Haneen
2014-12-18, 12:14 PM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
الاثنين
12/5/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
مسؤولية الحكومة والجهاز التعليمي -التربوي
بقلم: حديث القدس - القدس
الأسرى الإداريون.. يحطمون القيد
بقلم: عزيز العصا – القدس
المحرقة بين حقائق التاريخ ..وافتراءات السياسيين
بقلم: ريموندا حوا طويل – القدس
ضرورة المصارحة... بعد المصالحة
بقلم: رائد دحبور – القدس
إخلاء حمص: انتصار للنظام يخفي جبالاً من الفشل
بقلم: عبد الوهاب بدرخان – القدس
من القبيلة الى الديمقراطية.. رحلة لم تتم!
بقلم: محمد جلال عناية – القدس
ثمة ما يستحق الاهتمام أكثر
بقلم: طلال عوكل – الايام
مجرمو "بوكو حرام" ... والموقف المطلوب!
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
فلسطين: دولة الأمر الواقع
بقلم: عاطف أبو سيف – الايام
ترتيبات ما بعد حكومة الائتلاف الوطني !!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
تغريدة الصباح - تدفيع الثّمن
بقلم: محمد علي طه – الحياة
فلسطين و"نكبة البرامكة" (1 من 2)
بقلم: عدلي صادق – الحياة
مسؤولية الحكومة والجهاز التعليمي -التربوي
بقلم: حديث القدس - القدس
النبأ الذي تناقلته وسائل الاعلام المحلية واكدته مصادر رسمية ومفاده ان اربعين الف خريج وخريجة تقدموا امس الاول لامتحان توظيف أجرته وزارة التربية والتعليم للتنافس على ثمانمائة وظيفة فقط ، هذا النبأ يثير الصدمة والذهول ويعكس الحالة المأساوية التي يعيشها خريجو الجامعات من جهة كما يكشف حالة التخبط وفقدان استراتيجية تعليمية واضحة تأخذ بالاعتبار الواقع الذي نعيشه واحتياجات المجتمع في مختلف التخصصات .
السؤال الاهم الذي يطرح بهذا الشأن هو : من الذي يتحمل مسؤولية هذا الكم الهائل من الخريجين العاطلين عن العمل وهذه الفوضى في التخصصات الزائدة عن حاجة القفطاع التربوي - التعليمي؟ وبالمقابل من هو المسؤول عن النقص الواضح في نخصصات عدة يحتاجها مجتمعنا وخاصة في الجانب المهني - التقني؟!
هذه التساؤلات تزداد اهمية في الوقت الذي يتحدث فيه الجميع عن بناء دولتنا المستقلة العتيدة ، وعندما نقول بناء فان ذن ذلك يعني وضع اسس متينة لنهضة وتطور المجتمع والدولة بما ينسجم مع التطور العلمي - الصناعي العالمي وكذا التكنولوجي وبما يخلق مجتمعا قادرا على الانتاج وبما يخلق مجتمعنا قادرا على الانتاج والتقدم .
ان ما يجب ان يقال هنا ان الازمة التي نعيشها الخريجون وهي احد اهم مظاهر ازمة الوضع التعليمي- التربوي من بلادنا يقف ورائها عدة اسباب تبدأ من مسؤولية الحكومة والجهاز التربوي التعليمي بما في ذلك وزارة التعليم العالي وصولا الى مسؤولية الاحتلال خاصية ما يتعلق بالتدهور الاقتصادي ومحاولة منع اي تطور صناعي - تكنولوجي في فلسطين وكذا وصولا الى بعض جوانب الثقافة المجتمعية التي تدفع بالفتاة في غالبية الاحيان الى قطاع التعليم لتصبح مدرسة او معلمة وهو ما يشير اليه المعطى الذي يؤكد ان اكثر من 80 ٪ من الخريجين الاربعين الفا الذين تقدموا للامتحان هم من الاناث .
الحكومة مسؤولة لأنها لم تضع استراتيجية طويلة المدى لضبط عملية التعليم الجامعي بما ينسجم واحتياجات المجتمع الفلسطيني ومتطلبات بناء دولتنا العتيدة، بحيث بات الخريجون الاكاديميون بمئات الآلاف بلا وظائف في مجالات تخصصهم في الوقت الذي تم فيه اهمال اهمية التعليم المهني - التقني ومختلف مجالات التعليم التكنولوجي الضرورية اذا كنا نطمح فعلا في بناء وتطوير دولة قادرة على النهوض الاقتصادي والتطوير الصناعي - التكنولوجي بما يغنيها عن استمرار العيش على المساعدات الخارجية.
والجهاز التربوي - التعليمي بما في ذلك وزارة التعليم العالي مسؤولة ايضا عن هذا الفشل فعلا فلا يعقل ان يبقى هذا الجهاز مكتوف الايدي في الوقت الذي يزداد فيه عدد العاطلين عن العمل من الخريجين سنويا بعشرات الآلاف ممن يحملون تخصصات فائضة عن حاجة المجتمع المحلي وفي الوقت الذي نرى فيه بوضوح النقص في مجال التعليم المهني - التقني التكنولوجي وفي ظل غياب جامعات او مؤسسات تعليم عال في هذه المجالات رغم محدودية ما يوجد لدينا بهذا الشأن.
ولذلك فان على الحكومة ووزارة التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم القيام بمسؤوليتها بهذا الشأن بما يصلح الخلل الواضح القائم وبما يعالج الازمة التي يعيشها الخريجون كل عام .
كما انه يجب الاشارة الى ضرورة معالجة الخلل في بعض اوجه الثافة المجتمعية السائدة بالتركيز على تخصصات معينة دون غيرها وخاصة للفتيات وهي مسؤولية مجتمعية شاملة ايضا للحكومة وللجهاز التربوي التعليمي دون اساسي في تصحيح المسار بهذا الشأن .
وفي المحصلة حان الوقت كي تكون الحكومة والجهاز التربوي والتعليمي تكثر فاعلية في معالجة الازمة القائمة واخذ دورها بما ينسجم مع مصلحة الوطن العليا ومصالح ابنائنا وبناتنا الخريجين.
الأسرى الإداريون.. يحطمون القيد
بقلم: عزيز العصا – القدس
لأن إسرائيل ترى في الأسرى الخصم الرئيس لها في صراع وجودها على هذه الأرض، ولأنها ترى فيهم قادة يتقدمون الصفوف في السياسة والفكر والإبداع، بل هم أنفسهم الذين يبثون في شعبهم روح الأمل والتفاؤل بمستقبل مُشرق، فإنها لا تألو جهداً في محاصرتهم والضغط عليهم؛ بما لا يحتمله بنو البشر. حتى أضحت قضايا أسرانا وظروفهم المأساوية مرئية، بوضوحٍ، لمن هو فاقد البصر، كما أنها مسموعة، بوضوح أيضاً، لكل من به صمم.
وعليه؛ فلم يعد ممكناً تأجيل المواجهة مع السجن والسّجّان، إلى أجلٍ غير مسمى. بل أن الأسرى، بمختلف فئاتهم، أصبحوا يخبرون كيفية المواجهة والتصعيد في الوقت المناسب لانتزاع حقوقهم من السجان. وفي جميع تلك المواجهات كان "الإضراب عن الطعام" هو الملاذ الأخير في مواجهة الرفض والتعنت من قبل الاحتلال.
ولمن لا يعلم ما هو الإضراب المفتوح عن الطعام، نقول: "إنه امتناع الأسير عن تناول كل أصناف المواد الغذائية وأشكالها الموجودة في متناول الأسرى باستثناء الماء وقليل من الملح" (انظر: HYPERLINK "http://www.qudsn.ps/article/9168" http://www.qudsn.ps/article/9168). أي أنه معركة "الأمعاء الخاوية" بما للكلمة من معنى.
تشير الإحصائيات والوثائق المتوفرة بين أيدينا تؤكد على أن الأسرى الفلسطينيين هم أكثر من استخدم هذا الأسلوب في مواجهة السجن والسّجان، بدءاً بإضراب العام 1968، في سجن نابلس، الذي خاضه الأسرى احتجاجاً على سياسة الضرب والإذلال التي كانوا يتعرضون لها على يد الجنود الإسرائيليين، وما تبعه من إضرابات مطلبية لتحسين أوضاعهم المعيشية والإنسانية، وانتهاءً بالإضراب الذي نحن بصدده هذه الأيام؛ وهو إضراب "الأسرى الإداريين". وفي جميع تلك الإضرابات تمتع الأسرى بروح التلاحم والتعاضد والاستعداد للاستشهاد عن طيب خاطر..
وإذا تتبعنا موضوع الأسرى الإداريين نجد أن فيه ما يندى له جبين البشرية؛ إذ أن الاحتلال يتجاوز كل الأعراف والقوانين والنظم ونواميس الكون؛ عندما يقوم باعتقال الفلسطينيين والزج بهم في السجون، دون (تهم!!) ولا محاكم وبدون تحديد لمدة الاعتقال، ما عدا أنه يقرر زج الأسير لمدة ستة أشهر يتم تجديدها وفق أهواء الحاكم، وقد تستمر لبضع سنوات بتواصل.
إذا ما علمنا بأن الأسرى الإداريين هم من نخب الشعب الفلسطيني؛ فمنهم الأكاديميين، والمفكرين، والسياسيين، وفي الآونة الأخيرة تم التركيز على النواب المنتخبين من قبل جماهير الشعب الفلسطيني، فإننا ندرك ما الذي يرميه الاحتلال من وراء هذا النوع من الاعتقال، من أنه يسعى إلى (إفراغ) المجتمع الفلسطيني من قادة الفكر والسياسة، لاعتقاده أنه بذلك قد يُخمد حالة المقاومة، بأشكالها المختلفة، للاحتلال ومخططاته الرامية إلى سلب الأرض، وتوسيع الاستيطان الهادف إلى تقويض الدولة الفلسطينية الموعودة.
وإذا ما علمنا بأن عدد الأسرى الإداريين حوالي (200) أسير (حوالي 5% من الأسرى الفلسطينيين) وأن عدد المنضمين إلى هذا الإضراب الذي وصل إلى (120) أسيراً حتى اللحظة، ومن سينضم إليهم لاحقاً، فإننا نكون أمام إضراب سياسي، وليس مجرد مطلبي، يسعى إلى "كسر" المنهج الاحتلالي في تعامله مع الشعب الفلسطيني، كما أننا أمام حدثٍ جديد تدخله السجون يتمثل في أول إضرابٍ جماعي ضد الاعتقال الإداري.
لذلك؛ فإنه لا بد من الوقوف الجاد والفاعل من قبل الجهات والمؤسسات، الرسمية والشعبية، خلف هذا الإضراب السياسي-المطلبي الذي يشكل حلقة هامة من حلقات الاشتباك الدائم مع الاحتلال الذي يسعى، بلا كلل أو ملل، إلى كسر الإرادة الوطنية لشعبنا. كما أنه لا بد من "تأجيج" الحالة الوطنية بشأن الأسرى، جميعاً بلا استثناء، باعتبار حريتهم وتحررهم واحد من الثوابت الفلسطينية إلى جانب العودة والدولة وتقرير المصير. نقول هذا ونحن نبتلع دمعة حارقة على أسرانا الذين "نتألم" لفراقهم، والذين "يألمون" لفراق الأم والزوج والولد.
المحرقة بين حقائق التاريخ ..وافتراءات السياسيين
بقلم: ريموندا حوا طويل – القدس
في بيان لمنظمة التحرير الفلسطينية، نشر يوم إحياء ذكرى المحرقة أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) عن رأيه في المحرقة اليهودية، التي نكب بها الشعب اليهودي إبان الحرب العالمية الثانية، وقال بلغة عربية واضحة وبيان عربي فصيح: "إن المحرقة أبشع جريمة إنسانية في التاريخ»، ولم يكن هذا الرأي صادرا عن سياسي يريد أن يسجل موقفا، أو يغنم أرضا في معرض الممالئة أو الزلفى؛ وإنما الذي كان يتحدث هو المؤرخ محمود عباس الذي يحمل درجة الدكتوراة في التاريخ من أعرق جامعات العالم.. جامعة موسكو.
وفي الوقت الذي يتميز فيه الرئيس أبو مازن صفات الحنكة والبراعة وبعد النظر، ودقة الملاحظة، وصدق التوجه والقدرة على قراءة حقائق التاريخ ومعطيات السياسة؛ فاننا نعرف عنه ايضا الصدق والصراحة والوضوح والعقلانية، والبعد عن الزيف والغرور والديماغوغية التي تجعله يحارب طواحين الهواء.
****
لم يناقش الرئيس الفلسطيني حقائق التاريخ، ولم يتطرق الى مدى مصداقية ما كتب ونشر عن المحرقة، ولكنه توقف كسياسي ومثقف وإنسان أمام الحقيقة الآتية:
إن البطش بالشعوب، وإحراق الناس وقتلهم بلا رحمة، جريمة بكل المفاهيم والاعراف. حتى لو كانت الجريمة قد شملت إنسانا فردا، فمن المقولات الحكيمة أن من قتل إنسانا فردا، فقد قتل الناس جميعا.
إن فاقد الشيء لا يعطيه، والرئيس الذي لا يخفي رأسه في الرمال، ويتهرب من الحقائق لا يستطيع أن يجابه خصمه بعد ذلك.
كان رأي الرئيس محمود عباس، رأي الانسان المثقف السوي، الصادق، الأمين، الذي يخاطب في صراحة ووضوح ويؤكد أن قتل الشعوب وتشريدها وسفك دماء أبنائها جريمة منكرة، إنها أبشع جريمة في تاريخ البشرية سواء إرتكبها النازيون أو غيرهم من التوجهات السياسية المتطرفة دينيا او عنصريا.
ولكن رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، لم يحترم صراحة وصدق زعيم عربي فأصم أذنيه عن كل ما نشر وقيل، ولم يثمن نتنياهو موقف سياسي عربي لم يصدق منكري الكارثة، ولم يحاول لاسباب سياسية ان ينزع من اسرائيل ورقة الكارثة كذخر إستراتيجي.
لم يبارك نتنياهو موقف حق وموضوعي نزيه لزعيم عربي مخلص، لم يبارك بل احتج لانه كان يرى في هذا التصريح اجراء احتياليا يرمي فقط الى مصالحة الرأي العام الدولي، والى تطهير أبو مازن نفسه لاتفاقه مع حماس، وبيّن نتنياهو أن عباس لا يستطيع أن يسمي الكارثة أبشع الجرائم في التاريخ وهو يعانق في نفس الوقت حماس.
ويقول الكاتب الإسرائيلي أفيعاد كلاينبرغ في معرض نقضه لموقف نتنياهو: إن الكارثة في نظر نتنياهو كنز دعائي إسرائيلي ومن حق اسرائيل فقط أن تصدق، أو تكذب كل من يتحدث عنها. ويواصل الكاتب الاسرائيلي عرض وجهة نظره مخطئا رئيس وزراء إسرائيل حيث كتب في "يديعوت أحرونوت": إن الاعتراف بالكارثة واجب أخلاقي، كوني، ومن لم يستنكره يستحق التنديد به وليس مجرد ابداء الرئيس عباس هذا الرأي العقلاني هو معروف يؤديه لنا وإنما هو موقف عقلاني يسجل نقاطا سياسية لصالح بلاده وقضيته.
****
لقد كان موقف أبو مازن منسجما مع حقائق التاريخ التي تشهد بأن المسلمين والمسيحيين لم يكونوا في يوم من الايام يبطشون باليهود وينزلون بهم المذابح، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما دخل القدس أثبت أن العرب والمسلمين يتمتعون بحس أخلاقي وإنساني رفيع عندما حافظوا على حقوق أهل الكتاب من مسيحيين ويهود وعندما حفظ لهم أموالهم وكنائسهم وعرضهم ودمائهم وتاريخ العرب في اسبانيا ايام الامبراطورية الاندلسية يشهد أن العرب والمسلمين قد تعرضوا في عهد الملكة ايزبيلا ومحاكم التفتيش لانواع قاسية من المطاردات والاضطهاد، وكان هناك تضامنا بين المسلمين واليهود في مواجهة التعصب المسيحي الى درجة تعليقهم على أعواد المشانق. كما يشهد التاريخ أن فتح بلاد المغرب عندما تم على يد المسلمين كان لليهود احترامهم وحقوقهم وهذه الحقيقة مشهود بها حتى في التاريخ المعاصر منذ عهد الملك محمد الخامس الذي أمن لهم حياة كريمة، كما أن ولي عهده الملك الحسن عامل الجاليات اليهودية في المغرب معاملة كريمة على كافة المستويات وقد استمر ذلك حتى الوقت الحاضر. فلا زال اليهود يتمتعون بكافة حقوق المواطنة الكريمة في المغرب. وهذا ما التزم به الملك الشاب محمد السادس.
وفي تونس كانت الجاليات اليهودية تتمتع بكل مواصفات المواطنين وكل حقوقهم، وهذا ينطبق على العراق وسوريا ومصر التي كان اقتصادها مزدهرا بفعل رجال الاعمال الاقتصاديين اليهود، ولي أن أقول ان الصهيونية هي التي أفسدت هذه العلاقة بيننا وبينهم، وهي التي أشعلت نيران الكراهية والحقد وكل هذه الحروب لدرجة أن مفكرا كبيرا يدعى "موشيه مينوهيم" وهو فيلسوف ومفكر يهودي عالمي قد الف كتابا سماه "سقوط الصهيونية" وهو يؤكد هذه الحقيقة وهي ان العلاقات الاسلامية والمسيحية مع اليهود كانت كأفضل ما تكون، غير أن الصهيونية هي التي دمرت كل ذلك، وقد رفض ذلك الفيلسوف أن يحضر الى اسرائيل رغم الاغراءات المادية والادبية. وفي زيارتي له أنا وزوجي عام 1974 في سان فرانسيسكو أكد لنا هذه المعطيات بروح العالم والباحث المحايد. ويذكر أن هذا الفيلسوف هو والد الموسيقار العالمي يهودي مينوهيم.
****
إن دماء الابرياء غالية علينا سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين أم يهودا، غالية علينا، ونخطيء وندين كل من يستبيحها بدون وجه حق، ذلك ما يقول به أبو مازن رجل الدولة والرئيس المنتخب الذي يمثل الشعب الفلسطيني بأسره.
رجل يحتكم الى المنطق والعقل، ولا يصغي الا لصوت ضميره، وهو يعرف كمية السهام التي ستنطلق عليه لتدمي مصداقيته ووطنيته وسمعته، وتاريخه، ولكنه يتسلح بشجاعة نادرة.. شجاعة مواجهة النفاق والمزاودة والمراوغة وهي أعظم الشجاعات.
إن ساسة اسرائيل وعددا كبيرا من رجال الاعلام فيها وقياداتها العسكرية والاستخباراتية لا تصدق إلا ما تريد أن تصدقه، لا تصدق إلا ما يوافق مزاجها وأجندتها.
وعندما قال الرئيس السادات أن حرب «اكتوبر» ستكون آخر الحروب، لم يصدقه معظم رجال المؤسسة العسكرية الاسرائيلية وقادتها، ذلك لانهم لم يريدوا أن يصدقوا إلا ما يوافق أهواءهم، وكان الرئيس السادات صادقا واسترجع بمصداقيته وصدقه ونزاهته كل ذرة من تراب سيناء ودون قطرة دم واحدة.
إنك لكي تجبر الآخرين على تصديقك، يجب أن تصدق أولا مع نفسك، ومن ثم تصدق معهم، واذا كانت المقولات الشائعة تقول أن السياسة هي فن الكذب، فان حقائق التاريخ تثبت أنه لا يصح الا الصحيح.
****
إن حقائق التاريخ لا يمكن طمسها باهمالها، فالعالم بأسره يعرف حق المعرفة كل المعطيات كما قال الرئيس الامريكي ابراهام لينكولن: "إنك تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وتستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.
والزعيم التركي القائد الطيب رجب أردوغان إعترف أخيرا بمسؤولية تركيا عن مذابح الأرمن، وقد أبدى استعداد حكومته ليكفر عن هذه المذبحة بما يفرضه عليه منطق العدالة والانسانية.
ونحن بدورنا اصحاب قضية وموقف، ولنا تاريخ وأجندة يشهد بها العالم كله، ولا مجال لانكارها لان الحقيقة أقوى من كل إنكار. ومن المعروف أن الثوابت الفلسطينية تتجلى بكل وضوح في مواقف الرئيس محمود عباس وهي حق العودة، وازالة الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
****
أما أولئك الذين تصدوا لمهاجمة الرئيس بعبارات جارحة، وأساليب غوغائية فاني أنوب عن السيد الرئيس قائلة:
يخاطبني السفيه بكل قول
وأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة وأزيد حلما
كعود زاده الاحراق طيبا
اللهم إغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، ولا يدركون اني التزم بخلق القرآن الكريم "والذين اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما".
إن الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين المنتخب، وصل الى مركزه عن طريق انتخابات ديمقراطية شهد لها العالم بالشفافية وهو منذ فجر الثورة كان استاذا لهايل عبدالحميد ذلك القائد التاريخي المناضل والذين يقفزون عن الحقائق لا يعرفون ان الاستاذ الاكاديمي الدارس كان من أوائل من نادوا بالكفاح المسلح، وهو موضع ثقة واجماع المجلس الثوري والمجلس الوطني وكافة كوادر منظمة التحرير بل إن حركة حماس مدت له يدها في المصالحة، فتناسى كل شيء وكان على مستوى القيادة والمسؤولية التاريخية. وبذلك لا يستطيع أحد مهما كان أن يزاود على رئيسنا ويجب أن نكون معه بالمواقف والافعال لا بمجرد الكلمات، ولا أذهب بعيدا عندما اقول أن من يخرج على الاجماع فانه يجتاز كل الخطوط الحمراء ليصل الى موقف إما أن يكون موقف غباء أو أن يكون موقف عمالة على نحو ما كان يقول الصديق المناضل صلاح خلف، ولعل المؤرخ المقدسي جورج انطونيوس قد تلاقى فكره مع أفكار وتوجهات دارس التاريخ محمود عباس، فقد كتب جهاد الخازن في مقالة له في الحياة اللندنية نشرت يوم 6/5/2014، في كتاب المؤرخ الفلسطيني المقدسي جورج انطونيوس "اليقظة العربية" الذي نشر عام 1938: إن معاملة اليهود في ألمانيا وبلدان أوروبية أخرى عارٌ على ممارسيها وعلى المدنية الحديثة، والتاريخ لن يبرئ أي بلد لا يلعب دوره لتخفيف المعاناة عن اليهود. إن تحميل الفلسطينيين العرب العبء الأكبر من المسؤولية أمر مقزز أخلاقياً، فلا ميثاق أخلاقياً يبرر اضطهاد شعب لرفع الظلم عن شعب آخر. وعلاج طرد اليهود من ألمانيا ليس بطرد العرب من وطنهم وإيقاع الأذى بشعب بريء. فلا مجال في فلسطين لشعب ثانٍ إلا بطرد الشعب الموجود فيها.
ضرورة المصارحة... بعد المصالحة
بقلم: رائد دحبور – القدس
لا شك انَّ المصالحة التي تمت مؤخَّراً بين كلٍّ من حركتي فتح وحماس تُمَثِّلُ ظاهرة صحيَّة وصحيحة، كما أنَّها تُمَثِّلُ ضرورة وطنية ملحَّة، وهذا يعتبَرُ جيداً بكل المقاييس وبغض النَّظر عن كل الظروف الذاتية والموضوعيَّة المحيطة بالواقع وبالشان الفلسطيني الدَّاخلي..
ولكن لكي تقف هذه المصالحة على قدمين ثابتتين، ولكي تتجاوز الإختبارات الجدية التي ستواجهها داخلياً وموضوعياً، ولكي تستقر كواقعٍ مُعاش فعلا بحيث يمكن استثماره وطنياً، وليس فصائلياً أو فئوياً، فإنَّها ومن حيث المفهوم، يجبُ، إبتداءً، أن تستقر في العقل والوجدان الوطني الجمعي كضرورة وطنيَّة وكهدفٍ أعلى له كل الأولويَّة وكواقِعٍ صحيٍّ وطنياً واجتماعيَّاً وكجزءٍ أساسي من الثَّقافة الوطنيَّة، ويجب أن تتجسَّد على مستوى السلوك كواجبٍ لا فكاك من إمضائه.
انَّ هذا الجانب يملكه الفلسطينيون بإرادتهم، أي أنَّ ذلك يقع ضمن دائرة المُستطاع الفلسطيني، بمعزلٍ عن المعيقات، أو على الأقل هو الشرط الضروري الواجب التحقق لامتلاك القدرة على التعامل مع العوائق والمطبَّات في الطريق، بحيث لا تؤدِّي هذه المطبَّات الى الإنحراف عن الجادِّةِ الصحيحة، والخروج الى هوامش الطريق مرَّةً بعد مرَّة، بما تحويه من تشويشات ومصاعب، ستؤدِّي فيما تؤدِّي، الى تفعيل قانون ومنطق القصور الذِّاتي، الذي سيفضي حتماً الى التوقُّف دون الوصول الى الهدف المرجو.
هذا يتطلَّب من الجميع وتحديداً من كلٍّ من حركتي فتح وحماس أن تكونا مستعدَّتان لدفع الإستحقاقات والتنازلات الضروريَّة، على مستوى إخلاء بعض المساحات التي كانت كل منهما تُصِرُّ على التمسُّك بها، والى ترك منطق الوقوف طويلاً عند مناقشة التفاصيل الصغيرة، مما يفضي الى سيادة منطق المناكفة مُجدَّداً والى التنافس على تسجيل المواقف ضمن مساحاتٍ تقع على هامش الأولويَّات الوطنيَّة، وتحديداً فيما يخص المسائل الإجرائيَّة والشَّكليَّة والبروتوكوليَّة، ومنها ، على سبيل المثال، قانون الإنتخابات الذي دار ويدور الحديث حول تعديله من قانون مزدوج يجمع بين التمثيل النسبي والتمثيل المناطقي ضمن نظام الدَّوائر الإنتخابيَّة المنفصلة، كما جرت وفق انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة عام 2006 ، أو إجرائها وفق قانون القوائم النسبيَّة الذي يقضي بجعل الوطن ، شرقي القدس والضفة الغربية وغزة، دائرة انتخابيَّة واحدة.
يجب أن يصارح الجميع نفسه بحقيقة أنَّ منطق الجدل حول التفاصيل وحول الشكليَّات، وأنَّ تقديم منطق التنافس خارج مساحات وحدود الأولويَّات الوطنية الجامعة، ومصالح المجتمع الفلسطيني بعمومه؛ كانت هي السبب الأساسي وراء سيادة حالة الإنقسام طيلة السنوات الماضية. وبالتَّالي فإنَّ المطلوب من الجميع أن يقف حيال تلك الحقائق الموقف المسؤول وطنياً وأخلاقيَّاً وتاريخيَّاً.
وقبل ان يتم الإغراق في النقاش حول قانون الإنتخابات، يجب على الجميع أن يقف أمام حقيقة وأهميَّة السؤال المتعلِّق بموقف إسرائيل من موضوع إجراء الإنتخابات، وكذلك بالسؤال المتَّصل بأهميَّة موقف وبمدى حماس الأسرة الدولية وبمدى قناعتها، وخاصة الرباعية الدولية والولايات المتحدة، حيال اهميَّة وضرورة إجراء إنتخابات جديدة في مناطق السلطة الفلسطينية، وبمدى اقتراب أو توافق أو افتراق موقف تلك الدول حيال أهميّة وضرورة إجراء الإنتخابات في هذه المرحلة، وهل أنَّ البيئة الدولية والإقليمية التي توفَّرت عام 2006 وكانت داعمة وراعية لإجراء الإنتخابات يمكن توفيرها مجدداً، في ظل خيبة الأمل الكبيرة والفشل على صعيد المفاوضات، وعلى ضوء تجربة الإنتخابات السَّابقة وما أفضت إليه من نتائج ووقائع ؟!.
من وجهة النظر المنطقيَّة والواقعية والعمليَّة، لا يمكن أن تجري الإنتخابات بسهولةٍ وبسلاسة، وخاصَّة في مناطق الضفَّة الغربيَّة، والأهم من ذلك في القدس، دون أن توافق إسرائيل على ذلك، أو على الأقل أن تقف من ذلك موقف الحياد السلبي، أي بمعنى أن لا تعترض على إجرائها أو تحاول إعاقة مجرياتها. ومن المؤكَّد أنَّهُ ودون توفُّر مقدار كبير من الضَّغط الدولي لن تُغيِّر إسرائيل من موقفها، ومن المُرجَّح أنّ إسرائيل، واستناداً الى تجربة الإنتخابات الفلسطينيَّة السَّابقة والدُّروس والعبر التي استخلصتها إسرائيل منها، ستقوم هذه المرَّة ببناء موقفها على أساس قراءَتها الخاصَّةِ بها للواقع الفلسطيني، وعلى أساس تقديرات أجهزتها الأمنيَّة، ومراكز الأبحاث المتَّصلة بها، للنتائج المتوقَّعة للإنتخابات، محاولة التقليص والتخلُّص قدر الإمكان من التَّأثُّر بوجهات النظر الإقليميَّة والدولية والأمريكية فيما يتعلَّق بذلك الأمر كما حصل في المرَّة السَّابقة، في عهد حكومة إيهود أولمرت.
من الواضح أنَّ الحكومة الإسرائيلية وحتَّى الآن وربَّما لفترة طويلة قادمة، ومن خلال التصريحات العلنيَّة والإجراءات العملية، تعترض على تشكيل الحكومة الفلسطينية إبتداءً، كما أنَّها تبعث برسائل واضحة، وتشير الى انَّها لن توافق مرَّةً اخرى على إجراء انتخابات تُشارك فيها حركة حماس دون أن تلبِّي الشروط الإسرائيلية، والأمريكية والأوروبيَّة، والمتمثلة بالإعتراف بإسرائيل وبنبذ العنف، والإقرار بالإتِّفاقيَّات السابقة المبرمة بين السلطة الفلسطينيَّة وإسرائيل.
وكما أنَّ إجابة حركة حماس على تلبية تلك الشروط، بوضوح ودون لبس كما يطلب منها، ما زالت الرَّفض، ومع محاولة حركة حماس وكذلك محاولة السلطة الفلسطينية تجاوز الوقوف عند تلك الشروط، تُصِرُّ إسرائيل مجدداً عليها وبشكلٍ أكثر إلحاحاً هذه المرَّة ودون القبول بأنصاف مواقف كما تراها هي، وعلى الأرجح أنَّ موقفها هذا سيحظى مجدداً بتأييد الولايات المتحدة ومجموعة الرُّباعيَّة الدَّوليَّة، وهنا يجب التنبيه الى ضرورة استثمار والإستفادة من موقع وموقف روسيا، كونها عضوا في الرُّباعيَّة الدولية، وعلى ضوء ما جرى ويجري من وقائع تؤشِّر الى تنامي الدَّور الرُّوسي في مجريات السياسات الدولية والإقليميَّة.
حيال ذلك لا بُدَّ من مواجهة الحقائق، والنَّظر إليها، والتعامل معها كما هِيَ، وأوَّلُ هذه الحقائق يتعلَّقُ بأهميَّة التوافق على برنامج وطني شامل بحدِّه الأدنى على الأقل يكون جامعاً وقاسماً مشتركاً أعلى لكافَّة البرامج الجزئية أو الفصائلية، دون أن يتم التعامل مع موضوع الإنتخابات كما لو أنَّه شأنٌ يتعلَّق فقط بقياس وبإثبات الوزن النِّسبي للفصائل، بحيث يتم تقديم برامج انتخابيَّة غير واقعيَّة هدفها بالدَّرجة الأولى دعم الإفتراضات التي تؤدِّي الى تحقيق ذلك الهدف، المتمثِّل بالحصول على أكبر عدد من الأصوات، ودون مراعاة آليات تنفيذ وتطبيق تلك البرامج النظرية.
وثاني هذه الحقائق يتَّصِلُ بأهميَّةِ توفُّر المرونة في تناول الإجراءات والقوانين التي قد تتيح تجاوز العوائق الإسرائيلية، وذلك في أمرين هامَّين، هما:
1: مسألة تشكيل الحكومة، التي يجب أن تكون فعلاً حكومة بتركيبتها ووظائفها بعيدة عن الإستقطابات السياسية، ودون اعتبارها مساحةً للتقاسم وموضوعاً للتنازع والتنافس، وأن تكون ذات تركيبةٍ مهنيَّة أوتوقراطيَّة جوهريَّا وفعليَّاً وليس شكليَّاً.
2: والمسألة الثَّانية هي تلك المتعلَّقة بالتعديل الذي يمكن أن يتم على قانون الإنتخابات، بحيث يصبح الوطن دائرة انتخابيَّة واحدة، مما يتيح إجراء الإنتخابات لكافَّة المرشحين ضمن القوائم النسبيَّة بغض النَّظر عن الفواصل الجغرافيَّة، والمعيقات التي يمكن ان تنشأ بسبب ذلك، وخاصّةً فيما يتعلَّق بالقدس، وبضرورة توفير أكبر قدر ممكن من المشاركة في اختيار القوائم الإنتخابيَّة على أساس برامجها وليس على أساس شخوصها، وبحيث يوفِّرُ هذا النظام الإنتخابي عبوراً وتجاوزاً لحواجز الجغرافيا التي يفرضها واقع السيطرة الإسرائيلية.
المطلوب من الجميع التعاطي مع نِظام الدَّائرة الواحدة، وخصوصاً من جانب حركة حماس، على أساس أهميَّته الواقعيَّة والعمليَّة والسياسيَّة والقانونيَّة، وليس على أساس مقدار ما يوفِّره أو لا يوفِّره من فرصٍ انتخابيَّة لأي طرفٍ كان.
والأمر الأكثر اهميَّة من بين كل ما تم الإشارة إليه، هو ضرورة مراجعة تجربة انتخابات عام 2006 وما تمخَّضت عنه من نتائج ووقائع، وأهميَّة أخذ العبرة من الخطأ الذي تمَثَّلَ في عدم حساب ورؤية وتقدير الخطوة التالية لما بعد الإعلان عن نتائج الإنتخابات، فيما لو حصلت، ضمن ظروفها التي لن تكون على الأغلب مريحة موضوعيَّاً.
إخلاء حمص: انتصار للنظام يخفي جبالاً من الفشل
بقلم: عبد الوهاب بدرخان – القدس
انطوى إخلاء حمص القديمة على دلالات عدة لا بد من مراجعتها. فالاتفاق تمّ هذه المرّة بإرادة الإيرانيين وبالتنازلات التي وافقوا عليها، خصوصاً في ما يتعلّق منها بشروط خروج المقاتلين بما يستطيعون حمله من أسلحة وانتقالهم الى ريف حمص الشمالي. كما أن وجود مفاوضَين ايراني وروسي لم يؤكد تدخّل البلدين فحسب، بل وفّر الضمان الذي بحث عنه ممثلو حمص ولم يحصلوا عليه من مندوب النظام، لكنه طرح مجدداً أسئلة مدوّية عن دوافع صمت غربي - اميركي أعطى «مشروعيةً» لهذا التدخّل.
ثم إن الإيرانيين اعتبروا إنهاء معركة حمص نتيجةً تلقائيةً لمعاركهم في القُصَير والقلمون، وقد خاضها أتباعهم من «حزب الله» والميليشيات العراقية. وحين تركوا النظام يفاوض ويتوصل الى اتفاق في منتصف نيسان الماضي، رأوا أولاً كيف أخفق هذا الاتفاق بسبب إصرار بعض أطراف النظام على إسقاط حمص القديمة عسكرياً، ثم كيف فشلت ميليشيا «جيش الدفاع الوطني» في الاقتحامات التي حاولتها والخسائر الكبيرة التي منيت بها بالتزامن مع خسائر مماثلة في معركة كَسَب، لكن الأهم عندهم أن استرجاع أسراهم وأسرى «حزب الله» بدا مهدّداً اذا واصلوا الاعتماد على مفاوضي النظام.
كان الإيرانيون والروس مدركين بأن ثمة مرحلة تنتهي في الصراع السوري، وأن مرحلة اخرى تبدأ مع استشراس متزايد للنظام في القصف بقصد تدمير الأحياء السكنية تحديداً في حلب، ولذا أرادوا استغلال فرصة سانحة لتحرير أسراهم عند مقاتلي المعارضة. وفي الوقت نفسه وجد الإيرانيون أن الظرف مناسبٌ لأن تشمل «الصفقة» ادخال مساعدات انسانية الى قريتي نبّل والزهراء الشيعيتين المحاصرتين من جانب المعارضة في محافظة إدلب. لذا وافقوا على ما لم يكن النظام ليوافق عليه، أي خروج مقاتلي حمص بشروطهم وبمعيتهم مندوبون للأمم المتحدة مع مواكبة من شرطة النظام وصولاً الى أقرب نقطة آمنة لهم.
تكمن المفارقة هنا في نقطتين. أولاهما أن مسلسل اليد العليا الإيرانية يتواصل عسكرياً وسياسياً، فالنظام الذي يدّعي «حماية الأقليات» يترك لإيران وأتباعها رعاية كاملة للشأن الشيعي في سورية. والثانية أن الإفراج عن أسرى من ميليشيا «جيش الدفاع الوطني» كان بمبادرة ايرانية، ففي كل عمليات التبادل نادراً ما اهتمّ النظام بأسراه ولا سيما المدنيين منهم، اذ لا يزال رافضاً التفاوض للإفراج عن نحو مئة وثلاثين شخصاً احتجزوا بعد الهجوم الأول على منطقة الساحل (آب 2013)، وكذلك يرفض التفاوض على فك الحصار عن عائلات عسكريين في منطقة عدرا.
وحجّته أنه «الدولة»، ولا يجوز لها «التفاوض مع الإرهابيين»، لكن منذ بدء ثورة الشعب عليها، لم تستطع بالأفعال أو بالأقوال اثبات أنها تحمل قيم «الدولة»، وإلا فكيف تفسر اعتقالها عشرات الآلاف ممن تعرف مسبقاً أنهم لم يؤذوا أحداً ولم يرتكبوا شيئاً، وهل يُصَنّف اعتقالهم بأنه مختلف عن احتجاز رهائن على أيدي أي «عصابة»، وكيف يميّز بين «الدولة» وبين تنظيم ارهابي مثل «داعش» اذا كان المعتقلون/ الرهائن لديهم من المعارضة ويُقتَلون جميعاً بالطريقة نفسها، تحت التعذيب مع التمثيل بجثثهم. وأخيراً أصبحت هذه «الدولة» تسلِّم بطاقة الضحيّة فقط الى عائلته لإبلاغها بأن ابنها قتل فلا يكون لديها ما تدفنه ولا يتحوّل تشييعه مناسبةً اجتماعية.
لا شك في أن إخلاء حمص القديمة هو انتصار للنظام، وإنْ لم يكن بـ «استسلام» جلي للمدافعين عنها، وقد تبيّن أنهم جميعاً حماصنة. وليرَ السوريون والعالم الآن ماذا سيفعل بقلب المدينة الذي صار عيّنة من قسوةٍ مارستها «الدولة»، وليس «التنظيمات الإرهابية» أو «العصابات المسلحة» التي ادّعت أنها تحاربها. ورغم أن الحروب لا تفسح مجالاً للمفاضلة إلا أن آثار ما خلّفته المعارضة حيث أتيح لها أن تسيطر لا تُقارَن بارتكابات النظام في استهدافه المنهجي لمقوّمات الحياة وشواهد الحضارة. فهل يستطيع حاكم، وهو يتهيّأ لانتخاب نفسه، أن يفخر بالتجويع الذي مارسه، وأن يفخر بما أنزله بواحدة من أقدم حاضرات البشرية، بإنسانها وتاريخها وعمرانها، بتمايزها الثقافي وإشعاعها المعترف به سورياً؟ إذا كان هذا الحاكم من سورية ولا يعني له أهلها ومجتمعها ومدنها شيئاً فلا غرابة اذا كان الغزاة الغرباء، على ضراوتهم، من عهد الرومان الى عهود الآخرين وصولاً الى العثمانيين فالفرنسيين، أكثر احتراماً لمعنى الحضارة، وقد رحلوا جميعاً.
حقق النظام انتصاراً في حمص، لكنه انتصار يخفي وراءه جبالاً من الإخفاقات والهزائم. يشهد ما تبقّى من جدران الأبنية المدمّرة على خمسين عاماً من القمع والقهر والتعذيب وعلى ثلاثة أعوام ونيّف مما أصبح موصوفاً في ملفات العالم بأنه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت لإخماد احدى أعظم ثورات الشعوب وأكثرها مرارةً وصعوبةً.
كل الانتصارات في هذه الحرب لا تستطيع تغطية هذا الفشل الكارثي له ولـ «الدولة» التي صادرها وللشعارات التي ادّعى تمثيلها. ولأنه انتصار للنظام وليس لـ «الدولة» ولا لسورية فإنه سيتعامل مع المدينة الخالية كما لو أن لا أهل لها، كغنيمة يتصرّف بها في تخريب جغرافية سورية ويقذفها في مهب رياح التقطيع والتقسيم.
يبدو النظام وإيران متعجّلين لجعل حزيران شهر افتتاح المساومة على سورية. من جهة يعتبر اعادة انتخاب بشار الأسد بداية مرحلة مختلفة في الأزمة تمكّنه من التموضع لتوقّع عروض دولية للحلول «الممكنة» في ضوء موازين القوى. ومن جهة اخرى تحاول ايران استباق العدّ العكسي للتوصّل الى اتفاق نووي نهائي بحلول نهاية الاتفاق المرحلي في العشرين من تموز المقبل، مع احتمال تمديد العمل بهذا الاتفاق اذا لم تتوصّل المفاوضات الى نتيجة في الموعد المحدّد. لكن الأزمة الأوكرانية تحول دون أن تكون روسيا جاهزة للمشاركة في أي مساومة، وليس وارداً عندها أن تكتفي بالمراقبة من بعيد، ولا وارداً عندها وعند القوى الغربية أن تترك سورية لإيران وحدها. وليست تصريحات رحيم صفوي، المستشار العسكري لعلي خامنئي، بأن الحدود الغربية لإيران لم تعد في خورمشهر وإنما بلغت شاطئ الجنوب اللبناني، سوى واحدة من الإيحاءات بأن طهران تحث على طرح المساومة الآن، وخلافاً لما تعتقد فإن الآخرين لا يرون أن الظروف نضجت أو تبلورت.
في الآونة الأخيرة أكثر الإيرانيون من الظهور في الواجهة السورية لإطلاق رسائل مباشرة تدعو الى الحديث معها في الاستحقاقات الثلاثة الراهنة: الرئاسة في لبنان، رئاسة الوزراء وإدارة الحكم في العراق، والبحث عن حل في سورية قبل الشروع في «حرب الاستنزاف». لكن الحديث متّصل ومتواصل بينها وبين الأميركيين بشأن العراق وعلى قاعدة «تفاهم» لم يختلّ إلا أن حساباته تغيّرت، فالمشكلة الواقعة حالياً في «البيت الشيعي» أصبحت تهدد النسيج العراقي كله ولا يمكن طهران أن تحلّها بالمعايير التي تخدم مشروعها فحسب.
أما بالنسبة الى لبنان فإن الاختلال واقع لا محالة اذا أرادت ايران اخضاعه لموازين القوى في سورية. وأما سورية نفسها فإن حربها لم تنتهِ بعد، وبالتالي لا مناص لإيران من الذهاب بالمفاوضات النووية الى نهايتها، وبعدها لكل حادث حديث، لكن ايران بعدها ستغدو مجرّدة رسمياً من أي تهديد نووي.
من القبيلة الى الديمقراطية.. رحلة لم تتم!
بقلم: محمد جلال عناية – القدس
تضرب المفاهيم القبلية بجذورها في عقولنا، ولا نقول هذا من منطلق الفخر او الهجاء، ولكن كخيار لمقاربة ما نحن فيه من تخلف اجتماعي على كافة الصعد بمقاييس العصر.
سوف نركز على التخلف السياسي، لما له من تأثير حاسم، على دفع مسيرة التقدم او تعطيلها في كافة مناحي النشاط الانساني، ونريد ان نتبين ان كنا قد تحللنا من العقل العربي القبلي الذي تجلى في بيت من الشعر لعمرو بن كلثوم، حيث يقول: «ونشرب ان وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا»، حيث ان تغلب (قبيلة الشاعر) هي التي تشرب الماء صفوا، اما الذين يشربون الكدر والطين، فهم ليسوا المغول او الفرس او الروم، بل هم افراد قبيلة بني لحم».
اما ذلك البدوي الآخر، الذي صور ولاءه الاعمى لقبيلته «غزية» بقوله: وهل انا الا من غزية ان غوت غويت، وان ترشد غزية ارشد». وتقفز الى الذاكرة حكاية ذلك الاعرابي الذي كان يدعو لأبيه فقط بالمغفرة ولا يطلبها لأمه لانها كانت من قبيلة غير قبيلتها.
اننا لا نتحدث هنا عن طرائف ولكن عن فقدان العدالة وغياب الموضوعية، واستمرار هذه الظواهر وغيرها، وانتقالها من عصر الى آخر، وكان شاعر القبيلة يفخر بمزايا ليست لقبيلته، ويرمي القبيلة الاخرى بعيوب هي بريئة منها.
ظلت اجهزتنا الاعلامية تبث هذا الضلال لعقود طويلة من السنين وتؤجج الاحقاد فيما بين الشعوب العربية في زمن ما قبل الفضائيات التي اصبحت اكثر ذكاء في نفس المهمة.
صحيح انه لدينا اجهزة متطورة للاعلام المسموع والمرئي، ولكن ليست لدينا ضوابط مهنية لتحديد مدى دقة وصدق وفائدة انتاجنا الاعلامي الذي نسوقه على جماهيرنا ولو بحد يوازن التنوير والتضليل.
بعد مرور تسعين عاما على تقسيم ارضنا العربية بواسطة دول الاستعمار الاوروبي الى مستعمرات وشبه دول، وتفريق الامة العربية الى شعوب بهويات مستحدثة، اعمانا الجهل عن اكتشاف ما اوقعنا فيه الاستعمار لالحاق الاذى بنا واجهاض قوانا الكامنة، وتركنا عاجزين عن التصدي لتحديات العصر وفي كل ذلك كان الاستعمار يستغل عطبنا العقلي الذي سبقت الاشارة اليه.
ومن اسوأ ما اوقعنا فيه الاستعمار هو انظمة الحكم الدكتاتورية التي اقامها في الدول العربية، المستجدة وما هي بالحديثة، وعلى غير شكل انظمة الحكم الديمقراطية القائمة في دياره.
مع زوال السيطرة الاستعمارية المباشرة على انظمة الحكم في بلاد العرب الا ان العقلية العربية القبلية والديكتاتورية ظلت سائدة في الاقطار العربية التي يمكن تصنيفها بـ "الاوليغارتشية" (oligarchy) ، بحسب رطانة اهل العلوم السياسية. وفي هذا النظام تستولي مجموعة صغيرة من النخبة، التي قد تكون تتمتع بالثراء المالي والعقاري، او بالمركز الاجتماعي، او القوة العسكرية، او المكانة الدينية، تستولي على السلطة المطلقة التي تمارسها دون كوابح ديمقراطية للرقابة والمحاسبة، ويحمل حكم الاقلية الفئوي هذا نفس السمات مهما تغيرت مسميات او القاب حكامه.
ولا بأس من الاشارة الى العطب الذي خلفته هذه الانظمة في الحياة الاجتماعية والسياسية للشعوب العربية، والذي من اخطر مظاهره ضعف الجبهة الوطنية لفقدان الثقة بين المعارضة والموالاة، بسبب حيازة الاخيرة على السلطة والامتيازات، وان فقدان الثقة والشك بين الطرفين قد يدفع بأحدهما، او بهما معا، للاستعانة بالقوى الخارجية المتنافسة، فينهار امن الوطن والمواطنين، كما هو حاصل بين معظم الاقطار العربية التي وصل بها سوء الحال الى حد استقواء كل من الحكم والمعارضة بدعم قوى خارجية.
وفي بداية بحثنا عن حل نريد ان نؤكد بأننا نسعى لان نحقق لانفسنا ما خصت به نفسها وحرمتنا منه بريطانيا منذ بداية عهدها الاستعماري في بلادنا. وهو الحكم الديمقراطي البرلماني، كما هو عليه الحال في بريطانيا وفرنسا، سواء كان نظام الحكم ملكيا ام جمهوريا، حتى نسير على طريق التطوير السياسي بسلاسة دون توتر.
ظلت الثنوية المتمثلة في الحق والباطل، والوطنية والخيانة، من اهم الاسباب التي غيبت البراغماتية (العلمية - النفعية) من العمل السياسي العربي، ودفعت به (على الصعيد الداخلي بالذات) الى العنف والفوضى. فالثنوية سكين حاد يفصل بين الانا والآخر، فأنا على حق وانت على باطل، وانا وطني وانت خائن .. اذن لا يستتب الامر الا بزوال الاخر، وهذا ما نرفضه.
يرى الاميركيون، وهذه قناعتهم، ان ازدراءهم للايديولوجيات، واعتبارهم للتسوية والحلول الوسط العملية، قد حافظ على ديمومتهم كأمة متنوعة الاديان والاعراق، وحقق لهم الامن في مجتمع حر. فالبراغماتية نسق يختبر صحة كل المفاهيم بكل نتائجها العملية، حيث تؤكد البراغماتية على الاجراء العملي، المباشر لمواجهة التحديات في مواقف متغيرة. فالصحيح في ظرف معين غير صحيح في ظرف آخر بالقياس على النتيجة العملية.
بعيدا عن موبقات السياسة الاميركية، فإن النظام السياسي الاميركي هو اكثر النظم السياسية استقرارا في العالم، فقد بقي على حاله منذ اعلان الاستقلال (1776)، مع انه اقرب الى الديكتاتورية فيه الى الديمقراطية، فان نصف الشعب الاميركي زائد واحد يحكم نصفه الآخر، ولكن حتمية تداول السلطة تحقق الاستقرار .. فهل نصل؟.
ثمة ما يستحق الاهتمام أكثر
بقلم: طلال عوكل – الايام
فيما يصدر عن مسؤولين أميركيين بشأن المسؤولية عن فشل المساعي الأميركية لاستئناف المفاوضات، والتقدم نحو تسوية الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، عاود بعض من أنحى باللائمة على إسرائيل بسبب سياسات الاستيطان إلى تحميل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي المسؤولية، باعتبار أن المصالحة الفلسطينية من وجهة نظر هؤلاء، وجرياً وراء الموقف الإسرائيلي، سبب في تعطيل المفاوضات بعد قدر من الارتباك في تصريحات المسؤولين الأميركيين، تستعيد وزارة الخارجية بعضاً من توازنها، فتؤكد أنه لن يجري حل فريق المفاوضات، وأن وفداً رفيع المستوى، سيعود إلى المنطقة لفحص إمكانية استئنافها، وبأن الاتصالات بهذا الشأن لم تنقطع، ما يعني أن الأمور لم تصل إلى خط النهاية.
هي ليست المرة الأولى التي يتكيف فيها الموقف الأميركي مع المواقف والسياسات الإسرائيلية، بالرغم من أن إسرائيل لم تبدل ولم تغير في سياساتها المتطرفة، إلى حد يثير التساؤل عمن يقرر سياسات الولايات المتحدة إزاء قضايا الشرق الأوسط، وخصوصاً القضية الفلسطينية. لا يحتاج الأمر إلى تلميع الذاكرة، بشأن مسار وسيرورة المواقف الأميركية، التي كان أكثرها فجاجة، تراجع الإدارة عن موقفها إزاء مطالبة إسرائيل بتجميد كامل للاستيطان، الأمر الذي أدى لاحقاً إلى استقالة السيناتور جورج ميتشل من مهمته كمبعوث أميركي لعملية السلام.
في كل مرة يثور فيها خلاف بشأن التسوية، تغدق الولايات المتحدة من العطايا والمكافآت والإغراءات للطرف الإسرائيلي، فيما تمارس ضغوطاً هائلة على الطرف الفلسطيني، الذي نجح في نزع كل الذرائع الأميركية حتى لم يعد لدى المسؤولين الأميركيين ما يطالبون به الفلسطينيين، سوى أن على حكومة الوفاق الوطني أن تعترف بشروط الرباعية الدولية.
حتى هذا الشرط أسقطه الرئيس محمود عباس في خطابه أمام المجلس المركزي في السادس والعشرين من الشهر المنصرم، لكن ذلك لم يمنع مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس من أن تكرر الشرط ذاته التي زارت إسرائيل الأسبوع الماضي ضمن رحلة الحجيج، إلى تل أبيب، التي تستقبل وزير الدفاع الأميركي، دون فاصل زمني بين الزيارتين.
هذه الزيارات، لا تنطوي على احتمال أن يتجه هؤلاء المسؤولون لتوبيخ إسرائيل، أو الضغط عليها، وإنما لتقديم المزيد من العطاءات والإغراءات والضمانات الأمنية، ولكن يبدو أن ذلك بدون جدوى، إذ يواصل نتنياهو وائتلافه اتخاذ المزيد من السياسات والإجراءات، والتشريعات، التي تذهب نحو مزيد من التطرف، ومزيد من العقابات أمام إمكانية استئناف المفاوضات.
العناد والتطرف الإسرائيلي، بلغ حد التقدم بمشروع قانون يمنع الإفراج عن أسرى فلسطينيين، وتكريس يهودية الدولة، وتكثيف الاستيطان وتهويد القدس، ما يعني أن إسرائيل تسقط سلفاً كل المطالبات والشروط الفلسطينية، وتغلق الأبواب أمام أي تحرك أميركي باتجاه التسوية.
كان ينبغي لكل ذي بصر وبصيرة أن يستنتج من رحلة المفاوضات الأخيرة أن إسرائيل بقيادتها الحالية، ليست في وارد البحث عن مفاوضات تؤدي إلى تطبيق رؤية الدولتين، وأن لا سبيل للمحاولة مرة أخرى، إلاّ لمنح إسرائيل الفرصة والوقت اللازم لمتابعة مخططاتها التي تخلو من أي احتمال لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
الحجاج الأميركيون إلى إسرائيل، عادوا للبحث في ملفات عديدة، في مقدمتها الملف النووي الإيراني، الذي أرادت إسرائيل منذ البداية أن يكون الملف الأول، والأهم وربما الوحيد الذي يستحق التنسيق بينها وبين الولايات المتحدة، بخلاف ما أرادته الإدارة الأميركية التي ربطت هذا الملف بملف التسوية مع الفلسطينيين.
إن من يدرك هذه الحقيقة، والأرجح أن كل ذي صلة يدركها، يفترض ألا يجعل من ملف الحديث عن المفاوضات، وهو حديث بدون مفاوضات، موضع خلاف واختلاف فلقد تحول هذا الملف إلى شمّاعة، وفي أفضل الحالات إلى معركة تكتيكية، هدفها تغيير البيئة الدولية، ما يعني أن على الفلسطينيين المقبلين لتحقيق المصالحة الاهتمام بملفات أخرى أكثر أهمية.
من بين هذه الملفات، التي لا تحظى باهتمام، عملية التطبيع الجارية، والتي تتحمل المسؤولية عنها، قوى وجماعات تنفي كل الوقت استعدادها، للتطبيع أو الاعتراف بإسرائيل.
نبدأ هنا من فلسطين، حيث نشر جهاز الإحصاء المركزي تقريراً، تضمّن بين سطوره، معطيات رقمية بشأن العمالة الفلسطينية في إسرائيل، التقرير يتحدث عن ارتفاع عدد العاملين الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية من 18,900 عامل في الربع الأول من العام 2013 إلى 23,200 عامل في الربع الأول من العام الحالي 2014.
الأرقام تتناقض مع المنطق والأخلاق، وتتناقض مع القانون، إذ كيف يمكن مطالبة الأوروبيين وغيرهم بمقاطعة البضائع التي تصدرها المستوطنات، فيما عمال فلسطينيون هم بأيديهم من يقوم بإنتاجها.
على الوجهة ذاتها، نتساءل عن مغزى موافقة السلطات التونسية، على منح تأشيرات دخول للسياح الإسرائيليين إلى تونس، الأمر الذي يدعو للاستغراب ورفع علامات استفهام كبيرة، على رؤوس من يدعون أنهم مخلصون لمبادئ أولى ثورات الربيع العربي.
وفي الجوار، في المملكة المغربية، يتم السماح بعرض أفلام سينمائية إسرائيلية ودعوة شخصيات للمشاركة في مهرجان سينمائي مغربي، والسؤال هو: هل الحكومة المغربية التي يترأسها بن كيران موافقة أم غافلة عن الأمر، والسؤال هل هذه من بواكير الربيع العربي، بأحصنته الجديدة أم أن غياب أصحاب القضية، يشكل سبباً في هذه الموجة التطبيعية؟ واقعياً يكون الجواب الاثنين معاً، والأجدر ليبدأ الفلسطينيون بأنفسهم.
مجرمو "بوكو حرام" ... والموقف المطلوب!
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
بوكو حرام حركة دينية نيجيرية مهووسة وبالغة التطرف تأسست منذ اكثر من عقد من السنوات بهدف تحريم التعليم الغربي وملاحقة الطلبة والطالبات وحرق المدارس على رؤوس الدارسين فيها. بوكو حرام تعني "التعليم الغربي حرام" ولحظر هذا التعليم تقوم الحركة بالذبح شمالا ويمينا، وبالحرق طولا وعرضا. واليوم توسع وتنوع من قائمة جرائمها لتمتد إلى خطف البنات وبيعهن. ربما كانت هذه الحركة اكثر حركة في تاريخ الاسلام والمسلمين انحطاطا واجراماً، وتنافس في اجرامها وسخف افكارها كل من سبقها وكل من عاصرها من جماعات متطرفة اخرى, لأنها تجمع سخف الافكار إلى دموية الإجرام في منظومة واحدة. المعلم الاشهر في "جهاد" هذه الحركة هو الهجوم على المدارس والكليات وخاصة الداخلية وقتل الطلبة وهم نيام ورميا بالرصاص. لكن التطور الاخير والانتقال الى الخطف نقل النشاط الدموي للحركة إلى مستوى جديد. فزعيم العصابة اعلن منذ عدة ايام ان الفتيات المخطوفات سوف يعاملن كسبايا ويتم بيعهن او تزويجهن بالقوة.
مطلوب اكثر بكثير من مجرد الإدانة واصدار البيانات والفتاوى التي تقول ان الجماعة المجرمة التي تسمى بوكو حرام وافعالها لا تمت لدين او لخلق او لإنسانية بصلة. خطف مئات الصغيرات بإسلوب غادر وجبان ثم الاحتفاظ بهن والتبجح بالتخطيط لبيعهن هو سلوك يشل اللغة عن الوصف. مطلوب تضامن اوسع واعمق في العالم الاسلامي مع المخطوفات البريئات واهاليهن, ومطلوب التعبير المكثف عن هذا التضامن. اعلاميا وشعبيا وسياسيا, وعلى الاقل في البلدان العربية, ليس هناك سوى التغطية الاعلامية والإدانات الرسمية الجافة والتصريحات الدينية التي تدين الجريمة وتبتعد عنها, وكل ذلك وبرغم اهميته، يحدث خارج الحدث ولا ينخرط فيه بعمق وقوة. لكن كيف يمكن الإنخراط في الحدث وما هو التعبير المطلوب؟ الإجابة على هذا السؤال يمكن استنباطها عبر قلب الفاعل والمفعول به وإفتراض ان هناك جماعة اصولية مسيحية في نيجيريا اختطفت عدة مئات من بنات المسلمين وتهدد ببيعهن والإتجار بهن. عند ذلك ماذا سيكون الموقف وكيف سيكون رد الفعل في البلدان العربية والاسلامية, رسميا وشعبيا ومنظماتياً؟ ستخرج بطبيعة الحال مظاهرات كبيرة تندد بالفعل الاجرامي وتطالب بتحرير الفتيات، وتحمل الحكومة المعنية مسؤولية سلامة المخطوفات. وسوف تندلع الاحتجاجات امام السفارات النيجيرية في العالم الاسلامي وبعضها سوف يتعرض للإعتداء بل وربما الحرق. وبطبيعة الحال سوف تقفز وسائل الاعلام المتلفز منها والاجتماعي لنقل كل ما له علاقة بالحدث من قريب او بعيد، وتخصص له لقاءات اعلامية على مدار الساعة. واستيعابا للحالة الشعبية الغاضبة والاعلام الملتهب سوف تضطر الحكومات الاسلامية والعربية لإتخاذ خطوات او على الاقل بيانات تضامنية تقترب من الحس الشعبي الجارف. على صعيد المنظمات غير الحكومية والجمعيات الاسلامية وغيرها سوف تنظم حملات تبدأ من التبرع للمال دعما لعوائل المخطوفات ثم تمتد لتشمل كل شيء.
في ضوء هذه الاجابة المتوقعة على الحدث الافتراضي الذي يقلب شكل الحدث الحقيقي الواقع اليوم نستطيع ان نرى قصور رد الفعل العربي والاسلامي, وضرورة ان يتطور ويأخذ اشكالاً فعالة, او على الاقل منخرطة ومتفاعلة معه. وعلينا ان نقول انه في ضوء السجل الاسود الذي ابدعت في تسطيره جماعات الارهاب والاجرام التي تقوم بما تقوم به وتنسبه للدين والجهاد فإن الحاجة تزداد إلى رد فعل متفاعل ومتضامن مع المخطوفات واهلهن ومع نيجيريا بشكل عام ضد العصابة المتوحشة التي تروع الآمنين في شمالها. فهنا وخلال العقدين الماضيين او اكثر تم ترسيم صورة شائعة عناصرها هي التالية: اقلية صغيرة جدا في العالم الاسلامي تنفذ اجراما وإرهابا في طول وعرض العالم بإسم الاسلام والمسلمين, بينما الغالبية الكاسحة من المسلمين بريئة ولا علاقة لها بما يتم من اجرام ينُفذ بإسمها. لكن هذه الغالبية تكتفي بالصمت او الإدانة الخافتة لما يحدث, ليس لأنها موافقة عليه, بل بكل بساطة لأنها كسلى ولا أبالية وتعتقد ان بإمكانها ان تواصل العيش في نفس السفينة التي تعمل تلك الاقلية المجرمة على خرقها وتوسيع الثقوب في قعرها. بالتالي فإن نواتج ومنعكسات الاجرام الاقلوي تعود على الاغلبية ودينها وصورتها, ولذلك صار "العربي والمسلم" وليس فقط متطرفو الجماعات المسلحة ارهابي في كل مكان يذهب اليه. صوت التفجيرات المرعبة هو الذي يرتفع في العالم تحت رايات تحمل شعارات اسلامية, بينما صوت الغالبية الكاسحة مبحوح او غير موجود اصلا.
مطلوب ان يتحرك الناس بفعالياتهم المدنية وغيرها ويعلنوا تضامنهم مع المخطوفات: ان تتوجه وفود منهم مع الاعلام الى السفارات النيجيرية لتقدم عرائض تضامن مع اهالي البنات, وان تتوجه وفود من الجميعات الخيرية وغيرها الى نيجيريا لذات الغرض, ان يعلن المسلمون حيث كانوا وبالفم المليان ان ما تقوم به بوكو حرام من خطف وقتل ضد الابرياء هو جرائم دموية لا عنوان لها سوى الغدر بالآمنين مما لا يقره مبدأ او دين. وليس من المروءة هنا المماحكة والقول ولكن ماذا عن الضحايا من المسلمين الذين يقعون في افريقيا الوسطى او ميانمار وهنا وهناك. هؤلاء الضحايا هم ايضا يستحقون كل التضامن وكل التأييد وكل العمل الممكن لوقف الإبادات التي تنفذ ضدهم. لكن يجب عدم خلط الامور, فسقوط ضحايا هنا لا يبرر ولا بأي شكل من الاشكال قبول سقوط ضحايا هناك او التقليل من مآساتهم. والموقف الانساني والحقيقي والوجودي هو في اصلة الانتصار للضحايا والوقوف الى جانبهم بغض النظر عن خلفياتهم القومية وانتماءاتهم الدينية او الإثنية.
فلسطين: دولة الأمر الواقع
بقلم: عاطف أبو سيف – الايام
ظلت الدولة حلم الفلسطينيين طوال عقود من الكفاح الوطني وشكل البحث عنها أحد أيقونات الوطنية الفلسطينية واعمدة نضالها التحرري. ورغم تأخر ظهور الدولة كمفهوم في أدبيات النضال الفلسطيني بسبب طغيان القتال من اجل العودة إلى الفردوس المفقود، إلا أنها وبمجرد تسللها منذ نهاية السبعينيات وجدت مكاناً مرموقاً في الخطاب السياسي الفلسطيني واحتلت مكانة متقدمة في أجندة المطالب السياسية الفلسطينية، ودخلت كإحدى اهداف الكفاح الوطني الفلسطيني. وخلال تلك المسيرة الطويلة من تطور مفهوم الدولة الفلسطينية في أدبيات الثورة الفلسطينية خاصة أدبيات حركة فتح العمود الفقري للوطنية الفلسطينية طرأت تحولات وتطورات كثيرة على حدود هذه الدولة وعلى ماهيتها ونوعها. وهي تطورات لم تمس فقط قشور الفكرة بقدر ما مست جوهرها، وتركت أثراً كبيراً على جل مواقف وادبيات الثورة الفلسطينية.
وربما وبمراجعة سريعة ونقدية لممارسة الخطاب السياسي الفلسطيني خلال السنوات الأربعين الماضية يجب الاعتراف بأن هذا التركيز العالي على مفهوم الدولة ومحاولة تحقيقها كان له ثمن غال كثيراً من الناحية السياسية وقاد إلى الكثير من التغيرات في مواقف الثورة الفلسطينية. لقد أدي الإنشغال بمفهوم الدولة وبفكرة تحققها لأسباب كثيرة إلى غض النظر عن التغيرات التي باتت تطرأ على جل الأدبيات السياسية الفلسطينية خاصة المتعلقة بقضايا الصراع الكبرى مثل تحرير كامل التراب الوطني والعودة إلى داخل أرض الآباء والأجداد والعلاقة مع العدو ومستقبل الصراع وآليات حله. لم يتم التنازل عن هذه القضايا ولطن ما حدث عمليات تكييف بطيئة بات من المنطقي عن محاولة المزاوجة فيما بينها أن يتطلب الأمر بعض التحويرات على المواقف الأصلية. فلم يتم مثلاً التنازل عن فكرة الحق الطبيعي في أرض الآباء والأجداد ولكن مجرد التفكير في دولة على جزء من هذه الأرض فإن ثمة مقايضة سياسية (لا منطقية ربما ولكن ضرورية) تتطلب إقراراً بدولة العدو (الذي سيصبح جاراً) على بقية هذه الأرض. وإن القبول بالجزء كسر قوة المقولة بالحق الطبيعي الأبدي وجعل أي جزء قد يفي بالغرض حيث أن مبدأ تجزئة الحق واردة.
ثمة أسباب كثيرة قد تفسر مثل هذا "الشغف" الفلسطيني بفكرة الدولة والتي تقف حقيقة غياب الدولة في صلبها. فلم يعان الفلسطيني ربما من شيء سياسياً قدر معاناته من غياب الدولة كممارسة حقيقية وفعلية. ويمكن تصور سياقات مختلفة لتطور الصراع العربي الإسرائيلي منذ الهجرة الصهيونية الأولى لأرض فلسطين لو كان هناك في لحظة تاريخية قبل النكبة دولة فلسطينية مستقلة. بالطبع فقد كان جل جهد الصهيونية وفور انتصار الحلفاء على الرجل المريض في الحرب العالمية الأولى ان لا تتمتع فلسطين بأي استقلال كان حتى يحرم الفلسطينيين من دولتهم التي سيكون من العسير في حال وجودها تمزيقها والاستيلاء عليها. ليس لأن الصهيونية كانت حساسة بشكل كبير للقانون الدولي ولاحترامه، ولكن حتى على الصعيد الأخلاقي كان يجب أن يظل الفلسطينيون كما صورتهم دعايتهم بعض العرب الرحل العابرين في أرض التوراة. وهي صورة يمكن لمراجعة كتابات نقدية إسرائيلية أن تكشف عنها بشكل كبير مثل كتابي شلومو ساند "اختراع أرض إسرائيل" و"اختراع شعب إسرائيل" الصادرين عن مركز مدار.
وامام الممانعة الإسرائيلية الكبيرة لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية وحتى من خلال اتفاق مع إسرائيل فقد نجح الفلسطينيون، رغم الكثير من الملاحظات، في تثبيت فكرة الدولة الفلسطينية في أدبيات المجتمع الدولي حول الصراع وصارت عبارة "الدولة الفلسطينية" لازمة لأي تصور حول مستقبل الصراع المزمن في الإقليم، ولم يعد تقبل الدعاية الصهيونية حول حقوق الفلسطينيين ممكناً كما كان من قبل. بدأ هذا من تقرير شومان الاوروبي في مطالع السبعينات من القرن الماضي مروراً بإعلان البندقية عام 1980 وبعد ذلك إعلان برلين عام 1999 وخطاب بوش أمام الجمعية العامة عام 2001. خلال ذلك جرت مياه كثيرة تحت الجسر.
تكرز الزحف الفلسطيني من الدولة باتفاق إلى الدولة كأمر واقع، وحقق الفلسطينيون الكثير من النجاحات في ذلك سيما في الاعوام الثلاثة الأخيرة. كان قبول فلسطين عضواً وإن ناقص العضوية في الجمعية العامة واحدة من اهم معارك الفلسطينيين الدبلوماسية ربما منذ الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني. لقد صار في التنظيم الدولي جسم معنوي اسمه دولة فلسطين، حتى إن لم توجد الدولة ككيان مستقل. تعزز هذا مع وجود مؤسسات وهيئات وموظفين وأفراد شرطة وشيء قريب من الجيش وسفارات وممثليات. لا يدور الأمر عن دولة افتراضية بكلمات نائب وزير الخارجية الإسرائيلي في تعليقه الساخر على عضوية فلسطين بل إن ثمة لحماً يكسو العظام وأسمنتاً يملأ الاعمدة.
أظن أن الرئيس محمود عباس رجم إسرائيل خلال هذا الصراع بحجارتها المفضلة: "سياسة الامر الواقع". فهو يعرف أن ما يثبت في السياسة هو ما يتحقق. لذا عمل وامام أي تعطيل تقوم به إسرائيل في عملية التفاوض على فرض أمر واقع جديد عليها. كان ثمار ذلك الكبرى في تحصيل العضوية عام 2012. وما ان عطلت اسرائيل اطلاق سراح الدفعة الرابعة من الاسري حتى وقع على الانضمام إلى 15 منظمة وهيئة دولية. احتجت إسرائيل وهددت وتوعدت ولكنها في آخر المطاف عادت للمفاوضات. وعلى نفس المنوال ذهب الرئيس أبو مازن للمصالحة رغم زعيق إسرائيل وتهديدها، ففي نهاية المطاف ستقبل إسرائيل بالامر الواقع وهو وجود حماس كجزء من النسيج السياسي الفلسطيني.
بالتراكم، فإن ثمة وضعا قانونيا ومؤسساتيا وسياسيا يجعل الدولة الفلسطينية امرا واقعا لا يمكن تغيره ويصبح على المجتمع الدولى ان يجب على أسئلة كبرى تتعلق بمستقل عضو اساس فيه هو دولة فلسطين. يساهم في ذلك تنشيط حركات المقاطعة والتضامن وتفعيل المقاومة الشعبية. إن الدولة الفلسطينية التي لم تتحق دفعة واحدة تتجسد خطوة خطوة وحبة حبة كما يقول المثل، حيث أن تمظهر هذه الدولة يصبح أكثر تحققاً من خلال تلك الخطوات الصغيرة والجريئة، وإن على إسرائيل التي اكتشف الكثير من سكانها فقط مع الانتفاضة الفلسطينية أنهم يحتلون شعباً آخر، ستدرك أنها تحتل دولة أخرى، وأن المجتمع الدولي الذي اعترف بعد جهد جهيد ان ثمة شعب آخر اسمه الشعب الفلسطيني سيدرك بان ثمة دولة أخرى موجودة فعلاً اسمها دولة فلسطين، وعليه أن يتصرف وفق هذا الأساس. إنها دولة الأمر الواقع.
ترتيبات ما بعد حكومة الائتلاف الوطني !!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
ما حدث في غضون السنوات الخوالي 2007 ـ 2014، ميدانياً، خاصة فيما يتعلق بالبنى المؤسساتية الفلسطينية، الأمنية وغيرها من مؤسسات، بلور حالات وأشكالا، تتعارض بالأساس مع مفهوم الوحدة والانسجام، ما ترتب هو مُعطى موضوعي، لا يمكن تجاهله أو القفز عنه، والموضوعية تقتضي دراسته وتشخيصه، بغية علاجه وتجاوزه وإنهائه في المدى المنظور القادم.
فلسفة العمل الوحدوي والاندماجي، والعودة للجسم الواحد، تتطلب البحث عن نقاط التلاقي، وتوظيف الممكن البسيط لتجاوز الممكن الصعب.
هنالك صعوبات جمة بل وخطيرة، ومن الممكن في حال عدم تشخيصها، تشخيصاً جيداً، والعمل على تجاوزها بأناة وصبر وطول بال، أن تلعب ـ لا سمح الله ـ دوراً تعجيزياً ومعطّلاً.
ترتيبات ما بعد تشكيل حكومة الائتلاف، عادة ما تبدأ، بتشخيص الحالة، تشخيصاً صحيحاً، بعيداً عن قواعد الماضي وموازينه، لأن للمستقبل منطقه واعتباراته وقواعده، وبعد التشخيص، توضع خطط العلاج، التي تبدأ مما هو بسيط وسهل، لتنقل إلى ما هو أعقد وأصعب.
من الطبيعي أن يبحث أصحاب التعطيل والداعين، لإبطال مفاعيل إنهاء الانشقاق والخلاف، إلى الانتقال فوراً، لأصعب العقد بل وأشدها صعوبة، وأن يهولوا في الأمور ويضخّمون نقاط الخلاف، للإبقاء الحال على حاله.
حكومة الائتلاف الوطني، هي عنوان المرحلة السياسية القادمة، بل ومظلتها الحامية، في ظل هذه الحكومة ستدار الأزمة، أزمة الانقسام الخطير.
وفي ظل هذه الحكومة، ستعمل مؤسسات وإدارات وهيئات، بعضها إداري وبعضها الآخر سياسي وأمني، وفي ظل هذه الحكومة، سيجري الانتقال من نقطة إلى أخرى، وصولاً لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.
وفي ظل هذه الحكومة، سيدار الصراع المشروع، بين برامج مختلفة، لكنها تتلاقى حول نقطة محورية واحدة، هي مصلحة الوطن العليا، وعلى الصعد كافة، السياسية والأمنية والإدارية والاقتصادية.
قضية الترتيبات ما بعد تشكيل الحكومة، ليست سهلة ولا يسيرة، بل وتحتاج وقتاً كافياً لتجاوز ملفات سنوات الماضي الخلافي 2007 ـ 2014.
حكومة الائتلاف الوطني القادمة، ستكون المظلة الحامية لذلك، وستكون الناظم ـ المايسترو، القادر على إدارة هذا التجاوز، بأقل قدر من الخلافات والمزيد من الصراعات، بهدف الوصول إلى برّ الأمان، المتمثل بصناديق اقتراع نزيهة وشفافة وبتعاون الجميع.
علينا أن نراقب لغتنا ونبراتنا، وعلينا أن نتابع الخطى، بشيء من الحذر وبمقدار غير محدود من الحرص على المسارات الوطنية القادمة، عبر خطى متتالية، هادئة وحكيمة وشجاعة وشفافة في آن معاً.
تغريدة الصباح - تدفيع الثّمن
بقلم: محمد علي طه – الحياة
لا أحد من قريب أو من بعيد في المؤسّسة الإسرائيليّة يعرف الصّبيّ المدلّل المدعو "تدفيع الثّمن".
لعلّه قدم إلينا من صخرة صمّاء أو ربّما انشقّت الأرض وقذفته أو كأنّ جنيّاً تغوّطه أو كوكباً بلا اسم بصقه.
والأمن الاسرائيليّ الذي قصف قافلة سيّارات في السّودان لأنّه عرف حمولتها ووجهتها والذي قبض على سفينة في عرض البحر على بعد مئات الأميال بعد أن تأكّد من محتوياتها لا يعرف هذا الصّبيّ الشقيّ الذي حرق مساجد وكنائس وسيّارات وهدّد وتوعّد بتنظيف البلاد من العرب.
ولا يعرف تعني لا يعرف. دون لفّ أو دوران. صدّقوا أو لا تصدّقوا. ولكن في شهر أيّار 2013 صدر عدد من مجلّة "يسرائيل" التي تصدر عن "معهد بحثّ الصّهيونيّة" في جامعة تل أبيب وفيه مقال مثير للباحثة افرات زكبخ بعنوان "الأعمال الانتقاميّة لمئير هار-تسيون ? واقع وذكريات"، تعتمد فيه على مصادر موثوقة، وذكرت فيه أنّ "شوشانة" وصديقها "عوديد" عبرا الحدود الأردنيّة في العام 1954 في مغامرة لهما وقُتلا هناك، ولمّا علم أخوها مئير هار-تسيون بذلك حمل، وثلاثة من رفاقه، سلاحاً من مخزن الجيش الإسرائيليّ وتوغّلوا في الأراضي الأردنيّة وبعد 9 كيلومترات هاجموا خيمة وأسروا أربعة من البدو الأبرياء وقادوهم إلى الوادي القريب لقتلهم، وفي الطّريق صادفوا خيمتين فهاجموهما وقتلوا بدويّين وأسروا بدويّاً عجوزاً. وتروي الباحثة أنّ هار-تسيون ورفاقه حقّقوا مع البدو الخمسة حول مقتل شوشانة وصديقها ولم يتوصّلوا إلى شيء، وعندئذ طعنوا الرّجال البدو الأربعة بالسّكاكين واحداً بعد الآخر حتّى الموت، وأمّا البدويّ الخامس، أيّ العجوز، فأطلقوا سراحه كي يروي لأبناء قبيلته ما شاهده بأمّ عينيه.
تساءل موشيه شاريت، رئيس حكومة إسرائيل يومئذ، في مذكّراته: "كيف حقّقوا معهم وفهموا أقوالهم وهم لا يعرفون اللغة العربيّة ألبتة؟" وطلب شاريت توضيحاً من الجنرال موشيه ديّان، رئيس الأركان. واتّضح لشاريت أنّ قادة هارتسيون، جندي المظلات، عرفوا مراده منذ البداية إلا أنّهم وبما فيهم أرئيل شارون ساعدوا على اخفاء الجريمة.
وتحوّل مئير هارتسيون إلى بطل قوميّ وترقّى إلى قائد فرقة وبعد تسريحه من الخدمة العسكريّة منحوه مزرعة واسعة شاسعة من الأراضي العربيّة وتطوّع جنود للعمل فيها معتبرين الرّجل قدوة والعمل في المزرعة واجباً قوميّاً.
في شهر نيسان 2014، بعد ستين عاماً، مات مئير هارتسيون فكتب أدباء معروفون، وصحفيون بارزون مراثي تشيد ببطولته كما رثاه رئيس دولة إسرائيل.
وكلمة مئير معناها منير وأمّا هارتسيون فتعني جبل صهيون!!
هل كان هارتسيون رائداً في "تدفيع الثمن"، أم أنّه واحد من قافلة امتدّت منذ قدوم هربرت صموئيل إلى بلادنا حتّى اليوم؟
قال القاضي المعروف، بروفيسور اهرون براك، رئيس محكمة العدل العليا الأسبق: "ما حدث في دولة غوتة وشيللر قد يحدث في كل مكان".
فلسطين و"نكبة البرامكة" (1 من 2)
بقلم: عدلي صادق – الحياة
لا تروق لي تسمية الغزو الذي أدى الى استلاب وطني "نكبة"، لما في هذه التسمية من تجهيل لفاعلين معلومين، ولكونها ليست إعصاراً لا يُشتكى صانعه ولا يلاحق إلا بالحمد والشكر. ربما للمرة الأولى، يعترض فلسطيني على التسمية ويراها رزّية نفتتح بها الحديث عن سائر الرزايا. وليس الاعتراض هنا، يتعلق بقدرية النكبات وحسب، من حيث كونها وقائعَ أقدار أوقعتها، في السياق الموضوعي للحياة، قوة علوية هي رب العالمين عند المؤمنين. فهذا هو منحى التعليل عندما تعصف بالناس نكبات الزلازل، ولا يكون في وسع المنكوب سوى الرضوخ للأقدار، وإجزال الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه!
لا خلاف على كون التسمية المختزلة، كعنوان؛ هي مُفتتح الرواية التي تدلك كل صفحة منها على أسماء فاعلين وأدوار خائنين. وربما لا اختلاف على أن التسمية أطلقت ببراءة أو بغير إحاطة بالأبعاد النفسية للتسميات التاريخية. ونقدم هنا، مقاربة لما يمكن افتراضه من أسباب هذا التسكين في تسمية عمل بربري، جرى فيه احتلال أرضنا والاستحواذ على كل ما عليها من بيوت وحقول ودكاكين وجوامع وكنائس ومعامل ومدارس ومتنزّهات وخلافه، وتشتيت شعبنا في أربع جهات الدنيا اللئيمة. يمكن القول في هذه المقاربة، إن جريان التسمية وتكريسها، لا علاقة لهما بنوايا مُطلقها الأول، ولا علاقة للأمرين بالسياسة، مع التسليم بعلاقتهما بالوجدان!
المُخترع الأول، هو شاعر مصري بديع، من أصول شركسيّة، اسمه أحمد مُحرّم (1877 ــ 1945) لم يكن أصلاً، يتحدث عن بانوراما المشهد بعد انتهاب فلسطين. فقد نشر قصيدته في العام 1933 أي قبل ما نسميه "النكبة" بخمسة عشر عاماً وضمّنها إحساسه بالهول مما يجري في بلادنا: يا فلسطين اصطَليها نكبةً..هاجها للقوم عهدٌ مضطرمْ/ واشهديه في حماهم مأتماً..لو رعوا في الضعف حقاً لم يَقُمْ/ واشربي كأسك مما عصروا.. من زعافٍ جائل في كل فمْ/أذكري يومك في أفيائهم..ودّعي الأمس فلا يُغني الندم/الجهاد الحرُّ يقضي حقَّه..سؤددُ العُربِ ويحميه العَلَمْ/ لا تنامي للعوادي وادأبي..واذهبي طامحةً في المُزدَحَمْ/ ليس بالمُدرك حقاً..نامَ والأحداث يقظى لم تنمْ!
الشاعر أحمد محرم، نشر قصيدته في جريدة "البلاغ" المصرية التي أصدرها في أوائل العشرينيات، عبد القادر حمزة، أحد أعلام الفكر الوطني في مصر. ومن المفارقات، أن أحمد محرم، عندما اختار تسمية "النكبة" لوصف ما يحدث في فلسطين، قبل أن تنكبها الصهيونية ومعها القوى الاستعمارية وأذنابها من الطرابيش العربية؛ أوقع نفسه في التكرار بحُسن نية، لأنه نشر قبل ذلك قصيدة بعنوان "نكبة البرامكة" تصف المقتلة والتشريد اللذين اقترفهما هارون الرشيد في حق البرامكة ذوي الفضل عليه، وقضى على مركز قوتهم ونفوذهم في الدولة العباسية إبان حكمه. ولا مجال هنا، للإسقاط على موضوع "النكبة" فينا، بما يتشابه من مفارقات وأسباب تلك التي أصابت البرامكة. فبعد أن وقع لنا ما وقع، التقط "عارف العارف" التسمية من القصيدة، فأطلقها على مجمل عملية الغزو الفاحش والانتهاب، وأصدر كتابه "النكبة والفردوس المفقود" وهو ما ستأتي الإشارة اليه.
الشاعر السباق الى التنكيب في وصف حدث الغزو التاريخي لفلسطين وتواطؤاته؛ تحمس لإنصاف البرامكة، وهم من أصل فارسي وكان جدهم مجوسياً، بينما هو صاحب ملحمة شعرية من ثلاثة آلاف بيت، باسم "الإلياذة الإسلامية" يمجد فيها بطولات التاريخ الإسلامي. كان الشاعر رقيقاً تقياً، منصفاً في انحيازه للضحايا ضد فعل استبدادي. أم كبير الضحايا أرضعت هارون الرشيد، مع ابنها الذي بات نديمه وصديقه ومؤنسه الفصيح ووزيره الأثير فيما بعد "جعفر". تماماً مثلما أرضع العرب طفولة الوجود البريطاني في بلادنا وتفاصح شعراؤنا في مديحه. كان نفوذ البَرْمك في الدولة العباسية، طبيعياً بحكم التداخل والمآثر. لكن هارون الرشيد، حرّم ما حلله الله من الحق. لقد فاضت محبته لـ "جعفر" حتى لم يعد يحتمل فراقه، وهو في الوقت نفسه، شديد الإعجاب بشقيقته "العباسة" ولا يقوى على مفارقتها. فكيف يجمع الاثنين معاً في مجلسه، فيما يخالف تقاليد القصر؟ اضطر الى عقد قرانهما مشترطاً أن يكون نكاح كلام مع امتناع عن المضاجعة. تُتاح المجالسة وكفى. وحسب "الطبري" قال "هارون" لصاحبه "جعفر": سأزوجك إياها ليحل لكما أن تجتمعا، ولك أن تنظر كيفما تشاء، ولا اجتماع بدوني". غابت عنه حكاية الحب واحتمالات الجموح واشتعالات الرغبة في "ممارسة" الحق البهيج. طمأنه كون "أم جعفر" تقدم لابنها، مليحة عذراء من الجواري في ليلة كل جمعة، ولا حاجة عنده لنكاح "العباسة" على الرغم من ملاحتها. لكن هذه الأخيرة، رغبت في امتطاء عاجل، يُحيل الحب الى كيمياء شاملة؛ فلجأت الى حيلة إحلال نفسها محل عذراء الجمعة المقبلة!
كانت الأمور تفاقمت على صعيد المشهد العام، واستحكمت حلقات الدسائس التي حيكت للبرامكة، فجاء فض البكارة، لكي يفتح أفقاً للسيف والى جنون التشريد والاستلاب. كان الفاعل ــ بالطبع ــ معلوماً، والضالعون، من أهل الدسيسة والتواطؤ والخيانة كانوا معلومين. وقعت "نكبة" وهذا هو اسمها طالما أن خاتمة الاستلاب، جاءت بسلب إرادة الضحايا في استرجاع أي حق!
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
الاثنين
12/5/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
مسؤولية الحكومة والجهاز التعليمي -التربوي
بقلم: حديث القدس - القدس
الأسرى الإداريون.. يحطمون القيد
بقلم: عزيز العصا – القدس
المحرقة بين حقائق التاريخ ..وافتراءات السياسيين
بقلم: ريموندا حوا طويل – القدس
ضرورة المصارحة... بعد المصالحة
بقلم: رائد دحبور – القدس
إخلاء حمص: انتصار للنظام يخفي جبالاً من الفشل
بقلم: عبد الوهاب بدرخان – القدس
من القبيلة الى الديمقراطية.. رحلة لم تتم!
بقلم: محمد جلال عناية – القدس
ثمة ما يستحق الاهتمام أكثر
بقلم: طلال عوكل – الايام
مجرمو "بوكو حرام" ... والموقف المطلوب!
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
فلسطين: دولة الأمر الواقع
بقلم: عاطف أبو سيف – الايام
ترتيبات ما بعد حكومة الائتلاف الوطني !!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
تغريدة الصباح - تدفيع الثّمن
بقلم: محمد علي طه – الحياة
فلسطين و"نكبة البرامكة" (1 من 2)
بقلم: عدلي صادق – الحياة
مسؤولية الحكومة والجهاز التعليمي -التربوي
بقلم: حديث القدس - القدس
النبأ الذي تناقلته وسائل الاعلام المحلية واكدته مصادر رسمية ومفاده ان اربعين الف خريج وخريجة تقدموا امس الاول لامتحان توظيف أجرته وزارة التربية والتعليم للتنافس على ثمانمائة وظيفة فقط ، هذا النبأ يثير الصدمة والذهول ويعكس الحالة المأساوية التي يعيشها خريجو الجامعات من جهة كما يكشف حالة التخبط وفقدان استراتيجية تعليمية واضحة تأخذ بالاعتبار الواقع الذي نعيشه واحتياجات المجتمع في مختلف التخصصات .
السؤال الاهم الذي يطرح بهذا الشأن هو : من الذي يتحمل مسؤولية هذا الكم الهائل من الخريجين العاطلين عن العمل وهذه الفوضى في التخصصات الزائدة عن حاجة القفطاع التربوي - التعليمي؟ وبالمقابل من هو المسؤول عن النقص الواضح في نخصصات عدة يحتاجها مجتمعنا وخاصة في الجانب المهني - التقني؟!
هذه التساؤلات تزداد اهمية في الوقت الذي يتحدث فيه الجميع عن بناء دولتنا المستقلة العتيدة ، وعندما نقول بناء فان ذن ذلك يعني وضع اسس متينة لنهضة وتطور المجتمع والدولة بما ينسجم مع التطور العلمي - الصناعي العالمي وكذا التكنولوجي وبما يخلق مجتمعا قادرا على الانتاج وبما يخلق مجتمعنا قادرا على الانتاج والتقدم .
ان ما يجب ان يقال هنا ان الازمة التي نعيشها الخريجون وهي احد اهم مظاهر ازمة الوضع التعليمي- التربوي من بلادنا يقف ورائها عدة اسباب تبدأ من مسؤولية الحكومة والجهاز التربوي التعليمي بما في ذلك وزارة التعليم العالي وصولا الى مسؤولية الاحتلال خاصية ما يتعلق بالتدهور الاقتصادي ومحاولة منع اي تطور صناعي - تكنولوجي في فلسطين وكذا وصولا الى بعض جوانب الثقافة المجتمعية التي تدفع بالفتاة في غالبية الاحيان الى قطاع التعليم لتصبح مدرسة او معلمة وهو ما يشير اليه المعطى الذي يؤكد ان اكثر من 80 ٪ من الخريجين الاربعين الفا الذين تقدموا للامتحان هم من الاناث .
الحكومة مسؤولة لأنها لم تضع استراتيجية طويلة المدى لضبط عملية التعليم الجامعي بما ينسجم واحتياجات المجتمع الفلسطيني ومتطلبات بناء دولتنا العتيدة، بحيث بات الخريجون الاكاديميون بمئات الآلاف بلا وظائف في مجالات تخصصهم في الوقت الذي تم فيه اهمال اهمية التعليم المهني - التقني ومختلف مجالات التعليم التكنولوجي الضرورية اذا كنا نطمح فعلا في بناء وتطوير دولة قادرة على النهوض الاقتصادي والتطوير الصناعي - التكنولوجي بما يغنيها عن استمرار العيش على المساعدات الخارجية.
والجهاز التربوي - التعليمي بما في ذلك وزارة التعليم العالي مسؤولة ايضا عن هذا الفشل فعلا فلا يعقل ان يبقى هذا الجهاز مكتوف الايدي في الوقت الذي يزداد فيه عدد العاطلين عن العمل من الخريجين سنويا بعشرات الآلاف ممن يحملون تخصصات فائضة عن حاجة المجتمع المحلي وفي الوقت الذي نرى فيه بوضوح النقص في مجال التعليم المهني - التقني التكنولوجي وفي ظل غياب جامعات او مؤسسات تعليم عال في هذه المجالات رغم محدودية ما يوجد لدينا بهذا الشأن.
ولذلك فان على الحكومة ووزارة التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم القيام بمسؤوليتها بهذا الشأن بما يصلح الخلل الواضح القائم وبما يعالج الازمة التي يعيشها الخريجون كل عام .
كما انه يجب الاشارة الى ضرورة معالجة الخلل في بعض اوجه الثافة المجتمعية السائدة بالتركيز على تخصصات معينة دون غيرها وخاصة للفتيات وهي مسؤولية مجتمعية شاملة ايضا للحكومة وللجهاز التربوي التعليمي دون اساسي في تصحيح المسار بهذا الشأن .
وفي المحصلة حان الوقت كي تكون الحكومة والجهاز التربوي والتعليمي تكثر فاعلية في معالجة الازمة القائمة واخذ دورها بما ينسجم مع مصلحة الوطن العليا ومصالح ابنائنا وبناتنا الخريجين.
الأسرى الإداريون.. يحطمون القيد
بقلم: عزيز العصا – القدس
لأن إسرائيل ترى في الأسرى الخصم الرئيس لها في صراع وجودها على هذه الأرض، ولأنها ترى فيهم قادة يتقدمون الصفوف في السياسة والفكر والإبداع، بل هم أنفسهم الذين يبثون في شعبهم روح الأمل والتفاؤل بمستقبل مُشرق، فإنها لا تألو جهداً في محاصرتهم والضغط عليهم؛ بما لا يحتمله بنو البشر. حتى أضحت قضايا أسرانا وظروفهم المأساوية مرئية، بوضوحٍ، لمن هو فاقد البصر، كما أنها مسموعة، بوضوح أيضاً، لكل من به صمم.
وعليه؛ فلم يعد ممكناً تأجيل المواجهة مع السجن والسّجّان، إلى أجلٍ غير مسمى. بل أن الأسرى، بمختلف فئاتهم، أصبحوا يخبرون كيفية المواجهة والتصعيد في الوقت المناسب لانتزاع حقوقهم من السجان. وفي جميع تلك المواجهات كان "الإضراب عن الطعام" هو الملاذ الأخير في مواجهة الرفض والتعنت من قبل الاحتلال.
ولمن لا يعلم ما هو الإضراب المفتوح عن الطعام، نقول: "إنه امتناع الأسير عن تناول كل أصناف المواد الغذائية وأشكالها الموجودة في متناول الأسرى باستثناء الماء وقليل من الملح" (انظر: HYPERLINK "http://www.qudsn.ps/article/9168" http://www.qudsn.ps/article/9168). أي أنه معركة "الأمعاء الخاوية" بما للكلمة من معنى.
تشير الإحصائيات والوثائق المتوفرة بين أيدينا تؤكد على أن الأسرى الفلسطينيين هم أكثر من استخدم هذا الأسلوب في مواجهة السجن والسّجان، بدءاً بإضراب العام 1968، في سجن نابلس، الذي خاضه الأسرى احتجاجاً على سياسة الضرب والإذلال التي كانوا يتعرضون لها على يد الجنود الإسرائيليين، وما تبعه من إضرابات مطلبية لتحسين أوضاعهم المعيشية والإنسانية، وانتهاءً بالإضراب الذي نحن بصدده هذه الأيام؛ وهو إضراب "الأسرى الإداريين". وفي جميع تلك الإضرابات تمتع الأسرى بروح التلاحم والتعاضد والاستعداد للاستشهاد عن طيب خاطر..
وإذا تتبعنا موضوع الأسرى الإداريين نجد أن فيه ما يندى له جبين البشرية؛ إذ أن الاحتلال يتجاوز كل الأعراف والقوانين والنظم ونواميس الكون؛ عندما يقوم باعتقال الفلسطينيين والزج بهم في السجون، دون (تهم!!) ولا محاكم وبدون تحديد لمدة الاعتقال، ما عدا أنه يقرر زج الأسير لمدة ستة أشهر يتم تجديدها وفق أهواء الحاكم، وقد تستمر لبضع سنوات بتواصل.
إذا ما علمنا بأن الأسرى الإداريين هم من نخب الشعب الفلسطيني؛ فمنهم الأكاديميين، والمفكرين، والسياسيين، وفي الآونة الأخيرة تم التركيز على النواب المنتخبين من قبل جماهير الشعب الفلسطيني، فإننا ندرك ما الذي يرميه الاحتلال من وراء هذا النوع من الاعتقال، من أنه يسعى إلى (إفراغ) المجتمع الفلسطيني من قادة الفكر والسياسة، لاعتقاده أنه بذلك قد يُخمد حالة المقاومة، بأشكالها المختلفة، للاحتلال ومخططاته الرامية إلى سلب الأرض، وتوسيع الاستيطان الهادف إلى تقويض الدولة الفلسطينية الموعودة.
وإذا ما علمنا بأن عدد الأسرى الإداريين حوالي (200) أسير (حوالي 5% من الأسرى الفلسطينيين) وأن عدد المنضمين إلى هذا الإضراب الذي وصل إلى (120) أسيراً حتى اللحظة، ومن سينضم إليهم لاحقاً، فإننا نكون أمام إضراب سياسي، وليس مجرد مطلبي، يسعى إلى "كسر" المنهج الاحتلالي في تعامله مع الشعب الفلسطيني، كما أننا أمام حدثٍ جديد تدخله السجون يتمثل في أول إضرابٍ جماعي ضد الاعتقال الإداري.
لذلك؛ فإنه لا بد من الوقوف الجاد والفاعل من قبل الجهات والمؤسسات، الرسمية والشعبية، خلف هذا الإضراب السياسي-المطلبي الذي يشكل حلقة هامة من حلقات الاشتباك الدائم مع الاحتلال الذي يسعى، بلا كلل أو ملل، إلى كسر الإرادة الوطنية لشعبنا. كما أنه لا بد من "تأجيج" الحالة الوطنية بشأن الأسرى، جميعاً بلا استثناء، باعتبار حريتهم وتحررهم واحد من الثوابت الفلسطينية إلى جانب العودة والدولة وتقرير المصير. نقول هذا ونحن نبتلع دمعة حارقة على أسرانا الذين "نتألم" لفراقهم، والذين "يألمون" لفراق الأم والزوج والولد.
المحرقة بين حقائق التاريخ ..وافتراءات السياسيين
بقلم: ريموندا حوا طويل – القدس
في بيان لمنظمة التحرير الفلسطينية، نشر يوم إحياء ذكرى المحرقة أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) عن رأيه في المحرقة اليهودية، التي نكب بها الشعب اليهودي إبان الحرب العالمية الثانية، وقال بلغة عربية واضحة وبيان عربي فصيح: "إن المحرقة أبشع جريمة إنسانية في التاريخ»، ولم يكن هذا الرأي صادرا عن سياسي يريد أن يسجل موقفا، أو يغنم أرضا في معرض الممالئة أو الزلفى؛ وإنما الذي كان يتحدث هو المؤرخ محمود عباس الذي يحمل درجة الدكتوراة في التاريخ من أعرق جامعات العالم.. جامعة موسكو.
وفي الوقت الذي يتميز فيه الرئيس أبو مازن صفات الحنكة والبراعة وبعد النظر، ودقة الملاحظة، وصدق التوجه والقدرة على قراءة حقائق التاريخ ومعطيات السياسة؛ فاننا نعرف عنه ايضا الصدق والصراحة والوضوح والعقلانية، والبعد عن الزيف والغرور والديماغوغية التي تجعله يحارب طواحين الهواء.
****
لم يناقش الرئيس الفلسطيني حقائق التاريخ، ولم يتطرق الى مدى مصداقية ما كتب ونشر عن المحرقة، ولكنه توقف كسياسي ومثقف وإنسان أمام الحقيقة الآتية:
إن البطش بالشعوب، وإحراق الناس وقتلهم بلا رحمة، جريمة بكل المفاهيم والاعراف. حتى لو كانت الجريمة قد شملت إنسانا فردا، فمن المقولات الحكيمة أن من قتل إنسانا فردا، فقد قتل الناس جميعا.
إن فاقد الشيء لا يعطيه، والرئيس الذي لا يخفي رأسه في الرمال، ويتهرب من الحقائق لا يستطيع أن يجابه خصمه بعد ذلك.
كان رأي الرئيس محمود عباس، رأي الانسان المثقف السوي، الصادق، الأمين، الذي يخاطب في صراحة ووضوح ويؤكد أن قتل الشعوب وتشريدها وسفك دماء أبنائها جريمة منكرة، إنها أبشع جريمة في تاريخ البشرية سواء إرتكبها النازيون أو غيرهم من التوجهات السياسية المتطرفة دينيا او عنصريا.
ولكن رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، لم يحترم صراحة وصدق زعيم عربي فأصم أذنيه عن كل ما نشر وقيل، ولم يثمن نتنياهو موقف سياسي عربي لم يصدق منكري الكارثة، ولم يحاول لاسباب سياسية ان ينزع من اسرائيل ورقة الكارثة كذخر إستراتيجي.
لم يبارك نتنياهو موقف حق وموضوعي نزيه لزعيم عربي مخلص، لم يبارك بل احتج لانه كان يرى في هذا التصريح اجراء احتياليا يرمي فقط الى مصالحة الرأي العام الدولي، والى تطهير أبو مازن نفسه لاتفاقه مع حماس، وبيّن نتنياهو أن عباس لا يستطيع أن يسمي الكارثة أبشع الجرائم في التاريخ وهو يعانق في نفس الوقت حماس.
ويقول الكاتب الإسرائيلي أفيعاد كلاينبرغ في معرض نقضه لموقف نتنياهو: إن الكارثة في نظر نتنياهو كنز دعائي إسرائيلي ومن حق اسرائيل فقط أن تصدق، أو تكذب كل من يتحدث عنها. ويواصل الكاتب الاسرائيلي عرض وجهة نظره مخطئا رئيس وزراء إسرائيل حيث كتب في "يديعوت أحرونوت": إن الاعتراف بالكارثة واجب أخلاقي، كوني، ومن لم يستنكره يستحق التنديد به وليس مجرد ابداء الرئيس عباس هذا الرأي العقلاني هو معروف يؤديه لنا وإنما هو موقف عقلاني يسجل نقاطا سياسية لصالح بلاده وقضيته.
****
لقد كان موقف أبو مازن منسجما مع حقائق التاريخ التي تشهد بأن المسلمين والمسيحيين لم يكونوا في يوم من الايام يبطشون باليهود وينزلون بهم المذابح، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما دخل القدس أثبت أن العرب والمسلمين يتمتعون بحس أخلاقي وإنساني رفيع عندما حافظوا على حقوق أهل الكتاب من مسيحيين ويهود وعندما حفظ لهم أموالهم وكنائسهم وعرضهم ودمائهم وتاريخ العرب في اسبانيا ايام الامبراطورية الاندلسية يشهد أن العرب والمسلمين قد تعرضوا في عهد الملكة ايزبيلا ومحاكم التفتيش لانواع قاسية من المطاردات والاضطهاد، وكان هناك تضامنا بين المسلمين واليهود في مواجهة التعصب المسيحي الى درجة تعليقهم على أعواد المشانق. كما يشهد التاريخ أن فتح بلاد المغرب عندما تم على يد المسلمين كان لليهود احترامهم وحقوقهم وهذه الحقيقة مشهود بها حتى في التاريخ المعاصر منذ عهد الملك محمد الخامس الذي أمن لهم حياة كريمة، كما أن ولي عهده الملك الحسن عامل الجاليات اليهودية في المغرب معاملة كريمة على كافة المستويات وقد استمر ذلك حتى الوقت الحاضر. فلا زال اليهود يتمتعون بكافة حقوق المواطنة الكريمة في المغرب. وهذا ما التزم به الملك الشاب محمد السادس.
وفي تونس كانت الجاليات اليهودية تتمتع بكل مواصفات المواطنين وكل حقوقهم، وهذا ينطبق على العراق وسوريا ومصر التي كان اقتصادها مزدهرا بفعل رجال الاعمال الاقتصاديين اليهود، ولي أن أقول ان الصهيونية هي التي أفسدت هذه العلاقة بيننا وبينهم، وهي التي أشعلت نيران الكراهية والحقد وكل هذه الحروب لدرجة أن مفكرا كبيرا يدعى "موشيه مينوهيم" وهو فيلسوف ومفكر يهودي عالمي قد الف كتابا سماه "سقوط الصهيونية" وهو يؤكد هذه الحقيقة وهي ان العلاقات الاسلامية والمسيحية مع اليهود كانت كأفضل ما تكون، غير أن الصهيونية هي التي دمرت كل ذلك، وقد رفض ذلك الفيلسوف أن يحضر الى اسرائيل رغم الاغراءات المادية والادبية. وفي زيارتي له أنا وزوجي عام 1974 في سان فرانسيسكو أكد لنا هذه المعطيات بروح العالم والباحث المحايد. ويذكر أن هذا الفيلسوف هو والد الموسيقار العالمي يهودي مينوهيم.
****
إن دماء الابرياء غالية علينا سواء أكانوا مسلمين أم مسيحيين أم يهودا، غالية علينا، ونخطيء وندين كل من يستبيحها بدون وجه حق، ذلك ما يقول به أبو مازن رجل الدولة والرئيس المنتخب الذي يمثل الشعب الفلسطيني بأسره.
رجل يحتكم الى المنطق والعقل، ولا يصغي الا لصوت ضميره، وهو يعرف كمية السهام التي ستنطلق عليه لتدمي مصداقيته ووطنيته وسمعته، وتاريخه، ولكنه يتسلح بشجاعة نادرة.. شجاعة مواجهة النفاق والمزاودة والمراوغة وهي أعظم الشجاعات.
إن ساسة اسرائيل وعددا كبيرا من رجال الاعلام فيها وقياداتها العسكرية والاستخباراتية لا تصدق إلا ما تريد أن تصدقه، لا تصدق إلا ما يوافق مزاجها وأجندتها.
وعندما قال الرئيس السادات أن حرب «اكتوبر» ستكون آخر الحروب، لم يصدقه معظم رجال المؤسسة العسكرية الاسرائيلية وقادتها، ذلك لانهم لم يريدوا أن يصدقوا إلا ما يوافق أهواءهم، وكان الرئيس السادات صادقا واسترجع بمصداقيته وصدقه ونزاهته كل ذرة من تراب سيناء ودون قطرة دم واحدة.
إنك لكي تجبر الآخرين على تصديقك، يجب أن تصدق أولا مع نفسك، ومن ثم تصدق معهم، واذا كانت المقولات الشائعة تقول أن السياسة هي فن الكذب، فان حقائق التاريخ تثبت أنه لا يصح الا الصحيح.
****
إن حقائق التاريخ لا يمكن طمسها باهمالها، فالعالم بأسره يعرف حق المعرفة كل المعطيات كما قال الرئيس الامريكي ابراهام لينكولن: "إنك تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وتستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.
والزعيم التركي القائد الطيب رجب أردوغان إعترف أخيرا بمسؤولية تركيا عن مذابح الأرمن، وقد أبدى استعداد حكومته ليكفر عن هذه المذبحة بما يفرضه عليه منطق العدالة والانسانية.
ونحن بدورنا اصحاب قضية وموقف، ولنا تاريخ وأجندة يشهد بها العالم كله، ولا مجال لانكارها لان الحقيقة أقوى من كل إنكار. ومن المعروف أن الثوابت الفلسطينية تتجلى بكل وضوح في مواقف الرئيس محمود عباس وهي حق العودة، وازالة الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
****
أما أولئك الذين تصدوا لمهاجمة الرئيس بعبارات جارحة، وأساليب غوغائية فاني أنوب عن السيد الرئيس قائلة:
يخاطبني السفيه بكل قول
وأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة وأزيد حلما
كعود زاده الاحراق طيبا
اللهم إغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، ولا يدركون اني التزم بخلق القرآن الكريم "والذين اذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما".
إن الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين المنتخب، وصل الى مركزه عن طريق انتخابات ديمقراطية شهد لها العالم بالشفافية وهو منذ فجر الثورة كان استاذا لهايل عبدالحميد ذلك القائد التاريخي المناضل والذين يقفزون عن الحقائق لا يعرفون ان الاستاذ الاكاديمي الدارس كان من أوائل من نادوا بالكفاح المسلح، وهو موضع ثقة واجماع المجلس الثوري والمجلس الوطني وكافة كوادر منظمة التحرير بل إن حركة حماس مدت له يدها في المصالحة، فتناسى كل شيء وكان على مستوى القيادة والمسؤولية التاريخية. وبذلك لا يستطيع أحد مهما كان أن يزاود على رئيسنا ويجب أن نكون معه بالمواقف والافعال لا بمجرد الكلمات، ولا أذهب بعيدا عندما اقول أن من يخرج على الاجماع فانه يجتاز كل الخطوط الحمراء ليصل الى موقف إما أن يكون موقف غباء أو أن يكون موقف عمالة على نحو ما كان يقول الصديق المناضل صلاح خلف، ولعل المؤرخ المقدسي جورج انطونيوس قد تلاقى فكره مع أفكار وتوجهات دارس التاريخ محمود عباس، فقد كتب جهاد الخازن في مقالة له في الحياة اللندنية نشرت يوم 6/5/2014، في كتاب المؤرخ الفلسطيني المقدسي جورج انطونيوس "اليقظة العربية" الذي نشر عام 1938: إن معاملة اليهود في ألمانيا وبلدان أوروبية أخرى عارٌ على ممارسيها وعلى المدنية الحديثة، والتاريخ لن يبرئ أي بلد لا يلعب دوره لتخفيف المعاناة عن اليهود. إن تحميل الفلسطينيين العرب العبء الأكبر من المسؤولية أمر مقزز أخلاقياً، فلا ميثاق أخلاقياً يبرر اضطهاد شعب لرفع الظلم عن شعب آخر. وعلاج طرد اليهود من ألمانيا ليس بطرد العرب من وطنهم وإيقاع الأذى بشعب بريء. فلا مجال في فلسطين لشعب ثانٍ إلا بطرد الشعب الموجود فيها.
ضرورة المصارحة... بعد المصالحة
بقلم: رائد دحبور – القدس
لا شك انَّ المصالحة التي تمت مؤخَّراً بين كلٍّ من حركتي فتح وحماس تُمَثِّلُ ظاهرة صحيَّة وصحيحة، كما أنَّها تُمَثِّلُ ضرورة وطنية ملحَّة، وهذا يعتبَرُ جيداً بكل المقاييس وبغض النَّظر عن كل الظروف الذاتية والموضوعيَّة المحيطة بالواقع وبالشان الفلسطيني الدَّاخلي..
ولكن لكي تقف هذه المصالحة على قدمين ثابتتين، ولكي تتجاوز الإختبارات الجدية التي ستواجهها داخلياً وموضوعياً، ولكي تستقر كواقعٍ مُعاش فعلا بحيث يمكن استثماره وطنياً، وليس فصائلياً أو فئوياً، فإنَّها ومن حيث المفهوم، يجبُ، إبتداءً، أن تستقر في العقل والوجدان الوطني الجمعي كضرورة وطنيَّة وكهدفٍ أعلى له كل الأولويَّة وكواقِعٍ صحيٍّ وطنياً واجتماعيَّاً وكجزءٍ أساسي من الثَّقافة الوطنيَّة، ويجب أن تتجسَّد على مستوى السلوك كواجبٍ لا فكاك من إمضائه.
انَّ هذا الجانب يملكه الفلسطينيون بإرادتهم، أي أنَّ ذلك يقع ضمن دائرة المُستطاع الفلسطيني، بمعزلٍ عن المعيقات، أو على الأقل هو الشرط الضروري الواجب التحقق لامتلاك القدرة على التعامل مع العوائق والمطبَّات في الطريق، بحيث لا تؤدِّي هذه المطبَّات الى الإنحراف عن الجادِّةِ الصحيحة، والخروج الى هوامش الطريق مرَّةً بعد مرَّة، بما تحويه من تشويشات ومصاعب، ستؤدِّي فيما تؤدِّي، الى تفعيل قانون ومنطق القصور الذِّاتي، الذي سيفضي حتماً الى التوقُّف دون الوصول الى الهدف المرجو.
هذا يتطلَّب من الجميع وتحديداً من كلٍّ من حركتي فتح وحماس أن تكونا مستعدَّتان لدفع الإستحقاقات والتنازلات الضروريَّة، على مستوى إخلاء بعض المساحات التي كانت كل منهما تُصِرُّ على التمسُّك بها، والى ترك منطق الوقوف طويلاً عند مناقشة التفاصيل الصغيرة، مما يفضي الى سيادة منطق المناكفة مُجدَّداً والى التنافس على تسجيل المواقف ضمن مساحاتٍ تقع على هامش الأولويَّات الوطنيَّة، وتحديداً فيما يخص المسائل الإجرائيَّة والشَّكليَّة والبروتوكوليَّة، ومنها ، على سبيل المثال، قانون الإنتخابات الذي دار ويدور الحديث حول تعديله من قانون مزدوج يجمع بين التمثيل النسبي والتمثيل المناطقي ضمن نظام الدَّوائر الإنتخابيَّة المنفصلة، كما جرت وفق انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة عام 2006 ، أو إجرائها وفق قانون القوائم النسبيَّة الذي يقضي بجعل الوطن ، شرقي القدس والضفة الغربية وغزة، دائرة انتخابيَّة واحدة.
يجب أن يصارح الجميع نفسه بحقيقة أنَّ منطق الجدل حول التفاصيل وحول الشكليَّات، وأنَّ تقديم منطق التنافس خارج مساحات وحدود الأولويَّات الوطنية الجامعة، ومصالح المجتمع الفلسطيني بعمومه؛ كانت هي السبب الأساسي وراء سيادة حالة الإنقسام طيلة السنوات الماضية. وبالتَّالي فإنَّ المطلوب من الجميع أن يقف حيال تلك الحقائق الموقف المسؤول وطنياً وأخلاقيَّاً وتاريخيَّاً.
وقبل ان يتم الإغراق في النقاش حول قانون الإنتخابات، يجب على الجميع أن يقف أمام حقيقة وأهميَّة السؤال المتعلِّق بموقف إسرائيل من موضوع إجراء الإنتخابات، وكذلك بالسؤال المتَّصل بأهميَّة موقف وبمدى حماس الأسرة الدولية وبمدى قناعتها، وخاصة الرباعية الدولية والولايات المتحدة، حيال اهميَّة وضرورة إجراء إنتخابات جديدة في مناطق السلطة الفلسطينية، وبمدى اقتراب أو توافق أو افتراق موقف تلك الدول حيال أهميّة وضرورة إجراء الإنتخابات في هذه المرحلة، وهل أنَّ البيئة الدولية والإقليمية التي توفَّرت عام 2006 وكانت داعمة وراعية لإجراء الإنتخابات يمكن توفيرها مجدداً، في ظل خيبة الأمل الكبيرة والفشل على صعيد المفاوضات، وعلى ضوء تجربة الإنتخابات السَّابقة وما أفضت إليه من نتائج ووقائع ؟!.
من وجهة النظر المنطقيَّة والواقعية والعمليَّة، لا يمكن أن تجري الإنتخابات بسهولةٍ وبسلاسة، وخاصَّة في مناطق الضفَّة الغربيَّة، والأهم من ذلك في القدس، دون أن توافق إسرائيل على ذلك، أو على الأقل أن تقف من ذلك موقف الحياد السلبي، أي بمعنى أن لا تعترض على إجرائها أو تحاول إعاقة مجرياتها. ومن المؤكَّد أنَّهُ ودون توفُّر مقدار كبير من الضَّغط الدولي لن تُغيِّر إسرائيل من موقفها، ومن المُرجَّح أنّ إسرائيل، واستناداً الى تجربة الإنتخابات الفلسطينيَّة السَّابقة والدُّروس والعبر التي استخلصتها إسرائيل منها، ستقوم هذه المرَّة ببناء موقفها على أساس قراءَتها الخاصَّةِ بها للواقع الفلسطيني، وعلى أساس تقديرات أجهزتها الأمنيَّة، ومراكز الأبحاث المتَّصلة بها، للنتائج المتوقَّعة للإنتخابات، محاولة التقليص والتخلُّص قدر الإمكان من التَّأثُّر بوجهات النظر الإقليميَّة والدولية والأمريكية فيما يتعلَّق بذلك الأمر كما حصل في المرَّة السَّابقة، في عهد حكومة إيهود أولمرت.
من الواضح أنَّ الحكومة الإسرائيلية وحتَّى الآن وربَّما لفترة طويلة قادمة، ومن خلال التصريحات العلنيَّة والإجراءات العملية، تعترض على تشكيل الحكومة الفلسطينية إبتداءً، كما أنَّها تبعث برسائل واضحة، وتشير الى انَّها لن توافق مرَّةً اخرى على إجراء انتخابات تُشارك فيها حركة حماس دون أن تلبِّي الشروط الإسرائيلية، والأمريكية والأوروبيَّة، والمتمثلة بالإعتراف بإسرائيل وبنبذ العنف، والإقرار بالإتِّفاقيَّات السابقة المبرمة بين السلطة الفلسطينيَّة وإسرائيل.
وكما أنَّ إجابة حركة حماس على تلبية تلك الشروط، بوضوح ودون لبس كما يطلب منها، ما زالت الرَّفض، ومع محاولة حركة حماس وكذلك محاولة السلطة الفلسطينية تجاوز الوقوف عند تلك الشروط، تُصِرُّ إسرائيل مجدداً عليها وبشكلٍ أكثر إلحاحاً هذه المرَّة ودون القبول بأنصاف مواقف كما تراها هي، وعلى الأرجح أنَّ موقفها هذا سيحظى مجدداً بتأييد الولايات المتحدة ومجموعة الرُّباعيَّة الدَّوليَّة، وهنا يجب التنبيه الى ضرورة استثمار والإستفادة من موقع وموقف روسيا، كونها عضوا في الرُّباعيَّة الدولية، وعلى ضوء ما جرى ويجري من وقائع تؤشِّر الى تنامي الدَّور الرُّوسي في مجريات السياسات الدولية والإقليميَّة.
حيال ذلك لا بُدَّ من مواجهة الحقائق، والنَّظر إليها، والتعامل معها كما هِيَ، وأوَّلُ هذه الحقائق يتعلَّقُ بأهميَّة التوافق على برنامج وطني شامل بحدِّه الأدنى على الأقل يكون جامعاً وقاسماً مشتركاً أعلى لكافَّة البرامج الجزئية أو الفصائلية، دون أن يتم التعامل مع موضوع الإنتخابات كما لو أنَّه شأنٌ يتعلَّق فقط بقياس وبإثبات الوزن النِّسبي للفصائل، بحيث يتم تقديم برامج انتخابيَّة غير واقعيَّة هدفها بالدَّرجة الأولى دعم الإفتراضات التي تؤدِّي الى تحقيق ذلك الهدف، المتمثِّل بالحصول على أكبر عدد من الأصوات، ودون مراعاة آليات تنفيذ وتطبيق تلك البرامج النظرية.
وثاني هذه الحقائق يتَّصِلُ بأهميَّةِ توفُّر المرونة في تناول الإجراءات والقوانين التي قد تتيح تجاوز العوائق الإسرائيلية، وذلك في أمرين هامَّين، هما:
1: مسألة تشكيل الحكومة، التي يجب أن تكون فعلاً حكومة بتركيبتها ووظائفها بعيدة عن الإستقطابات السياسية، ودون اعتبارها مساحةً للتقاسم وموضوعاً للتنازع والتنافس، وأن تكون ذات تركيبةٍ مهنيَّة أوتوقراطيَّة جوهريَّا وفعليَّاً وليس شكليَّاً.
2: والمسألة الثَّانية هي تلك المتعلَّقة بالتعديل الذي يمكن أن يتم على قانون الإنتخابات، بحيث يصبح الوطن دائرة انتخابيَّة واحدة، مما يتيح إجراء الإنتخابات لكافَّة المرشحين ضمن القوائم النسبيَّة بغض النَّظر عن الفواصل الجغرافيَّة، والمعيقات التي يمكن ان تنشأ بسبب ذلك، وخاصّةً فيما يتعلَّق بالقدس، وبضرورة توفير أكبر قدر ممكن من المشاركة في اختيار القوائم الإنتخابيَّة على أساس برامجها وليس على أساس شخوصها، وبحيث يوفِّرُ هذا النظام الإنتخابي عبوراً وتجاوزاً لحواجز الجغرافيا التي يفرضها واقع السيطرة الإسرائيلية.
المطلوب من الجميع التعاطي مع نِظام الدَّائرة الواحدة، وخصوصاً من جانب حركة حماس، على أساس أهميَّته الواقعيَّة والعمليَّة والسياسيَّة والقانونيَّة، وليس على أساس مقدار ما يوفِّره أو لا يوفِّره من فرصٍ انتخابيَّة لأي طرفٍ كان.
والأمر الأكثر اهميَّة من بين كل ما تم الإشارة إليه، هو ضرورة مراجعة تجربة انتخابات عام 2006 وما تمخَّضت عنه من نتائج ووقائع، وأهميَّة أخذ العبرة من الخطأ الذي تمَثَّلَ في عدم حساب ورؤية وتقدير الخطوة التالية لما بعد الإعلان عن نتائج الإنتخابات، فيما لو حصلت، ضمن ظروفها التي لن تكون على الأغلب مريحة موضوعيَّاً.
إخلاء حمص: انتصار للنظام يخفي جبالاً من الفشل
بقلم: عبد الوهاب بدرخان – القدس
انطوى إخلاء حمص القديمة على دلالات عدة لا بد من مراجعتها. فالاتفاق تمّ هذه المرّة بإرادة الإيرانيين وبالتنازلات التي وافقوا عليها، خصوصاً في ما يتعلّق منها بشروط خروج المقاتلين بما يستطيعون حمله من أسلحة وانتقالهم الى ريف حمص الشمالي. كما أن وجود مفاوضَين ايراني وروسي لم يؤكد تدخّل البلدين فحسب، بل وفّر الضمان الذي بحث عنه ممثلو حمص ولم يحصلوا عليه من مندوب النظام، لكنه طرح مجدداً أسئلة مدوّية عن دوافع صمت غربي - اميركي أعطى «مشروعيةً» لهذا التدخّل.
ثم إن الإيرانيين اعتبروا إنهاء معركة حمص نتيجةً تلقائيةً لمعاركهم في القُصَير والقلمون، وقد خاضها أتباعهم من «حزب الله» والميليشيات العراقية. وحين تركوا النظام يفاوض ويتوصل الى اتفاق في منتصف نيسان الماضي، رأوا أولاً كيف أخفق هذا الاتفاق بسبب إصرار بعض أطراف النظام على إسقاط حمص القديمة عسكرياً، ثم كيف فشلت ميليشيا «جيش الدفاع الوطني» في الاقتحامات التي حاولتها والخسائر الكبيرة التي منيت بها بالتزامن مع خسائر مماثلة في معركة كَسَب، لكن الأهم عندهم أن استرجاع أسراهم وأسرى «حزب الله» بدا مهدّداً اذا واصلوا الاعتماد على مفاوضي النظام.
كان الإيرانيون والروس مدركين بأن ثمة مرحلة تنتهي في الصراع السوري، وأن مرحلة اخرى تبدأ مع استشراس متزايد للنظام في القصف بقصد تدمير الأحياء السكنية تحديداً في حلب، ولذا أرادوا استغلال فرصة سانحة لتحرير أسراهم عند مقاتلي المعارضة. وفي الوقت نفسه وجد الإيرانيون أن الظرف مناسبٌ لأن تشمل «الصفقة» ادخال مساعدات انسانية الى قريتي نبّل والزهراء الشيعيتين المحاصرتين من جانب المعارضة في محافظة إدلب. لذا وافقوا على ما لم يكن النظام ليوافق عليه، أي خروج مقاتلي حمص بشروطهم وبمعيتهم مندوبون للأمم المتحدة مع مواكبة من شرطة النظام وصولاً الى أقرب نقطة آمنة لهم.
تكمن المفارقة هنا في نقطتين. أولاهما أن مسلسل اليد العليا الإيرانية يتواصل عسكرياً وسياسياً، فالنظام الذي يدّعي «حماية الأقليات» يترك لإيران وأتباعها رعاية كاملة للشأن الشيعي في سورية. والثانية أن الإفراج عن أسرى من ميليشيا «جيش الدفاع الوطني» كان بمبادرة ايرانية، ففي كل عمليات التبادل نادراً ما اهتمّ النظام بأسراه ولا سيما المدنيين منهم، اذ لا يزال رافضاً التفاوض للإفراج عن نحو مئة وثلاثين شخصاً احتجزوا بعد الهجوم الأول على منطقة الساحل (آب 2013)، وكذلك يرفض التفاوض على فك الحصار عن عائلات عسكريين في منطقة عدرا.
وحجّته أنه «الدولة»، ولا يجوز لها «التفاوض مع الإرهابيين»، لكن منذ بدء ثورة الشعب عليها، لم تستطع بالأفعال أو بالأقوال اثبات أنها تحمل قيم «الدولة»، وإلا فكيف تفسر اعتقالها عشرات الآلاف ممن تعرف مسبقاً أنهم لم يؤذوا أحداً ولم يرتكبوا شيئاً، وهل يُصَنّف اعتقالهم بأنه مختلف عن احتجاز رهائن على أيدي أي «عصابة»، وكيف يميّز بين «الدولة» وبين تنظيم ارهابي مثل «داعش» اذا كان المعتقلون/ الرهائن لديهم من المعارضة ويُقتَلون جميعاً بالطريقة نفسها، تحت التعذيب مع التمثيل بجثثهم. وأخيراً أصبحت هذه «الدولة» تسلِّم بطاقة الضحيّة فقط الى عائلته لإبلاغها بأن ابنها قتل فلا يكون لديها ما تدفنه ولا يتحوّل تشييعه مناسبةً اجتماعية.
لا شك في أن إخلاء حمص القديمة هو انتصار للنظام، وإنْ لم يكن بـ «استسلام» جلي للمدافعين عنها، وقد تبيّن أنهم جميعاً حماصنة. وليرَ السوريون والعالم الآن ماذا سيفعل بقلب المدينة الذي صار عيّنة من قسوةٍ مارستها «الدولة»، وليس «التنظيمات الإرهابية» أو «العصابات المسلحة» التي ادّعت أنها تحاربها. ورغم أن الحروب لا تفسح مجالاً للمفاضلة إلا أن آثار ما خلّفته المعارضة حيث أتيح لها أن تسيطر لا تُقارَن بارتكابات النظام في استهدافه المنهجي لمقوّمات الحياة وشواهد الحضارة. فهل يستطيع حاكم، وهو يتهيّأ لانتخاب نفسه، أن يفخر بالتجويع الذي مارسه، وأن يفخر بما أنزله بواحدة من أقدم حاضرات البشرية، بإنسانها وتاريخها وعمرانها، بتمايزها الثقافي وإشعاعها المعترف به سورياً؟ إذا كان هذا الحاكم من سورية ولا يعني له أهلها ومجتمعها ومدنها شيئاً فلا غرابة اذا كان الغزاة الغرباء، على ضراوتهم، من عهد الرومان الى عهود الآخرين وصولاً الى العثمانيين فالفرنسيين، أكثر احتراماً لمعنى الحضارة، وقد رحلوا جميعاً.
حقق النظام انتصاراً في حمص، لكنه انتصار يخفي وراءه جبالاً من الإخفاقات والهزائم. يشهد ما تبقّى من جدران الأبنية المدمّرة على خمسين عاماً من القمع والقهر والتعذيب وعلى ثلاثة أعوام ونيّف مما أصبح موصوفاً في ملفات العالم بأنه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت لإخماد احدى أعظم ثورات الشعوب وأكثرها مرارةً وصعوبةً.
كل الانتصارات في هذه الحرب لا تستطيع تغطية هذا الفشل الكارثي له ولـ «الدولة» التي صادرها وللشعارات التي ادّعى تمثيلها. ولأنه انتصار للنظام وليس لـ «الدولة» ولا لسورية فإنه سيتعامل مع المدينة الخالية كما لو أن لا أهل لها، كغنيمة يتصرّف بها في تخريب جغرافية سورية ويقذفها في مهب رياح التقطيع والتقسيم.
يبدو النظام وإيران متعجّلين لجعل حزيران شهر افتتاح المساومة على سورية. من جهة يعتبر اعادة انتخاب بشار الأسد بداية مرحلة مختلفة في الأزمة تمكّنه من التموضع لتوقّع عروض دولية للحلول «الممكنة» في ضوء موازين القوى. ومن جهة اخرى تحاول ايران استباق العدّ العكسي للتوصّل الى اتفاق نووي نهائي بحلول نهاية الاتفاق المرحلي في العشرين من تموز المقبل، مع احتمال تمديد العمل بهذا الاتفاق اذا لم تتوصّل المفاوضات الى نتيجة في الموعد المحدّد. لكن الأزمة الأوكرانية تحول دون أن تكون روسيا جاهزة للمشاركة في أي مساومة، وليس وارداً عندها أن تكتفي بالمراقبة من بعيد، ولا وارداً عندها وعند القوى الغربية أن تترك سورية لإيران وحدها. وليست تصريحات رحيم صفوي، المستشار العسكري لعلي خامنئي، بأن الحدود الغربية لإيران لم تعد في خورمشهر وإنما بلغت شاطئ الجنوب اللبناني، سوى واحدة من الإيحاءات بأن طهران تحث على طرح المساومة الآن، وخلافاً لما تعتقد فإن الآخرين لا يرون أن الظروف نضجت أو تبلورت.
في الآونة الأخيرة أكثر الإيرانيون من الظهور في الواجهة السورية لإطلاق رسائل مباشرة تدعو الى الحديث معها في الاستحقاقات الثلاثة الراهنة: الرئاسة في لبنان، رئاسة الوزراء وإدارة الحكم في العراق، والبحث عن حل في سورية قبل الشروع في «حرب الاستنزاف». لكن الحديث متّصل ومتواصل بينها وبين الأميركيين بشأن العراق وعلى قاعدة «تفاهم» لم يختلّ إلا أن حساباته تغيّرت، فالمشكلة الواقعة حالياً في «البيت الشيعي» أصبحت تهدد النسيج العراقي كله ولا يمكن طهران أن تحلّها بالمعايير التي تخدم مشروعها فحسب.
أما بالنسبة الى لبنان فإن الاختلال واقع لا محالة اذا أرادت ايران اخضاعه لموازين القوى في سورية. وأما سورية نفسها فإن حربها لم تنتهِ بعد، وبالتالي لا مناص لإيران من الذهاب بالمفاوضات النووية الى نهايتها، وبعدها لكل حادث حديث، لكن ايران بعدها ستغدو مجرّدة رسمياً من أي تهديد نووي.
من القبيلة الى الديمقراطية.. رحلة لم تتم!
بقلم: محمد جلال عناية – القدس
تضرب المفاهيم القبلية بجذورها في عقولنا، ولا نقول هذا من منطلق الفخر او الهجاء، ولكن كخيار لمقاربة ما نحن فيه من تخلف اجتماعي على كافة الصعد بمقاييس العصر.
سوف نركز على التخلف السياسي، لما له من تأثير حاسم، على دفع مسيرة التقدم او تعطيلها في كافة مناحي النشاط الانساني، ونريد ان نتبين ان كنا قد تحللنا من العقل العربي القبلي الذي تجلى في بيت من الشعر لعمرو بن كلثوم، حيث يقول: «ونشرب ان وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا»، حيث ان تغلب (قبيلة الشاعر) هي التي تشرب الماء صفوا، اما الذين يشربون الكدر والطين، فهم ليسوا المغول او الفرس او الروم، بل هم افراد قبيلة بني لحم».
اما ذلك البدوي الآخر، الذي صور ولاءه الاعمى لقبيلته «غزية» بقوله: وهل انا الا من غزية ان غوت غويت، وان ترشد غزية ارشد». وتقفز الى الذاكرة حكاية ذلك الاعرابي الذي كان يدعو لأبيه فقط بالمغفرة ولا يطلبها لأمه لانها كانت من قبيلة غير قبيلتها.
اننا لا نتحدث هنا عن طرائف ولكن عن فقدان العدالة وغياب الموضوعية، واستمرار هذه الظواهر وغيرها، وانتقالها من عصر الى آخر، وكان شاعر القبيلة يفخر بمزايا ليست لقبيلته، ويرمي القبيلة الاخرى بعيوب هي بريئة منها.
ظلت اجهزتنا الاعلامية تبث هذا الضلال لعقود طويلة من السنين وتؤجج الاحقاد فيما بين الشعوب العربية في زمن ما قبل الفضائيات التي اصبحت اكثر ذكاء في نفس المهمة.
صحيح انه لدينا اجهزة متطورة للاعلام المسموع والمرئي، ولكن ليست لدينا ضوابط مهنية لتحديد مدى دقة وصدق وفائدة انتاجنا الاعلامي الذي نسوقه على جماهيرنا ولو بحد يوازن التنوير والتضليل.
بعد مرور تسعين عاما على تقسيم ارضنا العربية بواسطة دول الاستعمار الاوروبي الى مستعمرات وشبه دول، وتفريق الامة العربية الى شعوب بهويات مستحدثة، اعمانا الجهل عن اكتشاف ما اوقعنا فيه الاستعمار لالحاق الاذى بنا واجهاض قوانا الكامنة، وتركنا عاجزين عن التصدي لتحديات العصر وفي كل ذلك كان الاستعمار يستغل عطبنا العقلي الذي سبقت الاشارة اليه.
ومن اسوأ ما اوقعنا فيه الاستعمار هو انظمة الحكم الدكتاتورية التي اقامها في الدول العربية، المستجدة وما هي بالحديثة، وعلى غير شكل انظمة الحكم الديمقراطية القائمة في دياره.
مع زوال السيطرة الاستعمارية المباشرة على انظمة الحكم في بلاد العرب الا ان العقلية العربية القبلية والديكتاتورية ظلت سائدة في الاقطار العربية التي يمكن تصنيفها بـ "الاوليغارتشية" (oligarchy) ، بحسب رطانة اهل العلوم السياسية. وفي هذا النظام تستولي مجموعة صغيرة من النخبة، التي قد تكون تتمتع بالثراء المالي والعقاري، او بالمركز الاجتماعي، او القوة العسكرية، او المكانة الدينية، تستولي على السلطة المطلقة التي تمارسها دون كوابح ديمقراطية للرقابة والمحاسبة، ويحمل حكم الاقلية الفئوي هذا نفس السمات مهما تغيرت مسميات او القاب حكامه.
ولا بأس من الاشارة الى العطب الذي خلفته هذه الانظمة في الحياة الاجتماعية والسياسية للشعوب العربية، والذي من اخطر مظاهره ضعف الجبهة الوطنية لفقدان الثقة بين المعارضة والموالاة، بسبب حيازة الاخيرة على السلطة والامتيازات، وان فقدان الثقة والشك بين الطرفين قد يدفع بأحدهما، او بهما معا، للاستعانة بالقوى الخارجية المتنافسة، فينهار امن الوطن والمواطنين، كما هو حاصل بين معظم الاقطار العربية التي وصل بها سوء الحال الى حد استقواء كل من الحكم والمعارضة بدعم قوى خارجية.
وفي بداية بحثنا عن حل نريد ان نؤكد بأننا نسعى لان نحقق لانفسنا ما خصت به نفسها وحرمتنا منه بريطانيا منذ بداية عهدها الاستعماري في بلادنا. وهو الحكم الديمقراطي البرلماني، كما هو عليه الحال في بريطانيا وفرنسا، سواء كان نظام الحكم ملكيا ام جمهوريا، حتى نسير على طريق التطوير السياسي بسلاسة دون توتر.
ظلت الثنوية المتمثلة في الحق والباطل، والوطنية والخيانة، من اهم الاسباب التي غيبت البراغماتية (العلمية - النفعية) من العمل السياسي العربي، ودفعت به (على الصعيد الداخلي بالذات) الى العنف والفوضى. فالثنوية سكين حاد يفصل بين الانا والآخر، فأنا على حق وانت على باطل، وانا وطني وانت خائن .. اذن لا يستتب الامر الا بزوال الاخر، وهذا ما نرفضه.
يرى الاميركيون، وهذه قناعتهم، ان ازدراءهم للايديولوجيات، واعتبارهم للتسوية والحلول الوسط العملية، قد حافظ على ديمومتهم كأمة متنوعة الاديان والاعراق، وحقق لهم الامن في مجتمع حر. فالبراغماتية نسق يختبر صحة كل المفاهيم بكل نتائجها العملية، حيث تؤكد البراغماتية على الاجراء العملي، المباشر لمواجهة التحديات في مواقف متغيرة. فالصحيح في ظرف معين غير صحيح في ظرف آخر بالقياس على النتيجة العملية.
بعيدا عن موبقات السياسة الاميركية، فإن النظام السياسي الاميركي هو اكثر النظم السياسية استقرارا في العالم، فقد بقي على حاله منذ اعلان الاستقلال (1776)، مع انه اقرب الى الديكتاتورية فيه الى الديمقراطية، فان نصف الشعب الاميركي زائد واحد يحكم نصفه الآخر، ولكن حتمية تداول السلطة تحقق الاستقرار .. فهل نصل؟.
ثمة ما يستحق الاهتمام أكثر
بقلم: طلال عوكل – الايام
فيما يصدر عن مسؤولين أميركيين بشأن المسؤولية عن فشل المساعي الأميركية لاستئناف المفاوضات، والتقدم نحو تسوية الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، عاود بعض من أنحى باللائمة على إسرائيل بسبب سياسات الاستيطان إلى تحميل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي المسؤولية، باعتبار أن المصالحة الفلسطينية من وجهة نظر هؤلاء، وجرياً وراء الموقف الإسرائيلي، سبب في تعطيل المفاوضات بعد قدر من الارتباك في تصريحات المسؤولين الأميركيين، تستعيد وزارة الخارجية بعضاً من توازنها، فتؤكد أنه لن يجري حل فريق المفاوضات، وأن وفداً رفيع المستوى، سيعود إلى المنطقة لفحص إمكانية استئنافها، وبأن الاتصالات بهذا الشأن لم تنقطع، ما يعني أن الأمور لم تصل إلى خط النهاية.
هي ليست المرة الأولى التي يتكيف فيها الموقف الأميركي مع المواقف والسياسات الإسرائيلية، بالرغم من أن إسرائيل لم تبدل ولم تغير في سياساتها المتطرفة، إلى حد يثير التساؤل عمن يقرر سياسات الولايات المتحدة إزاء قضايا الشرق الأوسط، وخصوصاً القضية الفلسطينية. لا يحتاج الأمر إلى تلميع الذاكرة، بشأن مسار وسيرورة المواقف الأميركية، التي كان أكثرها فجاجة، تراجع الإدارة عن موقفها إزاء مطالبة إسرائيل بتجميد كامل للاستيطان، الأمر الذي أدى لاحقاً إلى استقالة السيناتور جورج ميتشل من مهمته كمبعوث أميركي لعملية السلام.
في كل مرة يثور فيها خلاف بشأن التسوية، تغدق الولايات المتحدة من العطايا والمكافآت والإغراءات للطرف الإسرائيلي، فيما تمارس ضغوطاً هائلة على الطرف الفلسطيني، الذي نجح في نزع كل الذرائع الأميركية حتى لم يعد لدى المسؤولين الأميركيين ما يطالبون به الفلسطينيين، سوى أن على حكومة الوفاق الوطني أن تعترف بشروط الرباعية الدولية.
حتى هذا الشرط أسقطه الرئيس محمود عباس في خطابه أمام المجلس المركزي في السادس والعشرين من الشهر المنصرم، لكن ذلك لم يمنع مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس من أن تكرر الشرط ذاته التي زارت إسرائيل الأسبوع الماضي ضمن رحلة الحجيج، إلى تل أبيب، التي تستقبل وزير الدفاع الأميركي، دون فاصل زمني بين الزيارتين.
هذه الزيارات، لا تنطوي على احتمال أن يتجه هؤلاء المسؤولون لتوبيخ إسرائيل، أو الضغط عليها، وإنما لتقديم المزيد من العطاءات والإغراءات والضمانات الأمنية، ولكن يبدو أن ذلك بدون جدوى، إذ يواصل نتنياهو وائتلافه اتخاذ المزيد من السياسات والإجراءات، والتشريعات، التي تذهب نحو مزيد من التطرف، ومزيد من العقابات أمام إمكانية استئناف المفاوضات.
العناد والتطرف الإسرائيلي، بلغ حد التقدم بمشروع قانون يمنع الإفراج عن أسرى فلسطينيين، وتكريس يهودية الدولة، وتكثيف الاستيطان وتهويد القدس، ما يعني أن إسرائيل تسقط سلفاً كل المطالبات والشروط الفلسطينية، وتغلق الأبواب أمام أي تحرك أميركي باتجاه التسوية.
كان ينبغي لكل ذي بصر وبصيرة أن يستنتج من رحلة المفاوضات الأخيرة أن إسرائيل بقيادتها الحالية، ليست في وارد البحث عن مفاوضات تؤدي إلى تطبيق رؤية الدولتين، وأن لا سبيل للمحاولة مرة أخرى، إلاّ لمنح إسرائيل الفرصة والوقت اللازم لمتابعة مخططاتها التي تخلو من أي احتمال لإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
الحجاج الأميركيون إلى إسرائيل، عادوا للبحث في ملفات عديدة، في مقدمتها الملف النووي الإيراني، الذي أرادت إسرائيل منذ البداية أن يكون الملف الأول، والأهم وربما الوحيد الذي يستحق التنسيق بينها وبين الولايات المتحدة، بخلاف ما أرادته الإدارة الأميركية التي ربطت هذا الملف بملف التسوية مع الفلسطينيين.
إن من يدرك هذه الحقيقة، والأرجح أن كل ذي صلة يدركها، يفترض ألا يجعل من ملف الحديث عن المفاوضات، وهو حديث بدون مفاوضات، موضع خلاف واختلاف فلقد تحول هذا الملف إلى شمّاعة، وفي أفضل الحالات إلى معركة تكتيكية، هدفها تغيير البيئة الدولية، ما يعني أن على الفلسطينيين المقبلين لتحقيق المصالحة الاهتمام بملفات أخرى أكثر أهمية.
من بين هذه الملفات، التي لا تحظى باهتمام، عملية التطبيع الجارية، والتي تتحمل المسؤولية عنها، قوى وجماعات تنفي كل الوقت استعدادها، للتطبيع أو الاعتراف بإسرائيل.
نبدأ هنا من فلسطين، حيث نشر جهاز الإحصاء المركزي تقريراً، تضمّن بين سطوره، معطيات رقمية بشأن العمالة الفلسطينية في إسرائيل، التقرير يتحدث عن ارتفاع عدد العاملين الفلسطينيين في المستوطنات الإسرائيلية من 18,900 عامل في الربع الأول من العام 2013 إلى 23,200 عامل في الربع الأول من العام الحالي 2014.
الأرقام تتناقض مع المنطق والأخلاق، وتتناقض مع القانون، إذ كيف يمكن مطالبة الأوروبيين وغيرهم بمقاطعة البضائع التي تصدرها المستوطنات، فيما عمال فلسطينيون هم بأيديهم من يقوم بإنتاجها.
على الوجهة ذاتها، نتساءل عن مغزى موافقة السلطات التونسية، على منح تأشيرات دخول للسياح الإسرائيليين إلى تونس، الأمر الذي يدعو للاستغراب ورفع علامات استفهام كبيرة، على رؤوس من يدعون أنهم مخلصون لمبادئ أولى ثورات الربيع العربي.
وفي الجوار، في المملكة المغربية، يتم السماح بعرض أفلام سينمائية إسرائيلية ودعوة شخصيات للمشاركة في مهرجان سينمائي مغربي، والسؤال هو: هل الحكومة المغربية التي يترأسها بن كيران موافقة أم غافلة عن الأمر، والسؤال هل هذه من بواكير الربيع العربي، بأحصنته الجديدة أم أن غياب أصحاب القضية، يشكل سبباً في هذه الموجة التطبيعية؟ واقعياً يكون الجواب الاثنين معاً، والأجدر ليبدأ الفلسطينيون بأنفسهم.
مجرمو "بوكو حرام" ... والموقف المطلوب!
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
بوكو حرام حركة دينية نيجيرية مهووسة وبالغة التطرف تأسست منذ اكثر من عقد من السنوات بهدف تحريم التعليم الغربي وملاحقة الطلبة والطالبات وحرق المدارس على رؤوس الدارسين فيها. بوكو حرام تعني "التعليم الغربي حرام" ولحظر هذا التعليم تقوم الحركة بالذبح شمالا ويمينا، وبالحرق طولا وعرضا. واليوم توسع وتنوع من قائمة جرائمها لتمتد إلى خطف البنات وبيعهن. ربما كانت هذه الحركة اكثر حركة في تاريخ الاسلام والمسلمين انحطاطا واجراماً، وتنافس في اجرامها وسخف افكارها كل من سبقها وكل من عاصرها من جماعات متطرفة اخرى, لأنها تجمع سخف الافكار إلى دموية الإجرام في منظومة واحدة. المعلم الاشهر في "جهاد" هذه الحركة هو الهجوم على المدارس والكليات وخاصة الداخلية وقتل الطلبة وهم نيام ورميا بالرصاص. لكن التطور الاخير والانتقال الى الخطف نقل النشاط الدموي للحركة إلى مستوى جديد. فزعيم العصابة اعلن منذ عدة ايام ان الفتيات المخطوفات سوف يعاملن كسبايا ويتم بيعهن او تزويجهن بالقوة.
مطلوب اكثر بكثير من مجرد الإدانة واصدار البيانات والفتاوى التي تقول ان الجماعة المجرمة التي تسمى بوكو حرام وافعالها لا تمت لدين او لخلق او لإنسانية بصلة. خطف مئات الصغيرات بإسلوب غادر وجبان ثم الاحتفاظ بهن والتبجح بالتخطيط لبيعهن هو سلوك يشل اللغة عن الوصف. مطلوب تضامن اوسع واعمق في العالم الاسلامي مع المخطوفات البريئات واهاليهن, ومطلوب التعبير المكثف عن هذا التضامن. اعلاميا وشعبيا وسياسيا, وعلى الاقل في البلدان العربية, ليس هناك سوى التغطية الاعلامية والإدانات الرسمية الجافة والتصريحات الدينية التي تدين الجريمة وتبتعد عنها, وكل ذلك وبرغم اهميته، يحدث خارج الحدث ولا ينخرط فيه بعمق وقوة. لكن كيف يمكن الإنخراط في الحدث وما هو التعبير المطلوب؟ الإجابة على هذا السؤال يمكن استنباطها عبر قلب الفاعل والمفعول به وإفتراض ان هناك جماعة اصولية مسيحية في نيجيريا اختطفت عدة مئات من بنات المسلمين وتهدد ببيعهن والإتجار بهن. عند ذلك ماذا سيكون الموقف وكيف سيكون رد الفعل في البلدان العربية والاسلامية, رسميا وشعبيا ومنظماتياً؟ ستخرج بطبيعة الحال مظاهرات كبيرة تندد بالفعل الاجرامي وتطالب بتحرير الفتيات، وتحمل الحكومة المعنية مسؤولية سلامة المخطوفات. وسوف تندلع الاحتجاجات امام السفارات النيجيرية في العالم الاسلامي وبعضها سوف يتعرض للإعتداء بل وربما الحرق. وبطبيعة الحال سوف تقفز وسائل الاعلام المتلفز منها والاجتماعي لنقل كل ما له علاقة بالحدث من قريب او بعيد، وتخصص له لقاءات اعلامية على مدار الساعة. واستيعابا للحالة الشعبية الغاضبة والاعلام الملتهب سوف تضطر الحكومات الاسلامية والعربية لإتخاذ خطوات او على الاقل بيانات تضامنية تقترب من الحس الشعبي الجارف. على صعيد المنظمات غير الحكومية والجمعيات الاسلامية وغيرها سوف تنظم حملات تبدأ من التبرع للمال دعما لعوائل المخطوفات ثم تمتد لتشمل كل شيء.
في ضوء هذه الاجابة المتوقعة على الحدث الافتراضي الذي يقلب شكل الحدث الحقيقي الواقع اليوم نستطيع ان نرى قصور رد الفعل العربي والاسلامي, وضرورة ان يتطور ويأخذ اشكالاً فعالة, او على الاقل منخرطة ومتفاعلة معه. وعلينا ان نقول انه في ضوء السجل الاسود الذي ابدعت في تسطيره جماعات الارهاب والاجرام التي تقوم بما تقوم به وتنسبه للدين والجهاد فإن الحاجة تزداد إلى رد فعل متفاعل ومتضامن مع المخطوفات واهلهن ومع نيجيريا بشكل عام ضد العصابة المتوحشة التي تروع الآمنين في شمالها. فهنا وخلال العقدين الماضيين او اكثر تم ترسيم صورة شائعة عناصرها هي التالية: اقلية صغيرة جدا في العالم الاسلامي تنفذ اجراما وإرهابا في طول وعرض العالم بإسم الاسلام والمسلمين, بينما الغالبية الكاسحة من المسلمين بريئة ولا علاقة لها بما يتم من اجرام ينُفذ بإسمها. لكن هذه الغالبية تكتفي بالصمت او الإدانة الخافتة لما يحدث, ليس لأنها موافقة عليه, بل بكل بساطة لأنها كسلى ولا أبالية وتعتقد ان بإمكانها ان تواصل العيش في نفس السفينة التي تعمل تلك الاقلية المجرمة على خرقها وتوسيع الثقوب في قعرها. بالتالي فإن نواتج ومنعكسات الاجرام الاقلوي تعود على الاغلبية ودينها وصورتها, ولذلك صار "العربي والمسلم" وليس فقط متطرفو الجماعات المسلحة ارهابي في كل مكان يذهب اليه. صوت التفجيرات المرعبة هو الذي يرتفع في العالم تحت رايات تحمل شعارات اسلامية, بينما صوت الغالبية الكاسحة مبحوح او غير موجود اصلا.
مطلوب ان يتحرك الناس بفعالياتهم المدنية وغيرها ويعلنوا تضامنهم مع المخطوفات: ان تتوجه وفود منهم مع الاعلام الى السفارات النيجيرية لتقدم عرائض تضامن مع اهالي البنات, وان تتوجه وفود من الجميعات الخيرية وغيرها الى نيجيريا لذات الغرض, ان يعلن المسلمون حيث كانوا وبالفم المليان ان ما تقوم به بوكو حرام من خطف وقتل ضد الابرياء هو جرائم دموية لا عنوان لها سوى الغدر بالآمنين مما لا يقره مبدأ او دين. وليس من المروءة هنا المماحكة والقول ولكن ماذا عن الضحايا من المسلمين الذين يقعون في افريقيا الوسطى او ميانمار وهنا وهناك. هؤلاء الضحايا هم ايضا يستحقون كل التضامن وكل التأييد وكل العمل الممكن لوقف الإبادات التي تنفذ ضدهم. لكن يجب عدم خلط الامور, فسقوط ضحايا هنا لا يبرر ولا بأي شكل من الاشكال قبول سقوط ضحايا هناك او التقليل من مآساتهم. والموقف الانساني والحقيقي والوجودي هو في اصلة الانتصار للضحايا والوقوف الى جانبهم بغض النظر عن خلفياتهم القومية وانتماءاتهم الدينية او الإثنية.
فلسطين: دولة الأمر الواقع
بقلم: عاطف أبو سيف – الايام
ظلت الدولة حلم الفلسطينيين طوال عقود من الكفاح الوطني وشكل البحث عنها أحد أيقونات الوطنية الفلسطينية واعمدة نضالها التحرري. ورغم تأخر ظهور الدولة كمفهوم في أدبيات النضال الفلسطيني بسبب طغيان القتال من اجل العودة إلى الفردوس المفقود، إلا أنها وبمجرد تسللها منذ نهاية السبعينيات وجدت مكاناً مرموقاً في الخطاب السياسي الفلسطيني واحتلت مكانة متقدمة في أجندة المطالب السياسية الفلسطينية، ودخلت كإحدى اهداف الكفاح الوطني الفلسطيني. وخلال تلك المسيرة الطويلة من تطور مفهوم الدولة الفلسطينية في أدبيات الثورة الفلسطينية خاصة أدبيات حركة فتح العمود الفقري للوطنية الفلسطينية طرأت تحولات وتطورات كثيرة على حدود هذه الدولة وعلى ماهيتها ونوعها. وهي تطورات لم تمس فقط قشور الفكرة بقدر ما مست جوهرها، وتركت أثراً كبيراً على جل مواقف وادبيات الثورة الفلسطينية.
وربما وبمراجعة سريعة ونقدية لممارسة الخطاب السياسي الفلسطيني خلال السنوات الأربعين الماضية يجب الاعتراف بأن هذا التركيز العالي على مفهوم الدولة ومحاولة تحقيقها كان له ثمن غال كثيراً من الناحية السياسية وقاد إلى الكثير من التغيرات في مواقف الثورة الفلسطينية. لقد أدي الإنشغال بمفهوم الدولة وبفكرة تحققها لأسباب كثيرة إلى غض النظر عن التغيرات التي باتت تطرأ على جل الأدبيات السياسية الفلسطينية خاصة المتعلقة بقضايا الصراع الكبرى مثل تحرير كامل التراب الوطني والعودة إلى داخل أرض الآباء والأجداد والعلاقة مع العدو ومستقبل الصراع وآليات حله. لم يتم التنازل عن هذه القضايا ولطن ما حدث عمليات تكييف بطيئة بات من المنطقي عن محاولة المزاوجة فيما بينها أن يتطلب الأمر بعض التحويرات على المواقف الأصلية. فلم يتم مثلاً التنازل عن فكرة الحق الطبيعي في أرض الآباء والأجداد ولكن مجرد التفكير في دولة على جزء من هذه الأرض فإن ثمة مقايضة سياسية (لا منطقية ربما ولكن ضرورية) تتطلب إقراراً بدولة العدو (الذي سيصبح جاراً) على بقية هذه الأرض. وإن القبول بالجزء كسر قوة المقولة بالحق الطبيعي الأبدي وجعل أي جزء قد يفي بالغرض حيث أن مبدأ تجزئة الحق واردة.
ثمة أسباب كثيرة قد تفسر مثل هذا "الشغف" الفلسطيني بفكرة الدولة والتي تقف حقيقة غياب الدولة في صلبها. فلم يعان الفلسطيني ربما من شيء سياسياً قدر معاناته من غياب الدولة كممارسة حقيقية وفعلية. ويمكن تصور سياقات مختلفة لتطور الصراع العربي الإسرائيلي منذ الهجرة الصهيونية الأولى لأرض فلسطين لو كان هناك في لحظة تاريخية قبل النكبة دولة فلسطينية مستقلة. بالطبع فقد كان جل جهد الصهيونية وفور انتصار الحلفاء على الرجل المريض في الحرب العالمية الأولى ان لا تتمتع فلسطين بأي استقلال كان حتى يحرم الفلسطينيين من دولتهم التي سيكون من العسير في حال وجودها تمزيقها والاستيلاء عليها. ليس لأن الصهيونية كانت حساسة بشكل كبير للقانون الدولي ولاحترامه، ولكن حتى على الصعيد الأخلاقي كان يجب أن يظل الفلسطينيون كما صورتهم دعايتهم بعض العرب الرحل العابرين في أرض التوراة. وهي صورة يمكن لمراجعة كتابات نقدية إسرائيلية أن تكشف عنها بشكل كبير مثل كتابي شلومو ساند "اختراع أرض إسرائيل" و"اختراع شعب إسرائيل" الصادرين عن مركز مدار.
وامام الممانعة الإسرائيلية الكبيرة لتحقيق حلم الدولة الفلسطينية وحتى من خلال اتفاق مع إسرائيل فقد نجح الفلسطينيون، رغم الكثير من الملاحظات، في تثبيت فكرة الدولة الفلسطينية في أدبيات المجتمع الدولي حول الصراع وصارت عبارة "الدولة الفلسطينية" لازمة لأي تصور حول مستقبل الصراع المزمن في الإقليم، ولم يعد تقبل الدعاية الصهيونية حول حقوق الفلسطينيين ممكناً كما كان من قبل. بدأ هذا من تقرير شومان الاوروبي في مطالع السبعينات من القرن الماضي مروراً بإعلان البندقية عام 1980 وبعد ذلك إعلان برلين عام 1999 وخطاب بوش أمام الجمعية العامة عام 2001. خلال ذلك جرت مياه كثيرة تحت الجسر.
تكرز الزحف الفلسطيني من الدولة باتفاق إلى الدولة كأمر واقع، وحقق الفلسطينيون الكثير من النجاحات في ذلك سيما في الاعوام الثلاثة الأخيرة. كان قبول فلسطين عضواً وإن ناقص العضوية في الجمعية العامة واحدة من اهم معارك الفلسطينيين الدبلوماسية ربما منذ الاعتراف بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني. لقد صار في التنظيم الدولي جسم معنوي اسمه دولة فلسطين، حتى إن لم توجد الدولة ككيان مستقل. تعزز هذا مع وجود مؤسسات وهيئات وموظفين وأفراد شرطة وشيء قريب من الجيش وسفارات وممثليات. لا يدور الأمر عن دولة افتراضية بكلمات نائب وزير الخارجية الإسرائيلي في تعليقه الساخر على عضوية فلسطين بل إن ثمة لحماً يكسو العظام وأسمنتاً يملأ الاعمدة.
أظن أن الرئيس محمود عباس رجم إسرائيل خلال هذا الصراع بحجارتها المفضلة: "سياسة الامر الواقع". فهو يعرف أن ما يثبت في السياسة هو ما يتحقق. لذا عمل وامام أي تعطيل تقوم به إسرائيل في عملية التفاوض على فرض أمر واقع جديد عليها. كان ثمار ذلك الكبرى في تحصيل العضوية عام 2012. وما ان عطلت اسرائيل اطلاق سراح الدفعة الرابعة من الاسري حتى وقع على الانضمام إلى 15 منظمة وهيئة دولية. احتجت إسرائيل وهددت وتوعدت ولكنها في آخر المطاف عادت للمفاوضات. وعلى نفس المنوال ذهب الرئيس أبو مازن للمصالحة رغم زعيق إسرائيل وتهديدها، ففي نهاية المطاف ستقبل إسرائيل بالامر الواقع وهو وجود حماس كجزء من النسيج السياسي الفلسطيني.
بالتراكم، فإن ثمة وضعا قانونيا ومؤسساتيا وسياسيا يجعل الدولة الفلسطينية امرا واقعا لا يمكن تغيره ويصبح على المجتمع الدولى ان يجب على أسئلة كبرى تتعلق بمستقل عضو اساس فيه هو دولة فلسطين. يساهم في ذلك تنشيط حركات المقاطعة والتضامن وتفعيل المقاومة الشعبية. إن الدولة الفلسطينية التي لم تتحق دفعة واحدة تتجسد خطوة خطوة وحبة حبة كما يقول المثل، حيث أن تمظهر هذه الدولة يصبح أكثر تحققاً من خلال تلك الخطوات الصغيرة والجريئة، وإن على إسرائيل التي اكتشف الكثير من سكانها فقط مع الانتفاضة الفلسطينية أنهم يحتلون شعباً آخر، ستدرك أنها تحتل دولة أخرى، وأن المجتمع الدولي الذي اعترف بعد جهد جهيد ان ثمة شعب آخر اسمه الشعب الفلسطيني سيدرك بان ثمة دولة أخرى موجودة فعلاً اسمها دولة فلسطين، وعليه أن يتصرف وفق هذا الأساس. إنها دولة الأمر الواقع.
ترتيبات ما بعد حكومة الائتلاف الوطني !!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
ما حدث في غضون السنوات الخوالي 2007 ـ 2014، ميدانياً، خاصة فيما يتعلق بالبنى المؤسساتية الفلسطينية، الأمنية وغيرها من مؤسسات، بلور حالات وأشكالا، تتعارض بالأساس مع مفهوم الوحدة والانسجام، ما ترتب هو مُعطى موضوعي، لا يمكن تجاهله أو القفز عنه، والموضوعية تقتضي دراسته وتشخيصه، بغية علاجه وتجاوزه وإنهائه في المدى المنظور القادم.
فلسفة العمل الوحدوي والاندماجي، والعودة للجسم الواحد، تتطلب البحث عن نقاط التلاقي، وتوظيف الممكن البسيط لتجاوز الممكن الصعب.
هنالك صعوبات جمة بل وخطيرة، ومن الممكن في حال عدم تشخيصها، تشخيصاً جيداً، والعمل على تجاوزها بأناة وصبر وطول بال، أن تلعب ـ لا سمح الله ـ دوراً تعجيزياً ومعطّلاً.
ترتيبات ما بعد تشكيل حكومة الائتلاف، عادة ما تبدأ، بتشخيص الحالة، تشخيصاً صحيحاً، بعيداً عن قواعد الماضي وموازينه، لأن للمستقبل منطقه واعتباراته وقواعده، وبعد التشخيص، توضع خطط العلاج، التي تبدأ مما هو بسيط وسهل، لتنقل إلى ما هو أعقد وأصعب.
من الطبيعي أن يبحث أصحاب التعطيل والداعين، لإبطال مفاعيل إنهاء الانشقاق والخلاف، إلى الانتقال فوراً، لأصعب العقد بل وأشدها صعوبة، وأن يهولوا في الأمور ويضخّمون نقاط الخلاف، للإبقاء الحال على حاله.
حكومة الائتلاف الوطني، هي عنوان المرحلة السياسية القادمة، بل ومظلتها الحامية، في ظل هذه الحكومة ستدار الأزمة، أزمة الانقسام الخطير.
وفي ظل هذه الحكومة، ستعمل مؤسسات وإدارات وهيئات، بعضها إداري وبعضها الآخر سياسي وأمني، وفي ظل هذه الحكومة، سيجري الانتقال من نقطة إلى أخرى، وصولاً لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني.
وفي ظل هذه الحكومة، سيدار الصراع المشروع، بين برامج مختلفة، لكنها تتلاقى حول نقطة محورية واحدة، هي مصلحة الوطن العليا، وعلى الصعد كافة، السياسية والأمنية والإدارية والاقتصادية.
قضية الترتيبات ما بعد تشكيل الحكومة، ليست سهلة ولا يسيرة، بل وتحتاج وقتاً كافياً لتجاوز ملفات سنوات الماضي الخلافي 2007 ـ 2014.
حكومة الائتلاف الوطني القادمة، ستكون المظلة الحامية لذلك، وستكون الناظم ـ المايسترو، القادر على إدارة هذا التجاوز، بأقل قدر من الخلافات والمزيد من الصراعات، بهدف الوصول إلى برّ الأمان، المتمثل بصناديق اقتراع نزيهة وشفافة وبتعاون الجميع.
علينا أن نراقب لغتنا ونبراتنا، وعلينا أن نتابع الخطى، بشيء من الحذر وبمقدار غير محدود من الحرص على المسارات الوطنية القادمة، عبر خطى متتالية، هادئة وحكيمة وشجاعة وشفافة في آن معاً.
تغريدة الصباح - تدفيع الثّمن
بقلم: محمد علي طه – الحياة
لا أحد من قريب أو من بعيد في المؤسّسة الإسرائيليّة يعرف الصّبيّ المدلّل المدعو "تدفيع الثّمن".
لعلّه قدم إلينا من صخرة صمّاء أو ربّما انشقّت الأرض وقذفته أو كأنّ جنيّاً تغوّطه أو كوكباً بلا اسم بصقه.
والأمن الاسرائيليّ الذي قصف قافلة سيّارات في السّودان لأنّه عرف حمولتها ووجهتها والذي قبض على سفينة في عرض البحر على بعد مئات الأميال بعد أن تأكّد من محتوياتها لا يعرف هذا الصّبيّ الشقيّ الذي حرق مساجد وكنائس وسيّارات وهدّد وتوعّد بتنظيف البلاد من العرب.
ولا يعرف تعني لا يعرف. دون لفّ أو دوران. صدّقوا أو لا تصدّقوا. ولكن في شهر أيّار 2013 صدر عدد من مجلّة "يسرائيل" التي تصدر عن "معهد بحثّ الصّهيونيّة" في جامعة تل أبيب وفيه مقال مثير للباحثة افرات زكبخ بعنوان "الأعمال الانتقاميّة لمئير هار-تسيون ? واقع وذكريات"، تعتمد فيه على مصادر موثوقة، وذكرت فيه أنّ "شوشانة" وصديقها "عوديد" عبرا الحدود الأردنيّة في العام 1954 في مغامرة لهما وقُتلا هناك، ولمّا علم أخوها مئير هار-تسيون بذلك حمل، وثلاثة من رفاقه، سلاحاً من مخزن الجيش الإسرائيليّ وتوغّلوا في الأراضي الأردنيّة وبعد 9 كيلومترات هاجموا خيمة وأسروا أربعة من البدو الأبرياء وقادوهم إلى الوادي القريب لقتلهم، وفي الطّريق صادفوا خيمتين فهاجموهما وقتلوا بدويّين وأسروا بدويّاً عجوزاً. وتروي الباحثة أنّ هار-تسيون ورفاقه حقّقوا مع البدو الخمسة حول مقتل شوشانة وصديقها ولم يتوصّلوا إلى شيء، وعندئذ طعنوا الرّجال البدو الأربعة بالسّكاكين واحداً بعد الآخر حتّى الموت، وأمّا البدويّ الخامس، أيّ العجوز، فأطلقوا سراحه كي يروي لأبناء قبيلته ما شاهده بأمّ عينيه.
تساءل موشيه شاريت، رئيس حكومة إسرائيل يومئذ، في مذكّراته: "كيف حقّقوا معهم وفهموا أقوالهم وهم لا يعرفون اللغة العربيّة ألبتة؟" وطلب شاريت توضيحاً من الجنرال موشيه ديّان، رئيس الأركان. واتّضح لشاريت أنّ قادة هارتسيون، جندي المظلات، عرفوا مراده منذ البداية إلا أنّهم وبما فيهم أرئيل شارون ساعدوا على اخفاء الجريمة.
وتحوّل مئير هارتسيون إلى بطل قوميّ وترقّى إلى قائد فرقة وبعد تسريحه من الخدمة العسكريّة منحوه مزرعة واسعة شاسعة من الأراضي العربيّة وتطوّع جنود للعمل فيها معتبرين الرّجل قدوة والعمل في المزرعة واجباً قوميّاً.
في شهر نيسان 2014، بعد ستين عاماً، مات مئير هارتسيون فكتب أدباء معروفون، وصحفيون بارزون مراثي تشيد ببطولته كما رثاه رئيس دولة إسرائيل.
وكلمة مئير معناها منير وأمّا هارتسيون فتعني جبل صهيون!!
هل كان هارتسيون رائداً في "تدفيع الثمن"، أم أنّه واحد من قافلة امتدّت منذ قدوم هربرت صموئيل إلى بلادنا حتّى اليوم؟
قال القاضي المعروف، بروفيسور اهرون براك، رئيس محكمة العدل العليا الأسبق: "ما حدث في دولة غوتة وشيللر قد يحدث في كل مكان".
فلسطين و"نكبة البرامكة" (1 من 2)
بقلم: عدلي صادق – الحياة
لا تروق لي تسمية الغزو الذي أدى الى استلاب وطني "نكبة"، لما في هذه التسمية من تجهيل لفاعلين معلومين، ولكونها ليست إعصاراً لا يُشتكى صانعه ولا يلاحق إلا بالحمد والشكر. ربما للمرة الأولى، يعترض فلسطيني على التسمية ويراها رزّية نفتتح بها الحديث عن سائر الرزايا. وليس الاعتراض هنا، يتعلق بقدرية النكبات وحسب، من حيث كونها وقائعَ أقدار أوقعتها، في السياق الموضوعي للحياة، قوة علوية هي رب العالمين عند المؤمنين. فهذا هو منحى التعليل عندما تعصف بالناس نكبات الزلازل، ولا يكون في وسع المنكوب سوى الرضوخ للأقدار، وإجزال الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه!
لا خلاف على كون التسمية المختزلة، كعنوان؛ هي مُفتتح الرواية التي تدلك كل صفحة منها على أسماء فاعلين وأدوار خائنين. وربما لا اختلاف على أن التسمية أطلقت ببراءة أو بغير إحاطة بالأبعاد النفسية للتسميات التاريخية. ونقدم هنا، مقاربة لما يمكن افتراضه من أسباب هذا التسكين في تسمية عمل بربري، جرى فيه احتلال أرضنا والاستحواذ على كل ما عليها من بيوت وحقول ودكاكين وجوامع وكنائس ومعامل ومدارس ومتنزّهات وخلافه، وتشتيت شعبنا في أربع جهات الدنيا اللئيمة. يمكن القول في هذه المقاربة، إن جريان التسمية وتكريسها، لا علاقة لهما بنوايا مُطلقها الأول، ولا علاقة للأمرين بالسياسة، مع التسليم بعلاقتهما بالوجدان!
المُخترع الأول، هو شاعر مصري بديع، من أصول شركسيّة، اسمه أحمد مُحرّم (1877 ــ 1945) لم يكن أصلاً، يتحدث عن بانوراما المشهد بعد انتهاب فلسطين. فقد نشر قصيدته في العام 1933 أي قبل ما نسميه "النكبة" بخمسة عشر عاماً وضمّنها إحساسه بالهول مما يجري في بلادنا: يا فلسطين اصطَليها نكبةً..هاجها للقوم عهدٌ مضطرمْ/ واشهديه في حماهم مأتماً..لو رعوا في الضعف حقاً لم يَقُمْ/ واشربي كأسك مما عصروا.. من زعافٍ جائل في كل فمْ/أذكري يومك في أفيائهم..ودّعي الأمس فلا يُغني الندم/الجهاد الحرُّ يقضي حقَّه..سؤددُ العُربِ ويحميه العَلَمْ/ لا تنامي للعوادي وادأبي..واذهبي طامحةً في المُزدَحَمْ/ ليس بالمُدرك حقاً..نامَ والأحداث يقظى لم تنمْ!
الشاعر أحمد محرم، نشر قصيدته في جريدة "البلاغ" المصرية التي أصدرها في أوائل العشرينيات، عبد القادر حمزة، أحد أعلام الفكر الوطني في مصر. ومن المفارقات، أن أحمد محرم، عندما اختار تسمية "النكبة" لوصف ما يحدث في فلسطين، قبل أن تنكبها الصهيونية ومعها القوى الاستعمارية وأذنابها من الطرابيش العربية؛ أوقع نفسه في التكرار بحُسن نية، لأنه نشر قبل ذلك قصيدة بعنوان "نكبة البرامكة" تصف المقتلة والتشريد اللذين اقترفهما هارون الرشيد في حق البرامكة ذوي الفضل عليه، وقضى على مركز قوتهم ونفوذهم في الدولة العباسية إبان حكمه. ولا مجال هنا، للإسقاط على موضوع "النكبة" فينا، بما يتشابه من مفارقات وأسباب تلك التي أصابت البرامكة. فبعد أن وقع لنا ما وقع، التقط "عارف العارف" التسمية من القصيدة، فأطلقها على مجمل عملية الغزو الفاحش والانتهاب، وأصدر كتابه "النكبة والفردوس المفقود" وهو ما ستأتي الإشارة اليه.
الشاعر السباق الى التنكيب في وصف حدث الغزو التاريخي لفلسطين وتواطؤاته؛ تحمس لإنصاف البرامكة، وهم من أصل فارسي وكان جدهم مجوسياً، بينما هو صاحب ملحمة شعرية من ثلاثة آلاف بيت، باسم "الإلياذة الإسلامية" يمجد فيها بطولات التاريخ الإسلامي. كان الشاعر رقيقاً تقياً، منصفاً في انحيازه للضحايا ضد فعل استبدادي. أم كبير الضحايا أرضعت هارون الرشيد، مع ابنها الذي بات نديمه وصديقه ومؤنسه الفصيح ووزيره الأثير فيما بعد "جعفر". تماماً مثلما أرضع العرب طفولة الوجود البريطاني في بلادنا وتفاصح شعراؤنا في مديحه. كان نفوذ البَرْمك في الدولة العباسية، طبيعياً بحكم التداخل والمآثر. لكن هارون الرشيد، حرّم ما حلله الله من الحق. لقد فاضت محبته لـ "جعفر" حتى لم يعد يحتمل فراقه، وهو في الوقت نفسه، شديد الإعجاب بشقيقته "العباسة" ولا يقوى على مفارقتها. فكيف يجمع الاثنين معاً في مجلسه، فيما يخالف تقاليد القصر؟ اضطر الى عقد قرانهما مشترطاً أن يكون نكاح كلام مع امتناع عن المضاجعة. تُتاح المجالسة وكفى. وحسب "الطبري" قال "هارون" لصاحبه "جعفر": سأزوجك إياها ليحل لكما أن تجتمعا، ولك أن تنظر كيفما تشاء، ولا اجتماع بدوني". غابت عنه حكاية الحب واحتمالات الجموح واشتعالات الرغبة في "ممارسة" الحق البهيج. طمأنه كون "أم جعفر" تقدم لابنها، مليحة عذراء من الجواري في ليلة كل جمعة، ولا حاجة عنده لنكاح "العباسة" على الرغم من ملاحتها. لكن هذه الأخيرة، رغبت في امتطاء عاجل، يُحيل الحب الى كيمياء شاملة؛ فلجأت الى حيلة إحلال نفسها محل عذراء الجمعة المقبلة!
كانت الأمور تفاقمت على صعيد المشهد العام، واستحكمت حلقات الدسائس التي حيكت للبرامكة، فجاء فض البكارة، لكي يفتح أفقاً للسيف والى جنون التشريد والاستلاب. كان الفاعل ــ بالطبع ــ معلوماً، والضالعون، من أهل الدسيسة والتواطؤ والخيانة كانوا معلومين. وقعت "نكبة" وهذا هو اسمها طالما أن خاتمة الاستلاب، جاءت بسلب إرادة الضحايا في استرجاع أي حق!