تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : المقالات في الصحف المحلية 07/05/2014



Haneen
2014-12-18, 12:10 PM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية





</tbody>

<tbody>
المقالات في الصحف المحلية




</tbody>

<tbody>
الاربعاء
7/5/2014





</tbody>

<tbody>




</tbody>





file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png الوحدة الوطنية من ثوابتنا الفلسطينية الراسخة
بقلم: حديث القدس – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png المصالحة الفلسطينية وثورات الربيع العربي
بقلم: مصطفى الفقي – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png تخبط وتمييز ملموس في الإستراتيجية الإسرائيلية
بقلم: محمد خضر قرش – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png اليوم الذي ماتت فيه عملية السلام الحديثة
بقلم: مات رولاند هيل – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png مصالحة فئوية أم وحدة وطنية فلسطينية؟
بقلم: ماجد الشيخ – القدس
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png تخلف النظام السياسي
بقلم: نبيل عمرو – القدس





file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png 66 عاماً من "الطفرة" و"الشذوذ" !
بقلم: حسن البطل – الايام
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png إسرائيل تبحث بلا جدوى عن رئيس بلا فضائح !!
بقلم: هاني حبيب – الايام
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png الخيارات الإسرائيلية في حال فشل المفاوضات نهائياً
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png "المصالحة": تفاؤل العاطفة وكوابح الواقع
بقلم: علي جرادات – الايام
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png مصرع بائع الحلويات
بقلم: توفيق وصفي – الايام



file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png تغريدة الصباح - الإبل والحمير والربيع العربي
بقلم: يحيى يخلف – الحياة
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png اطلالة عربية - كلمات مضلة !
بقلم: ابراهيم عبد المجيد – الحياة
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png التشكيل الحكومي التوافقي
بقلم: عدلي صادق – الحياة
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png احترنا من اين نبوسك يا قرعة!
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png يوم استقلالهم يوم نكبتنا -1-
بقلم: بهاء رحال – الحياة
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.png حـــارتـــنـــا
بقلم: عبد السلام العابد – الحياة




الوحدة الوطنية من ثوابتنا الفلسطينية الراسخة
بقلم: حديث القدس – القدس
شهدت الأسابيع القليلة الماضية حراكا مكثفا لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. وكانت ذورة هذا الحراك اللقاء الذي تم أمس الأول في الدوحة بين الرئيس محمود عباس وخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والذي أكد فيه كل منهما على المضي قدما في إنهاء الانقسام وتكريس الوحدة الوطنية، وفقا لما ورد في تقارير وكالات الأنباء التي غطت هذا اللقاء الهام.
والحقيقة هي أن اللقاءات بين الحركتين الفلسطينيتين الكبيرتين فتح وحماس لم تتوقف خلال الأعوام السبعة من عمر الانقسام المشؤوم، ولم يكن اتفاق لإنهاء الانقسام يستنفد وقته إلا ليليه اتفاق وتفاهم آخر. ولم تكن المشكلة في أي وقت من الأوقات هي عدم وجود تفاهمات واتفاقات من هذا القبيل، وإنما أن هذه الاتفاقات كانت توضع على الرف بسبب مصالح فئوية حينا وضغوطات خارجية حينا آخر.
ولا غرابة أن يشعر أبناء الشعب الفلسطيني بحالة من اللامبالاة عندما يعلن عن اتفاق جديد لإنهاء الانقسام، فما يريده الفلسطينيون ليس اتفاقات تكون مجرد حبر على ورق، وإنما خطوات عملية وفعالة توحد جناحي الوطن وتظهر الشعب الفلسطيني صفا واحدا وقلبا واحدا أمام التحديات المصيرية التي تتهدد القضية والوجود الفيزيائي الفلسطيني بحد ذاته.
ومن هذا المنطلق فإن قضية الوحدة الوطنية من الخطوط الحمراء التي تم تجاوزها في السابق اختراقا للإجماع الوطني الذي حدده الرئيس الرحل ياسر عرفات عندما أكد على قدسية الدم الفلسطيني وطهارة السلاح الفلسطيني. وكان الإحباط في الشارع الفلسطيني طيلة فترة الانقسام الذي لم ينته بعد مع الأسف عاما وشاملا، والمطالبة باستعادة الوحدة الفلسطينية إجماعية وإن لم تستجب لها الفصائل المعنية بأكثر من التصريحات والبيانات المنمقة بينما ظل الوضع الانقسامي على حاله، بل كان يزداد كل يوم تعمقا وتجذرا.
ومع كل الترحيب الذي صدر عن مختلف القطاعات الشعبية باتفاق المصالحة الأخير الذي وقع في مخيم الشاطىء في قطاع غزة، ومع كل الأمل بأن يوضع هذا الاتفاق موضع التنفيذ في أقرب فرصة فتتشكل حكومة الوفاق الوطني برئاسة أبو مازن، فإن هناك قدرا من الترقب، ولا نقول الشكوك، جراء ترسبات الإحباطات السابقة، وهو ما يجب أن يدفع بالفصيلين الكبيرين للعمل الجاد من أجل بلورة هذا الاتفاق ووضعه موضع التنفيذ بالسرعة الممكنة، إذ ليس هناك ما يحول دون ذلك سوى الاعتراضات الاسرائيلية والأميركية عليه- والمفروض أن تكون هذه الاعتراضات قد تم توقعها واتخذت الإجراءات اللازمة لمواجهتها والتغلب عليها.
إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية من الثوابت الفلسطينية الراسخة وليس هناك مجال للقفز عليها أو الالتفاف حولها، خصوصا في هذه المرحلة الحاسمة من مسيرة القضية الفلسطينية وما يحيط بها من تحديات ومخاطر تتطلب وحدة الصف الفلسطيني والالتقاء حول الانتماء الواحد للوطن والشعب قبل أي اعتبار فئوي أو فصائلي آخر.

المصالحة الفلسطينية وثورات الربيع العربي
بقلم: مصطفى الفقي – القدس
ستبقى القضية الفلسطينية هي القضية العربية الإسلامية الأولى، لا تطغى عليها أحداثٌ عابرة أو مواقف طارئة، إذ يجب أن نتذكر أن إسرائيل مسؤولة تاريخياً عن كثير من مشاكل المنطقة وأزماتها، بل إنني أظن أننا لو وجدنا مأساة عربية جديدة، أو كارثة قومية طارئة فمن الضروري أن نقول (فتش عن إسرائيل) وحتى الانقسام الفلسطيني الذي أضر بالقضية ضرراً بالغاً في السنوات الأخيرة هو نتاج لتدخلات إسرائيلية وألاعيب لن تتوقف أبداً، بل إن التشجيع الإسرائيلي لحركة المقاومة الإسلامية عند ميلادها في الانتفاضة الأولى لم يكن حباً فيها ولكن رغبة في إيجاد قيادةٍ بديلة يؤدي ظهورها إلى انقسام الفلسطينيين وتشتيت وحدتهم..
لذلك كانت إسرائيل هي الرابح الأول من ذلك الانقسام، وهي التي استفادت منه وحاربت كل محاولات المصالحة من خلال تسريبات واختراقاتٍ لا تخفى على أحد، وحين أقدم الرئيس الفلسطيني محمود عباس على الدخول في المراحل النهائية للمصالحة مع حركة «حماس» عطَّل الجانب الإسرائيلي المفاوضات السلمية، ولكن ذلك لا يكفي لإنهاء النهم الإسرائيلي بأخذ كل شيء وعدم ترك أي شيء، ويهمنا في هذا المقام أن نعرض لمؤثرات الربيع العربي على القضية الفلسطينية وتوابعها، خصوصاً موضوع المصالحة، وذلك من خلال النقاط الثلاث الآتية:
أولاً: في غمرة أحداث المنطقة العربية ومشكلاتها المتعددة جرى تطور كبير يمس القضية العربية الأولى وهي «القضية الفلسطينية»، وذلك بالتقارب الذي حدث بين الفصيلين الكبيرين وهما حركتا «فتح» و «حماس» أخيراً، والذي يفتح الأبواب أمام وحدة الصف الفلسطيني، وإنهاء الانقسام الذي استمر لأكثر من سبع سنوات وترك آثاره السلبية على وحدة ذلك الشعب المناضل، كما أدى إلى تأثير سلبي في الشخصية الفلسطينية دولياً، بل وفي المفاوض الفلسطيني أيضاً في كل الاتجاهات، وسمح «لإسرائيل» بمزيد من المضي في سياسة العزل والإقصاء والتنكيل حتى امتلأت السجون الإسرائيلية بالأسرى الفلسطينيين .
كما سرعت اسرائيل الخطى في محاولة العبث بالأقصى الشريف والدفع بالدعاوى الزائفة والأفكار الخاطئة والبراهين المفبركة لكي تتمكن من «تهويد القدس» في شكلٍ كامل، كما غامرت إسرائيل أيضاً في مناسبات دولية متعددة بالحديث الرافض حل الدولتين، والعودة أحياناً إلى المربع الأول في مسار التسوية للمشكلة العربية الإسلامية الأولى وهي «القضية الفلسطينية»..
وجدير بالذكر أن هناك عوامل أثرت في هذا التقارب بين جناحي المقاومة الفلسطينية «فتح» و «حماس» تحت مظلة «منظمة التحرير الفلسطينية». ويجب أن نتذكر أن جهوداً عربية ضخمة قد بذلت من أجل الوصول إلى ما نراه اليوم، فقد حاولت «مصر» و «السعودية» و «قطر» و «الأردن» وغيرها من الدول العربية الشقيقة دفع الفلسطينيين نحو المصالحة، بل إننا نتذكر اليوم أسماء كثيرة في هذا السياق في مقدمها الراحل عمر سليمان، ثم اللواء مراد موافي وغيرهما، كما نتذكر مؤتمر «مكة المكرمة» في رعاية خادم الحرمين الشريفين، ولا شك في أن هناك عوامل أساسية دفعت نحو هذه التسوية في مقدمها «الأزمة السورية» و «الثورة المصرية».
ثانيًا: إن تأثير ما جرى في «سورية» في «القضية الفلسطينية» يتجاوز بكثير حدود التصور، لأن «سورية» دولة مركزية محورية في «الصراع العربي - الإسرائيلي» حتى وإن لم تشتبك في قتالٍ مباشر مع اسرائيل منذ عام 1973، فهي تبقى دولة ذات مسؤوليةٍ كبيرة تجاه الفلسطينيين، إذ يجب ألا ننسى أن «سورية الكبرى» تضم تاريخياً «فلسطين» و «الأردن» و «لبنان» تحت المسمى التاريخي «بلاد الشام»، ولعل ما جرى في «سورية» في الأعوام الثلاثة الأخيرة إنما يجسد مأساة كارثية لواحد من أهم شعوب المنطقة وأكثرها اعتزازاً وإباء ومكانة.
«فعز الشرق أوله دمشق» كما قال أمير الشعراء «شوقي»، كما أن الحركة القومية العربية هي «شامية» المولد والنشأة سواء في بلد الأصل، أو في المهجر لذلك كان طبيعياً - والحال كذلك - أن يتأثر المسار الفلسطيني بما جرى في «سورية» في الأعوام الأخيرة، بل إننا نظن أن جزءاً من اتجاه «حماس» للتهدئة والمضي نحو المصالحة مع الجناح الآخر للمقاومة في حركة «فتح» إنما جاء نتيجة الشعور بغياب الظهير السوري.
وأحسب أن موقف خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» هو تجسيد لرد فعل ما نتحدث عنه مثلما هو الأمر بالنسبة لحركة «فتح» التي تأثرت هي الأخرى بالثورة المصرية على نحو ما سنبسطه لاحقاً، ولكن ذلك لا يعني في الوقت ذاته أن حركة «حماس» تأثرت بالثورة المصرية كما تأثرت حركة «فتح» بالمأساة السورية، فالتأثيرات متداخلة لأحداث المنطقة في الفلسطينيين، خصوصاً من دول الجوار المباشر، فالقضية في النهاية ليست فلسطينية فقط ولكنها أيضاً عربية إسلامية ذات أبعاد إنسانية ومؤثرات إقليمية.
ثالثًا: عندما نستقبل الأخبار الأخيرة عن تقدم الفلسطينيين في «فتح» و «حماس» نحو المصالحة الوطنية الشاملة، فإننا نتذكر الجهد المصري في هذا السبيل، وكيف كانت «مصر» دائماً داعمة تلك المصالحة، وساعية لها قبل ثورة 25 يناير وبعدها، ففي عهد الرئيس الأسبق مبارك حاولت «مصر» بقيادة عمر سليمان رئيس الاستخبارات وأحمد أبو الغيط وزير الخارجية حينذاك القيام بدور فاعل في هذا السياق، ولقد سألت السيد عمر سليمان ذات مرة عام 2009، هل «حماس» هي المعوق للمصالحة؟ فأجابني (إن عبء التأخير يقع على «فتح» و «حماس» معاً وليس على إحداهما فقط)..
وبعد ثورة 25 يناير دفعت «مصر» بقيادة اللواء مراد موافي رئيس الاستخبارات حينذاك بجهد ملموس أدى إلى توقيع اتفاق مبدئي بالمصالحة، وعندما وصل «الإخوان» إلى الحكم كان التنسيق المصري مع «حماس» قوياً بينما تميز التعامل مع حركة «فتح» بالفتور، ولكن الأمور تحوّلت في اتجاه عكسي عندما وقعت انتفاضة 30 حزيران التي أطاحت حكم «الإخوان» وفتحت جسوراً للتواصل أكثر مع حركة «فتح»، بينما توترت العلاقات مع حركة «حماس» باعتبارها فصيلاً عسكرياً من «الإخوان المسلمين»، ولقد حافظت «مصر» على «شعرة معاوية» من التواصل القومي مع حركتي «فتح» و «حماس» معاً في محاولة مخلصة للتوافق الفلسطيني - الفلسطيني الذي أدى غيابه إلى آثار سلبية حادة على القضية برمتها. وإذا كنا قد ذكرنا من قبل أن تدهور الوضع في «سورية» كان عاملاً ضاغطاً على حركة «حماس»، تحديداً للتوجه نحو المظلة التاريخية «لمنظمة التحرير الفلسطينية»، فإن المشهد المصري وتطوراته هو عامل رئيس في توجيه الحركتين معاً نحو المصالحة الوطنية.
... إننا إذ نكتب عن المصالحة الفلسطينية إنما نضع في اعتبارنا خلفية ما جرى في هذا السياق عبر العقود الأخيرة، حيث إن الأمر يتجاوز كثيراً موجة التفاؤل الطارئة التي ترددت في بعض المحافل العربية والدولية، ذلك أننا مررنا بمواقف مشابهة في السنوات الأخيرة وكنّا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق «المصالحة الفلسطينية الشاملة»، ولعلنا نتذكر جهد الاستخبارات «المصرية» والدولة «السعودية» في هذا الشأن، فما أكثر التوقيعات التي جرت والإعلانات التي تمت وكان يبدو دائماً لنا أن كلا الطرفين «فتح» و «حماس» غير راغبٍ في إتمام المصالحة لإحساس منفصل لدى كلٍ منهما بالهوية الذاتية، فضلاً عن الخلافات الأيديولوجية المعروفة بينهما.
لذلك، فإننا ما زلنا نترقب ما يجري بتفاؤل مشوب بالحذر، خصوصاً أن هناك بعض التصريحات الفردية التي تتناثر وتعطي إيحاء بأن بعض النفوس في الطرفين ما زالت غير خالصة! .. إن المسألة أكبر بكثير مما تبدو على السطح ولها في أعماق «القضية الفلسطينية»، جذورٌ لا يمكن اقتلاعها إلا بالنوايا الخالصة والمصالح المشتركة، وهنا يجب أن نعترف بأن ثورات الربيع العربي كانت في مجملها خصماً من مسيرة المصالحة الفلسطينية، إن لم نقل خصماً من المركز التفاوضي للجانب العربي في القضية الفلسطينية، فإسرائيل لاعب رئيسي في المنطقة تنتهز الفرص وتتحين الأوقات وتستثمر الظروف لتصفية القضية الفلسطينية، وتمديد الصراع نحو أبدية تستمتع فيها إسرائيل بدور من يدير الموقف من دون أن يعطي الشعبَ الفلسطيني حقوقه المشروعة في أرضه المحتلة ودولته المستقلة وعاصمتها «القدس الشريف».

تخبط وتمييز ملموس في الإستراتيجية الإسرائيلية
بقلم: محمد خضر قرش – القدس
لعلنا لا نكشف سرا أو نكتب وصفا لا يدركه كل عاقل لحالة إسرائيل وخاصة في مجال التسوية السياسية . فلا توجد دولة في العالم تعمل ضد مصالحها وتضع علامات استفهام كبيرة بنفسها على مستقبلها كما تفعله الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وخاصة الحكومة اليمينية الحالية برئاسة نتنياهو. وانني كغيري اتمنى ان أسمع أو أقرأ أو أشاهد تبريرا أو تفسيرا أو تحليلا يشتمل على كنه ما يدور في عقلية صُناع القرار في إسرائيل ووجهة نظرهم وكيفية مواجهتهم لمستقبلهم .
فوفقا لما هو متوفر لنا من معطيات لا تُدحض فإن إسرائيل تريد ان تبقي إحتلالها للأرض الفلسطينية وفقا لتصنيف ذي تسعة نجوم أي بدون تكلفة مالية أو بشرية بل بربح صاف سنويا .كما انها لا تريد بل وليس ضمن مخططها الإنسحاب من الغور الفلسطيني ورغم ذلك تريد أن تحافظ على التنسيق الأمني مع السلطة الوطنية وان تبقي سيطرتها ووجودها الكريه والبشع وغير المرغوب فيه على نحو 62% من المنطقة C والتي بدونها لن تقوم دولة فلسطينية، وهي ما زالت بذات الوقت تتوسع في بناء المستعمرات العدوانية فوق الأرض ولا تريد أن ترسم حدودها مع الفلسطينيين حتى تاريخه .
وفوق هذا تطلب وبكل وقاحة أن يعترف بها الفلسطينيون كدولة يهودية وتريد كل القدس وتحويل الجدار الأمني إلى حدود ومعابر ثابتة يكون لها اليد الطولى والسيطرة الأمنية الكاملة على شرق وغرب الجدار . ولا يتوقف الأمر عند كل ما سبق بل تستنكر وتغضب وتحتج إذا توجهت السلطة إلى المنظمات الدولية وتعتبره تصرفا أحادي الجانب ! لأنه تم بدون التنسيق بشأنه معها مما يدفعها لفرض عقوبات لا تلبث ان تسحبها لاحقا ،وكأن كل ما تقوم به إسرائيل ليس أحادي الجانب،. كما تريد أن يبقى الفلسطينيون منقسمون بين الضفة والقطاع بل وبين شمال ووسط وجنوب الضفة الغربية لتتحول إلى كانتونات معزولة عن بعضها يتحكم بمداخلها جيب عسكري إسرائيلي فيه أربعة جنود.وحينما ينتفض شعب فلسطين ضد الاحتلال القبيح والمستوطنين المستعمرين للأرض تعتبره إرهابا!! فهي تريد أن تبقيهم أو تطبق عليهم المثل البائس "مقسوم لا تأكل وصحيح لا تقسم وكُل حتى تشبع!! كما تريد أن تتحكم بحرية حركتهم الداخلية والخارجية من خلال الحواجز والمعابر وأن تُحصل منهم الرسوم والضرائب وتمنع من تشاء من السفر وتقتحم المدن والقرى والمخيمات متى رغب ضابط صغير بذلك لإعتقال أوقتل من تريد بدون محاكمة.ولا تتوقف الأمور عند هذا الحد ، بل تطلب من المواطنين الفلسطينيين مراجعة اجهزتها الأمنية في بيت إيل للتحقيق معهم وتطلب من بعضهم التعامل معها وتخالف المركبات الفلسطينية التي تسير بين المدن وتحجز رخص السائقين .
ورغم كل ذلك تدعي بأنها ستقدم تنازلات مؤلمة!!!ربما تكون في القمر أو في أحد الكواكب أو الأجرام السماوية غير المكتشفة بعد. نتنياهو وقبله شارون يدركان جيدا انهما يكذبان على نفسيهما قبل الآخرين حينما يتشدقان بالتنازلات المؤلمة! فالرئيس ساركوزي قال عن نتنياهو بانه يكذب واستمع إلى هذا الحديث كل الصحفيين معتقدا أن الميكروفونات مغلقة فرد عليه أوباما :"فكيف انا الذي اتعامل معه كل يوم " وقد نشرت هذا الحوار صحيفة هآرتس وغيرها. بل ان نتنياهو أخبر رئيس وزراء بلجيكيا حينما كان رئيسا للوزراء في المرة الأولى "انه لن يوافق على ان يكون للضفة الغربية حدودا مع اي دولة عربية". إسرائيل ابتلعت 78% من أرض فلسطين التاريخية وتلاحق الفلسطينيين على ال22% الباقية وتريد فوق هذا ان يعترف بها العرب كدولة مستقلة لليهود فحسب وأن يدينوا الإرهاب الفلسطيني!!!وان لا يقدموا المساعدة لهم إلا عبرها وبعلمها، كما اعلنت ذلك تسيبي لفني في الاسبوع الماضي .
وفوق كل هذا التمييز والإجحاف بالحقوق الإنسانية تستغرب أو تستنكر تصريحات جون كيري حينما قال بأنها في طريقها لتصبح دولة تمييز عنصري !! أوليس من مظاهر التمييز العنصري هو التطهير العرقي ومحو تاريخ وحضارة شعب بما فيها مقابره ! أوليس من صفات التمييز العنصري حرمان أصحاب الأرض من البناء فوق أرضهم!أوليس من عناصر التمييز أيضا سحب هويات المقدسيين ورفض زواج المقدسي من فلسطينية تسكن في نابلس او الخليل أو غزة أو العكس وتحول بينهم وبين السكن والعيش معا.
أوليس من تعريف التمييز العنصري القيام بهدم بيوت الفلسطينيين في القدس ومصادرة الأراضي! أليس من خصائص التمييز العنصري عدم مساواة المسافر اليهودي والفلسطيني في المطارات من حيث إجراءات السفر والتفتيش الأمني وغيره بما في ذلك مراقبته أثناء جلوسه في مقاعد الطائرة ! أوليس من مظاهر التمييز مواجهة المتظاهرين بالرصاص الحي في فلسطين 1948 وقتل ما يزيد على 26 مواطنا خرجوا مستنكرين لما تقوم به قوات الاحتلال ضد أبناء جلدتهم واخيرا وليس آخرا ،أوليس من رزمة ومحتوى التمييز العنصري أن تحتل إسرائيل أرض شعب آخر وتطرده منها وتقهره وتجبره على الخضوع لرغباتها وتفرض عليه قيودا ظالمة تتنافى وأبسط حقوق الانسان!! حتى العديد من الصحفيين الإسرائيليين مثل "جدعون ليفي والدكتور تشيلو روزنبرغ وليئات رون وبيتر باينرت وأسرة تحرير هآرتس أكدوا ما قاله كيري وغيره من أن إسرائيل في طريقها لتكون اكبر دولة ابارتهايد في العصر الحديث، ومن حسن حظنا أنها نشرت على نطاق واسع في وسائل الإعلام الإسرائيلية.فكل هؤلاء منافقون وكذابون إلا العبقري في التلاعب نتنياهو،كما وصفه الكاتب داني سبكتور في صحيفة يديعوت احرونوت.؟
طلب الإعتراف بها كدولة يهودية
لعل هذا الموضوع يعكس التخبط الذي تعيش فيه إسرائيل والإستعصاء الوهمي الذي صنعته حكومة نتنياهو بنفسها وبمحض إرادتها .فكل الاتفاقيات التي وقعتها السلطة الوطنية مع سلطات الاحتلال بدءا من أوسلو ،1 و2 وما تلاهما لم يأت ولا مرة واحدة على ذكر الإعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي، فلماذا برزت وطرحت على لسان العبقري في التلاعب نتنياهو!! فطرحها الان وهو يعلم أن نسبة تحققها لا يصل لدرجة الصفر في المليار.إذن فالطرح يهدف إلى المماطلة والحصول على تنازلات إضافية. فلم يخلق بعد ذلك الفلسطيني الذي يمكن له أن يعترف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي.
ولكن ومن الجانب الاخر لماذا لم تطلب إسرائيل من مصر والاردن وسوريا ان تعترف بها كدولة للشعب اليهودي رغم أنها وقعت مع دولتين حتى الآن إتفاقيات سلام. والسبب بسيط جدا لانها تدرك وتعلم بأن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض الحقيقيين. فإعتراف مصر او الأردن وغيرهما لا يعطيها الشرعية ولا الحق في الوجود ،فقط الفلسطينيون هم من يعطي الشرعية لإسرائيل.
ولأن الأخيرة غبية ولا تفكر إلا بالقوة فهي أوقعت نفسها دون ان تدري فيما انكرته طيلة العقود الماضية من ان فلسطين ملك لشعب فلسطين . وهناك نقطة اخرى على جانب كبير من الأهمية تتجنب وسائل الإعلام الإسرائيلية التركيز عليها ولا تدري حتى الآن ماذا تفعل بها بل وتخجل مما أقدمت عليه .فبعد إنهيار الإتحاد السوفياتي في بداية العقد التاسع من القرن الماضي استجلبت الوكالة اليهودية نحو مليون مهاجر جُلهم من المسيحيين والمسلمين من الجمهوريات الآسيوية والاوروبية في الإتحاد السوفياتي السابق. وقد بدأت تطفو على سطح العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في إسرائيل هذه الظاهرة التي يعتبرها البعض مقلقة لكنها في الحقيقة آخذة في الازدياد والتوسع وخاصة أن الآباء بدأوا بالإفصاح عن دينهم الحقيقي ويقدمون التبريرات التي دفعتهم للقدوم إلى إسرائيل حيث تتصدر العوامل الاجتماعية والبطالة السبب الرئيس. فهؤلاء سيكونون من أحد أبرز عناصر عدم الاستقرار في المستقبل. فوفقا للإحصائيات الإسرائيلية فإن عدد اليهود ممن ينطبق عليهم تعريف اليهودي لا يزيدون عن 5.5 مليون نسمة وبالمقابل فإن عدد الفلسطينيين على كامل فلسطين التاريخية يقتربون كثيرا من هذا الرقم، ومع نهاية العام القادم فإن كل يوم جديد يبزغ سيزيد عدد الفلسطينيين عن عدد اليهود ،فكيف ستتصرف حكومة نتنياهو وأي حكومة اخرى إزاء هذه المعادلة الديموغرافية التي من شأنها ان تحدث التغيير الجوهري في التركيبة السكانية.
فالاعتراف بيهودية الدولة والحالة هذه لن تفيد نتنياهو بشيء فهي ليست أكثر من "فقاعة" طبقا للتعبير الغزاوي لا قيمة لها . فكيف يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تمنع قيام دولة ثنائية القومية إذا ما ظلت مستمرة في سياسة بناء المستوطنات ، بحيث يصعب بل ويستحيل أن لا تجد مستوطنة في كل 4 كيلومترات كحد أقصى سواء كنت متجها للشمال أو للجنوب من القدس .فكيف يمكن بناء دولة للشعب اليهودي فقط !!! .فكيف يمكن لنتنياهو أن يفسر لنا بأن قانون يهودية الدولة سيمنع قيام دولة ثنائية القومية؟؟ إذا كان التداخل الفلسطيني اليهودي كثيفا ومتشابكا كالقائم أو السائد حاليا في الضفة الغربية ؟؟.
فالسعي نحو سن قانون أساسي يكرس إسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي!! يحتاج إلى تفكيك كل مستوطنات الضفة الغربية إلا إذا كان في مخيلة رئيس الحكومة القيام بالطرد الجماعي والترحيل باستخدام القوة!! التخبط الإسرائيلي في موضوع الدولة اليهودية بلغ حدا من الصعب تخيل كيفية وضعه موضع التنفيذ. كيف يمكن لنحو 600 ألف مستوطن في الضفة الغربية أن يكونوا ضمن حدود دولة لليهود فقط !!! وكيف يمكن تقسيم فلسطين لتحقيق ذلك فلا التقسيم العمودي أو الأفقي يمكن لهما أن يحققا ما يدور في ذهن نتنياهو. الطريقة الوحيدة المتاحة عمليا لدولة شبه يهودية هي تفكيك المستعمرات وترحيل المستوطنين من الضفة الغربية وما عدا ذلك كله سيؤدي إلى دولة ثنائية القومية رغب نتنياهو أو لم يرغب .

اليوم الذي ماتت فيه عملية السلام الحديثة
بقلم: مات رولاند هيل – القدس
يوم 29 نيسان كان ذلك هو الموعد الذي يفترض أن يشهد، وفق الجدول الزمني المبدئي لجون كيري، موعد توقيع اتفاقية لإنهاء الصراع بين إسرائيل وفلسطين. لكنه يرجح أن يذهب إلى غياهب التاريخ لسبب آخر: بوصفه اليوم الذي ماتت فيه "عملية السلام" الحديثة. وقد لاحظنا وزير الخارجية منخرطاً في سباق مع الزمن لإقناع الأطراف بالاستمرار في التفاوض في ما بعد نهاية نيسان . وقد يكون اتفاق الوحدة بين الفصيلين الفلسطينيين، فتح وحماس، الذي حدث قبل وقت قصير من نهاية مهلة المفاوضات، قد عقّد مهمته. وبالرغم من ذلك، فإن كل أولئك الذين يعتقدون، مثلي، بأن اتفاقية الدولتين هي الطريق الوحيد لإنهاء النزاع الذي مضى عليه نحو قرن بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد أملوا على عكس الأمل بأن يتمكن من النجاح -صحيح؟
خطأ. لقد حان الوقت لكي نواجه الحقائق: إن ربع قرن من محادثات سلام تجري وتتوقف قد ترك الفلسطينيين خالي الوفاض، ولم يكن هناك أي مسوغ للاعتقاد بأن النتيجة ستكون مختلفة بأي شكل هذه المرة. ولكم أن تدرسوا الحجة بدلا من الأصوات، كما كان من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا يتوافر على النية ليقدم للفلسطينيين صفقة تمنحهم دولة قابلة للحياة.
من أجل أن تؤتي أي اتفاقية سلام ثمارها، فإنها يجب أن تفي بشرطين جوهريين رئيسيين: الأول، يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء أن يقرناها باستفتاءين منفصلين. لن تكون بداية موفقة إذا شعر أي من الشعبين أن الصفقة غير عادلة، أو أنها تضحي بالكثير جداً من حقوقه الأساسية. وأما الشرط الثاني، فهو أن تتمخض اتفاقية السلام عن تحقيق السلام بحق. فبعد أعوام عديدة تعقب توقيع صفقة، سيكون هناك في كلا الطرفين من يقوم بالتهييج بهدف تجديد النزاع، وما لم يشعر الإسرائيليون بأنهم أكثر أمناً والفلسطينيون بأنهم أكثر ازدهاراً وحرية، فإن دوامات جديدة من العنف ستتفجر مجدداً لا محالة.
هنا تكمن المشكلة: إن نتنياهو يريد من الفلسطينيين التوقيع على صفقة أحادية الجانب، بحيث أنها حتى لو أوفت بالشرط الأول، فإنها ستفشل على وجه التأكيد في الوفاء بالشرط الثاني. وبعد أن أمضى مهنته السياسية كلها، بما في ذلك فترته الأولى كرئيس للوزراء، وهو يفعل كل ما باستطاعته لمعارضة حل الدولتين، وجدناه قد غير على نحو تعسفي موقفه تحت تأثير ضغط أميركي هائل، وبدأ يقول منذئذٍ أن صفقة متفاوضاً عليها هي ضرورية لمستقبل إسرائيل. لكنه حتى مع أنه أصبح يتحدث الآن عن السلام والدولة الفلسطينية، فإن فهمه لتلك الكلمات يقع على مسافة بعيدة جداً عن معناها الاعتيادي. ونتيجة لذلك، فإن أي اتفاقية كانت ستتمخض عنها هذه المفاوضات ستفشل فقط في تحقيق العدل للفلسطينيين -وستفشل في جلب سلام دائم.
كيف أعرف هذا؟ لأن نتنياهو قاله مرة تلو المرة لكل من يريد أن يسمع. ومن المعروف عالمياً -لدى المجموعة الدولية والخبراء المستقلين والقادة الإسرائيليين السابقين ومجموعات مجتمع مدنية في الولايات المتحدة وإسرائيل وفلسطين- أن الشرطين الأساسيين للدولة الفلسطينية هما عاصمة في القدس الشرقية، وحدود تستند إلى خط العام 1967 (مع تعديلات صغيرة يتم التوافق عليها). لكن "دولة فلسطينية"، وفق نتنياهو، لا تشتمل على أي منهما. وكان قد قال ذلك في أيلول من العام 2009، في نفس الكلمة التي غير فيها وجهة معارضته الطويلة لحل الدولتين. وقاله كذلك في أيار من العام 2011 عندما حاول الرئيس أوباما إطلاق المباحثات بين الجانبين. وكان ما يزال يقول ذلك في كانون الثاني بينما يخوض حملة الإعادة في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، كما استمر في قول الشيء نفسه بينما كانت تجري المباحثات التي رعاها كيري. وليس من الغريب أن يقول والد نتنياهو ومعلمه السياسي، بنزيون نتنياهو، عن "تبني" نجله لدولة فلسطينية: "إنه لا يدعمها. إنه يدعم أنواع الشروط التي لن يقبلوها". يقصد الفلسطينيين.
لكن نتنياهو سياسي، وبراغماتي ضليع في ذلك. ألم يكن ممكناً، خلف الأبواب المغلقة لغرف التفاوض، أن يتخلى عن اعتقاداته من أجل أن يؤمن صفقة؟ لكن كل القوى التي تعمل مع نتنياهو -حزبه الليكود، وحكومته الائتلافية، ولوبي الاستيطان، (القوة السياسية الأكثر قوة في إسرائيل)- يصرخون به للتراجع عن التسوية. كما وفرت التسريبات من المفاوضات دليلاً على أنه يقوم بذلك بالضبط، عارضاً على الفلسطينيين حدوداً على طول "حاجز الفصل"، وعاصمة في ضاحية تبعد أميالاً عن وسط القدس.
ما هو، بالضبط، الذي سيكون بالغ السوء في ذلك؟ من المؤكد أنه سيكون قاسياً بالنسبة للفلسطينيين الذين كان إيهود أولميرت قد عرض عليهم صفقة أفضل بشكل كبير في العام 2008. لكن اقتراح نتنياهو كان سيترك لهم حوالي 90 في المائة من الضفة الغربية. فهل يستحق الأمر الاستمرار في الصراع على النسبة المتبقية والبالغة 10 في المائة (حوالي 500 كم مربع)؟ لكن هذا الرقم مضلل. لأنه إذا اتبعت حدود الدولة الفلسطينية الجديدة مسار حاجز الفصل، فإنها ستواجه ثلاث تداعيات كارثية. الأولى، أنها ستفقد موارد مائية رئيسية والكثير من أفضل الأراضي الزراعية في الضفة الغربية. والثانية، أن مراكزها السكانية الرئيسية ستكون مفصولة عن بعضها البعض. والثالثة والأكثر أهمية، أن القدس-موئل الحياة الاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية- ستبتر. وحتى لو وجدت إسرائيل بشكل ما طريقة لحمل الفلسطينيين بقوة على قبول هذا الترتيب، فستكون الدولة الناجمة مقطعة الأوصال مناطقياً وميتة اقتصادياً. وأياً يكن عاثر الحظ الذي سيصبح قائدها، فسيكون عليه أن يقبل في الحال بوجود الساعين بعنف إلى خلق التوترات عبر الحدود أو ركوب موجة الاستياء والسخط الشعبيين من السلطة الفلسطينية.
ولكن، ماذا عن الطرف الثالث في المباحثات: الولايات المتحدة؟ ألم يستطع جون كيري استخدام النفوذ الفائق الذي تتمتع به حكومته لترجيح الميزان لصالح التوصل إلى صفقة متساوية من خلال الضغط على إسرائيل لتعرض على الفلسطينيين صفقة يقبلونها؟
من خلال مجلة "نيويوركر" دعاه بيرنارد أفيشاي إلى فعل ذلك بالضبط عبر شرح خطته السلمية الخاصة (على طول خطوط كلينتون)، والتي يتحدى الجانبين بأن يقبلا بها. وينطوي فعله ذلك على تحميل إدارة أوباما تكاليف سياسية كبيرة. لكنها لو كانت مستعدة للصمود في وجه الغضبة الحتمية من داعمي إسرائيل المفعمين بالقوة في واشنطن، فإنها قد تكون قادرة على ليّ ذراع نتنياهو. وهذا كله جميل جداً من الناحية النظرية، ولكن التسريبات التي صدرت عن المفاوضات تشي بأنه بدلاً من الدفع ضد موقف إسرائيل غير المتهاون، فإن كيري يدعمه. ومرة أخرى، فإن هذا ما تتوقعه من التحليل العنيد للقوى التي تعمل مع أوباما. فالحزب الديمقراطي والكونغرس ومؤسسة واشنطن في السياسة الخارجية والكثير من وسائل الإعلام الأميركية كلها تعتبر مصطفة إلى جانب الدولة اليهودية، أكثر أو أقل. ثم هناك المسألة المتعلقة بإيباك وباقي اللوبي المحلي المؤيد لإسرائيل. وعلى العكس من ذلك، فإنك نادراً ما تسمع أصواتاً داعمة للفلسطينيين في المكتب البيضاوي.
تساعد كل هذه الحقائق في تسليط الأضواء على عيب رئيسي في العملية السلمية. إن الصراع بين إسرائيل وفلسطين ليس مجرد سوء تفاهم من الممكن حله بمجرد تشجيع الجانبين على الجلوس والتحدث كراشدين. كما أنه ليس لقاء بين نظيرين راغبين كليهما في تبادل التنازلات حتى يتم التوصل إلى تسوية. بدلاً من ذلك، يفكر المرء في طلاق مرير بائن يترتب معه على الزوجين أن يتفاوضا على تقسيم أصولهما -باستثناء أن الزوج يتوافر على كل شيء تحت تصرفه: مدخرات الحياة والبيت والسيارة والأولاد. وهنا يكمن الشيء المهم في انهيار المفاوضات، حيث لا شيء سيوقفه عن الانسحاب ومعه كل شيء حتى يحين الموعد الآخر للمفاوضات. وفي هذه الظروف، ما هو الدافع الذي يمكن أن يحمله على التفاوض بشكل نزيه - أو إلى السعي من أجل التوصل إلى صفقة على الإطلاق؟
لو أن عملية السلام كانت مجرد مضيعة للوقت، فمن الطبيعي أنه لم يكن هناك أي ضرر في السماح للأطراف بالانجرار فيها بلا طائل حتى يوم القيامة. لكنهم بعيدون عن ألا يلحق بهم الضرر: في الحقيقة، كل يوم يمضي يجعل من قيام دولة فلسطينية مستقلة أمراً أقل احتمالاً. فمن جهة، ومن خلال التركيز حصرياً على مفاوضات عقيمة، يكون القادة الفلسطينيون قد أهملوا –بل وحتى قمعوا- كل أشكال المقاومة الأخرى، بما في ذلك المقاومة الشعبية غير العنيفة التي قد تقدم أفضل فرصة لإنهاء الاحتلال. ومن جهة أخرى، ومن خلال الدخول في مفاوضات سلام، يمكِّن الفلسطينيون إسرائيل من إسكات صوت النقد الدولي، لأنها تستطيع الادعاء بأنها تحاول إيجاد حل للصراع. وأخيراً، ومن خلال الموافقة على تأجيل محاولات جلب إسرائيل إلى العدالة عبر وكالات الأمم المتحدة بينما تكون المفاوضات متواصلة، يكون الفلسطينيون قد تخلوا عن أنجع وسيلة لديهم للدفع ضد القضم المتدرج والمستمر للضفة الغربية.
تترك عملية السلام الفلسطينيين بأحد خيارين: محادثات غير منتهية تفضي إلى لا مكان، أو التسليم في شكل القبول بدولة غير قابلة للحياة بعد الموت. لذلك، كان يجب أن ينسحب محمود عباس وفريقه من هذه التمثيلية والسعي إلى طرق جديدة لتجديد الحركة الوطنية. (كانت المصالحة بين فتح وحماس خطوة في الاتجاه الصحيح). إن الطريق إلى الأمام مليئة بالمخاطر -من غير المرجح أن ترد إسرائيل بالصمت على أي استراتيجية فلسطينية أكثر وثوقاً- لكن المخاطرة الكبيرة تكمن في مواصلة المسار الراهن، وتبادل الخرائط والمذكرات في غرف التفاوض، بينما يتم في الخارج دفن الآمال بقيام الدولة الفلسطينية تحت أطنان من ركام التسوية.
*صحفي مقره لندن، وتنشر كتاباته في صحف الغارديان والاندبندنت والديلي تلغراف وذا نيوستيتسمان



مصالحة فئوية أم وحدة وطنية فلسطينية؟
بقلم: ماجد الشيخ – القدس
ما تحتاجه الحركة الوطنية الفلسطينية الآن في قطوعها الخلافي الراهن، أكثر من مصالحة فئوية (قبائلية) على طريقة عرب أيام زمان. فالمسائل السياسية لا يمكن اختصارها، أو اختزالها إلى مثل ما نراه اليوم من لقاءات شكلانية، تلعب الصورة فيها العامل الحاسم لحدوث شيء ما، ليس جوهرياً بالضرورة، حيث الخضوع للشكل هو الأهم، في نظر بعض أصحاب العلاقة من الطرفين. نظراً إلى حاجة أحدهما أو الاثنين معاً للخروج من أزمة أو مأزق ما يواجهانه من مهام لحظوية تكتيكية، أو استراتيجية أبعد مدى.
المصالحة بهذا المعنى مهمة لحظوية لطرفيها، فهي لم تعد حاجة وضرورة سياسية ابتعد زمانها وتباعد، حتى غدت لزوم ما لا لزوم له في أزمنة لاحقة، فماذا عدا مما بدا حتى صارت المصالحة اليوم أمراً محموداً ومطلوباً ومرغوباً، لولا أزمة المفاوضات والعلاقة التي باتت تخضع للتأزيم على خلفية التباينات والتعارضات القائمة، بين الأهداف الفلسطينية وتلك الإسرائيلية – الأميركية.
ولولا أزمة العلاقات السياسية والتمويلية التي باتت تخضع لها حركة «حماس» مع الوضع الإقليمي ومن قبله الدولي. حتى لم يعد باستطاعة الحركة تصريف أمورها في ظل تأزم العلاقة المتزايدة مع مصر، ومن قبل مع سورية وإيران، على رغم حُسن علاقتها مع التنظيم الدولي لـ «الإخوان المسلمين».
الوضع الوطني الفلسطيني، أكثر احتياجاً اليوم، إلى أبعد من مصالحة بالمفهوم القبلي الفصائلي أو الفئوي، ذلك أن الوطنية الفلسطينية المنقسمة جغرافياً وسياسياً، هي الخاسر الأكبر مما وقع في غزة طوال السنوات السبع العجاف، التي رافقت انقساماً وشرخاً كاد يودي ويطيح الأهداف الوطنية الفلسطينية العليا، وقد جرى استغلالها من جانب الإسرائيليين والأميركيين باللعب على وتر الانقسام (اقتراح دولة مؤقتة في غزة، ومفاوضات تدور حول اقتراح دولة حكم ذاتي في بعض الضفة الغربية، وبمزيد من الاستيطان الهادف لقطع التواصل الجغرافي بين الدويلتين).
إن عودة التئام الوضع الوطني بالمعنى السياسي المباشر وغير المباشر، تحتم ليس استعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني تحت سقف أوسلو أو بما يتجاوزه، بل استعادة قدرة البرنامج السياسي على تحقيق الأهداف الوطنية العامة تكتيكياً، ومن ثم الانطلاق نحو الأهداف الوطنية الاستراتيجية، وهذا هو مبرر وجود الحركة الوطنية الفلسطينية كحركة تحرر وطني، لها أهدافها وغاياتها العامة التي تخص كل الشعب الفلسطيني في كامل مناطق وجوده. وبما أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب والوطنية الفلسطينية، فالمطلوب منها هي لا غيرها، تحديد سقف هذا البرنامج والسهر على رعايته وتنفيذه وتطبيقه، وصولاً إلى تحقيق المآلات النهائية المنوطة بالوطنية الفلسطينية أرضاً وشعباً وهوية.
لقد خلفت سنوات الانقسام جروحاً لن تندمل بسهولة. لذلك، فإن من أوجب واجبات إعادة المياه إلى مجاريها، إعادة الاعتبار إلى العلاقات الكفاحية بين الأفراد والنخب والفصائل، وبما يتجاوز التحالفات الآنية أو الوقتية، فالتحالفات البرنامجية تقتضي تصليب عود القوى الثورية المكافحة، على قاعدة التزام البرنامج السياسي المتفق عليه، واحترام الأطر التنظيمية والتعددية بروح الديموقراطية، وعدم الاستئثار وإقصاء الكفاءات والمواهب كونها لا تنتمي تنظيمياً إلى تنظيم بعينه.
وبمعنى أوضح المطلوب شراكة وطنية حقيقية بين فصائل العمل الوطني، شراكة تتجاوز قطوع الانقسام وسنواته العجاف التي أفقرت العمل السياسي والتنظيمي والعسكري، ووضعت كل ذلك على الهامش، ولهول ما أسفرت عنه تلك السنوات، أنها لم تفلح على صعيد المقاومة، كما هي لم تفلح على صعيد المفاوضات، بالتالي لا الانقسام أفاد المقاومة، ولا حرية حركة المفاوض الفلسطيني أفادت مفاوضاته مع جبهة الخصوم، المتراصة على هدف إفقاد الوضع الوطني الفلسطيني مجموع أهدافه العامة، وصولاً إلى دولة فلسطينية مستقلة، وضح للمفاوض الفلسطيني ولغيره أن الأهداف الأميركية – الإسرائيلية، لم تكن لتستهدف سوى تفريغ «حل الدولتين» من مضمونه الجوهري بالاحتفاظ بالدولة الإسرائيلية وإكسابها طابع «الدولة اليهودية»، وفي الوقت ذاته إفقاد الدولة الفلسطينية طابعها السيادي المستقل، مجاراة وتطبيقاً لهدف إفقاد الفلسطينيين كشعب هويتهم الوطنية، وهو الهدف الذي سعت إليه الحركة الصهيونية منذ عام 1948، ولم تستطع تحقيقه على رغم مرور ستة وستين عاماً، من محاولات التهويد و «التطوير» والتشريد والترانسفير... إلخ من أساليب ..
في المآل الأخير، لسنا أمام مغنم أو مغرم، طالما أن الهدف الأساس الذي يجب السعي إليه، هو تحقيق الوحدة الوطنية بأسطع ما يكون الوضوح، لا السعي نحو مصالحة قبلية أو عشائرية، فما تبلغه القضية الوطنية الفلسطينية اليوم، يحتم بلوغ الوحدة الوطنية من دون لف أو دوران، على عكس المرات السابقة التي سمح خلالها لانتصار التوجهات النخبوية والزبائنية ذات المنشأ والنزعات السلطوية الانقسامية.



تخلف النظام السياسي
بقلم: نبيل عمرو – القدس
في غزة كما الضفة، وضع شاذ لا يوجد مثله في أي بلد من بلدان هذا العالم. حين عادت منظمة التحرير الى الوطن من بوابة السلطة الوطنية محدودة المساحة والصلاحيات، حصل الشعب الفلسطيني على فرصة ثمينة لتأسيس نواة نظام سياسي على ارض الوطن، نضع هيكلياته وضوابطه، ونعمل على تكريسه خطوة وراء خطوة، وفق ما نحصل عليه من مساحة استقلال وارادة.
لم يمنعنا احد من وضع نظام عصري، يستفيد من خلاصة ما وصلت اليه النظم في نهاية القرن العشرين ومطلع القرن الحادي والعشرين، الا اننا لم نفعل ذلك ، وقد يقول قائل .. ان المعوق الاساسي كان هو الاحتلال، ومع ان الاحتلال معوق فعلي لكل شؤون الحياة ، الا ان بناء نظام سياسي حديث لا يستوجب استئذانه والاذعان لاسقفه. ولأننا لم نفعل ذلك منذ البداية فها نحن نعاني ونتخلف.
في كل بلدان الدنيا بما فيها تلك البلدان التي كنا نسخر من تخلفها ، تغلبت على كل المعوقات ، وبنت مؤسسات وعلى نحو دوري اجرت الانتخابات ، اما نحن فما زلنا تحت وطأة الفوضى وسطوة الاجندات الخاصة، والحسابات الفصائلية المنفصلة تماما عن الحسابات بمفهومها الوطني الشامل، ولعل ابرز دليل مضحك مبكي على تخلف نظامنا السياسي ، ان كل امر في حياتنا يحتاج الى اجراء سلسلة محادثات قد تستغرق سنوات ومحادثاتنا تشبه محادثات لدولتين متخاصمتين ، واذا ما احرز تقدم ما تحت ضغط الحاجة فاننا سرعان ما نجد انفسنا وقد عدنا الى نقطة الصفر، لنبدأ محاولات اخرى وهكذا...
ولعل علة العلل في نظامنا السياسي المتخلف ، انه بلا شخصية ولا ملامح، فكل شيء فيه معتل حتى النخاع، واذا كانت الطبقة السياسية التي تتصدر واجهة الوطن، في الضفة او غزة احترفت صناعة الانجازات المظهرية الا انها اخفقت في التماس مع حاجات البشر وتلبيتها.
لقد استوقفتني مداخلات نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية الدكتور محمد مصطفى ، ووزير التربية والتعليم الدكتور علي ابو زهري، اللذين تحدثا بصورة صريحة عن الوضع الاقتصادي المتردي ، وضآلة القدرة على استحداث فرص عمل ، اضافة الى ما نعرف عن ضعف التعليم بكافة مستوياته في الوطن.
ان أي تقدم او تأخر في أي شأن من شؤون الحياة ينسب عادة ومنطقيا الى النظام السياسي، فهو المسؤول عن كل شؤون الوطن والمواطن، إلا اننا في فلسطين برعنا في عزل الامور بعضها عن بعض، وذريعتنا الاساسية في ذلك هو الاحتلال، الذي تحول من خصم يستحق المقاومة الى مشجب تعلق عليه الطبقة السياسية كل عجزها ولا مبالاتها .
ان نظامنا السياسي الذي هو في واقع الامر اللانظام، الذي افرز طبقة سياسية لا صلة لها بهموم الناس واحتياجاتهم ، هذا النظام اللانظام امتهن السياسة والشعار وفرض على المجتمع مقاييس وهمية، يُحتفى بها من اجل اثبات الوجود بينما المهمة الاساسية لمن هم في الواجهة ينبغي ا ن تنصرف الى معالجة حقيقية نلمس اثارها بتقدم في التعليم اولا وفي سائر المجالات ثانيا ، لم تصدمني استخلاصات الدكتور محمد مصطفى ولا زميله ابو زهري، انما الذي يصدم حقا هو الغياب المتمادي لاي محاولة منهجية لمعالجة الوضع ، فما زلنا جميعا مستغرقين في التعقيب على جرائم الاحتلال وتحليل ما وصل اليه كيري من فشل، والاستماع الى مرافعات مقاولي الانقسام والمصالحة ، بينما الجهد الذي يفترض ان يكون اساسيا في معالجة شؤون الناس ما زال معطلا ، اما بفعل الادمان السياسي ، او عدم الايمان باهمية المصالح اليومية او العجز حتى عن مجرد التفكير بغير الشعار والخلود في الموقع ولو تحت وابل من تراكم الفشل..
لقد غابت عن الطبقة السياسية التي تملأ صورها وتصريحاتها واجهات الاعلام حقيقة انه دون التوازن بين سلامة وصحة المجتمع وبين الاداء السياسي، فلا امل في التقدم على أي اتجاه، وشكرا لمن صدمونا بمعلوماتهم الحقيقية والمخيفة، الا ان المجتمع ينتظر منهما اكثر من تشخيص المرض ، فمهمة من هو في موقع المسؤولية ان يضع الخطط الفعالة للمعالجة.

66 عاماً من "الطفرة" و"الشذوذ" !
بقلم: حسن البطل – الايام
نعم، إسرائيل تجمع الاستثناء إلى الفرادة.. فإلى الشذوذ، أو هي "طفرة" في النشوء والمسار الطبيعي لتشكل الدول (في العادة الشعوب تشكل دولها؛ وفي إسرائيل فالدولة تشكل شعبها).
مناسبة هذا الكلام أن محكمتهم العليا ردّت، قبل نصف سنة، التماساً من مجموعة إسرائيليين بأن تعلن المحكمة أنهم ينتمون إلى "قومية إسرائيلية" ومن ثم، تغيير صفتهم في سجل السكان من "يهودي" إلى "إسرائيلي".
ذكّرني هذا، بسجال دار بين فلسطيني مسيحي من الرعوية الإسرائيلية، هو الأديب انطون شماس، والأديب العبري أ. ب. يهوشواع (ابراهام بولي يهوشواع) حول الوطنية والهُويّة والانتماء الديني.
تعلمون أن انطون شماس له كتاب معنون "أرابيسك" ووضعه باللغة العبرية، وقرّظه أدباء عبرانيون لإغنائه هذه اللغة (ربما لأنه فكر بالعربية وكتب بالعبرية).
مساجلة أ. ب. يهوشواع إسرائيلي صهيوني يهودي.. وعلماني، والسجال دار إبّان الانتفاضة الأولى، أي قبل أوسلو والسلطة الفلسطينية، وبالطبع، قبل رد محكمتهم العليا طلب إسرائيليين يهود تغيير صفتهم في سجل السكان من "يهودي" إلى "إسرائيلي". قال شماس في ختام السجال ما معناه: الانتفاضة الأكبر سيقودها "عرب إسرائيل" !
احتكم المتساجلان إلى الذهاب للسفارة الفرنسية في تل أبيب، كما تحدّاه إلى ذلك انطون شماس، فاكتشف يهوشواع أن شماس على حق لأن لفرنسا، وهي طليعة الدول العلمانية (لكنها تتصرف سياسياً كحامية المسيحيين في الشرق منذ الحروب الصليبية) تعريفها للقومية (الوطنية في العربية) والهُويّة الدينية (لا تضعها في السجل السكاني) يتوافق مع حجج شماس، الذي يريد توصيفه في سجل السكان بأنه فلسطيني ـ إسرائيلي وليس عربيا أو مسلما (أو مسيحيا). المصري والأميركي والفلسطيني ينسبون إلى أوطانهم.. لا إلى دياناتهم مثل إسرائيل ؟!
في حوار طازج، اعترف أبرز الأدباء والكتاب العبرانيين الإسرائيليين، عاموس عوز، بأنه يخشى ويعارض توصيف إسرائيل "دولة يهودية" علماً انه الأديب الإسرائيلي الأكثر "عالمية" و"إسرائيلية".. وربما "صهيونية".
يقودنا الحوار مع يهوشواع؛ والحوار اللاحق مع عوز إلى سبب من أسباب مقت محمود درويش ليهوشواع، لكن ربما قاد أدباء علمانيون إسرائيليون مثل العاموسين (عوز وكينان) إلى قول درويش: نعم.. لإسرائيل معجزة واحدة هي إحياء اللغة العبرية وإغناؤها.
هناك في إسرائيل من يضيف إلى الخرافات المؤسسة لإسرائيل و"أرض إسرائيل" والمعجزات (والاستثناء والفرادة.. والشذوذ) أن الجيش الإسرائيلي (بوتقة صناعة وصياغة شعب) هو الأقوى في المنطقة.
في ذكرى "الهولوكوست" كتب ديفيد ليفي عن سبب تقديس الجيش القوي، وهو أن يهود أوروبا ذهبوا، عموما، كالخراف إلى المحارق النازية.
لا مقارنة بين "المحرقة" اليهودية وبين "النكبة" الفلسطينية، لكن في صالح الفلسطينيين أنهم قاوموا النكبة وذيولها، وحاربوا ضدها، واصطدموا مع الدول العربية.. وحتى العالم، وها هم يواجهون الدولة والجيش الأقوى، ويعارضون الاعتراف بيهودية إسرائيل. إنهم لم ولن يهزموا !
صحيفة "هآرتس" تساءلت في افتتاحيتها، عشية السنوية الـ 66 لقيام إسرائيل (ونكبة فلسطين؟) عن مسوغات رفض محكمتهم العليا وجود قومية (وطنية) إسرائيلية (علماً أن معظم الإسرائيليين من مواليد الدولة بنسبة 85%) أو ما تقوله "هآرتس": من نشوء أدب إسرائيلي، وفن، وموسيقى، ومسرح، ورياضة، وسياسة إسرائيلية، ولهجة إسرائيلية عبرية.. ألا يكفي هذا للحديث عن قومية أو وطنية إسرائيلية !
يقول نتنياهو، عشية 66 عاماً على إقامة إسرائيل، أن يهودية الدولة ستكرس رموزها ومنها العلم والنشيد الوطني واللغة.
لا علاقة لـ 20% من سكان إسرائيل بنجمة داوود التي تتوسط العلم، ولا بنشيد "هاتكفاه ـ الأمل" الذي يتحدث عن "النفس اليهودية تعادل مئة نفس".. ولا عن تهميش العربية (لغة رسمية قانونياً). هناك في إسرائيل شعبان ولهما علمان ونشيدان قوميان.
قلنا إن إسرائيل فريدة الدول (مثلاً.. هي الوحيدة التي أقيمت بقرار الجمعية العامة (وتعارض قراراً آخر بدولة فلسطين).. وهي الاستثناء والشذوذ (شعب الله المختار.. إلخ).. وهي الطفرة في قيام الشعوب والدول.
هل تعرفون أن قوانين الطبيعة تقوم بإلغاء 99,9% من الطفرات الشاذة عن قانون الارتقاء والاصطفاء الطبيعي؟
66 عاماً ليس إلاّ برهة قصيرة من طفرة الشذوذ في قانون الارتقاء والاصطفاء.. أو ربما تنجح بنسبة 1% ويتوقف هذا على الفلسطينيين وعنادهم.
إسرائيل تبحث بلا جدوى عن رئيس بلا فضائح !!
بقلم: هاني حبيب – الايام
أزمة سياسية وأخلاقية جديدة في إسرائيل، وتتكرر كل سبعة أعوام، وهي المدة الزمنية لولاية أولى لرئيس الدولة، في تموز القادم، تنتهي الولاية الأولى للرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس والذي رفض التمديد لولاية ثانية لسبع سنوات إضافية، الأمر الذي دفع جمهور المترشحين للرئاسة للتقدم لشغل هذا المنصب المعنوي، الفخري، وكل سبعة أعوام، تدور الأحاديث السياسية في إسرائيل، حول أهمية هذا المنصب الذي لا أهمية جدية له، كما يتم تكرار مقترحات ليتم انتخاب الرئيس من قبل "الشعب" وليس من قبل الكنيست/ البرلمان، ما يجعل هذا المنصب أكثر أهمية من الناحية المعنوية، كما أنه يتلافى مشاكل سيطرة النخبة الحاكمة في الكنيست، ومدتها أربعة أعوام فقط، على انتخاب رئيس، يفترض أن يكون رئيساً لكل الإسرائيليين، طيلة سبع سنوات على الأقل.
ومن جديد، يطرح رئيس الحكومة نتنياهو، ضرورة أن يمدد الرئيس بيريس لولاية إضافية، ليس حباً في بيريس، ولكن لكي يتم وضع مشروع قانون كي يتم انتخاب الرئيس بالانتخاب الشعبي، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت، ذلك أن الكنيست سيذهب في إجازة بعد حوالي شهر، ما يمنع التصويت على التعديل المقترح، رفض بيريس التمديد لولاية جديدة، أشعل الحماس في الأوساط الحزبية والسياسية، وتمكن أكثر من حزب وشخصية من التقدم للترشح لهذا المنصب.. وأحياناً تزيد أو تنقص القائمة لكن وحتى اللحظة لا تزال عند خمسة أو ستة مترشحين.
عالم الفيزياء والحائز على جائزة نوبل للعام 2011 دانييل شختمان، أحد المرشحين غير الحزبيين، أما حزب الليكود الحاكم فقد رشح رئيس الكنيست السابق رؤوبين ريفلين، يضاف إليهما ناتان شرانسكي رئيس الوكالة اليهودية وداليا ايتسيك عضو الكنيست السابقة وديفيد ليفي ووزير الخارجية الأسبق، وقيادي آخر من حزب الليكود سيلفان شالوم.
ومع هذه الترشيحات، أخذت الأمور تخرج عن السيطرة، ليس لأسباب سياسية كما هو متوقع، بل لأسباب أخلاقية بالدرجة الأولى، ففي ظل احتدام المنافسة بين المرشحين ومرجعياتهم الحزبية والاجتماعية، بدأت حرب أخلاقية انعدمت فيها الأخلاق تماماً، وتناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية النهمة لتلقي سيل الشائعات والفضائح، بالتفاصيل المملة و"المسلّية" فضائح المرشحين لرئاسة الدولة العبرية، مادتها الأساسية ـ هذه الوسائل الإعلامية ـ ليست تحقيقاتها الصحافية، ولكن المرشحين أنفسهم، الذين أخذوا يوجهون الاتهامات الأخلاقية، كل منهم للآخر وللآخرين، المرشح سيلفان شالوم، وفقاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية ربما يلغي ترشحه للرئاسة بعد نشر فصول عن تحرشه جنسياً بإحدى موظفات مكتبه، لكن هذه الفضيحة تعتبر عادية جداً، وبالكاد تمس بشرف المرشح، وهذا ليس حال المرشح بنيامين بن اليعازر الذي يسافر إلى لندن بشكل منتظم لمزاولة لعب القمار، خاصة أنه يحمل بطاقة أحد أندية القمار الشهيرة في عاصمة القمار والضباب، ويمكن أن يظل هذا الخبر عادياً لولا أن بن اليعازر اتهم مرشحين آخرين بأنهم استأجروا محققين خصوصيين لملاحقة سيرة بن اليعازر في لندن، كما أن هؤلاء المحققين نجحوا في فتح ملف زواجه من زوجته الأولى.. بن اليعازر هذا، سبق وأن اتهم بأنه استأجر محققين خصوصيين لملاحقة خصومه في الصراع على قيادة حزب العمل.. وبالتالي فإنه ضحية لإجرامه والبادئ أظلم.. كما يقولون !!
رئيس الكنيست السابق رؤوفين ريفلين، يقف في وجه ترشحه سارة، وزوجها بنيامين نتنياهو، ولا شك أنه يعضّ أصابعه ندماً، لأنه في أوقات سابقة، تناول سارة بالكثير من النقد اللاذع إزاء تصرفاتها الفضائحية، اليوم تقف سارة وزوجها لتنتقم منه وتحاول مع زوجها احباط ترشحه بكل ما يملكه رئيس الحكومة وحزبه من قوة داخل الكنيست !!
في استطلاع نشر مؤخراً حول الأيديولوجية الخاصة بالرئيس المرتقب، طالب حوالي 40 بالمئة من المستطلعين أن يكون عالماً أو أديباً أو كاتباً، قلة هم من أرادوا أن يكون الرئيس القادم سياسياً، ويعود ذلك بالتأكيد إلى أن هذا المنصب بروتوكولي شرفي ومعنوي، خاصة وأن القانون يفرض على الرئيس أن يستقيل من مناصبه الحزبية وعضويته في أي حزب كان، وعادة ما يكون المرشح من القيادات السابقة لأحزاب إسرائيلية أو ممن لفظتهم أحزابهم خلال معاركها الداخلية الطاحنة.
ومن المقرر أن يناقش الكنيست قائمة المرشحين لاختيار واحد منهم، خلال الأيام القادمة وقبل أن يذهب البرلمان الإسرائيلي في عطلته الصيفية السنوية، إلاّ أن المراقبين، ينتظرون ما بعد هذه الانتخابات، ذلك أن رؤساء الدولة العبرية، كما رؤساء حكوماتها، في الغالب يتعرضون للملاحقة القضائية، بعدما تثار حولهم الشبهات ذات الطبيعة الأخلاقية، سرقات وتحرشات، ما يشكل مادة دسمة لوسائل الإعلام الإسرائيلية التي بعد أن توقفت المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، تبحث عن مادة لتغطية نشاطها الإعلامي. وها هو الباب مشرع مع بدء موسم الرئاسة في إسرائيل!!

الخيارات الإسرائيلية في حال فشل المفاوضات نهائياً
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
تكثر الأحاديث عن فشل الولايات المتحدة في وساطتها بين الفلسطينيين والإسرائيليين في جولة المفاوضات الأخيرة، وأكثر التسريبات والأقاويل تصدر عن مصادر إسرائيلية. فتقول بعض الأوساط الإسرائيلية أن وزير الخارجية جون كيري قد سلّم بالفشل وأنه بصدد حل الفريق الأميركي المساعد له في المفاوضات، والإدارة الأميركية بدورها تنفي على لسان وزارة خارجيتها هذا الخبر وتقول أن السفير السابق مارتن انديك عاد إلى واشنطن للتشاور وأنه سيعود قريباً للمنطقة في محاولة لإنقاذ العملية السياسية.
ومهما تكن الحقيقة فالشيء المؤكد أن المفاوضات فشلت في إحداث اي اختراق على الرغم من محاولات اللحظة الأخيرة التي بذلتها الإدارة الأميركية قبل إعلان إسرائيل عن وقف المفاوضات بدواعي ذهاب الرئيس أبو مازن نحو المصالحة مع حركة "حماس" وأنه اختار الطريق النقيض للسلام، وليس واضحاً إذا ما كانت إدارة الرئيس باراك أوباما ستعود للمساعي من أجل استئناف المفاوضات أم تكتفي بالجهود التي بذلت حتى الآن والتي لم يكتب لها النجاح.
يقول الكاتب الإسرائيلي ناحوم برنياع في مقال له نشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت " يوم الجمعة الماضي (2/5/2014) نقلاً عن موظفين كبار شاركوا في المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، فيما يصفه بأنه اقرب إلى الرواية الرسمية الأميركية، أن الفشل كان سببه الرئيس البناء الاستيطاني. وأنه ليس صحيحاً ما يشيعه الإسرائيليون حول موقف الرئيس أبو مازن بأنه كان رافضاً ومتعنتاً بل أنه قدم تنازلات كبيرة منها أنه "وافق على دولة منزوعة السلاح؛ ووافق على رسم الحدود بحيث يعيش 80 % من المستوطنين في داخل إسرائيل؛ ووافق على أن تستمر إسرائيل في السيطرة على مناطق أمنية مدة خمس سنوات وأن تحل الولايات المتحدة محلها بعد ذلك.... ووافق على أن تبقى الأحياء اليهودية في شرقي القدس ضمن السيادة الإسرائيلية، ووافق أن تكون عودة الفلسطينيين إلى إسرائيل متعلقة بإرادة حكومة إسرائيل، والتزم بألا تغرق إسرائيل باللاجئين".
ما يقوله هؤلاء الموظفون الذين رفضوا الكشف عن أسمائهم هو أن الفلسطينيين ضاقوا ذرعاً بالموقف الإسرائيلي المناقض لفكرة السلام وأنه لن يمنعهم شيء من التوجه نحو المجتمع الدولي، وأنهم سيحصلون على دولتهم بالعنف أو من خلال المنظمات الدولية. والموقف الأميركي هذا قاله بطريقة ما كيري والرئيس أوباما عندما أوضحا أن سياسة الاستيطان واستمرار الاحتلال سيعرض إسرائيل لعقوبات وتداعيات دولية قد لا تستطيع مساعدتهم الولايات المتحدة في منعها.
فإذا كانت صورة الوضع أقرب إلى الفشل التام وتسير بسرعة نحو مواجهة سياسية فلسطينية – إسرائيلية بدأت فعلاً بعد الإعلان عن اتفاق غزة لتنفيذ اتفاقات المصالحة بين الأطراف الفلسطينية، فما هي خيارات إسرائيل الفعلية؟ هل ستكتفي فقط بشن حرب اقتصادية بمنع نقل أموال السلطة الفلسطينية التي تجبيها إسرائيل نيابة عن السلطة؟
هذه ربما من أكثر مراحل الصراع ضبابية لعدم وضوح الرؤية لدى الجانب الإسرائيلي الذي يقول شيئاً ويفعل شيئاً معاكساً، وأكثر من ذلك عدم وجود موقف موحد لدى أطراف الائتلاف الحكومي ففي الوقت الذي يتمنى فيه كل من حزب "ييش عتيد" (هناك مستقبل) و "هاتنوعاه" ( الحركة) بقيادة كل من يائير لبيد وتسيبي ليفني العودة للمفاوضات تعبر جهات أخرى في "الليكود" و( البيت اليهودي) عن سعادتها بفشل المفاوضات وتدعو لمعاقبة السلطة. لكن لا أحد لديه تصور كيف سيكون الوضع إذا ساهمت الخطوات العقابية الإسرائيلية في انهيار السلطة الفلسطينية، هل ستعود إسرائيل لاحتلال الضفة بصفتها قوة الاحتلال والمسيطرة عليها، وماذا سيحصل لو استطاع الفلسطينيون الصمود وتلقوا الدعم من الدول العربية واستمروا في خطواتهم في الانضمام للمنظمات الدولية وأصبحت إسرائيل في وضع دولي حرج.
لكن الخيار السياسي الجدي الذي يطرح في بعض أوساط القرار في إسرائيل هو الذهاب نحو خطوة إحادية الجانب تحدد فيها إسرائيل بعض ما تريد وتفرضه من جانب واحد على الفلسطينيين، من قبيل انسحاب إلى خطوط جديدة وإخلاء بعض المناطق المصنفة (ج) بدون التخلي عن أي مستوطنة مع إتاحة المجال للسلطة للسيطرة على بعض المناطق غير المأهولة، واعتبار هذه الخطوة كفرض حل انتقالي حتى تتهيأ الظروف لتسوية سياسية تقبلها إسرائيل أو تتغير الظروف ويغير الإسرائيليون موقفهم، وبعدها تخلي إسرائيل مسؤوليتها عن الوضع في مناطق السلطة، وحتى في هذا الخيار الذي يبدو شعبياً ويعتبره البعض محاولة ذكية في تجنب مواجهة مع المجتمع الدولي لا يبدو أن هناك إجابات شافية حول كيف سيتم التعامل مع السلطة الفلسطينية، هل ستصبح بمثابة دولة في حدود مؤقتة مثلاً ولها صلات مع العالم الخارجي بمعزل عن إسرائيل؟ هل ستبقى كما هي في نفس اتفاق باريس والغلاف الجمركي الموحد وتستكمل السلطات الإسرائيلية جباية الضرائب للسلطة؟ وهل ستنقل هذه الضرائب؟ في الواقع هناك أسئلة كثيرة يتوجب على صانعي القرار في إسرائيل الإجابة عليها، وهناك من سيعتبر الفلسطينيين الطرف الكاسب في هذه الخطوة، فسيحصل على مزيد من الأراضي بدون مقابل وبدون اي اتفاق، ولا شك ستظل مسألة المصالحة والوضع في قطاع غزة عندما لا تصبح "حماس" هي العنوان هناك، هل ستقوم إسرائيل بحرب على غزة ؟ شيء واحد مؤكد في كل ما يمكن أن يحصل وهو أن الفلسطينيين سيكونون الرابحين وان دولتهم باتت على الأبواب مهما فعلت إسرائيل.

"المصالحة": تفاؤل العاطفة وكوابح الواقع
بقلم: علي جرادات – الايام
بداية: حظوظ نجاح "اتفاق إعلان غزة" في تنفيذ اتفاقات "المصالحة"، هي- بلا شك - الأعلى نسبة لأي اتفاق سابق.
أما توزيع التوقعات تجاه نجاح هذا الاتفاق بين متفائلة ومتشائمة، أو مبشرة ومنفرة، فتعسف يبسط - بقصد أو بغير قصد - إنهاء الانقسام بوصفه مسألة سياسية معقدة حدَّ التعامل معه كمسألة عاطفية أو إجرائية. لماذا؟
إن تذليل معيقات وعقبات وكوابح تنفيذ هذا الاتفاق لا يتعلق - فقط - بتوافر إرادة سياسية وطنية داخلية على أهميتها.
فالاتفاق لا ينص - فقط - على تشكيل حكومة انتقالية للسلطة، كبند يمكن بتوافق وطني داخلي ومظلة عربية، تنفيذه، وتحمل تبعات رد الفعل الإسرائيلي - الأميركي والخارجي، عموماً، عليه.
بل ينص - أيضاً - على إجراء انتخابات سياسية متزامنة لـ "المجلس الوطني" للمنظمة، ولرئاسة و"مجلس تشريعي" السلطة، كمؤسسات وطنية عامة يقر الجميع بانتهاء شرعياتها، وبضرورة تجديدها وتوحيدها، فيما يعلم الجميع - أيضاً - أن التوافق الوطني الداخلي على إجراء هذه الانتخابات السياسية، وعلى تحديد آلياتها وجدولها الزمني، لا يعني القدرة على عقدها.
فتشكيل "مجلس وطني" جديد بالانتخاب يعني مشاركة كل أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات في انتخابه، بينما يتعذر مشاركة تجمعاتهم الأساسية، سواء في الأردن لأسباب سياسية معروفة، أو في سورية، وربما في لبنان أيضاً، لأسباب أمنية غير خافية.
هذا بينما لا يمكن إجراء الانتخابات "الرئاسية" و"التشريعية" للسلطة الفلسطينية في الضفة والقدس وقطاع غزة، إلا وفقاً لتعاقد "أوسلو" وشروطه والتزاماته السياسية والأمنية والاقتصادية التي ربما، (بل بالتأكيد)، ستضيف عليها حكومة نتنياهو شروطاً ابتزازية تعجيزية جديدة تتجاوز شروط إجرائها في العامين 1996 و2006، وفي أقله منعها في القدس.
إذاً نحن لسنا أمام ترف أن نكون متفائلين أو متشائمين، مبشرين أو منفرين، إنما أمام حاجة للمزيد من البحث في قضية الانتخابات السياسية الفلسطينية وأسئلتها الواقعية المعقدة، ذلك حتى في ظل توافر إجماع وطني وإرادة سياسية داخلية جادة على إجرائها ضمن آليات وجداول زمنية محددة.
فـ "ما ينبغي" هنا شيء وشروط ومعيقات تنفيذه في الواقع شيء آخر. وفي زمانه قال الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر ما مفاده: يستطيع كاتب مقال أن يقترح - وهو يتناول قهوة صباحه - تصوراً نظرياً لكل "ما ينبغي" عمله لحل قضية سياسية كبرى، متناسياً ما يعترض سبيل تنفيذ تصوره في الواقع من معيقات وعقبات وكوابح معقدة.
لذلك يبدو لي أنه لأجل ضمان تنفيذ بنود "اتفاق إعلان غزة" المتعلقة بتجديد شرعية المؤسسات الوطنية العامة وتوحيدها، فإن على الجميع الاعتراف بأن هنالك حاجة للتفكير في تجاوز صيغة: (بالانتخاب حيث أمكن، وبالتوافق حيث تعذر)، إلى صيغة: (بالتوافق إن تعذر الانتخاب).
والفرق بين الصيغتين ليس مجرد فرق لغوي، بل هو فرق جوهري يكثفه أن من شأن التجرؤ على اللجوء إلى الصيغة الثانية، وخلق إرادة سياسية وشعبية ومجتمعية تدعمها، أن يزيل المعيقات والعقبات والكوابح الخارجية التي تحول دون تنفيذ "ما ينبغي"، بما يجعل الإرادة الوطنية القول الفصل في إنهاء الانقسام وتجديد شرعيات المؤسسات الوطنية العامة وتوحيد محتواها السياسي والأمني والنضالي والاقتصادي والقانوني، وبما يحول دون توقف دوران عجلة "اتفاق إعلان غزة" عند محطة تشكيل حكومة انتقالية تحولها كوابح خارجية وداخلية، إلى "طربوش" يغطي بقاء مفردات الانقسام، سياسياً وأمنياً وأجندات ورهانات متباينة، على حالها. ماذا يعني هذا الكلام؟
ليس لأحدٍ أن يدعو الناس إلى الإفراط في التفاؤل المساوي لتغييب دروس فشل اتفاقات سبع سنوات خلت، بل ولتغييب آراء تنبه، وإن بدت متشائمة أو منفرة، لما يضمن عدم فشل "اتفاق إعلان غزة"، خاصة وأن الأسباب الفعلية لإبرامه تعود بدرجة كبيرة، على الأقل، إلى حاجة صناع الانقسام والمستفيدين منه للخروج من مآزق خاصة أفضى إليها.
بل ويعلم الجميع أن صناع الانقسام والمستفيدين منه هم أنفسهم من سيتولون تنفيذ "اتفاق إعلان غزة" كخارطة طريق لتنفيذ بنود اتفاقات سابقة أفشلوها، رغم أن أبناء الشعب الفلسطيني، في أماكن تواجده كافة، لم يساورهم شك في أن انقسام السنوات السبع الماضية، شكل ربحاً صافياً لحكومات الاحتلال وسياساتها التوسعية العدوانية المتمادية.
وقد جاءت الردود الإسرائيلية الهستيرية على "اتفاق إعلان غزة" لتقطع الشك باليقين، وتؤكد أن لا حركة "فتح"، ولا حركة "حماس"، بما في داخل كل منهما من تيارات ومراكز قوى، تستطيع منفردة أن تشكل طريقاً للخلاص الوطني، وأن سنوات انقسامهما السبع لم تسفر عن إضعاف المحتوى الشعبي للوطنية الفلسطينية وتشويه صورتها وضرب قيمها وثوابتها ومرتكزاتها الثقافية والسياسية والأمنية والنضالية، فحسب، بل أسفرت أيضاً عن إضعاف دور ومكانة ووزن وهيبة كل من الحركتين، إن على الصعيد الداخلي، أو، (وهنا الأهم)، على صعيد مجابهة الاحتلال وإدارة الصراع معه.
لذلك، تصبح الدعوة إلى التفاؤل عوض التشاؤم، وإلى التبشير عوض التنفير، مجرد دعوة عاطفية غير سياسية، بل وتشكل، بمعزل عن النوايا، غطاء للمرور مر الكرام على الدروس المريرة لسبع سنوات عجاف، كدروس لا يمكن للنخب القيادية الفلسطينية بألوانها استيعاب كامل معانيها، وهضمها، والتعلم منها، إلا ببناء السياسة، خطاباً وممارسة، على أساس خصوصية الوطنية الفلسطينية، عموماً، ومقتضيات محتواها الشعبي خصوصاً.
فالنخب القيادية الفلسطينية إما أن تعزز المحتوى الشعبي للوطنية الفلسطينية أو تضعفه، فيما لهذا الخيار أو ذاك الدور الأساس في تعزيز وتقوية الشرعية الشعبية لهذه النخب أو إضعافها وتآكلها، تقدم الأمر أو تأخر.
هذا هو الدرس الأول والأساس لمسيرة الوطنية الفلسطينية وصيرورتها. أعني أن انقسامات النخب السياسية والفكرية القيادية الفلسطينية، كما لم تفضِ في الماضي، فإنها لن تفضي لا في الحاضر ولا في المستقبل، إلى تفريغ الوطنية الفلسطينية من محتواها الشعبي، إنما إلى إضعافه وتشويه صورته وضرب قيمه إلى حين يطول أو يقصر، ما يعني أن الشعب الفلسطيني كما كان ماضياً، يظل حاضراً، وسيظل مستقبلاً، هو القادر على انتشال عربة الوطنية الفلسطينية من وهدات تيه انقسامات نخبه القيادية. فالذاكرة الجمعية الفلسطينية مثقلة بدماء غزيرة سالت على مدار قرنٍ ويزيد، وطوعاً وعن طيب خاطر، دفاعاً عن الوطن، ما يعنى أن رسوخ المحتوى الشعبي للوطنية الفلسطينية الناجم عن تغلغل الثورة ثقافة وأدوات وأشكالاً وأساليب عمل في أوساط الشعب الفلسطيني، هو، عامل العوامل القادر على إفشال رهانات قادة إسرائيل على الانقسام الحالي، بإجبار طرفيه على تنفيذ بنود الاتفاقات الوطنية لإنهائه، بعد أن بددا سبع سنوات، وكل منهما على طريقته، في الرهان على خيارات فاشلة لم تفض إلا إلى مأزق وطني عام، وإلى مأزق خاص لكل منهما.
بهذا المعنى يصبح التفاؤل بتنفيذ اتفاقات إنهاء الانقسام، سياسيا تتيحه الثقة بقدرة الشعب الفلسطيني على تجاوز مأزق وطني تداخلت أسبابه الخارجية والداخلية، لكن أساسها، في الحالات كافة، هو السياسات التصعيدية الهجومية لجميع حكومات الاحتلال، فما بالكم بسياسات أشدها تطرفاً حكومة المستوطنين بزعامة نتنياهو التي لا تبحث عن تسوية سياسية أو "حل وسط" للصراع، بل إن كل ما تسعى إليه هو استمرار التفاوض كغطاء لابتلاع المزيد من الأرض الفلسطينية، ولتصعيد التنكيل بشعبها.
خذوا آخر وقاحات نتنياهو الذي يحث "الكنيست" على سن قانون أساسي يحصن بقاء إسرائيل "دولة لشعب واحد هو الشعب اليهودي"، ويؤكد صلة هذا الشعب بأرضه، ويحفظ استمرار هجرته إليها، طبعا دون أن ينسى تجميل صورة مشروع هذا القانون العنصري بإضافة مسحوق: "مع ضمان الحريات الفردية لغير اليهود من مواطني إسرائيل".
هذا بينما لحس السيد كيري كلماته حول أن إفشال قادة إسرائيل لجهود "عملية السلام" سيحولها إلى دولة عنصرية، وكأنها ليست كذلك منذ نشأتها.
مصرع بائع الحلويات
بقلم: توفيق وصفي – الايام
بالكاد أعرفه، لكن ابتسامته الودودة ونظراته الخجولة وكلماته المهذبة منحتني شعورا كاليقين بأنني أعرفه تماماً، وحين يرد اسمه الذي عرفته من خاله الصديق، مؤخراً، أتحدث عنه وكأنني أعرفه منذ سنين، مدللا على ذلك بسردي تفاصيل ملامحه وطريقته في الكلام وذوقه في تزيين علب وصواني الحلويات، في أشهر محال بيعها في غزة.
أدلف إلى المحل المزدحم في معظم الأوقات، وأبحث عن ابتسامته الجميلة بين وجوه سائر العاملين، التي تحجبها "سدور" البقلاوة والبورمة والبلورية وعش البلبل الفاخرة، وعندما تتلاقى عيوننا تتسع ابتسامته دون أن تظهر أسنانه، وكأن الله حباه العدل في الابتسام، يُقبِلُ كملاك لا كبائع محيياً مشجعاً على الإفصاح عن طلبي، أهمس له بالسؤال عن النمورة، فتتراجع ابتسامته قليلا وتنكسر نظرته موحية باعتذار، قبل أن يُعلمني بأنهم لا يُعدون النمورة كل يوم، مردفاً أنها ستكون متوفرة في اليوم التالي.
أعود في مساء "الغد"، ليس توقاً إلى أحب أنواع الحلويات بالنسبة لي كونها أول حلوى منزلية أعدتها أمي رحمها الله، فالحلوى مزاج ساعة قد لا يتكرر في يوم أو يومين، "هبّات" كما يقول صديق عتيق، بل أعود ليقيني بأن الشاب يتوقع حضوري. يسارع إلى استقبالي ببشاشته الصادقة، ويسألني عن الكمية التي أرغب في شرائها، مشيراً إلى أنها بالسمن البلدي، أشتري ويودعني قبل أن أغادر بدفء لا يُنسى، مبقياً في روحي أثراً غير مفهوم، كطيف في حلم غير معقد.
أبلغني خاله عصر الأحد الماضي القائظ في اتصال هاتفي أن الشاب قد لقي مصرعه، في حادث مروري وهو في الطريق إلى عمله، بعد أن قذفت شاحنة كبيرة بدراجته النارية وهو على متنها عدة أمتار، لفظ أنفاسه على الفور، دون أن يحاول سائق الشاحنة إسعافه أو نقله إلى المستشفى، بل فر من المكان بشاحنته، وظل القتيل الوسيم مضرجاً بدمه على قارعة الطريق.
بكيت وبكت زوجتي ووجم أبنائي وابنتي، بالرغم من أنهم لا يعرفونه، اكتفوا بأنني أعرفه وثمة ما أقوله عنه بصوتي المتهدج وأنا أرتدي ملابسي بسرعة، كي أتمكن من إدراكه قبل دفنه وإلقاء نظرة أخيرة على ابتسامته النادرة، ومواساة ذويه وأحبابه وزملائه في صناعة الحلويات.
مات إبراهيم العفيفي الذي لم يبلغ الثلاثين بعد، مخلفاً زوجة شابة وابنة صغيرة وطفلا له ابتسامة أبيه، كان في الطريق إلى الرزق، عندما قتله سائق مستهتر جبان، تاركا لذويه لوعة الفجيعة وأذى الصدمة وأسى الفقد، ولمن يعرفونه الحزنَ والشعور بخسارة أرق وألطف بائع للحلويات.

تغريدة الصباح - الإبل والحمير والربيع العربي
بقلم: يحيى يخلف – الحياة
ارتبطت حياة العرب بالإبل منذ القدم، فركبوها وقطعوا على ظهورها الصحارى والفيافي، وجمعوها معا وشكلوا منها القوافل، وحملوها البضائع في تجارتهم في رحلات الشتاء والصيف، ومن لحومها أكلوا، ومن حليبها كان غذاؤهم، ومن وبرها صنعوا الثياب والخيام، ومن جلدها صنعوا الدفوف والأحذية والحقائب، ومن على ظهورها اختلطوا بالأمم ووصلت اليهم المعرفة، ولكثرة التصاقها بحياتهم فإن ديوان الشعر العربي القديم امتلأ بوصف الإبل والناقة على وجه الخصوص، فوصف الشعراء قوامها ورشاقتها وجمال عينيها وعنقها وتنقلات أرجلها، فهي تنقل رجليها على الجانب الأيمن معا، ثم تنقل رجليها على الجانب الأيسر معا أيضا، وينتج عن ذلك اهتزاز لراكبها، ويقال إن هذه الحركة هي التي اخترعت الشعر الموزون الذي انتج القوافي، وأول الشعر كان الرجز الناتج عن تكرار حركة راكب الجمل بشكل منتظم، بما يشبه الجملة الموسيقية، فولد ذلك النظم وفق هده الحركة، النظم الموزون والمقفى والذي يحتفظ بموسيقى داخلية.
واذا صح ذلك فان ظهور الابل اطلق العنان لخيال الفطرة العربية، وأسس لفن جميل ورائع نضج مع الزمن وأظهر بلاغة ولغة ووصفا وصورا شعرية ومضامين ثرية وأشكالا وأغراضا من غزل ومدح ووصف وحماسة وحكمة ووقوف على الأطلال.
ومنح الجمل أو انثاه الناقة مساحة واسعة في باب الوصف من ديوان الشعر العربي.
ووصف الجمل ايضا بالسفينة، أي سفينة الصحراء، وخلا الأدب العربي من أدب البحار، على الرغم من ان شبه الجزيرة العربية محاطة بالبحار، وعلى الرغم من وجود مغامرين في بعض انحاء الجزيرة مثل (ابن ماجد) الذي أرشد (فاسكو دا غاما) الى رأس الرجاء الصالح، ففي الشعر القديم نجد الشاعر يقول: ملأنا البحر حتى ضاق عنا وماء البحر نملؤه سفينا.. ويكتفي بذلك، ولا يدخل في عمق البحر. وهكذا فإنه استعاض عن بحر المياه والأمواج ببحر الرمال واطلق على الجمل لقب (سفينة الصحراء) فغاب المجذاف، وحضر الخف، فالجمل يخوض مسيرته في بحار الرمل بأخفه اللينة.
وفي الأفراح والتنقلات تجد المرأة مكانا لها على ظهور الجمال من خلال الهودج المزدان بالزينة والذي يوفر لها الخصوصية، ويحميها من العواصف الرملية، ويبقيها في المكان العالي الذي تستحق.
وهكذا فإن هذا الحيوان كان لصيقا بحياة الناس اليومية وخصوصا في تنقلاتهم وغذائهم وملبسهم، فالمال يأتي من أرجل العير وسيلة التجارة، والحليب من أثدائها، والغزل والنسيج من وبرها، ولم ينافسه في الأهمية سوى الخيل، فالحصان كان مكرما ومدللا (يجاع له العيال ولا يجاع)، واعتبر الحصان العربي من أفضل وأجمل الخيول في العالم.
والحصان يقود ولا يقاد مثلما حال الجمال التي تقاد عندما تربط خطامها بذيل الحمار، تقبل الجمال بذلك لأنها مطيعة وصبورة وقادرة على تحمل الجوع والعطش بفضل ما تختزنه من دهون في سنامها، وقادرة على قطع مسافات طويلة دون تذمر، وبالتالي فانها تنصاع لقيادة حمار، وهو ما يحدث في حياة البشر، فكثير من الشعوب يقودها ديكتاتور لا يقل بلادة عن الحمير، وفي الماضي أيام الخلافة الأموية لقب الخليفة مروان بن الحكم آخر خلفاء الدولة الأموية بمروان الحمار، وفي زمن ما يسمى الربيع العربي ثارت الجمال الصبورة المقموعة على حميرها. وثورة الجمال كامنة كالنار الكامنة في قلب حجارة الصوان، فمن المعروف ان للجمال غضبة بين فينة واخرى مثل الزوابع والعواصف لا تبقي ولا تذر، فعلى سبيل المثال فان الجمل عندما يخلو بالناقة لممارسة الحب يبحث عن مكان معزول وبعيد حتى لا يراه البشر وينتهك خصوصيته، واذا ما تلصص عليه احدهم وانتهك خصوصيته فإنه يهجم عليه هجوم المنون ويقتله، ولذلك قالوا: فلان حقود كالجمل.
الجمال كالشعوب تنصاع طويلا ولكنها عندما تغضب تفتك بالحمير وأشباهها، تتعدد اسباب هذا الغضب ولكن النتيجة واحدة.

اطلالة عربية - كلمات مضلة !
بقلم: ابراهيم عبد المجيد – الحياة
في مصر وعالمنا العربي عموما جمل وكلمات رافقت جيلي الذي عاصر التجربة الناصرية والسادات ومبارك ومرسي ومن اقترب من الحكم الآن, كلمات وجمل بعضها مقتبس من روايات وكتب جميلة وبعضها من وحي الخاطر لكنها لم تتغير رغم أن بلدا مثل مصر, قياسا على النصف الأول من القرن العشرين, صار حالها يثير البكاء. الجملة التي كلما سمعتها عرفت أنها تعاد تأكيدا لقوة النظام الحاكم وليس تأكيدا لمعناها أو المرجو منها وتثير غيظي جدا «ميثاق الشرف» تقال في مهن كثيرة ساءت أحوالها وضل بعض رجالها لكنها تقال بقوة في شأن الصحافة والاعلام. كم مرة أقسم الصحفيون على ميثاق الشرف بالذات منذ عهد السادات أكثر من مرة. المقصود بهذا القسم كما ترى الدولة الحاكمة لا أن يكون الصحفي حرا, ولا أن تكون مصادره متاحة في الوزارات وغيرها, لكن المقصود أن يتكتم الصحفي على شرور النظام. فليس من الشرف عند النظام الحاكم أن يكشف عوراته. من يخلص في القسم يترقى ويعلو ويعلو ومن يمارس الصحافة كما ينبغي أو حتى يحاول يظل في مكانه ويعاني كثيرا ولا يتقدم. حتى بعد أن ظهرت الصحف الخاصة لم يتغير الوضع كثيرا ولن أقول لأنها ليست بعيدة عن سيطرة الأجهزة الأمنية بشكل أو بآخر, لكن أصحابها على الأقل لهم مصالح اقتصادية يمكن أن ينسفها النظام الحاكم ومن ثم تبدو الحرية محدودة أو شكلية.
من البدهيات أن الصحفي حين يكشف الخطأ يعرف ان القانون العادي يمنعه من الكذب ويعاقبه, لكن ميثاق الشرف كان دائما يعني عكس ذلك ولم يبقى الا أن يستأذن الصحفي موضوع الخبر، للأسف تتردد هذه الجملة الآن كثيرا ويزداد الهجوم على الاعلام رغم أنه تقريبا صار كله صوتا واحدا خاصا وعاما, خاصة الاعلام المرئي والمسموع صوتا يدين ما جرى في يناير 2011 ويعتبره مؤامرة على مصر.
للأسف ترددت هذه الجملة في اللقاء الأخير للاعلاميين, الاعلام المرئي, مع المرشح عبد الفتاح السيسي رغم أن الاعلام المرئي يقدم أكبر الخدمات للحكومة الحالية وقراراتها وقوانينها. تقررت كطلب من بعض الاعلاميين. ولأن اللقاء غلب عليه المونتاج والكهرباء انقطعت وأنا أشاهده أكثر من مرة, لم أستطع تكوين رأي حول رد السيسي. ليس مهما هنا الرأي لكن المهم هل مواثيق الشرف الماضية عبر السنين انتهت وصام أصحابها ثلاثة أيام مثلا ! أم أن الظروف تجاوزتها وصار الاعلام يأتي بالصورمن كل مكان في العالم دون أن يعرف أصحابه أو يعرفون. صار العالم في يد كل مواطن موبايل صغير ينقل اليه كل أخبار الدنيا وعليه المسكين أن يميز الكذب من الصدق في عصر الفوتوشوب الذي يمكن أن يخدع أي مواطن غير محترف.
الاعلام بالذات لا يحتاج ميثاق شرف خاصة بعد تجربة السنوات الطويلة السابقة التي انتهت برفض الناس للاعلام المحلي ودخولهم على مواقع الفضاء الافتراضي بحثا عن الحقيقة وطبعا وعن الاثارة أيضا. الاعلام الآن يصنعه أصحاب مدونات وصفحات على الانترنت جنبا الي جنب البوابات الالكترونية للصحف.الاعلام لايريد ميثاق شرف. يريد الحرية وردود الأفعال هي التي تقوم بتعديله أو استمراره. نجاحه أو اخفاقه. صوت واحد في الاعلام في العصر الحديث مسألة عفا عليها الزمن.
هناك جمل أخرى تثير استيائي تتردد دائما في حياتنا العربية قد أتحدث عن بعضها فيما بعد.

التشكيل الحكومي التوافقي
بقلم: عدلي صادق – الحياة
ربما سيكون عملياً أكثر، النظر الى خيارات التشكيل، بمنظور واقعي، يأخذ في الاعتبار أن صعوبة العثور على مستقلين فلسطينيين، لا ميول فصائلية لهم، هي جزء من حقائق المشهد الفلسطيني، وما يزيد هذه الحقيقة صدقية، أن "فتح" و"حماس" عندما تقدم كل منهما كشفاً بالأسماء التي تقترحها، يصبح أمر الاستقلالية أبعد منالاً، لأن كل اسم سيكون مسكوناً بالامتنان للطرف الذي أدرجه في كشفه، وهذا بحد ذاته كاف لخلق مظنة الموالاة لطرف محدد. لذا، والحالة هذه، يصبح من الأفضل التعويل على التكنوقراط المحترفين والأكاديميين، معلومي الانتماء، بدل دفن الرؤوس في الرمال والتعامي عن حقائق الميول. ما تبقى تتكفل به قيم العمل العام لدى التكنوقراط والأكاديميين. وفي حال الأخذ بخيار التكنوقراط، ينبغي إشراك الفصائل، ليس باسمائها الفاقعة والسجالية، وإنما بكادرها المؤهل.
الحكومة الوفاقية الانتقالية، ذات الصلاحيات، والتي ستقود عملية التوجه الى انتخابات عامة، سوف تضطلع بمهمة صعبة، وبحكم معرفتنا لإيقاع الزمن الفلسطيني؛ نجزم أن المسائل لن تمضي وفق جداولها الزمنية المفترضة، وبالتالي يمكن أن تمكث الحكومة المنتظرة زمناً أطول، وحبذا لو جرى التعويل عليها لكي تباشر فوراً عملية إصلاح إداري في الجهاز الحكومي، لكي تنتقل المسؤولية لمن يختارهم الشعب، في شكل وضع حكومي نابض ويتمتع بالحيوية، وليس في شكل ركام. وسيكتشف المكلفون بالمهمة الانتقالية ما اكتشفه د. رامي الحمد الله من بؤس في الأداء على كل صعيد، بسبب غياب المؤسسة الدستورية المعنية بالرقابة والمساءلة والتشريع. فلم يعد هناك مجال لترف إهدار الوقت، والاستهتار بحقائق الواقع الصعب وتحدياته.

احترنا من اين نبوسك يا قرعة!
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
سجل الرئيس ابو مازن سابقة في السياسة الفلسطينية تجاه محرقة "الهولوكوست"، حين اعتبرها " أبشع جريمة عرفتها البشرية في العصر الحديث". جاء ذلك ردا على سؤال حول ذكرى المحرقة اليهودية، خلال لقائه الحاخام مارك شناير يوم الاحد الموافق 27 نيسان الماضي.
غير ان الرئيس عباس ربط بين المحرقة، ودعوته للعالم "للتجند بكل إمكانياته لمحاربة العنصرية والظلم وانعدام العدل في العالم لانصاف المظلومين والمقهورين أينما كانوا، والشعب الفلسطيني، الذي مازال مظلوما ومقهورا ومحروما من الحرية والسلام. هو اول من يطالب برفع الظلم والعنصرية عن اي شعب يتعرض لمثل هذه الجرائم." كما يطالب العالم برفع عنصرية الصهاينة اليهود عن شعبه العربي الفلسطيني من خلال المطالبة بازالة آخر احتلال في العالم عن دولة فلسطين المحتلة.
وبمناسبة المحرقة طالب رئيس منظمة التحرير إسرائيل "انتهاز الفرصة السانحة لصنع السلام العادل والشامل على اساس حل الدولتين" على حدود الرابع من حزيران عام 1967.
مع ذلك خرج بعض قادة إسرائيل لـ"يتهكموا" على تصريح الرئيس محمود عباس، واعتبار تصريحه شكلا من اشكال "الانتهازية"! وهنا ينطبق المثل الشعبي على الساسة الاسرائيليين، الذين "لا يعجبهم العجب، ولا الصيام في رجب!"، او المثل القائل: "إحترنا من اين نبوسك ياقرعة!" قادة إسرائيل خاصة من اقطاب اليمين المتطرف كـ"بينت" و"ارئيل" و"فايغلين" وغيرهم، اياً كان الموقف الفلسطيني الايجابي تجاه المسألة اليهودية لا يعجبهم؛ ويضعون حوله الف علامة سؤال واستنكار، ولا يتعاملون معه بروح المسؤولية، معتقدين ان تصريحات القادة الفلسطينيين خاصة الرئيس عباس، بمثابة مناورة تكتيكية لكسب ود الغرب او قادة إسرائيل، متناسين او ناسين أن المسألة اليهودية اعمق أو أوسع من إسرائيل ووجودها، وسابقة عليها، ولاحقة لوجودها. اضف إلى انهم يحاولون اسباغ موقف معاد لأبي مازن من مسألة "الهولوكوست"، وهو غير صحيح إطلاقا، لان دراسة الدكتوراه، التي دافع عنها في إحدى جامعات موسكو، لم تنكر المحرقة، بل شككت في عدد اليهود، الذين ذهبوا ضحية لها. وهناك فرق شاسع بين الانكار التام لها، وبين عدد ضحاياها.
كما انهم يعتقدون ان القادة الفلسطينيين بلا رؤية فكرية وسياسية واخلاقية، ويتناسى الاسرائيليون الصهاينة، ان التجربة التراجيدية المأساوية الفلسطينية الناجمة عن النكبة، التي كانت المحرقة اليهودية، احدى مسبباتها، علمت الفلسطينيين كيف يتعاملون بمسؤولية عالية مع معاناة شعوب الارض. وتاريخيا وقبل النكبة واثناءها وبعدها كان هناك فلسطينيون ضد التطرف والعنصرية والقهر للشعوب على اساس عرقي او ديني او طائفي او مذهبي، وهي السمة العامة للمثقفين والقادة الفلسطينيين.
مع ذلك لا يمكن اعتبار المحرقة اليهودية ابشع جريمة عرفتها البشرية، لان في هذا مغالاة، بل الجرائم الابشع والاكثر فظاعة في العصر، هي الحروب العالمية والاقليمية، التي ذهب ضحيتها عشرات الملايين من شعوب الارض، وفي التاريخ القديم، كانت الحروب الصليبية، واحدة من الحروب البشعة، وكل حرب دينية او اثنية، هي حرب بشعة. ايضا النكبة الفلسطينية، الماثلة شواهدها حتى الآن على الوحشية العنصرية الاستعمارية الصهيونية المدعومة من الغرب الرأسمالي، هي من الحروب والنكبات البشعة، والتي لا تقل بشاعة عن نازية هتلر وفاشية موسوليني.
مع ذلك قبلت إسرائيل بموقف الرئيس عباس او لم تقبل، فهذا لن يغير من السياسة الفلسطينية المعتدلة والواقعية، التي يقودها الرئيس الفلسطيني واركان قيادة منظمة التحرير. لادراك القيادة الفلسطينية العميق، ان الموقف الايجابي من المحرقة اليهودية او الارمنية او غيرها من حملات الابادة والتطهير العرقي او الديني في العالم، إنما هو تضامن مع الذات الوطنية، للعلاقة الجدلية بين ما يعانيه الشعب الفلسطيني من احتلال وقهر على يد جلاوزة الفاشية الصهيونية المعاصرة وبين ما عانته شعوب الارض سابقا. وهو انحياز مع مبدأ الحرية والسلم الاقليمي والعالمي وتقرير المصير لشعوب الارض قاطبة.



يوم استقلالهم يوم نكبتنا -1-
بقلم: بهاء رحال – الحياة
ميلاد مسخ حدث قبل 66 عاما، نما وترعرع على انقاض شعب كامل هُجر من أرضه ووطنه وصار اسمه اسرائيل، ولهذا المسخ جيشاً هَزمَ جيوش المنطقة في سته أيام أو أقل، وله لغة جمعت حروفها بلا وزن وبلا معنى وهي شاذة بلا قاعدة أو نسق، وله علم من لونين بداخله نجمة مسروقة، وصار للمسخ جواز سفر وهوية يقدم لها الطاعة كل المهزومين في الأرض ويتوسلون رضاهم بينما الفلسطيني صاحب الحق والأرض وابن كنعان يزداد اغتراباً وقهراً في كل العواصم وفي كل البلاد التي يعلوا فيها نياشين الهزيمة وأوسمة الكذب والعار والمراتب والدرجات التي حملوها يوم سقوط القدس، يوم الهزيمة في حيفا، يوم ضياع عكا، يوم فقدان يافا، يوم خسارة الناصرة، يوم الانتكاسة في كفر قاسم وطمرة وطبريا والبقيعة ورأس الناقورة والجديدة وسخنين والمجدل والرملة وعرتوف ولوبيا والمنصورة والطيرة وصفورية ويازور والقائمة تطول بمساحة هذا الوطن وهذا التراب.
في هذه الأيام يعتصر الألم قلوب الفلسطينيين جميعاً ويتوحد الألم فيهم في كل أماكن تواجدهم سواء كانوا على أرض الوطن أو مخيمات الشتات في دول الجوار أو في دول العالم أجمع وبقاراته الخمس حيث تشتت الفلسطيني بفعل النكبة الكبرى التي حلت عليه ظلماً وقهراً حين اقتحمت العصابات الصهيونية أرض فلسطين وطردت اهلها وسكانها على مرآى ومسمع من العالم الذي لم يحرك ساكناً وتحديداً من القوى العظمى آنذاك والتي بدورها وفرت الغطاء وسهلت المهمه البشعة وقامت بتوفير كل وسائل الدعم للعصابات الصهيونية في جريمة لم يشهد مثلها التاريخ من قبل بهذا الحجم وبهذا الاجرام البشع وهذه السياسة التطهيرية التي استهدفت كل ما هو فلسطيني من انسان وشجر وحجر وتاريخ وحضارة وتراث، حيث طردت السكان الاصليين واستولت على منازلهم وبيوتهم واملاكهم واراضيهم وهجرتهم الى بلاد بعيدة في مشهد تذكره الأجيال وتتذكره وتتوارثه جيلاً وراء جيل.
لقد حلت النكبة على شعبنا قبل 66 عاما حين تدافعت العصابات الصهيونية لاحتلال فلسطين، متخذة من وعد بلفور ذريعة وكأنه وعد الهي وكأن بلفور اصلاً يمتلك حق الوعد الذي جاء بالباطل فوعد بأرض بلا شعب، وكانت تلك أكبر كذبة في التاريخ تماماً كما كان احتلال فلسطين اكبر جريمة عرفتها البشرية، ومنذ ذلك الوقت وشعبنا الفلسطيني يواجه تلك العصابات بكل الوسائل والطرق لكي يعيد حقه المغتصب وهو يتطلع الى ذلك اليوم المنشود ممسكاً بحقة بالعودة ومتشبثاً في أرضه ووطنه.
وفي هذه الأيام وحيث نحيي ذكرى النكبة الكبرى يتواصل مسلسل الاستهداف الاستيطاني لأبتلاع المزيد من الأرض الفلسطينية لصالح قطعان المستوطنين الى جانب الخطر الحقيقي الذي يتهدد هذه الأيام القدس والمسجد الأقصى حيث تزداد الاعتداءات عليه وتتسع دائرة العزلة التي تفرضها باجراءات احتلالية وقمعية بشكل يومي بهدف بناء هيكلهم المزعوم وهذا ما تسعى اليه دولة الاحتلال في مرحلة شديدة التعقيد وفي واقع عربي منكسر ومتفرق ومشتت وغارق في اوضاعه الداخلية.

حـــارتـــنـــا
بقلم: عبد السلام العابد – الحياة
أجلسُ على عتبةٍ من أعتاب حارتنا القديمة، أتأملُ صامتاً، وأستذكر أشخاصاً أعزاء مضوا بعيداً، وتركوا آثار خطواتهم، وعطر ذكرياتهم التي ما تزال تتنسم في خاطري، وتثير في القلب الشوق والحنين. تمر خيالاتهم أمام عينيّ، بهيئاتهم الحقيقية التي كنت أراهم فيها، وهم يمشون في حارتنا عائدين إلى بيوتهم.
العم أبو واثق بكوفيته البيضاء، ودمايته السكنية، وهو عائد إلى بيته ممتطيا حماره، وامتلأ الخرج بالأعشاب الخضراء التي سيطعمها إلى عنزاته.
أتذكر الشاب محمداً وأخاه.. الشهيدين اللذين قطفت اليد السوداء زهرة شبابهما المتفتحة اليانعة. مازالت أذكر تلك الصرخة المستنكرة والمدوية : قتلتم أخي يا جبناء. وكان الصبح قد تنفس في ذلك اليوم حزيناً.كانا يجلسان في حارتنا. محمدٌ بنى بيتاً، استعداداً لزواجه القريب. وأخوه ترك أطفالاً صغاراً بعمر الورد.
العم أبو صالح بنكاته الكثيرة، وضحكاته، وآماله في المستقبل، وحبه للطرب والأغاني الشعبية، والعزف على الشبابة.أبو نادر بنشاطه وإقباله على الحياة، ونهوضه المبكر، وذهابه لإحضار الجعدة واللوف من مناطق بعيدة، وعودته إلى الحارة، ومازال الندى عالقاً على أوراق النباتات الخضراء التي يحضرها، ويبيعها في القرية، والقرى القريبة المجاورة ؛ ليكسب لقمة العيش الشريفة، ويطعمها لبناته وأبنائه الصغار.
العمة أم محمد التي كانت تجلس أمام بيتها إلى جانب نساء الحارة، وتنتظر أفراد أسرتها. الجدة أمينة، ساردة الحكايات الشعبية الشائقة، وقصة ذهابها إلى الحج، راكبة السفينة عبر البحر البعيد.
الحاج أبو عدنان عاد إلى بيته مساء، وفرش ساحة بيته التي تمتلئ بالزوار والضيوف، ولاسيما في أماسي الصيف، وعاد أبناؤه من بلاد الغربة؛ لقضاء الإجازة في البلاد. العجوز أم عارف التي كان يزعجها الأطفال، بألعابهم وصراخهم، فتهددهم وتتوعدهم، ولكنها لا تنفذ شيئا من عقوباتها.
أشخاص كثيرون مرّوا من هنا، من حارتنا القديمة الحبيبة، رحلوا بأجسادهم، ولكنهم ظلوا خالدين بذكرياتهم الدافئة، وسيرهم العاطرة، وبناتهم وأبنائهم الذين يعمرون الحارة، ويواصلون درب الحياة، بهمة وحيوية ونشاط.