلية إثر إنهيار الاتحاد السوفييتي. أما بالنسبة لأطراف الصراع فقد اتبعت أمريكا منطق أنها ستوفر الوسائل للمفاوضات ولكنها لن تتدخل فيها ، وأدخلت إلى العملية مفهوم أن هذا ما ستقبل به إسرائيل وهذا لن تقبل به إسرائيل وأصبح المعيار في تقدم المفاوضات هو ما ستقبل به إسرائيل مما شل العملية التفاوضية وحصرها لتراوح في نفس المكان منذ عشرات السنين.
ويستطيع المراقب أن يجزم بأن الدور الأمريكي قد تبنى دور المعرقل للتسوية لأنه يفرض منطق ما تريده إسرائيل ويمنع المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة من القيام بدوره في حفظ الأمن والسلام العالمي حسبما ينص ميثاق الأمم المتحدة.
ولا شك بأن استمرار هذا النهج الأمريكي لن يحقق السلام أيا كان المبعوث الأمريكي الذي يروج له ، ولا بد من ان تتخلى أمريكا عن هذا المنهج وأن تتيح إعادة الملف إلى الأمم المتحدة لتقوم بدورها وفقا لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
وإلى أن يتم ذلك فإن على القيادة الفلسطينية أن تكون أكثر احساسا وإدراكا للحس الوطني العام ، وعليها أيضا أن لا تسمح لهواة بث الفتنة وأبطال المهاترات الاعلامية أن يتصدروا المشهد ويزيدون النار اشتعالا. وأنا على يقين بأن الرئيس عباس قادر على إعادة وضع الأمور في سياقها السليم ولا بد من مراجعة دور من حوله ومقدار إسهامهم في منع تدهور الأوضاع وإعادة وضع العربة على القضبان في الأتجاه الصحيح.
فالشعب يشعر بالضجر من استمرار الانقسام والصراع مع حماس ولن يقبل إغراقه في صراع داخل فتح يفشلها ويذهب ريحها وفي ذلك دمار للشعب والقضية.
ولا شك بأن استمرار الأنقسام مع حماس ، وتصعيد المهاترات والصراع داخل فتح ، واستمرار المنهج الأمريكي، هي الأسباب الرئيسية التي تشجع الغطرسة وأعمال القتل والأستيطان الأسرائيلية والتي ستؤدي دون أدنى شك إلى ضياع القضية وتصفيتها ، وإذا ما أردنا عكس ذلك فإن علينا أن نعكس اتجاه تلك العملية.
المشهد العربي.. من الحراك إلى العراك
بقلم: حسين الزاوي – القدس
باتت أيام قليلة تفصلنا عن موعد انعقاد القمة العربية الدورية في الكويت، ولا يبدو حتى الآن أن هناك مؤشرات تشير إلى إمكانية انقشاع غيوم الفُرقة والتشرذم التي تلبّد سماء العلاقات العربية - العربية، فالتناحر والعراك أضحيا يمثلان السمة الغالبة على المشهد العربي الراهن، الذي ما فتئ يزداد تأزماً بعد سنوات قليلة من انطلاق ما سمي بموجات "الربيع العربي" .
كان الأمل معقوداً في البداية على حراك الشعوب من أجل تجاوز عثرات الدول الوطنية التي تأسست غداة عصر النهضة العربية، وكانت تطلعات الشعوب العربية متجهة صوب آفاق المستقبل، تحدوها رغبة عارمة في عبور مرحلة بناء الدولة البيروقراطية والمركزية والوصول إلى مرحلة بناء مؤسسات الوطن والمواطنة التي تضمن المشاركة السياسية للجميع بناءً على قاعدة التداول السلمي للسلطة .
أما الآن فنحن على أبواب مرحلة خطرة يكاد يغيب فيها الوعي بالمصير المشترك ويتراجع في سياقها الاهتمام بالأمن القومي العربي، حيث أصبحت الحسابات القُطرية الضيِّقة تسيطر على اهتمامات قسم كبير من الدول الأعضاء الموقعة على ميثاق الجامعة العربية، بل إن هناك أطرافاً إقليمية باتت تتجرأ على المساس بأمن ووحدة بعض الدول العربية، وأصبح من شبه المألوف أن تدفع بعض الكيانات القطرية بخلافاتها السياسية المتعلقة بالملفات الإقليمية إلى أقصى سلم العداوة والبغضاء، وغاب الحد الأدنى من التوافق الذي لم يُزل عن القمم العربية، حتى في زمن الثنائية القطبية التي كانت تدفع بالدول العربية إلى الانتصار إلى إحدى القوتين العظميين .
الأخطر في كل ما حدث وما زال يحدث حتى الآن، هو أن النظام الرسمي العربي بات يملك استعدادات غريبة وغير مسبوقة من أجل الدخول في صراعات إقليمية داخلية، على حساب التحديات الخارجية التي تهدد الأمن القومي المشترك، ولم تعد بعض الأطراف تجد حرجاً في إعلان تحالفها مع قوى دولية من أجل حسم الخصومات الإقليمية لمصلحتها من دون التساؤل عن التكلفة والأثمان التي سوف تُدفع من أجل تحقيق انتصارات ظرفية عابرة، لأن التحدي لا يكمن فقط في تغيير المشهد بل في مستوى الإمكانات المتاحة من أجل التحكم في تحديد مسار التغيّرات المرجوة؛ وعليه فإنه من غير المعقول أن نثق في الخطابات التي تقلل من خطورة التأثيرات الناجمة عن المخططات الاسرائيلية التي تستهدف المنطقة العربية.. فإسرائيل التي كنا نظنها كياناً زائلاً استطاعت أن تضمن من خلال استراتيجيتها استقراراً مستمراً على حساب جوارها، وهي الآن قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هدفها الأكبر المتعلق بتفتيت الجغرافيا العربية، بعد أن تمكنت في وقت سابق، بفضل تحالف القوى الغربية معها، من جعل التاريخ "يشهد" زوراً لمصلحتها .
كما أنه من الخطورة بمكان أن نروِّج للشعارات التي تدعم الصراع الطائفي ونعتبره أهم وأخطر من الصراع الوجودي مع إسرائيل، إذ يمكن مع القليل من الحكمة والتبصر ونكران الذات أن نعيد إحياء الثقة والسلم الأهلي والاحترام المتبادل ما بين المكوِّنات المختلفة لشعوب المنطقة .
ونزعم أن بعض الأطراف العربية تخطئ خطأ فادحاً عندما تعتقد أنها ستحقق مكاسب عاجلة بفضل توظيفها لقوى التطرف وجماعات الإسلام السياسي، التي لا تؤمن أصلاً بمفهوم الدولة الوطنية، وتعتبر كل تحالف مهما بلغت قيمته الرمزية، مجرد تحالف مؤقت من أجل تحقيق يوتوبيا أصولية تحلّق بخيالها خارج معطيات الزمان والمكان . ولن نذيع هنا سراً إذا قلنا إن كل الدول التي حاولت توظيف هذا التيار احترقت بنيرانه فلن تجني القوى الإقليمية والدولية التي تدعم التشدد سوى الخراب والدمار، إذ إن قيم الحضارة تستند في أساسها إلى مبادئ التسامح والحرية واحترام الاختلاف .
وبالتالي فإن العدالة المنصفة هي تلك التي تحترم الاختلافات الطبيعية بين البشر ولا تلجأ إلى المساواة بين أفراد غير متساوين، كما أن الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة يجب أن يظلاّ مرتبطين بمدى مشروعية القوى التي بإمكانها أن تُؤمن بهذه المبادئ النسبية المتعلقة بقيم الحرية والمواطنة والحق في الاختلاف، وإلاّ تحولت صناديق الانتخاب إلى نعوش .
من الواضح أن المشهد العربي الراهن في حاجة إلى حراك جديد، لا يكون ظاهره الإصلاح وباطنه العراك والصراع والحروب الأهلية والاتهامات المتبادلة المؤسّسة والباطلة، حراك يُعيد التصالح واللحمة بين شعوب ودول الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، من منطلق أن ما يجمع العرب هو أكثر بكثير مما يفرِّقهم . ذلك أن الدول العربية قادرة في مجملها على تحقيق مصالحها القطرية من دون أن تضطر إلى تفجير خصومات إقليمية، تترك أجواءً مسمومة من شأنها أن تؤثر سلباً في كل الأجيال المقبلة .
فما أسهل أن تهرول النخب السياسية العربية من أجل استدعاء شيطان التفاصيل وتفجير نزاعات وربما عداوات قد لا تنتهي، ولكن ما أصعب في المقابل، أن تصدُق النوايا وتجتمع الإرادات الخيِّرة من أجل تجنيب الشعوب العربية ويلات الدم والدموع .
لمن يهمه الأمر: منعطف تاريخي مهم
بقلم: عبد المنعم سعيد – القدس
كنت أشعر دائما بتحفظ إزاء كلمة «منعطف»، خاصة حينما يضاف لها كلمة «تاريخي»، أما إذا جاءت كلمة «مهم» بعدها فقد كانت القشعريرة تلف بدني كله. السبب في ذلك أن كل أيام العرب كانت منعطفات تاريخية ومهمة، ومن ثم فقد التعبير قيمته اللغوية، والأخطر أن من قالوا به كثيرا كانوا في الحقيقة يغطون على قدر هائل من الركود في التاريخ العربي المعاصر.
هذه الأيام مختلفة، وبالتأكيد فإنها بعيدة تماما عن الركود، والحركة والتغيير سمة حركة الأيام، ولكن غير المعروف هو ما إذا كانت الحركة والتغيير يسيران في الاتجاه الصحيح والإيجابي، أم أن لدينا خطوات كثيرة متراجعة إلى الخلف. من الصعب أن نعرف الآن ونحن في قلب العاصفة ما الذي يحدث على وجه الدقة، ولكننا قلنا منذ بداية هذه العواصف في بداية عام 2011 إننا أمام عقد كامل من الأحداث التي تماثل ما جرى في الخمسينات من القرن الماضي تستقر الأمور بعدها، وتتحدد الخطوط، وتعرف التحالفات، وأحيانا تتقرر قواعد اللعبة. تعالوا نعرف ما يدور حولنا، ونشاهد عملية الفرز الحالية، ونقرر منذ البداية أنه بينما تتغير المنطقة العربية، والشرق أوسطية، فإن العالم هو الآخر يتغير، وفيما يبدو فإنه يتغير بشدة، وهنا على وجه التحديد يمكن مشاهدة «المنعطف» الذي نتحدث عنه حينما يلتقي التغير الإقليمي مع ذلك الدولي في حالة من التضاغط الذي عندما تحدث في الطبيعة فإنها تولد موجات مرعبة.
ما عندنا نعرفه، أو بعضا منه، جاء «الربيع» العربي ممتلئا بعواصف رملية، وظهر بوضوح أن الظاهرة مركبة وإفرازاتها مختلفة من بلد إلى آخر حسب ظروفه وتاريخه وثقافته. ومن تصور أن في الأمر ثورة ثبت أنها عدة ثورات، ومن تخيل أن الثورات تقود الأمم إلى الأمام فقد ثبت في حالتنا على الأقل أنها يمكن أن تكون عودة إلى الخلف. ولكن ثبت أن هناك ثلاث نتائج لا يمكن إغفالها: الحراك الشعبي السياسي، والأمور لا يمكن أن تبقى على حالها، والتكنولوجيا والعولمة تلعبان أدوارا لا نعرفها على وجه التحديد، ولكنها موجودة ومحسوسة لا ريب.
النتيجة هي عملية فرز جرت بسرعة فائقة، فلم يمض عام على الاغتراب المصري عن الخليج العربي حتى عادت مصر مرة أخرى، وربما كان مشهد المناورات المصرية - السعودية، وتلك المصرية مع الإمارات العربية، والموقف المشترك من الإرهاب وجماعة الإخوان وحلفائها من الجماعات الإرهابية، شاهدا على رابطة أقوى وأكبر من أي وقت مضى.
علينا رغم حالات الصعود والهبوط ملاحظة أن ذلك كان حلف أكتوبر (تشرين الأول) 1973، ومواجهة إيران في الحرب العراقية - الإيرانية، وعراق صدام حسين في حرب الخليج، والإرهاب في كل أشكاله الصريحة والخفية، والموقف من مصر بعد 30 (حزيران). حقيقة أخرى أن فرزا آخر يجري، فهناك دول في ذلك الحلف، ولكنها تؤجل الإعلان، وهناك دول استحكمت فيها الفوضى، وهناك دول تراقب وتنتظر، ولكن في كل الأحوال القلب كبير وقوي وصلد.
العالم عرف نهاية الحرب الباردة، واجتاحته موجات العولمة، ثم جاء زمن الحرب ضد الإرهاب الذي قاد إلى حربين في أفغانستان والعراق، ودفعت أميركا والغرب الثمن غاليا في أزمة اقتصادية ومالية طاحنة، وقبل أن يعود إلى التماسك مرة أخرى ظهر أن روسيا لا تريد للفرصة أن تمر. كما ذكرنا من قبل في هذا المكان كانت هناك «شواهد» روسية على محاولة العودة إلى المسرح العالمي كقوة عظمى مرة أخرى ظهرت في جورجيا وسوريا، ولكن أحدا في العالم لم يقتنع بأن دولة تدار على التوالي بين بوتين و مديفيديف ولا يوجد لديها من الصادرات إلا المواد الأولية، ولم تخرج للعالم «غوغل» واحدا، يمكنها أن تكون قوة عظمى.
ولكن الاختبار الروسي جاء مفاجئا في أوكرانيا التي لا تهم ثوراتها المتعددة كثيرا، ولكن المهم هو الواقع الجغرافي السياسي والاستراتيجي الذي يجعلها بمثابة تشيكوسلوفاكيا قبل الحرب العالمية الثانية. كان الادعاء الألماني وقتها أن الأقلية الألمانية تلاقي اضطهادا، وكان هؤلاء في تشيكوسلوفاكيا يقولون إنهم لا يحصلون على حقوقهم ويريدون الانضمام إلى الأمة الألمانية.
كانت النتيجة اتفاق ميونيخ الذي أعطى ألمانيا ما لا حق لها فيه، وكان ذلك نذير حرب آتية. الآن، روسيا تعيد الكرة، فهي تعتمد على الأقلية الروسية في أوكرانيا، وذات الأغلبية في نفس الوقت في إقليم القرم، وهنا تحصل القيادة الروسية على تصريح من البرلمان، ومعه تحشد القوات على الحدود، ويخرج الموالون في مظاهرات تريد الانضمام للوطن الأم، والميليشيات الروسية مع عناصر من المخابرات القادمة من روسيا تبدأ عمليات حصار منشآت الدولة الأوكرانية.
النتيجة أزمة دولية مستحكمة، لا نعرف من فيها سيتراجع أولا، والغرب لا يوجد لديه استعداد لمواجهات حرب باردة أخرى، وروسيا لا يوجد لديها استعداد للتعامل معها عن طريق التأديب بالعقوبات الاقتصادية كما لو كانت دولة من دول العالم الثالث. صحيح هناك مصالح روسية - غربية مشتركة، ولكن بوتين يلعب لعبة حافة الهاوية، وهو يريد أن يهين الغرب ويستعيد قطعة مهمة من الأرض تربط الأسطول الروسي على البحر الأسود بالوطن الأم، وفي كل الأحوال يجري تأديب أوكرانيا التي خانت الاتحاد السوفياتي وخرجت عليه عندما حانت الفرصة.
العواصف الحالية إقليميا وعالميا تلاقت في الزمن الحالي، وهناك أمور كثيرة في التاريخ لا نعرف عنها الكثير حتى تخرج من المنعطف فتظهر واضحة، ولكننا نعرف أنه في أوقات العواصف، فإن الوحدة والاتحاد هما الأصل في الأمان والأمن والخروج المنتصر من قلب الرمال الحارة والمتحركة. وبغض النظر عما هو معلوم أو غير معلوم في العلاقات بين مصر والسعودية والإمارات والبحرين، فإن أربعتهم هم الجذر والوتد للخيمة العربية والإقليمية.
وقد يحتاج الجميع ليس فقط إلى إدراك خطورة اللحظة وحساسية المنعطف، وإنما يحتاج إلى القدرة المشتركة على التخطيط الاستراتيجي الذي لا يحدث وحده، وإنما من خلال آليات تفكر، وتتنبأ، وتخطط، وتقيم ما يجري بصورة لحظية. إن كفاءة إدارة هذه المرحلة حتى تستقر الرمال وتهدأ العواصف سوف تنجم عن التعامل مع مواقف مفاجئة، وتغيرات وتبدلات وانفجارات هنا أو هناك، وهذه سوف تحتاج لثبات الأعصاب وحكمة القادة، وساعتها فإن من يقفون موقف المراقبة سوف يحزمون أمرهم ويتخذون قراراتهم. وساعتها أيضا سوف يكون لنا موقف وسياسة من إدارة الإقليم كله بما فيه من ثورة وما فيه من تخلف، وقضايا نخرت في مناعته التي تحتاج إلى الكثير من العناية في هذه الأيام الصعبة.
ألف تحية لأمهاتنا في عيد الأم
بقلم: راسم عبيدات - القدس
في عيد الأم الذي صادف امس لا بد لي من ان أوجه تحياتي أولاً لوالدتي صبحة الصبوحة،تلك الوالدة التي أضحت الآن عاجزة حيث أقعدها المرض،ولكنها كانت مناضلة حقيقية،حيث كانت تكد وتكدح من اجل تربيتنا وإطعامنا وتدبر امورنا وتعليمنا كعشرة افواه خمسة ذكور وخمس إناث،وزوج عامل بسيط، يكدح ويستغل من أرباب العمل من بزوغ الفجر وحتى ما بعد غياب الشمس،بدون أية حقوق او قوانين عمالية او حكومية تحميه وتحمي غيره من العمال من هذا الإستغلال البشع، وخصوصاً انه لسنوات طويلة ولمعتقداته الناصرية التي امن بها كان يرفض العمل عند المحتل.
امنا كانت تتنقل من بوابة سجن لآخر عندما كنا انا وأشقائي في السجون،كانت تاتي لزيارتنا في السجن،ولم يكن هناك وسائل اتصال....وليخبرها السجان بأن ابنك او ابناءك تم نقلهم لسجن آخر ولتعيد الكرة من جديد،ونفس الجواب تم نقلهم لمعتقل آخر،دورة من العذاب والذل لا يمتهنها سوى الإحتلال،وليست أمي هي الإستثناء فالكثير من امهات أسرانا وزوجاتهم وبناتهم عانين نفس معاناتها،بل واكثر حتى ان البعض منهن كان الإحتلال يشكك في امومتهن لأبنائهن بسبب ما يكتب في الوثيقة الشخصية"الهوية" من معلومات متضاربة،او لمجرد التنغيص والتنكيد، إحتلال يريد ان يكسر إرادة شعبنا وان يذل أمهاتنا ويهزم عزيمتنا،ولكن أمهاتنا الفلسطينيات ككل يستحقن كل النياشين والألقاب والأوسمة،فمنهن والدة الشهيد او الأسير او الجريح،ومنهن من تقبع خلف القضبان،ومنهن من تكدح ليل نهار وتتعرض لأبشع استغلال من البرجوازية المحلية او المحتلين من أجل تأمين لقمة العيش لأطفالها لكي يعيشوا بكرامة وعزة،ومنهن من صانت عرضها وبقيت صابرة على طفلها او اطفالها بعد رحيل زوجها،تناضل وتشقى وتتعرض لكل انواع الذل والإضطهاد لكي تحسن تربية أطفالها،ومنهن من رحلن وهن يمنين النفس ان تتكحل عيونهن برؤية أبنائهن محررين من الأسر...ومنهن من تشارك في كل معارك ونضالات شعبنا... فمثل هؤلاء النساء هن من يستحقن التكريم والأوسمة والنياشين، لا من نالوها زوراً وبهتاناً،وليس عن شرف او جدارة وإستحقاق،كحال العديد من النسوة والأمهات اللواتي يجري تكريمهن إستناداً للعلاقة الشخصية والمعرفة والمصالح.
في عيد الأم انا واثق بان الكثير من امهات شعبنا ،لسنا منشغلات بالإحتفال والإستقبال،فلكل واحدة منها همومها،فهناك من تترقب على نار،هل سيلتزم الإحتلال بتعهداته؟؟،ويطلق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى،من اجل رؤية أبنائهن الذين مضى على الواحد منهم في الأسر ربع قرن وما فوق،فتلك فرحتهن الحقيقية وعيدهن،عيد رؤية أبنائهن وإحتضانهم ودموع الفرح تتساقط من عيونهن،فمن بقي حياً منهن أصبحن طاعنات في السن،ويتذكرن امهات رفاق واخوة أبنائهن وصديقاتهن،اللواتي غادرنا هذه الدنيا،دون ان تقر وتتكحل عيونهن برية أبنائهن.
في عيد الأم ماذا سنقول لأم الشهيد الذي روى بدمائه الزكية ثرى الوطن من اجل ان يصنع فجراً وحرية لشعبنا،وطناً يعيش فيه أبناء شعبنا بحرية وكرامة؟ وهي ترى ما يحدث بين اخوة ورفاق السلاح والنضال،حيث الإنقسام يستمر ويتعزز والخلافات الداخلية ليس بين أبناء الفصائل فقط،بل وبين أبناء الفصيل الواحد،إنقسامات وخلافات تضع المصالح الفئوية والحزبية والخاصة فوق المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني،وبما يهدد المشروع الوطني بالتبدد والتفكك وضياع القضية؟.
ماذا سنقول لأبناء حركتنا الأسيرة،المتخندقين في المواقع الأمامية للنضال؟؟،وماذا ستحمل لهم امهاتهم من رسائل على الزيارة،هل سيقلن لهم أفنيتم اعماركم وزهرات شبابكم،من أجل خدمة مصالح خاصة لجماعات تتقاتل وتتصارع على السلطة والمصالح والنفوذ؟؟أم سيحاولن بث الأمل فيهم قدر الإمكان،مع إدراكهن بأن تلك الكلمات والعبارت،لن تساهم كثيراً في رفع روحهم المعنوية،فهم رغم تضحياتهم ونضالاتهم وصمودهم ،باتوا يشعرون بأن مشروعنا الوطني في خطر،وانه بحاجة الى ثورة في الثورة،ثورة تعيد تجليس الهرم على قاعدته بدل رأسه.
امهاتنا يختلفن عن كل امهات هذه الأرض،ليس من منطلقات عنصرية او إستعلائية،بل لأنهن لم يعرفن طعم الفرح،فهن يسرقن لحظات الفرح سرقة،حيث الإحتلال كل يوم ينغص عليهن فرحتهن،كيف ستفرح او تحتفل ام بعيد ام أتى جند الإحتلال ومخابراته ومستعربيه في ساعات الفجر الأولى مدججين بأسلحتهم ومقنعين،ترافقهم كلابهم البوليسية،من اجل ان يقتحموا بيتها ويعيثوا الخراب والدمار في كل ركن من اركانه،ويبثون الرعب في قلوب أطفاله وساكنيه،ومن ثم يعتقلوا طفلها بعمر الورود،ولربما يضربونه أمامها؟؟.
كيف ستحتفل او تفرح ام عاد إليها إبنها في كفن من المعتقل بعد ان كانت تعيش على امل ان يعود إليها سليماً معافى،لكي تفرح وترفع رأسها به..؟ فرقم الأسرى الذين يعودون في اكفانا من أبناء شعبنا جاوز ال(204) أسير،بسبب سياسات الإهمال الطبي والتعذيب والتصفيات الجسدية.
الأم الفلسطينية كانت وستبقى حامية الحلم الفلسطيني،وشريكة في مشروعنا الوطني،تكد وتكدح وتناضل وتعمل في كل المجالات والميادين،تراها في الحقل تزرع وتقلع،في البيت تربي وتعلم وتخرج اجيال،في العمل تناضل من اجل تامين قوتها وقوت اطفالها،في العمل الوطني والشعبي،في المسيرات والمظاهرات نصرة لقضايا اسرانا،ولحماية ثوابتنا ومشروعنا الوطني،في مظاهرات ومسيرات الدفاع عن الأرض،وكذلك في حماية والدفاع عن اقصانا المهدد بالتقسيم الزماني والمكاني من قبل زعران الإحتلال ومستوطنيه.
رغم كل ذلك من حق امنا الفلسطينية،أن تفرح وان تحتفل بعيد الأم،فهي الأحق بهذا الإحتفال،فهي من يدفع الثمن أضعاف اضعاف،ما تدفعه اي ام اخرى في العالم،فتكريم الأمهات الفلسطينيات واجب وحق علينا،كما هو واجب وحق علينا تكريم شهدائنا واسرانا ومناضلينا وعائلاتهم.
في عيد الأم علينا جميعاً،ان نتوحد في سبيل حماية والدفاع عن امنا جميعاً،امنا فلسطين علينا ان نصونها في حدقات عيوننا،علينا ان لا نسمح لخلافتنا وإنقسامنا بأن تضيع منا امنا،او تصيب منها مقتلاً،حينها سنصبح كلنا شركاء في الضياع والقتل،وسنبكي مثل بكاء الخليفة الأموي عبد الرحمن الداخل،عندما بكى بكاء النساء بعد ضياع الأندلس،أمنا يجب ان تكون هي بوصلتنا جميعاً،نختلف في كيفية وطرق حمايتها،ولكن لا نختلف عليها،فامنا فلسطين حدودها التاريخية معروفة لنا جميعاً.
اما امهاتنا بنات فلسطين وحارسات حلمها،فعلينا ان نجلهن ونحترمهن، وأن نقيم لهن التماثيل وأقواس النصر،وان نصونهن أيضاً بحدقات عيوننا، فهن من نعتز ونفخر بهن دائماً، فهن صانعات الرجال والأبطال، رجال فلسطين وحماتها،منهم الشهيد ومنهم من ينتظر، ومنهم الأسيروالجريح،ومنهم المناضل والعامل والفلاح والمثقف والمتعلم والقائد الوطني والسياسي وغيرهم،هؤلاء هم رجال فلسطين الذين انجبتهم امهاتنا،فمثل هؤلاء الأمهات، يستحقن النياشين والأوسمة عن جدارة وإستحقاق،والأم التي كرمتها الأديان السماوية وقدمها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في الرعاية والتكريم والمحبة على الرجل ،أن ننحني لها إجلالاً واحتراماً وتقدرياً ومحبة.
أوكرانيا وفلسطين: القياس والبرهان
بقلم: حسن البطل – الايام
لا نفهم علاقة الجيولوجيا بالسياسة، كما نفهم علاقة السياسة بالجغرافيا مثل هنري كيسنجر (جيوبولتيكا) وعلاقة هذه بالاستراتيجية، أو نفهم علاقة الفيزياء بالكيمياء.
مع هذا، يخيّل إليّ أن غرام اليهودية والصهيونية والإسرائيلية بالقياسات (وهي شكل من أشكال البراهين) تشبه، في استحالة الفهم، علاقة الجيولوجيا بالسياسة.
في الجيولوجيا هناك صخور: رسوبية، متحوّلة، واندفاعية (نارية).. لكن هناك شكلا رابعا خليطا وهجينا يسمى "كونفلوميرا" في اللغة العلمية العالمية لعلم طبقات الأرض (الجيولوجيا)، وقد عرّبوه في جامعة دمشق إلى صخر (المشبّك)!
صخر المشبّك هو أنقاض ومهيلات صخور منفرطة، قريبة من سطح الأرض، قد تتماسك بملاط تحت قوة الضغط الفيزيائي، لكن ليس بقوة تماسك عناصر صخر "الغرانيت" الثلاثة: مرو (كوارتز)، فيلدسبات، ميكا.
"الكونفلوميرا" الإسرائيلية مجموعة من المهيلات والأنقاض من الخرافة والاسطورة و"الوعد الإلهي" و"خراب اليهكل" و"الهولوكوست" ويجمعها، حالياً، ملاط لاصق هو القوة.
لنترك التاريخ نائماً من هيرودوت إلى "اختراع أرض إسرائيل" لشلومو ساند، إلى محاولة إسرائيل للبرهنة على فرادتها، بغير "الوعد الإلهي" و"وعد بلفور".. وحتى "قرار التقسيم".
في كل حالة تاريخية، من الغزوات الصليبية، إلى نظام سياسة ومصير الفصل العنصري السابق في جنوب أفريقيا، إلى نضالات الشعوب من أجل حريتها واستقلالها، يقولون في إسرائيل إن هذا ليس قياساً للحالة الإسرائيلية بما فيها الاحتلالات لشعوب وأراض أُخرى.
تشظي اتحاد يوغسلافيا، عرقياً ودينياً، لا يشكل علاقة قياسية إلى احتمال تشظي إسرائيل نتيجة احتلالها لفلسطين، ولا مقاطعة "كيبك" في كندا تشبه حالة سيطرة إسرائيل على الضفة، ولا تتطلع اسكتلندا للانفصال عن المملكة المتحدة.. ولا.. ولا إلخ!
فإلى المسألة الراهنة العالمية، وهي انفصال أو استقلال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا، لأسباب سياسية واقتصادية وتاريخية ولغوية ودينية وثقافية.. وما هبّ ودبّ من اسباب.
أخذ وزير حربية إسرائيل، موشي يعلون، أو "صوت سيّده" نتنياهو من هذه المسألة دليلاً على "رخاوة" أميركا والغرب، كما في المسألة النووية الإيرانية، وانتقال مصر من مرسي إلى السيسي، والعراق.. وأفغانستان إلخ! وخلص إلى القول "إن لم أكن لي، فمن يكون لي"؟!
سنقفز حول أزمة أثارتها تفوهاته، عن تفاوت النظرة الاستراتيجية الإسرائيلية عن مصالح السياسة الاستراتيجية الأميركية.. رغم "العلاقة الاستراتيجية" بين البلدين.
في العام 2014 استعادت موسكو "هدية" الأوكراني نيكيتا خروتشوف للرفاق في أوكرانيا، هي ضم القرم لروسيا، وتم ذلك باستفتاء وافق فيه 93% من سكان القرم على العودة إلى حضن الرفيق الكبير و"الدب الأكبر" لأسباب قومية ولغوية وتاريخية وسياسية.. إلخ!
الطريف في الأمر أن اسم "اوكرانيا" يعني في اللغة الروسية القديمة "البلد الطرف"، والأكثر طرافة حتى السخف، أن الغرب لا يعترف بالاستفتاء، أي لا يعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها.
جوهر الأمر، فيما يخص علاقة "قياس" بين القرم وفلسطين، أن استقلال فلسطين يجب أن يمرّ عبر استفتاء شعب الدولة القائمة بالاحتلال، كما استفتاء الأوكرانيين جميعاً حول استقلال القرم وانضمامها إلى روسيا!
دولة "التهويشات" السياسية الإسرائيلية حول "قياس" الحالة الأوكرانية على حالة الاحتلال الإسرائيلي للضفة، فإن القرم ليست - شعباً ولغة وتاريخاً- جزءاً من أوكرانيا، التي عليها أن تبارك انفصال القرم الذي يشدّها إلى النفوذ والهيمنة الروسية أو "الاستعمار الروسي" بلغة أميركا وأوروبا.
المعنى، كما يقول دمتري شومسكي ("هآرتس" 20 آذار) أن السيطرة على أراضي الغير تعني العبودية الذاتية للقوة المسيطرة، ولو بدت "حرية وهمية"، أي كما أراها ذات علاقة بالوعد الإلهي ووعد بلفور، وقرارات عصبة الأمم .. التي صارت الأمم المتحدة وفي ميثاقها حق الشعوب في تقرير مصيرها، وحق الشعب الفلسطيني، بالتالي في التحرر من الاحتلال، دون قياسات إسرائيلية أنه لم تكن هناك قط دولة فلسطينية عبر التاريخ، الذي كانت فيه امبراطوريات عابرة للديانات والقوميات.. والقبائل. وكم دولة وشعباً في أميركا الجنوبية وأفريقيا لم تكن دولاً من قبل؟
كان سكان هذه الأرض المقدسة القدماء وثنيين، ثم صار بعضهم يهوداً، ثم عرباً مسيحيين، ثم عرباً مسلمين.. ثم فلسطينيين.. وكانوا قبائل وليسوا "شعوباً" و"ممالك" وليسوا دولاً.
لذلك، فالقياس التاريخي (ادعاء بيبي بأربعة آلاف عام) والقياس السياسي من جنوب أفريقيا إلى يوغسلافيا وأوكرانيا تستخدمه إسرائيل بشكل معوج لا علاقة له بالبراهين السياسية الراهنة، وأبرزها حق الشعوب في تقرير المصير وتشكيل دول.
هذه "كونفلوميرا" من أشكال القياس اليهودية والصهيونية والإسرائيلية تحت ضغط "قوة الاحتلال" لا حقائق سياسية راهنة، ولا عرقية ولا دينية.
على إسرائيل أن تتحرر من الاحتلال أو تغرق هي وقياساتها تحت وطأة الاحتلال. ألا تقول النظرية الصهيونية الأصلية: كل مجموعة من البشر تعتبر نفسها شعباً فهي شعب؟.
أوباما إلى الرياض.. والسعودية تتجه نحو الشرق!!
بقلم: هاني حبيب – الايام
بالرغم من انشغال الإدارة الأميركية بتداعيات الأزمة الأوكرانية، إلاّ أن الرئيس أوباما ما زال ملتزماً بزيارة العاصمة السعودية الرياض بعد أيام، هي الثانية بعد الأولى قبل حوالي خمسة أعوام، الأمر الذي يشير إلى أهمية هذه الزيارة البالغة على ضوء تردي العلاقات السعودية ـ الأميركية، على خلفية مواقف أميركية برزت إثر التوقيع على اتفاقات أولية مع إيران، وعجز إدارة أوباما في التدخل لصالح المعارضة السورية وتلكئها في تنفيذ تهديداتها بدعم عسكري شامل للمعارضة وإنشاء منطقة حظر جوي، إلى أن برزت القوى الإرهابية لتلعب دوراً بارزاً في الميدان السوري، الأمر الذي قلب ميزان القوى لصالح النظام، وتحميل الرياض مسؤوليته إلى إدارة أوباما العاجزة.
ولكن وقبل وصول أوباما إلى الرياض، قامت السعودية باتخاذ خطوات تشير إلى مدى انزعاجها من السياسة الأميركية على ملفات الشرق الأوسط، خاصة عندما رفضت السعودية عضوية مجلس الأمن غير الدائمة كتعبير أولي عن مدى الانزعاج وإشارة كان لا بد منها بنظر الرياض، لمدى التصدع في العلاقات السعودية ـ الأميركية، إلاّ أن الرد السعودي الأبرز في هذا السياق، استباق زيارة الرئيس الأميركي لها بالتوجه شرقاً، إلى الصين تحديداً، الذي زارها ولي العهد ووزير الدفاع الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود قبل حوالي أسبوعين، واللافت أن هذه الزيارة، حسب تصريح ولي العهد السعودي، نقلت العلاقات بين البلدين، السعودية والصين، من مرحلة التعاون إلى مرحلة "الشراكة الاستراتيجية" وهو التعبير الأول من نوعه الذي يؤكد على أن السعودية هدفت من هذه الزيارة إيجاد توازن في علاقاتها التي كانت محصورة في الاطار الغربي عموماً والأميركي خصوصاً، إلى شراكة استراتيجية لم تعد الولايات المتحدة وحدها، بالنسبة إلى السعودية، التي تحتل مثل هذا الموقع في العلاقات الاستراتيجية، ما يشكل ضربة قوية لتفرد الولايات المتحدة في اطار العلاقات التقليدية ـ التي لم تصبح كذلك ـ بين البلدين!
وإذا كان الدفء الذي دب في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، كان علنياً وواضحاً من خلال التوقيع على اتفاقية حول الملف النووي الإيراني، فإن التأثيرات ذات الطابع السري للجهود الأميركية لزعزعة دول مجلس التعاون الخليجي، لصالح دعم الدور القطري للتأثير على عموم المنطقة، كان أمراً بالغ الخطورة بالنسبة للدور الإقليمي والقومي العربي. الموقف الأميركي لتداعيات الربيع العربي عموماً، والثورة المصرية في 30 يونيو / حزيران على وجه التحديد، زاد من تصدع العلاقات السعودية ـ الأميركية بعد أن تبين للرياض أن الدور القطري المتزايد المنسجم مع الأهداف الأميركية، ذو أهداف عديدة، أهمها هو العمل على تهميش الدور السعودي في المنطقة عربياً وإقليمياً، لحسابات قوة صاعدة أميركية تمثلت في الإمارة القطرية.
وربما حاولت واشنطن أن تجري بعض الجراحات التجميلية في منطقة الخليج العربي، في محاولة منها للإيهام، أن هناك تغيرات من شأنها جسر الهوة في اطار صراعات مجلس التعاون، وذلك عندما أسهمت من دون شك في تولي الأمير تميم بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم من والده، إلاّ أنه وقبل أن ينتهي عام من حكم أصغر أمير في منطقة الخليج العربي، فإن قدرة هذا الأمير على إصلاح الأمور، باتت منعدمة، بسبب الطموحات التي رسختها واشنطن من ناحية لدور هذه الإمارة، ولدور "الحرس القديم" في الإمارة، والذي ربما لا يزال قادراً على أن يحكم من خلف ستار، وها نحن نرى، بعد بضعة أشهر من تولي الأمير الجديد للحكم ـ فقد زاد الأمر تصدعاً عندما أعلنت كل من السعودية والبحرين والإمارات سحب سفرائها دفعة واحدة من الدوحة، أما الكويت، التي لا يختلف موقفها عن الدول الثلاث، فإنها "تأخرت" في قطع علاقاتها مع الدوحة لأسباب إجرائية، حيث أنها ستكون مقراً لعقد مؤتمر القمة العربي هذا الأسبوع، وهي حريصة على لم الشمل العربي لنجاح هذه القمة المنعقدة فوق أراضيها، الأمر الذي جعلها تتخلف عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الإمارة القطرية.
وفي تسريبات نشرتها وسائل الإعلام الأميركية، أن مشروعاً تمت دراسته في وزارة الدفاع الأميركية، كان سيعرض على البيت الأبيض، يتضمن تخفيض التواجد العسكري في قطر لتخفيف النفقات على خلفية تخفيض ميزانية الدفاع الأميركية، إلاّ أن الحكومة القطرية سارعت بتقديم تعهدات بدفع نفقات الجيش الأميركي كاملة، وانه الآن تتم دراسة التكاليف وتحضير اتفاق جديد بين البلدين ("العرب" ـ 22/3/2014). فالدوحة تخشى من أن تخسر دعماً أميركياً من دون أن تربح الخليج، خاصة بعدما ألغى الجانب الأميركي لقاء قمة في الرياض يجمع الرئيس الأميركي مع أمراء وملوك الخليج ومن بينهم أمير قطر الجديد، وذلك بطلب سعودي حسب وسائل الإعلام الأميركية.
وعندما يصل الرئيس الأميركي إلى الرياض، سيجد الخليج العربي ليس كما عرفه، الربيع العربي، لم يصل إلى هناك بعد، إلاّ أن تأثيراته المباشرة أحدثت تغيرات بالغة الأهمية، وربما سيفلت الخليج العربي من القبضة الحديدية للتأثير الأميركي، التوجه السعودي شرقاً نحو الصين إحدى علاماته ولكنها ليست الإشارة الوحيدة، ولم يتبق أمام واشنطن لتصحيح علاقاتها وإعادتها إلى شكلها التقليدي إن أمكن، سوى مراجعة مواقفها انطلاقاً من الموقف من الثورة المصرية في 30 يونيو/ حزيران.. وإلاّ فإن الخليج العربي سيظل مختلفاً عما كان الأمر عليه، والدوحة ستبقى رهاناً خاسراً للسياسة الأميركية في المنطقة!!
الخـديـعـة الكـــبرى
بقلم: حمادة فراعنة – الايام
لماذا اختار نتنياهو تحرير سجناء؟ مقال في صيغة سؤال، كتبه شالوم يروشالمي، نشرته "معاريف" يوم 20/3/2014، تحدث فيه باستغراب عن دوافع نتنياهو للإفراج عن أسرى فلسطينيين، نفذوا عمليات مسلحة، قتلوا خلالها إسرائيليين، ومع ذلك أفرج عنهم، وهو إجراء لم يستطع الإقدام عليه كل رؤساء وزراء إسرائيل من قبل، حتى بمن فيهم إسحق رابين الذي وقع اتفاق أوسلو مع ياسر عرفات، والجواب قدمه يروشالمي في مقالته على لسان نتنياهو بقوله، "لم أُنتخب كي أفكك خارطة إسرائيل إلى دولتين".
لقد اختار نتنياهو، إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، رغم صعوبة القرار، مقابل استئناف المفاوضات، وهذا يدلل على مدى أهمية المفاوضات بالنسبة له، لماذا ؟؟ لأنه يحتاج للمفاوضات للتغطية على كل سياساته التوسعية ومعتقداته الاستعمارية، فالمفاوضات يحتاجها غطاء لاستمرار الاستيطان وتوسيع المستوطنات، تغطية لتهويد القدس وأسرلتها، وتمزيق الضفة الفلسطينية وجعلها طاردة لأهلها، والاستيلاء على الغور وتهويده أسوة بالقدس وقلب الضفة، ولهذا استطاع اتخاذ قرار إطلاق سراح أسرى، لأنه لا يستطيع وقف الاستيطان، فالاستيطان أداة للتوسع، وهو بحاجة للمستوطنين كي يبقى قوياً بهم، ولذلك ضحى بالإفراج عن الأسرى، ولم يستطع التضحية بالاستيطان وبالمستوطنين، لأنه بذلك يريد الاحتفاظ بكل فلسطين، وأن تكون خارطة إسرائيل بديلاً لخارطة كل فلسطين.
والولايات المتحدة بحاجة ماسة لاستمرارية المفاوضات، لتغطية مسلسل فشلها:
أولاً: لتغطية فشلها في عدم قدرتها وحلفائها وأتباعها في إسقاط النظام السوري، رغم قوة الضربات التي وجهت له على الأرض، وقوة المعارضة المسلحة والحشد الهائل من الخصوم والحلفاء ضده، ومع ذلك صمد النظام وما زال يملك زمام المبادرة العسكرية الميدانية، وهو عنوان لفشل أميركي صارخ.
ثانياً: فشلها في توفير الحد الأدنى المطلوب من الأمن والاستقرار لثلاثة شعوب أسقط التدخل العسكري الأميركي المباشر أنظمتها في أفغانستان والعراق وليبيا، ولكنها فشلت في توفير البديل الأرقى لهذه الشعوب، وغدا التدخل الأميركي عنواناً للموت والخراب والتطرف والتمزق الذي أصاب مجتمعات هذه الدول.
ثالثاً: لتغطية فشلها في الضغط على قادة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وتراجعها عن كل مبادراتها السابقة في ولاية أوباما الأولى الذي طالب بوقف الاستيطان في القدس والضفة بناء على توصية من مستشاره السابق جورج ميتشيل الذي استقال مهزوماً أمام الإسرائيليين وأمام اللوبي اليهودي الصهيوني الأميركي المتنفذ داخل الولايات المتحدة الأميركية.
وفشله خلال ولايته الثانية، التي سجل فيها وخلالها جون كيري وزير الخارجية رحلات متكررة غير مسبوقة العدد، بهدف التوصل إلى اتفاق يُنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكنه فشل في تحقيق غايته وتراجع عن اقتراحاته التي بدأ بها خطواته وهي أولاً تحقيق انسحاب إسرائيلي من الضفة والغور والمعابر مع تأجيل 1- الانسحاب من القدس، و 2- إزالة المستوطنات، وثانياً أن يوفر الأمن للفلسطينيين وللإسرائيليين من خلال طرف ثالث أميركي أوروبي، ولكن هذه المقترحات وجدت الرفض العلني من قبل نتنياهو وحكومته، مدعوماً من قبل اللوبي اليهودي الأميركي المتنفذ في واشنطن.
رابعاً: وجاءت هزيمة الأميركيين في أوكرانيا أمام زخم المبادرة الروسية وقوتها واندفاعها، ما أعاد لروسيا بريقها، ومكانتها وكأنها في ذروة مجدها أبان الحرب الباردة.
خامساً: يريد توظيف الضعف الفلسطيني، أمام الاحتلال والانقسام والمديونية وابتزاز الشعب الفلسطيني وقيادته لقبول تسوية مهينة لا تلبي حقوقهم ولا تستجيب لقرارات الأمم المتحدة.
في ضوء هذا الفشل المتراكم تسعى الإدارة الأميركية إلى إعلان الموافقة الإسرائيلية الفلسطينية على استمرار المفاوضات بعد شهر نيسان، وخطورتها لا تكمن باستمراريتها بل تكمن خطورتها في أن سقفها سيكون "الإطار الذي وضعته أو الذي ستضعه الولايات المتحدة"، ويشكل أرضية للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ومحكومة له، هنا تكمن خطورة المفاوضات المقبلة إذا أعلن الجانب الفلسطيني موافقته عليها، فالموافقة تتضمن، الموافقة على دخول غرف المفاوضات محكومة بالسقف الذي حددته الولايات المتحدة، أي أن الإطار الأميركي هو مرجعية التفاوض وليس قرارات الشرعية الدولية، وأن حقوق الشعب العربي الفلسطيني المجسدة بقرارات الأمم المتحدة، تصبح بلا معنى، مثل أمل إبليس في الجنة.
الإدارة الأميركية سمحت للوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن أن يُعلن تحفظه على الإطار الذي تم تقديمه بشكل شفهي من قبل الفريق الأميركي، على خلاف ما هو معلن أن الإدارة الأميركية "لم تقدم الإطار رسمياً"، وهذا صحيح لم تقدمه رسمياً كوثيقة مكتوبة، ولكنها قدمته كورقة مكتوبة ومصاغة ومحددة بشأن القضايا الجوهرية وتتضمن مواقف وسياسات وتفاصيل بشأن القدس واللاجئين والحدود والأمن، وجميعها تضمنت محددات ومفاهيم وصفها أحد المفاوضين الفلسطينيين الذي كان يجلس على الطاولة في مواجهة الوفد الأميركي في واشنطن "أن روابط القرى التي أسسها (الليكود)، لا تستطيع قبول مثل هذه الاقتراحات كقاعدة للتفاوض".
الرشوة التي سيقدمها الجانب الأميركي هي الإفراج عن عدد من الأسرى في طليعتهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات وفؤاد الشوبكي والعشرات مقابل القبول باستمرار المفاوضات على قاعدة وثيقة الإطار التي سيعلنها الأميركيون مع حق الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للتحفظ على ما جاء فيها، وبذلك تقدم واشنطن غطاء للوفد الفلسطيني للتورط في المفاوضات سقفها الإطار ويكون التحفظ الفلسطيني بمثابة "خديعة كبرى" للنفس وللشعب العربي الفلسطيني.
خيارات "حماس" لفتح معبر رفح ..!
بقلم: أكرم عطا الله – الايام
قيادة الشعوب ليست عملية سهلة ولا هي عبارة عن مجموعة مجازفات ولا مجال فيها للتجربة والخطأ وتقاس فيها المواقف بميزان بائع الذهب وتجري فيها الحسابات تماما كما المعادلات الكيميائية في المختبرات بقياس مجموع العناصر المتفاعلة والمتداخلة، وأي خطأ في حساب عنصر واحد قد يحدث انفجارا يؤدي إلى خسائر كبيرة، وهكذا تجري حسابات السياسة بهدوء وبعقل بارد بعيدا عن العواطف لتحقيق مصالح المجموع ومن يتقدم لقيادة الشعوب يتخذ المواقف لتحقيق مصالحها ولجعل حياتها أفضل لا أن يذهب بمواقف متسرعة تدفع الشعوب ثمنها فيصبح هو ومواقفه عبئا على شعبه.
يمكن القول أن حركة حماس أخطأت في موقفها برفض التغيرات الأخيرة في مصر وتلك شأن مصري داخلي ليس من حق أي فلسطيني أن يتنطح ليقرر في شكل الأنظمة السياسية في الدول العربية، وهذا الموقف له تداعيات لا يستطيع الشعب الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة تحمل تكاليفه، وها نحن نرى النتيجة، موقف صعب تتخذه مصر من حركة حماس يؤدي إلى إغلاق معبر رفح واعتقال مليوني فلسطيني في هذا الجزء الفقير والصغير من الوطن بما يحمله ذلك من معاناة وتعطيل لمصالح مئات الآلاف من الطلبة والمرضى والتجار والعائلات المشتتة التي حرمت من التواصل مع امتداداتها فتعطلت الحياة ودخل قطاع غزة في حالة موت سريري يزداد وضعه سوءا مع كل يوم بما يصاحبه من ألم لم يعد محتملا.
أخطأت "حماس" في حسابات السياسة هذه المرة حيث اتخذت موقفا من حقها أن تتخذه كحزب سياسي ولكن ليس من حقها أن تتخذه كنظام سياسي، وهناك فرق هائل بين الاثنين لم تدركه الحركة التي غلبت الأيدولوجيا على السياسة ومصلحة الحزب والحركة على مصلحة الشعب، فالحزب السياسي يدفع وحده ثمن مواقفه لكن حين يكون هذا الحزب هو النظام السياسي فالمسألة بحاجة إلى حسابات أكثر رصينة لأن الثمن يدفعه الشعب وعلى النظام السياسي أن يقدم تنازلات وأن يدفع الحزب ثمن من أجل الدولة والشعب وحين يحدث العكس تصبح المسألة بحاجة إلى مراجعة اكبر وإلى حل أشمل.
قد يكون في تجربة الراحل ياسر عرفات ما يستدعي التوقف أمامه من قبل السياسيين فقد روى لي الصديق الصحافي حسن الكاشف عندما قام ياسر عرفات بعد حرب 82 والذي كان قد تحول على اثرها إلى رمز للكفاح بزيارة اتحاد الكتاب والصحافيين وما أن دخل مقر الاتحاد حتى فاجأه رسام الكاريكاتير الكبير ناجي العلي بلومه بحدة على شكل معانقته للزعماء العرب قائلا له، "أنت زعيم وفدائي وأطهر منهم جميعا وهم متآمرون لماذا تقوم بتقبيل رؤوسهم فالفدائي لا ينحني للمتخاذل" فوضع ياسر عرفات يده على كتف ناجي بابتسامة هادئة امتصت غضبه وقال أمام الحضور بمن فيهم ناقل الرواية ومحمود درويش، "يا ناجي طالما أن شعبي يعيش عندهم ويتحرك من معابرهم، فأنا مستعد لأن أقبل أقدامهم من أجله".
في موضوع مصر كان على "حماس" أن تكون أكثر اتزانا لأن استبداد الجغرافيا أعمق كثيرا من استسهال المواقف لأن الحقائق التي تفرضها الجغرافيا رغما عن الدول تصبح جزءا أساسيا في اتخاذ القرار هذا أولا وثانيا الشعب الفلسطيني ليس مسؤولا عن إعادة الحكم للإخوان المسلمين أو إعادة الإخوان للحكم ولسنا معنيين بذلك ولا يهمنا هذا الأمر وفقط ما يهمنا هو مصالح شعبنا ولسنا مستعدين للمعاناة من أجل حركة الإخوان.
وأمام هذا الوضع الصعب لا أجد أمام حركة حماس من خيارات سوى ثلاثة أولها أن تعلن تأييدها للخيار المصري باعتبار أن ذلك شأن مصري تمهيدا للمصالحة مع مصر، فما اتخذه وزير الدفاع المصري لا يتساوى مع ما فعله أمير قطر السابق ضد والده لأن الوزير المصري كان يحظى بتأييد تظاهرات كبيرة ومع ذلك تغاضت "حماس" عن سلوك الأمير القطري باعتبار الأمر شأنا قطريا داخليا عندما رأت أن في التغاضي خدمة لمصالح شعبنا.
هذا خيار صعب لأن للمسألة بعدا أيدولوجيا وحين تكون هذه حكما في المواقف تصبح مسألة التراجع مستحيلة لأن الأيدولوجيا تنطلق من حقائق جامدة وليست كالسياسة التي تعرف المرونة والمناورات ولأن للمسألة أيضا بعدا تنظيميا داخليا ولأن في الأمر استهدافا لحركة الإخوان وهي جزء عضوي من هذه الحركة ولا تستطيع التخلي عنها ويشبه الأمر تخلي الابن عن أمه وهذا لا يجوز حتى في ظل كل مرونات السياسة.
الخيار الثاني هو أن تندفع باتجاه المصالحة مع خصمها في الساحة الفلسطينية وتستجيب لشروط حركة فتح التي تنامت بعد التغيرات في مصر وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتمكن من فتح معبر رفح أما الخيار الثالث وهو أن تتخلى حركة حماس عن حكم قطاع غزة لأن في استمرار حكمها بهذا الشكل أزمة إنسانية متزايدة وعبئا على الحركة نفسها وعلى سكان القطاع.
هذه الخيارات الصعبة على حركة حماس هي أشبه بعملية جراحية لا تعرض بهدف حشرها في الزاوية وضبطها متلبسة بالعجز بل لأنه ليس هناك خيار رابع سوى الانتظار، والانتظار هو حالة من الفراغ والسياسة لا تعرف الفراغ وكلما ازداد الانتظار ازداد الأمر سوءا ولا يجوز تركنا كل هذه السنوات نعيش المأساة والمعاناة التي تتفاقم ولا أفق قريبا للخروج من عنق الزجاجة فقد هرمنا بانتظار الكهرباء وهرمنا بانتظار المعبر، ثماني سنوات بلا كهرباء وبلا معبر جعلت الحياة أكثر قسوة ومن حقنا أن نقول كفى .. أن نرفع صوتنا عاليا ليس بهدف التربص بحركة حماس بل للخروج من هذا المأزق الذي وضعت الحركة نفسها فيه وضعتنا معها .. علينا أن نفكر بشكل جماعي بكيفية الخروج مهما كانت صعوبة الحل وليس أمام "حماس" سوى الخيارات الثلاثة إما تعديل موقفها والتصالح مع النظام الجديد في مصر وإما الذهاب نحو أبو مازن وإما أن تترك الحكم.
وإذا ما تخلت عن حكم غزة فلن تحتله إسرائيل وهذه خرجت لأنها لا تريد البقاء في غزة فقد عبر مستشار الأمن القومي السابق غيورا ايلاند بوضوح عن سياسة إسرائيل تجاه القطاع وهي حصيلة مجموع الفكر الإسرائيلي ومراكز الدراسات "فك ارتباط للأبد" لأن غزة تشكل مشكلة إنسانية وديمغرافية ومشكلة إستراتيجية "حسب مؤتمر هرتسيليا التاسع" وأزمة أمن قومي وهي عبء كبير كانت تنتظر اللحظة للتخلص منها بدءا من أوسلو الذي قام على التخلص من القطاع مرورا بالانسحاب انتهاء بما قاله ايلاند بوجوب الاعتراف بدولة غزة .. الأمر بدا مستحيلا بالتعايش في ظل هذه الظروف وعلى "حماس" التي قررت الانفراد بحكم القطاع أن تبحث عن حل فلا يمكن الاستمرار هكذا .. وعليها أن تقدم تنازلات من أجلنا، وإذا كان لديها خيار جديد فلتتفضل .. هذا طبعا لا يبرر لمصر تلك القسوة في التعامل مع قطاع غزة وخاصة بمسألة المعبر لكنه في سياق الممكن فلسطينيا والممكن لدى "حماس" وعليها أن تقدم تنازلات من أجلنا...!
في نابلس، جنازتان لثلاثة شهداء!
بقلم: ريما كتانة نزال – الايام
صُدم شهداء نابلس عندما أفلَت زمام المدينة من يدهم، وخروج الأمور عن سطوتهم المعنوية، وشعورهم بأنهم ليسوا الموضوع. لقد تعرف الشهداء على وضع شاذ تكرس خلال سبع سنوات، ولم تستطع نابلس أو كان خارجاً عن إرادتها الارتقاء الى رفعة اللحظة التي يستعيد بها الشهداء الثلاثة أسماءهم، والتحرر من صَلب الاحتلال رفاتهم على رقم أصم.
من نعوشهم، وبمحاجر عظامهم رأوا ماذا فعل الانقسام بمدينتهم، وشاهدوا ضياع حلمهم بزفة عرس لا تُنسى. لقد توقع الشهداء عودة دافئة للتربة المرويّة بوفائهم، وحلموا ببذخ نابلسي مقطَّر بسكر الكنافة، ووعدوا أنفسهم بزغاريد تتبادل صداها جبالها المتقابلة، وأن يقترب "جرزيم" من "عيبال" كعادتهما في مناسبات الشهادة لتبادل القبلات والتهاني وتظليل الشهداء ومواكبهم.
توقع الشهداء الثلاثة أن تكون الجنازة معبراً استثنائياً للحالة الانقسامية، مع احتفاظهم بوجهة نظرهم الخاصة، والتوحد على نبذ انقسام الجنازة إلى خندقين متقابلين، فمنذ استشهادهم، خرجوا من طباع البشر وانحيازاتهم الدنيوية، وارتقوا نحو السماء وطالت أعناقهم نحو القضية الوطنية وعلمها الواحد وبيارقها المتعددة، حيث يمتلكون أسرار الحياة والموت ومفاتيحهما بوضوح وشفافية.
الشهداء يتفهمون دقة اللحظة، لكنهم يتفهمون أكثر الخطوط الحمراء المحرَّم تخطيها، وامتطاء نعوشهم لتسعير الحالة الانقسامية، وتوظيفهم في خدمة الخطاب الدموي. لم يكن بمقدور عظام الشهداء التواقة الى لحظتها الوحيدة المتبقية وقف لعبة المساخر، وعجزوا عن الإمساك بتلابيب الانحدار الذاهب إلى القاع، في لحظة عاطفية استدرجت الأذى بهم وألحقت الضرر برسالتهم الموحدة، وهالهم تشتت زفَّتهم إلى حوريتهم الأبدية فلسطين.
تحاور الشهداء حوار النبلاء الذين تفاجؤوا بخسة الحالة، وتساءلوا عن ممكنات تغيير المشهد وقلب النفوس المتحفزة للشرور، جنازتان أو جنازة واحدة! وبأي جنازة يمضون! وهل لهم حرية اختيار مساربهم وهتافاتهم! واتفقوا انهم يعودون في الوقت الخطأ، وأمسكوا لسانهم عن القول انهم يتجهون نحو المكان الخطأ..
الشهيد "أحمد ياسر" نفى عن ذاته الاستقطاب قائلاً: على من أعتب إضاعة لحظتي الخاصة، ومن ألوم على هزّ أركان هويتنا الوطنية، ومن المسؤول عن الاعتداء على شهادتنا وخصوصية الشهيد؟ لقد سُلبت مني لحظة مخصصة لي، لقد حرمتني القبائل من وداع دافئ، أرقد فيه قرب أخي الذي سبقني شهيداً على نفس الدرب، ليس بيدي سوى الشكوى إلى الله..
وبينما كانت الدموع تتساقط من نعش الشهيد "محمد حموضة" قال: حبيبتي نابلس، لمَ فقدت ملامحها الخاصة، ولماذا اختلطت هوية الوطن الواحد بنابل الخلاف السياسي والمصلحي، وأُعلن رفضي وغربتي عن الاستقبال المفتعل، وأستغرب ضياع البوصلة عن اتجاهها، وأفضل أن أبقى عالقاً بين رقمي واسمي على رؤية هذا المشهد.
الشهيد "محمد الحنبلي" يفكر مليّا قبل أن يقول: نابلس التي أحبتني وخرجت عن بكرة أبيها يوم أطبق الاحتلال المنافذ أمامي، اليوم تنقسم على محبتي. أنا أستحق منكم أكثر، وجدير بتوحد الناس في عرسي كما توحدت في مأتمي، لقد حرمتموني من لحظتي المنتظرة..لا علاقة لي بهذا الانقسام، أعيدوني إلى رقمي، لقد حملت بندقيتي لفلسطين ومن أجلها استشهدت، وأريد أن أدفن بحضور مكوناتها، ولن يدفئني إلا التدثر بعلمها الوطني.
الخيارات كانت مغلقة أمام الشهداء، فقد باءت محاولاتهم السير في جنازة واحدة بالفشل. لم يعرفوا لمن يتوجهون بعتابهم، ولمن يوجهون لومهم على تفسخ النسيج واهترائه، لم يكن بين الشهداء أي خلاف، وتحرروا من حساسية متلازمة الألوان، فقد وحدهم لون الهدف، وقاربت المقبرة الرقمية عظامهم.
وعدت نابلس نفسها بالفرح، وعد لم تكن متأكدة منه كثيرا، لكنها وعدت نفسها بأن تتجمع كعادتها حول الشهداء، لترشهم بدفق عارم من العطر والحب. وعدت نفسها بثقة وإصرار أن تبقى مع بعضها، معوِّلة على طبيعتها المتسامحة، متكئة على شبكتها الاجتماعية والعائلية، لتكتشف أن الشبكة أصابها "فيروس" الانقسام الذي اخترق الحزب السياسي، فتعطلت مناعتها ضد الانحياز الفاقع والتشيّع الفاضح.
عين نابلس العتيقة والخبيرة، تكتشف تدريجياً جميع الأجواء المشحونة بشتى ملوِّثات التعصب السياسي، وتفحص مليّا الآثار السلبية للهرج والتعصب المتفشي فلسطينيا، والذي ينمو على وقع التحريض الإعلامي البائس، ويترعرع على وقع "ربيع العرب"، وتتأكد في جنازة الأرقام فشلها وفقدها القدرة على حماية براءة وطنيتها من كل شرر وخطر.
لقد أطلقت نابلس صافرة الانذار، رافضة تحويل ميدانها إلى ميدان "رابعة"، ورفضت بالمقابل الحلول الأمنية وقالت كلمتها: أن فلسطيننا تفقد تدريجيا شخصيتها المتفردة، حيث تحمل الفئوية مِعْولها لتدمير أسس العقد الاجتماعي بين الفلسطينيين، وإضاعة البوصلة الفطرية، في خضم المتناقضات والاستقطابات ومؤثراتها، فهلا صحونا..
الوقوف على أطلال .. شعر المقاومة
بقلم: عادل الأسطة – الايام
السبت 15/3/2014 ألقيت، لأول مرة، في جامعة القدس (أبو ديس) محاضرة عن شعر المقاومة.
أذكر أنني في نهاية 90 ق20 شاركت في مؤتمر عقدته الجامعة، بالتعاون مع اتحاد الكتاب، عن الرواية الفلسطينية، وقد قدمت فيه ورقة عن تطور السرد في الرواية الفلسطينية، وقد عقد المؤتمر في كلية هند الحسيني. يومها دخلنا القدس خلسة، لا للحصول على مائتي دولار مكافأة للورقة، وإنما لأنني أرغب في زيارة القدس، ولو تسللاً.
ورحم الله الكاتب عزت الغزاوي، فقد كان نشيطاً وفاعلاً في الحركة الثقافية.
كنت دعيت لإلقاء ورقة عن شعر المقاومة، ذلك أن جامعة القدس عقدت النية على استضافة السيد عبد العزيز البابطين، صاحب مؤسسة البابطين للشعر، والاحتفال به، ولقد لبيتُ الدعوة، علماً بأن المحتفى به لم يحضر، وألقيت محاضرة عن أدب المقاومة، وتحديداً عن شعر المقاومة، فهل بقي هناك أدب مقاومة وشعر مقاومة؟ هل وقفت، إذن، على أطلال شعر المقاومة ونثرها؟
كان غسان كنفاني التفت إلى الشعر العربي في فلسطين المحتلة، وأصدر كتابين فيه هما "أدب المقاومة في فلسطين المحتلة" و"الأدب الفلسطيني المقاوم بين 1948 و1968" وتوقف أمام أبعاد هذا الشعر: البعد الاجتماعي، والبعد الوطني والبعد القومي والبعد الإنساني.
كتب الشعراء عن الأرض والصمود والمجازر التي تعرض لها الفلسطينيون في دير ياسين وكفر قاسم، وكتبوا عن هزيمة حزيران أيضاً. وتوقفوا أمام التخلف الاجتماعي والعادات والتقاليد البائسة، وتغنوا بالثورات العربية في مصر والعراق والجزائر واليمن، ونشدوا نشيداً أمميا لانتصارات الكونغو والفيتكونغ وكوبا، وكانوا يصدرون في هذا كله عن فكر ماركسي حملوه وانطلقوا يكتبون من رؤاه، وآمنوا بأهمية الكلمة ودور الشاعر في التغيير، ولذا خاطبوا الجماهير وكتبوا لها أشعاراً تفهمها وتتغنى بها. "سجل أنا عربي/ علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي وأقاوم/ نحن يا أخت لا نكتب أشعاراً ولكنا نقاوم/ أناديكم، أشدّ على أياديكم/ أنا ما هنت في وطني/ هنا باقون... إلخ... إلخ".
وفي الوقت الذي رأى فيه غسان في هذا الشعر شعر مقاومة، اختلف معه غالي شكري في كتابه "أدب المقاومة"، ورأى فيه شعر احتجاج، ذلك أنه شعر يدعو إلى الحوار ويجنح إلى أوضاع الشعب الفلسطيني، دون أن يدعو إلى حمل السلاح، ولم ير شكري في الشعراء الفلسطينيين شعراء مقاومة، إلاّ من دعا منهم إلى حمل السلاح، وهذا ما بدا في أشعار معين بسيسو. والطريف أن شكري رأى في فدوى طوقان شاعرة مقاومة، لا لأنها دعت إلى حمل السلاح، فهي حتى العام 1967 لم تكتب سوى بضع قصائد وطنية لا تدعو فيها أصلاً إلى حمل السلاح، وإنما لأن أبعاد شعر المقاومة، كما يرى شكري، ثلاثة: البعد الاجتماعي والبعد القومي والبعد الإنساني، وهي ركزت على البعد الاجتماعي وتمردت على الواقع في قصائدها المبكرة.
أدونيس، علي أحمد سعيد، سيقف في كتابه "زمن الشعر" أمام ظاهرة شعر المقاومة، وسيدلي بدلوه فيه. سيكتب أدونيس "إنني لست واثقاً من أن في الأرض المحتلة شعر مقاومة" ـ أي شعراً ثورياً. (ص103) وشعر المقاومة، أو ما اصطلح عليه على أنه شعر مقاومة هو، في نظر أدونيس، "شعر محافظ منطقي ومباشر، مشبع بروح المبالغة، يحاول أن يصنع الثورة بوسائل غير ثورية، ينطق بالقيم التقليدية التي تتبناها القوى المحافظة".
هل مقطع محمود درويش التالي هو ما جعله يذهب ذلك المذهب؟" أحد الشعراء يقول: لو سرّت أشعاري خلاّني/ وأغاظت أعدائي،/ فأنا شاعر/ وأنا سأقول".
ويرى أدونيس أن شعراء الأرض المحتلة يستلهمون أحياناً أحداثاً ماضية ذات بعد وإطار دينيين، وأحياناً يستلهمون الأنبياء أنفسهم، وأحياناً يعكسون فكرة الثأر، والثورة لا تقوم بإحياء الماضي أو استدعائه" (ص180).
هل بعض قصائد محمود درويش في "عاشق من فلسطين"، وبعض قصائد سميح القاسم في "دخان البراكين"، وقصيدة فدوى طوقان التي استدعت فيها هند بنت عتبة، هي ما دفع أدونيس ليقول ما قال؟
يختلف حسين مروة في كتابه "دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي" عن شكري وأدونيس، ويرى في شعر الأرض المحتلة شعر مقاومة، و"ميزة أدب المقاومة تكمن في علاقته بالجماهير، وفي صدق تجربته حيث الممارسة الفعلية للمقاومة، وفي النظرية العلمية للثورة وامتلاك الشعراء للنظرية".
وأعتقد أنه ما من شاعر فلسطيني امتلك النظرية ونظر لفن الشعر، في شعره وفي المقابلات التي أنجزت معه، مثل محمود درويش، ما دفعني ذات يوم لأن أكتب دراسة عنوانها: "الشاعر، من خلال شعره، منظراً للشعر"، وقد نشرتها في مجلة "الأسوار" في عكا.
في كتابي "أدب المقاومة.. من تفاؤل البدايات إلى خيبة النهايات" (1998) الذي كنت نشرته على حلقات في جريدتي "الأيام" و"البلاد"، تحت عنوان "أدب السلم.. أدب الخيبة" (1997) توقفت أمام شعراء عديدين، وأمام روائيين عديدين، لألاحظ ما كانوا عليه قبل أوسلو، وما غدوا عليه في أثناء أوسلو: محمود درويش، وأميل حبيبي وسحر خليفة وأحمد دحبور وسميح القاسم ومريد البرغوثي وعلي الخليلي و.. و.. و..
كان سميح القاسم، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أعلن أنه سيتوقف عن كتابة الشعر، وأظن أنه كتب هذا في مجلة الناقد التي كانت تصدر في لندن عن دار رياض الريس.
لماذا؟ لأن المشاريع الثلاثة التي كرس الشاعر لها شعره انهارت، المشروع القومي والمشروع الاشتراكي والمشروع الوطني.
وسيختلف سميح وستختلف كتابته، وسيكتب قصائد مديح في هذا الزعيم العربي وفي ذاك النظام العربي، بعد أن كان هجاها ـ أي الأنظمة. هل ظل سميح شاعر مقاومة؟
محمود درويش سيكتب بعد أوسلو ثلاث مجموعات شعرية "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" (1995) و"سرير الغريبة" (1999) و"جدارية" (2000). أين قصائد هذه المجموعات من قصيدة "سجل أنا عربي" أو قصيدة "أحمد الزعتر" أو قصيدة "عابرون في كلام عابر"؟ هل هذه المجموعات الثلاث أدب مقاومة؟ وسيعود محمود درويش في 2002 ليكتب "حالة حصار"، ولقد فرض الواقع نفسه عليه. سيعود ليكتب شعر مقاومة، ولكن "حالة حصار" سيكون استثناء، إذ بعده أصدر الشاعر مجموعات مختلفة، فقد عاد ليجرب وليكتب قصائد مختلفة. هل ما كتبه درويش بعد "حالة حصار" يعد شعر مقاومة؟
في العام 2005 وقع الشاعر ديوانه "كزهر اللوز أبو أبعد" (2005) وقد كتب كلمة ألقاها، ثم نشرها في مجلته "الكرمل"، يقف فيها أمام مصطلح أدب المقاومة، ويعرّض بالنقاد الذين أخذوا يعرّضون به ذاهبين إلى أنه لم يعد شاعر مقاومة.
أشار درويش إلى أنه لم يتخلّ عن شعر المقاومة، إنما تخلى "عن كتابة الشعر السياسي المباشر محدود الدلالات، دون أن يتخلى عن مفهوم المقاومة الجمالية"، ولقد تساءل: "أما من دليل آخر على المقاومة سوى القول مثلاً: سجل أنا عربي، أو تكرار شعار: سأقاوم، سأقاوم"؟، وذهب إلى أنه يوم كتب الشعر في فلسطين كان يكتب حياته، ولم يكن يعرف أنه شاعر مقاومة إلاّ حين كتب غسان كنفاني كتابيه ودرسه على أنه شاعر مقاومة".
إن استيعاب الشعر لقوة الحياة البديهية فنياً هو فعل مقاومة، فلماذا نتهم الشعر بالردة إذا تطلع إلى ما فينا من جماليات حسية وحرية خيال وقاوم البشاعة بالجمال؟".
ولم يكن هذا الفهم الجديد لشعر المقاومة مقتصراً على محمود درويش، فقد قرأنا رأياً مشابهاً لمحمود شقير القاص، وآخر للشاعر مريد البرغوثي. شقير قال إن قصة فيركور "صمت البحر" هي أدب مقاوم، مع أنها لا تحفل بأية مفردة ترتبط بالسلاح، ومريد البرغوثي قال: ديوان الشعر ليس عيادة نفسية ولا خندقاً ولا دبابة، وله رأي طريف نشره في مقابلة معه في "الدستور" الأردنية (30/9/2005) ولعلها توضح أنه لا يختلف في فهمه الجديد لقصيدة المقاومة عن محمود درويش، و.. و.. و... .
تغريدة الصباح- عقدة الدال والنقطة
بقلم: حنان باكير – الحياة
عقدة الألقاب والرتب، هي مرضنا الاجتماعي الراهن وبامتياز. ولعل عقدة لقب " الدكتور"، أي الـ " د." عند العديد من مثقفينا هي الأبرز والأوضح. لفتني هذا الأمر، منذ زمن طويل، عندما انتقلت للعيش في الغرب!
في النرويج، استعرضت جميع الصحف، ولم أجد أمام اسم أي صحفي او رئيس تحرير: " د. ".. وكذلك على الكتب، إذ لم أقرأ مرة، أي لقب أمام اسم أيّ مؤلف. فكرت في نفسي.. بهذه المفارقة.. شعب متحضّر مثل الشعب النرويجي، وليس بين كتّابه من يحمل لقب " د. ".. بينما في بلادنا ونحن من شعوب العالم الثالث، ما شاء الله .. ما أكثر حملة الدكتوراه عندنا !!
بحت بهذا الهاجس لصديق كاتب نرويجي. ضحك وتناول جريدتين كانتا معه، فتحهما واستعرض لي، أسماء كتّابها، معظمهم من حملة الدكتوراة! ثم فلفش في جريدة كانت معي وفعل الشيء ذاته!
سألته: ولماذا لا يكتبون ذلك؟ أجابني: ولم عليهم فعل ذلك؟ وهل نقيّم كتاباتهم على ضوء ألقابهم؟!
التقيت ذات مرة، عند صديقة لي، بصديق لها مع زوجته. في جلستنا القصيرة، تكررت عدة مرات على لسانه: أنا كنت في بلدي دكتورا في الجامعة، وكذلك زوجتي هي دكتوره أيضا! وعندما تتحدث هي، تذكّرنا بأنها كانت دكتورة جامعية وزوجها كذلك! ورغم تقدمهم بالعمر، فإنهما لم يرفعا الكلفة بينهما.. هي تناديه "يا دكتور"! وهو كذلك!! ضاقت اخلاقي منهم، وهممت بالانصراف، قال لي: جلستك جميلة فلم لا تبقين؟ أجبته: عم بحضّر دكتوراه، وعندي شغل كثير. وما هو موضوع رسالتك؟ سألني.. عن الأمراض النفسية والاجتماعية التي تصيبنا، في المنافي المتحضّرة كما في بلادنا! أجبته. قلّب شفتيه علامة الاعجاب، وعقّب: موضوع جدا مهم! وهذا ليس صحيحا! انها سخرية.
صديق آخر من حملة الدكتوراه.. عندما شعر أخيرا وأدرك، أنه " تخّنها"، في ذكر لقبه الـ "د. "، وتجنبا لسخريتي من هؤلاء، الذين يتشرفون بألقابهم، ويعتقدون بأن اللقب هو من يشرّف اسماءهم وليس العكس.. ماذا فعل؟
هذا الصديق، وبما أنه ذكي وفطن، ويستحق عن جدارة حمل لقبه، لجأ الى أسلوب جديد! في كل مرة تلتقيه، يخبرك بأنه التقى صديقا.. وبادره بالقول: يا دكتور فلان .. وقبل أن يتابع حديثه، يقاطعه الدكتور: لو سمحت يا صديقي.. أنا ما بحب أن تناديني يا دكتور.. وماذا يعني أني دكتور جامعي! وأني أحمل الدكتوراه وبدرجة جيد جدا! وبقدرة قادر تتحوّل عنده.. الدال، ضادا. والتاء، طاء، لزوم التفخيم ربما، فتلفظ " ضكطور".. ومع التشديد على الكلمة! ليلفت انتباهك جيدا! ولو التقيت ذلك المثقف الأكاديمي خمس مرات في اليوم الواحد، فإنك ستسمع تلك اللازمة خمس مرات!! طريقة ذكية .. تجنّبه السخرية.. تشبع غروره بأنه دكتور، ولا يحرم من نعمة التذكير بها! فالذكرى تنفع المؤمنين!
كثر من أصدقائي، يعتقدون بأني أحمل ذلك اللقب، وأنا والله، بريئة منه.. براءة الذئب من دم يوسف.
في واقعة قتل الدكتور محمد بديوي: أن تكون إعلامياً.. تحمل معك سر استشهادك..!
بقلم: فخري كريم – الحياة
سقط شهيد آخر، أعزل، مجرداً من اي سلاح جارح، سوى فكرة يظل يُقلبُها في ذهنه، ويعيد صياغتها قبل ان تتحول الى سلاحٍ يرتعب منه الحاكم الجائر، والمُتلبس بالجرم العام الذي يذهب ضحيته كل يوم مئات الضحايا، ويتحول الشعب الاعزل الى هدفٍ مُسلٍّ، لا يأبه به وبمحنته أشباه الرجال، أشباه الحكام، أياً تكن هوياتهم الفرعية. فالقتل على الهوية، واستباحة الكرامات، وامتهان الحقوق، اذ تصبح "عادة يومية"، ومشهداً يتطاير في كل انحاء البلاد، تفقد اهميتها، ولا تشكل مدعاة لملاحقة المجرم الحقيقي "المستهتر" بحرمة الروح الانسانية، ومعنى الفقدان، ما دام ممكناً تحويل النزيف غير المنقطع الى تميمة تحفظ له كرسي الحكم وما يدره من امتيازٍ وجاهٍ ومالٍ سحت حرام.
الشهيد الدكتور محمد بديوي، سقط امس مضرجاً بدمه الزكي في بغداد، برصاصة قاتل يرتدي بدلة قوات حكومية، وعلى كتفه إشارة الحرس الرئاسي، لأول مرة، بغياب الرئيس جلال الطالباني الذي لم يكن ليتردد لحظة واحدة، ودون ان يستمع الى تبريرٍ أو تفسيرٍ، في وضع القاتل في دائرة الادانة وتسليمه الى الجهات القضائية، للتحقيق والمحاكمة وانزال العقاب الرادع به.
الصحفي والاعلامي اصبح هدفاً غير مكلفٍ، فلا هو قادرٌ على حماية نفسه، وليس له ما يتكئ عليه للذود عن حياته، وخلق البيئة التي تؤّمن له ممارسة مهمته في الكشف عن الحقيقة، ومتابعة المظالم التي تقضّ مضاجع الناس، وتجرح حساسيتهم الانسانية.
الاعلامي يضع هويته على صدره، دون ان يدري انها ستكون اينما اتجه، وفي اي حقلٍ ملغوم تحرّك، علامة استشهاده، والهدف الذي يُغري القاتل بالتصويب نحوه بدقة المحترف، وحقده على حامل الهوية. فالقاتل يعرف ان الهدف مكشوف الظهر، بلا حول ولا سلاح. مقتحمٌ بقوة اقدامه على جلاء المستور، واستكمال البحث عن الحقيقة المغيّبة، اياً كان من يسعى للتمويه عليها.
القاتل، لا يحمل هويته على صدره، بل يُشهر سلاحه، ويُكشّر عن انيابه وهو ينظر الى الضحية بدمٍ باردٍ مسموم. وقد تعددت هوية القاتل الذي يبحث عن الاعلامي، لأنه مطلوبٌ، يُغري "العلّاسة" الذين يمهدون طريق القاعدة وداعش والميليشيات الاجرامية، للوصول اليه. لكنه هدفٌ لا يحتاج الى "علاسة"، حين تستهدفه حماية مسؤولٍ، أو قوات سوات وهي تطارد متظاهرين مسالمين، يحتجون على نقص خدمات أو التعدي على الدستور والحريات وانتهاك الحرمات والكرامات واغتصاب السلطة.
ليس بالسلاح وحده يُقتل الاعلامي، بل بالتعدي المجاني عليه، كلما أراد أن يغطي حدثاً أو يلقي الضوء على مسارٍ يبدو غامضاً، أو حتى حين يقوم بمجرد متابعة نشاطه اليومي الذي لا يستهدف جهة بعينها أو مسؤولاً. وأقسى ما يواجهه الاعلامي، قد يراه البعض منهم، أشد وقعا من الموت نفسه، وذلك عبر محاولة سلب كرامته وامتهانها، والسعي لشراء ذمته وتطويعه لما يتعارض مع قيمه وشرفه المهني، ويُخّيره بين ذاك وبين التحول الى موضوع للشهادة، حياً أو ميتاً.
ليس دم الاعلامي ازكى من دم العراقيين والعراقيات التي تُسفح كل يوم، بل كل لحظة، ودون ترتيبٍ أو تفريقٍ على الهوية، لكنه علامة تختزل معنى موت العراقي في هذا الزمن، حيث القاتل يتخّفى، ويتلون، بزيٍ ارهابي مكشوف أو متستر، أو بلباسٍ وهوية حكومية مسروقة، أو متواطئة. وفي كل مرة، يجري تسجيل الجريمة ضد "مجهول" أو تُمرر بحكم تقادم الزمن، ليطويها النسيان، خصوصاً اذا كانت الجريمة معروفة بالصورة، كما حصل للشهيد محمد عباس، المدرب الرياضي المشهور الذي ترك نعيم الدانمارك، ليُقتل ضرباً وتجريحاً من افراد سوات، وبينهم قريب اكبر مسؤولٍ في الدولة، وليستشهد في "نعيم عبعوب"! والجريمة المروّعة تآكلت بحكم تقادم الزمن!
لقد نسي الناس فواجعهم، بعد ان رأى كثرة منهم، جسد الشهيد محمد بديوي، مضرجاً مسجىً في نثار دمه الطاهر، وربما شعر البعض منهم، بقوة السلطة وهي تتخذ اقصى الجاهزية لاقتحام مجمع الرئاسة بحثاً عن القاتل الهارب، لا لتحمي حرمة القتيل وتأخذ بدمه الطاهر، بل لتدُك آخر ما تبقى من هيبة الدولة الفاشلة في غياب رئيسٍ كان بامكانه ان يمنع الجريمة، ويأخذ بحق البلد التي انتهكت حرماتها، دون مساءلة أو ملاحقة أو اجراء.
لقد ألقت قوات حرس الرئاسة القبض على الجاني، وهي بذلك قدمت مثلاً في الخضوع للقانون، والامتناع عن حماية الجريمة وتبريرها، ما يجعلها سابقة، يفترض ان تشجع على فضح الجهات التي تحمي قتلة الشهيد المدرب محمد عباس، والشهيد هادي المهدي، والشهيد كامل شياع، وعشرات الشهداء الآخرين، ومنع اسدال الستار على جرائم قتلهم، وتسجيلها على ذمة مجهول معروف الهوية والانتماء.
والقاتل لابد ان ينال ما تفرضه العدالة، والامتثال لها يجب ان يتحول في الوعي العام الى ثقافة، لكن حذار من تحويل دم الشهيد الى قميص آخر، يجري التلويح به في الدعاية الانتخابية، وحذار من السماح لمن يتصيد في المياه العكرة، فيشعل بها فتيل فتنة، لتظل ازمة مفتوحة تشعل نيراناً وحرائق.
القتل المجاني العبثي، صار ثقافة تسود، مع سيادة عسكرة المجتمع، بعد ان جرى اعتمادها، كبديلٍ عن ثقافة الاصلاح، والمصالحة المجتمعية، والتوافق الوطني، والاحتكام الى الدستور والقيم الديمقراطية والمواطنة الحرة.
ولا سبيل لردع القاتل، وازاحة ثقافة القتل والجريمة، الا عبر نهوض جماهيري ديمقراطي، يعيد للناس الامل والثقة بالمستقبل.
الى "محكمة الجنايات الدولية"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
يتواصل مسلسل القتل بمعدل شبه يومي، وبدا واضحاً، أن هدف الاحتلال، هو جرّنا الى مواجهات مسلحة، يُصار أثناءها وبعدها الى صرف الأنظار عن مسؤوليتهم عن الانسداد السياسي، والعودة الى ديماغوجيا تقول إنهم يتعرضون لما يسمونه "الإرهاب". واللافت أن عمليات القتل، تتم دون أسباب سوى إعلانهم عن نوايا للضحايا في حال كان الشهداء من الفصائل الإسلامية، وبالزعم تارة أخرى عن كون الشهيد الضحية، قضى مسلحاً ويتحفز لإطلاق النار، مثلما حدث مع الشهيد العامل الكادح البريء في جنوبي الضفة، الذي كان يعمل مع وكالة (USAID) ويرتدي سترة عليها شعار هذه الوكالة. فقد طلبوا منه خلع السترة، وأمروه بالركض جيئة وذهاباً، ثم أطلقوا النار عليه بدم بارد، ونقلوا الجثة بسرعة الى أحد مشافيهم، ما دعا الى ترجيح احتمالات سرقة أعضاء من الميت، وهذه فعلة، على الرغم من بشاعتها ولا إنسانيتها، غير مستبعدة على الأوغاد المحتلين، لا سيما وأن طبيبة إسرائيلية، اعترفت أمس أنهم يسرقون أعضاء من جثث أبنائنا الشهداء!
ماذا يريد هؤلاء، غير جرنا الى ردود أفعال يجعلونها سبباً في تنصلهم من استحقاق التسوية؟ ففي تشييع شهداد جنين الثلاثة تأججت مشاعر الناس الذين شاهدوا بأم العين، كيف قُتل أبناؤهم وجُرح بعض المواطنين المتواجدين في المكان. كانت الوحدة العسكرية التي اقتحمت مخيم جنين، هي "وحدة الاغتيالات" ما يعني أن العملية جرت ضد شبان لم يخرجوا من مخيمهم للقتال، لكنهم قاتلوا دفاعاً عن أنفسهم.
إن سفك دمنا، هو الطريقة التي رآها الفاشيون مناسبة لكي يهربوا من تداعيات صلفهم وغرورهم، إذ لم يكتف الأميركيون بالاعتذار الناقص الذي قدمه وزير الحرب موشي يعالون، لنظيره الأميركي تشاك هايغل. فقد طالب الأميركيون باعتذار واضح عن توبيخ الإدارة الأميركية وتعييرها بضعفها، لكن يعالون اكتفى بالقول إنه لم يقصد الإساءة. وفي محاولات التهرب من تحمل المسؤولية عن فشل العملية السلمية، لم يجدوا أنسب لهم من تشغيل آلة القتل، لإثارة غضب الشعب الفلسطيني ودفعه الى العنف، وخلط الأوراق وجرنا الى مواجهات لا تتوافر لنا فيها، الشروط الموضوعية المساعدة على القتال. وهنا ينبغي أن يكون وصف بشاعة القتل اليومي، موضوعاً لمخاطبات للقوى الدولية، تشرح دوافع الاحتلال من هذه الجرائم، وتذكّر بحقنا في الذهاب الى "محكمة الجنايات الدولية". وفي لغة السياسة، لا بد من إعلاء الصوت ضد هذه الجرائم التي تطال مواطنين لا يحملون السلاح، وكذلك التأكيد على حق الفلسطيني الذي يمتلك السلاح، في الدفاع عن نفسه عندما يُهاجم في منزله. فنحن على الطرف النقيض للاحتلال، فلم تعرف النزاعات في التاريخ، طرفاً يزعم الحق لنفسه في مهاجمة بيوت الطرف الآخر، لمجرد نوايا يفترضها عندهم.
واضح تماماً، أنهم يريدون أخذنا الى دائرة العنف، لأنهم يرون أن هذه هي التي تناسبهم، ويكون بمقدورهم اقتراف الفظاعات وإدانة الضحايا في الوقت نفسه. أما في دائرة السياسة، فإنهم يجدون أنفسهم الطرف الأضعف، الذي احترقت ذرائعه واتضح تطرفه وتبدى صلفه وغروره!
الجريمة التي راح ضحيتها شاب عامل ضمن أشغال (USAID) تستحق منا جهداً سياسياً ودبلوماسياً، يسلط الضوء على الممارسات الاحتلالية، المجردة من كل القيم الإنسانية. أما الجريمة التي اقترفتها "وحدة الاغتيالات" في مخيم جنين؛ فإنها تستوجب شرحاً يؤكد على بشاعة وجود مثل هذه الوحدة العسكرية أصلاً، وعلى حق الذين يُهاجمون في البيوت، في الدفاع عن أنفسهم، من أي فصيل كانوا!
شيء عجيب يلامس العار، أن يظل العالم يتفرج على دولة احتلال، تعاند مرجعيات التسوية وترفض الجلاء عن الأراضي التي تحتلها، وتقتحم المناطق المأهولة بالسكان، وتقتل. فإسرائيل ينبغي أن تحُاسب، ولا بد من جواب عن هذه الجرائم، والذهاب الى المنظمات القضائية الدولية. إننا بصدد قوة غاشمة، مسلحة حتى النواجز، تمارس إرهاباً مكشوفاً، وتتحفز لتوسيع دائرة العنف، لكي تتهم ضحاياها بممارسة الإرهاب!
الرد على مذبحة جنين
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
ارتكبت دولة التطهير العرقي الاسرائيلية مذبحة جديدة في مخيم جنين صباح أمس، ذهب ضحيتها ثلاثة شهداء، وسبع إصابات واختطاف ثلاثة مواطنين دون اي مبرر وفق شهود العيان. وهو ما يتناقض مع الرواية الاسرائيلية الكاذبة، التي اعلنها يعلون، وزير الحرب، مدعيا، ان الارهاب المنظم، الذي نفذ في جنين، امكن من تفادي عملية عسكرية كبيرة. الا ان الحقيقة غير ذلك، لأن الاعتداء تم على المواطنين، وهم في بيوتهم، ولم يكن احد منهم (الشهداء أو الجرحى والمختطفون) يقوم بأي عمل كفاحي.
السؤال، ماذا تريد إسرائيل من الجريمة الارهابية الجديدة؟ وما هي الرسالة، التي ارادت إرسالها للقيادة والشعب الفلسطيني على حد سواء، وللقادة العرب في قمتهم العربية الراهنة، وللغرب واقطاب الرباعية وخاصة الولايات المتحدة؟
أرادت إسرائيل الاستيطانية من جريمتها الارهابية تأجيج حالة السخط والغليان في اوساط الشعب، ودفعه نحو الانفجار، لا سيما ان عمليات القتل والاغتيال للشباب الفلسطيني بلغت 57 شهيدا منذ نهاية تموز الماضي (العودة لطاولة المفاوضات)، وحوالي 900 جريح، واكثر من 500 اعتداء من قبل قطعان المستوطنين على المواطنين الفلسطينيين ومصالحهم وممتلكاتهم، واعتقال حوالي 3000 مواطن؛ وذلك لعودة حالة الفوضى في الساحة، وبهدف خلط الاوراق على امل تحميل الفلسطينيين المسؤولية عما آلت اليه الامور، وللهروب من استحقاق الافراج عن الدفعة الاخيرة من الاسرى، الذين اعتقلوا قبل اوسلو، ومواصلة الاستيطان الاستيطاني.
اما رسائل إسرائيل للقيادة الفلسطينية والقيادات العربية والعالم بمستويات المختلفة ومنابره الدولية المعنية بالصراع الفلسطيني / الاسرائيلي، فهي:
اولا: شاءت الحكومة الاسرائيلية التأكيد للشعب والقيادة السياسية، ان اللغة الوحيدة للتعامل معكم هي، لغة البارود والقتل؛ ثانيا: حكومة نتنياهو ليست مستعدة ولا جاهزة لتقديم اي استحقاق من استحقاقات التسوية السياسية ثالثا: خيار إسرائيل الاستراتيجي، هو التخندق في خنادق الاستيطان؛ رابعا: لا لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؛ خامسا على اميركا اوباما أن تطوي ملف جهودها وتصمت، وتكف عن اي فعل سياسي، لان إسرائيل غير مستعدة للاستجابة لاية جهود لا جهود كيري او جهود غيره؛ سادسا حل المسألة الفلسطينية تقرره دولة التطهير العرقي وفق ما تمليه عليها مصالحها ومشروعها الاستيطاني وليس القانون الدولي ومرجعيات السلام.
ما هو المطلوب للرد على المخطط الاسرائيلي: 1- عدم الانجرار الى مربع العنف والفوضى الاسرائيلية؛ 2- لكن هذا لا يعني الصمت، بل يفترض العمل على الصعيد الداخلي دعوة القيادة الفلسطينية لوضع رؤية جديدة تتناسب وحجم الارهاب الاسرائيلي المنظم المنفلت من عقاله، والعمل على تصعيد المقاومة الشعبية؛ وتفعيل الجهد السياسي والدبلوماسي على المستويات كافة لفضح عدوانية وجرائم اسرائيل؛ 3- التوجه للولايات المتحدة الاميركية ومطالبتها باتخاذ موقف واضح من الجريمة والمذبحة الاسرائيلية لحماية جهودها السلمية؛ 4- كذلك التوجه لاقطاب الرباعية الدولية لتحميلها المسؤولية عن جرائم إسرائيل بصمتها وعدم إتخاذها إجراءات كافية للجم الارهاب المنظم الاسرائيلي؛ 5- وعليها مطالبة القمة العربية باتخاذ قرارات تتناسب مع اللحظة السياسية، ولعل التلويح بقطع العلاقات الدبلوماسية من قبل الدول العربية مع إسرائيل، يشكل نافذة إيجابية في دفع قيادة إسرائيل للتفكير بما ستؤول إليه الامور في حال واصلت عمليات القتل والذبح لابناء الشعب العربي الفلسطيني؛ 6- ضرورة الاندفاع نحو المصالحة وطي صفحة الانقلاب الحمساوي الاسود، واعادة الاعتبار للوحدة الوطنية.
الضرورة تملي اتخاذ مواقف أكثر جرأة وشجاعة من قبل القيادة الفلسطينية ردا على جرائم وانتهاكات إسرائيل، التي تتنافى مع ابسط معايير عملية السلام وحقوق الانسان.. دون تطير او مواقف شعاراتية.
ماذا نريد من قمة الكويت؟
بقلم: موفق مطر – الحياة
ماذا نريد من القمة العربية في الكويت؟! وهل يمكن لنا المطالبة بموقف عربي خاص بالقضية الفلسطينية منعزل عن موقف عربي موحد تجاه القضايا العربية المعقدة وتحديدا في الدول العربية المجاورة لفلسطين.
سنكون نحن الفلسطينيون أكثر الرابحين من بيئة ومناخ عربي سياسي مستقر، وبالتأكيد أول الخاسرين من حالة الصراعات الداخلية في الأقطار العربية، ذلك ان سلامة مسار القضية الفلسطينية، وتحقيق آمال الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، مرتبطان بسلامة قلب ثورة الشعب الفلسطيني العربي، ووجهها الفلسطيني، وجذورها الانسانية.
يعلم العرب على الصعيدين الرسمي والشعبي ان التوجه السياسي الفلسطيني يحظى بغطاء عربي رسمي عبر قرارات القمم العربية، ولجنة المتابعة العربية لوزراء الخارجية العرب حيث تتم مناقشة الخطوات الفلسطينية بالتفصيل قبل وبعد أي مرحلة في المعركة السياسية التي يخوضها باقتدار وبتفويض من الشعب الفلسطيني الرئيس محمود عباس، ما يعني ان ايماننا بقومية المعركة مع الاحتلال الاستيطاني الاسرائيلي لم يكن مجرد شعارات وإنما تطبيقا عمليا لمبدأ مركزية القضية الفلسطينية للأمة العربية، فللعرب حق الإطلاع ومناقشة أي خطوة او قرار فلسطيني متعلق بالقضية الفلسطينية تحت مظلة استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، بالتوازي مع حقنا على الأشقاء العرب بتضامن ودعم عربي رسمي وشعبي، ووحدة موقف لا يكون مجرد رافعة وحسب، بل ضمانة لمستقبل القضية ودولة فلسطين المستقلة. وسيندم كل من يعتقد بإمكانية الانسلاخ عن قضية فلسطين.
يجتمع الرؤساء والملوك والأمراء والقادة العرب في دولة الكويت الشقيقة التي شهدت اجتماعات ولقاءات قادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح لسنوات قبل قرارهم اطلاق شرارة الثورة الفلسطينية، وتغيير الحالتين الفلسطينية والعربية، وتتطلع شعوب الدول العربية الى خطط او رؤى عربية ترجع قاطرة التقدم والبناء واستكمال التحرر الى مسارها على سكة الحوار والمصالحات الداخلية وتكريس مبدأ السلام المجتمعي والأهلي، وقرارات تقطع دابر الارهاب والدكتاتورية والشمولية في الحكم، فهذا الثالوث كان سبب الصراعات العنيفة والطائفية والمذهبية والجهوية،، فاستنزفت الدماء، والمقدرات والثروات، حتى ان دولا عربية عريقة باتت اليوم نموذجا سلبيا للصراعات الدموية والتشظي، يهددها خطر التقسيم كما يحدث في سوريا والعراق وليبيا، بعد ان صاغت الشخصية الحضارية لأمة الانسان، ووأد فتن سياسية، وحالة لا استقرار استهدفت مصر لتغييبها، وإضعاف ثقلها الاقليمي، حيث يسعى التيار العالمي للإخوان المسلمين اجهاض ثورة الشعب المصري، ومنع نشوء حركة تحرر عربية، تعمل على تثوير واقع المجتمع العربي وتغييره جذريا، وتحديدا، البنية الثقافية.
أما بالنسبة لدول الخليج العربي فالمطلوب موقف عربي موحد يمنع تحويل جبهة الصراع العربي الأساسي والمركزي مع المشروع الصهيوني الى ثانوي، ويحول دون تحويل الصراع مع ايران الى مرتبة المركزي، مع تأكيد حق الامارات العربية بجزرها المحتلة، فأمام قمة الكويت مهمة تصويب بوصلة الصراع المركزي عبر اقناع (طهران الجديدة ) بالشراكة في تحقيق الأمن والاستقرار مع دول الخليج العربي، واحترام سيادة الدول خصوصياتها الثقافية.