المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقالات في الصحف المحلية 321



Haneen
2014-12-18, 12:03 PM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (321)





</tbody>

<tbody>
المقالات في الصحف المحلية




</tbody>

<tbody>
السبت
19/4/2014





</tbody>

<tbody>




</tbody>





الرسالة التي يجب ان تسمعها اسرائيل!
بقلم: حديث القدس – القدس
القيادة الفلسطينية...وسياسة حد السيف
بقلم: ريموندا حوا طويل – القدس
الخطط الاستراتيجية المقدسية إلى أين ؟
بقلم: نبيل حمودة - القدس
ما دامت المفاوضات خياراً وحيداً
بقلم: عوني صادق – القدس
العودة إلى الحديث عن المصالحة مجدداً ... هل هي جدية؟
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
مع التكامل الإقليمي إلا إذا كان عربياً
بقلم: د . رغيد الصلح – القدس

ما هو "الخط الأحمر"؟
بقلم: حسن البطل – الايام
ضمير بعض الموظفين العموميين أين؟!
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
نقاش آخر مع "حماس"
بقلم: حسين حجازي – الايام
المجلس المركزي إذا ما انعقد
بقلم: صادق الشافعي – الايام
نحو سياسات حكومية تنحاز للفقراء ومحدودي الدخل
بقلم: صلاح هنية – الايام
المعرض والمهرجان
بقلم: رامي مهداوي – الايام
الــكــلاســيـــكو
بقلم: وليد بطراوي – الايام
ماركيز عن قرب
بقلم: وليد ابو بكر – الايام

تغريدة الصباح - الحق..عندما يمشي
بقلم: عدلي صادق – الحياة
"أحبوا بعضكم بعضاً" كانت الوصية
بقلم: جواد بولس – الحياة
حدود جدية حماس
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
إذا كانت إسرائيل تكره السلام؟؟؟
بقلم: يحيى رباح – الحياة








الرسالة التي يجب ان تسمعها اسرائيل!
بقلم: حديث القدس – القدس
ما أقدمت عليه اسرائيل امس بتحويلها المدينة المقدسة الى ثكنة عسكرية واحكام الحصار حولها ومنعها عشرات الالاف من المسلمين والمسيحيين من الوصول الى اماكنهم المقدسة لاداء شعائرهم الدينية، وحملة القمع والاعتقالات التي قامت بها قواتها واجهزة مخابراتها في المدينة ومحيطها، تشكل حلقة اخرى في التصعيد الاسرائيلي المتواصل منذ اسابيع والذي بات يطال حرية العبادة بشكل لم يسبق له مثيل واطلاق العنان لقطعان المستوطنين لارتكاب مزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين كما حدث امس في إذنا وكما يتكرر حدوثه في الخليل وباقي انحاء الضفة الغربية، وهو ما يشكل مؤشرا واضحا بأن الاحتلال الاسرائيلي يدفع باتجاه تفجير الوضع وإدخال المنطقة في دوامة جديد من العنف والتوتر.
يحدث ذلك في الوقت الذي باتت فيه المفاوضات واللقاءات المتعاقبة بحضور «الراعي» الاميركي تدور في دوامة مغلقة من المراوحة المكانية او كمن يحرث في البحر ولذلك باتت هذه المفاوضات ضربا من العبث السياسي والتضليل العاجز عن اخفاء حقيقة ما يجري على الارض والذي يمكن اختصاره بأن اسرائيل تستهدف كل ما هو فلسطيني شعبا وسلطة وقيادة، حقوقا ومقدسات ، مسلمين ومسيحيين، معتقدة انها بذلك تستطيع تركيع الشعب الفلسطيني ليرفع راية الاستسلام أمام شروطها واملاءاتها.
إن ما يجب أن يقال هنا ان اسرائيل تخطىء خطأ جسيما وتخدفع نفسها قبل تضليل الاخرين اذا اعتقدت انها بهذه الاساليب التعسفية والقمعية التي عفا عليها الزمن وحريتها على مدى عقود طويلة، تستطيع ان تنال من اردة الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه الوطنية المشروعة والثابتة وتطلعه للحرية والاستقلال بانهاء احتلالها البغيض وغير المشروع لكامل الاراضي الفلسطينية المحتلة وفي مقدمتها القدس العربية.
ولتذكير نتنياهو وحكومته المتطرفة نقول ان الاحتلال الاسرائيلي جرب مختلف اساليب القمع من قتل واعتقالات وهدم وتكسير عظام وابعاد وعقوبات جماعية الحصار والاغلاق واطلاق ميليشيات المستوطنين المسلحة لتوغل في جرائمها ضد المدنيين على مدى عقود طويلة ولكنه فشل فشلا ذريعا امام ارادة هذا الشعب الذي يناضل من اجل حريته وحقوقه وكرامته، ولم تسفر هذه الممارسات سوى في زيادة عزلة اسرائيل دوليا وثمن باهظ من الضحايا وغياب الامن والاستقرار في المنطقة،
واليوم فان تصعيد هذه الممارسات ومحاولة اعادة المنطقة الى نقطة الصفر التي لن يفلح ايضا هذه المرة بعد ان اصبحت فلسطين راسخة في ضمير ووجدان المجتمع الدولي وبعض ان اصبحت هذه السياسة الاحتلالية اكثر عريا وادانة وشجبا من شعوب العالم قاطبة، وبعد ان اثبت شعبنا انه منغرس متجذر في قلب هذه الارض وسيواصل مسيرة نضاله المروع حتى ينتزع حريته وحقوقه.
واذا كان الصمود الفلسطيني امام جبروت وتعسف الاحتلال يشكل الرقم الاهم في المعادلة والمحور الاساسي لكل التطورات فان ذلك لا يعني المجتمع الدولي وطاقة اللجنة الرباعية الدولية والولايات المتحدة التي تحتكر رعاية عملية السلام في التحرك الجاد في مواجهة هذه الصلف الاسرائيلي وهذا العبث الخطير بأمن واستقرار المنطقة وهذا الاستهتار بمشاعر وحقوق الشعب الفلسطيني والامتين العربية والاسلامية، لقد حان الوقت للتوجه الى مجلس الامن وكل المحافل الدولية كي تتحرك وتضع حدا لهذا التصعيد الاسرائيلي وكي تنقل رسالة واضحة يرددها شعبنا، حان الوقت لانهاء هذا الاحتلال البغيض غير المشروع وحيله عن كامل الاراضي الفلسطينية وفي مقدمتها القدس العربية عاصمة فلسطين.

القيادة الفلسطينية...وسياسة حد السيف
بقلم: ريموندا حوا طويل – القدس
"1"
تعيش جماهيرنا الفلسطينية فترة انتظار عصيبة..ومتى عاشت غير ذلك؟ .. حياتنا سلسلة متصلة الحلقات من المواقف العصيبة، فنحن في وصال دائم مع الأزمات والمصاعب والمواقف المصيرية. نحن نمضي في حياتنا على حد السيف، نتجرع مرارة الهزيمة مرة، ونكتوي بقسوة الخذلان ومرارة الإحباط واليأس مرات.
ومع ذلك فنحن نعيش وملء حياتنا التفاؤل والأمل، ويغذي هذا الشعور فينا القيادة الفلسطينية برئاسة أبو مازن، الذي يرفض أن يلقي الراية ويعلن الانسحاب من الحلبة، مهما واجه من الصعوبات ومهما تلقى من تهديدات وضغوطات ومهما تآمرت عليه قوى البغي والعدوان.
"2"
مع إطلالة كل صبح جديد.. أستمع الى نشرات الاخبار..وعلى امتداد أكثر من ساعتين، في صباح كل يوم اركز حواسي كلها في الاستماع آملة أن أجد شعاع ضوء أو بصيص نور أو حفيف نسمة أمل، تبعث في مشاعري القوة وتحيي في نفسي الأمل لعل فجرا جديدا يشرق على ربوع فلسطين حاملا شذى الحرية والأمل الى أبناء شعبي.
إننا جيل الصعوبات، جيل المناضلين الذين عرفوا كل ألوان القمع والاضطهاد والسجن والاعتقال، ولكننا مع ذلك بقينا جيلا يحلم بالغد ويرفض اليأس، مهما كانت المعطيات فنحن تحملنا المعارك والمجازر والاضطهاد والهجرة وألوان التعسف والظلم والقهر، ونحن على حد تعبير الرئيس الراحل ياسر عرفات أبناء بيت المقدس المرابطين الى يوم الدين.
"3"
في قرار التقسيم عام 1947، رفضنا أن نحصل على 45 في المئة من فلسطين لان الأرض أرضنا والوطن وطننا، فنحن أصحاب الارض والقضية تعدادنا كبير، وتعدادهم ضئيل، والمساحات التي نسيطر عليها أضعاف مضاعفة لما يسيطرون عليه. انهم لا يزيدون على بضعة آلاف ونحن مئات الالوف، وهم يمتلكون أقل من عشر في المئة من حيث السكان ومن حيث الأرض.
كان طبيعيا أن نرفض وكان منطقيا أن نرفض، لان ذلك ينسجم مع ثقافتنا وحضارتنا وايماننا بعروبة فلسطين كما ينسجم كل الانسجام مع حقائق التاريخ والواقع.
لماذا رفضنا تقسيم البلاد كما رفضت المرأة الحكيمة حكم سيدنا سليمان، عندما أراد ان يقسم الطفل قسمين، فوافقت الأم المزيفة ورفضت الأم الحقيقية. رفضنا مبدأ التقسيم لأننا أصحاب حق ولكن الطرف الآخر قبل هذا القرار.
رفضنا عرضاً، واضعنا فرصة، وما كان يخطر على بالنا يوما أننا سنندم عليها وسنعود للمطالبة بها.
"4"
إن تاريخ فلسطين هو تاريخ الفرص الضائعة، لأننا كنا نؤمن بالحق والعدل والنزاهة والموضوعية، وحتمية منطق التاريخ، ولكن بلادنا وأرضنا تتسرب من بين أيدينا، لأن قوى البغي والعدوان أقوى من كل منطق، وكل ثقافة وكل حضارة انما تقوم على حق القوة وليس قوة الحق، هذه هي المقولة التي تؤمن بها الحضارة الغربية الأمريكية المنحازة الى اسرائيل والتي لا تتردد في التصدي لكل قرارات الأمم المتحدة التي تنتصف لفلسطين بالفيتو الأمريكي المشهور.
كان اللورد كارادون مندوب بريطانيا في مجلس الأمن في تلك الفترة صاحب قرار 242 في 22 تشرين الثاني 1967، الذي ينص على انسحاب اسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967، وأذكر انه بعيد صدور القرار حضر الى نابلس وقام حمدي كنعان، رئيس بلدية نابلس في تلك الفترة بدعوة أكثر من خمسين شخصية من الشخصيات الوطنية الفلسطينية للتعرف على اللورد كارادون الذي كان في عهد الانتداب البريطاني حاكما لمدينة نابلس والقضاء، وكان يسمى باللورد فوت. الان حمدي كنعان ورجال المدينة يستقبلون ليس حاكما لنابلس في زمن الانتداب والذي كان قد أمر بابعاد الشخصيات الوطنية منها الزعيم أكرم زعيتر الى جزيرة سيشل وكان ينفذ سياسة بريطانيا في ذلك الوقت بمنع الفلسطينيين من النضال ضد الإنجليز.
وعندما سئل اللورد كارادون في بيت حمدي كنعان من قبل الشخصيات الوطنية لماذا قبول 242 وهل يعني انتهاء القضية الفلسطينية؟ اين نحن من قرارات تقسيم الـ 1947. اجاب اللورد كارادون ان القرار ينص على الانسحاب من الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967 مع القدس الشرقية بكاملها، هذا لا يعني أن تلغى قرارات الامم المتحدة الأخرى منها التقسيم ولكن الانسحاب من كل الاراضي التي احتلتها اسرائيل منها الجولان الى سوريا وسيناء وغزة الى مصر والضفة الغربية والقدس الى الاردن. وهذا لا يعني انهاء الصراع وانهاء قرار 1947.
اسرائيل لم تنفذ القرار وانسحبت من سيناء بعد حرب العام 1973 وكامب ديفيد مع مصر. وقد خضع قرار 242 لمناقشات ودراسات ومفاوضات وجلسات وأخذ ورد وطال الجدل حوله سنوات وسنوات ولم يأخذ طريقه الى التنفيذ.
قرار 242 يقضي ارجاع الاراضي المحتلة منها القدس والضفة الغربية الى الاردن. وعندما أُعلن فك الارتباط بين الاردن ومنظمة التحرير عام 1974 في مؤتمر بالقاهرة أصبحت منظمة التحرير مسؤولة عن الشعب الفلسطيني. وقبلت باقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967. وكان أول تصريح هو تصريح نايف حواتمة الامين العام للجبهة الديمقراطية الذي قال سنقيم دولة بحدود العام 1967، وكان ذلك بمثابة قنبلة في العالم، وهذا يعني ان منظمة التحرير الفلسطينية تراجعت عن المبدأ الذي تأسست من أجله وهو تحرير كل التراب الفلسطيني الذي احتل عام 1948، علما بأن القرار 181 الذي أعلن على قيام اسرائيل بموجبه كان يعطينا دولة على حدود اكثر من خمسين في المئة من فلسطين، والان بما أننا قبلنا بإقامة دولة على 22 في المئة من فلسطين، هل يعني هذا اننا بانفسنا الغينا قرار 181 الذي أعلنه ياسر عرفات في الجزائر قيام دولة فلسطينية بموجب القرار 181. لماذا قبلت منظمة التحرير بحدود 1967؟ هل نحن أُجبرنا عليه؟ واجبرنا على الغاء قرارات الامم المتحدة التي لن تلغيها الامم المتحدة؟ وهل نقبل ان نلغي قرارات الامم المتحدة بأنفسنا لانه كما يقول البعض ان السياسة هي فن الممكن.
اللورد كارادون استمر بالمجيء الى البلاد وسنة 1976 عندما كنت في الاقامة الجبرية البيتية وكان يأتي الى بيتنا كانت تنهال عليه الانتقادات وكان الحوار يدور بينه وبين الشخصيات الوطنية الفلسطينية التي كانت موجودة في بيتي حول الانسحاب من "أراض" أو "الاراضي"، وكانت الانتقادات توجه اليه متسائلين لماذا لم تكن بريطانيا قادرة على تنفيذ هذا القرار؟ ولماذا ظل الطرف الاسرائيلي يتهرب من هذه الاستحقاقات، رغم ان حزب «العمل» وموشيه دايان وبعض الساسة الاسرائيليين كانوا يبدون استعدادهم لاعادة الضفة الغربية الى الملك حسين؟!
واذكر انه على أثر صدور قرار فك الارتباط عام 1974 بدأت الساحة الفلسطينية وكافة الفصائل تطالب بدولة فلسطينية، وبذلك تكون المعادلات قد تغيرت تماما حيث أصبح الخيار الاردني غير وارد لدى منظمة التحرير وكافة الفصائل الفلسطينية. وأكد هذا التوجه الانتخابات البلدية التي جرت في كافة مدن الضفة الغربية وفاز فيها ممثلو المنظمة سواء أكان ذلك في نابلس أو رام الله أو أريحا أو جنين أو عنبتا أو غيرها من المدن الفلسطينية.
وأذكر أن اصرارنا على إقامة دولة فلسطينية مستقلة بقيادة منظمة التحرير كان يقابل بالنقد الشديد والامتعاض من قبل الجهات الاردنية، فلم يكن مقبولا عليهم مبدأ فك الارتباط وانما قبلوه على مضض شديد، كما أن كثيرا من الشخصيات الفلسطينية كان لها رأي مخالف حيث كانوا يعترضون على مبدأ فك الارتباط.
"5"
ويوم توقيع اوسلو وعودة أبو عمار وأبو مازن وأحمد قريع والقيادة كلها قالوا لنا لقد كنا نحارب من الخارج، والان ها نحن نعود لنحارب من الداخل.
واتفاقية أوسلو أجمع كل أبناء فلسطين ورجالها وفصائلها على رفضها لانها ستكرس الاحتلال وستجرنا الى مستنقع خطير ونهاية مدمرة، يومها قال ابو مازن وهو عراب هذه الاتفاقية الحقيقية ان اوسلو قد تأخذنا الى الجنة وقد تأخذنا الى الهاوية. ولتقريب الصورة قال ابو مازن على أثر توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد وعلى أثر هزيمة العراق في حرب الخليج الثانية وعلى أثر خروجنا من الاردن كنا مثل جماعة في الصحراء يتقدمون ليجدوا أنفسهم أمام هوة عميقة من النار، وكان علينا إما أن نلقي أنفسنا بها فنحترق وإما أن نحاول القفز عنها للنجاة بأنفسنا وشعبنا.
وكانت قد مرت علينا عشر سنوات في تونس وبدأت القيادة التونسية تطالب المنظمة بالرحيل بوحي من الضغط الأمريكي. وبدأت بالفعل العائلات الفلسطينية تهاجر وسط بحر من الدموع تاركة تونس الى السويد والدانمارك وغيرها من المدن والمواقع، حيث تعذر عليهم العودة الى سوريا أو بيروت، وكنت شاهدة عيان على هذه المأساة حيث كان الناس يبكون بدموع غزيرة وهم يودعون اصدقاءهم ورفاقهم من سكان تونس، كما كان ابو عمار والقادة الفلسطينيون في حالة مأساوية من الحزن والألم والحيرة.
وذلك كله يلقي الضوء على الاسباب التي جعلت أبو مازن وأبو عمار والقيادة يقبلون الاتفاقيات التي عرفت فيما بعد باتفاقيات اوسلو.
لقد وقف أبو عمار مع نبيل شعث أمام شاطيء غزة وهو في حالة ذهول من النشوة والفرح، ولا يكاد يصدق نفسه أنه يقف على أرض فلسطينية محررة وأنه يستنشق نسيم البحر الابيض – الأزرق الذي عاش يوما على ضفافه في غزة. أخذت الجميع نشوة النصر وصدّق أبو عمار وعد اسحق رابين له بأنه سيعيد كامل الاراضي الفلسطينية إلى السلطة الفلسطينية. ولكن ها نحن نطالب بـ 22.5 في المئة من أرض فلسطين ولا نحصل عليها، ها نحن نحارب بقيادة أبو مازن استاذ التاريخ لننتزع حقوقنا ونقيم دولتنا.
"6"
ونحن الآن في نيسان عام 2014 نقف أمام مفترق طرق حيث تحاول اسرائيل ربما للمرة الرابعة بعد قرار التقسيم، وقرار 242، واتفاقية اوسلو (13 ايلول 1993)، أن تنتزع ما بقي من أرضنا وارادتنا وحريتنا وحقنا في دولة مستقلة لها عاصمتها وكيانها.
حاول الرئيس عباس طوال تسعة شهور وعبر مفاوضات شاقة حيث اجتمع مع كيري بصورة متواصلة على امتداد الشهور الماضية، أن يحصل على حقنا في دولة في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية ولم يحصل على شيء.
انه يدير المعركة بصبر وحلم وذكاء، ويعلن عبر المنابر المختلفة انه ضد الارهاب وأنه مع الشرعية وأنه يطالب بتطبيق القرارات الدولية، ويصبر، ويصابر، ويتحمل، ويكافح، ويسافر من عاصمة الى أخرى ومن مؤتمر الى آخر مؤكدا على مبدأ المفاوضات السلمية، مستبعدا أي عنف واثقا من أنه سينتزع حق بلاده عبر المؤسسات الانسانية العالمية.
انه رجل يعرف طريقه منذ أن سعى الى قبول فلسطين كدولة مراقب غير عضو في الامم المتحدة وهو يقول للطرف الاسرائيلي: اذا لم تتحقق مطالب الشعب الفلسطيني فسنلجأ الى مؤسسات الأمم المتحدة.
"7"
انه يعرف ما يقوله. ويعرف ما يعمله وهو أكثر من يعي حقائق التاريخ، وأكثر ما يعرف أي ظلم وقع علينا في قرار التقسيم وفي 242 وفي اوسلو وغيرها.
ولكنه على علم وقناعة بأن العالم العربي ومنظمة التحرير وكافة الفصائل بما فيها حماس والجهاد، قد قبلت مبدأ الدولتين على أن تكون دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
إنه استاذ التاريخ، والعلاّمة وصاحب التجربة والخبرة والرؤيا ومن هنا فإنه يسعى هذه المرة الى الوصول الى اتفاقية قابلة للتنفيذ، ولا تسجل تقهقرا جديدا في حياة شعبه.
ولعلي أعتب بشدة على بعض المنابر الإعلامية، وبعض الكُتّاب الذين يملون على الرئيس أوامرهم ورؤاهم وتحدياتهم فهو في غنى عن أي توجيه، وهو اقدر على معرفة الطريق الذي سيحقق له أهدافه، مؤمنا بقول الشاعر (نحاول مُلكا أو نموت فنُعذرا).
"8"
لقد نجح الرئيس أبو مازن أن يقترب من آفاق الحل التاريخي أكثر من مرة، ولكن في كل مرة حالت دون ذلك أحداث ومتغيرات وإملاءات اسرائيلية متعصبة، أو قوى أمريكية تأتمر بأمر اللوبي الصهيوني.
اقترب ابو مازن كثيراً جداً من حل الدولتين عندما وقع أوسلو مع الرئيس عرفات واسحق رابين، وكان رابين أحد أقوى الجنرالات الاسرائيليين، حارب العرب بضراوة وقسوة في 1956، وفي 1967، وفي 1973 وشارك في كل حروب اسرائيل، وأدرك ان مزيدا من الصراع لا يؤدي الى استقرار المشروع الصهيوني وتقدمه وانه لا بد من السلام لكي تحقق دولة اسرائيل استقرارها.
ومرة ثانية اقترب أبو مازن من آفاق حل الدولتين عندما استطاع التوصل الى ما يشبه الحل النهائي مع ايهود اولمرت في قضايا الحدود والاغوار والقدس والمياه والعودة، وكان هناك نقاش حول تبديل اراضٍ بالمثل والمقدار، الا ان الانقلاب على اولمرت أوقف المساعي.
وتم ترتيب كافة الأوراق والخطط، ولكن القدر لم يمهل اولمرت فتآمر عليه اللوبي الصهيوني الامريكي واليمين الاسرائيلي المتطرف بزعامة نتنياهو، وتم اقصائه عن منصب رئيس الوزراء وبذلك لم تكتمل مخططات الحل.
وها هو الآن الرئيس أبو مازن يصمد ويثبت ويتصدى لكل الوان السهام والنقد والتجريح ولكن بعزيمة القائد وايمان المناضل وبسالة الشهيد ووضوح رؤيته.
انه يصمد امام التشكيك العربي والمزايدات الصغيرة ويصمد في وجه التحريض الاسرائيلي الاسود الذي يصفه بـ "الارهابي" وبانه يكشف عن وجه عرفات الارهابي وذلك لمجرد انه يرفض ان يسجل في أرشيف فلسطين تهاونا جديدا او اتفاقا ظالما أو موقفا متراجعا، يضاف الى قائمة الاحباطات التي عرضناها في 1949 و 1967 و1993.
ان أربعة من زعماء اسرائيل الكبار ادركوا أن قبول اسرائيل في المنطقة، والتعامل معها كدولة وكجار ليس أمرا مستحيلا، وأن صفحات العداء وأنهار الدم يمكن أن تطويها المعاملة الكريمة والعدل والانصاف والرؤيا الانسانية لحقائق التاريخ والجغرافيا.
أدرك خمسة من قادة اسرائيل من اشد الشخصيات الاسرائيلية العسكرية والسياسية تطرفا وصلابة، أدركوا بعد سنوات طويلة من الصراع والدم والمواجهات والحرب ان مستقبل اسرائيل لا يكون الا باعطاء الشعب الفلسطيني حقه من منطلق دولتين لشعبين، ومن ثم فان صورة وخارطة اسرائيل نفسها ستتغير حيث ستصبح مقبولة اكثر من خمس وخمسين دولة عربية واسلامية.
"9"
لقد تميز في الجانب الاسرائيلي شخصيتان كان واضحا انهما يرغبان ويسيران نحو تسوية سياسية مع الفلسطينيين: اسحق رابين وايهود اولمرت.
ولكن التطرف داخل الدولة الاسرائيلية أودى بحياة اسحق رابين وانقلب على ايهود اولمرت.
لقد أدرك هذان القائدان ان استمرار الصراع مع الفلسطينيين لا يؤدي الى السلام بل يعتبر عامل تفجير مستمراً امام الدولة الاسرائيلية وأدرك هذان القائدان ان سلاما مع الفلسطينيين سيرفع عن دولة اسرائيل حصار المنطقة وانغلاق الاقليم ويعود على اسرائيل بالامن والسلام.
وكما يدرك الجميع أن الصراع المفتوح هو سياسة الاغبياء، وان الحروب المستمرة نتائجها لا تكون بالمحصلة للأقوى في مرحلة ما، فلا بد اذن من ضمانات سياسية ضمن اتفاقيات تسوية تحفظ الكيانات ومصالحها. فكما هو واضح من التجارب التاريخية والمعاصرة ان الصراع ينتهي الى تسوية.
ان روسيا والمانيا دخلتا معارك ضارية على مراحل طويلة من التاريخ، كما أن النمسا والمانيا خاضتا معارك شرسة وقد حدث ذلك بالنسبة لامريكا وبريطانيا وكذلك بالنسبة لعلاقات بريطانيا بفرنسا وعلاقات ألمانيا بمعظم الدول الاوروبية الحديثة، وهل يمكن أن ينسى أحد ملاحم الدم والقتل والدمار والموت التي ألحقتها ألمانيا بالدول الاوروبية وخاصة في قصفها لبريطانيا واحتلالها لفرنسا وهولندا وغيرها عبر الحربين العالميتين، حيث انقسم العالم الى دول المحور والحلفاء.
ولكن تأمل الآن هذه الصورة فقد طويت صفحة العداوة والقتل والنار والدم وفتحت صفحات للتعاون والحب والتكامل والمودة في كل مجالات الحياة وكل هذه الدول المتحاربة أضحت تكتلا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا واحدا هو الاتحاد الاوروبي وصارت ألمانيا وايطاليا وتركيا والنمسا وكافة دول المحور تنعم بالسلام والأمن والتعاون مع كافة دول الحلفاء.
ان الذين يفهمون ويعقلون ويميزون في اسرائيل قليلون ولكنهم سيتوصلون يوما الى الحقيقة وهي أن منطق العنف والقوة والاغتصاب وانتزاع حق الآخرين لن يحقق لهم ولا لاولادهم نعمة الامن والسلام. ان القرار الشجاع لا بد أن يأتي من قائد تاريخي شجاع وهو بالتأكيد ليس نتنياهو.
ان صمود الفلسطينيين العنيد والمتواصل وصمود القيادة الفلسطينية في تمسكها بالثوابت وعدم احتمال تنازلها عن أي عنصر من ثوابت القضية رغم كل مناوراتها ورغم كل حرصها على النهج السياسي السلمي، إن كل هذا يسهم اسهاما جوهريا في انضاج وجود قيادة اسرائيلية تسير نحو التسوية والسلام.

الخطط الاستراتيجية المقدسية إلى أين ؟
بقلم: نبيل حمودة - القدس
كثرت في الآونة الأخيرة تقاليع إعداد ووضع الخطط الاستراتيجية عن القدس ، سواء الخطط الاستراتيجية الشمولية ، أو التخصصية أو ما بينهما التي يتم إعدادها لحاجة او لأغراض تخص بعض مراكز البحوث والشبكات والمؤسسات النخبوية والملتقيات والمنتديات لعديد من القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإسكانية والتعليمية والسياحية والإعلامية وخلافه ، ولقد أصبحت هذه الخطط على تنوعها وتعددها تقليعة كغيرها من تقاليع المرجعيات الثانوية والشكلية في القدس، وتقاليع طلب المنح والمساعدات وإنشاء الصناديق المالية التي تعود كسباً ومنفعة للقائمين عليها، والتي تتلاقى وتختلف بمدى اختلاف أهداف وأجندات الجهات الداعمة أو المتبنية لها كماً ونوعاً، فهي بدون مقومات ومنطلقات واقعية متينة، وبدون سياسات موحدة، وآليات محددة لتنفيذها، فمعظمها لا يتعدى الورق الذي كتبت عليه.
ولقد شكل هذا التعدد في الأيديولوجيات، والمفاهيم السياسية في مناهج الخطط الاستراتيجية، تنوعاً في رؤاها ورسالاتها وأهدافها، وتقاطعت وتضاربت مساراتها مع بعضها البعض لضحالتها وغموضها، ونتيجة حتمية لاستخدام مصطلحات مستوردة، ولتعدد فكر ومفاهيم ومنهجية الخطاب الاستراتيجي، وأهداف الجهات المانحة ومنظميه على حد سواء، مما أدى الى إغراق بعضها في الجزئيات والتفاصيل، او المغالاة في التعميم والشمولية، لدرجة معقدة ومشوشة وغير مفهومة، يصعب تنفيذها، ويستحيل تطبيقها، خصوصاً مع تشعب أسسها، ولبعدها عن الواقع العملي و الفعلي، ولاستنادها على تقدير قدرات وإمكانيات بشرية أو مالية غير متاحة وغير متوفرة لدينا، ولاعتماد بعض مرجعياتها على الترجمة والنقل عن خطط أجنبية، واستخدامها عند إعدادها لمعايير مغايرة لقيمنا الدينية ولموروث هويتنا وأسس ثقافتنا وتقاليدنا وعاداتنا ومفاهيمنا وسلوكنا.
والسؤال، ما هو العمل ؟ وما هي الوسيلة لتحفيز التفكير الاستراتيجي الوطني ؟ وما هي الكيفية التي ننطلق منها لوضع خطة استراتيجية وطنية ذات سياسات وبرامج ومسارات شاملة للقدس ؟
والجواب في غاية البساطة، علينا أن نبدأ بتشخيص ودراسة وفحص وتحليل وتمحيص ما آلت اليه الأحوال والأوضاع في القدس بدون مواربة لإبراز نقاط القوة والضعف، والصواب والخطأ، والنجاح والفشل، لتحديد الأهداف المرجوة والتخطيط ووضع البرامج المنهجية والسياسات و وسائل وآليات تنفيذها بكل صدق ومحبة وحوكمة وشفافية، لإعادة الثقة في نفوس المقدسيين واسترداد حقوقهم.
ومما لا شك فيه فإن اهداف أية خطة إستراتيجية وطنية للقدس هي جزء من أهداف ومبادئ أية خطة استراتيجية فلسطينية، فالخطاب الاستراتيجي لا ينفصل عن الخطاب السياسي وتوجهاته في التنفيذ العملي لكلا الخطابين، فالقدس عنوان العمل الفلسطيني، وهي إن لم تكن أحد مرتكزاتها ومكوناتها هي بالتأكيد إحدى توجهاتها وأهدافها الرئيسية، فقضية القدس جزء لا يتجزأ من القضايا الكلية للمشروع الوطني الفلسطيني، فالتحرير وإنهاء الاحتلال، واسترداد الحقوق الشرعية أهدافاً جوهرية رئيسية لا لبس فيها، والقدس تقع في أعلى سلم اولوياته، خصوصاً مع استهداف وتغلغل الاحتلال للمدينة بشكل أخطبوطي مريع، وهرولته بوتيرة متسارعة لتهويد القدس وأسرلتها ، ولمدى تأثيره المباشر على وضع المدينة وإجراءاته الممنهجة لتذويب وترويض واحتواء وإخضاع أهل المدينة خصوصاً الشباب منهم، وكذلك لأهمية القدس و لمكانتها الخاصة المحلية والإقليمية والدولية دينياً وجغرافياً وحضارياً وتاريخياً وتراثياً ، فهي ليست للفلسطينيين والعرب وحدهم بل للعالم اجمع ، فقد كانت القدس وستبقى دائماً محور الصراع العربي / الاسرائيلي، وستظل تشكل المحور الاهم في العمل السياسي الفلسطيني والعربي والإسلامي فهي مفتاح الحرب والسلام ، ولن يكون هناك استقرار أو سلام حقيقي إلا بتحرير وعودة القدس، والمسجد الاقصى المبارك.
ولا شك إن مجال تشخيص الوضع الحالي السياسي والاقتصادي والاجتماعي في القدس معقد للغاية، فهو وإن كان مرتبطاً بالحالة والأوضاع الداخلية الفلسطينية ،فأنه متأثر بالسياسات الإستراتيجية الإسرائيلية التي تخطط لتهويد القدس وأسرلتها وتعمل على تهميشها وتفريغها من سكانها العرب وإحلال اليهود محلهم. إذ أن معظم السياسات الفلسطينية تجاه القدس عبارة عن ردود أفعال وانعكاس وتخبط لسياسات وإجراءات الاحتلال ، الأمر الذي يشير الى عدم وجود استراتيجيات تكاملية وخطط متوازنة وبرامج مستقبلية فلسطينية واضحة بشأن مستقبل القدس، كما أنه مرتبط أيضاً ارتباطاً مباشراً بمؤثرات الأوضاع العربية المتردية، والوضع العربي الحالي المتشرذم والمتخم بالمشاكل الداخلية، والخلافات العربية / العربية . كما أنه متأثر سلباًُ بالتجاهل، والتعامي والتغاضي والسكوت العالمي المطبق عما يجري من انتهاكات اسرائيل للقانون الدولي في مدينة القدس وبأهلها، الذين يواجهون ويعانون منفردين اضطهاد الإحتلال وبطشه.
ولقد أسهب المقدسيون بشرح وتشخيص معاناتهم اليومية، وما يلاقونه من أهوال على أيدي الإحتلال، فقاموا في التعريف بأحوالهم والكتابة عنها، والحديث عن مساوئ الاحتلال واعتداءاته وسلبهم حقوقهم، بكل جرأة وموضوعية في الصحف والمجلات والإذاعات ووكالات الانباء، والتي تؤكد اجراءات الاحتلال واستفزازاته، وعدوانه وانتهاكاته للوجود المقدسي، وتماديه في التعدي على حقوقهم وانتهاك مقدساتهم ، والتوسع في مصادرة أراضيهم وهدم عقاراتهم، وتزييف تاريخهم وحضارتهم وتراث مدينتهم لإلغاء هويتهم، ونهب مقدراتهم وثرواتهم، بل والعمل على تضييق الخناق عليهم بالسجون والمعتقلات والحواجز والأسيجة والجدران، وتنغيص سبل معيشتهم ، وممارسة اسوأ أنواع التطهير العرقي والتمييز العنصري ضدهم وإبعادهم وطردهم، بغية تمزيق وخلخلة وحدتهم، وزعزعة بنيتهم وقيمهم وعاداتهم وتقاليدهم المجتمعية، تمهيداً لكسر قوة إرادتهم وشوكة عزيمتهم، لإحباطهم ودفعهم للهجرة والرحيل.
ومما يثير سخط المقدسيين ويدمي قلوبهم انتهاكات قطعان المستوطنين لمشاعرهم الدينية، وتدنيس أماكنهم المقدسة، واقتحام واستباحة باحات المسجد الاقصى، والرقص والغناء فيها، والتعدي وتدخل الإحتلال في شؤون ومواعيد صلواتهم، وعرقلة حرية عبادتهم ومنع الدخول والتحكم في حركة الوصول لمسجدهم، واستمرار شق الأنفاق والحفريات من حوله، وأسفله لزعزعة أساساته، وتهديد الاحتلال بهدم المسجد الأقصى وبناء معبدهم المزعوم مكانه.
مما سبق يتضح بأن وضع إستراتيجية وطنية للقدس ليس بالأمر السهل أو اليسير، فلا بد لنجاح اي خطة استراتيجية، بدايات ونهايات مستقرة ومناهج وبرامج محددة، تقوم على أسس وقواعد واقعية متينة، لتوفير أهم منطلقاتها وثبات واستقرار مقوماتها ، والتحكم في مساراتها، خالية من التوترات والاهتزازات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تحظى بتنوع فكري وعلمي حتى يمكن الارتفاع والارتقاء في تنفيذ برامجها الى مستوى التحديات والصراع والهجوم عليها وهو ما لا يمكن توفيره بالوضع والضغوط والظروف الحالية.
وعليه فإن من أولى آليات تنفيذ أي خطة استراتيجية توحيد المواقف المقدسية.وتكاتف الجهود المخلصة لإنجاحها، ووحدة واضعيها ومنفذيها، والانفتاح لتبادل الرأي ،وتلاحم الصف، والمصالحة والمصارحة ونبذ الفرقة والتجزئة، وإنهاء الانقسام والاختلاف، والوعي بالخطة الإستراتيجية وأهدافها والاستفادة من دراسة الاستراتيجيات السابقة واستيعاب العبر والدروس التي تستخلص من تطبيقها.
ولما كان تحديد بوصلة الهدف لأي خطة استراتيجية مطلبا رئيسيا فليس هناك أفضل من مدينة القدس لتكون خياراً وعنواناً كهدف استراتيجي لأي خطة فلسطينية، فالقدس كانت دوماً تجمع ولا تفرق، تلم ولا تقسم، فهي بوصلة وعنوان ولب أي مشروع وطني يلتف ويجتمع حولها الجميع بلا منازع ، وهي على رأس القضايا الجوهرية والرئيسية المصيرية الفلسطينية والعربية.
كما ان من اولى اولويات وضع وتنفيذ خطة استراتيجية للقدس التمثيل الوطني للمقدسيين والاهتمام في بناء الانسان المقدسي، وتطوير العمل المؤسساتي لتأكيد وجوده بكل شفافية ونزاهة، وهذا يتأتى بإعادة إصلاح وتطوير وعودة وتجميع المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية بالقدس، ورفع الكفاءات والكوادر البشرية الفنية وتأهيل العاملين فيها، وتوفير الامكانيات المالية للإستثمار فيها لاستجابة وتطوير متطلباتها، ودعم صمودها، والعمل بروح الجماعة والتعاون والتكاتف وتشجيع العمل الخيري والتطوعي، وبذل الجهد الجماعي والتفاني والعمل بإخلاص ليكونوا جميعاً على قلب رجل واحد، دون تمييز، تجمعهم محبة مدينتهم ووطنهم، ومودة بعضهم البعض لتحقيق أهداف واحدة يؤمن بها ويسعى إليها الجميع.
ولما كان المطلوب من أي خطة إستراتيجية وطنية للقدس إعادة الحقوق لأصحابها، والحفاظ على هويتها ومساندة المقدسيين وتعزيز صمودهم وثباتهم في مدينتهم سعياً لاسترداد حقوقهم ونيل استقلالهم وحريتهم تقرير مصيرهم ، والتي تشكل في مجموعها الاطار الاستراتيجي لأهداف أي خطة استراتيجية، والتي يعمل وسيعمل الاحتلال على تقويضها والانقضاض عليها لإفشالها حتى بمجرد التفكير في تنفيذها.
لذا يستدعي تنفيذ خطة استراتيجية للقدس، وجود جسم تنظيمي مقدسي يشكل ويجسد مرجعية مقدسية موحدة قوية الإرادة مدعومة من السلطة يلتف ويجتمع حولها الجميع ، تتوفر لديه الموارد المالية والكفاءات والكوادر الإدارية والفنية والرقابية، والخبرات المؤهلة والمدربة القادرة للمحافظة على المدينة عربية التاريخ والأصول والجذور، وينتهج التطوير، ويسعى بكل قوة لتوفير فرص العمل نحو مستقبل أفضل، تحافظ على استمراره لإبقائه قوياً ومتماسكاً لضمان نجاحه وتحقيق أهدافه بطرق إبداعية تنسيقية تكاملية بلا تضارب أو ازدواجية أو تكرار للجهود، لضمان نجاح ونمو وتطوير وتحسين وتحديث المدينة وحالها.
وكذلك توفير بيئة متكاتفة تتضافر فيها الوحدة، ويتلاحم فيها النسيج المجتمعي بمختلف فئاته وطوائفه وفصائله، ويؤطر مؤسساته الاقتصادية والتعليمية والثقافية والاجتماعية وخلافه، ويجمع رجال الخير و الاصلاح، لبذل كافة جهودهم الفردية والجماعية الخيرة للارتقاء بمنهجية وبواقع جديد يعتمد على الثقة بالنفس ويستنهض روح المثابرة الوطنية ويزيد الاعتزاز بأنفسهم وبمدينتهم، ويؤكد على الهوية والشخصية المقدسية.
وكذلك إفساح المجال لوسائل الإعلام ورجال الدين والمثقفين والتربويين والنخب المختلفة كل في مجال تخصصه لإبراز أهمية ودور ومكانة القدس قديماً وحديثاً ، لتأكيد وجهها المشرق الحضاري والتاريخي العربي وتعميق القيم الدينية والتقاليد والعادات الأصيلة فيها، وتعميق وتنمية الفخر والانتماء لهويتهم والولاء لمدينتهم ، لتبقى القدس حاضرة حية في ذاكرة الجميع ضد محاولات الإحتلال المستميتة لتغيير طابعها وتشويه هويتها الوطنية الفلسطينية، وعدم تغييبها ونسيانها وشطبها من الذهن والوجدان العربي والإسلامي مع مرور الوقت والأيام، وترك الساحة المقدسية للإحتلال ليلعب منفرداً ويعبث بها كما يحلو له ويشاء، دون حسيب أو رقيب.
ما دامت المفاوضات خياراً وحيداً
بقلم: عوني صادق – القدس
كعادتها لم تف الحكومة الإسرائيلية بتعهداتها ووعودها لوزير الخارجية الأمريكية جون كيري التي أعطتها لاستئناف المفاوضات في تموز من العام الماضي، فلم تطلق سراح الدفعة الرابعة من قدامى الأسرى الفلسطينيين، فبدا وكأنها وضعت مسلسل المفاوضات أمام نهايته . وفي مناورة مفهومة للدفاع عن النفس وتحسين الصورة، وفيما بدا رداً على نكث الحكومة الإسرائيلية لتلك التعهدات، تقدمت السلطة الفلسطينية بطلبات الانضمام إلى (15) منظمة ومعاهدة دولية، فثارت الحكومة الإسرائيلية وأثارت معها زوبعة كبيرة، وأقدمت على إجراءات عقابية ضد السلطة، وهددت بضم المستوطنات إليها رسمياً، وبدا وكأن الأمور تزداد تعقيداً وتدهوراً، عندما لم تتأخر موافقة الأمين العام للأمم المتحدة والحكومة السويسرية على طلبات انضمام السلطة لتلك المنظمات والمعاهدات، ولكن وسط ذلك كله، برز أمران:
الأول، أن المنظمات والمعاهدات الدولية التي تقدمت السلطة الفلسطينية بطلبات الانضمام إليها، لم تشمل ميثاق روما، وبالتالي لم تشمل المحكمة الجنائية الدولية . والثاني، أن الحكومة الإسرائيلية في إجراءاتها العقابية ضد السلطة الفلسطينية، استثنت اتصالات "التنسيق الأمني"، وعملية المفاوضات . وذلك يعني باختصار، أمرين أيضا: الأول، أن التحركات الجارية ما زالت في مجال المناورة . والثاني، أن الأطراف ما زالت تعمل للبقاء في إطار "الوضع القائم" .
لقد جاءت تأكيدات الرئيس محمود عباس، وكذلك عدد من الناطقين باسمه، أن الانضمام للمنظمات والمعاهدات الدولية لم يقصد به الصدام مع أحد، أو الإضرار بأحد، وأنه لا يعني أبداً التخلي عن "عملية السلام"، والأهم أنه لا يعني التخلي عن "أسلوب المفاوضات" كخيار وحيد لاسترداد ما تطالب به السلطة من حقوق . ولم يكن أدل على ذلك من تجنب طلب الانضمام إلى ميثاق روما والمحكمة الجنائية الدولية، حيث أكثر ما يخشاه الإسرائيليون ملاحقتهم جنائياً . وليس أدل من التمسك بالمفاوضات والعمل للتوصل إلى "صيغة" أو "صفقة" تبرر التمديد لها والعودة إلى مسلسلها، من استمرار الاجتماعات بين طواقم المفاوضات بالرعاية الأمريكية، ولا أهمية كبرى لما تقوله السلطة من أن ذلك يتم التزاماً منها بحدود المهلة المقررة لهذه المفاوضات، إذ يفترض أنه بعد "الإجراءات الأحادية" التي اتخذها الطرفان تكون المفاوضات قد انتهت . لكن استثناء "التنسيق الأمني" من الإجراءات العقابية الإسرائيلية يكشف حقيقة مضمون المفاوضات من حيث المبدأ، وهي أن الحكومة الإسرائيلية تتمسك بما يفيد مخططاتها الاستيطانية والتهويدية فقط، وأن ما تقدم عليه السلطة الفلسطينية من إجراءات لا تمس هذه المخططات بسوء .
لقد قيل الكثير حول انضمام السلطة الفلسطينية إلى المنظمات والمعاهدات الدولية . قيل إن ذلك حق للشعب الفلسطيني، وقيل إنه تجسيد للاعتراف الدولي بـ"دولة فلسطين"، وقيل إنه سيحسن من ظروف مقارعة الاحتلال الإسرائيلي . لكن الأقرب الى الدقة في كل ما قيل، هو إنه كان "خطوة في الاتجاه الصحيح" . لكن "الاتجاه الصحيح" ليس خطوة واحدة، ولا حتى خطوات، إنه "مسار" كامل يعتمد على "نهج" متكامل، وهما ما لم تستند إليه ولم تعتمد عليه خطوة السلطة الفلسطينية عندما تقدمت بطلبات الانضمام .
ومن جملة ما قيل حول الموضوع أيضاً، إنه يعيد القضية الفلسطينية إلى مرجعية "الشرعية الدولية"، أي إلى مرجعية قرارات الأمم المتحدة الخاصة بها، وإخراجها من فضاء المرجعية الأمريكية - الإسرائيلية . كذلك قيل، إنه يعيد الأراضي الفلسطينية المحتلة، بعد الاعتراف بـ "دولة فلسطين" لتكون "دولة تحت الاحتلال" . كل ذلك صحيح، ولكن هل هي المرة الأولى التي توضع القضية الفلسطينية تحت مرجعية "الشرعية الدولية" وقرارات الأمم المتحدة؟
ليس في أرشيف الأمم المتحدة أكثر من القرارات الخاصة بالقضية الفلسطينية، وليس أكثر من القرارات التي اعتبرت الأراضي الفلسطينية في العام 1967 "تحت الاحتلال"، وتلك التي اعتبرت كل الإجراءات التي أقدمت عليها الحكومات الإسرائيلية، من استيطان وتهويد وتغيير في التركيبة الديمغرافية والمعالم والآثار . . . إلخ إجراءات غير شرعية (قرار محكمة لاهاي حول الجدار مثلاً)، فماذا كانت النتيجة؟ لقد كان فشل وعجز "الشرعية الدولية" والأمم المتحدة عن وضع قراراتها موضع التنفيذ أن دخلت الوساطات الدولية على الخط حتى انتهت إلى الرعاية الأمريكية، ولا ننسى أن ما أوصلها إلى هذه النتيجة هي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تتمسك السلطة الفلسطينية بها وتعمل على استرضائها بكل الطرق والوسائل، ولو كان التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني .
وبالرغم من كل ما أظهرته سنوات التفاوض العقيمة من عقم وعبثية، اعترف بها المتمسكون بالمفاوضات، إلا أنهم على لسان الرئيس محمود عباس، بعد تقديم طلبات الانضمام إلى المنظمات والمعاهدات الدولية، لا يزالون يؤكدون أنه ليس لديهم خيار غير خيار المفاوضات خياراً وحيداً، وأنهم لا يفكرون في، بل يرفضون أي وسائل أخرى . وهم ضد المقاومة من حيث المبدأ، باستثناء ما يسمونه "المقاومة الشعبية"، مقاومة خالية من الدم، ويكررون الإعلان أنهم ضد العنف ويعتبرونه إرهاباً .
ولعل من أكبر المصائب، أن تجد نفسك مضطراً لتكرار المسلمات ! فالمفاوضات وحدها، في ظل ميزان قوى مختل لمصلحة عدوك، يعني قبولك الاستسلام، في نهاية المطاف، لشروطه ومطالبه . ألم تثبت سنوات التفاوض العقيمة والعبثية هذه الحقيقة؟ ألم يتضح أن الحكومات الإسرائيلية لا تعترف بالشعب الفلسطيني أو بشيء من حقوقه في فلسطين؟!
إن أي خطوة جيدة تتخذ، وأي إنجاز يتحقق هو بلا فائدة، ما دامت المفاوضات خياراً وحيداً . . . هذا ما يجب أن يعرفه الجميع .

العودة إلى الحديث عن المصالحة مجدداً ... هل هي جدية؟
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
قالت حكومة حماس في غزة إن رئيسها اسماعيل هنية أجرى اتصالا هاتفيا يوم الإثنين الماضي مع قيادة جهاز المخابرات العامة المصرية حيث وضعها في صورة الجهود المبذولة لإنهاء الإنقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة وزيارة وفد الفصائل الفلسطينية إلى قطاع غزة الأسبوع القادم "أي الأسبوع الحالي"، وشدد هنية خلال الإتصال على حرصه على استمرار الرعاية المصرية للمصالحة، وأعرب عن تقديره لدور مصر في ملف المصالحة.
والملاحظ هنا أن هذا الإتصال من هنية مع قيادة المخابرات المصرية وحديثه معها عن إنهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة يتناقض مع تصريح القيادي في حركة حماس صلاح البردويل يوم الأربعاء التاسع من شهر نيسان الجاري والذي قال فيه إن هنية أبلغ عزام الأحمد رئيس وفد حركة فتح للمصالحة " ان هناك قضايا أهم وأعمق بكثير من قضايا المصالحة التي تتمثل في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وتشكيل حكومة وفاق وطني لإنهاء الإنقسام.
وكان الرئيس محمود عباس قد شكل خلال الإجتماع الأخير للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وفد المصالحة الذي سيتوجه الى غزة لإجراء محادثات مع قادة حماس من أجل حسم ملف المصالحة، ويتألف الوفد من عزام الأحمد مسؤول ملف المصالحة في حركة فتح ومصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الفلسطينية وجميل شحادة الأمين العام للجبهة العربية الفلسطينية وبسام الصالحي الأمين العام لحزب الشعب ورجل الأعمال منيب المصري.
ولا شك أن الرئيس عباس باعتباره قائد الشعب الفلسطيني والأمين على مصالحه وحقوقه الوطنية سعى منذ اللحظة الأولى لحدوث الإنقسام وسيطرة حماس على قطاع غزة في الرابع عشر من حزيران عام 2007 إلى احتواء هذا الإنقسام وإنهائه وإعادة القطاع إلى حظيرة الوطن الفلسطيني وتحقيق المصالحة، لأن ذلك الإنقسام ألحق أفدح الأضرار بالقضية الوطنية الفلسطينية. ومن أجل ذلك فقد تجاوب بصدق وجدية مع كل المبادرات التي طرحها الأشقاء العرب لتحقيق المصالحة، ووقع العديد من الإتفاقات بإشراف قادة عرب لإنجاز المصالحة بدءا من اتفاقات القاهرة ومرورا باتفاق صنعاء واتفاق مكة المكرمة وانتهاء باتفاق الدوحة.
ولكن الأمر أن حركة حماس كانت تتنصل من كل تلك الإتفاقات وتضع أسبابا تؤدي إلى دون تحقيقها، وهكذا مرت قرابة سبعة أعوام على حدوث ذلك الإنقسام المشؤوم ومازال مستمرا رغم كل الإتفاقات واللقاءات والتفاهمات التي جرت بين حركتي فتح وحماس، وهكذا تقترب الذكرى السابعة لهذا الإنقلاب المشؤوم الذي أحدث شرخا واسعا بين جزأي الوطن في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ومع أن السبيل المتفق عليه والمجمع عليه فلسطينيا يتمثل في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة وكذلك انتخاب مجلس وطني جديد بإشراف حكومة وفاق وطني محايدة، ومن ثم تتشكل حكومة جديدة تعيد اللحمة إلى جناحي الوطن وتضع حدا نهائيا للانقسام إلا أن حركة حماس مازالت ترفض حتى الآن إجراء تلك الإنتخابات بذرائع شتى علماً أن لجنة الإنتخابات المركزية برئاسة حنا ناصر كانت زارت قطاع غزة في أواخر شهر أيار من عام 2012 لتحديث سجل الإنتخاب للمواطنين في القطاع وافتتحت خمسة مكاتب في القطاع وبدأت عملها، كما زارت القطاع مرة ثانية في حزيران من عام 2013 لاستئناف عملية تسجيل الناخبين. ولكن حماس طلبت من اللجنة تعليق عملية تحديث سجل الناخبين لأسباب تتعلق بها حيث اتهم محمود الزهار من قادة حماس اللجنة بالتلاعب في سجلات الناخبين وهو ما نفته اللجنة بشده وأكدت أنها تعمل بكل نزاهة وشفافية وأنها هيئة مستقلة وليست سياسية ولا تنحاز إلى أي فصيل، وأكدت أن انتخابات عام 2006 تشهد بذلك حيث جرت بكل نزاهة وشفافية.
وقد دأبت حركة حماس من خلال عدد من قادتها والمتحدثين باسمها على التهرب من مسؤوليتها عن تعطيل المصالحة ووضع العقبات والعراقيل في طريقها، كما يظهر التناقض والتضارب في تصريحات أولئك القادة والمتحدثين، فبعضهم يتحدث عن رغبة حماس في المصالحة وإجراء محادثات جدية مع قادة فتح وترحيب بزيارة وقد المصالحة الذي شكله الرئيس عباس، وبعض آخر يهاجم قادة فتح بل والأمر الأشد أسفا أن بعضهم يهاجم الرئيس عباس وشكك في نيته الصادقة لإجراء المصالحة، من ذلك ان موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس قال يوم الأربعاء في التاسع من نيسان الجاري على صفحته على موقع التواصل الإجتماعي "فيس بوك" إن لجنة المصالحة لم تتوافق بعد على مهمتها التي ستذهب بها إلى قطاع غزة، وأضاف أن حديث قيادات فتح المتكرر عن أن لجنة المصالحة تقتصر مهمتها على التفاهم على إجراء الإنتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية يعني حسب ادعائه ان أيا منهم لم يعد يتحدث عن تطبيق ما تم الإتفاق والتوقيع عليه في القاهرة والدوحة.
واتهم أبو مرزوق قادة فتح بأنهم يريدون تجزئة ما تم الإتفاق عليه زاعما أنهم يريدون انتقاء ما يروق لهم وترك الباقي، وأنهم بذلك لا يريدون للمصالحة أن تنجح، وأنهم يرغبون في تفصيل المصالحة على مقاسهم، ولا يريدون لها أن تستمر طويلا.
وعقب تصريحات أبو مرزوق هذه على حركة فتح وقادتها فإن مكتب هنية أصدر يوم الأحد الماضي بيانا مقتضبا قال فيه إن هنية اتفق مع عزام الأحمد خلال اتصال هاتفي بينهما على وصول وفد المصالحة الى غزة مطلع الأسبوع المقبل أي مطلع هذا الأسبوع الحالي، وكان هنية أعلن عقب ذلك الإتصال أنه يأمل في اتخاذ خطوات مهمة خلال الفترة المقبلة باتجاه المصالحة الوطنية وإنهاء الإنقسام.
وهكذا يظهر جليا أن حماس لا تتحدث بصوت واحد وأن هناك اتجاهات مختلفة داخل الحركة، من ذلك مثلا أن هناك من قادتها من يهاجم القيادة المصرية الجديدة التي تشكلت بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر وبحكم الرئيس الإخواني محمد مرسي وذلك بعد اتهامات وجهتها قيادات أمنية مصرية لحماس بأنها تعاونت وتتعاون مع جماعة الإخوان المسلمين المحظورة لإثارة القلاقل والإضطرابات في مصر، وأنها ساعدت في اقتحام السجون المصرية عقب الإطاحة بحكم حسني مبارك وأطلقت سراح الكثير من المعتقلين من الإخوان المسلمين وغيرهم من تلك السجون.
ورغم توتر العلاقات الشديد بين حماس والحكومة المصرية الحالية فإن اسماعيل هنية لم يقطع اتصالاته مع جهاز المخابرات المصرية علما أن هذا الجهاز هو المسؤول عن الملف الفلسطيني ومن ضمنه ملف المصالحة وذلك منذ أيام حكم الرئيس مبارك. حيث كان وزير المخابرات الراحل اللواء عمر سليمان هو المسؤول عن هذا الملف. وهذا الاتصال من هنية خطوة طيبة تحسب له لأنه يعلم ان مصر رغم الأزمة التي تعيشها حاليا هي الدولة العربية الكبرى وهي القادرة على تحقيق المصالحة إن كانت حماس جادة في ذلك خاصة وأن القيادة المصرية الجديدة تحتفظ بعلاقات ودية ومتينة مع الرئيس عباس حيث كان أول من زار مصر بعد إطاحة الرئيس المعزول محمد مرسي، والتقى رئيس مصر المؤقت المستشار عدلي منصور الذي أكد له موقف مصر الثابت الداعم للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأولى.
إن الشعب الفلسطيني بأجمعه يعترف بالتضحيات الكبيرة التي قدمتها مصر له ولقضيته الوطنية العادلة منذ عام 1948 وحتى اليوم. كما أن الشعب الفلسطيني يقدر لمصر دورها الكبير عربيا ودوليا في السعي من أجل أن ينال الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967 وهي الدولة العربية المؤهلة أكثر من غيرها لتحقيق المصالحة وإنهاء الإنقسام المشؤوم. وقد أكد ذلك اسماعيل هنية في اتصاله الهاتفي الأخير مع قيادة المخابرات المصرية حيث شدد على حرصه على استمرار الرعاية المصرية للمصالحة، وأعلن عن تقديره لدور مصر في هذا الملف.
والذي يأمله الشعب الفلسطيني من حركة حماس أن تسمو فوق المصالح الفصائلية والفئوية وأن تغلب المصالح العليا الفلسطينية، وأن تتخذ خطوات جدية نحو إنهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة وأن تتجاوب مع الدعوة الصادقة للرئيس عباس إلى الإلتقاء وإلى وضع حد نهائي لهذا الإنقسام، وأن تترجم تصريحات اسماعيل هنية التي أدلى بها الأسبوع الماضي خلال افتتاحه الإحتفال بتدشين شارع ناهض الريس وسط مدينة غزة التي قال فيها إنه يأمل باتخاذ خطوات مهمة خلال الفترة المقبلة باتجاه المصالحة وإنهاء الإنقسام أن تترجم تلك التصريحات على أرض الواقع.
إن شعبنا الفلسطيني الذي ملّ خلال السنوات السبع الماضية من الأحاديث المتكررة عن إنهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة يغامره تفاؤل ممزوج بالشك والحذر إزاء المحاولات والأحاديث كسابقاتها مجرد أحاديث موسمية تطلق ثم تختفي رويدا رويدا كسراب يحسبه الظمآن ماء ثم لا يجده شيئا.


مع التكامل الإقليمي إلا إذا كان عربياً
بقلم: د . رغيد الصلح – القدس
إذا كان لجهة رسمية أن تنتقد تقرير "التكامل العربي"، الصادر عن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا - "الاسكوا"، فإنها الدول العربية، وخاصة تلك الممثلة في "الاسكوا" . فالتقرير ينتقد، بصورة غير مباشرة، الكثير من الثغرات والنقائص في النظام الإقليمي العربي . يقول التقرير بالنص، "لقد فوتت المنطقة العربية في الماضي الكثير من ثمار الحد الأدنى من التكامل في التنمية الإنسانية والأمن القومي، وأضاعت فرصاً هائلة كان يمكن للتكامل العربي أن يتيحها لبناء وطن ناهض يصون الحقوق والحريات والكرامة الإنسانية لكل مواطن عربي" . وعندما يتحدث التقرير عن المنطقة وضياع الفرص فإنه يوجه انتقاداً إلى حكومات المنطقة وإلى النخب السياسية العربية . رغم ذلك لم يصدر عن أية حكومة عربية أو سلطات عربية رسمية ما يدل، مباشرة أو غير مباشرة، على ضيقها بهذا النقد، ولا طالبت أية جهة حكومية، لا في السر ولا في العلن، بمصادرة التقرير أو بسحبه من التداول ولا أعلنت التحفظ على المعلومات التي جاءت فيه أو التحليلات التي تضمنها، أو على الجهة التي رعته .
ولكن، كما يعلم الكثيرون، وكما تداولت وسائل الإعلام، فقد صدر رد فعل قوي، صاخب، صيغ بلغة التعالي والتهديد ليس ضد التقرير فحسب، وإنما ضد الاسكوا وضد أمينتها التنفيذية أيضاً، فممن جاءت ردة الفعل هذه التي شبهت "بالبلطجة الدبلوماسية"؟ جاءت من الحكومة الإسرائيلية التي لا تكف عن تذكير العالم بأن إسرائيل هي "الديمقراطية الوحيدة في الشرق" . فلماذا هذه الغضبة الإسرائيلية؟ ولماذا تقف هذه "الديمقراطية الاستثنائية" ضد اضطلاع الأمم المتحدة بانتقاد أوضاع تهدد الأمن والسلام الدوليين، علماً بأنها نشأت من أجل تخليص العالم من هذه التهديدات؟
من الضروري التذكير هنا، وفي كل مناسبة، تحمل فيها مراجع إسرائيلية وصهيونية على هيئة الأمم المتحدة، بأن سجل العلاقة بين المنظمة الدولية وإسرائيل والصهيونية حافل بالألغام والمطبات .
صحيح أن إسرائيل هي وحدها الكيان الذي نشأ بقرار من الأمم المتحدة . وصحيح أن مبادئ الوفاء، بل وحتى الحكمة السياسية تقضي بأن على إسرائيل أن تراعي دوماً هذه الواقعة التاريخية، هذا صحيح، ولكن إسرائيل قلما فعلت ذلك . فالحركة الصهيونية لم تعرف بالوفاء لمن أيدها أو لمن ساعد اليهود . إن تاريخها على العكس من ذلك، يدل على تنكرها للكثيرين من هؤلاء . تاريخ علاقتها مع بريطانيا شاهد كبير على ذلك . أما علاقتها مع المنظمة الدولية فقد تخللها اغتيال الوسيط الدولي الكونت فولك برنادوت، والمطالبة باستبدال المنظمة الدولية بأخرى للدول الغربية -ومنها إسرائيل طبعاً- وحدها، والاعتداءات المستمرة على قوات يونيفيل في جنوبي لبنان، والحملات الإعلامية العنيفة ضد الأمم المتحدة لأنها تنتقد إسرائيل والصهيونية بين الحين والآخر . بهذا المعنى فإن توجيه النقد ضد الأمم المتحدة لا يعني خروجاً عن سياسة إسرائيلية متبعة أو حياداً عن تقاليد مترسخة في السياسة الإسرائيلية، بالعكس أنه تجديد لتراث قديم معاد للنزعات الإنسانية والأممية وللمنظمات التي تمثلها .
لقد انتقد التقرير إسرائيل بسبب استمرارها في سياسة الاحتلال وعملها الدائم على توسيع الاحتلال وتعميقه عبر المستوطنات . وتضمن التقرير انتقادات أخرى متعددة للسياسة الإسرائيلية وللعقيدة وللحركة الصهيونية . ولكن هذه الانتقادات تصدر في كثير من الأحيان عن سياسيين إسرائيليين وعن منظمات مدنية إسرائيلية وعن أعلى المراجع الدولية في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية . وكثيراً ما صدر هذا النقد عن جهات تتخوف من آثار النزعة المغامرة التي تحكم إسرائيل على الأمن الإقليمي والعالمي، بل وعلى مستقبل اليهود في العالم . واشترك في توجيه هذا النقد شخصيات ودولية بارزة . ومن بين هؤلاء من كان يوجه انتقاداته ونصائحه في السر وفي لقاءاته مع الزعماء الإسرائيليين إلى أن أدرك أنهم يصابون بالصمم عندما يبدأ الحديث عن تحرير الضفة والقطاع وهضبة الجولان وما تبقى من القرى اللبنانية المحتلة .
إن استمرار هذه الانتقادات، رغم إعراب الزعماء الإسرائيليين عن ضيقهم بها، قد يبرر ردة الفعل على تقرير الاسكوا، ويفسرالانفعال الذي طبع ردود فعل رون بروسور السفير الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة، على التقرير . ولكن الزعماء الإسرائيليين يعرفون، بحكم التجارب، أن تصميمهم على تنفيذ مشروع إسرائيل الكبرى لن يمر بسهولة وأنه سوف يصطدم بمعارضة دولية وعربية . بهذا المعيار فإن النقد الدولي الموجه إلى الحكومة الإسرائيلية هو ثمن بسيط تدفعه لقاء تحقيق حلم الصهيوني القديم . استطراداً فإن المعارضة الدولية للسياسة الإسرائيلية قد تكون مصدر ازعاج للزعماء الصهاينة، وأن السعي إلى إسكات الحملات ضد إسرائيل، خاصة تلك التي تنتشر بين اليهود في الشتات هو سبب مهم من الأسباب التي دفعت إلى تقديم الشكوى ضد تقرير "الاسكوا"، ولكنه لا يشكل، وحده، مبرراً للحملة العنيفة على التقرير .
إن السبب الثاني الذي قد يفوق الأول أهمية هو موضوع التقرير نفسه . ذلك أن إسرائيل ناهضت، وبأشكال متنوعة وفي مناسبات مختلفة كل أشكال التعاون العربي، من أدنى أشكال التعاون المتمثل بمنظمة إقليمية محدودة الصلاحيات مثل الجامعة العربية إلى مشاريع الوحدة العربية مثل الجمهورية العربية المتحدة . سيراً على هذا الطريق، ولما بدأت الحكومات العربية بإجراء "مباحثات الوحدة العربية" في مطلع الأربعينات، ردت الوكالة اليهودية على هذه المبادرة بالاتصال مع الحكومات الغربية المعنية وبإبلاغها بأنها لا تقبل بقيام مشروع إقليمي من هذا النوع إذا لم تكن عضواً فيه . وقد تلقى حاييم وايزمان، باعتباره زعيماً للحركة الصهيونية، تأكيدات قاطعة بأن موقف الحكومات الغربية المعنية بمسألة العلاقات الإقليمية هو مطابق تماماً لموقف الحركة الصهيونية .
لبثت الدول الغربية متمسكة بهذا المبدأ الذي وضعته الحركة الصهيونية تمسكاً تاماً منذ قيام النظام الإقليمي العربي وحتى هذا التاريخ . فهي تعمل بحماسة على الترويج للمشاريع الإقليمية التي تضم إسرائيل في عضويتها، مثل الاتحاد من أجل المتوسط، أما موقفها تجاه التكامل الإقليمي العربي فإنه يتسم بالتحفظ . ولا تطلب إسرائيل من أصدقائها أكثر من التمسك بسياسة التحفظ هذه ما دامت مشاريع التكامل العربي تتراكم في مستودعات السياسة العربية . أما إذا حركت هذه المشاريع، ولو في إطار مبادرة فكرية الطابع ووثيقة صادرة عن إحدى منظمات الأمم المتحدة، فإن السياسة الإسرائيلية تتحرك بكل اندفاع من أجل إبقاء المبادرة في أدنى مستوياتها، ولإعادتها إلى الاستيداع وفقاً لمتطلبات السياسة والمصالح الإسرائيلية .

ما هو "الخط الأحمر"؟
بقلم: حسن البطل – الايام
قلة من كتابات أصدقائي على "الفيسبوك" تروقني. رنا حاج - داوود واحدة منهم. لها أُسلوب، والكاتب هو الأسلوب - كما يقال - وللغة الكاتب اتساق منطق داخلي من غير توارد الأفكار. لها موهبة روائية.
ما يجمعنا، في ظني، هو الإرث الثقافي والحياتي السوري. هي، كذلك، رسامة تشكيلية، رهافة ريشتها أقل قليلاً من رهافة يراعها.
* * *
"تجاوز الخط الأحمر" .. عبارة لطالما استفزتني كلما سمعت احدهم يلوّح بها مهدداً.. تثيرني حدّ القهقهة. دائماً كانت تشعرني بزيف قائلها وتلوّنه. هي مزاجية وازدواجية فحسب..
ما معنى "خط أحمر"؟ عبارة قصيرة جداً من كلمتين: من موصوف وصفته. الخط هو المسافة بين نقطتين. هو اتجاه سير ثابت لمجموعة من النقاط المكونة له، وله نوعان: مستقيم ومنحن.
الخط المستقيم أيضاً له أنواع: عمودي .. أفقي .. مائل ومنكسر .. أما المنحني يتفرع إلى متموج .. لولبي وحلزوني.
الأحمر لون ماجن .. قاتل .. عاشق ومثير .. علماء النفس يقولون عنه إنه لون الحب. علماء الطاقة يقولون إنه لون الانتماء. لون يحتاجه من يشعر بالوحدة .. وهناك من يراه لوناً يدل على العدوانية والكراهية.
إذن، الخط الأحمر هو خط ضبابي الشكل ومتناقض المعنى.
دولياً: أميركياً "الأمن القومي خط أحمر". مصرياً: "الجيش خط أحمر". لبنانياً: "الطائفية خط أحمر". فلسطينياً: "القدس والثوابت الوطنية خط أحمر". سورياً: "الشأن الداخلي خط أحمر". عربياً وحديثاً "الشعب خط أحمر".
فردياً .. كل إنسان يضع لنفسه خطوطاً حمراء: الوطن .. العمل .. العائلة .. والمال.
شخصياً: لا أتعامل مع الحياة بخطوط وألوان.. هي حدود يفرضها واقع ما. أثور إن تجاوز أحدهم خطاً لا لون له.. كأن تقبّلني امرأة أعرفها. قبلة نفاق .. وأضحك لعناق غريب لا أعرفه .. تعبيراً منه عن شكر وامتنان.
الحقيقة التي تلمع بالأبيض .. أن سورية خط من نور سيمتص أحمرهم ويبعثره أشلاء .. لتنير العالم أطياف من قوس قزح. سورية ضياء لن يستطيع إطفاءه أحد.
سورية هنا رمزية لكل الوطن الذي يحاولون وأده .. من المحيط الى الخليج. نحن شعب لا يموت أبداً. كنا حتماً .. ونكون دائماً .. وسنكون أبداً.
* سبّب الخط الأحمر انتحار كلّ من مراقب دلامبير، ومراقب نيوتن بسبب سرعة تذبذبه .. "نكتة فيزيائية بايخة" .. مهضومة مو بإيدي. (رنا حاج داوود).
* * *
لي إضافة، غير فيزيائية وغير سياسية، لا أعرف لماذا عُرف الديك أحمر. لكن قرأت تفسيراً لماذا كان لبعض الديناصورات عرف مسنّن أحمر على ظهرها، يتلون باللون الأحمر قبل مناوشة صراع الموت.
إنه علامة إنذار وتحذير، تنفع أو لا تنفع، كما لا ينفع او ينفع شعارنا "دمنا الأحمر .. خطنا الأحمر" الذي أطلقناه قبل اجتياح إسرائيل للبنان 1982.

ضمير بعض الموظفين العموميين أين؟!
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
الساعة الحادية عشرة من يوم الخميس الماضي أغلقت المؤسسات الحكومية أبوابها وخرج الموظفون، والسبب، هذه المرة، هو الدعوة للمشاركة في فعاليات يوم الأسير الفلسطيني.
لن نعترض، ولم يعترض أي مواطن؛ لأن المناسبة تخص كل مواطن فلسطيني، ولكن أن تتوقف مصالح الناس لأن كثيراً من الموظفين يعتبرون أي دعوة للمشاركة في مناسبة أو احتجاج على مطالب معينة، مجرد إجازة ينتظرونها بفارغ الصبر... ولا يشاركون في الفعاليات ولا يعتبرونها ضمن اهتماماتهم.
كم عدد الموظفين العموميين في محافظة رام الله والبيرة الذين توقفوا عن العمل يوم الخميس، وكم منهم شارك في المهرجان الجماهيري الذي نظم في منطقة دوار الساعة... وكم منهم غادر إلى المنزل واستعجل الأمر ليغادر إلى منطقته في شمال الضفة أو جنوبها على اعتبار أنه يوم خميس نصفه عطلة يضاف إلى يومي الجمعة والسبت...
العالم يهتم بمفهوم التنمية والبناء، وكل ساعة عمل لموظف جزء من هذه التنمية، وكل ساعة ضائعة خسارة للاقتصاد الفلسطيني، فهل نعي ذلك ونحن نخسر سنوياً مئات آلاف ساعات العمل في القطاع العام.
السؤال، هل هناك مثلاً محاسبة للذين توقفوا عن العمل من أجل المشاركة... ولكنهم لم يشاركوا، وحتى لم يكلفوا أنفسهم الوصول إلى مكان المهرجان... بحيث لم تصل نسبة الموظفين المشاركين في المسيرة وفق ما أكد الصحافيون الموجودون هناك إلى أكثر من 20% من الجمهور، فأين جحافل الموظفين الذين غادروا إلى بيوتهم والموظفات اللواتي لم يكن لهن أي وجود حقيقي في المهرجان.
كثير من مصالح المواطنين تعطل يوم الخميس الماضي، وكثير من المواطنين خسر مالاً وجهداً حتى وصل إلى مقر وزارة أو مؤسسة عامة من أجل إنهاء مصلحة ما، فلم يجد إلاّ السراب... نؤكد هنا أن الوظيفة أمانة، والموظف الأمين هو إنسان يملك ضميراً حياً، وبالتالي فإن أي مغادرة للعمل لا تكون على قاعدة البناء والتعمير والمشاركة في فعاليات نضالية هي خيانة للأمانة والضمير.
نحن اليوم بحاجة ماسة إلى إعادة ترتيب الأمور وإلى الحد بشكل كبير من هذا التسيب والفوضى... فكم هي الساعات التي توقف فيها الموظفون العموميون عن العمل من أجل إحياء المناسبات الكثيرة في وطننا... وكم هم الذين يشاركون إضافة إلى القيادات النقابية في هذه المناسبات؟!!
نصير فالح إعلامي يترجل
فجع الوسط الإعلامي أمس، برحيل الزميل الصحافي نصير فالح فجراً وكأنه يريد القول إنه يسلم راية المقاومة الإعلامية التي حملها سنوات طويلة في ظل ظروف صعبة ومعقّدة، فكان من خيرة الإعلاميين الفلسطينيين في خدمة قضية وطنه وشعبه.
ولعلّ هذا التواجد الإعلامي الكبير في تشييع الفارس الإعلامي تأكيد على مدى محبة زملائه وأصدقائه وكل معارفه له ... فلم يترك إلاّ سيرة حسنة، ولم يكن يعمل إلاّ للوطن... لقد كان جندياً مخلصاً في معركة الإعلام التي نواصلها مع آخر احتلال في هذا العالم ... ولكن رحل الفارس ... وحمل الراية ابنه وكل الإعلاميين الذين ليس لهم هم سوى قضيتهم الوطنية وبنيان دولتهم المستقلة وتنمية مجتمعهم واجتثاث الفاسدين والمفسدين منه.

نقاش آخر مع "حماس"
بقلم: حسين حجازي – الايام
علينا أن ننتظر يوم الاثنين القادم، بقلوب حانية إلى الله بالدعاء والرجاء، أن يُنزل رحمته وسكينته على المجتمعين في هذا اليوم الأغر والموعود، ويتحقق السلام والمصالة بين الفلسطينيين وليس هذا على الله بكثير. ولكن واجب الوقت يدعونا اليوم لمخاطبة "حماس" على وجه التحديد، لنقول لها إن مفتاح إنهاء الانقسام اليوم إنما يوجد في أيديكم، ويمكنكم أن تقرروا اليوم وليس غداً إن كنتم تريدون إخراجنا من هذا النفق، قعر البئر، إذا كان من غير المعقول او المفهوم من معيار أو مقياس ما يجب فعله، بالتوافق والتناغم مع مقتضيات المصلحة الوطنية العليا، ترك الرئيس أبو مازن (79 عاماً أمد الله في عمره)، أن يقاتل وحيداً لتخليص الضفة من الاحتلال ومعها القدس حتى إقامة الدولة الفلسطينية، وهو يا جماعة يقاتل بقدر جهده واستطاعته، وفي قتاله يحرز بعض الإنجازات. فهل من اللائق والحكمة أن نقول له واصل ما بدأت به ونحن ليس لنا دخل، إذا كان ما يطلبه الرجل والشعب منكم ليس بالذهاب إلى معركة حربية من غزة بقصف تل أبيب بالصواريخ، وإنما العودة إلى رحاب الوحدة الوطنية لمواصلة المعركة موحدين تحت راية واحدة.
ولكن لماذا تخصيصنا لـ "حماس" بهذه الدعوة وهي طرف واحد في هذا الانقسام، وحيث للخصومة طرفان في هذه المشكلة، وإذا كان هذا التخصيص يشي بنوع من النظرة الأُحادية بعين واحدة، ما ينتج عنه ثمة قدر من التحيز أو العوار السياسي. وإذا كان الواقع القريب يقول إن السيد إسماعيل هنية وقف قبل أسابيع قليلة، ومد يده لهذه المصالحة في مبادرة امتدحناها نحن هنا، ورددنا على المشككين أن لا ينظروا إلى مأزق "حماس" بل انظروا إلى مأزقنا المشترك، حيث لا أحد أفضل حالاً من أحد. ثم أليس هنية نفسه وقف قبل أيام هنا في غزة وأعلن ترحيبه بالوفد القيادي القادم يوم الاثنين، وقال إن الوقت الآن ليس للحوار والكلام وتبادل الثرثرات، ولكن لتنفيذ ما اتفق عليه؟ ثم أخيراً أليست "حماس" موضوعة من الناحية العملية تحت القصف الإعلامي والسياسي من الجانب المصري، منذ الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين في مصر؟ ما يجعلها من الناحية الموضوعية والذاتية هي الأحوج والأكثر اندفاعاً ومصلحة، حتى من الناحية البراغماتية التاكتيكية أقله في الوقت الراهن للإقدام على المصالحة.
والواقع أن كل ما ورد سابقاً صحيح بل وأكثر من ذلك وتأكيداً على صدقية نوايا "حماس"، دعا السيد يوسف الشرافي أحد نواب الحركة في المجلس التشريعي، إلى تحدٍ صريح ولافت لـ "فتح" بأن يتم بث ونقل وقائع المحادثات، المزمع إجراؤها بين الطرفين بعد أيام على الهواء مباشرة. حتى يحكم الجمهور على من يعطل المصالحة، وأرى أنها دعوة أو فكرة جيدة تستحق القبول بها كما الإعجاب، ولكن هاكم النقطة أو العراضة الخاطئة التي تلوح بها "حماس" وتحيلنا إلى ما يشبه وضع العربة أمام الحصان. وهذه الكلمة تتلخص بعبارة "الرزمة الواحدة".
طيب لماذا لا نتغاضى عن التطبيق الحرفي والدقيق لما تم الاتفاق عليه وهو مطلب محق وعادل؟ إذا كان يتعذر تنفيذ هذا الاتفاق رزمة واحدة ونستطيع أن نبدأ بما هو ممكن، ونقوم بعد ذك أي بعد تحقيق هذا الخرق الجزئي وهو الشق النفسي باستكمال تطبيق باقي الرزمة، استحقاقات الرزمة المتكاملة بالتدريج، إذا كان من غير الممكن على سبيل المثال إجراء الانتخابات في مخيمات سورية في هذا التوقيت.
قليل من الحس البراغماتي والواقعي هو المطلوب أقله لكسر الحاجز وإراحة الناس، ثم بعد ذلك أليس الطرف الأكثر ادعاء هنا بالاستقامة السياسية والأخلاقية، وتبني الحد الأقصى من أهداف الإستراتيجية الفلسطينية الكبرى، هو من عليه أن يوسع صدره؟ وقديماً قيل في أمثالنا من يريد أن يعمل جمّالا عليه أن يوسع باب داره، لاستيعاب من يعتبرهم شاخوا أو تعبوا أو انحرفوا عن جادة الطريق، باعتباره هو الأكثر فتوة وشباباً وصلابة واستقامة وتماهياً مع الأنا العليا الجماعية.
وعلى خلفية هذه المحاججة الفلسطينية الداخلية التي ما برحت تتكرر في الساحة الفلسطينية منذ اليسار زمن السبعينات، و"حماس" الآن بنفس المفردات تقريباً، ما يسوغ لنا المبرر للطلب من "حماس" ما هو اكثر، والقول إن مفتاح خلاص الفلسطينيين اليوم من هذا المرض والمأزق هو بيد "حماس"، وان "حماس" هي من يستطيع أن يفك لغز الوحش، وحش أهل طيبة الذي هو الانقسام.
لكن بالمقابل دعونا نواجه هذا المأزق بكليته، والذي أرى أنه نشأ بالأساس عن انحراف فكري وسياسي خطير يكمن في أساس التصور الإجمالي الفلسطيني، الذي يقوم اليوم على استبدال مفهوم الشرعية الوطنية التحررية الثورية الخالصة، بالشرعية الدستورية وهو انحراف انخرطنا فيها متجاهلين حقيقة أن الاتجاه أو المفهوم الحاسم، الذي يؤطر العمل والحالة الفلسطينية عموماً بكليتها في الوطن والشتات، هو أننا لا نزال في مرحلة التحرر الوطني. وهنا فإن المفهوم المؤطر هو القيادة الوطنية الجماعية الموحدة في إطار منظمة التحرير الفلسطيني، وأداتها الحكومة الثورية المؤقتة أو حكومة الدولة الفلسطينية المعترف بها شرعياً لا فرق، التي يجب أن تنقل مكانها في الحالة الراهنة من رام الله إلى غزة، باعتبارها أول قطعة أو جزء تم تحريره بالفعل من الأرض الفلسطينية، إذا كان لا يجوز بقاء هذه الحكومة الثورية المؤقتة تحت رحمة الاحتلال في رام الله، وضريبة هذا الوجود التنسيق الأمني.
وهنا لا يتطلب الأمر سيدي الرئيس أبو مازن تسليم مفاتيح السلطة الى الاحتلال، وإنما يا "حماس" كما دعونا هنا مرات عديدة سابقاً ان يأتي الرئيس والقيادة إلى غزة، تحت حمايتكم إذا كان من المهين لكم وللشعب الفلسطيني أن يقول ليبرمان للرئيس الفلسطيني، إن إسرائيل هي التي تحميه والسلطة في الضفة من "حماس". وكان مفترضاً يا "حماس" والسيد إسماعيل هنية أن تقولوا في حينه لهذا الرجل: "خسئت". وإن "حماس" لا تهدد أبو مازن وإنه ممنوع إهانة قادة الشعب الفلسطيني، هذا كان المفترض أن تقولوه لأنه يحظر علينا رغم كل خلافاتنا السماح للعدو بالتسلل بين الشقوق، ومحاولة الصيد في الماء العكر. وأنه لا يشرف "حماس" ولا أي طرف فلسطيني أن يقول ليبرمان هذا الكلام دون رد عليه.
والرد الفلسطيني اليوم واحد، أن غزة و"حماس" مع "فتح" وباقي الفصائل موحدين هم الذين يحمون القيادة الفلسطينية، لكيما نقيم هذه الثنائية المتوازية والمتداعمة : الدبلوماسية والمقاومة معاً، وترك الاحتلال يواجه الفلسطينيين في الضفة ويتعرى دونما غطاء، ويكون على نتنياهو وليبرمان مواجهة الحقيقة. أليس أيضاً هذا ما ينبغي أن تعجلوا بفعله يا "حماس" اليوم وليس غداً؟ لكي تخرجوا أنتم أيضاً وتخرجونا جميعاً من هذا المقص، كفي الكماشة بين النظام الجديد في مصر الذي يشدد علينا الحصار للأسف وإسرائيل.

المجلس المركزي إذا ما انعقد
بقلم: صادق الشافعي – الايام
يدور في الأوساط الفلسطينية منذ بعض الوقت حديثٌ حول عقد دورة للمجلس المركزي، فهل سيتم ذلك فعلاً وهل هناك ضرورة لانعقادها؟
ولا شك أن هذه الدورة ستتأثر بشكل جدي بالزيارة المتفق عليها للوفد الذي شكلته القيادة السياسية لزيارة غزة والحوار مع حركة حماس حول تطبيق اتفاقيتي القاهرة والدوحة وما يمكن ان يخرج عن الحوار من نتائج.
أما لجهة الضرورة، فإن هناك ضرورةً ملحة لعقد هذه الدورة، بل يمكن القول إنها تأتي متأخرة بدون أسباب مبررة كافية. فهناك أُمور وقضايا ومواقف وسياسات لم يعد هناك بد من بلورتها وإقرارها حتى لا تبقى ساحة النضال الوطني تعوم بجدل لا يقوم على الوضوح والتحديد وهو أمر صحي ومرغوب، وإنما يقوم على التسريبات والتكهنات، خصوصاً وان المجلس المركزي هو المؤسسة الوحيدة الباقية التي لا تزال تحتفظ بدرجة مقبولة من الشرعية.
ويا حبذا لو نتج عن زيارة وفد القيادة إلى غزة وحواره مع "حماس" مشاركة ممثلين رسميين عنها وعن حركة الجهاد الإسلامي في أعمال هذه الدورة.
ان دورة المجلس المركزي إذا ما قدّر لها الانعقاد يجب ان تكون دورة نوعية ومتميزة وبعيدة عن الشكل التقليدي، وان يتحمل المجلس فيها مسؤوليته بإقرار مواقف وبلورة سياسات ورسم آليات، وقد يكون من المفيد تشكيل لجنة أو لجان اختصاص لتحضير أوراق عمل ومقترحات.
هناك قضايا عدة مطلوب من المجلس المركزي معالجتها تندرج تحت اكثر من عنوان، في مقدمتها عنوانان:
العنوان الأول، هو ما يتعلق بالأوضاع الداخلية لمؤسسات السلطة الوطنية ومنظمة التحرير. فلم يعد ممكنا ان نواجه المرحلة النضالية القادمة والتي يجمع الكل على أهميتها من جهة وعلى صعوبتها وقسوتها من جهة أُخرى بمؤسسات إما أنها فقدت شرعيتها تماماً وتوقفت عن القيام بدورها المهم وأهمها المجلس التشريعي والمجلس الوطني، وإما أن شكوكاً قوية تحوم حول تآكل شرعيتها، وأولها اللجنة التنفيذية.
ان هذا الواقع لمؤسسات السلطة والمنظمة هو ما يغذي الحديث حول الفردية والتفرد بغض النظر عن دوافعه ودقته ومصداقيته.
إن ترتيب البيت الفلسطيني وإعادة الشرعية والحياة لمؤسساته يجب ان تحتل الأولوية في أعمال هذه الدورة للمجلس المركزي.
وبطبيعة الحال فان الانقسام الوطني يقف في مقدمة قضايا البيت الداخلية ومن الطبيعي أن تخضع لنقاش مسؤول، وبالذات على ضوء النتائج التي سيتوصل لها وفد القيادة للحوار مع حركة حماس.
المطلوب والضروري، بعد كل جولات الحوار وعديد الاتفاقات والوساطات، وعبر رؤية الضرر الهائل الذي يلحقه الانقسام بالقضية الوطنية، ورؤية حقائق الأمر الواقع التي يتم مراكمتها وتكريسها عبر استطالة زمن الانقسام، المطلوب، بلورة رؤية مختلفة للانقسام تتسم بالجرأة وتغادر الرؤية التقليدية التي ظلت سائدة حتى الآن، تفكك حوامل الانقسام وترى منطلقاته ودوافعه الظاهرة والمستترة، وان ينتج عن هذه الرؤية سياسات مختلفة وجديدة للتعامل مع الانقسام ومعالجته.
فلم يعد ممكناً الاستمرار بنفس طريقة المعالجة الحالية القائمة على لقاءات وحوارات مؤقته بدقة لتخدم هدفا محددا في زمن محدد يخرج عنها تصريحات او بيانات عامة بصياغات ومعانٍ حمالة أوجه دون اي التزام محدد مقترن بتفاصيله التنفيذية.
إن الذهاب إلى انتخابات عامة نزيهة وشفافة هو المفتاح التنفيذي الأول لترتيب بيتنا الوطني وإعادة الوحدة والشرعية والفاعلية لمؤسساته لتقوم بدورها الضروري والمطلوب.
والمجلس المركزي في دورته الحالية مطالب بإلحاح اتخاذ القرارات المناسبة لمعالجة هذا الأمر بشكل دقيق ومحدد وبالتواريخ.
ومطالب وفي نفس الوقت إقرار تصورات وحلول للتعامل مع ما قد يعترض الذهاب إلى الانتخابات العامة من مشاكل وعقبات ومواقف معترضة أو رافضة.
وأما العنوان الثاني، فهو ما يتعلق بما وصلت إليه المفاوضات مع دولة الاحتلال من انسداد تام في مسارها وفي أُفقها.
المجلس مطالب بالتوقف أمام هذه القضية واستخلاص الدروس الهامة العديدة التي أفرزتها بصراحة وبرؤية موضوعية لحقائق ما جرى وتقييم لأدائنا في المفاوضات، وبجرأة لا تتجاهل الموقف السليم والأداء الجيد وتقديره، ولا تجامل أو تساير في تبيان الخطأ ونقده، ولا تتهرب من المسؤولية لأي سبب.
لتصل بكل ذلك الى موقف شديد التحديد وشديد الوضوح، مع تمسكه بثوابتنا الوطنية ودفعه باتجاه تطوير نضالاتنا الوطنية في كل مجال وعلى كل مستوى.
والمجلس مطالب، على ضوء تلك الوقفة، بلورة سياسة متكاملة للخط النضالي الذي سنعتمده على المستوى الدولي بديلاً ونقيضاً لخط المفاوضات.
ان هذه السياسة يجب ان تقوم على أساس الانعتاق من إسار الاحتكار الأميركي والانطلاق إلى رحاب المجتمع الدولي وهيئاته ومؤسساته الرسمية والشعبية.
ان التوقيع على طلبات الانضمام إلى 14 من بين الاتفاقيات والعهود والمنظمات الدولية هي خطوة إيجابية، إذا ما تم اعتبارها خطوة اولى وتمهيدية للانضمام إليها كلها، بالذات تلك الأكثر أهمية منها مثل محكمة لاهاي ومحكمة الجنايات الدوليتين.
وتبقى الخطوة إيجابية على الرغم من رائحة الموقف التكتيكي التي تفوح منها، وعلى الرغم من تركها الباب موارباً أمام محاولات تمديد المفاوضات إذا لبت تلك المحاولات شروطنا.
فلتكن هذه الدورة للمجلس المركزي نوعية فعلا وعلى قدر المسؤولية المطلوبة.

نحو سياسات حكومية تنحاز للفقراء ومحدودي الدخل
بقلم: صلاح هنية – الايام
لم يعد مقبولاً أن تظل سياسات الحكومة الاقتصادية والمالية محط انتقاد وعدم رضا من قبل عديد فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني عمالاً وتجاراً ومزارعين وفعاليات حماية المستهلك.
لم يعد مقبولاً هذا الدفاع الركيك والمكرر من قبل أركان الحكومة عن سياسات غير قابلة للدفاع والأدهى عن إنفاذ سياسات لا يترك عورة لتلك السياسات إلا وكشفها.
لم يعد مقبولاً أن يظهر أركان الحكومة عاجزين عن تقديم أية ضمادة لجرح بسيط سببته تلك السياسات سواء من حيث مجرد لجم ارتفاع مرعب في سعر الأرز وارتفاع في أسعار بعض الخضار وتفاوت أسعار غير مبرر بين محافظة وأُخرى.
لم يعد مقبولاً الحديث للرأي العام الفلسطيني أننا فعلنا وفعلنا والناس تتحدى أن ترى أثراً لهذا العمل، عمل من نوع أننا أغلقنا عدة محلات نتيجة لتغولها في الأسعار، عمل من نوع أن عدم التزام القطاع الخاص بالحد الأدنى للأجور واستمرار البعض يعمل بـ 600 شيكل في الشهر.
لم يعد مقبولاً أن تكون أركان الحكومة عاجزة عن تحقيق الاسترداد الضريبي للمزارعين الصامدين، وأن يعفى القطاع الزراعي من الضريبة على الاستثمار ولا يعفى من ضريبة الدخل على العمل الزراعي، وحتى لو لم تحصل فإن شريحة المزارعين منصوص عليها في قانون ضريبة الدخل.
تُرى، لماذا لم تتمكن الحكومة من تقوية وتفعيل البرامج الموضوعة من أجل دعم الفقراء ومحدودي الدخل تجاه موجات الغلاء وتراجع القدرة الشرائية للمستهلك الفلسطيني؟، وهناك عناوين عدة يتم الحديث عنها كلما استشرى الغلاء فلسطينياً وهي شبكة الأمان الاجتماعي لـ 120 ألف أُسرة فلسطينية والتي لم تعد قادرةً على المعالجة لتأخر الصرف كل أربعة أشهر مرة وإلغاء الأبناء البالغين حتى لو كانوا معاقين أو مرضى نفسيين لا يعملون.
قيل الكثير منذ العام 2007 وفي جلسات نقاش نظمتها مؤسسة الراصد الاقتصادي "الحملة الشعبية لتشجيع المنتجات الفلسطينية " أن مشروعاً سينجز بدعم البنك الإسلامي للتنمية وهو إقامة صوامع للقمح في الضفة وغزة لتشكل عنصر أمن غذائي وتحافظ على ثبات الأسعار، في العام 2011 قيل لنا إن المشروع بات مشروع شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ولغاية اليوم لم يتحرك ساكن.
قيل في العام 2010 وبتعليمات من رئيس الوزراء آنذاك، لوزارة الزراعة باستيراد اللحوم المبردة الطازجة لتشكل بديلاً صحياً وسعرياً للمستهلك، واجتمعنا وأقمنا الدنيا ولم نقعدها فرحاً بهذه المبادرة، ولكن لا جديد، بل تعاون موردو اللحوم الكبار بتوفير ثلاجات خاصة ونقاط بيع مباشر للمستهلك مفصولة عن بقية أصناف اللحوم البلدي حتى لا يدخل الغش من الشباك وتباع بأسعار اللحم البلدي، وبدأ البعض يضع نفسه مكان إدارة المعابر الاحتلالية التي حتماً ستمنع كذا وستشترط كذا دون أي جهد للتأكد.
قيل الكثير حول تشجيع المنتجات الفلسطينية كونها بديلاً أقل تكلفة من المستورد والمورد للسوق الفلسطينية، لكن برنامجاً واحداً لم ينجح في فلسطين بهذا الاتجاه، وما زالت القطاعات الاقتصادية كافة تصرخ وتحتج أنها لم تنل حصتها السوقية المناسبة أبداً.
هناك العديد من القوانين ليست ذات أولوية قصوى للمواطن/ة بالمقارنة مع قوانين ذات أولوية مثل قانون العقوبات لمعالجة القتل على خلفية الشرف وقضايا الأغذية الفاسدة، قانون المياه، مراجعة تعليمات تركيب عدادات الدفع المسبق للمياه دون مراعاة للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، تفعيل تعليمات دعم المنتجات الفلسطينية في اللوازم العامة والعطاءات المركزية الحكومية، بينما نذهب لتشكيل مؤسسات بمسميات كبيرة خلال جلسة أو جلستين للحكومة، وتعيين رئيس لهذه الهيئة ومدير عام لهذا الصندوق وتسمية مدير عام وتحديد صلاحياته لهذه الشركة الحكومية، بينما قوانين وإجراءات ذات أولوية تطول وتطول.
حتى لا نغرق بالتفاصيل:
الإرادة الحكومية يجب أن تكون أقوى من المحددات التي تُعرض أمامنا صباح مساء من أركان الحكومة، وإلا فإن هناك إشكالية لا يُقبل أي تبرير لها ولا يُعقل أن نتفهم أن تكون المحددات أقوى من الإرادة الحكومية للتغيير والإنجاز.
تبادلتُ أطراف الحديث مع الدكتور محمد مصطفى نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية أثناء انعقاد جلسة الحكومة في محافظة سلفيت وقلت له " لقد أعلنت أن الحكومة بصدد خطة إنقاذ اقتصادية خلال تمثيلك للحكومة في مؤتمر "إكسبوتك" وهناك الكثير مما يجب أن يُنجزَ في هذا الملف، بدنا همتك" قال لي "نعم لدينا الكثير مما نفعله في هذا الملف وأنا جاهز".
المطلوب اليوم فتح قنوات التأثير على صناعة القرار الحكومي في الملف الاقتصادي والمالي ولا يجوز التعامل مع مجموعة الضغط والتأثير انها جهات معادية للحكومة وبرنامجها، ترى ما هي مشكلتنا مع الحكومة لو أن عقاباً قانونياً رادعاً اتخذ بحق مروجي الأغذية الفاسدة، أو أن عقاباً قانونياً وقع بحق متغول بالأسعار، أو بحق مجموعة من التجار قررت ممارسة الاحتكار الجماعي في سلعة الأرز مثلا وأغلقت كافة البدائل السلعية وأقنعت جهة الاختصاص الحكومية أن البدائل مستحيلة.
المطلوب من الحكومة اليوم الانفتاح على آراء واستنتاجات الباحثين والمختصين العدل الذين يعتد برأيهم، في ظل اقتصاد السوق هناك حديث عن إمكانية كسر ( العلاقة المصلحية بين المستوردين والسوق المحلية على حساب المستهلك) من خلال فحص الأسعار العالمية وهامش الربح، اذ لا يعقل أن تتجاوب السوق مع الارتفاعات في الأسعار العالمية ولا تتراجع الأسعار محلياً عند الانخفاض عالمياً.
المطلوب من الحكومة اليوم وليس غدا إلزام كبار موردي الأرز وهم محدودون بوضع سعر عادل للأرُز ووقف مواصلة ارتفاعه بصورة غير منصفة للمستهلك، وهذا ليس خياراً بل واجب ملقى على كاهلها، وإذا تحملنا أحد الموردين على مدار ثلاثين عاماً دون أي مسؤولية اجتماعية ولست خبيراً ضرائبياً أصلاً لأُفتي أكثر، وهو لا يتحملنا بهذه الارتفاعات، وبالتالي وجب على الحكومة التدخل.
مطلوب منا في جمعية حماية المستهلك الفلسطيني إيجاد الأسواق الشعبية البديلة وسامحونا سنبتاع المواشي ونذبح في المسالخ ونختم ونبيع بأسعار زهيدة أقل من نصف السعر في السوق، سنذهب صوب الأغوار وطوباس ونبتاع الخضار ونبيعها في أسواق بديلة بأسعار زهيدة، اذ لا يعقل أن نبتاع "بوكسة" البندورة في الأغوار بعشرة شواقل لتاجر الجملة الذي يبيعها في رام الله وبيت لحم بـ 90-100 شيكل ولا يحرك جسمٌ حكومي ساكناً.

المعرض والمهرجان
بقلم: رامي مهداوي – الايام
خلال الأسبوع الماضي كان هناك حدثان ثقافيان مهمان في فلسطين. الأول: معرض الكتاب الدولي التاسع تحت عنوان "دولة فلسطين، القرار والإصرار" الذي تنظمه وزارة الثقافة، ويستمر المعرض حتى 20 نيسان بمشاركة واسعة من قبل دور النشر المحلية والعربية في مركز الطفولة بمدينة البيرة، وكانت دولة المغرب ضيف الشرف. الثاني: افتتاح فعاليات مهرجان فلسطين الدولي للرقص المعاصر في دورته التاسعة، والذي يقام خلال الفترة ما بين (14-29) من نيسان الجاري بمشاركة فرق فنانين عرب وأجانب، وبتنظيم من قبل سرية رام الله الأولى.
يجب أن أشكر القائمين والعاملين وجميع من ساهم في إنجاح المعرض والمهرجان، وبقوة أستطيع القول اعتماداً على مشاركتي في السنوات السابقة بأن هناك عملية بناء وتراكم للتجارب يتم الاستفادة منها بشكل واضح في الإطار العام للعمل بحيث يعكس نضوج ذلك على الصورة العامة لمشهد الحدث نفسه، على الرغم من وجود ثغرات بسيطة هنا وهناك لكن لا يؤثر ذلك في العملية الإنتاجية. الأسبوع الماضي حاولت تقسيم ذاتي من حيث التواجد الزمني والمكاني بين المعرض والمهرجان قدر المستطاع، لهذا جاء الوقت الآن على وضعهما_المعرض والمهرجان_ في خرم الإبرة من خلال رؤية العمل بمفهومه الشمولي والمقارن بعض الشيء وليس نقدي للحدث ذاته.
الرقص والكتاب، عناصر مهمة للغذاء الجسدي والروحي والعقلي، ومع هذا كله نجد بأن هناك حالة ابتعاد نسبية يبررها البعض بأنها "أشياء" ثانوية ومكملات غير أساسية ضمن الواقع الفلسطيني الحالي، فهناك من يقول بأن الخبز قبل الكتاب والرز قبل الرقص، والغريب بالأمر أن من يقول ذلك هم من المستويات فوق المتوسطة ومن هم أقل من ذلك تجدهم يبحثون عن الكتاب والرقص وبناء معرفة لا تقدر بثمن. وهناك _وهم كثر_ من يرفض الرقص والكتاب بناءً على عامل الوقت بأن الحياة تسرقه الى أعمالها العملية ولا وقت لقراءة ورقة أو مشاهدة راقص/ة، هؤلاء تجدهم في كل الأوقات كما هم صنم ثابت غير متحرك يتحدث عن الملل ويبقى يلعنه في كل مكان من البيت وحتى المقهى وأنه محصور في سجن!!
فضاء المعرض والمهرجان، ثبات المعرض بثبات الكتاب وتحرُك المهرجان بتحرُك الجسد. بحيث كان المهرجان هذا العام كراقصيه يتمتع بلياقة حركية للجسد المكون للأنشطة المختلفة على صعيد المحافظات أو على صعيد رام الله ليس فقط بنشاط خارطة الجسد الذي تم تنفيذه في عدد من المؤسسات الثقافية، وإنما أيضاً بالأنشطة اللامنهجية التي خارج البرنامج الرسمي للمهرجان بحيث اطلاع الراقصين/ات العرب والأجانب على الفضاء الفلسطيني خارج خشبة المسرح كشعب تحت الاحتلال، لهذا تم رؤية المسرح الواقعي للشعب الفلسطيني. أعتقد أن معرض الكتاب بالمفهوم التقليدي وبشكل عام يبدو بحاجة الى مراجعة باتجاه المزيد من الحرفية والابتكار والتجديد في المحتوى الهيكلي البنائي للمعرض، بالأخذ بالاعتبار الواقع الجغرافي المكاني الفلسطيني، وهنا نقطة تسجل لمعرض فلسطين الدولي للكتاب بأنه أيضاً اشتبك من حيث الحركة مع المجتمع خارج المعرض وداخله من خلال العروض الفنية والأمسيات الشعرية المحلية والدولية.
بالتوازي مع ما ذكرت يجب الإيمان بقيمة وأهمية هذه التظاهرات الثقافية من حيث الحركة خارج إطار المعرض أو المهرجان من حيث الحيز المكاني والعمل أكثر على توفير المزيد من الموارد والإمكانيات لتحسين مستوى ومحتوى هذه الحركة جسداً وكتاباً.
وهنا يجب الإشارة والإشادة بأن المعرض والمهرجان اقتحم أيضاً العالم الأكاديمي لما فيهما من ندوات فكرية وتطبيقية وعروض ومناقشات وتفاعل من خلال ورش العمل، فضلاً عن عملية اختيار النصوص سواء مكتوبة أو حركية من المشاركين/ات، والتي تأتي ضمن آلية للدراسة والبحث عن الفكرة والنص والحركة وتجارب مختلفة من حيث الإنتاج الثقافي، الأمر الذي يقود إلى اشتباك فكري مع المختصين كل في مجاله من حيث الرواية، الرقص، القصيدة، الغناء وحتى شمولية المشهد الثقافي على الصعيد الفلسطيني العربي والعالمي.
العمل الجامعي بالمشاركة والإشراك من أجل خلق الحدث هو أهم ميزة لإنجاح أي تظاهرة ثقافية، وهذا ما تم بنجاح من حيث العمل المؤسسي المحلي من جهة وعلى الصعيد الدولي من جهة أُخرى في حالة المهرجان والمعرض. الغريب بالأمر أن هذه الروح الإيجابية في العمل على الصعيد المؤسسي كان ناجحاً بدرجة الامتياز، لكنه لم يعكس ذلك من حيث حالة الطرد الفردية النسبية المتمثلة "بالمثقف" الفلسطيني باستبعاد نفسه بنفسه بقرار أو دون قرار بعدم انخراطه بهذه التظاهرات الثقافية، فالبعض كان غائباً والبعض شارك رفعاً للعتب، والقليل كان كما يكون أهل العريس في العرس!!
الــكــلاســيـــكو
بقلم: وليد بطراوي – الايام
دروس ثلاثة تعلمتها من "الكلاسيكو". الأول أنه لو لعب "رونالدو" لكان تركيز اللاعبين عليه، ولعولوا عليه كثيراً ورموا بالكرة له متناسين اللاعبين الآخرين. أما الدرس الثاني ان الفريق لا يعتمد على شخص واحد وغيابه لا يعني دمار "المؤسسة". الدرس الثالث هو أننا كعرب نبدع في الألعاب الفردية لا في الجماعية لأننا نفتقد إلى روح الفريق.
على عينك يا تاجر
كتب لي أحد القراء مشتكياً ما شاهده. ففي مساء يوم الأحد 13/4/2014 شاهد مجموعة من المركبات "وقد أطلقت العنان لأبواقها ورفعت الأعلام الفلسطينية والرايات وقد أخذ بعض المتواجدين فيها بإطلاق الألعاب النارية في الهواء (من نوع العلبة التي تحوي 25 حبة) بشكل كثيف حتى يخيل أن جبهة فتحت على دوار الساعة الذي كان يعج بالمواطنين والمركبات، وهل يوجد يوم لا يعج فيه دوار الساعة بالمركبات والمواطنين؟ كان الإطلاق كثيفاً في الهواء وامتد حتى دوار المنارة ومن ثم توجه "الموكب" نحو شارع ركب واستمر إطلاق الألعاب النارية في الهواء، عدا عن أزمة المرور التي تسبب بها "الموكب" والإزعاج". ويضيف القارئ "تخيل سيناريو وقوع "كرتونة" ألعاب نارية وهي مشتعلة من يد مطلقها بين المواطنين، ماذا ستكون النتيجة ومن يتحمل المسؤولية؟ أو ان إحدى المفرقعات التي أطلقت في الهواء أصابت أو دخلت من نافذة إحدى البنايات المرتفعة المتواجدة بكثرة في المكان، من يتحمل المسؤولية؟ ما هو دور عناصر الشرطة الذين تواجدوا على دوار المنارة وقت مرور "الموكب"؟ هل نفهم أن الممنوع يصبح مسموحاً في المناسبات؟ كم تكلفة ما أُطلق من ألعاب نارية في الهواء؟ وغداً سنشكو من أزمة الرواتب إذا تأخرت"!
"من الشباك لرميلك حالي"
استمتعت وأنا أشاهد طلاب الصف الأول في إحدى المدارس وهم يغنون أغنيات الزمن القديم التي كان بينها "يا حلو يا مسليني ياللي بنار الهجر كاويني". توقفت عندما غنوا "ومن الشباك لرميلك حالي". تساءلت ماذا لو قام أحدهم برمي نفسه من الشباك؟ فالأغنية تقول هذا، وهم أطفال يصدقون ما يسمعون ويشاهدون وخاصة أن أفلام الكرتون خيالها واسع. ثم تساءلت ماذا كان يفكر كاتب هذه الكلمات، وهل هناك ما يستدعي أن يرمي الإنسان نفسه من الشباك؟
جريمة مسبقة
سمعنا عن جريمة قتل الفتاة جنوب الخليل وإصابة شقيقتها بجراح خطيرة، وعرفت أن الفتاة المتوفاة كانت تدرس في إحدى الجامعات وكان قد تم فصلها من الجامعة لأنها لم تستطع دفع الأقساط لضيق الحال. الجريمة بدأت قبل أن يهشم المجرم رأس الفتاة، فإلى متى سيظل التعليم لمن يملك المال؟
لو كنت مسؤولاً
عن قرار إغلاق أية منشأة أكانت مصنعاً أم مطعماً أم مؤسسة لبينت الأسباب والمسببات بوضوح تام حتى لا يتم خلط الحابل بالنابل.
الشاطر أنا
في هالبلد الشاطر لازم يكون له إجر في كل محل. يعني لازم يكون له معارف وأصدقاء في الوزارات المختلفة، وفي المؤسسات وفي البنوك وفي البلديات. لأنه واضح انه اللي ما إلُه حد لا يتعب ولا يشقى. بتروح بدك تعمل معاملة في وزارة بتوقف ع الدور بتلاقي اللي إلُه معرفه بيدخل وبيطلع قبل ما حتى حد يطّلّع في وجهك. وفي البنك نفس الشي بتصُفّ ع الدور وما بتشوف إلا ناس بتدخل وبتطلع وانت مكانك قف. أما البلديات فإذا كان لك حد فيها أمورك تمام، باب دارك نظيف، وأمورك سالكة، وما بتلحق تعمل "ترررن تررن" يعني تلفون الا أُمورك مزبّطة. هيك الشطارة!
ماركيز عن قرب
بقلم: وليد ابو بكر – الايام
سوف أزعم بملء الفم أنني عرفت غابريال غارثيا ماركيز عن قرب، وأنني عرفته معرفة وثيقة. لا أشير هنا إلى أنني قرأت جميع ما كتبه وحسب، ما ترجم منه إلى العربية وما لم يترجم، وما كان منه قصة أو سيرة أو رواية، أو مقالا، ومن ضمن ذلك كتابه الذي جمع فيه محصلة تجربة غنية لورشة في كتابة السيناريو كان قد أدارها، لا أعني كلّ ذلك، لأن القراءة متاحة كل الوقت لمن يخطب ودّها، ولكني أشير إلى معرفة شخصية مباشرة، وعلاقة لم تكن مجرّد لقاء عابر، وإنما كانت لمرات عديدة، وامتدت فيها جلسات حوار وتعرّف وتعلّم، على مدى أيام، وساعات ليل، وسهر متواصل حتى مطلع الفجر، واستحداث علاقات مع مبدعين عرب (سعد الدين وهبة، أسعد فضة، محمد خان، أحمد زكي، وكثيرين)، ومحاولات توجيه دعوات إلى مهرجانات عربية، واتفاقات على إنتاج لأعماله (لم ينجح شيء من ذلك سوى بعض المسرح، بسبب انشغاله مرة، وظروف إنتاجنا ومهرجاناتنا مرات).
كنت أحببت ماركيز كاتبا منذ "ليس للكولونيل من يكاتبه"، وتأكد هذا الحبّ ذلك كتابا بعد آخر، وموقفا سياسيا أو إنسانيا بعد آخر، مما كان يتواتر عنه، ليؤكد أن الكاتب الحق لا يلوّن مواقفه حسب سعر المالكين.
حين التقيته أول مرة، كانت فرصة عمر، تعلقت بها: كان ذلك، (ما سبق أن رويته كتابة في حينه) في مهرجان موسكو السينمائي. كان ضيفا لأن فيلمه "وقائع موت معلن" يعرض هناك. كانت معه زوجته (المصرية الأصل)، وسكرتيرته. وأزعم أنني عملت على سرقته منهما، بقدر الإمكان، وربما من كثيرين أرادوا أن يكونوا معه، بعد اللقاء الأول في قاعة السينما، التي كانت تعرض الفيلم (الإيطالي، ببطولة أورنيلا موتي)، وصدف أن كنت ومن معي نجلس أمامه مباشرة.
قال لي ـ بعد ذلك ـ إن قضيتي ـ كفلسطيني ـ كانت في ذهنه وهو يكتب قصته تلك، بأبطالها الذين يحملون أسماء عربية. قال إنه تحدث عن "حادث قتل" سيحدث، لأن الذين سيقدمون على ذلك أعلنوه (تماما مثل وعد بلفور)، ولأن كل من في القرية (التي تختصر العالم) عرف بذلك، ولم يحل دونه، لدرجة أن أهل الشاب المهدد بالموت أغلقوا أبواب منزلهم في وجهه، ظنا منهم أنه محميّ في الداخل، فكان موته المعلن، كما فعل كثيرون بالفلسطيني، ويفعلون.
في رحيل ماركيز أتذكر أنه كان يتعاطف مع قضيتنا منذ البداية، ولذلك كانت هذه القضية خلفية لقصته، يصعب توصيلها إذا لم يحدث تنبيه مباشر لوجودها، لكنه عرف القضية جيدا بعد ذلك، لأنه التقى مثقفين عربا، وسياسيين، واطلع كثيرا، وتعرف على بعض أدبائنا وصادقهم، ومن بينهم محمود درويش في باريس، وتمنى لو أنه كتب روايته تلك في إطار معرفته الجديدة.
في غياب ماركيز، أتذكر الآن أن الشهرة، وحتى جائزة نوبل للأدب، (وهي جائزة حقيقية لا ادعاء فيها ولا كذب ولا واسطة ولا استفراد ولا استعراض، رغم كلّ ما قد يشوبها من عامل سياسي بين حين وآخر) لم تغير فيه شيئا من طبيعته؛ فهي لم تحدّ قيد شعرة من تواضعه، ولم تضيّق حيزا ولو صغيرا من ابتسامته، ولا قلّصت مساحة من حبه للناس، أو من رغبته في مزيد من التعرف، من أجل مزيد من المعرفة، لأنه لم يكن يشعر بأنه "ختم العلم" على الإطلاق.
في غياب ماركيز أتذكر أن الدهشة كانت تعلو وجهه كلما التقى أحدا وعرف أنه قرأ له شيئا. كان يفرح، لأن الغرور الغائب عنه لم يصور له أن العالم كله يقف على قدم وساق أمام كل كلمة يكتبها، كما هو الحال عند بعض من "يكتبون". وفي غياب ماركيز، أتذكر أنه كان يسأل كل من حوله، أكثر مما كان يجيب. كان يحلو لي أن أتأمل شيئا "يبرق" في عينيه، يقول إنهما لا تكتفيان بأن تريا، لأن فضول الموهبة لديه يجعلهما تبحران في أعماق ما تنظران إليه، بحثا عن هذه المعرفة.
في غيابه، أتذكر الآن شيئا له أهميته: كان ماركيز رجلا عاديا في يومه العاديّ، يأكل مثل الناس، ويشرب ويضحك للنكتة مثلهم، ويسهر ويتعب ويرتاح. كان لا يتظاهر قط بأنه مهم أو مختلف أو يتطلب "معاملة تليق بمكانته". لم يطل شعره حتى كتفيه حتى يلفت النظر، ولا أرخى ذقنه لتتدلى أمامه، ولا جعل ملابسه فرجة من أجل أن يراه الناس ويتساءلوا من يكون. لم يكن يحاول أن يقول لمن ينظر إليه: أنا كاتب مشهور، ألا تعرفني؟ كان سرّه كله موجودا فيما كتب. وكانت نجوميته موجودة هناك أيضا.
كان رجلا يعرف نفسه، ولا يحتاج إلى من يؤكد له هذه المعرفة. وكان يثق بنفسه، ولا يحتاج إلى من يعزّز هذه الثقة، أو إلى ما يعززها. كان رجلا حقيقا، وكان في الوقت نفسه مبدعا حقيقيا، تفيض صفته هذه بذاتها، لأن تلك هي طبيعتها غير المفتعلة، أو التي تحتاج إلى ترويج.
كنا ـ في الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين ـ تمنينا أن يعمد وطننا، الذي آمن ماركيز بحقه في الحياة، إلى تكريمه قبل أن يرحل، وكنا تلقينا وعدا بأن يحدث مثل هذا التكريم، لكن يبدو أن ظروف وطننا وظروف الكاتب الكبير الذي تعاطف معه، لم تمنحنا الفرصة لتحقيق هذا التمني، قبل أن يغيب ماركيز.

تغريدة الصباح - الحق..عندما يمشي
بقلم: عدلي صادق – الايام
يُنسب للأعراب، أنهم تداولوا أقصوصة رمزية، عن سجال بين الحق والباطل. جعلوا الحق رجلاً ركب حماره ليعبر الصحراء المقفرة، فصادف في طريقه نقيضه الباطل، وتقطعت به السُبل، وأعياه المسير مشياً على الأقدام بلا مركوب. توسل الباطل الحق أن يحمله معه على ظهر الحمار. رق قلب الحق، لكنه أشفق على حماره من حمل الاثنين معاً. قال للباطل: تركب أنت الآن، وأنا أمشي، ثم تنزل وأركب. استراح الباطل على ظهر الحمار، وعندما نزل وجاء دوره للمشي، بدأ يضمر أمراً ويتهيأ للخديعة. ترجل الحق طوعاً ودعا الباطل للركوب. ولما جاء الدور المفترض للحق، وأضنته مشقة المسير؛ لم "يتنحنح" الباطل ولم يدعُ الحق للركوب، فطلب الحق من شريك الرحلة أن ينزل، فأجابه: كيف أمشي والحمار لي؟!
امتد السجال بينهما، دون فتح أية ثغرة في جدار الباطل الذي أصر على أن الحمار حماره، وكان الانسداد. بدا الوهن على الحق الذي تضعضعت حجته، وأعيته الحيلة، ولا شهود ينكرونه أو يؤيدونه، وهو أصلاً بلا عضلات، وليس في وسعه أن يردع الباطل وأن يحسم. تكسرت لغته، وداخت عبارته من خضيض السجال، بل أحس الحق بالرغبة في التسليم. ولكن شتّان بين من يُسلِّم ويستريح، ومن يرضخ فيشقى، وتُدمى روحه وقدماه، ويخوزقه التسليم. فإن عاند غريمه سيشقى أكثر. ساورته نفسه بأن يتوسله لكي يقطعا الصحراء معاً بتناوب الركوب. ربما يكون قد لعن الحمار المشؤوم الذي أدخله في هذا السجال، وتمنى لو أن الرحلة، بدأت مشياً على الأقدام. فمن لا يحمي نفسه، يعجز عن حماية فحواه فما بالنا بحماره. اتفق الاثنان على الاحتكام الى من يصادفهما، والى حين ظهور هذا الذي يحكم بينهما، سيظل الباطل راكباً والحق يجرجر أقدامه.
عندما ظهر الذي سيحتكمان اليه، كان الحق قد بلغ ذروة القنوط، وانعقد لسانه ولم يعد عقله قادراً على المشاركة في صياغة السؤال، أو اختصار الحكاية، التي يبت فيها الحَكَم. ترك للباطل أن يسأل وأن يلخص الموقف، فقال الباطل للرجل الثالث: مَن هو الأجدر بأن يمشي في هذه الدنيا.. الحق أم الباطل؟ أجاب الرجل: الحق طبعاً.
هنا، شد الباطل رَسَنَ الحمار في الوجهة الأخرى، وقال للحق: لقد أنْصَفَك الحَكَم.
* * *
وقيل إن باطلاً تحدى الحق يوماً فقال له: إن عندي من الحيِل ما أغطي بها وجهك الحقيقي عن الناس. أجابه الحق: وعندي من القوة ما أهتك به تغريرك بهم. عاد الباطل يقول: سأظل ألاحقك بأكاذيبي النافذة حتى يعتريك الملل. رد الحق: وسأمزق سترك الجديد ولبوسك، مثلما فعلت بالقديم. استشاط الباطل غضباً وصاح: هَبْ انك أقنعت الناس جميعاً، هل تنسى أن سندي إبليس الباقي الى يوم يُبعثون؟ أجاب الحق بهدوء: لن أيأس ما دام للكون إله عادل، وللناس عقول تفكِّر. عاد الباطل الى فَورة غضبه: أي ناس هؤلاء ناسك، حتى وإن ظفرت بمن يفكرون؟ فما أكثر الناس أيها الواهم وما أكثر نصيبي منهم. أجاب الحق: ما أكثر دعائي ثم إن ربي هو الذي يحكم بين الناس، فيما كانوا فيه يختلفون.
على الرغم من صمود الحق في السجال الثاني، إلا أنه ترخرخ وبدا عليه الوهَن في خاتمة الحوار، إذ اكتفى بحل الآخرة الذي وعد الله به الصابرين. وربما كان الحق الثاني، سيتقهقر مثلما حدث للحق الأول، بعد الجملة الأولى، لو أن الطرفين كانا في الصحراء، وكان الخلاف على الحمار، وحول أيهما أجدر بأن يمشي ويشقى.
ما زال الحوار جارياً، واقتنصنا منه هذه السطور، بينما محسوبكم على سفر، يكتب في صالة انتظار الصعود الى الطائرة، ومشهد الخلق في الصالة ــ كما في الأوطان ــ ينم عن قلق مقيم، وكأننا جميعاً تركنا حميرنا للباطل لكي يركب ويستريح، واسلمنا أنفسنا للمقادير ولمطبات الأرض ومطبات الهواء.

"أحبوا بعضكم بعضاً" كانت الوصية
بقلم: جواد بولس – الحياة
لا أعرف إن كانت هنالك صلات تنظيمية بين الأجسام التي عارضت تنفيذ مجموعة من النشاطات الاجتماعية والفنية التي كان مزمعًا تنفيذها في بعض من قرانا في الجليل والمثلث. ففي باقة الغربية اضطر منظمو مسيرة رياضية، استهدفت إشراك جميع أفراد العائلة في نشاط ترفيهي هادف، ويشمل عرضًا لسيرك وغيره، اضطروا إلى إلغائها منعًا لـ"الفتنة"، كما جاء في إعلان المسؤولين هناك.
سبق ذلك، توزيع مناشير وبيانات موقعة باسم حركات إسلامية دعت إلى إلغاء الفعّالية، وذلك لكونها لا تتوافق وقواعد الشريعة الإسلامية، وبما قد يتيحه الاختلاط من وقوع النساء المشاركات في الخطيئة والشرك.
في عكا تصدّت مجموعة من التكفيريين لعرض فرقة "وطن على وتر"، ومنعت الجمهور من دخول قاعة العرض بحجة أن الفرقة تعرّضت، في الماضي، في أحد عروضها، الساخرة الناقدة للإخوان المسلمين.
وأخيرًا، في سخنين اعترضت حركة إسلامية على عرض فيلم "المخلص" الذي يروي قصة المسيح، ولتوضيح موقف المعارضين نشر خمسة من أئمة مساجد سخنين بيانًا عللوا فيه موقفهم الرافض لعرض الفيلم بارتكاز روايته على ما جاء في إنجيل لوقا عن حياة المسيح، وليس كما قبلتها العقيدة الإسلامية.
إلى ذلك فلقد "نصح" الأئمةُ المسيحيين، إذا أرادوا، أن يعرضوا الفيلم أن يعرضوه في كنائسهم أو بيوتهم. ووعدوا بأنهم سيبقون: "حصنًا حصينًا للدفاع عن عقيدتنا وشريعتنا وقرآننا الكريم".
نحن إزاء ظاهرة قطرية تعكس نمو فكر تكفيري ينتشر بوتائر سريعة. لن يشذ أصحاب هذا الفكر عمّن سبقوهم في الحركات السياسية الإسلامية التكفيرية، ولسوف يحذون حذوهم في مساعيهم لفرض ما يحسبونه حقهم وواجبهم في سبيل الذود عن إيمانهم، كما يفهمونه، فدونه، كل موقف وفعل وإيمان باطل ولاغ وحرام.
أمامنا المشهد واحد، فمن ينتظر ماذا؟ وماذا يجب أن يحدث كي يستشعر المؤمنون بالإنسان ورفعته وبحرّية الكلمة والرأي والعبادة، أن الخطر داهم، وأن الوضع أعوص من طبطبة هنا وكلام عن الاخوّة والتسامح هناك، فلقد علّمنا التاريخ أن إنكار الوجع لا يوقف النزف، وإطباق العيون في الظلمة لا يستحضر النور، ودائما كانت الوقاية خير من قنطار علاج.
ما جرى في سخنين هو فصل من فصول الرواية ذاتها، ويتوهّم البعض أن للقضية أبعادًا طائفية فقط، وأنا لا أرى ذلك، لأنني أرى أننا قد تخطينا هذا التوصيف وما نحياه اليوم، في فلسطين الكبيرة، هي حالة أقرب إلى "البوستطائفية"، أي ما بعد الطائفية. ففي باقة الغربية هناك المسلمون فقط، وعكا مدينة الحب والريح كانت، وأمّا في سخنين، فالمسيحيون تذكار لمعنى الحنين؛ أقلّية، كأخواتها، تؤمن، ونحن في أيام الفصح المجيد، "بوصية المحبة" التي أوصاها المسيح لتلاميذه بعد عشائه الأخير معهم: "أحبوا بعضكم بعضًا، كما أنا أحببتكم، بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي.." فهكذا كانت وصية الفلسطيني لأتباعه قبل ألفي عام، (أو"المخلص" كما سمّاه ذلك الفيلم المحظور).
نجحت، في المواقع الثلاثة، تلك الجماعات، في تحقيق ما ناشدت به، وخضع القائمون على النشاطات وقرروا إلغاءها، درءًا لوقوع الفتنة، كما نقلوا مبررين وشارحين.
إن الرضوخ لمطالب تلك الجماعات والتنازل عن محاولات التحاور معها والعزوف عن مناقشة مواقفهم، يشكّل تراجعًا خطيرًا وهو، بحد ذاته، مسببًا لزيادة في شهيّتها واستغلالها لمضاعفة مطالبها وشد ملازمها على مجتمعاتنا كلّها.
بالمقابل، فلقد غابت، كما في كثير من هذه الحالات المشابهة في الماضي، أصوات معظم الأحزاب (حزب التجمع أدان هذه المواقف في بيان مستقل واضح. ولسوف أتطرّق لاحقًا "للا موقف" الجبهة والعربية للتغيير) والمؤسسات والشخصيات، لا سيّما من يعرّف ذاته منهم بالمثقف المتنور، أو الديمقراطي أو المتحرر وما إلى ذلك من تصنيفات تساق من على منصات مؤتمراتهم البحثية الأكاديمية، فباستثناء بعض الأصوات النقية الجريئة، صمت رئيس لجنة الرؤساء السخنيني ومعه صمتت معظم الرؤوس، أما لجنة المتابعة العليا فأثبتت مجددًا أنها سيدة "التطنيش".
صمتكم يا سادة، بمثابة خوذات تحمي رؤوس من يسعى لإسدال الستائر على مسارحنا وإطفاء القناديل في حاراتنا.
وأخيرًا، عساكم، أيّها المتفرجون أن تعتبروا من دروس التاريخ ومما حصل مثلًا، في زمن المحنة وما تلاها. فلقد وصل الذل إلى "ابن حنبل" وهو واحد من أئمة المسلمين بإجماع العامة والفقهاء، فحين كفّرته طائفة، سجنه الخليفة المأمون بن هارون وعذّبه وتمادى في ذلك من بعده "المعتصم"، الذي أمر الجلادين، فعلقوه بين السماء والأرض وضربوه إلى أن أصابه أحدهم بسوطه فقطع جلد بطنه وتدلت أمعاؤه... ثم ألقوه ليظل لأكثر من عشرين عامًا مستترًا في بيته مخلوع الكتفين، مفتوق البطن حتى مات.
نحن شعب يتوق إلى حرّيته ويكافح من أجل حياته الكريمة وكرامته التامة، فلا أحد يعترض على حق أي جماعة أو طرف، في التعبير عن رأيه الرافض لهذا الموقف أو ذلك الفكر، أو أن يتحفظ على عرض مسرحية أو فيلم، أو إلقاء قصيدة أو أغنية. ولكن، بين هذا الحق ومحاولة فرضه بالترهيب والوعيد والتلويح بفتنة دانية ودماء قد تراق، البون شاسع؛ فعندما يصير الرأي، لدى فئة أو جماعة أو فصيل، مقدّسًا والإيمان مطلقًا، تسقط الضحايا، وتصبح الحياة، حياة الآخرين، مجرد ذبيحة وأرخص من عفطة عنز.

حدود جدية حماس
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
اتصل اسماعيل هنية، القائد التنفيذي لحركة حماس في محافظات الجنوب مطلع الاسبوع الماضي مع عزام الاحمد، مسؤول ملف العلاقات الوطنية في حركة فتح، ودعاه لزيارة غزة لطي صفحة الانقلاب، وابدى ابو العبد الاستعداد لتنفيذ ما تم التوقيع عليه سابقا، لاسيما ان الاحمد كان ابلغ المسؤول الحمساوي، ان زيارته لن تكون لاعادة نقاش ما تم الاتفاق عليه، وانما لتنفيذه، والخروج من شرنقة الانقلاب والانقلاب.
وكان الرئيس ابو مازن شكل وفدا وطنيا مكوناً من: بسام الصالحي، جميل شحادة، مصطفى البرغوثي، منيب المصري بقيادة عزام الاحمد في الاجتماع الاخير للقيادة الفلسطينية لزيارة القطاع، وحسم موضوع المصالحة، واعلان النتائج مباشرة للشعب.
السؤال الذي يطرح نفسه على قيادة حركة حماس قبل غيرها من القوى، لانها الممسكة بمقاليد الامور التنفيذية على الارض في محافظات الجنوب، هل هي جادة في طي صفحة الانقلاب مرة والى الابد؟ هل لديها الاستعداد الحقيقي لاعادة الاعتبار للمصالحة الوطنية؟ أم ان الاتصال الاخير لهنية مع الاحمد مناورة جديدة، تهدف من خلالها قيادة الانقلاب الى ضرب اكثر من عصفور بحجر: أولا تضليل الفلسطينيين، وايهامهم بان حماس "مستعدة" للمصالحة، وبالتالي إلقاء الكرة في مرمى الرئيس عباس وحركة فتح وفصائل منظمة التحرير؛ ثانيا المناورة والضحك على دقن القيادة، من خلال ابداء الاستعداد الشكلي للمصالحة للالقاء أعباء حماس المالية في حجر السلطة، خاصة وان حركة حماس تعاني من أزمة مالية خانقة تهدد دورها ومكانتها في اوساط كوادرها وانصارها؛ ثالثا الالتفاف على الراعي المصري، واحراجه في آن، كون الاجراءات والتوجهات المصرية الاخيرة تطالب حركة حماس، باعلان ابتعادها عن حركة الاخوان المسلمين، كي تطبع علاقاتها مع الشرعية المصرية الجديدة؛ رابعا ومن جهة اخرى تحاول حماس في حال تعثرت عملية المصالحة لغياب الدور المصري الفاعل، تنادي حينئذ بما دعا له الامير القطري تميم بن حمد في القمة العربية الاخيرة في الكويت نهاية آذار الماضي، لعقد قمة عربية مصغرة لتجاوز الراعي المصري؛ خامسا ومن باب آخر، تحاول استثمار المناخ الايجابي مع الرئيس محمود عباس لفتح معبر رفح البري، المنفذ الوحيد لايجاد متنفس لها ولو بشكل جزئي مع حلفائها في قطر وتركيا وتونس والسودان وغير مكان من عالم العرب والمسلمين.
أياً كانت حسابات وغايات حركة حماس من الخطوة الاخيرة، التي استجاب معها الوفد الوطني والقيادة، لجهة تحديد منتصف الاسبوع الحالي للنزول الى غزة ولقاء قيادات حركة حماس، لعل الخطوة تؤتي ثمارها بالاتفاق على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية برئاسة ابو مازن، والاتفاق على موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتتابع حكومة الوفاق الوطني تجسير الهوة، وخلق روافع للوحدة الوطنية واعادة الاعتيار للمشروع والاهداف والمصالح العليا للشعب. لكن تستدعي الضرورة عدم تجاوز الراعي المصري، وتملي الحاجة للتنسيق مع الاشقاء في القاهرة ليس فقط لجهة وضعهم في صورة التطورات، بل كي يقوموا بما تمليه عليه مسؤولياتهم تجاه المصالحة، وايضا لوضع ضوابط للعلاقة الاخوية المشتركة وحماية الامن القومي الفلسطيني والمصري بما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين.
وفي حال فشلت زيارة وفد المنظمة، على القيادة بكل مكوناتها إصدار بيان وطني عام يحمل حركة الانقلاب المسؤولية عما ستؤول اليه النتائج؛ والعمل لاحقا بكل السبل والوسائل على طي صفحة الانقلاب، واعادة الاعتبار للوحدة الوطنية، لانه لا مشروع وطني دون عودة محافظات الجنوب للشرعية ورايتها الوطنية.

إذا كانت إسرائيل تكره السلام؟؟؟
بقلم: يحيى رباح – الحياة
نحن في هذه المنطقة من العالم، نحن العرب، نحن المسلمين وفي القلب الشعب الفلسطيني، مهما حاولنا الهروب من الأسئلة فإنها تلاحقنا باستمرار، تقرع أبوابنا بلا كلل أو ملل، وتصدع رؤوسنا طوال الوقت، ماذا إذا كانت إسرائيل تكره السلام، لا تريد السلام، عاجزة عن السلام؟ متواطئة ضد معنى السلام؟ ماذا نفعل؟
الجدل الدائر في إسرائيل منذ بداية المفاوضات الحالية التي ذهبنا إليها كفلسطييين بعقل مفتوح وإيجابي، بغطاء إيجابي أيضاً من النظام الإقليمي والعربي، وبأمل كبير من مفردات المجتمع الدولي، هذا الجدل في إسرائيل ينحدر بعضه إلى مستوى يقول ان إسرائيل لا يوجد فيها الآن قيادة صالحة لأن تكون شريكاً جدياً في أي عملية سلام يمكن أن تصل إلى أي نتيجة! مفردات هذا الجدل نسمعها في إسرائيل على لسان أعضاء البيت اليهودي، وإسرائيل بيتنا، والليكود، وجمعيات المستوطنين، وبعض قادة الجيش والأجهزة الأمنية، تشتمل على قدر كبير من الغباء والاستهتار والاستهانة، وربما يكون وراء ذلك المزايدة التي يستخدمها هؤلاء ليحققوا أعلى المرابح في البورصة السياسية الإسرائيلية، فهذه البورصة تدار بأحط قدر من المعايير، ذلك أنه في الوقت الذي يعلو فيه صوت الاستيطان مثلاً، فإن هناك إحصائيات واستطلاعات تشير إلى أن قرابة ثلاثين في المئة من هؤلاء المستوطنين يدرسون في هذه الأيام الثمن الذي يمكن أن يقبضونه لقاء مستوطناتهم، وأن معظم وزراء هذه الحكومة التي يقودها نتنياهو يدرسون بجدية ما هو الأفضل لهم، هل البقاء مع نتنياهو أم تركه يغرق وحده ويفشل وحده، بل إن لسان الحال في هذه الحكومة الإسرائيلية يقول للحليف الأكبر أميركا، ما دمتم قد تخطيتمونا في الاتفاق مع إيران، فاتركونا مع الفلسطينيين نفعل ما نريد!
ولكن مجمل الوضع يتبلور في أن هذه الحكومة الإسرائيلية، حكومة المستوطنين والمتطرفين والمزايدين الانتهازيين غير قادرة وغير راغبة في أن تكون شريكاً في أي عملية سياسية تؤدي إلى السلام، فماذا نفعل؟
وهذا السؤال نطرحه وقد خطونا منذ نهاية عام 2012 خطوات مهمة إلى الأمام لا تراجع عنها، فقد حصلنا على قرار مهم من الأمم المتحدة كعضو مراقب في الأمم المتحدة، ودخلنا قبل أيام في عضوية خمس عشرة اتفاقية ومعاهدة دولية، ونجحنا في جعل إسرائيل تكشف عن نواياها الخبيثة علناً من خلال تهديدات وتصريحات وعربدات نتنياهو وفريقه في ائتلاف الذئاب، وعندما تدفع خصمك إلى الكشف عن أعماقه العنصرية العدوانية المظلمة فهذا مكسب كبير لا يقدر بثمن، لأن هذا الخصم أو العدو يكون قد فضح نفسه بنفسه.
ولكننا ونحن نتقدم إلى الأمام، ونجعل عدونا عارياً أمام العالم، يجب أن نتحصن أكثر، ومن بين هذه الحصانة أن ننهي الانقسام، فهل حماس جاهزة لذلك، راغبة في ذلك، قادرة على ذلك إذ كانت راغبة؟ هذا ما سوف ينكشف يوم الإثنين المقبل حين يصل وفد المصالحة من رام الله إلى غزة، وقد يلح علينا السؤال وقتها إذا لم تكن حماس راغبة، أو إذا كانت راغبة ولكنها بحكم ارتباطاتها ورهاناتها غير قادرة، فماذا نفعل؟
هناك أسئلة تلاحقنا، وهناك حقائق نهائية ماثلة أمامنا، وفي مواجهة هذه الأسئلة والحقائق فإن علينا أن نخرج من الصندوق، وأن نبحث عن أجوبة وحلول، وأن نعيد صياغة أنفسنا لهذه المرحلة المتقدمة من الصراع التي وصلنا إليها بخيارنا، ذلك أن المكاسب والمصاعب تحملنا بأعباء جديدة ويجب أن نكون مستعدين.