المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقالات في الصحف المحلية 14/05/2014



Haneen
2014-12-18, 12:15 PM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية





</tbody>

<tbody>
المقالات في الصحف المحلية




</tbody>

<tbody>
الاربعاء
14/5/2014





</tbody>

<tbody>




</tbody>





رفض اسرائيلي متعمد للسلام والمفاوضات
بقلم: حديث القدس – القدس
ما الخطأ الذي حدث ؟
بقلم: : أ.د. ألون بن مئيــر – القدس
ولنا في "عنقاء" العراقيب عبرة حسنة
بقلم: الأسير المقدسي حسام زهدي – القدس
أزمة حكم مزمنة...!
بقلم: خالد الدخيل – القدس
الواقع الجديد للسياسة الفلسطينية
بقلم: د. سليمان جرادات - القدس
عام آخر من عمر النكبة..
بقلم: عوني صادق – القدس


"تفعيل" م.ت.ف: المفارقات والمطابقات !
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
العقيدة الأمنية الإسرائيلية .. وتقليص ميزانية الحرب !!
بقلم: هاني حبيب – الايام
الأمن: مستقبل غزة والقضية بعد المصالحة
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
نكبتنا وسؤالهم المفتوح
بقلم: علي جرادات – الايام

اطلالة عربية - إذا أردت أن تحتفظ بحبيبك !
بقلم: إبراهيم عبد المجي – الحياة
فلسطين و"نكبة البرامكة" (2-2)
بقلم: عدلي صادق – الحياة
لك المجد ايها الألم العظيم
بقلم: يحيى رباح – الحياة
النكبة من منظور الرياضة
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
حتى يكون هناك رادع
بقلم: بهاء رحال – الحياة
حذار من ازدياد الجرائم
بقلم: محرم البرغوثي – الحياة











رفض اسرائيلي متعمد للسلام والمفاوضات
بقلم: حديث القدس – القدس
يتباكى المسؤولون الاسرائيليون وتذرف وسائل إعلامهم دموع التماسيح على فشل المفاوضات مع الجانب الفلسطيني برعاية الولايات المتحدة. ولا يخجل هؤلاء واولئك عن تحميل الفلسطينيين والرئيس محمود عباس تحديدا المسؤولية عن فشل المفاوضات. وينطبق عليهم مفهوم المثل القديم "رمتني بدائها وانسلت".
فعملية السلام التي من المفروض أن تكون مرجعيات الشرعية الدولية والقراران 242 و338 إطارها الناظم، ليست بحاجة لكل هذه الجلسات المطولة والمماحكات الاسرائيلية اللانهائية لوضعها موضع التنفيذ، وإنما هي تتطلب فقط جدولا زمنيا للانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، تمهيدا لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ومعلوم للعالم وبشهادة العديد من المنظمات الدولية أن الدولة الفلسطينية ببنيتها السياسية والمؤسساتية قائمة الآن بل منذ عدة سنوات بالفعل، ولا ينقصها سوى سحب القوات الاسرائيلية وتفكيك المستوطنات التي اعتبرتها الأمم المتحدة غير شرعية وتتناقض مع أي مفهوم منطقي وإنساني للسلام العادل.
اسرائيل قبلت تنفيذ القرارين الدوليين بالنسبة لمصر والأردن ولم تستغرق المفاوضات لتنفيذ القرارين في هاتين الحالتين سوى شهور معدودة. أما بالنسبة لفلسطين فما تزال المفاوضات بين إجراء وتوقف منذ العام 1991 أي منذ ثلاثة وعشرين عاما، وهي مرشحة للامتداد إلى ما لا نهاية إذا استمر نهج التوسع الاستيطاني ورفض الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية من جانب الحكومات الاسرائيلية.
والغريب أن المسؤولين الاسرائيليين ووسائل إعلامهم يعترفون بأن فشل المفاوضات يعود في الأساس إلى رفض اسرائيل التحدث عن حدود الدولة الفلسطينية وإصرارها على مواصلة التوسع الاستيطاني وتنصلها من تنفيذ المرحلة الأخيرة من اتفاق الإفراج عن الأسرى، لكنهم مع ذلك يبحثون عن مشجب فلسطيني يعلقون عليه فشل المفاوضات.
وهم في بحثهم عن هذا المشجب المزعوم يتخبطون ولا يجدون سوى توقيع أبو مازن 14 وثيقة دولية انضمت إليها فلسطين- علما بأن هذا التوقيع جاء عقب رفض حكومة بنيامين نتنياهو إطلاق سراح قدامى الأسرى الفلسطينيين، وبعد أن أصبح ظاهرا للعيان أن المفاوضات قد فشلت بفعل المواقف الاسرائيليةالمتشددة.
الخطوط العامة والأساسية لعملية السلام واضحة وتتمثل في الانسحاب الاسرائيلي العسكري والاستيطاني الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة، مقابل السلام الشامل الذي سيتسع إلى العالم العربي، وهذا ما عبرت عنه مبادرة السلام العربية التي رفضتها اسرائيل لسبب بسيط وهو أنها لا تريد السلام وإنما تريد ابتلاع وتهويد الأراضي الفلسطينية وتستخدم عامل الزمن لكسب الوقت من أجل تنفيذ مخططاتها التوسعية.
الحكومة الاسرائيلية ترفض السلام من خلال رفضها الاعتراف بالحقوق الفلسطينية المشروعة. وهذا رفض متعمد ومع سبق الإصرار لعملية السلام. والسؤال هو : كم من الوقت سيحتاج الفلسطينيون ليدرك المجتمع الدولي هذه الحقيقة الواضحة ويتصرف على أساسها لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة كلها؟.


ما الخطأ الذي حدث ؟
بقلم: : أ.د. ألون بن مئيــر – القدس
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
إنّ فشل المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين والأسباب الكامنة وراء هذا الفشل كانت من الأمور القابلة بشكل ٍ قطعيّ للتنبّؤ بها. فأنا، كآخرين غيري، كنت أقول بأنه وبصرف النظر عن تصميم الولايات المتحدة لقيادة كلا الطرفين للإتفاق على حلّ الدولتين، فإن الطاقة والموارد ورأس المال السياسي الذي كرّسه وزير الخارجيّة الأمريكي جون كيري لتحقيق هذا الهدف كانت جميعها بدون فائدة على الإطلاق. وبالفعل، فإن التعهدات للوصول إلى اتفاق، وبالأخصّ من طرف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإرادة الولايات المتحدة في ممارسة الضغط اللازم كانت غير موجودة.
لقد اقترف كيري خطأ ً فادحا ً بوضع قواعد اللعبة التي لم تكن ستؤدي منذ البداية إلى تقدّم، مثيرا ً بذلك شكوكا ً خطيرة حول إمكانيّة التوصّل لحلّ. لقد استسلم كيري منذ البداية لمطالب نتنياهو لمعالجة قضايا إسرائيل الأمنيّة أوّلا ً بدلا ً من معالجة موضوع الحدود الذي قد يحدّد معالم الدولة الفلسطينيّة التي كان عبّاس بحاجة ماسّة لها للسماح له بإبداء مزيد من المرونة. وإذعان كيري لرفض نتنياهو تجميد التوسّع في الإستيطان لم يكن سوى قبلة الموت للمفاوضات. ففي كلّ مرّة كان يُعلن فيها عطاء جديد لبناء وحدات سكنيّة كانت تُثار من جديد شكوك سيكولوجيّة وعمليّة لدى الفلسطينيين حول نوايا نتنياهو الفعليّة. فاستمرار التوسّع في الإستيطان خلال فترة المفاوضات كان ُينظر له بمثابة ضمّ بطيء زاحف للأراضي الفلسطينيّة، الأمر الذي يعتبره الفلسطينيّون وبحقّ أمرا ً مدمّرا ً لإقامة دولة فلسطينيّة.
لم يصرّ كيري أيضا ً على أن يتوقّف قادة كلا الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، عن انتقاد بعضهما البعض علنا ً خلال فترة المفاوضات، الأمر الذي قوّض الدعم الشعبي من طرف الإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ ٍ سواء بدلا ً من حشده وتعزيزه. وتعيين مارتن إنديك كوسيط لم تكن فكرة حكيمة لأن الفلسطينيين كانوا ينظرون إليه كمتحيّز لصالح إسرائيل. وزاد الطين بلّة انصياع كيري لعذر نتنياهو بأن حكومته ستنهار إن هو قام بتجميد البناء في المستوطنات في حين كان بإمكان نتنياهو تجنيد الدّعم الشعبي لو كان هو فعلا ً يسعى وراء حلّ الدولتين.
وبالرغم من إدراكه بمدى حساسيّة موضوع التوسّع الإستيطاني بالنسبة للفلسطينيين، فقد نسف وزير الإسكان بحكومة نتنياهو المفاوضات عندما أصدر عطاءات لبناء وحدات سكنيّة جديدة اصدرها وقتها عمدا ً لإغضاب كيري وعبّاس.
والرئيس أوباما، موصوما ً بفشله خلال فترة رئاسته الأولى، بقي مشاركا ً بطريقة غير مباشرة في المفاوضات، موفّرا ً على نتنياهو وعبّاس الضغط اللازم الذي بإمكانه هو فقط أن يمارسه.
كان من المفروض أن يكون الأمر بالنسبة لكيري أكثر من واضح في أنّ نتنياهو لم يكن أبدا ً ملتزما ً بالتوصّل لحلّ، وبالتأكيد ليس حلاّ ً قد يؤدي لقيام دولة فلسطينيّة. كان نتنياهو يعتمد – وما يزال – على رضا أو قناعة الإسرائيليين بخصوص إمكانيّة التوصّل لسلام حيث قبل معظم الإسرائيليين برواية نتنياهو المضللة بأنه لا يوجد شريك للتفاوض معه وبأنه لا يمكن الوثوق بالفلسطينيين.
أجل، على إسرائيل بزعامة نتنياهو تحمّل الجزء الأكبر من اللّوم، فقد استغلّ نتنياهو تردّد وضعف عزيمة كيري وتمكّن لسبب وجيه من الإعتماد على الكونغرس الأمريكي وعلى اللوبي اليهودي لمنع كيري من الضغط على إسرائيل للقيام بأية تنازلات مجدية للإبقاء على سير العمليّة السلميّة. لقد أصرّ نتنياهو وبمهارة على التفاوض أوّلا ً على قضايا الأمن القومي الإسرائيلي لمنع مفاوضات ٍ حول الحدود التي من شأنها أن تسهّل المباحثات حول قضايا الأمن القومي ومستقبل العديد من المستوطنات.
وكوسيلة لمنع التوصّل إلى اتفاق، يبدو أنّ نتنياهو استعار صفحة أو اثنتين من "المرشد" الإيراني في إدارة المفاوضات وذلك باللعب لكسب الوقت والكلام فقط حول حلّ الدولتين للإستهلاك الدولي والمحلّي في الوقت الذي يرفض فيه العمل على تحقيقه.
وبالرّغم من قيام نتنياهو بتعيين تسيبي ليفني كرئيسة للفريق الإسرائيلي المفاوض، غير أنّ تعيينه أيضا ً إسحق مولخو، صديقه الحميم وقريبه، للإنضمام لطاقم التفاوض كان بقصد مراقبة ليفني ومنعها من القيام بأية تنازلات قد يرفضها.
وبكلّ إنصاف أقول بأن الفلسطينيين هم الطرف الذي يتحمّل أقلّ قدر من المسئولية عن انهيار المفاوضات. كان الرئيس عبّاس بحاجة لأن يبيّن بأنه لا يستسلم دائما ً لنزوات نتنياهو أو ضغوط كيري لأنه كان يشعر طيلة الوقت بأنه قد قام بعدّة تنازلات ٍ هامة دون تنازل واحد من الطرف الإسرائيلي. لقد اشتملت هذه التنازلات على السّماح لإسرائيل بالإبقاء على بعض القوات على طول نهر الأردنّ لمدة خمسة أعوام وإيجاد حلّ لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين تقبل به إسرائيل، هذا إضافة إلى قبوله دولة فلسطينيّة منزوعة السّلاح والسّماح لمعظم المستوطنين (80 %) بالبقاء في مستوطناتهم على طول حدود عام 1967 كجزء من إسرائيل.
زد على ذلك، عبّاس يعاني من نقص ٍ في الإجماع بين الفلسطينيين، فهو لم يشعر بأنّ لديه التفويض السياسي من جميع الفلسطينيين في حين أنّ حماس كانت حتّى الفترة الأخيرة تراقبه عن كثب.
لقد فاوض الرئيس الفلسطيني رغم ان نتنياهو رفض القيام بأية تنازلات جوهريّة حتّى تجميد بناء وحدات سكنيّة جديدة في الضفّة الغربيّة لفترة ٍ قصيرة من الزّمن.
ولجميع هذه الأسباب وغيرها، من السخرية أن نسمع من كبار المسئولين الأمريكيين وغيرهم ممّن لديهم اطلاع مباشر بالمفاوضات إصرارهم بأن مبادرة كيري، خلافا ً لأية جهود وساطة في الماضي، ستنجح في النهاية في صنع سلام ٍ إسرائيلي – فلسطيني.
لقد كان كيري صريحا ً تماما ً ولسبب ٍ وجيه في إلقاء اللوم على إسرائيل لانهيار المفاوضات. ولكنه على أية حال لم يعترف أبدا ً بأنه ساهم هو أيضا ً في الوصول لهذا المأزق لأنّ المفاوضات كانت تستند منذ البداية إلى عملية فيها تصدّع وخلل.
لربّما درس واحد مهمّ قد تمّ فهمه من هذا التمرين المؤلم، وهو ما ذكره الرئيس أوباما بشكل ٍ واضح عندما قال:"......إذا لم نر اتفاق سلام، ونرى بناء استيطاني عدواني مستمرّ – وقد شاهدنا بناء استيطاني خلال السنوات الأخيرة الماضية أكثر ممّا شاهدناه خلال فترة ٍ طويلة من الزمن – وإذا توصّل الفلسطينيّون إلى قناعة بأن إمكانية قيام دولة فلسطينيّة متصلة الأرجاء وذات سيادة لم يعد في متناول اليد...حينها ستصبح قدرتنا على السيطرة على التداعيات الدولية محدودة". وعسى أن تصغي إسرائيل لتحذير أوباما !
ولنا في "عنقاء" العراقيب عبرة حسنة
بقلم: الأسير المقدسي حسام زهدي – القدس
العراقيب، أرض مساحتها آلاف الدنمات، تقع جنوبي مدينة رهط وشمالي مدينة بئر السبع، ومن الشرق يحدها منطقة الفخاري غربي عرب اللقيه، ومن الغرب الطريق القديم لمدينة عزة، وتقطنها عائلة أبومديغم، أبناء حمولة الطوري اللذين يسكنوها منذ مئات السنين.
في بداية السبعينيات من القرن الماضي تم إجلاء سكانها واقتلاعهم بالقوة بحجج وذرائع أمنية واهية حيث تم نقلهم إلى مدينة رهط كاحدى المجمعات السكنية البدوية في النقب، والتي أقيمت خصيصاً لتجميع البدو والسيطرة على أراضيهم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي المتمثلة بما يسمى "دائرة أراضي اسرائيل".
ففي منطقة النقب انتهجت دولة الاحتلال سياستها الدائمة فيما يتعلق بالارض، سياسة "التحريم والمصادرة"، وهذه السياسة تعني استصدار أوامر عسكرية بمنع أصحاب الارض الأصليين وحرمانهم من زراعتها أو حتى الوصول إليها بذرائع أمنية. يأتي في مقدمتها إجراء مناورات وتدريبات عسكرية، وهذا "التحريم" يشكل لاحقاً الادعاء المركزي في المحاكم الاسرائيلية: بأن هذه الأراضي غير مستغلة، الأمر الذي يسهل مصادرتها فيما بعد ويضمن ضمها للمستوطنات التعاونية والزراعية الاسرائيلية.
إن مشكلة المشاكل بعد الاحتلال التي جعلت من الأرض الفلسطينية –بشكل عام- عرضة للسلب والنهب، ناجمة عن سياسة الدولة العثمانية الجائرة في تسجيل الاراضي "الطابو"، فغالبية الناس كانوا يعزفون عن توثيق أملاكهم في سجلات "الطابو" خشية الضرائب الباهظة التي كانت تجبيها الدولة من الفلاحين والمزارعين، وكانوا يستعيضون عن ذلك بمعاملات خاصة فيما بينهم "الحجج أو السندات"، مما ترك غالبية الأراضي "ميري"، أي ملكاً للدولة، أما البدو فكان لهم نظامهم العشائري الخاص في تحديد الملكية، يعتمد على إشارات حدودية توضح ملكية كل عشيرة، وهذا ما لم تعترف به سلطات الاحتلال.
ولم يترك الاحتلال طريقة لإرغام الناس على ترك أراضيهم إلا واتبعها، فأسلوب "الترغيب والترهيب" الذي مارسته مؤسسات الاحتلال من اللحظة الأولى ضد السكان الأصليين في النقب، كان له الأثر الأبرز في تسليم الناس بالأمر الواقع، إما استجابة من البعض للبدائل المطروحة (التجمعات السكنية) وإما خوف الاغلبية من بطش مؤسسات الاحتلال الأمنية والعسكرية.
ومن الجدير ذكره أن مسألة الوعي بقيمة الأرض كمصدر أساسي للرزق تراجعت بعد الإحتلال الذي سعى جاهداً إلى قلب حياة الفلسطيني من إنسان يعيش على الأرض ويعتاش منها إلى مجرد انسان يعتمد في معيشته على العمالة في المرافق الاقتصادية لدولة الاحتلال، وهكذا ضربت اسرائيل قيمة الانتماء للأرض والارتباط بها بمجرد تحويل علاقة الانسان بها إلى علاقة سكنية مجردة، أي مكان للمبيت.
ان هذا التحول السلبي في العلاقة الجدلية روحياً وانسانياً ووطنياً بين الانسان والأرض توقف، وبدأ يسترد عافيته منذ احداث يوم الارض الخالد (30 آذار، 1976) واليوم الذي شكل محطة فاصلة في حياة الشعب الفلسطيني، واعاد للعلاقة طبيعتها، خاصة في صفوف ابناء شعبنا في الداخل الفلسطيني المحتل.
وتكمن خصوصية سكان النقب أنهم كانوا بعيدين ومبعدين عن هذا التحول الايجابي نتيجة لتحكم العقلية القبلية في نظام العشائر والحمائل في حياة الناس، والتي استغلت من قبل سلطات الاحتلال لتمرير مشاريعها التهويدية للنقب، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية طبق الاحتلال سياسة "فرق تسد" بين السكان الفلسطينيين في الداخل على قاعدة، مسلم، مسيحي، درزي، شركسي، بدوي....الخ، وذلك لتفتيت اللحمة الاجتماعية والوطنية على طريق ضرب الهوية الوطنية الواحدة للأفراد والجماعات والقضاء عليها، وهذا يوضح لنا سبب تأخر انتباه سكان النقب لخطورة هذه السياسة والالتحاق بمعركة الدفاع عن الارض مع بدايات الانتفاضة الأولى في نهاية الثمانينات، والتي جاءت في الداخل الفلسطيني فوق تراكم كمي من الظلم والإضطهاد والتميز، يخالف شكلاً ذلك التراكم في الضفة والقطاع ويساويه في المضمون.
ففي نهاية السبعينيات وبعد توقيع اتفاقية "كامب ديفد" قامت اسرائيل بسحب كل منشآتها العسكرية والامنية من سيناء، مثل مطار "ياميت" الذي استنسخ في منطقة تل الملح في النقب، ولهذه الغاية صادرت مليون دونم من ممتلكات الفلسطينيين، وهنا واجه سكان النقب الوجه البشع للاحتلال والذي تمثل في تجميعهم بمراكز سكنية بهدف السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من أراضيهم، بغض النظر عن ملكية اصحابها لها واحقيتهم في استخدامها.
هذه الاعتداءات الاسرائيلية على حقوق السكان أدت إلى دفعهم للتصدي لهذه الهجمة ومواجهتها بأربعة مسارات:
أولاً: المواجهة بالاحتجاجات والاعتصامات والمظاهرات السلمية في كل مكان ممكن كجزء من النضال العام لفلسطيني الداخل.
ثانياً: العودة إلى الأرض وفلاحتها بالرغم من استخدام قوات الاحتلال للطائرات الزراعية لرش المحاصيل بالميدات وقتلها.
ثالثاً: العودة من قبل بعض العائلات والحمائل للسكن فوق أراضيهم، وابرز مثال على ذلك عائلة أبومديغم.
رابعاً: التوجه للمحاكم الاسرائيلية والتي لم تفضي إلى نتائج ملموسة بإعادة شبر واحد من الأرض، نظراً لتحيزها المسبق لصالح الدولة.
وفي العام 1988 أقيمت "لجنة الأربعين" لتحصيل الاعتراف بالقرى غير المعترف بها كوسيلة لحماية هذه البلدات من المصادرة والاقتلاع، وفي عام 1992 كان هناك توجه من قبل هذه اللجنة وجمعية الجليل للبحوث والخدمات الصحية لمحكمة دولية خاصة في موضوع الحق في المياه في هولندا، حيث أصدرت هذه المحكمة فتوى قانونية تطالب بالزام اسرائيل بتوفير المياه لأطفال النقب، وقد استثمرت هذه الفتوى في النضال الجماهيري، وعلى أثرها تم تحقيق الإعتراف بعشرات القرى في الجليل والنقب.
ومع بداية الالفية الثالثة تبلور لدى سكان النقب شكل جديد من اشكال النضال والمقاومة، والدفاع عن الأرض، يقوده ويمثله الشيخ "صياح الطوري" (أبوعزيز)، الذي عاد برفقة عائلته إلى أرضه في منطقة العراقيب للسكن فيها وفلاحتها، وهكذا خلق تحدياً حقيقياً في مواجهة سلطات الإحتلال. أثبت من خلاله الارتباط العميق بين الفلسطيني وأرضه وكسر الفكرة النمطية حول هشاشة الانتماء بين البدوي والأرض، وأظهر للجميع مدى استعداده وجاهزيته للتضحية في سبيل الحفاظ على حقه التاريخي والانساني والوطني، وقد بلغ هذا الصراع ذروته إثر مواجهة مشروع "برافر" والذي التحمت فيه جميع قطاعات الشعب الفلسطيني، وحققت بارادتها الجماعية نصراً تكتيكياً باعتبار أن المعركة لم تنته بعد، فالمشروع أوقف العمل به فقط، حيث لايزال مركوناً في أدراج الحكومة، ويمكن إخراجه في أية لحظة.
ان الصمود الاسطوري الذي تمثله العراقيب يشكل صفحة مشرقة من صفحات الكفاح الفلسطيني، فها هي تهدم للمرة (68) على التوالي وسيعاد بنائها للمرة (69) على التوالي، فالمعركة حامية الوطيس التي تدور رحاها على أرض العراقيب، توازي حرارة الصمود فيها حرارة صحراء النقب، فالعراقيب اليوم تقف في طليعة الصراع السياسي الفلسطيني في الداخل، وهي ترمز للصمود والتحدي في ظل الهستيريا الاسرائيلية الداعية لتثبيت اسرائيل كدولة يهودية خالية من سكانها الفلسطيني لاثبات حقها المزيف في وطن قومي على ارض فلسطيني، والعراقيب في هذه اللحظة تمثل عنوان الكفاح والصراع السياسي في الداخل، أما النضال المطلبي بالمساواة وحقوق المواطنة فله أشكاله وجهاته المتعددة.
ان المطلوب فلسطينياً وعربياً إعادة إحياء "عنقاء" العراقيب من تحت رماد الهدم والدمار وعدم ترك الشيخ صياح الطوري وجماعته يواجهون مصيرهم لوحدهم فللأفراد امكانياتهم المحدودة، وللشعوب إمكانياتها التي لاتنضب. فعلى م.ت.ف كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ومن بعدها أغنياء الشعب الفلسطيني وميسوريه في كافة أماكن تواجدهم، وعلى أشقائنا العرب ومؤسساتنا الرسمية وجمعياتنا الخيرية الوقوف بكل قوة وبكل الامكانيات المالية والمعنوية والسياسية والاعلامية لمساندة سكان العراقيب وانقاذهم وانقاذ أرضهم من ويلات الهزيمة، لأن حماية العراقيب تعني حماية الوطن!!

أزمة حكم مزمنة...!
بقلم: خالد الدخيل – القدس
مهما اختلفت زاوية النظر فالمشهد في العالم العربي بعد الربيع بات معروفاً للجميع. زاوية النظر إلى المشهد تفسير له قابل للاختلاف، لكن عناصر المشهد ملاحظات أو حقائق ينبغي ألا يكون خلاف حولها. لا يمكن الإلمام هنا بكل العناصر، لكن ثلاثاً منها تتقدم على غيرها: انقسامات عربية حادة على كل المستويات تقريباً. واندفاعة إيرانية بدأت مع الاجتياح الأميركي للعراق في 2003، وتضاعفت مع الثورة السورية. والعنصر الثالث موقف متردد - بعضهم يسميه تخاذل - أفرز سياسة أميركية رمادية قلقة من حجم الانقسامات العربية، وتميل إلى تحاشي الصدام مع إيران.
من بين هذه العناصر الثلاثة تفرض الانقسامات العربية نفسها، باعتبارها الأهم في تقرير الوجهة التي سيأخذها الوضع الإقليمي. وهي كذلك، لأنها المظهر الذي يبدو على السطح معبّراً في العمق عن أزمة حكم مزمنة. هي ليست حالاً جديدة، لكنها لافتة بحجمها ومداها وقدرتها على المقاومة، وحدتها في مثل الظروف الحالية.
داخل الانقسام الرئيس الذي فرضه الربيع العربي بين النظام الحاكم وتيار الثورة بدأت الانقسامات الفرعية تفعل فعلها على المستويين الأفقي والعمودي داخل دول الربيع، وفي الدول التي لم يصل إليها الربيع. في مصر أخذ الانقسام شكل صدام حاد ومباشر بين «الإخوان» والجيش، تفرعت عنه انقسامات أخرى.
واللافت انقسام الإسلام السياسي نفسه: الإخوان والسلف، والسلفية الجهادية مع السلفية التقليدية. قبل ذلك وبعده هناك الحرب الأهلية التي تدور رحاها في العراق، ثم الحرب الأهلية في سورية التي دخلت عامها الرابع. هذه حروب دينية تعبّر عن انقسامات طائفية مريرة، والمدهش أن المعارضة السورية بقواها الدينية والمدنية وهي تواجه نظاماً تميز بعنفه منقسمة أشد ما يكون الانقسام، بل وصل الانقسام إلى داخل تنظيم القاعدة نفسه، وإلى حد الاقتتال بين تنظيمي جبهة النصرة، والدولة الإسلامية في العراق وسورية (داعش) في سورية.
يقال إن «داعش» في أحسن الأحوال مخترق من مخابرات النظام السوري، وفي أسوئها أنه عميل سري لهذا النظام. القوى السياسية في اليمن منقسمة، تستطيع هذه القوى تحقيق شيء من التوافق على محاربة «القاعدة» في جزيرة العرب، لكنها لا تستطيع التوافق على مخرج سياسي للأزمة السياسية التي تعصف باليمن منذ تنحي الرئيس علي عبدالله صالح، ولا على مواجهة تنظيم الحوثيين في الشمال، وهو لا يقل خطورة عن «القاعدة». القوى اليمنية في جنوب اليمن أيضاً في حال انقسام لا يبدو أن لها مخرجاً. في ليبيا يتجه الوضع إلى نوع من الفوضى السياسية، وغياب القدرة على فرض سلطة مركزية بعد انهيار النظام.
على المستوى العربي، هناك الصدام الحاد بين مصر وقطر على خلفية الإطاحة بـ «الإخوان»، وسحب ثلاث دول خليجية لسفرائها من قطر، ما يؤشر بدوره إلى حال انقسام خليجي.
لا تتوقف حال الانقسام عند هذا الحد. فهناك خلاف معلن بين تركيا ومصر، وخلاف أقل حدة وغير معلن بين السعودية وتركيا، والخلاف في الحالين متصل أيضاً باختلاف في الموقف من جماعة الإخوان المسلمين في مصر والمنطقة ككل. الدول العربية ككل منقسمة في ما بينها إزاء قضايا المنطقة، حول الوضع في سورية، والوضع في مصر. كما أنها منقسمة حول الموقف من إيران ونفوذها المتمدد في العراق وسورية ولبنان.
في موازاة ذلك وعلى المستوى الثقافي، برز خطاب ثقافي - إعلامي يعبّر عن ظاهرة الانقسامات هذه بلغة تتميز بدرجة عالية بالحدة والقسوة، انتظم الإعلام ومعه كثير من السياسيين وغالبية كتاب الرأي، بخاصة في مصر، في حال الانقسام بمرارة واضحة، كل طرف يتمترس خلف موقفه، ووصل الأمر من الانحدار أن أصواتاً قليلة تجرأت على رفض ثقافة كراهية، ومكارثية تستشري في الإعلام المصري. تسببت هذه الأجواء بفقدان القدرة على إيجاد مسافة من الحدث، وبالتالي غياب، إلا في ما ندر، التحليل الموضوعي لما يحدث.
مصر والمنطقة في مثل هذه الظروف في أمسّ الحاجة إلى التحليل والرأي، وليس إلى الصراخ والتشنج العاطفي واللغة السياسية البذيئة. كان ولا يزال الانقسام يتمحور حول من هو مع الإسلام السياسي، ممثلاً بشكل رئيس، وليس حصرياً بـ «الإخوان»، ومن هو ضد الإسلام السياسي. وأغرب ما في هذا السجال أن التيار الذي يناهض الإسلام السياسي انطلاقاً من كون الأخير منغلق وإقصائي، عبّر عن موقفه هو الآخر بإقصاء لا يقل حدة، ومن ثم دخل الجميع حدود الدائرة المغلقة، ما يشير إلى أن الإقصاء موقف ثقافي راسخ في الثقافة السياسية العربية، يعبّر عنه الإسلام السياسي بلغة ومبررات دينية عنيفة، ويعبّر عنه التيار المدني بلغة ومبررات ليبرالية مدعاة، أو قومية سطحية.
الانقسامات السياسية الحادة، والخطاب الثقافي المعبر عنها، يعبران عن حال الانسداد التي وصل إليها الوضع في كل دول الربيع، ربما أن الاستثناء من ذلك هو المثال التونسي الذي اتسع حتى الآن لحوار أكثر نضجاً ورشداً بين القوى السياسية، بل لتحالف بين العلمانيين والإسلاميين هناك، ما يعد بتجنب تونس مأزق الانسداد، وأهم من ذلك جنبها الانزلاق إلى حال الاحتراب الدموي، كما في سورية.
إذا نظرنا إلى هذا الوضع في إطار صراع إقليمي مستجد على المنطقة تفرضه إيران بطموحات قومية وغطاء طائفي، فإن الانقسام العربي وما يترتب عليه من حالات اختناق وانسداد يغري الإيرانييـن بمزيـد من الاندفاع لتوسيع وتثبيت ما تحقـق لهم من نفـوذ في العراق والشام، وإذا نظرنا إلى الوضع نفسه من الزاوية الدولية، فإن حال الانقسام تزيد من تردد إدارة أوباما التي تتبنى أصلاً سياسة انكفائيـة نحـو الداخـل، بل إن ظاهـرة الانقسام تعزز من قناعة هذه الإدارة بضرورة التفاهم مع إيران.
أغرب ما في هذا المشهد أن نتيجته التي انتهى إليها حتى الآن تشبه كثيراً النتيجة التي انتهت إليها أول انتفاضة شعبية عرفها العرب المسلمون، التي بدأت بمقتل الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وانتهت بما يعرف في الأدبيات الإسلامية بالفتنة الكبرى، أي حال انقسام سياسي حادة، وما رافقها من انقسام ثقافي - ديني، ثم حرب أهلية مريرة.
يفصل بين المشهدين أكثر من 1400 عام. هل يعقل أن يكرر التاريخ نفسه بشكل تراجيدي بعد كل هذه المسافة الزمنية؟
قبل أكثر من نصف قرن انكسر العرب في زمن حركات التحرر الوطني أمام إسرائيل أيام كانت الآيديولوجيات العلمانية تهيمن على الفضاء السياسي، وهم ينكسرون الآن في زمن الربيع العربي أثناء وبعد تراجع سطوة الإسلام السياسي وفشله. لا العلمانية أنقذت العرب، ولا آيديولوجيا الإسلام السياسي. في الماضي القريب كانت الشكوى من انحراف وعوار الاشتراكية والشيوعية والقومية، الآن باتت الشكوى من انحراف وخطورة الإسلام السياسي، وتحديداً «الإخوان». لم يتجاوز الأمر في الحالين حدود الشكوى والهجاء إلى - على الأقل - إتاحة مساحة لاجتراح منظومة فكرية وسياسية تقدم المناسب والأنجع، وهذا يعبّر عن مأزق حكم يعيد إنتاج نفسه من مرحلة تاريخية الى أخرى.



الواقع الجديد للسياسة الفلسطينية
بقلم: د. سليمان جرادات - القدس
بعد سبع سنوات من الانقسام الحاد والجدل والمساجلات الفضائية المفعمة بالتوظيف المستمر للدفاع عن النفس بالمفهوم الذاتي الخاص والمفهوم التنظيمي والحزبي العام التي على إثرها اتضح التراجع الكبير في مجمل حياة المجتمع الفلسطيني ومؤسساته التشريعية والحزبية وتقلص دورها والبدء في التحول إلى ظاهرة هامشية بعلاقتها الذاتية مع بعضها البعض او مع محيطها الاقليمي والدولي ، وبعد أن فشلت كافة الجهود السابقة للأطراف المعنية التي عملت على جسر الهوة في التنفيذ الصادق على ما تم الاتفاق عليه من التزامات بدأت العربة الفلسطينية اكثر اصرارا وعنادا من اي وقت مضى لتقليص الفجوة بين الاشقاء والصحوة من جديد لوضع المصلحة العليا الفلسطينية في سلم الاولويات والأهداف بطريقها السليم..
وهنا لا نريد البحث عن تلك المحاولات غير الصادقة لبعض الجهات الاقليمية والدولية والتي جعلت من اهدافها الضيقة سياسة غير صائبة، وغير آبهه بما يحل بالقضية الفلسطينية ومكوناتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتي حاولت عبر ذلك تحقيق هدف بناء مجتمع خاص بها في مرحلة صعبة ومستقبل مظلم بمواجهة السياسات الاسرائيلية ومخططاتها الاستيطانية ، والتي انطلق على اثرها هرم القيادة الفلسطينية التي تعمل جاهدة لوضع النقاط السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفلسطينية فوق حروفها الحقيقية في الميزان الدولي ووضع الكلمات في سياقها لتعزيز الامن والسلم الدولي في منطقة مهددة بالصراعات الداخلية والإقليمية..
ولأن القيادة الفلسطينية ومكوناتها السياسية بكامل الوانها وايدولوجياتها تعي مفهوم بناء الدولة ومصالحها القومية كان لا بد من تعميق الجبهة الداخلية بعودة اللحمة المجتمعية والسياسية داخل المجتمع وترسيخ علاقاتها مع محيطها العربي والإسلامي وفق مرجعية واحدة موحدة تمنحها الأولوية بوضع برنامج سياسي يأخذ بعين الاعتبار تغير الموازين والحسابات الاقليمية والدولية المحيطة بفلسطين والالتزام بآليات وأدوات يتقاطع عليها اجماع فصائلي ومجتمعي نحوها لتحقيق المصلحة الفلسطينية في اقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
ان السرعة المطلوبة في تنفيذ الاتفاق وتشكيل الحكومة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس يمثل مصلحة وطنية فلسطينية بإخلاص وتقصير الطرق لكل من يرغب باللعب على تراكم الأخطاء المتناقضة مع جوهر القضية والتي نضجت عليها الاجيال السابقة من مُثل وأخلاق باستقلالية القرار السياسي وتحريره من اي ضغوطات محلية حزبية او غيرها اقليمية ودولية ، وحفاظا على تضحيات الشعب الفلسطيني خلال العقود الستة الماضية بعيدا عن التناقضات او الترسبات الاجتماعية والحزبية الضيقة ، وهو ثمن دفعه الشعب الفلسطيني بشكل عام وقضيته العادلة على المستوى المحلي والدولي..
لأن كل من يحاول مستقبلا توظيف مبادئه وعقيدته الخاصة من أجل تحقيق أهداف سياسية ضيقة سيواجه بموقف شعبي في كافة المجالات بدءا بالعملية الديمقراطية وانتهاء بإقصائها عن الساحة.
ان الشعب الفلسطيني وقيادته اليوم يمتلكون من المعرفة الفكرية والمعلوماتية والاجتهادات الناضجة في الملعب السياسي الدولي كلاعبين اساسيين بعيدا عن كل ما هو طوباوي في بناء علاقات متوازنة مع كافة الاطراف الاقليمية والدولية وأصبحوا محط انظار حكومات العالم ومجتمعاتهم، مع تبلور واتضاح لمعالم الحق في التمسك بالهوية الفلسطينية بكل أبعادها الدينية والثقافية والتاريخية.
ان السؤال الكبير امام الشعب الفلسطيني هو كيفية استمرارية تعزيز وترسيخ مشروع الهوية والمواطنة الفلسطينية في الاجيال القادمة على ارضه و تحصين مكوناته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الداخلية ، وتعميق صور الحداثة والتحديث في العمل المؤسساتي الحكومي والأهلي والخاص كونها تزيد من حركة أفكار مبتكرة تتجدد باستمرار لدى النخب بدأت ملموسة وامتدت إلى مجالات وقطاعات اقتصادية وإنتاجية واجتماعية وفكرية وثقافية حكومية وحزبية وشعبية لتمس قضايا العدل والمساواة والحرية والتقدم ومواجهة العنف وحقوق الإنسان بالتربية والوطنية والبحث العلمي ووسائل المعلومات المكتوبة والمسموعة والمرئية بفلسفتها وفنونها بما يتلاءم والوضع الاستثنائي في انشاء وبناء مجتمع ديمقراطي بعيدا عن الصدام الداخلي على اساس الوفاق والتوافق لتجاوز كافة الإشكاليات ، والدفاع عنها لم يعد يتطلب ظروفا فكرية أكثر لزوال الحواجز اللفظية التي سببتها عوامل داخلية وخارجية على حد سواء.
ان اعادة نشاط الحياة الحزبية السلمية الفلسطينية وظهور المشاركات الفاعلة في العملية الديمقراطية في اجواء فكرية حكيمة والتي ظهرت في الآونة الاخيرة في انتخابات الجامعات يعتبر نمطا جديدا من التعايش القائم على الاقتناع الحر للفرد برأيه في تحمل المسؤوليات بعيدا عن الوصاية ورفض ذهنية التأثيم على كل الكوابح المقيدة للتفكير الحر بالمسؤولية الجماعية.
في ظل المعطيات المرتبطة بحسم انهاء الانقسام الفلسطيني واسترجاعه لبعده الوطني المنسجم مع ارادة الشباب الذين يمثلون اكثر من نصف المجتمع الفلسطيني إلى الالتزام بتوظيف مواجهة آليات الصراع بالطرق المشروعة والسلمية نحو سياسات التهجير والاعتقال وعدم الالتزام بالقوانين والقرارات والمواثيق والاتفاقيات الدولية من جانب الحكومة الاسرائيلية ، ووفقا لكل هذه المعطيات والعوامل يمكننا اليوم تشخيص حالتنا الفلسطينية بأنها وصلت الى النضج السياسي الحضاري بتأكيدنا على مواصلة التعاون والتشبيك بين ابناء الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده والعمل على التحديث والحداثة التي تؤشر عليها حالة التطلع المستقبلي إلى الابتكار والتجديد لبناء الدولة الفلسطينية عند النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية ، الأمر الذي يؤشر إلى البُعد عن البحث عن المجهول ،والاستفادة من سيرورة الاجتهاد القيادي السياسي الحكيم .
كل ذلك يؤكد بأن المرحلة القادمة هي مرحلة تحد لوجودنا كفلسطينيين مع الاحتلال الاسرائيلي ولكنها هذه المرة مع الالتزام بالتصالح القيادي والحزبي وثباته من جهة وعلى التقييم والتجديد في بناء المؤسسات من جهة ثانية.

عام آخر من عمر النكبة..
بقلم: عوني صادق – القدس
عشية مضي 66 عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني، تزامن آخرها مع فشل إضافي في فصل إضافي من مفاوضات عبثية . وكان، كالعادة، موسماً للتصريحات التي حمل بعضها الجديد الكاشف لبعض جوانب الحاضر، وليؤكد بعضها على القديم المعروف من الحقائق التي يحاول البعض طمسها، لكنها مجتمعة أكدت ما هو أكثر من عبثية التفاوض مع اسرائيل.
فما يجري على "المسرح السياسي" بعد 66 عاماً على النكبة، يتناقض تماماً مع "الحقائق" التي كرستها اسرائيل على الأرض . ويتضح ذلك من خلال شهادات "إسرائيليين مخلصين" لدولتهم أكثر من إخلاص أولئك الذين يقفون على رأس "المؤسسات" الحاكمة .
فمن جهة، وفي ندوة عقدت في بلدة مجد الكروم يوم 13-4-2014 قال أبرز المؤرخين الإسرائيليين، إيلان بابيه: إن "سياسة الترحيل ما زالت مستمرة، وإن بدلت إسرائيل أدواتها وآلياتها"، لافتاً إلى أنها "تهدف إلى التخلص من فلسطينيي الداخل، ومحو تأثيرهم وكيانهم الوطني والقومي" . وبخلاف الرواية الاسرائيلية السائدة، أوضح بابيه مجدداً أن "تهجير الفلسطينيين من ديارهم كان سبباً للحرب، ولم يكن نتيجة لها"، وأن "الحركة الصهيونية وضعت مخططاتها للاستيلاء على أكبر مساحة من البلاد وبأقل عدد ممكن من الفلسطينيين منذ سنوات الثلاثينات، لكنها نفذت تلك المخططات في العام 1948" .
وسارت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على النهج نفسه . ولهذا يبدو طبيعياً أن يصرح وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، معلقاً على مظاهرة "مسيرة العودة"، التي نظمها عرب الداخل قبل أيام، بأنهم "طابور خامس" .
ومن جهة أخرى، نجد تأكيداً جديداً على صحة أقوال بابيه، في ما كتبه نمرود ألوني، رئيس "معهد التعليم المتقدم في كلية سيمنار الكيبوتسات"، في (هآرتس- 4-5-2014)، إذ يقول: "الغريب، إن لم نقل السخيف، هو إصرار المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية على محو الحقائق الأساسية وإقصاء الفلسطينيين عن واقع الحياة في بلادنا المشتركة .
وقد بلغت الأمور حد أنه حتى في أوساط الجمهور العلماني تجذر النهج الأصولي الذي عرضه النائب موتي يوغاف من (البيت اليهودي) من أن الرب أعطى بلاد إسرائيل لشعب إسرائيل"! ويشدد الوني على أن "الفكرة السائدة في أوساط العديد من الإسرائيليين اليهود (الحقيقة في معظمهم) هي أن الفلسطينيين ليسوا سكاناً أصليين، وأن هذه البلاد ليست وطنهم، وأنهم سكان مشروطون، ومسموح لهم بالعيش معنا بفضل موافقتنا السخية وتسامحنا المتنور"!
ويختم ألوني مقاله قائلاً: "وليكن واضحاً أن هذه الفترة لا توشك على التغير، لأن السياسة الرسمية هي أنه في موضوع بلاد إسرائيل توجد حقيقة واحدة، ولا توجد روايات مختلفة" .
تلك هي حقائق الموقف على الجانب الإسرائيلي حتى اللحظة، لم تتغير مخططاتهم منذ ثلاثينات القرن الماضي، عندما كانت "الوكالة اليهودية" هي التي ترسم وتخطط، وكانت جماعات "الهاغناه" و"شتيرن" تقومان بالعمل العسكري الممهد ل"حرب الاستقلال" . لقد تغيرت "المسميات" لديهم ولم تتغير المخططات، أو الأهداف . أما الحقائق على الجانب الفلسطيني، فما أكثر ما تغيرت بعد قيام "منظمة التحرير الفلسطينية"، التي كانت، كما يفترض، الرد النقيض لقيام "دولة إسرائيل" .
66 عاماً انقضت على نكبة الشعب الفلسطيني، لتلحق بها نكبات عربية أخرى، وليكون له في كل نكبة منها نصيب..

"تفعيل" م.ت.ف: المفارقات والمطابقات !
بقلم: حـسـن الـبـطـل – الايام
ثلاثة أجيال (يفضّل إناث) تمشي على رصيف ما: الجدّة طاعنة في السن (مع عكازة أو بدونها). الابنة في منتصف العمر (في عمر الأربعين مثلاً). الحفيدة في ميعة الصبا (في عمر العشرين مثلاً).
لنقل: الجدّة هي م.ت.ف. الابنة هي السلطة الفلسطينية. الحفيدة هي الدولة الفلسطينية. ما هي الملاحظة. غير العمر المتفاوت، وزيّ اللباس المختلف مثلاً؟ (تراثي للجدّة، إسلامي للابنة، وشبابي للحفيدة!).
الملاحظة هي: الجدّة قصيرة القامة ومنحنية الظهر، تليها الابنة.. وأما الحفيدة فهي الأطول. قد يفسّر طبيب صحة الأمر كالتالي: تغذية الحفيدة أحسن من تغذية أمها، وتغذية هذه أحسن من تغذية الجدّة.
هذا تفسير جزئي، أما التفسير الأشمل فهو أن التقدّم في السن له معطيات جسمانية، منها أن القامة تقصر، لأن غضاريف المفاصل (كم واحدة من مشط القدم حتى الرقبة) تقصر. المعنى؟ تستطيع الحفيدة أن تقفز من علو مترين، لكن الجدّة قد تتحطم عظام حوضها إن وقعت على أرضية حمّام زلقة.
هكذا هي المنظمة والسلطة والدولة. هل تريدون مقاربة أخرى: في مرض شيخوخة الشاعرة فدوى طوقان سألت د. محمد البطراوي: ممّ تشكو؟ قال: من العمر.. بس!
يعني: "وبالوالدين إحسانا" أو "كما ربياني صغيرا".. لكنهم في سجال الصلحة، والمحاصصة، والوحدة الوطنية، يتحدثون عن "تفعيل" المنظمة، كما يتحدثون عن "عودة الشيخ إلى صباه" لا عن واجب السلطة/ الابنة في رعاية شيخوخة المنظمة/ الجدّة ولاحقاً واجب الحفيدة في مساعدة الوالدة بأعمال البيت.
ماذا لو لم تقترف المنظمة فعلة أوسلو، وبقيت في تونس؟ سوف تشيخ و"تختير" ويُصاب قادتها وعناصرها بالخرف و"الزهايمر". لماذا؟
منذ سافرت "سُفّرت" خارج دول الطوق في الجناح الشرقي للعالم العربي، أصيبت المنظمة بفقر دم أوّلي، لأن رفدها توقف، تقريباً، من شباب المخيمات، أو لم تعد "تجدّد شبابها".
هناك احتمال آخر، وهو أن تطلب واشنطن من "زين العرب" قبل "الربيع العربي" أو من خلفائه "تحجيم" نشاط المنظمة، أو حتى طردها، أو التضييق على كوادرها وحركاتها.. فلا تستطيع العودة إلى "زمن المنظمة" في لبنان، أو إلى قفص الأسد في سورية، أو إلى تحت "الجاموسة" في مصر.. سوف نتلاشى شيئاً فشيئاً. لا بد للطائر من عُشّه.. وعُشّ المنظمة هو البلاد.
***
كان سجال البدايات 1965 ـ 1968 هو العلاقة بين الفصيل والثورة (فصائل تتبع سورية والعراق خصوصاً، دون اسم فلسطين).
صار السجال بعد سيطرة الثورة على المنظمة سجالاً بين الفصيل والمنظمة، وخاصة خلال الحرب الأهلية اللبنانية (حجمت "فتح" والفصائل الفلسطينية الفصائل العربية: جبهة التحرير العربية، و"الصاعقة" السورية).
بعد أوسلو صار السجال بين الفصيل والسلطة الوطنية، ومشروع الكيانية الوطنية: الدولة الفلسطينية مفاوضات. مقاومة. انتفاضة؟
المفارقة أن الفصائل المعارضة لأوسلو عارضت أوسلو، ثم لم تشارك، أولاً، في انتخاب السلطة شعبياً (المجلس التشريعي، ثم شاركت في انتخابات 2006 في إعطاء السلطة "شرعية شعبية" دون أن تتوقف عن معارضة أوسلو والمطالبة بتفعيل المنظمة.
المفارقة الثانية أن جميع فصائل المنظمة تشكلت أساساً وأولاً في المنفى والشتات، لكن حركة "حماس" تشكلت داخل الأراضي المحتلة. وفي حين أن الفصائل الفلسطينية حجّمت "الفصائل العربية" في المنظمة، لكن فصيل "حماس" الإسلامي سيطر ديمقراطياً على الشرعية الشعبية، ولو أنه نشأ بتشجيع إسرائيلي لخلق تنافس وتعارض بين "الفصيل الوطني ـ القومي" وبين "الفصيل الإسلامي ـ الفلسطيني"، إسرائيل ترى أن "الوطني" أخطر من "الديني".
إن "الصلحة" الحالية تعني حكومة توافقية غير فصائلية، تشرف على انتخابات لإلباس السلطة، مرة ثانية، شرعية شعبية.. لكن، الصلحة ذاتها تعني "تفعيلا" توافقيا للمنظمة، لصعوبة إجراء انتخابات تمثيلية للمجلس الوطني (برلمان المنظمة).. إلاّ في لبنان مثلاً.
كان انشقاق العام 1983 فصائلياً، مع بُعد شعبي معين. لكن انقسام العام 2006 كان انقساماً شعبياً مع بعد فصائلي، لأنه تم بالاقتراع الحرّ المباشر. صحيح أن الابنة ـ السلطة وقّعت أوسلو بصفتها م.ت.ف، لكن منطق الأمور والواقع جعلها جهازاً تنفيذياً أقوى من الجهاز التنفيذي التوافقي ـ الوطني للمنظمة التي "ختيرت" أو أدت مهمتها الجليلة.
لماذا؟ طرحت مشروع النقاط العشر 1974، وسجال الفصائل حوله، ثم فاوضت على تأسيس السلطة، بعد أن اتفقت الفصائل على "إعلان استقلال فلسطين 1988" دون مشاركة فصيل "حماس".
لا يمكن أن تشارك "حماس" في تجديد شرعية شعبية للسلطة، وتبقى بعيدة عن مشاركة في الشرعية التوافقية للمنظمة.
لن نحكي عن مفارقات ومطابقات دور "المؤتمر اليهودي العالمي" في تأسيس دولة إسرائيل، ولا المؤتمر الصهيوني العالمي، ولا عن مطابقات وتعارضات نص إعلان دولة إسرائيل مع نص إعلان دولة فلسطين.
تفعيل المنظمة بوصفها ممثلاً لعموم الشعب أمر ضروري، لكن السلطة هي عماد الشعب، والدولة هي عماد تأسيس كينونة وطنية للشعب.
لا بأس من "اخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة". لكن تقوية السلطة والدولة تأتي قبل "تفعيل المنظمة": الجدّة. الابنة.. والحفيدة. قانون الأجيال.
تنويه : ورد، أمس، أن من رفض "جائزة إسرائيل" هو الأديب العلماني عاموس عوز، والصواب أنه مفسّر اليهودية "يشعياهو ليبوفيتش" محرر الموسوعة العبرية و"نبي الغضب"!

العقيدة الأمنية الإسرائيلية .. وتقليص ميزانية الحرب !!
بقلم: هاني حبيب – الايام
في كل مرة، تناقش إسرائيل بمستوياتها السياسية والأمنية والبرلمانية، ميزانية الدولة العبرية، تبرز "ميزانية الدفاع" كمشكلة تتداولها وسائل الإعلام في اطار حرب مفتوحة بين وزير الحرب الإسرائيلي ووزير المالية، حدث هذا في الماضي، ويحدث، أيضاً، هذه الأيام، حيث بدأ الجدل واسع النطاق بعدما أصرّت وزارة المالية على تقليص ميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية في وقت تطالب فيه هذه الوزارة بزيادة 2 مليار شيكل بدلاً من التقليص الذي من شأنه، حسب القيادات الأمنية والعسكرية إلغاء برامج التدريب للقوات الجوية والبرية، وأن الوزارة قد أقدمت على تقليصات، بالفعل عندما فصلت ألف جندي نظامي في اطار مخطط لفصل 3500 جندي آخر خلال العام الجاري، مع وقف أحد الأسراب الجوية و6 ألوية مدرعة وكتيبتي مدفعية وكتيبتين لوجستيتين، بينما قوات الاحتياط لا تجري أية تدريبات على الإطلاق، وباختصار فإن القيادات الأمنية والعسكرية، التي نشرت هذه المعلومات على الملأ وفي وسائل الإعلام، على غير العادة، تحاول أن تؤثر على الرأي العام للضغط على وزير المالية ورئيس الحكومة، ليس لإلغاء التقليص في الميزانية فحسب، بل إلى زيادتها بمقدار ملياري شيكل على الأقل.
استطلاعات الرأي تشير إلى أن الجمهور الإسرائيلي، يؤيد في الغالب قرار وزارة المالية، وتبرر تحليلات أصحاب الرأي موقف الرأي العام هذا، أن إسرائيل باتت أقلّ عرضة لأية أخطار، نظراً لتطورات الأوضاع عند الجيران على اختلاف توجهاتهم، المنشغلين بأوضاعهم الداخلية بعد تدمير قواهم العسكرية، بينما الميزانيات التي اعتمدت للجيش، كانت في ظل ظروف كانت إسرائيل مهددة وجودياً بالأخطار، على عكس ما هو الأمر عليه!!
عدد من الدراسات الأمنية الإسرائيلية والتي تم تسريبها عبر وسائل الإعلام أحياناً، ومن خلال مراكز البحث أحياناً أخرى، أشارت إلى أن إسرائيل بصدد إجراء تعديلات جوهرية على العقيدة الأمنية العسكرية بالتوازي مع جملة المتغيرات الهامة في المنطقة، وجوهر هذه التعديلات تنطلق من انحسار التهديدات الوجودية للدولة العبرية على ضوء انهيار الجيوش العربية بسبب الربيع العربي، وخاصة في الجبهة الشرقية، العراق وسورية تحديداً، وكذلك، انشغال الجيش المصري، الذي كان يشكل الخطر الأكبر على وجود إسرائيل، بالأوضاع الداخلية الشائكة والمعقدة.
لكن ذلك غير كاف في الواقع لإجراء تعديلات جوهرية في العقيدة الأمنية الإسرائيلية بالنظر إلى وجود مخاطر ليس عبر الجيوش، ولكن عبر التشكيلات العسكرية غير الرسمية كحزب الله وحركة حماس وحركة الجهاد تحديداً، لذلك أشارت الدراسات إلى أن المبرر الحقيقي وراء مثل هذا التعديل يعود إلى المتغيرات على القدرات التقنية الحديثة، والمتغير الأساسي في ساحة العمليات والسيطرة، الأمر الذي يفرض جيشاً أصغر لكنه أذكى، كما وصف الأمر رئيس هيئة الأركان، وهذا يستدعي على النطاق العملي ما يسمى "بالاحلال والإبدال" ليس في الأسلحة القديمة واستبدالها بأسلحة حديثة فحسب، بل احلال وإبدال في العقلية العسكرية وخطط الحرب وسيناريوهاتها وأدواتها الحديثة، وعلى سبيل المثال، فإن السيطرة التقليدية على ساحة المعركة، كان يفترض بالضرورة سيطرة من خلال المشاة في نهاية الأمر، بعد السيطرة الجوية والمدفعية، في الوقت الراهن، ليس بالضرورة أن تتم السيطرة على الميدان من خلال قوات المشاة، بل يمكن السيطرة عن بعد وإخضاع "العدو" من دون مخاطرة بوجود جيش على الأرض، إسرائيل تسيطر فعلياً على مناطق شاسعة في جنوب لبنان، عن بعد، وكذلك فإن حدودها مع قطاع غزة، مسيطر عليها عن بعد تقريباً من دون التدخل برياً إلاّ في أوقات وظروف محددة، التقنيات العسكرية الحديثة توفر مثل هذه السيطرة بفعالية عالية، من دون المخاطرة بالجنود على الأرض.
ما أشارت إليه وزارة الدفاع الإسرائيلية من أنها لجأت إلى تقليص عديد قواتها، لا يعود أساساً إلى تقليص الميزانية بقدر ما يعود إلى تعديلات جوهرية في عقيدتها العسكرية والأمنية، وحتى لو لم تكن هناك تقليصات في الميزانية، فإن الاستغناء عن عدد كبير من الجنود سيظل ساري المفعول، خاصة وأن الدراسات المشار إليها، دعت إلى الاستغناء عن التجنيد الإجباري، وبناء جيش صغير محترف، ويبدو أن السنوات القادمة ربما تشهد مثل هذا التغيير الذي ينطوي على انقلاب حقيقي في عقيدة إسرائيل العسكرية الأمنية.
واستثمر قادة الجيش الإسرائيلي، فشل العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، للتحذير من انطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة، الأمر الذي يحتّم زيادة الميزانية العسكرية للتعاطي مع مثل هذا الأمر، لكن بعض أصحاب الرأي أشار على أن هذا الأمر بات مستبعداً، خاصة وأن رد الفعل الإسرائيلي في حال انطلاق مثل هذه الانتفاضة، لن يواجه هذه المرة عبر الجيش والأمن، بل عبر قوى وتشكيلات استيطانية عسكرية وشبه عسكرية على غرار "تدفيع الثمن" والتي يتم التركيز عليها والقيام يومياً بمناورات بإسناد من العسكرتاريا الإسرائيلية وبالتغاضي عنها عبر القضاء الإسرائيلي.
مع ذلك، فإن هذه الدولة التي هي عبارة عن "جيش له دولة" قد تحظى بإقرار زيادة ميزانية الحرب، بعدما يعود نتنياهو من اليابان، ويكسر كل المعطيات المشار إليها لأسباب انتخابية حزبية!

الأمن: مستقبل غزة والقضية بعد المصالحة
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
على فرض أن المصالحة الوطنية التي تم إنجاز الاتفاق بشأنها ستتم كما هو مخطط لها انطلاقاً من مصلحة كل الأطراف الفلسطينية ذات العلاقة بهذا الملف، وعلى فرض أن حكومة المستقلين المؤقتة ستشكل حتى نهاية هذا الشهر، ينبغي التخطيط لإجراء تغيير جوهري في وضع قطاع غزة في مختلف المجالات والمناحي وعدم الانشغال في بورصة الأسماء والترويج الفج والمكشوف لبعض المستوزرين، وعدم ترك الموضوع فقط للحكومة العتيدة التي ستكون أضعف من أن تقوم بإجراء التغييرات المطلوبة لوحدها بدون خطة عامة تشارك فيها الفصائل والمجتمع الفلسطيني بأسره.
الموقف الأوروبي من حكومة التوافق الوطني إيجابي ويساعد على انجاح المصالحة، فقد صدر عن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي أول من أمس، بيان يؤكد دعم أوروبا لحكومة المستقلين طالما كانت ملتزمة بالموقف العام للسلطة أي الاعتراف بإسرائيل والالتزام بالاتفاقات الموقعة، وهذا عملياً ما سيحدث فهذه حكومة الرئيس أبو مازن وهي تسير على برنامجه بغض النظر عن الأشخاص الذين سيشكلونها.
وهنا على الأقل تعهد أوروبي بدعم الحكومة، وهذا على الأغلب هو لسان حال الدول العربية التي عبرت صراحة عن دعمها للمصالحة ووقوفها إلى جانب القيادة والشعب الفلسطيني.
وعلى الرغم من تهديدات إسرائيل وعقوباتها التي بدأت فيها لا يبدو أن الأخيرة ستكون قادرة على حجز أموال الضرائب الفلسطينية لفترة طويلة، وسرعان ما ستجد نفسها في مأزق سياسي على الصعيد الدولي، ولكن هذه المسألة وغيرها ستكون مرتبطة بالأداء الفلسطيني ما بعد تشكيل حكومة التوافق الوطني.
هناك مجموعة من المسائل التي ينبغي التوصل إلى اتفاق بشأن معالجتها حتى يتحول ملف المصالحة إلى رافعة لتحقيق المصلحة الوطنية وليس إضافة مشكلات وأعباء جديدة على كاهل السلطة والمواطنين، وهذه المسائل جرى التطرق لها في الحوارات التي سبقت اتفاقات مكة والقاهرة والدوحة وأخيراً غزة، فعدا عن مشكلات الكهرباء والماء وهي من المسائل الملحة التي تحتاج لعلاج فوري وعاجل، ومشكلة الحصار الاقتصادي وحرية الحركة من وإلى قطاع غزة، هناك مشكلتان لهما أقوى الأثر على مستقبل القطاع والقضية هما: الأمن وإعمار غزة، وهما مرتبطتان ببعضهما البعض وتشكلان تحدياً للسلطة وللكل الوطني.
والأمن في غزة الذي ترك لمرحلة لاحقة يعتبر من أهم التحديات التي تواجه شعبنا، والأمن هنا ليس فقط الأمن الشخصي للمواطن بل وكذلك الأمن الوطني الذي يصون ويحمي مقدرات الشعب من بنية تحتية واقتصاد وأمان اجتماعي.
وهذا الموضوع له انعكاسات كثيرة محلياً وإقليمياً وحتى دولياً، وإذا لم يعالج بحكمة ووعي سنعود سريعاً إلى المربع الأول أو مربع الصفر ونخسر كل ما حققناه وسنحققه قبل وبعد المصالحة، ومن المهم فهم أبعاد الأمن وتشابكاته حتى تتم معالجته بصورة صحيحة. فالبعد الأول المحلي مرتبط بإنهاء كافة المظاهر المسلحة وإخراج عامل القوة المسلحة من إدارة شؤون قطاع غزة بحيث تكون قوات الأمن التابعة للسلطة هي القوة الوحيدة التي يحق لها معالجة أمور الناس والتصدي لكل مظاهر الفوضى والتعدي على القانون ومصالح المواطنين، وهذا لا يتم إلا بقرار وطني جريء تتخذه كل الفصائل وخاصة التي تملك أسلحة ومسلحين بأعداد كبيرة. وكل القضايا والمشكلات يمكن أن تحل بالقانون والتوافق الوطني بعيدا عن استعراض القوة أو استخدامها، وهذا مهم لتكريس سلطة القانون وأيضاً لإظهار صورة حضارية مشرفة للشعب والسلطة الوطنية في الساحتين الإقليمية والدولية، بحيث يظهر الشعب الفلسطيني قدرته على إدارة دولة مستقلة كاملة السيادة ويشجع الدعم الدولي له ولحقه في التخلص من الاحتلال والحصول على حريته واستقلاله.
الجانب الآخر من الأمن هو المتعلق بالإقليم سواء إسرائيل أو مصر أو دول أخرى، فإسرائيل تعارض المصالحة وستسعى بكل طاقاتها من أجل افشالها، وقد يكون المدخل لذلك هو شن حرب على غزة وتدمير كل شيء هناك وتعجيز الحكومة الفلسطينية في إدارة القطاع وتلبية حاجات سكانه.
قد نتفق أو نختلف حول ما حققه العمل المسلح في غزة وخاصة في سنوات الانقسام، وهنا لا يتسع المجال لتقييم المكاسب والخسائر والمقارنة بينها، ولكن هناك حقيقة نسبية وهي أن إسرائيل أبقت على الوضع في قطاع غزة على هذا النحو لأسباب تتعلق بمصلحة سياسية في جوهرها إبقاء الانقسام والتشرذم وحالة الفوضى المسلحة في غزة، بالإضافة إلى عدم رغبتها في تحمل خسائر كبيرة أو التسبب في خسائر بشرية هائلة في غزة لو أقدمت على حرب شاملة تهدف إلى التخلص من السلاح والمسلحين في هذه البقعة المحصورة، وقد يرى البعض أن الوضع القائم هو عبارة عن توازن قوى نسبي.
وأياً كان التحليل الصحيح للوضع في غزة، فإنه يتوجب إدراك أن إسرائيل تفكر طوال الوقت بحرب على غزة تستهدف التخلص من ترسانة الأسلحة التي تعتبرها تهديداً للعمق الإسرائيلي وخاصة الآن عندما لا يكون الانقسام هو العنوان. لهذا تكمن مصلحة وطنية عليا في تحييد إسرائيل وإخراجها من دائرة الفعل التدميري في غزة وإن كانت ستظل لاعباً رئيساً في التأثير على اقتصاد غزة.
وأهم ما يمكن فعله في هذا السياق هو الحفاظ على وقف إطلاق نار تام وشامل مع إسرائيل وإخفاء السلاح وعدم الانجرار لأي استفزاز إسرائيلي قد يقود إلى حرب تخطط لها إسرائيل لتدمير فرص إنجاح المصالحة وإعمار قطاع غزة وتحسين أوضاعه من كل النواحي.
أما مصر والدول العربية الأخرى فيجب التوقف تماماً وعدم السماح إطلاقاً بالتدخل في شؤونها وخاصة من جهات موجودة في قطاع غزة سواء أكانت حركات كبيرة أو مجموعات صغيرة أو افرادا، فالحفاظ على حيادية الشعب الفلسطيني في كل التطورات الداخلية العربية مسألة في غاية الأهمية للحفاظ على الدعم العربي للقضية الوطنية الفلسطينية باعتبارها القاسم المشترك لكل العرب. وهذا سيجعلنا نعيد بناء علاقاتنا مع مصر الشقيقة وفتح معبر رفح والاستفادة مما ستوفره لنا مصر من مقدرات وتعاون في مختلف المجالات.
إذا نجحنا في اختبار الأمن سننجح في إعمار غزة وتحويل المصالحة إلى رافعة وطنية حقيقية تقرب تحقيق حلم الحرية والاستقلال، وسننجح في محاصرة إسرائيل وإثبات أن المشكلة فقط في وجود الاحتلال وهو ما فشلنا فيه في غزة، التي أخليت من المستوطنات، بسبب الانقسام والفوضى والصراع على السلطة.

نكبتنا وسؤالهم المفتوح
بقلم: علي جرادات – الايام
قبل قيام إسرائيل، وبعد 66 عاماً على قيامها، انتهج قادة الحركة الصهيونية ترحيل شعب فلسطين منها، وتهجير اليهود إليها، واستيطانهم فيها، وتهويدهم لها، سبيلاً لجعلها "يهودية بقدر ما هي إنكلترا إنكليزية"، كهدف أساس للمشروع الصهيوني.
ففي العام 1919 قال حاييم وايزمان، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، أمام الاتحاد الصهيوني الإنكليزي: "عندما أقول وطناً قومياً يهودياً فإنني أعني خلق أوضاع تسمح لنا، بأن يدخل إليه العدد الوفير من المهاجرين اليهود، وأن نقيم في نهاية الأمر مجتمعاً في فلسطين بحيث تصبح فلسطين يهودية كما هي إنكلترا إنكليزية أو أميركا أميركية".
وفي العام الجاري، 2014، دعا نتنياهو رئيس حكومة المستوطنين إلى "تجديد القيم الصهيونية" بسن قانون أساسي "يحصن اعتبار إسرائيل دولة لشعب واحد هو الشعب اليهودي" و"يصون صلته التاريخية بأرضه" و"يحفظ حقه في الهجرة إليها".
ما يعني أن قادة الحركة الصهيونية، من هيرتزل حتى نتنياهو، خططوا لإقامة "وطن قومي لليهود" "على كامل مساحة فلسطين"، وليس "في فلسطين"، و"لكل اليهود"، وليس لمن تم جلبه منهم قسراً إلى فلسطين فقط. لقد استدعى قادة الحركة الصهيونية "وعداً إلهياً" تلمودياً خرافياً لتنفيذ "وعد دنيوي" استعماري، هو "وعد بلفور" الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق لحل "المسألة اليهودية" على حساب من لا علاقة له بها، بنص ملتبس حمال أوجه يخترع لطائفة دينية يتوزع المنتسبين لها، ككل طائفة دينية، على "مواطنة" متعددة القوميات، مكانة شعب يستحق دولة، بينما يعيد مكانة شعب قائم وحدت "المواطنة" مكوناته إلى وضعية طوائف تستحق التمتع بـ"حقوق مدنية ودينية" ليس إلا.
ولا عجب في أن يرتكب "وعد بلفور" كوعد استعماري مكتمل الأركان، كل هذا القلب التاريخي لمفهوم "المواطنة" الحديث بعد قرون على نشوئه، بنص يقول: "إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".
وبالمثل لا عجب في أن يحمِّل العالم شعب فلسطين مسؤولية المجزرة النازية ضد اليهود التي لا علاقة له بها من قريب أو بعيد، حيث استغلها الغرب لتنفيذ وعده الاستعماري للحركة الصهيونية بقرار دولي ظالم، تواطأ معه العالم، وقضى بتقسيم فلسطين إلى قسمين: تقام على الأول، (56.47%)، "دولة يهودية"، وتقام على الثاني، (42.88%)، "دولة عربية"، ووضع القدس، (0.65%)، تحت إدارة دولية.
بل لا عجب في أن يقف العالم عاجزاً أمام توسعية وعدوانية إسرائيل التي مدت بالقوة الغاشمة، وبرعاية الغرب الاستعماري إياه، سيطرتها على 78% من مساحة فلسطين، ثم على كامل مساحة فلسطين، وأجزاء من أراضي دول عربية أخرى مجاورة، علماً أن قرار الاعتراف بإسرائيل عضواً في هيئة الأمم في 11 أيار 1949، قضى: "بوجوب التزام إسرائيل بحدودها المقرة في قرار التقسيم، وبتنفيذ التزامها الخاص بحق اللاجئين في العودة"، وفقاً للقرار الدولي 194.
على أية حال، بعد 66 عاماً على النكبة: بداية تنفيذ المخطط الصهيوني المعد سلفاً لـ"التطهير العرقي في فلسطين"، كما برهن- بالوثائق والأدلة القاطعة - مؤرخون كثر، منهم "المؤرخون الإسرائيليون الجدد"، وأشجعهم، بلا منازع، المؤرخ إيلان بابيه، نجح قادة الحركة الصهيونية، برعاية غربية استعمارية ورثت الولايات المتحدة عن بريطانيا قيادتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في تمكين يهود إسرائيل من تملُّك، واستغلال، والسيطرة على نحو 85% من مساحة أرض فلسطين، حسب تقرير الاحصاء الرسمي الفلسطيني للعام الماضي.
لكن هذا النجاح الذي لا شك فيه، لم يغلق باب سؤال مأزق المشروع الصهيوني المفتوح، ليس فقط لسبب أن الشعب العربي الفلسطيني لم يستسلم وما انفك يقاوم متشبثاً بحقوقه وأهدافه الوطنية والتاريخية، إنما أيضاً للأسباب - الحقائق - التالية:
1: عدد الشعب الفلسطيني اليوم، حسب أحدث احصاء رسمي للسلطة الفلسطينية، 12 مليون نسمة، أي ما يقل قليلاً عن عدد اليهود في العالم. هذا بينما يعلم قادة إسرائيل قبل غيرهم، وأكثر من غيرهم، أن زمن جلب موجات الهجرة اليهودية الكبيرة الكثيفة إلى فلسطين قد ولى لأسباب عدة، أهمها: أن مخزون اليهود العرب قد نضب، وأن الوجود الأساسي لليهود في العالم يتكدس في الولايات المتحدة وبلدان أوروبا الغربية، وأن جلهم على الأقل ليس في وارد التخلي عن مواطنته والهجرة بكثافة إلى إسرائيل، فيما تتجه أنظار من تبقى من يهود أوروبا الشرقية إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وليس إلى إسرائيل، وفي أقله أكثر ما هي إلى إسرائيل.
إذا نحن في قادم السنين سنكون أمام حقيقة تساوي عدد الفلسطينيين مع عدد اليهود في فلسطين حتى من دون احتساب عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين أسقطوا بتشبهم بحق العودة إلى ديارهم الأصلية، وبرفض كل مؤامرات ومشاريع التوطين، الحسبة الصهيونية الخائبة القائمة على أوهام "الكبار يموتون والصغار ينسون"، بعد أن بددوا بكفاحهم الوطني الممتد جيلاً بعد جيل، أكبر كذبة في التاريخ: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ثم وقاحة "لا وجود لشعب فلسطيني....أنا فلسطينية" كما قالت جولدا مائير في زمانها، لتموت مكبودة من زلزال حرب العام 1973 بعد أن بكى بين يديها رمز الحرب الأسطوري، وزير دفاعها، ديان، متمتماً: "إنه الخراب الثالث للهيكل"، لتسقط بذلك أساطير أيديولوجيا "الجيش الذي لا يقهر"، و"تميز العرق"، التي ما زال المغروران نتنياهو ويعالون، ومعهما البلطجي ليبرمان والمأفون بينت، يتمسكون بأهدابها الواهية، بينما تخلى عن اعتمادها أساساً لبناء السياسة والحرب كل من المتبجح باراك والبلدوزر شارون، الأول عندما قرر في العام 2000 فرار جيشه تحت جنح الظلام من لبنان، والثاني عندما قرر في العام 2005 فك الارتباط العسكري والاستيطاني مع غزة، وإن من طرف واحد، فيما كان سبقهما إلى ذلك رابين الذي تبجح ووعد كوزير للدفاع بـ"إنهاء أعمال الشغب"، أي انتفاضة 1987 الكبرى، خلال أيام، ليقول بعد ذلك: "ليتني أصحو يوماً وأجد غزة قد التهمها البحر"، و"يجب إخراج الجيش الإسرائيلي من عش الدبابير في جباليا ونابلس القديمة".
2: عدد سكان إسرائيل، حسب أحدث احصاء رسمي إسرائيلي، 8.2 مليون نسمة، نسبة الفلسطينيين منهم 21%، أي أكثر من مليون ونصف المليون، دون أن ننسى أن هؤلاء إنما يشكلون حجر الزاوية في بناء المشروع الوطني الفلسطيني النقيض لحلم المشروع الصهيوني في جعل فلسطين "يهودية كما هي إنكلترا إنكليزية".
وهو الحلم - الوهم - الذي لن يفضي التشبث به إلا إلى دولة غالبية سكانها من غير اليهود الأمر الذي يخشاه قادة إسرائيل أكثر من خشيتهم من الطاعون، أما عنصريتها التي تفوق عنصرية جنوب أفريقيا تحت نظام الأبرتهايد البائد، فأمر لا يأبه له نتنياهو وبقية صحبه في حكومة المستوطنين، كما لم يأبه له أي من قادة إسرائيل التي - ولدت منذ البدء - عنصرية عدوانية توسعية، كدولة لجيش أنشأها، بعد أن تم اختراع شعبها وأرضها، كما برهن - بجرأة يُحسد عليها - البروفسور الإسرائيلي شلومو ساند في كتابين جديريْن بالقراءة والاقتناء.
عليه يجوز القول: "إدامة نكبتنا تديم سؤالهم المفتوح". أما لماذا؟ لأنه، بعد 66 عاماً على النكبة الممتدة في حياة الشعب العربي الفلسطيني، ورغم ما حققه قادة المشروع الصهيوني خلالها من نجاحات على الأرض، ورغم ما ارتكبوه خلالها من عمليات تطهير عرقي مخطط وجرائم حرب موصوفة قل نظيرها في العصر الحديث، إلا أن الحلم الصهيوني بانتزاع الاعتراف بإسرائيل دولة "يهودية كما هي إنكلترا إنكليزية" قد فشل بالمعنى السياسي للكلمة، ولن ينتشله من فشله تأييد إدارة أوباما مؤخراً لـ" يهودية دولة إسرائيل"، بل إن اعلان هذا التأييد، ومثله إعلان نتنياهو العزم على سن قانون أساسي يحصن إسرائيل كـ"الدولة اليهودية للشعب اليهودي"، إنما يعيد الصراع إلى مربعه الأول، ويعطي الشعب الفلسطيني سلاحاً فكرياً وسياسياً وأخلاقياً إستراتيجياً يجعل العالم أكثر تفهماً له إن هو تخلى عن مطلبه بـ"حل وسط" للصراع، بعد أن صار ظهره للحائط، وفقد كل خيار غير خيار القول: "نحن وإياكم والزمن طويل".



اطلالة عربية - إذا أردت أن تحتفظ بحبيبك !
بقلم: إبراهيم عبد المجي – الحياة
رغم كل ما تنقله الفضائيات وما تأتي به الصحف والمواقع الإخبارية من أحداث في مصر إلا أن في مصر مللا. رغم وجود معركة انتخابية بين مرشح التف حوله كثير من الناس الذين كرهوا الإخوان المسلمين وأفعالهم في العام العجيب الذي حكموا فيه البلاد ومعهم أنصار نظام مبارك القديم الذين يقفزون إلى المشهد بقوة, ومرشح آخر له تاريخ في النضال والسجون والمعتقلات منذ عصر السادات, إلا أن الملل هو القاسم الأعظم في أحاديث الناس في الشوارع وعلى المقاهي. بل لا تزال مباراة كرة مصرية أو أجنبية تستحوذ على الاهتمام الأكبر. تقريبا يقول المصريون معا إن ما نبات فيه نصبح فيه. إرهاب وعمليات قذرة. مظاهرات طلابية. مظاهرات كل يوم جمعة. وعلي الناحية الأخرى قوات الأمن تقبض على خلايا إرهابية وتفض المظاهرات بالقنابل المسيلة للجموع والخرطوش. ويبدأ يوم جديد. يشتكي الناس من الزحام والفوضى بالشوارع ويخرجون ويعودون. يشتكي الناس من ارتفاع الأسعار ويستطيعون ادارة حياتهم في صمت. حتى لو صرخوا على شاشات التيلفزيون في تحقيق مصور عن الأحوال فلا جديد يحدث. استقر في وعي الناس أن الأمور ستمضي إلى نهايتها. لن يكسب الإخوان والإرهاب المعركة. وسيأتي رئيس ثم يجد نفسه في متاهة. المهم أن القصة ستنتهي. على تويتر والفيس بوك الحوارات ساخنة لكن ما تلبث أن تهدأ. فحديث المشير السيسي الأول مع إبراهيم عيسى ولميس الحديدي استأثر بكل الاهتمام. وطبعا كان انتقاده رهيبا. حديثه الثاني على قناة سكاي نيوز مع المذيعة زينة اليازجي مرّ بلا نقاش تقريبا على الانترنت. فقط تذكر الشباب ان هذه المذيعة هي التي قابلت وزير الإعلام الاخواني أيام مرسي وقال لها «اسئلتك سخنة زيك» تحدثوا في هذا أكثر من الحديث.
حديث حمدين صباحي مع مجدي الجلاد وخيري رمضان نال نقاشا كثيرا جدا وتغيرت مواقف ناس بسببه في اتجاه حمدين. لكن أحاديثه الأخرى مرت بهدوء. لقاء المثقفين مع الفريق السيسي نال حظه من انتقاد الشباب لكن ليس بدرجة كبيرة وبالطبع لم يجد استحسانا ولو قليلا رغم أن كل من شارك فيه ادلى بدلوه للصحافة أو الفضائيات لكن التعليقات لم تزد عن بعض الدهشة وبعض الشتائم للمثقفين. بدا كأن الأمر في النهاية لايهم أحدا. وأتذكر أيام الاعتصام في وزارة الثقافة ضد الوزير الإخواني وكيف كانت المواقع الالكترونية مشتعلة ولا أندهش. فالملل الآن هو سيد الموقف رغم أن الأمر في الفضائيات يبدو عكس هذا. ثم أنهم يعرفون أنه في النهاية يتحدث المثقفون ويفعل الرئيس ما يشاء، فما بالك برئيس لم يأت بعد. لن يفعل شيئا.
أنا شخصيا أصابني من الملل الكثير. وملل الكاتب مؤلم ليس لأنه كاتب ولكن لأنه يعيش على قناعة بأهمية ما يفعل وخطورة ما يقول. وأتذكر أيام حسني مبارك ولقاءه مع المثقفين وكيف حضرت بعضها وكنت أختار الجلوس في الصف الأخير أو قبل الأخير تقريبا لأنام حتى ينتهي اللقاء. ولما انقطعت عن الحضور في السنوات الأخيرة أدركوا ذلك فلم يعودوا يرسلون لي الدعوات. وأعترف أني انتظر يوم الانتخابات الرئاسية بفارغ الصبر رغم أن المصريين استقروا على فريق سيؤيد السيسي وفريق سيؤيد حمدين صباحي وفريق سيقاطع الانتخابات وينضم للمقاطعين الطبيعيين الذين هم بلا موقف سياسي لأنهم يعرفون أن أي رئيس مثل أي رئيس ولم يحدث أن أطعمهم أحد.
حتى الهجوم المنظم على ثورة يناير بعد ثورة 30 يونيو لم يعد يثير أحدا لأن القناعة الحقيقية أن الثورة ضاعت ! لا أجد مساحة حقيقية حتى للضحك بين الناس. أصدقائي على المقهى يدون كأنهم قائمون من النوم، لكن سيدة على تويتر أسعدتني جدا في تويتة سريعة كالرصاصة وموجزة وعميقة المعني قالت فيها «إذا أحببت أن تحتفظ بحبيبك أطلق سراحه. بس خلاص ما توجعش دماغي» أضحكتني جدا وفكرت أنها أحسن رسالة يمكن أن أرسلها للرئيس القادم.

فلسطين و"نكبة البرامكة" (2-2)
بقلم: عدلي صادق – الحياة
التقط المؤرخ والسياسي الفلسطيني عارف العارف، تسمية "النكبة" التي أطلقها الشاعر أحمد محرّم، وجعلها بادئة عنوان عمله الثوثيقي في خمسة مجلدات أصدرها في مستهل العام 1956، أي بعد أن غادر وظيفته الأخيرة كرئيس لبلدية القدس الشرقية. فقد ظلت حاضرة في ذهنه، تسمية "النكبة" التي أطلقها الشاعر "مُحرّم" في السنة نفسها التي تقلد فيها المؤرخ أولى وظائفه كقائم مقام لبئر السبع، في العام 1933 تحت سلطة الانتداب البريطاني. فعلى الرغم من أن ذلك لا ينتقص من عاطفته الوطنية، إلا أن حَذَرَ الموظف الذي كانَهُ، حيال وضع نقاط الوقائع على حروف السياسات الرسمية؛ جعله يتجنب تعليل أو تفسير حدث أو تقديم أية قراءة لموقف أي نظام عربي. هنا، ليس أسلم من تسمية "النكبة". فقد عُرف كل شيء عن معسكر المنكوبين، دون أن يُعرف الحد الأدنى من أفاعيل الضالعين من الأشقاء الناكبين!
لكن مجلدات عارف العارف، سجلت الوقائع وجاءت بما أتيح من الوثائق، وغاب التحليل الذي يفسر ما وراء المواقف. وفي الحقيقة لم يزعم الرجل لنفسه أكثر من ذلك، على الرغم من الجهد الكبير الذي بذله في انجاز المجلدات الخمسة. فقد اختتم مقدمته البليغة لذلك العمل، بالقول "طَرَقتُ ما استطعت من أبواب، واستنطقت ما أمكن من حادثات.. فإن كنت قد أصبت المرمى، وحفظت لأبناء الأجيال القادمة سجلاً تتلون فيه حوادث هذه الحقبة من الزمن.. بمفاخرها ومخازيها؛ كان ذلك ما أبغي. وإلا فما إلا هي خطوة خطوتها على قَدْر، وأمنية تركت تحقيقها لمن تولاها بعدي وقدر"!
هو إذاً، قدم سجلاً لمادة تاريخية خام، فيها من المفاخر ما فيها من المخازي. وعلى صعيد تعيين المسؤوليات عن تلك المخازي، "استنطق" الرجل "ما أمكن من حادثات"!
في الإشارة الى اجتماع "عاليه" في لبنان لرؤساء حكومات الدول العربية المستقلة السبع (7/10/1947) ينقل العارف وقائع المؤتمر، ويتضح من خلال البيان الذي سُميَ قراراً وهو مجرد توافق على توجيه الدول التي اجتمع رؤساء حكوماتها؛ توصية لنفسها دون أن تقرر، وأنها حسمت أمرها قبل صدور قرار التقسيم، بعدم التدخل والقتال دفاعاً عن فلسطين. وبالفعل، إن ما حدث من تدخل للجيوش بعدئذٍ، كان منذ البداية يلتزم خطوط قرار التقسيم المرفوض فلسطينياً وعربياً في حينه، دون نية في تجاوزها. وكان تعليل عدم التدخل واضحاً وصريحاً في بيان التوصية نفسه. فقد جاء أن "الخبراء العسكريين" حسموا الأمر ورأوا وجوب "أن يُترك للفلسطينيين أنفسهم، عبء الدفاع عن بلادهم، على أن تزودهم الحكومات العربية بالمال والسلاح والخبراء العسكريين. ولا مانع من الاستعانة بالمتطوعين من أبناء الأقطار العربية". وأضاف البيان: "إن الفلسطينيين أخلص لقضية بلادهم وأعرف بمداخلها ومسالكها، وأقل نفقة من غيرهم، لوجودهم في منازلهم واعتمادهم على منتجاتهم في معائشهم، وأولى من غيرهم بالدفاع عن ممتلكاتهم وأعراضهم"!
حضر النص وغاب التحليل. فالدفاع عن فلسطين "عبء". وتحميله للفلسطينيين دون سواهم، هو عين الصواب، ووعود المال والسلاح تسويغ للوجهة الرسمية. وسيكون أحد عناصر الدعم بـ "الخبراء" أنفسهم الذين حسموا الأمر على أن لا حمل عربياً للعبء. والمتطوعون "لا مانع" من حضورهم. كانت عدم ممانعة هدفها امتصاص أو اختبار زخم الأيديولوجيات. ووجد رؤساء الحكومات من الضرورة تنبيه المتطوعين المفترضين، أن "الفلسطينيين أخلص لقضية بلادهم وأعرف بمداخلها ومسالكها" بل هم "أولى من غيرهم بالدفاع عن ممتلكاتهم وأعراضهم". وكأنهم كانوا بلداً مستقلاً، تمكن من بناء قوة صموده الاجتماعي والاقتصادي والعسكري.
بيان عربي، يفتح شهية الغزاة للتغوّل، ويُنشّط عزائمهم إن اعتراها خمول. فولاة الأمور العرب، بما يتكئون عليه من أيديولوجيات للحكم، أسقطوا فلسطين قبل سقوطها الأخير، فهم باتوا لا يعرفون مسالكها التي عرفها ابراهيم باشا في القرن التاسع عشر. وهم الطامحون قبلاً الى أن تشملها امبراطورياتهم المرتجاة. والأعراض أعراض الفلسطينيين حصراً، ثم إن البيوت بيتوتهم والممتلكات ممتلكاتهم على النحو الذي من شأنه إسقاط تاريخ الأمم التي رأى أبطالها أن أي بيت وأي عرض، في أية نقطة قصية من ممتلكات أممهم؛ هو بيتهم وعرضهم.
الصيغ القائمة، آنذاك، من الفكر القومي، شطبت حيثياتها قبل أن يبدأ النزال. ولرفع العتب، افتتحت "جامعة الدول العربية" وهي إطار العمل القومي القائم آنذاك، معسكراً في منطقة "الهايكستيب" قرب القاهرة لاستقبال المتطوعين، وهو المعسكر الذي استقبل أنفاراً صادقين من جماعة "الإخوان" جاءوا ليبلغ العدد منهم ومن غيرهم مئتين وثمانين رجلاً لا غير، بينما كانت جماعة "الإخوان" قد هيأت لنفسها ثلاثين ألف مسلح في مصر. وكان الضباط الذين تطوعوا للتدريب، هم أنفسهم رفاق جمال عبد الناصر فيما بعد. هنا سقطت أيضاً، الأيديولوجيا الحزبية الأصولية، لتتكشف ضآلة القوى الشعبية بعد ضآلة القوى الرسمية!
كانت تسمية "النكبة" بما فيها من تجهيل لفاعل معلوم ولمتواطئين معلومين، هي ما يلائم النظام العربي. فما وقع، هو إعصار بإرادة علْوية لا رادَّ لقضائها. بل إن بعضاً من مفسري "الإخوان" كتب في تعليل "النكبة" ما يُفيد أن "الله سلّط على الفلسطينيين غضبه فأرسل الصهيونيين" على نحو ما قرأت ذات يوم في مجلة "الإصلاح" التي كان يصدرها فرعهم في دبي!
ظل المنكوبون مُنتكبين. لم يحدث الكثير مما أراد عارف العارف أن يتحقق، على صعيد البحث التاريخي. مكثت التسمية وباتت جزءاً من توصيف أقدارنا، مثلما ظل هارون الرشيد، واحداً من أيقونات التقوى والعز والفخار، لا تطاله مساءلة عن ظلم أوقعه في البرامكة، المنكوبين مثلما وصف الشاعر ما حلَّ بهم!

لك المجد ايها الألم العظيم
بقلم: يحيى رباح – الحياة
رأسي يكاد يلامس السماء, أنا طفل النكبة الذي صحوت من نومي مذعورا في فجر الخامس عشر من ايار عام 1948 على صوت انفجارات قذائف الهاون «المورتر» وشهيق النيران التي اشتعلت في بناء بيتنا الواسع في قرية السوافير الشمالي, فهربنا من فاجعة الموت الى اطراف القرية اعتقادا انها ليست سوى سويعات ثم نعود !!!ولكن المنفى فتح اشداقه المتوحشة وتطاولت دروبه التائهة من الزمن فاخذنا الى حيث لا نهاية, لنكتشف بعد ان نستفيق ان نكبتنا الفلسطينية أكبر الف الف مرة من النكبة لانها حدثت بفعل فاعلين, هم اقوى الاقوياء في زماننا, صنعوا خطيئة اكبر من فظاعات كل الخطايا, اكبر من كسوف الشمس وخسوف القمر وانجراف القارات وازمنة الطوفان, لانها كانت مقصودة ومتعمدة ومخطط لها بكل اتقان ومحشود لها كل عناصر الحقد والقوة, ونحن لسنا سوى شعب صغير, وادع, يعيش في وطنه الذي كان اول ارض اشرق عليها تاريخ الانسان, مر علينا كل الانبياء وكنا هنا ففي هذه الارض قبلهم, ولكن الذين ارتكبوا الخطيئة الكبرى, والذين صنعوا نكبتنا والتي هي اوجع الف الف مرة من النكبة, انكرونا ونحن احياء, خنقوا صوتنا ونحن نصرخ, شطبوا اسمنا عن الخرائط السياسية, سكنوا بيوت مدننا التي كانت موجودة قبل ميلاد التاريخ, واكلوا من ثمار اشجارنا وحنطة حقولنا ولكنهم ادعوا اننا لم نكن هنا قط, وجدنا هنا بالصدفة ولم يعد المكان يحتملنا منذ الان, وعلينا ان نعترف بانه لا شيء لنا, لا وطن ولا ذاكرة, وان المنافي القريبة والبعيدة ستكون كفيلة بنا, وستسرق ملامحنا وينتهي كل شيء.
رأسي يكاد يطاول السماء أنا طفل النكبة, بعد ست وستين سنة على اكتمال الخطيئة الخارقة, لانني انتمي الى شعب لم يبرع شعب مثله في عبقرية القيامة, انا الفلسطيني الذي استفقت من الصدمة لأجدد اسمي مسروقا, وصوتي مخنوقا, وتركة ابي موزعة على المتقاسمين, ودمي معجونة به فطيرة الفصح الكبير, وقد اعدوا لي غيابا لا يشبهه غياب اخر.
ثم ها انا ذا احضر في الاحتفال, بل انني سيد الحضور ومركز المعادلة, ماذا تفعلون بي تذروني مع هبوب الريح اكون قوة الانتشار وبذور النار، وتضغطونني بقسوتكم وغبائكم العنيد فاكون سر الانفجار، هل ترون؟ لم تنته الحكاية محصنا بعبقرية الالم, ومصقولا كسيف الله بعبقرية التجربة, ومضاء بقوة الحق وعدالة المسعى, ها انا ذا امامكم قائما من موتي وحاضرا من غيابي, ها انا ذا اطرح عليكم الاسئلة من جديد لتكون اسئلتي اول الكلام واخر الكلام.
بعد ست وستين سنة عل النكبة التي هي افظع من كل النكبات نتهرب دولة اسرائيل الى العربدة والجنون, خوفا من الاسئلة الفلسطينية البسيطة, تكتشف ان اسمها الذي سجلته في دفتر المواليد المزور عام 1948 لم يعد مناسبا ولا كافيا ولا صادقا ولا آمنا وتكتشف ان عربدة القوة لها حدود, وان الخرافة تسقط من عرشها الوهمي تحت اقدام الحقيقة الفلسطينية، واننا لم نطلب الكثير, كنا هنا دائما فلماذا لا تعترفون اننا هنا؟ لسنا نحن الذين صنعنا حكاية اضطهادكم فكيف تصالحتم مع الذين ساموكم سوء العذاب ثم ها انتم تصرخون في وجوهنا كالاشباح الشريرة بأن علينا ان ندفع الثمن؟
كنا هنا منذ الازل, ولم نمت حين اكتملت شروط الموت, ولم ننس حين اصبحت الذاكرة عبئا ثقيلا, فلماذا لا تقرون بما اتفقتم عليه, وأين تهربون من حقنا العادل الذي يلاحقكم في حالة الانتشار او حالة الانفجار؟
بعد ست وستين سنة على نكبتنا, المجد لك ايها الألم العظيم لانك علمتنا الاسماء جميعا والاسرار جميعا, علمتنا ان نحيا وان نحضر وننادي ونطالب ونصر على تصحيح الخطيئة الكبرى التي ارتكبت بحقنا, لا نريد انتقاما ولا ثأرا ولا كراهية, نريد ان نقوم بدولتنا الفلسطينية في فلسطين وان تكون القدس عاصمتنا كما أراد لها الله ان تكون حقا, بوابة الناس من الارض الى السماء.
النكبة من منظور الرياضة
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
تحل الذكرى السادسة والستون لنكبة الشعب العربي الفلسطيني هذه الايام، التي يحييها ابناء الشعب العربي الفلسطيني في ارجاء الدنيا، ليؤكدوا من مواقعهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية والرياضية، ومن مواقعهم الجغرافية في الوطن والشتات، وفي المدن والمخيمات والخرب والارياف على تمسكهم بحق العودة إلى ارض الآباء والاجداد. وليجددوا التمسك بفصول روايتهم التاريخية، وهويتهم وانتمائهم لفلسطين. وبالتالي تمسكهم بحقوقهم الوطنية الثابتة، والاصرار على ازالة الاحتلال الاسرائيلي البغيض عن اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967 وفي مقدمتها القدس العاصمة الابدية.
وعلى هامش إحياء الذكرى الـ66 للنكبة، نظمت اللجنة الاولمبية واتحاد كرة القدم بطولة فلسطين، التي يشارك فيها: الفريق الفلسطيني الاولمبي، والفريق الاردني الاولمبي، والفريق الباكستاني الاولمبي والفريق السيرلانكي الاولمبي مع حضور رياضي عربي ودولي متميز.
واهمية البطولة الرياضية على الارض الفلسطينية، اولا التأكيد على مكانة الرياضة في لعب دور مهم في فعاليات النكبة، كمجال حيوي في إغناء الشخصية الوطنية؛ ثانيا الرد على العدوانية الاسرائيلية، التي استهدفت عددا من اعضاء الفريق الوطني بالاعتقال مثل: الرياضيون سامح مراعبة، وادهم وجوهر ابو حلبية، واغلاق احد النوادي في قلقيلية؛ بالرد القوي والصلب، ان الرياضة الفلسطينية، رغم كل اشكال القهر والاعتقال والتعطيل، مستمرة في ترسيخ منابرها ونواديها واستاداتها؛ ثالثا تعميق وتوسيع علاقاتها العربية والدولية، واسهاماتها في الانشطة والفعاليات والدوريات الرياضية في المناحي والمجالات المختلفة؛ رابعا التصدي وملاحقة السياسات الاسرائيلية العدوانية امام المحافل الرياضية الدولية، وإماطة اللثام عن الوجه القبيح للعنصرية الاسرائيلية؛ خامسا تثبيت اسم فلسطين في البطولات الرياضية ومن على ارض فلسطين؛ سادسا فتح ابواب فلسطين وملاعبها امام الفرق الرياضية الشقيقة والصديقة، رغم كل التعقيدات والارباكات والانتهاكات الاسرائيلية ضد الحركة الرياضية الفلسطينية.
فلسطين وهي تحتضن بطولتها على محدودية الفرق الاولمبية المشاركة، إلا ان التظاهرة الرياضية لصيقة الصلة بالسياسة، وتعمدها بأدواتها وملامحها ومبارياتها وبحجم المشاركات الخارجية من خلال الشخصيات الاعتبارية والمنابر الاعلامية الرياضية العربية والدولية. وتفتح المجال امام الفرق المشاركة للتعرف اكثر فأكثر على نكبة الشعب العربي الفلسطيني، وتكشف الوجه البشع والاجرامي للاحتلال الاسرائيلي، وبالتالي توسع من دائرة التضامن والدعم والاسناد لفلسطين، ليس في المحافل الرياضية فقط بل وفي المحافل السياسية.
البطولة الرياضية في ذكرى النكبة الـ66، تشكل إضافة جديدة للانشطة والفعاليات الرياضية في فلسطين، وتعبد طريق ارتقاء مكانة فلسطين في عالم الرياضة، وبالضرورة في السياسة، لان العلاقة التبادلية والجدلية بين الرياضة والسياسة لا تنفصم، كل مجال يؤثر بالآخر ويغنيه.
حتى يكون هناك رادع
بقلم: بهاء رحال – الحياة
يلزمنا الكثير من الوقت حتى نفهم أن من أهم أسباب وجودنا هو حماية الأنثى والدفاع عنها، وأن عمليات القتل التي تحدث ما هي الا كفرٌ وتخلف وغطرسة وتماد في الجنون وافتراء على الضحية التي لا حول لها ولا قوة وهي تقف امام سطوة مجتمع يعلق لها مشنقة الشرف وصليب الموت ويتسابق لنشر شائعة يتداولها الجميع ويجد فيها الرجل ( أو ما يسمى) عذراً لجريمته التي يقترفها مع سبق الاصرار والترصد
- فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف -
الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين
تلك الآية الكريمة كانت أحد الشعارات التي رفعتها يا سيادة الرئيس حين ترشحت للانتخابات الرئاسية، والكل يذكر حين وعدت واقسمت بتحقيق ذلك، ونحن نقدر عملك الدؤوب والمتواصل لحفظ الأمن والأمان ولكن في الآونة الأخيرة هناك ظاهرة لا يمكن السكوت عنها ومن واجب الرجال قبل النساء ان يباشروا بشكل عاجل وعاجل جداً بوضع العلاج لها كي لا تتفشى في مجتمعنا، فمجتمعنا يكفيه ما اصابه من أمراض ولا يحتمل أمراضاً اشد خطورة، ومع ازدياد حالات القتل العمد التي تتم بحق المرأة تحت ذرائع عديدة فإن لسان حالنا وحالها يناشدك رفع الظلم الواقع عليها باصدار قوانين رادعة وقادرة على وقف تفشي هذه الظاهرة الخطيرة داخل مجتمعنا بحق المرأة التي كانت ولا تزال شريكة الرجل في كل شيء، في البيت والعمل والجامعة والمدرسة وفي محطات النضال المختلفة.
وللرجال أقول: أعرف امتعاضكم مثلي من مثل هذه الحوادث التي يندى لها الجبين وتعبس الانسانية وجهها أمامها ونحن نرى قبح الصورة التي بدأت في التوسع وسوداوية المشهد الذي يغتالنا في اليوم الف مرة، وأن صورة البؤس هذه تجعلنا نحن من يعلق الجرس الى جانب المرأة لتكون صورة المجتمع متكاملة الحق والحقيقة ونكون معاً في مواجهة هذه الظاهرة التي تعتقد ان المرأة مخلوق ضعيف لا يقوى على شيء، وهذا منطق يغفل الصورة الحقيقية لأن المرأة تمارس حتى الآن رباطة الجأش بقوة واحتمال وتحاول دفع الظلم بصبر الحليم ولسان حالها يقول احذروا من الحليم اذا غضب
وللمرأة أقول: ان عمليات القتل التي تجري بحقك لا يمكن ان تكون مبررة ولا يمكن لعقل كائن من كان ان يتقبلها ونحن نرى عمليات كثيرة من القتل غير المبرر وفيها تجن كبير وظلم واقع عليك فهلا بدأت أنت بأخذ دورك وحماية حقك في الحياة.

حذار من ازدياد الجرائم
بقلم: محرم البرغوثي – الحياة
حديث الناس، معظم الناس، يتناول الجرائم التي تزداد في الوطن، هنا جريمة انتحار وهناك جريمة قتل، وفي مكان آخر اغتصاب وآخر سفاح قربى... وهكذا.
جيد أن وسائل الاعلام تنشر الخبر من الشرطة، وتنشر أيضا تشكيل لجنة خاصة للتحقيق وما الى ذلك من اجراءات.
لكن النتائج بعد ذلك لا يجري عليها تسليط أضواء الاعلام، قد يكون بعضها يؤدي الى مضاعفات عائلية وغيره، لكن أقصد أن القانون والقضاء يجب أن يعرف موقعه تجاه من تثبت عليهم الجرائم.
عند حدوث الجريمة ينشر الخبر، ويصبح حديث الناس، لكن بعد ذلك وبعد القرار والمحكمة، لا تدري الناس ما حكم القضاء ان وجد، وهذا أضعف ويضعف القضاء، وبالتالي تفتقد الثقة، ولا يوجد رادع لأحد وبالتالي تتفاقم المشكلة.
نحن أكثر الناس كرها للقتل، لأننا منذ قرن نقتل، ونحن مع حقوق الانسان لأننا بحاجته، وبالتالي نحن ضد الإعدام، لكننا مع الردع الحاسم. لكن نسأل أين هو الردع القضائي، أين المؤبد للقاتل المدان، أين حكم القضاء لمن يعتدي على ابنته أو أخته.... أين وأين؟
هناك جرائم قتل في سلفيت، والخليل، ونابلس ورام الله... الخ... لم يجر نشر وتسليط الأضواء على العقوبة لتكون رادعا. والأكثر من هذا أن الناس تشك في أن المجرم مكانه في السجن لأن الثقة مهزوزة.
ان هذا يتطلب من اصحاب القرار وعلى رأسهم الرئيس، أن يصدر قرار حاسم ليشكل رادعا لكل الناس بأن لارتكاب الجريمة ثمنا فادحا وعقوبة كبيرة.
وإن القتل والجرائم ليست من قيمنا وعاداتنا وديننا... ومن يتجاوزها يلقى عقابا يعرف عنه كل الناس.
يجب أن يسود القانون، ويجب أن يحاكم من يعبث بأمن الناس، وحتى القضاة يجب ان يعرفون ان من يتساهل في تطبيق القانون فهو شريك لمن خرقه.
إن اضعاف سيادة القانون يعني تقوية العشائرية، ويعني أخذ الحق باليد، وإضعاف للعدالة المفترض أن يحققها القانون العادل.
الى متى سيبقى الناس "وهم على حق"، يعتقدون من له ظهر لن يمسه أحد وأن "المقطوع من شجرة" من يدفع الثمن.
ان اجراءات سريعة وقانونية وعادلة، ستشكل اداة ردع لوقف الجرائم والاعتداءات، وهذا مطلوب جدا، قبل فوات الأوان.