Haneen
2014-12-18, 12:19 PM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
الخميس
22/05/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
الأقصى خط أحمر
حديث القدس - القدس
معضلات إسرائيل بسبب الأزمة السورية: اختيار عدم الاختيار
نير بومس وأساف هازاني - القدس
مخاض قومي عسير
خيري منصور - القدس
المصالحة رداً على النكبة
أحمد مصطفى علي - القدس
بدائل السلطة الفلسطينية عن استمرار المفاوضات مع إسرائيل
سي. جاكوب-* - القدس
فلسطين بعد المصالحة: هل ستُقطع عنها المساعدات الغربية؟
تقرير خاص-*(الإيكونومست) – القدس
أطراف النهار - بين "بسم الله" و"باسم الشعب" ؟
حسن البطل - الأيام
ليبيا وحركة التصحيح ...
طلال عوكل - الأيام
كمائن المصالحة
د. عبد المجيد سويلم - الأيام
النكبة والانتفاضة والأرض والكوفية
حمادة فراعنة - الأيام
طرطشات
د. فتحي أبو مغلي - الأيام
تغريدة الصباح - أختنا الثالثة....... حسب الله - من يوميات امرأة محاصرة في غزة
سما حسن – الحياة الجديدة
أزمنة رديئة في "عين الحلوة"
عدلي صادق – الحياة الجديدة
القتل المتعمد للاطفال جريمة حرب
عمر حلمي الغول – الحياة الجديدة
كتب نوارة وأبو الظاهر... وجيل النكبة
موفق مطر – الحياة الجديدة
مخاض قومي عسير
خيري منصور – الحياة الجديدة
المصالحة رداً على النكبة
أحمد مصطفى علي – الحياة الجديدة
الأقصى خط أحمر
حديث القدس - القدس
مشروع القانون الذي طرح على أعضاء الكنيست بهدف السماح لليهود بالصلاة في الأقصى المبارك تحت شعارات وذرائع مضللة مثل حرية العبادة والمساواة، والذي وقع عليه سكرتير حزب "العمل" ورئيسة لجنة الداخلية من حزب الليكود ميري ريجب يشكل تطورا خطيرا جدا وحلقة أخرى من سلسلة التصعيد الاسرائيلي الواضح الذي يدفع بالمنطقة نحو مزيد من الاحتقان والتوتر وستكون له تداعيات لا تقتصر على الفلسطينيين والاسرائيليين بل تشمل الأمتين العربية والإسلامية نظرا للمكانة الدينية للأقصى في قلوب وعقول أبناء الأمتين العربية والإسلامية.
لقد تشدّقت ميري ريجب وهي من المبادرين لسن المشروع بقولها ان السماء لن تسقط في حال أقرّ الكنيست هذا القانون مثلما لم تسقط السماء عندما تم تقسيم الحرم الابراهيمي في الخليل وسمح لليهود بالصلاة فيه. وهنا فان ما يجب ان يقال لريجب وغيرها من المتطرفين الاسرائيليين أن الاقصى بالنسبة للشعب الفلسطيني وشعوب الأمتين العربية والإسلامية خط أحمر من المحظور تجاوزه وأن مشروع القانون هذا يشكل مساً خطيرا بالوضع القائم واعتداء صارخا على أحد أكثر الأماكن الإسلامية قدسية.
صحيح ان الاحتلال الاسرائيلي فرض تقسم الحرم الابراهيمي، ولكن هذا الإجراء التعسفي إجراء باطل ولم يقبل به الشعب الفلسطيني او أي من الشعوب العربية والاسلامية، وهو يندرج ضمن الاجراءات والخطوات الباطلة في نظر القانون الدولي التي تقدم عليها دولة احتلال بل ان بعض الممارسات تندرج في إطار ما يسمى جرائم حرب يمكن ملاحقة مرتكبيها أمام المحكمة الجنائية الدولية.
هذا التطور الخطير يشعل ضوءا أحمر أمام الأمتين العربية والإسلامية وأمام الشعب الفلسطيني وقيادته، لذا يجب المبادرة الى تحرك جدي فوري فلسطيني - عربي - إسلامي في مختلف المحافل الدولية، لنقل رسالة واضحة لاسرائيل ومتطرفيها أن شعوب هذه الأمة العظيمة لن تسمح لأحد بانتهاك مقدساتها على هذا النحو وأن إقرار هذا القانون يعني فتح الباب على مصراعيه أمام تفجر الأوضاع.
واذا كانت ريجب وغيرها ممن يؤيدون هذا القانون قد استخدموا للتضليل عبارات حرية العبادة والمساواة لتبرير السماح لليهود بالصلاة في الأقصى، فكيف لهؤلاء ان يبرروا لنا منع الاحتلال الاسرائيلي حرية العبادة للمسلمين والمسيحيين ومنعه وصول المؤمنين الى أماكنهم المقدسة في القدس ؟! وكيف لهم ان يبرروا سياسة التمييز العنصري التي تنتهجها اسرائيل ضد الفلسطينيين سواء في الأراضي المحتلة منذ عام 1967 او داخل اسرائيل نفسها ؟!
ومن الواضح ان اسرائيل تنتهك بشكل فظ الحريات الدينية ويشهد على ذلك تحويل الكثير من المساجد القديمة في فلسطين التاريخية الى مقاهٍ ومطاعم والاعتداءات المتواصلة على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة وغيرها.
ولذلك فان شعارات حرية العبادة والمساواة التي استهدفت طمس حقيقة مشروع القانون الخطير هذا إنما هي بمثابة ذر للرماد في العيون وتضليل للرأي العام، فالمساواة وحرية العبادة في نص القانون شيء يختلف تماما عما ترتكبه اسرائيل ومتطرفوها بحق الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين وبحق مقدساتهم.
لقد حان الوقت لمحاسبة اسرائيل ومعاقبتها على انتهاكاتها الفظة للقانون الدولي بما في ذلك التوجه للمحكمة الجنائية الدولية باسم فلسطين، كما حان الوقت كي يتخذ العرب والمسلمون موقفا أبعد من الشجب والاستنكار، ونتطلع بهذا الشأن الى موقف أردني-مصري-فلسطيني حازم من شأنه ردع اسرائيل عن المضي قدما في مخططها الهادف الى تقسيم الأقصى.
معضلات إسرائيل بسبب الأزمة السورية: اختيار عدم الاختيار
نير بومس وأساف هازاني - القدس
استخدم الإسرائيليون خليطاً من المصطلحات لوصف تطورات الأعوام القليلة الماضية في العالم العربي، عاكسين الكيفية التي فهم بها اللاعبون المختلفون هذه التغييرات. فما كان قد بدأ "ربيعاً عربياً"، نما ليتحول إلى "شتاء إسلامي راديكالي" خطير. وفيما ظل قادة إسرائيل غير قادرين على تعريف طبيعة التحولات، أصبح الوصف هو: "جيشان الشرق الأوسط". وبالتدريج، تحول اتجاه المراوحة بين التفاؤل والتشاؤم إلى سبب للحيرة العميقة.
متأثرين بتتابع أثر "الدومينو" الذي تركه إحراق محمد البوعزيزي، البائع التونسي، لنفسه، نظر الإسرائيليون إلى موجة الاحتجاجات كتجربة سوسيولوجية مدهشة تجري "هناك"، بعيداً عن حدودهم. وفي الأثناء، تابع البلد التفكير في نفسه كحالة منفصلة فريدة من نوعها في الشرق الأوسط -أو كما وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، إيهود باراك، (2007-2013)، بأنها "فيلا في غابة". وحتى "الاحتجاجات العشر" التي نظمت داخل إسرائيل في صيف العام 2011، جرى النظر إليها كتعبير عن استياء البرجوازيين، وكمغامرة صيف أكثر صلة بالتطورات الجارية في الولايات المتحدة وأوروبا (حركة احتلوا، الساخطون) منها بالفوضى الإقليمية.
في البداية، اختارت إسرائيل النأي بنفسها. ورغم أن الربيع العربي احتل مكان الصدارة في الصحف الإسرائيلية، فقد مرت تطورات رئيسية في العربية السعودية واليمن والبحرين بدون ملاحظتها تقريباً، خاصة وأنها لم يُنظر إليها على أنها تؤثر مباشرة على الأمن القومي.
لكن عندما بدأت آثار الاضطرارات الإقليمية تجعل نفسها ملموسة، وجدت القيادة الإسرائيلية نفسها مجبرة على القبول بفكرة أن الثورات العربية يمكن أن تؤثر على مصالحها القومية. وعلى الإثر، بدأت الشعور بالقلق عندما بدأت أسلحة كان الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي يمتلكها قبل العام 2011 بالوصول إلى أيدي عناصر إرهابية تعمل بالقرب من حدود إسرائيل. وفي الأثناء، تكثف النشاط الإرهابي الذي بدأ في شبه جزيرة سيناء بعد سقوط حسني مبارك في بداية العام 2011 وازدادت حدته مع عزل محمد مرسي في صيف العام 2013. وكان الرؤساء المصريون المتعاقبون، الذين كافحوا من أجل الحفاظ على مظهر للاستقرار في سيناء، قد واجهوا تحديات متزايدة لسلطتهم هناك. ووجدت إسرائيل التي كانت قد وقعت معاهدة سلام مع مصر في العام 1979 نفسها في مأزق. هل يجب عليها التصدي للنشاطات الإرهابية، أم الاكتفاء بتذكير مصر ومعاتبتها على تقصيرها وعدم كفايتها؟ وقد انطوى كلا الخيارين على مجازفة. لكن كان هناك خيار ثالث تمثل في الموافقة على مراجعة الملحق العسكري لاتفاقية السلام، بطريقة تسمح لمصر بتعزيز تواجد قواتها في سيناء -وهو خيار حاسم من شأنه أن يعني التضحية بالحاضر من أجل مستقبل أفضل للأمن.
لم تكن سيناء هي التحدي الوحيد الذي واجهته إسرائيل. فقد خلقت زعزعة الاستقرار في الأردن، والتي جرى تجاهلها طويلاً، قلقاً متنامياً في إسرائيل. وفي الأثناء، بدأ القتال في سورية في جذب انتباه تنظيمات جهادية عالمية، والتي تمكنت من تثبيت مواطئ أقدامها هناك بينما يهوى البلد في أتون الفوضى العارمة. وقد راقبت إسرائيل هذه التطورات بقلق، راصدة الأراضي الفلسطينية عن كثب، على أمل أن يتوقف "الشلال" الشرق أوسطي عند الحدود الإسرائيلية. ووجدت القيادة الإسرائيلية نفسها في ورطة تتعمق باطراد أمام السؤال: مع صعود هذا العدد الكبير من المجموعات المسلحة، هل ما تزال الدول تشكل لاعبين مهمين وذوي صلة؟ في العام 2006 كان لبنان غير قادر على الحيلولة دون اندلاع الصراع بين حزب الله وإسرائيل.
في سورية، وخلال الشهور الأولى من الثورة التي بدأت هناك في آذار من العام 2011، سعى بشار الأسد مبدئياً إلى تصوير التطورات وكأنها عاصفة عابرة لا علاقة لها البتة بحالة الاضطراب الإقليمي، وأصر على أن احتجاجات أيام الجمعة هي محدودة في الزمان والمكان، ولم ترق إلى مستوى الانتفاضة الجماهيرية ضد حكومته. لكن سورية سرعان ما غرقت في حمام من الدم، وبدأ العنف في داخل البلد بالتأثير على المنطقة بأكملها. ومع تهريب الأسلحة الذي أعقب سقوط النظام الليبي، استمر الجهاديون الأجانب الذين شقوا طريقهم إلى سورية في النمو عدداً.
هكذا، أصبح القتال الدائر في سورية يؤثر راهناً على المنطقة كلها، فيما المحنة التي يمر بها البلد وموجات اللاجئين التي يفرزها تستقطب انتباهاً دولياً متجدداً. وقد أثر مئات الآلاف من اللاجئين الذين تدفقوا على تركيا ولبنان والأردن على الاستقرار في هذه البلدان، في حين لم تتم دعوة إسرائيل، العدو التقليدي، للمساعدة في إدارة المشكلة. وفي الحقيقة، رفض الفلسطينيون التنسيق مع الحكومة الإسرائيلية فيما يخص جهودهم الخاصة لمساعدة اللاجئين -وهو ما يناسب إسرائيل التي لديها أصلاً ما يكفيها من المشاكل وهي تتعامل مع مستوى عالٍ من هجرة العمالة من أفريقيا.
هناك أسباب أخرى لدى القيادة في إسرائيل للشعور بالارتياح. أحدها هو أن الموضوع الفلسطيني أصبح يتلقى اهتماماً دولياً أقل بكثير منذ بدء الربيع العربي. وحتى تفجر الأعمال القتالية في سورية، كان ما يتبادر إلى الذهن عندما يذكر أحد اللاجئين في الشرق الأوسط، هو اللاجئون الفلسطينيون -لكن "اللاجئين" أصبحوا الآن يعنون السوريين الذين يشكلون أكبر عدد من الناس المشردين، سواء في المنفى أو في داخل سورية نفسها.
يتعلق السبب الثاني بأمن إسرائيل الخاص -موطن اهتمامها السرمدي والأساسي. وقد غيرت المخاوف من أن يكون تحلل سورية قد غير العلاقات في داخل محور إيران- سورية- حزب الله. ففي السابق، كانت إيران وسورية تركزان على مساعدة حزب الله. والآن، وحتى مع كون إسرائيل متخوفة من أن يعطي نظام الأسد أسلحة غير تقليدية لحزب الله، فقد باتت ترى سورية وهي تصبح المتلقي الرئيسي للمساعدة. وهذا تغيير كبير، في ضوء أن المؤسسة الإسرائيلية كانت قد نحت إلى رؤية التطورات الجيوسياسية فقط برؤية أمنية وتجاهلت كل التغييرات التي حكمت بأنه ليس لها تأثير مباشر عليها.
بينما تكشفت التطورات، كانت إسرائيل سعيدة بالمراقبة من الخطوط الجانبية، معتقدة بأن نظام الأسد متجه إلى الانهيار. كما كانت سعيدة أيضاً عندما أنهت دمشق في العام 2012 علاقتها مع حركة حماس الفلسطينية. ومع نمو الصراع في سورية، كرر العديد من القادة الإسرائيليين ما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن قد قاله في سياق مختلف: "أتمنى لكلا الجانبين حظاً سعيداً".
لكن لإسرائيل مصالح واضحة جداً في كل هذا. من شأن سقوط نظام الأسد أن يخدم المصالح الإسرائيلية عبر زعزعة استقرار المحور الإيراني الشيعي. ومن جهة أخرى، وعلى ضوء ضعف المعارضة السورية العلمانية، فإن من الممكن أن يجلب نصر المتمردين نظاماً إسلامياً معادياً لإسرائيل ويضعهم في حديقتها الخلقية الخاصة. الأسد يشكل نوعية معروفة -إنه عدو معلن رسمياً، يحكم من قصر، والذي يمكن الاتصال به. لكن التنظيمات المتمردة لا تملك عنواناً بريدياً، وهي متعددة جداً إلى درجة يستحيل معها قتالها أو التفاوض معها كما يتم في العادة مع الدول (قصف مواقع استراتيجية أو الاتصال عبر طرف ثالث).
نجحت إسرائيل تقريباً في عدم اتخاذ مواقف منحازة بشكل صريح. كما أن الجهد الدبلوماسي الدولي الذي كان قد أفضى إلى تأجيل تدمير الأسلحة الكيميائية السورية خفف من بعض المخاوف الإسرائيلية الجادة. حتى أن قيادة الوطن في قوات الدفاع الإسرائيلية، المسؤولة عن الدفاع المدني، أوقفت إنتاج الأقنعة الواقية من الغاز. كما أقدمت إسرائيل أيضاً على رسم خطوطها الحمراء الخاصة من خلال تنفيذ الضربات الجوية ضد الأهداف العسكرية السورية، لمنع نقل الأسلحة الاستراتيجية (خاصة من سورية إلى حزب الله) والتصدي للتهديد الماثل في تدفق الصراع السوري إلى مرتفعات الجولان (ما تزال إسرائيل تحتل هذه المرتفعات منذ العام 1967، وقد ضمتها إليها في العام 1981)، أو إلى داخل الأراضي الإسرائيلية. وكانت أحدث هذه الضربات قد نفذت في شباط (فبراير) وآذار الماضيين.
لم تعد الجولان، التي خدمت كمنطقة فاصلة منذ الحرب في العام 1973، تفي بذلك الغرض: لم تعد قوات الأمم المتحدة فعالة، وهناك قتال يدور على مقربة منها. وبين الفينة والأخرى، تضرب قذائف المورتر والمدفعية إسرائيل وأهدافاً إسرائيلية، عن قصد أو عن غير قصد.
لكن السؤال هو: كيف يجب أن ترد إسرائيل. هل يجب عليها السماح للأمم المتحدة بتقوية تواجد قواتها في المنطقة، كما سبق وأن سمحت لمصر بتعزيز قواتها في سيناء؟ أم يتوجب عليها الرد على مصادر النيران والمخاطرة بالتالي بتصعيد خطير؟ أم أنه يتوجب عليها مساعدة أحد الأطراف أو الامتناع عن مساعدة الطرفين؟ وإذا قدمت مساعدة ما، فهل يتوجب عليها فعل ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، وعلى نحو سري أم علني؟ وثمة سؤال آخر: هل يتوجب على إسرائيل في تلك الحالة تزويد الأسلحة -نوع من المساعدة التي تعرفها جيداً- أم أن تقصر نفسها على تقديم المساعدة الإنسانية؟
من دون مناقشة استراتيجية مفتوحة، كانت إسرائيل منخرطة بفعالية في تقديم المساعدة الطبية في الجولان منذ شباط من العام 2013. وما يزال المساعدون الطبيون في قوات الدفاع الإسرائيلية يعالجون جرحى سوريين في المناطق الحدودية، حيث تم إنشاء مشفى ميداني لتلقي الأعداد المتنامية من الجرحى الذين حول البعض منهم إلى مسشفى في مدينة صفد. وثمة أكثر من 800 سوري تلقوا العلاج حتى الآن. كما أن العمليات الإنسانية تجري بمساعدة تنظيمات غير حكومية مختلفة.
مع تحول جنوبي الجولان ليكون ملاذاً استراتيجياً للتنظيمات الإسلامية الراديكالية، تتعرض إسرائيل راهناً لضغط متزايد للاختيار بين محاولة إعادة قولبة المنطقة والتأثير فيها بشكل كبير، أو الانتظار ورؤية ما يحمله المستقبل. ويظهر تحليل التصرفات الإسرائيلية حتى الآن أنه لم يتم التوصل إلى استنتاج بهذا الخصوص. والمعروف أن إسرائيل لا تساعد الثوار في داخل سورية أو خارجها، ما يشي بأنها تفضل استمرار بقاء نظام الأسد، مختارة العدو الذي تعرفه. ومع ذلك، فإن رغبة إسرائيل في تأمل فكرة التدخل الدولي وتوسيع عمليتها الإنسانية، قد تشير إلى تغيير يلوح في الأفق.
لقد حاولت إسرائيل جهدها حتى الآن إبقاء نفسها بعيدة عن الشرق الأوسط، وعن الصراع السوري على وجه التحديد. ويعكس هذا الموقف، الذي يحظى بدعم شعبي في إسرائيل، موقف الولايات المتحدة. وفي العام 2013، قالت الولايات المتحدة لسورية إنها تجاوزت خطاً أحمر باستخدامها الأسلحة الكيميائية وهددتها بعمل عسكري ضدها، لكنها تخلت عن هذه الفكرة وتحولت إلى خيار "القيادة من الخلف". لكن آخرين مثل تركيا وقطر وإيران ودول مجلس التعاون الخليجي، اتخذوا موقفاً أكثر فعالية من خلال دعم عناصر مختلفة من المعارضة الإسلامية.
من جهتها، استجابت التنظيمات غير الحكومية الإسرائيلية مثل "فلاينغ إيد" و"يداً بيد مع الشعب السوري" بطريقة مختلفة. فكانت هذه المنظمات هي أول من يدرك الحاجة إلى بناء علاقة مع السوريين، وقادت عدداً من نشاطات الدعم الإنساني في الأردن وتركيا وفي داخل سورية نفسها، مع تركيز على إيصال الغذاء والإمدادات الطبية. وقد تم حتى الآن إيصال نحو 1300 طن من المساعدات. وجعلت هذه المبادرات من الممكن للمجموعات الإسرائيلية والسورية العمل سوية للمرة الأولى، وجهاراً في بعض الأحيان. ولسوء الطالع، لم تقدم المؤسسة الإسرائيلية على محاكاة هذه العمليات المدنية.
في الأثناء، تبقى إسرائيل أسيرة دفاعها الخاص -ورؤيتها المستندة إلى الأمن، ولم تبدع في الانخراط الدبلوماسي أبداً- خاصة في الشهور القليلة الماضية بينما كان كامل الجسم الدبلوماسي الإسرائيلي ينفذ إضراباً. ومع ذلك، يبقى من الممكن أن تسمح المبادرات الدبلوماسية والإنسانية لإسرائيل بلعب دور بناء وكسب حلفاء جدد للمستقبل. ومن الممكن أن يثبت الـ800 جريح سوري الذين عولجوا في إسرائيل في العام الماضي أنهم أفضل سفراء.
*باحث مشارك في مركز موشيه دايان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية في جامعة تل أبيب. وأساف هازاني، عضو في منتدى الفكر الإقليمي.
مخاض قومي عسير
خيري منصور - القدس
تَتَعدّد الأسماء والعناوين لهذه الآوِنَة الحَرِجة التي يعيشها العالم العربي، فهي ربيع لدى البعض، وخريف لدى آخرين، وَفَصْلٌ خامِس خارج التقاويم لدى فئة ثالثة، تماماً كما دار سجال ذات يوم حول حراكات اجتماعية وسياسية بِدْءاً مِنْ مصر ومنها حركة عرابي التي سماها البعض "هوجة"، وأصرّ آخرون على أنها ثورة، وبمعزل عن التّسميات التي تجرنا إلى التجريد وبعيداً عن الواقع فإن ما يحدث في هذا العالم العربي هو مخاض وهو عسير أيضاً .
لهذا لجأ البعض إلى عَملّيات قَيْصرّية منها ما أَمات الجنين في الرحم، ومنها ما أوْشَك أن يقتل الأم وهي الدوْلة .
والمخاض بالمعنى التاريخي لا العُضْوي له مُواصفات وَحَيْثيّات أخرى، لأن فترة الحَمْل قد تدوم أعواماً أو عقوداً . وَيُشْترط هذا الحَمْل أوّلاً وجود قابِلةٍ قانونية أَمينة كي لا تَسْتَبْدل الجنين أو تخنقه .
وقد أدى تراكم المَكْبوتات في مختلف مجالات حياتنا إلى اندلاع غير مُقَنن وغير مَحسْوب لأن ما حَدَث بالفعل هو تزامنٌ مُثير بين انفجارات عدة .
وَواقعٌ بهذا التعقيد لا يقبل الاختزالات النخْبويّة في تَعْريفات محدّدة، لأنه من الصعْب القَبْض عليه ووضعه بين أقواس . فالمفاجآت لم تتوقف بعد والبراكين الهاجعة لا يُراهَنُ عليها .
والخلاصة إن كان لمثل هذه التعقيدات من خلاصة، هي أن ما يجري هو مَخاض عسير، بل بالغ العُسْر وقد يموت الجنين أو حتى عدة توائم لكن الأمّ باقية، ولن تتوقف عن الحَمْل والولادة حتى القيامة .
وما يقوله الأطباء أحياناً عن الحمّى باعتبارها بشارة حياة لأن الموت بارد يليق أيضاً بالمطارحات السياسية، فالوطن العربي رغم كل ما عصف به من متغيرات وخلافات بَيْنيّة وَتَشْظية طائفية لا يزال مُتشبثاً بالقواسم المشتركة . تاريخياً وذاكرة وثقافة وأَمْناً مُشتركاً وأحلاماً، وبعد مرور ما يقارب القرن على سايكس بيكو، لم يفقد هذا العالم قواسمه المشتركة، مما أفسَد كل الرّهانات على غُروبه وتحوله إلى رجل مريض مُسجى على مائدة وتتوغل فيه المباضع والسكاكين!
والنخبة كما نتصور لها دور آخر غير دور الغُراب الذي ينتظر الأطلال كي ينعق فوقها! لأن النخبة لا جَدْوى منها في السراء حين يكون الناس مُنْصَرفين إلى شجونهم الخاصة . لكن ضرورتها القُصْوى تأتي في الضراء أو كما قال الشاعر في الليلة الظلماء يفتقد البدر .
فأين هو البَدْر الآن؟ إننا نريد هلالاً واحداً منه، فهل هو في إجازة طويلة أم رَحَل إلى مَجرة أخرى؟
المصالحة رداً على النكبة
أحمد مصطفى علي - القدس
تؤكد كثافة المشاركة الفلسطينية في إحياء الذكرى ال 66 للنكبة، في الداخل الفلسطيني والشتات حول العالم، من خلال المسيرات والاعتصامات، أن هذا الشعب مصمم على العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس، على الرغم من عنجهية ونرجسية اسرائيل، وإجراءاتها غير المسبوقة لتكريس احتلالها، ومحاولاتها المستميتة لشطب كل ما يمت لعروبة فلسطين بصلة، وآخرها مطالباتها المتكررة بالاعتراف بما يسمى "يهودية الدولة" .
الشعب الفلسطيني، الذي يؤكد مراراً أن العودة حق مقدس كفلته المواثيق والقرارات الدولية، ويرفض التنازل عنه تحت أي ضغط أو مغريات، متشبث بمواصلة نضاله حتى تحرير كل شبر من فلسطين وإنجاز أهدافه الوطنية وإنهاء تشرده الذي تسببت به جريمة العصر، ويدرك تماماً أن العودة حق فردي وجماعي لا يسقط بالتقادم، وأن لا أحد يستطيع المس به، وأنه لا أمن ولا سلام ولا استقرار، من دون أن يستعيد كامل حقوقه الوطنية المغتصبة بعد أن تآمرت عليه كل قوى البغي والطغيان .
مفاتيح المنازل القديمة التي لا يزال يحتفظ الفلسطينيون بها، والأعلام السوداء الخاصة بحق العودة، تثبت أنه مهما تكالبت أمم الأرض ضد هذا الشعب المكافح وألحقت به النكبات، فإنه لن يتنازل عن حقوقه الثابتة وتقرير مصيره، وأنه ماض في كفاحه البطولي وصموده الأسطوري حتى يمحو آثار هذه المأساة، التي نجمت عن وعد بلفور المشؤوم، ويحقق مبتغاه في وطن حر كريم، مهما طال الزمن أو قصر .
المجتمع الدولي مطالب بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الذي يئن تحت وطأة الاحتلال، ومطالب بتمكينه من الحصول على كامل حقوقه الوطنية المشروعة، وفي المقدمة منها حق العودة إلى دياره التي شرد منها عام 1948 وتقرير المصير وإنهاء المأساة المتواصلة التي يعيشها في كل بقاع الأرض ومخيمات اللجوء .
ما يزيد أهمية حق العودة، الجهود المبذولة لترتيب البيت الداخلي، وإنجاز المصالحة الوطنية وإعادة اللحمة بين مكونات الشعب الفلسطيني، وقضية الأسرى في سجون الاحتلال، وفي المقدمة منهم الأسرى الإداريون ممن يواصلون خوض معركة الأمعاء الخاوية، رفضا لسياسة الاعتقال الإداري .
حان الوقت لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية لتحقيق طموحات شعبه ومواجهة أصعب وأشرس هجمة في تاريخ قضيته بموقف موحد، لأن الإرادة الفلسطينية مرتبطة على الدوام بالحق، والشعب الفلسطيني رغم كل ما يتعرض له من حصار ومحاولات اقتلاع سيصمد، وسينتزع حقوقه في الحرية والاستقلال وسيرحل المحتلون في نهاية المطاف، لأنهم ليسوا أصحابها ولا أهلها مهما فعلوا .
قدم الشعب الفلسطيني تضحيات جسيمة مكنته اليوم من أن يرسم لنفسه مكاناً على خارطة السياسة الدولية ويستمر في هذا الجهد حتى تصبح فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وإيجاد حل لقضيته العادلة، التي يحاول الإحتلال المراوغة في المفاوضات وإفشالها بتكثيف الاستيطان وتسريع عمليات تهويد ما تبقى من الأرض المحتلة، ولعل المصالحة وتوحيد الفصائل هو الرد العملي المناسب للخطوات العدوانية الإسرائيلية، لأنها أهم وأبرز العناصر التي تحافظ على شعلة النضال الفلسطيني متقدة للوصول إلى تحقيق أهدافه المشروعة .
بدائل السلطة الفلسطينية عن استمرار المفاوضات مع إسرائيل
سي. جاكوب-* - القدس
حتى قبل قدوم الأزمة الأخيرة في المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، كان بعض الفلسطينيين قد فكروا في المرحلة التي ستعقب المحادثات إذا ما أخفقت جملة وتفصيلاً، وخرجوا ببدائل للتعامل معها. وقد شرع أحدث هذه البدائل، التوجه إلى الأمم المتحدة، بالتجسد فعلياً؛ حيث طلبت السلطة الفلسطينية الانضمام إلى 15 اتفاقية ومعاهدة دولية. وثمة بديل آخر -المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس- أصبح قيد العمل أيضاً، مع توقيع اتفاق بينهما يوم 23 نيسان 2014. وتشمل البدائل الأخرى قيد البحث: الحصول على رعاية دولية للمفاوضات، وحل السلطة الفلسطينية، ووقف التعاون الأمني مع إسرائيل، وقيام انتفاضة ثالثة. وسوف تلقي هذه الورقة ضوءاً على هذه الخيارات والخيارات الأخرى التي تجري مناقشتها في داخل السلطة الفلسطينية.
التوجه إلى مؤسسات الأمم المتحدة، بما فيها محكمة الجرائم الدولية
أحد البدائل يتضمن بذل محاولات للحصول على اعتراف بالسلطة الفلسطينية كدولة عضو في مؤسسات الأمم المتحدة، على نحو مشابه للمسعى السابق إلى تأمين القبول بفلسطين كدولة مراقب غير عضو لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني 2012. وحتى الآن، اتخذت السلطة الفلسطينية خطوات محسوبة بحيث لا تتسبب بتحطيم القارب، فطلبت الانضمام إلى 15 فقط من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
محمد اشتية، العضو السابق في فريق المفاوضات المنسحب، شرح أن التوجه نحو الأمم المتحدة يهدف إلى تدويل المشكلة الفلسطينية، وجعل القانون الدولي هو مصدر السلطة في المحادثات المسقبلية. وكما بيّن، فإن ذلك يعني أن لا تتم مناقشة قضية إنهاء الاحتلال في المفاوضات، وإنما سيفرض القانون الدولي موعداً نهائياً لإنهائه بدلاً من ذلك. وقد ادعى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، توفيق الطيراوي، بأن القيادة الفلسطينية أخطأت بعدم توجهها فوراً إلى الأمم المتحدة بعد أن تم قبولها كدولة مراقب غير عضو.
في هذه الأثناء، تنوي السلطة الفلسطينية الاستمرار في الانضمام إلى المؤسسات الدولية، والاتفاقيات والمعاهدات التي تراها مناسبة. وكجزء من هذا الجهد، يدرس الفلسطينيون احتمال التوجه إلى محكمة الجرائم الدولية ومقاضاة إسرائيل على ارتكابها جرائم حرب، من بينها إسكان مواطنين من دولة تمارس الاحتلال في أراض خاضعة للاحتلال -المستوطنات على سبيل المثال. وكان الرئيس محمود عباس قد قال لجلعاد شير في تصريح مسجل لمؤتمر معهد دراسات الأمن القومي في كانون الثاني 2014: "إن الفلسطينيين مؤهلون للانضمام إلى محكمة الجرائم الدولية، لكنني آمل أن نتمكن من حل مشكلاتنا سلمياً، لأنني لا أريد المزيد من التعقيدات بيننا وبين إسرائيل، أو بيننا وبين العالم. وفي الوقت الحالي، لدي الحق بأن أذهب حيث أشاء (على سبيل المثال، إلى أي هيئة دولية)، لكنني توقفت لأنني أريد أن أعطي السلام فرصة".
من جهته، قال محمد اشتية إن القيادة الفلسطينية ربما تقدم التماساً إلى الأمم المتحدة للحكم على إسرائيل بسبب جرائمها في حال أخفقت المحادثات الحالية، وقال في مؤتمر صحفي: "لقد حضر الجانب الفلسطيني خطة للانضمام إلى 63 من المؤسسات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية في حال فشلت المحادثات". وأضاف: "لقد قسمت القيادة (الفلسطينية) هذه الهيئات إلى أربع مجموعات، والتي ستنضم إليها على أربع مراحل. وسيكون التقدم إلى محكمة الجرائم الدولية، الذي يسبب الأرق لإسرائيل، في المرحلة الرابعة".
من جانبه، قال صائب عريقات أيضاً للوفد الإسرائيلي: "إنكم إذا قمتم بتصعيد الأمور، فإننا سنلاحقكم في كل منتدى دولي على جرائم الحرب التي ارتكبتموها".
لكنها تجب ملاحظة أن التوجه إلى محكمة الجرائم الدولية ينطوي على مخاطرة بالنسبة للسلطة الفلسطينية، لأنها تدرك أن هناك احتمالاً لمقاضاتها في تلك المحكمة على مزاعم بارتكاب الإرهاب ضد إسرائيل وسكانها. وتعرف القيادة الفلسطينية أن عليها دراسة مثل هذه الخطوة بعناية وحذر.
المصالحة الوطنية
ثمة بديل ثان هو إجراء مصالحة فلسطينية داخلية. وفي يوم 23 نيسان،قبل ستة أيام من الموعد المقرر لنهاية المفاوضات، وقعت منظمة التحرير الفلسطينية مع حماس اتفاق مصالحة، والذي اشتمل على ما يلي:
- احترام اتفاقيات المصالحة السابقة التي تم توقيعها في القاهرة في العام 2011، وفي الدوحة في العام 2012، ومعاملتها باعتبارها مصدراً للسلطة.
- اتخاذ عباس خطوات لتشكيل حكومة وحدة وطنية في غضون خمسة أسابيع.
- إقامة انتخابات رئاسية وانتخابات للمجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني بالتزامن بعد ستة أشهر من تشكيل هذه الحكومة.
- اجتماع لجنة تنشيط منظمة التحرير الفلسطينية خلال خمسة أسابيع من أجل تنفيذ المهمات المبينة في اتفاقات المصالحة السابقة.
- استئناف نشاط لجنة المصالحة الاجتماعية ولجنة الحريات.
- استئناف نشاط المجلس التشريعي.
وتجدر الإشارة إلى أن الكثيرين في السلطة الفلسطينية يشككون في احمالات تطبيق هذا الاتفاق بنجاح، سواء لأنه تم توقيعه بعد سنوات من الانقسام، أو بسبب الفشل في تطبيق الاتفاقات المشابهة الموقعة منذ العام 2007.
التفاوض كجزء من مؤتمر دولي
مع ذلك، يبقى هناك بديل آخر، هو مواصلة المفاوضات، وإنما كجزء من مؤتمر دولي بدلاً من الاكتفاء بالرعاية الأميركية الحصرية. ولا تعتبر السلطة الفلسطينية الولايات المتحدة وسيطاً محايداً، وتعتقد أن من الأفضل بكثير أن تجري المفاوضات برعاية دولية. وكان الوزير الفلسطيني السابق لشؤون الأسرى، أشرف العجرمي، والذي تنبأ سلفاً بفشل المفاوضات، قد كتب: "ينبغي أن نسعى إلى إيجاد بدائل يمكنها أن تحمي الحقوق الفلسطينية على الأقل، مثل عقد مؤتمر قمة دولي للسلام، أو صيغة من قبيل 5+1 -مثل تلك التي تناقش البرنامج النووي الإيراني- أو الحصول على تحكيم دولي على أساس قرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية، بحيث يمكن عقد المفاوضات تحت إشراف مجلس الأمن لوقت محدود يتكون من ستة أشهر مثلاً. وفي حال فشل ذلك، يمكن أن تنعقد هيئة دولية متفق عليها من القضاة الذين سيصدرون أحكامهم على القضايا المختلف عليها".
كما دعا محمد اشتية إلى عقد مؤتمر دولي لمناقشة القضية الفلسطينية، والذي يكون مشابهاً لمؤتمر جنيف الذي انعقد من أجل سورية وإيران. ومع ذلك، تجب ملاحظة أن هناك فرصة صغيرة لإمكانية تحقيق هذا البديل. ويمكن أن يقام مثل هذا المؤتمر فقط إذا أرادت إسرائيل -أو تعرضت لضغط شديد- لكي تشارك، بالطريقة التي تم بها الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير لكي يحضر مؤتمر مدريد للعام 1991.
حل السلطة الفلسطينية
قيد المناقشة أيضاً بديل حل السلطة الفلسطينية، وإعادة تحويل المسؤولية عن مناطقها إلى إسرائيل. وكان الرئيس عباس قد قال لصحفي إسرائيلي في رام الله: "إن المفاوضات ليست بديلاً سياسياً، وإنما هي أساس وجود السلطة الفلسطينية والسبب في أنها قد تأسست. وإذا ما فشلت المفاوضات، فإننا سنقول للحكومة الإسرائيلية: هذه هي السلطة التي دمرتموها، وبالتالي، فإن القيادة الفلسطينية تنقل مسؤولياتها وسلطاتها إلى إسرائيل سلمياً، بحيث ستكون إسرائيل هي السلطة المدنية والأمنية المسؤولة في الضفة الغربية بدلاً من الحكومة الفلسطينية وآلياتها الأمنية".
من ناحية أخرى، قال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات بأن السلطة لا نية لديها لتفكيك السلطة الفلسطينية: "إننا لا نتحدث عن حل السلطة الفلسطينية، وليس هناك أحد يتحدث عن تفكيكها من الجانب الفلسطيني". ويعكس تصريح عريقات الاعتقاد الشائع بأن عباس لم ينو حل السلطة الفلسطينية فعلاً، وإنما كان يحاول نقل شعور من الإحباط، سواء من المفاوضات أو من السلوك الإسرائيلي، والتهديد بأن إسرائيل سوف تدفع ثمن الركود.
يُقدر أن قيادة السلطة الفلسطينية لن تسارع إلى تفكيك السلطة؛ حيث يريد أعضاؤها الاحتفاظ بمراكزهم وهم يعارضون بالتأكيد فكرة عودة الجيش الإسرائيلي إلى الضفة الغربية. وقد أيدت هذا التقدير عملية المصالحة بين فتح وحماس، وقرار إقامة انتخابات في السلطة الفلسطينية.
إنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل
هناك بديل آخر، هو إنهاء التنسيق الأمني، سواء كان ذلك نتيجة لتفكيك السلطة الفلسطينية، أو في خطوة فلسطينية مستهدفة ناتجة عن المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس، والتي لن تشمل تفكيك البنية التحتية المدنية للسلطة الفلسطينية.
ما يزال التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية قائماً منذ سنوات، رغم دعوات حماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفصائل معارضة أخرى إلى وضع حد لهذا التعاون. لكنه استمر بفضل عاملين: أولاً، خوف السلطة الفلسطينية من أن تصبح خلايا حماس المسلحة أكثر قوة في الضفة الغربية، وهو ما قد يهدد سيطرتها، خاصة في ضوء انقلاب حماس في غزة. وثانياً، خوفها من أن تشرع إسرائيل في دخول الضفة الغربية على أساس يومي لاعتقال ناشطي حماس، وهو ما سيجعل الآليات الأمنية للسلطة الفلسطينية تبدو سيئة.
في أعقاب قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي يوم 24 نيسان 2014 تعليق المحادثات مع الفلسطينيين وفرض عقوبات اقتصادية عليهم، وصف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، هذه التحركات الإسرائيلية بأنها "إرهاب رسمي"، وقال بأن السلطة الفلسطينية قد تدرس قطع العلاقات معها كلية -ملمحاً إلى إمكانية وضع نهاية للتعاون الأمني. كما أن طلال عوكل، كاتب العمود في صحيفة الأيام اليومية الرسمية التابعة للسلطة، دعا صراحة إلى إنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل.
في حين أن من غير المرجح أن تقوم السلطة الفلسطينية بإنهاء هذا التعاون الأمني، فإن المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس ستعني أن تنطوي مؤسسة السلطة الفلسطينية على حافز أقل للتعاون مع قوات الأمن الإسرائيلية مما كانت عليه في السنوات الأخيرة.
حل الدولة الواحدة
ثمة بديل سادس، هو حل الدولة الواحدة. وفي كثير من الأحيان، يتم طرح فكرة إقامة دولة واحدة ثنائية القومية -التي سيشكل فيها الفلسطينيون أغلبية- في داخل كل الأراضي الممتدة بين الأردن والبحر، كبديل للمفاوضات على حل الدولتين. وقد دعا محمد اشتية إلى "توديع حل الدولتين". وأضاف: "إننا نتجه إلى بديل الدولة الواحدة". لكن هذا الخيار مستبعد جداً الآن، بما أنه يتطلب موافقة إسرائيل عليه.
انتفاضة ثالثة
بديل قيام انتفاضة ثالثة هو خيار آخر قيد المناقشة أيضاً؛ وهو بديل يقترح اثنين من أشكال المقاومة؛ أحدهما يماثل الانتفاضة الأولى، في شكل مقاومة غير عنيفة على الغرار الذي يسمى المقاومة "الشعبية"؛ والثاني هو استخدام المقاومة المسلحة، على نحو يشبه الانتفاضة الثانية.
كان عباس قد حافظ على معارضته المتواصلة للمقاومة المسلحة، لأنه يدرك أن الانتفاضة الثانية ألحقت أضراراً بالقضية الفلسطينية؛ وطالما ظل رئيساً، فمن المرجح أن سيستمر في معارضتها. وقد عبر عن هذا الموقف وزير شؤون الأسرى الفلسطيني السابق أشرف العجرمي، الذي قال: "إن أكثر الأشياء أهمية في الحملة المقبلة هو أن لا تتحول إلى العنف، وهو ما تبذل إسرائيل كل ما في وسعها لتوجيهنا إليه". وخلال زيارة قام بها إلى إيران في كانون الثاني 2014، تحدث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، ضد فكرة التفجيرات الانتحارية في داخل إسرائيل: "إننا لم نتخل أبداً عن سلاحنا... ما تزال المقاومة خياراً استراتيجياً، والمقاومة المسلحة خيار مطروح على الطاولة... إننا نريد أن يقبل العالم بوسائلنا. أعتقد أن لدينا الحق، حسب القانون الدولي، في استخدام أي نوع من المقاومة، في الأراضي المحتلة وضد الاحتلال، من أجل وضع نهاية للاحتلال. أقول لكم أنها لن تكون هناك أي تفجيرات لحافلات، ويجب أن لا تكون هناك أي تفجيرات لحافلات في تل أبيب".
مع ذلك، حذر مسؤولون آخرون من مغبة اندلاع انتفاضة ثالثة. وعلى سبيل المثال، وفي أعقاب استشهاد ثلاثة ناشطين من كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس في شهر آذار،اشتبكت عناصر من سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي، وكتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح، مع الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين للاجئين، وأشار حسام خضر، رئيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين، إلى أن "الانتفاضات الفلسطينية السابقة لم تكن قد بدأت بقرارات اتخذتها القيادة السياسية".
تجدر الإشارة إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية تعتبران ما تدعى المقاومة "الشعبية" شرعية، حتى لو أنها تضمنت العنف في شكل إلقاء الحجارة، والقنابل الحارقة، وأكثر. وتبقى هذه الأشكال من المقاومة أحداثاً متكررة في أجزاء من الضفة الغربية، وهي ليست بديلاً عن المفاوضات. وفي مؤتمر انعقد في أواخر نيسان 2014، دعت اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى توسيع أنشطة المقاومة الشعبية.
باختصار، يبدو أن عباس سيقوم بتعزيز المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس، وربما يعمل على الساحة الدولية من أجل تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، يرجح أنه سيواصل الإعلان عن استعدادة لمواصلة المفاوضات وفق شروطه الخاصة، وسيختار العمل في المنطقة اللاعنفية.
*زميل بحث في معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط.
فلسطين بعد المصالحة: هل ستُقطع عنها المساعدات الغربية؟
تقرير خاص-*(الإيكونومست) - القدس
ثمة قلة من البلدات العربية في الضفة الغربية، والتي يتم فيها جمع النفايات بسلاسة ويسر كما يحدث في بيت لحم. فلا يكاد التجار يقفلون أبواب حوانيتهم في نهاية يوم العمل، حتى يحضر رجال النظافة بإشراف إياد أبو ردينة، ويكونون الأوائل في دخول مثلث الدهاليز القديمة في البلدة.
يقول أبو ردينة إن الفضل في كثير من هذا النجاح يعود إلى مشروع شق طريق أميركي سهل عملية الوصول إلى الأماكن المقصودة. لكنه أصبح يخشى، في أعقاب اتفاقية المصالحة الأخيرة بين الحزبين الفلسطينيين المتنافسين، فتح وحماس، من احتمال توقف الدعم الأميركي. ذلك لأن الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأوروبية يعتبرون حماس مجموعة إرهابية، وهم يبدون استعداداً لدعم السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس من فتح، وإنما شريطة عدم إشراك حماس. ومع حلول الوقت الذي يزور فيه البابا بيت لحم يوم 25 أيار الحالي، فإنه قد يجد الشوارع مليئة بالنفايات.
هذه المخاطر حقيقية. فبالكاد مر عامان على إنهاء أميركا مقاطعتها لأحدث بيت لحم. وقد دامت تلك المقاطعة سبعة أعوام بعد أن انتخب أبناء البلدة ممثلين من فصيلين صنفتهما الولايات المتحدة مجموعتين إرهابيتين في المجلس. ويبدي أبو ردينة قلقاً من أن تبدو اللوحات الإعلانية التي نصبت مؤخراً وهي تطري على إنجازات ذراع المساعدات الأميركية USAID قديمة في وقت قريب. ويقول المسؤولون الفلسطينيون إن مسؤولي وكالة المساعدات الأميركية ألغت الاجتماعات، ولو مع الاعتذار، غداة إعلان حماس وفتح عن اتفاقهما. وشرح المسؤولون الأميركيون بالقول إن الكونغرس لن يسمح لهم بـ "تمويل الإرهاب". وحيث إن الاتفاقية تعرض على الغزيين احتمال بعدم محاصرة جيبهم المحاذي للبحر، والذي تديره حماس، من جانب إسرائيل ومصر، فإن هناك احتمالاً بأن ينتهي المطاف بسطوة عباس في الضفة الغربية وفي المراكز السكانية وقد دفعت الثمن.
لكن أميركا لم تقدم على قطع الروابط نتيجة لذلك. ففي اليوم الذي ألغى فيه مسؤولو "يو اس ايد" الاجتماع، منح البنك الدولي مبلغ 13 مليون دولار لمشروعات المياه العادمة، كما أقام وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مأدبة لرجال الأعمال من أجل جمع المال لصالح برنامج استثمار في فلسطين. وفي نفس اليوم، كما يقول مسؤول فلسطيني رفيع، تحدث باراك أوباما مع السيد عباس هاتفياً لمدة نصف ساعة. وبينما ستجمد مشروعات جديدة، يقول مسؤولون أميركيون إن المشروعات القديمة قد تستمر. كما تمت إقامة حفل موسيقي بدعم من "يو اس ايد" في مدينة أريحا، في وادي الأردن.
من جهتها ، تقول حكومة إسرائيل إنها تريد من الغرب أن يظهر "وضوحاً أخلاقياً" من خلال قطع الدعم عن أي حكومة فلسطينية مدعومة من حماس.
قد يوافق الكونغرس الأميركي الإسرائيليين ويقدم على قطع الأموال عن الفلسطينيين رداً على الاتفاق بين حماس فتح. لكن هناك مسؤولين أميركيين آخرين يرون احتمالاً بوجود مزية في الأمر في حال قبلت حماس فكرة تسوية الدولتين مع إسرائيل. ويقول هؤلاء الأميركيون إن أوضاع حماس الصعبة في غزة قد تمكن السيد عباس من تأمين صفقة مفيدة لنفسه، ممهداً الطريق بذلك لعودته للسلطة هناك. وهم يخشون الآن أن تكون المقاطعات السابقة لحماس قد حرمت البلدان الغربية من التأثير في غزة، وساعدت في تمكين الإسلاميين من تشديد قبضتهم هناك. ويقول أحدهم أنه سيكون من الجيد بشكل عام أن يقدم الأوروبيون والعرب على التعويض عن النقص في المساعدات التي تقدم للفلسطينيين إذا دفع الكونغرس الإدارة الأميركية إلى التراجع عن تقديم المساعدات للفلسطينيين.
حتى اللحظة، ما يزال رد الحكومة الإسرائيلية أقرب للعواء منه إلى العض. وفي رد على الصفقة بين حماس وفتح، أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أنه علق المفاوضات مع السيد عباس، وأوقف تحويل عوائد الجمارك التي تحتل ثلثي موازنة السلطة الفلسطينية. لكنه أقدم على الخطوة بعد سماحه أولاً بالمضي قدماً في التحويلات الشهرية خشية احتمال انهيار السلطة الفلسطينية من دون الحصول على التحويل الشهري، ما يعرض الضفة الغربية إلى فوضى عارمة . وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل كانت قد ساومت حماس في الماضي وتوصلت إلى ترتيبات معها لحالات وقف لإطلاق النار مرات عديدة منذ العام 2004.
إلى ذلك، يعتقد بعض الإسرائيليين بأن لديهم ما يكسبونه من خلال ضم حماس. ويقول يوناتان توفال من "ميتفيم"، المؤسسة الفكرية الليبرالية المتخصصة في السياسة الخارجية والتي تتخذ من تل أبيب مركزا لها: "يعرض الاستيعاب السياسي بين الفصيلين الفلسطينيين على إسرائيل الضمان بأن يتوافر شريكها المفاوض على الشرعية السياسية، حتى لو لم يتوافر على الدعم الكامل من جانب الشعب الفلسطيني." وقبل قطع المساعدات للأبد، قد يعمد نتنياهو إلى الإنتظار لرؤية ما الذي لدى حكومة الوحدة الفلسطينية بالضبط، وماذا سيكون برنامجها في الحقيقة، إذا كانت ستشكل من حيث الأساس.
أطراف النهار - بين "بسم الله" و"باسم الشعب" ؟
حسن البطل - الأيام
على مدى ثلاث سنوات، سينكب الخطاط الفلسطيني الشاب، ساهر الكعبي، على كتابة مصحف شريف، سيسمى "مصحف المسجد الأقصى". قلت "كتابة" لا "إعادة كتابة" لأنه كسائر المصاحف سيكتب بالخط النسخي، وهو أصل الخط العربي، وأول ما يتعلّمه طالب الخط.
القرآن الكريم، كلام الله، قابل لقراءات سبع، والبعض يقول عشر، وأمّا الخط العربي فله ستة خطوط أساسية، وأربعة ثانوية (منها الخط اليدوي والخط الحرّ).
القرآن واحد، منذ جمعه الخليفة الثالث، عثمان بن عفان في ترتيب السور (مكيّة مدنيّة متداخلة زمن النزول) ولهذا فسورة "الفاتحة" تتقدم سورة "اقرأ".. وكان مصحف بعض الصحابة مرتباً حسب تاريخ النزول.
المسلمون، الآن، يبدون "شيعاً وأحزاباً" ويجمعهم مصحف واحد يكتب بخط واحد هو الخط النسخي، ويتحمّل القراءات السبع أو العشر، لكن تفسيرها يتحمل الاجتهاد والتأويل.. والتحريف للأسف!
حسب ظني، فإن أي مصحف يصدر في قطر أو السعودية أو مشروع مصحف دبي يتطلب مراجعة إمّا من علماء الأزهر وإما من معهد بحوث سعودي على اسم الملك فهد، وعلى هذا فإن "مصحف المسجد الأقصى" سيراجعه علماء الأزهر الشريف بتمحيص تام!
صحيح أن الفلسطينيين في أجواء مصالحة، لكنها تحتمل المنافسة (والمنابذة!) أيضاً، وهكذا، فإن مصحفاً بخط ساهر الكعبي، أحد ثلاثة من أبرز خطاطي فلسطين (مع إيهاب ثابت وعادل فوزي) سيرفق بمصحف سيكتب في غزة، بدعم ماليزي، بعد مسابقة فاز فيها عبد الرحمن عسلية وهيثم الأسطل، بينما تمّ اختيار ساهر الكعبي وزكّاه رئيس السلطة.
لسنوات خلت كانت فلسطين تفوز في مسابقات إسلامية خاصة للموهوبين الصغار بحفظ القرآن، وأحياناً بتجويد تلاوته.. ومن ثمّ، فالقيمة لمصحف المسجد الأقصى معنوية محضة، لأنه صادر من بلاد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
قلنا إن الكتابة العثمانية للمصحف، على ما يبدو من تعقيدها، وإثقال رسمها، تحمل ميزة القراءات المختلفة في لهجات العرب القدامى (مثلاً: في سورة مريم "فناداها مِنْ تحتِها" في قراءة، وفي أخرى "فنادها مَنْ تحتَها".
كلمات كثيرة في القرآن الكريم يختلف فيها الإملاء عن اللفظ، مثل "الحياة" و"الصلاة"، وأذكر أنه في سورية كنا نقرأ "جزء عمّ" أو "جزء تبارك" بإملاء يتوافق مع اللفظ.
في البسملة مثلاً هناك "بسم الله.." وفي الكتابة هناك "باسم الشعب".. وهناك "الرحمن" في القرآن وفي الإملاء العربي الشرقي، لكن في تونس، مثلاً، يكتبون "عبد الرحمان".
لا كبير بأس في الفوارق بين الإملاء واللفظ، ما دامت ميزة العربية هي سهولة لفظ الإملاء، بينما الإنكليزية التي تمتاز بسهولة الكتابة، يحتاجون على الهاتف إلى "تهجئة" حروف الكلمة. على هذا فإن "الإنكليزية الأميركية" تُكتب كما تلفظ خلافاً لشذوذات اللفظ في "الإنكليزية البريطانية".
علّة العربية، مع ذلك، ليست في كونها لغة منقوطة (شكراً لأبي الأسود الدؤلي) لكن في اختلاف لفظ حركات الحروف تبعاً لقواعد الإعراب (إذا خفتَ أن تلحَن.. سكّن؟).
كل محاولات إصلاح الإملاء العربي لم تفلح، ربما لأنها مربوطة بالقرآن الكريم "إنّا أنزلنا الذكر وإنّا له لحافظون"، (علماً أن العبرية القديمة مثقلة أكثر من العربية في رسمها الإملائي ولفظها).
هناك لغويون إصلاحيون ضليعون حقاً وآخرون جذريون حثّوا جمال عبد الناصر، بوصفه زعيم الأمة، على إصلاح الإملاء العربي، وأيضاً كتابته بشكلين مفصول الحروف وموصولها.
كان الخليفة الراشدي الرابع، علي بن أبي طالب، قد قال: "القرآن حمّال أوجه"، ربما لأن نزول آيات لاحقة تنسخ أخرى حسب تاريخ النزول "مكيّة أو مدنية، أو لكسب قلوب الناس وعقولهم بالتدرّج والتدويخ، ويقال: لو جمع الخليفة عثمان القرآن حسب تاريخ نزول السور لسهل الأمر، علماً أنه كان، ربما، أهم الخلفاء الراشدين لأنه جمع ورتّب سور القرآن الكريم.
السؤال هو: ألا يمكن كتابة القرآن بأحد حروف الحاسوب، مع تسهيل قراءته بتلوين حركات الحروف، وأيضاً الوقفات والدمج والحركات الدالة على التجويد.
سؤال آخر: هل قال الملاك جبريل للرسول الأعظم "اقرأ" بمعنى التلاوة وهو يقصد "اكتب"؟ لأن الأمي الذي لا يكتب لا يقرأ؟
كان الرسول يجيب "ما أنا بقارئ" لكن هناك رسائل بخطه إلى ملوك فارس والرومان ومصر تدعوهم لدخول دين الإسلام بالحسنى أولاً.. ثم بالسيف لاحقاً.
هناك تفسير للرسول "الأمي" بمعنى أنه رسول للأمم كافة أي "أممي" لا بمعنى أنه لا يقرأ ولا يكتب.. وهذا اجتهاد بعض المجتهدين.
إن قرآناً بخط خطاط (أو خطاطين) فلسطينيين هو إضافة معنوية لفلسطين، لا إضافة في الإملاء مثلاً، ولا بشكل حروف الخط.
أجبرني الزملاء في قسم التدقيق اللغوي على كتابة إملاء يختلف عن الإملاء السوري "شؤون" أو "شئون" وأيضاً "داوود" أو "داود".
ليبيا وحركة التصحيح ...
طلال عوكل - الأيام
إن كان علينا نحن الفلسطينيين أن نهتم بشأن قضيتنا وشعبنا وهمومنا، وأن نترك للشعوب العربية، ان تتدبر أمورها، وان تصنع مستقبلها، إلاّ أننا كجزء من الأمة العربية، وأصحاب قضيتها المركزية الأهم، لا نستطيع تجاهل ما يجري هنا وهنالك في طول المنطقة العربية وعرضها.
ثمة من يستعجل الحكم على مجريات "الربيع العربي"، الذي اندلع بداية من تونس قبل أكثر من ثلاث سنوات، وبدا وكأن الأمر مجرد انقلابات شعبية أو عسكرية. على التاريخ، سرعان ما أن يستقر أمرها، لصالح هذا الاتجاه السياسي أو ذاك، أو لمصلحة هذه القوى الدولية أو تلك على اعتبار أن ما يجري هو من تدبير قوى خارجية، تستند إلى عوامل داخلية.
المثال الليبي، وقبله ما جرى في العراق، ربما يقدم نموذجاً صافياً لدور القوى الخارجية، إزاء بلدين نفطيين، خصوصاً، وأن ليبيا لم تكن تتمتع بحيوية سياسية، وحراكات حزبية وشعبية معارضة للنظام إلى الحد الذي يرشح لإمكانية التغيير. إلى بعض الوقت لم نكن نسمع بوجود أحزاب وتيارات سياسية إسلامية أو قومية، أو اشتراكية في ليبيا، حتى المعارضة الخارجية كانت ضعيفة وبالكاد نسمع عن نشاطات ذات أهمية لها.
لم يهدأ العراق، منذ الغزو الأميركي، وهو لم يستقر على التركيبة السياسية التي أنتجتها عملية التغيير بقوة التدخل الخارجي، وانفتح على صراعات عميقة، تهدد وحدته الجيوسياسية، وتضعف سيطرة الدولة المركزية كما تهدد نسيجه الاجتماعي، الزاخر بالتنوع الطائفي والإثني.
بعد نحو عشر سنوات، من الإطاحة بنظام البعث، واحتلال العراق، ثم رحيله رسمياً، مع بقاء بعض قواعده العسكرية، وتدخلاته السياسية والأمنية والاقتصادية ما يزال العراق ينزف دماً، وقد أصبح قاعدة أساسية، لتفريخ الإرهاب، وتدريب وتصدير المقاتلين إلى الجوار، وها قد جرت الانتخابات البرلمانية فيه للمرة الثانية ولكن بدون أن تلوح في الأفق معالم الاستقرار والهدوء والتفرغ لإعادة ما دمرته الحروب والصراعات.
ليبيا، التي جرى فيها التغيير، بأيد خارجية في الأساس، لم يصل حد الاحتلال، وتركت لأهلها، أنتجت نظاماً هشاً، تسوده الفوضى، والانقسامات، والصراع، وتهدده الميليشيات القبلية، والحزبية، وباتت هي الأخرى مسرحاً مفتوحاً لتصدير الجماعات الإرهابية، وكل أنواع الأسلحة.
ليبيا اليوم مهددة، هي الأخرى بوحدتها الجغرافية، والواقع على الأرض يتطابق مع التحليلات التي كانت تشير إلى إمكانية تقسيمها إلى ثلاث دويلات، برقة وفزان وطرابلس، ونسيجها الاجتماعي والسياسي أيضاً مهدد إلى حدود مفزعة.
في الواقع ما كان ممكناً أن تشهد ليبيا الاستقرار بمجرد الإطاحة بنظام القذافي، فلا الظروف الاجتماعية والطبقية ناضجة، ولا وجود لحركة سياسية، وأحزاب، ناضجة، ولديها القدرة على استلام الدفة نحو المستقبل. وحتى الآن لا يستطيع المرء تذكر أسماء أحزاب وحركات سياسية، مؤهلة لخوض الصراع الداخلي بكفاءة واعدة بإمكانية الانتقال بالبلاد، نحو مستقبل مختلف، لكن أي مراقب للوضع يستطيع أن يتذكر أسماء عشرات الميليشيات، إذ يكاد يكون لكل مدينة ميليشيتها المسلحة الخاصة بها.
ما جرى ويجري مؤخراً في ليبيا، من قيام جزء من الجيش الليبي بداية ضد الميليشيات المسلحة في بنغازي، الأمر الذي امتد سريعاً إلى العاصمة طرابلس، يشير إلى أن الجيش بدأ يتحرك نحو أخذ زمام المبادرة، ولكن لأنه جيش غير متماسك، وجرى لملمته على عجل فإنه مرشح لوقوع انقسامات خطيرة في صفوفه. عندما تحرك اللواء خليفة حفتر، كان وزير الدفاع قد أعلن عن أنه لا علم له، بما يقوم به حفتر، ما يعني أن المؤتمر الوطني، والحكومة، التي تم للتو تشكيلها، لم يكونا على دراية بما يجري.
في الواقع علينا أن نلاحظ العلاقة بين حفتر، ومن انضموا إليه من الجيش الليبي وبين ما يجري في مصر، التي تشكو من عمليات تهريب الأسلحة، والمقاتلين إلى أراضيها فيما هي تخوض ما تعتبره حرباً ضد الجماعات الإرهابية.
بعض الأطراف في ليبيا، وعلى مرأى ومسمع الحكومة، دعمت وجود ما يسمى بالجيش المصري الحر، على غرار الجيش السوري الحر، ولكن هذه الأطراف أيضاً لم تحرك ساكناً ولا بمقدورها، حين قام الطيران المصري بقصف بعض تجمعات هذا الجيش ونقصد الحر.
نفترض أنه من الطبيعي أن تسعى مصر لدعم حركة حفتر، ومساعدته على تحقيق السيطرة، على الأوضاع في ليبيا، خصوصاً وأن حفتر أعلن موقفاً عدائياً، من جماعة الإخوان المسلمين، ويبدو أنه سيسير في اتجاه الموقف المصري من هذه الجماعة. مصر تتعرض لاضطراب داخلي لا يزال يؤثر سلبياً على قدرتها للتغلب على الصعوبات الكبيرة التي تواجهها، ولكن الإرهاب والعنف الداخلي هو أخطر ما يواجه الرئيس القادم، والنظام بصفة عامة. ولكن يتضح أيضاً بأن مصر في معركتها الداخلية لمحاربة الإرهاب، يترتب عليها أن تواصل ذلك، وأن تدافع عن داخلها من الخارج، إذ تجاورها جغرافياً، مفتوحة، وتشكل مصدراً وقواعد خارجية لتصدير الإرهاب، وأدواته وعناصره إلى داخل مصر.
الصراع إذاً مفتوح في ليبيا. ومصر من خلال حربها الداخلية والخارجية على الإرهاب تعيد رسم دورها الإقليمي كدولة كبرى غابت عن المشهد والتأثير بعد أن انغلقت داخل حدودها إبان حكم مبارك. أما الخلاصة فهي أن الشعوب قادرة على تصحيح أوضاعها، وإعادة رسم خرائط مستقبلها بالرغم من التدخلات والأطماع الخارجية، وهي موجودة وفاعلة.
كمائن المصالحة
د. عبد المجيد سويلم - الأيام
بات الجميع يدرك الكمائن التي يمكن أن تلاقيها "المصالحة" على طريق إنهاء الانقسام وإعادة توحيد المؤسسات الوطنية. وبات الجميع يدرك أيضاً أن انسداد العملية السياسية هو عامل مفصلي في درجة الذهاب بعيداً في هذه المصالحة، تماماً كما هو مفصلي عامل استقرار الأوضاع في مصر وفي بعض دول الإقليم الأُخرى.
الكمين الأكبر (كما أرى) هو الكمين الإسرائيلي وما يمكن أن ينطوي عليه من تدخلات إسرائيلية محددة لإفشال المصالحة من جهة وما يمكن أن يترتب على هذه التدخلات من "تغيرات" دراماتيكية في الموقف من المصالحة وفي تبعات هذا النوع من المصالحة من جهة أخرى. حتى وإن ناور الإسرائيليون عدة أشهر أخرى (على عين التاجر) فإن الخيار الإسرائيلي الأصلي ـ كما قلت في المقال السابق ـ هو إعادة الانتشار بدلاً من "التورط" في الاعتراف بالحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني، حتى وإن تم هذا الاعتراف بصورة جزئية ومشوهة، ذلك لأن مثل هذا الاعتراف هو نسف للمشروع الإسرائيلي القاضي بتجديد المشروع الصهيوني للسيطرة على كامل جغرافيا فلسطين التاريخية من ناحية الغلاف الخارجي براً وبحراً وجواً، إضافة إلى التحكم بباطن الأرض وكل الثروات والتجمعات السكانية والسيطرة على مسار تطور هذه التجمعات.
هذا الخيار الإسرائيلي ليس واحداً من عدة خيارات كما يعتقد البعض بل هو الخيار الأساس والأصلي، أما بقية ما نعتقد أحياناً أنها خيارات إسرائيلية موازية أو بديلة هي ليست في الواقع إلا خيارات لحظية ومؤقتة لا تهدف إلى أبعد من خدمة التوجه نحو الخيار الأصلي والتقدم بصورة جدية باتجاه هذا الخيار.
إذا كان الأمر كذلك ـ وهو في أغلب الظن كذلك بالفعل ـ فإن المصالحة ستنجح في أبعد الحدود بتوحيد أو إعادة توحيد منطقة قمة الهرم السياسي دون أن يمتدّ هذا التوحيد إلى المكونات الرئيسية للمجتمع والدولة في البلاد.
هنا وفي هذه المنطقة بالذات ستنشط إسرائيل، وهنا يمكن استقراء حجم ونوعية التدخلات الإسرائيلية، وعند تخوم المنطقة الفاصلة ما بين قمة الهرم السياسي وما بين مؤسسات الدولة والمجتمع الفلسطيني تنصب إسرائيل لنا الكمين الأكبر.
السلاح الإسرائيلي سيكون ـ كما أرى ـ عزل المناطق السكانية والتحكم بالحركة منها وإليها، وتمويل المنعزلات إلى "كيانات" معزولة عن بعضها البعض وليست "موحدة" إلاّ في منطقة الهرم السياسي الذي أشرنا إليه.
بهذه الطريقة ستبقى غزة معزولة بالكامل، وستكون إسرائيل قادرة على إعادة عزل منطقة القدس.
عندما تستكمل إسرائيل قوس منطقة E 1 وتستكمل الجدار في بعض المناطق سيعاد عزل ثلاثة أو أربعة تجمعات سكانية رئيسية، وبذلك ستصبح مهمة توحيد هذه التجمعات مهمة صعبة، وسيسوّق المشروع (مشروع إعادة توحيد هذه الكيانات باعتباره إنجازاً كبيراً، وهو ما ستوافق عليه إسرائيل فيما بعد) وسيتم القبول الضمني بحدود الدولة المؤقتة القائمة بحكم الواقع أو المفروضة بحكم الواقع القائم، وبحيث يتم التفاوض لاحقاً على "تحسين" شروط بقاء وتطور هذه الدولة باعتباره نهاية المطالب الفلسطينية وإنهاء الصراع.
أي بمعنى آخر فإن المصالحة طالما هي محصورة في منطقة الهرم السياسي فإن إسرائيل "ستستخدمها" لإنجاز مشروع المنعزلات السكانية قبل أن تتم المصالحة لتشمل مكونات المجتمع والدولة، وحينها فإن المصالحة ستتيح للقوى السياسية فرصة "التنافس" على السيطرة في هذه المنعزلات بدلاً من التنافس في كل المسألة الوطنية الشاملة.
وهنا أيضاً ستؤجج إسرائيل هذه المنافسة وقد تحولها إلى صدامات عنيفة وربما مسلحة تماماً كما فعلت وخططت قبل "الانسحاب" من قطاع غزة.
حركة حماس لن تخسر شيئاً جراء عمليات العزل، وهي تتحكم بالقطاع كاملاً ولا يضيرها في شيء أن تكون جزءاً من التنافس وكلاعب قوي في هذه المنافسة داخل هذه المنعزلات مع بقاء القطاع خارج المنافسة.
في هذه الحالة الخاسر الأكبر هو حركة فتح وفصائل العمل الوطني والمشروع الوطني والذي هو ليس بكل تأكيد مشروع حركة حماس أصلاً.
لهذا كله فالكمين الإسرائيلي أخطر وأكبر مما يظن بعضنا، وعلى حركة فتح وفصائل المنظمة أن تقطع الطريق على هذا الخطر الذي أسمّيه الخطر الداهم.
إذا أرادت فتح أن تحبط المشروع الإسرائيلي في المهد، وإذا تنبهت فصائل المنظمة لهذا التدبير والتخطيط الإسرائيلي فإن إسرائيل ستكون هي الخاسر الأكبر من خطة إعادة الانتشار في الضفة، أما إذا جرى الاستهتار بهذا المخطط، ولم يتم وضع الخطة البديلة لمواجهته فإن إسرائيل تكون قد وجهت ضربة قاصمة في خاصرة المشروع الوطني كله.
لا مجال لمجابهة المشروع الإسرائيلي بدون تجديد شرعية النظام السياسي على أسس ديمقراطية راسخة، وبدون تحويل المشروع الوطني (مشروع الدولة الوطنية المستقلة وحق العودة) إلى البرنامج السياسي للمصالحة، والاتفاق على أسلوب النضال السلمي الديمقراطي وإعادة الاعتبار الكامل للمنظمة عبر عملية شاملة من الإصلاح والتفعيل والتنشيط الشامل لأجهزتها ومنظماتها ودوائرها وآليات عملها وقواعد الاحتكام فيها.
ولا مجال لإحباط المشروع الإسرائيلي إلاّ عَبر تسريع عمليات توحيد المؤسسات الأمنية والوطنية وقبل الانتخابات وليس بعدها، إذ لا علاقة حتمية ما بين إعادة توحيد المؤسسات وما بين الانتخابات، ذلك أن توحيد هذه المؤسسات ليس مرتبطاً "بالشرعيات" بقدر ما هو مرتبط بإرادة الشراكة الوطنية. هنا فقط يمكننا أن نحكم على النوايا ويمكننا أن نفهم الفرق بين الدوافع الخاصة للمصالحة والدوافع التي تنتمي لمشروع الاستقلال الوطني ومشروع الشراكة الوطنية وكامل قضية التحرر الوطني للشعب الفلسطيني.
النكبة والانتفاضة والأرض والكوفية
حمادة فراعنة - الأيام
مفردات، أدخلها نضال الشعب العربي الفلسطيني القاموس السياسي العالمي، وغدا لكل مفردة منها مدلول سياسي، ومعنى، وأثر، بدءاً من كوفية أبو عمار التي أشاعها، وعممها شعاراً لفلسطين وللثورة، ولجميع مناضلي الحرية والتقدم ضد الظلم والاستبداد، على امتداد خارطة العالم، مروراً بالنكبة والأرض والانتفاضة.
النكبة معيار المعاناة والتشرد وفقدان الوطن، والعيش في مخيمات اللجوء و"العازة"، واستمرارها يعني أن سلطة الاحتلال القائمة على أرض فلسطين، وحكومة مشروعها الاستعماري التوسعي العنصري الإحلالي الإسرائيلية، ترفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى المدن والقرى التي طردوا منها العام 1948، وتعمل ضد استعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها وفق القرار الدولي 194، فالنكبة هنا تمثل نصف الشعب العربي الفلسطيني المطرود من وطنه فلسطين، والذي لا وطن له سواه.
وإذا كانت النكبة هي المفردة التي تختزل حرمان الشعب الفلسطيني، ومعاناته في المنفى، خارج الوطن، فالانتفاضة هي التعبير عن الثورة الجماعية الشعبية التي فجرها الشعب الفلسطيني داخل الوطن رداً على الاحتلال، ضد العدو الواحد المشترك، من أجل تحقيق الهدف الواحد المشترك، المتمثل بالتخلص من الاحتلال ونيل الاستقلال، واستعادة الكرامة الإنسانية مثل باقي البشر وشعوب الأرض.
والانتفاضة نالت الاهتمام لكونها ثورة الشعب العربي الفلسطيني المدنية، غير العنفية، السلمية، ضد إجراءات الاحتلال والتوسع والاستيطان في مناطق الاحتلال الثانية العام 1967، في الضفة والقدس والقطاع، من أجل جلاء الاحتلال ونيل الاستقلال، وقيام الدولة الفلسطينية المنشودة وفق قرار التقسيم 181.
أما الأرض، ويوم الأرض، فهو التعبير الكفاحي، للشعب العربي الفلسطيني في مناطق 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، كفاحهم من أجل: 1- البقاء على أرض بلادهم، والحفاظ على أرضهم ضد عمليات الاستيلاء والمصادرة، و2- كفاحهم من أجل إلغاء مظاهر التمييز العنصري الواقع عليهم، و3- كفاحهم من أجل تحقيق المساواة الكاملة لهم في وطنهم المصادر والمنهوب.
ولذلك كانت النكبة والانتفاضة ومن بعدهما وقبلهما يوم الأرض، تعبيراً عن مكانة الأرض الوطن في ضمير الشعب وحياته وأمنه واستقراره فالصراع بين المشروعين، المشروع الاستعماري التوسعي العنصري الإسرائيلي، وبين المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني يقوم على مفردتين: الأرض والبشر، المشروع الإسرائيلي يريد سرقة الأرض الفلسطينية، ونهبها من صاحبها الفلسطيني، وبدونه، بطرده خارج وطنه، أو تطويقه والتضييق على من بقي داخل وطنه، على أن يكون معزولاً بدون فعل أو تأثير أو مبادرة، وبدون تطور، أي بدون أن يسمح له بالحياة الطبيعية داخل الوطن محاصراً بالقوانين العنصرية والجدران المتعددة، ولذلك ركّز الفلسطيني داخل مناطق 48، وكثف نضاله، ووحد جهوده لتحقيق كلمة واحدة هي المساواة أسوة باليهود، من حيث العمل والسكن والكرامة والتأمينات الاجتماعية والصحية، أي بما يضمن له الشراكة داخل وطنه بعد التخلص من التمييز والقوانين العنصرية.
بينما ركّز الفلسطيني في مناطق 1967، على جلاء الاحتلال والمستوطنات ونيل الحرية والاستقلال، وكلا البرنامجين المكملين لبعضهما البعض، المساواة داخل 48، والاستقلال لمناطق 67، يوفر الأساس الموضوعي لتحقيق هدف الطرف الفلسطيني الثالث من اللاجئين المشردين في بلاد الشتات واللجوء والمخيمات، وهو عودتهم إلى فلسطين واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها.
النكبة حرمت الشعب الفلسطيني من الأرض، ومن الاستقرار ومن الوطن، والانتفاضة أعادت للفلسطيني حرية خياره عبر النضال لاستعادة الأرض والعودة إلى الوطن، والكوفية هي الشعار والرمز ليس فقط لقائد الشعب الذي فجّر الثورة وقادها وأعاد للفلسطينيين هويتهم المبددة، ووحد مؤسسة نضالهم، ووضعهم على خارطة السياسة الدولية، وأعاد قضيتهم من المنفى إلى الوطن، وترسخت شعاراً ورمزاً وأيقونة لكل الفلسطينيين، بل ولكل أحرار العالم الذين يناضلون من أجل قضية الحرية لكل الشعوب، تضامنهم مع الشعب العربي الفلسطيني، وقضيته العادلة، وانحيازهم لها.
النكبة، الانتفاضة، الأرض والكوفية، صاغت مفرداتها ومضامينها معاناة الشعب العربي الفلسطيني، وتطلعاته، ولكنها لم تعد مفردات مقتصرة على استعمال الفلسطينيين وثقافتهم، بل تعدت ذلك، لتتحول إلى مفردات عابرة للحدود، تسكن ضمير البشرية، لما لها من معان إنسانية خلاقة، ضد الظلم والاحتلال والعنصرية، ومن أجل الإنسان كيفما كان، وأينما كان.
طرطشات
د. فتحي أبو مغلي - الأيام
• وسائل التواصل الاجتماعي مثل "الفيس بوك" و"تويتر" وغيرها كانت إبداعات وُجدت لتسهيل التواصل والتعارف بين الناس ومن أجل تبادل المعلومات ونقل المعرفة، لكن لكل استعمال سوء استعمال، وللأسف فقد أبدع بعض ضعاف النفوس وأصحاب الأجندات المشبوهة ووجدوا ضالتهم في وسائل التواصل الاجتماعي للهدم والتخريب وإسقاط الشبان والشابات، وللإساءة للناس مستغلين قدرتهم على استخدام أسماء وهمية والاختباء وراءها، مشكلة اجتماعية أخلاقية تحتاج لتضافر الجهود من أجل تقليل آثارها على المجتمع وحماية المجتمع والناس من سوء استعمالها.
• وزارة جديدة ووزراء جدد وأفكار وأمزجة مختلفة، وبالتالي تغيرات متوقعة ستمس الأشخاص والمواقع في مختلف الوزارات، هدفها المعلن سيكون توفير أفضل الظروف لتنفيذ برنامج الحكومة الجديدة وإجراء الإصلاحات اللازمة، أما الأهداف الحقيقية فقد لا تتعدى في أفضل حالاتها توزيع مغانم على الاتباع والمؤيدين، أتمنى على حكومتنا الجديدة ووزرائها أن يدركوا أننا لا نملك ترف التمتع بالسلطة ولا ترف ممارسات عشائرية فئوية ضيقة، فنحن في مرحلة تحرر وطني يوجب علينا تعزيز الديمقراطية والمساواة والعدالة لأنها استحقاقات دفع ثمنها مواطننا، شهداء وأسرى وقهراً عمرها عمر سنوات الاحتلال لأرضنا.
• لم تكن أول مرة يتنادى فيها الفلسطينيون لضرورة رفع علم الوطن بدل الإعلام الفصائلية في المناسبات الوطنية المختلفة، لكن حملة "ارفع علم وطنك" التي أطلقها الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بمحافظة نابلس تكتسي أهمية خاصة، فهي مبادرة تؤكد على دور المرأة الريادي في النضال من أجل الاستقلال وإقامة الدولة الديمقراطية، وفي نفس الوقت تأتي هذه الدعوة في مناسبة أليمة وهي ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني واحتلال ارضه وإلغاء كيانه، وهي المناسبة التي تذكرنا بأننا لا نزال نعيش في ظل ظروف نكبة تفرض علينا المزيد من التكاتف بين كافة فئات الشعب رجاله ونسائه من أجل تصعيد النضال من أجل تقريب يوم الاستقلال وبناء الدولة.
• في ورشة عمل حول حق المستهلك في القطاع الصحي والتي نظمتها جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة شاركت فيها نخبة من أصحاب العلاقة من كافة القطاعات الصحية وتم تداول عدة مواضيع تخص المرضى والمواطن بشكل عام، من أهمها التأمين الصحي الإلزامي والأخطاء الطبية والدواء وتوفره وأسعاره ودور الإعلام في تعزيز الصحة. الطريف في ورشة العمل أن الجهة الممولة للورشة كانت شركة لتربية الدواجن.
• الاعتداء على الأرصفة من قبل التجار والباعة المتجولون، ظاهرة مستمرة منذ سنوات في كافة المحافظات، فالرصيف لعرض البضائع والمواطن مضطر للمشي على الشارع جنباً الى جنب مع السيارات، مشهد مؤلم مستمر رغم إعلانات البلديات من وقت لآخر عن حملات لإزالة المخالفات والاعتداءات على المرافق العامة وخاصة الأرصفة، الأكثر إيلاماً من وجود المخالفات هو عجز البلديات وتقصيرها في المتابعة اليومية وعدم منع المخالفة قبل أو لحظة وقوعها بل التدخل فقط عند استفحال المشكلة وصعوبة حلها.
• تشكل زيارة البابا فرنسيس الأول إلى الأراضي المقدسة حدثاً هاماً واستثنائياً، فهي الزيارة الأولى للحبر الأعظم للمنطقة والى فلسطين ـ هذه الزيارة والتي وإن كان طابعها الأساسي دينياً تعبدياً فهي زيارة سياسية وسياحية من الدرجة الأولى، البابا سيوصل رسالة المحبة والتسامح بين الأديان، ونحن لنا رسالة نوصلها لقداسة البابا وللعالم الذي ينتظر الزيارة التاريخية ويتابعها باهتمام، ولا بد أن تكون رسالتنا واضحة حضارية إنسانية، رسالة شعب يدافع عن حقه في الحياة وبمكانه تحت الشمس ضد محتل غاصب، ولا بد من استغلال الزيارة المباركة في تعريف العالم بمواقع فلسطين التاريخية والدينية والسياحية، فماذا حضرنا بهذا الخصوص؟ وأين وزارة السياحة من تحضيرات الزيارة، ولماذا لم تطل علينا وزيرة السياحة ولو مرة واحد لتطلعنا عما حضرنا لاستقبال ضيف فلسطين؟ فنحن أصحاب البيت ومن حقنا أن نعرف.
تغريدة الصباح - أختنا الثالثة....... حسب الله - من يوميات امرأة محاصرة في غزة
سما حسن – الحياة الجديدة
لازلت أعاني من حمى التوجيهي في بيتي، وابني يصر على أن يتحول إلى كائن خرافي مشحونا بالتوتر والخوف والترقب والتوجس والعصبية وغيرها من المشاعر المتضاربة والغريبة عليه، وهو الذي عهدته هادئا، رزينا وواثقا من نفسه، ولكنه تحول وأمام المخاوف التي يزرعها بداخله كل من حوله إلى هذا الكائن الذي يرتجف رعبا كلما تقدمت الأيام نحو امتحانات "المصير" لدرجة أن " الحلاق" أنبه بقوله: وهل لديك الوقت لتأتي وتحلق شعرك؟ يا بني هذه توجيهي وليست " لعب أطفال".
وهكذا أيضا تغيرت شخصية ابني تماما والذي يقبع في البيت منذ بداية شهر أبريل بعد أن أنهى المنهج في المدرسة وبدأت فترة الاستعداد البيتية للامتحانات وانا أجزم أن هذا النظام يعتبر فاشلا حين ينسلخ الطالب ولمدة شهرين واكثر عن المدرسة ليعود لها يوم الامتحان.
لأول مرة اجرب بقاء ابني في البيت وهو الذي اعتاد ان يمضى وقته في المدرسة وفي ملاعب كرة القدم، وصالات ألعاب القوى، ليصبح فجأة داسا لأنفه في كل صغيرة وكبيرة في البيت فهو يتابع تحركاتي في المطبخ، وحين يرن هاتفي يسألني عن المتصل، وحين يرن جرس الباب الخارجي يهرع ليستطلع من القادم على غير عادته، و يتمادى في اهتمامه بأمور البيت لدرجة أن يمسك ب" المنفضة" ويبدأ في نفض الغبار عن الأرائك.
فصرخت به حين رأيته يفعل ذلك وسألته: شو بتعمل؟ فأجابني : بأتسلى..........
ذكرني ابني بمسرحية ريا وسكينة الشهيرة حين أطلقت الاثنتان على زوج " ريا" الذي لا يستطيع أن يفعل شيئا سوى قضاء أمور النساء ودس أنفه بينهما حين تتهامسان سويا حتى كاد يصيبهما بالجنون اسم " أختنا الثالثة حسب الله".
وأصبح ابني في البيت يحمل اسم " أختنا الثالثة حسب الله" بعد أن كان الغائب الحاضر عنه، فهو يتدخل في كل أمر وفي كل موقف حتى حب الشباب الذي تعاني منه شقيقته.
كانت صديقتي تهاتفني بعد غياب لتخبرني أنها تزوجت بأرمل لديه سبعة أولاد بعد أن رفضت باصرار أن تعود لطليقها لأنه تزوج بأخرى وتنازلت عن صغارها الثلاثة، وعندما كنت أسألها بفضول عن بيانات العريس كان" أختنا الثالثة حسب الله" يترك كتابه في غرفته وبسرعة البرق يصبح بجواري ويلصق أذنه بالهاتف وهو يسألني: وشو بيشتغل العريس؟ وعملت عرس وهي قربت من الأربعين ولا لأ، وكيف أولاد العريس معها وووووووووووو
كان ابني يعتبر مثل حديثي هذا في السابق ثرثرة وغيبة ونميمة ولا يتوقف عن القيام بدور الواعظ لكي أكف عن فضولي الأنثوي الذي لا فكاك منه بالطبع، وهذا التغيير الذي يجعلني واخوته نردد في دهشة باستمرار: سبحان مغير الاحوال، بسبب أزمة بحاجة لحل لأننا خلقناها بأيدينا هي " أزمة التوجيهي"!
أزمنة رديئة في "عين الحلوة"
عدلي صادق – الحياة الجديدة
ما يجري في مخيم "عين الحلوة" للاجئين الفلسطينيين، في جنوبي لبنان، يختزل أربعة أزمنة رديئة، في أوقاتنا الراهنة: عربي وفلسطيني، وإسلامي وعلماني. ذلك لأن أرجوحة القتل الدائرة في المخيم، بدأت تنتقل الى مرحلة الدمار الشامل. فقبل نحو أسبوعين، أطلقت النيران على صاحب مقهى يُدعى علاء حجير، سرعان ما قيل إن المستهدف، الذي قضى بعدئذٍ متأثراً بجراحه؛ يتبع ما يسمى "مجموعة بلال بدر"، ولكي يفهم واحدنا من هو بلال بدر هذا، للوقوف على بعض أسباب قتل حجير، علينا أن نكون قد اجتزنا بكفاءة علمية، منهج توجهيي زمان، الذي كنا نتعلم فيه "اللوغاريتمات" ذات الرموز المساعدة على إجراء العمليات الحسابية والرياضية أو التعبير عنها. فلكل رمز أسْ.. بلال بدر، هذا هو حجة من حجج الإسلامويين (25 سنة) يتأبط راية سوداء "قاعدية" في الزمن الحمضي. وتابعه المغدور، صاحب مقهى. أي إن للقاعديين مقاهيهم. وقد خرج مسلح، ربما من مقهى علماني، ليقتل صاحب المقهى الأصولي. وتنشأ مشكلة التشييع، وكيف سيمر بسلام، فيما "بلال" يهدد، ثم تضطر العائلة لأن تعود الى أصول الفلسطيني الأول، فتقول لا انتقام ونحتسب ولدنا شهيداً عند الله. هنا، ليس أوسع من مساحات المقابر ولا من رحمة الله. فقد أراح "علاء" واستراح، لأن الرصاصة إن لم تجئه خضراء إسلاموية، من خصومه في "النصرة" أو "داعش" فإن "فتح الإسلام" أو "عُصبة الأنصار" ستتكفل بها. فـ "الأمير بلال" ومعه ثلاثون "مجاهداً" ممن يخالفون الرهط المؤمن، ويمتشقون رايته نفسها، ينام واحدهم ويقوم، بين عادٍ ومعدوٍ عليه. أما الميدان الذي فيه النصر المؤزر أو الموت الزؤام، فهو المخيم البائس الذي لا تزيد مساحته عن كيلو متر مربع واحد، يتساكن فيه ثمانون ألفاً من البشر الطبيعيين الحالمين بالعودة الى ديارهم، مع عدد متناسل من الأطر والكيانات الميكروسكوبية، التي تبشر بتحرير الأندلس فضلاً عن فلسطين. هناك، تتفاقم حياة الناس، لتصبح أشد مضاضة على النفس من مساكنة محتل واحد غاشم!
تتخذ البنادق والعناوين والأوهام والتمظهرات والأبوات، من مخيم "عين الحلوة" هذا، مسرحاً للنزال. المكان ضيق وليت الحمار هو الرفّاص. فما أعز الحمار في هذا الخضم، وحين يكون الرصاص رفّاصاً أو الشظايا. إن المشتغلين في صناعة سينما رُعاة البقر وسواها في هوليوود، لا يخشون من شرارة خاطئة تصيب مصوراً أو عابر سبيل، لأن المساحة المخصصة للتصوير، تبلغ 65 كيلو مترا مربعا، خالية من الناس، تنفتح عند الاقتضاء على أراضي لوس أنجيلوس في ولاية كاليفورنيا. وقبل إطلاق رصاصة "فشنك" واحدة، تكون قد وُضعت بإحكام، ماكيتات المدن والشوارع على النحو الذي يراعي السلامة. لكن "المجاهدين" و"المناضلين" وطلاب المجد الوضيع، المتعنترين بين الناس في "عين الحلوة" لا يراعون أمراً يتعلق بأمن وحياة البشر المعذبين أصلاً!
لماذا نقول إن ظاهرة العنف في "عين الحلوة" تنتمي الى أربعة أزمان رديئة؟! لأن المعالجة، تضع الفلسطيني بهويته الكُلية، في زمن هؤلاء المعتوهين. فقبل ثلاثة أيام، انتقل الجنون الى طور جديد أكثر خطورة، حين انفجرت في المدخل الجنوبي للمخيم، عبوة ناسفة هائلة الحجم، لشطب عقيد من "فتح" يُدعى "أبو طلال الأردني". بعدها أسمع الشيخ سليم سوسان، مفتي صيدا وجوارها، وفداً فلسطينياً، حديثاً زجرياً قال فيه إن أحداث المخيم "غريبة عن طبيعة الشعب الفلسطيني" ودعا الى تنبه الفلسطينيين "من فتنة قد تُحاك لهم، وتؤدي الى هلاك وضياع وجودهم وقضيتهم المحقة". يتبدى الزمن الفلسطيني الرديء، هنا، حين تقف الفصائل والقوى السياسية ، بلهاء، عاجزة عن تكريس أية منظومة قيمية تكون ناظما لقضايا الحياة وللقضايا الوطنية. يتقاطع مع الزمن الفلسطيني هذا، زمنان في بطنه، أحدهما زمن الإسلامويين الذين لا يحترم بعضهم إسلام البعض الآخر، والثاني زمن العلمانيين الذين لا علم فاعلاً ولا ثقافة وئام، ولا ما يحزنون!
أما الزمن الرابع الرديء، فهو الزمن العربي، الذي يفعل فعل النكوص والتدمير في كل موضع. هو في لبنان، وفي مخيم "عين الحلوة" ينتج عناوين أنباء أغرب من الخيال أو أعجب من حكاية قريتي "إقرث" و"كفر برعم" في الجليل: التوافق على منع فلسطينيي سوريا من دخول المخيم". ودولة لبنان نفسها، ترفض مناشدات المنظمات الإنسانية التي تطالب بالسماح لها بإقامة مشافي ميدانية للاجئين السوريين والفلسطينيين. أزمان تجري في مسارها، وليس من ضليع ولا شفيع!
القتل المتعمد للاطفال جريمة حرب
عمر حلمي الغول – الحياة الجديدة
نشرت الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال شريط فيديو يظهر كيفية استشهاد الطفلين نديم نوارة (17 عاما) ومحمد ابو ظاهر (16 عاما) قرب سجن عوفر يوم الخامس عشر من ايار، ذكرى النكبة الـ 66. حيث اوضح الشريط ان الطفلين لم يبادرا لاي عمل يدعو لاطلاق الرصاص الحي عليهما من قبل جنود جيش الموت الاسرائيلي. وكان القتل للطفلين عن سابق تصميم واصرار.
وقال الامين العام المساعد للامم المتحدة للشؤون السياسية اورسكار فرنانديز تارانكو، أن «الامم المتحدة تطالب السلطات الاسرائيلية باجراء تحقيق مستقل وشفاف حول هاتين الوفاتين، وحض اسرائيل على التأكد من احترام قواها الامنية الصارم للمبادئ الاساسية حول استخدام القوة والاسلحة النارية من جانب المسؤولين في قوات الامن»، واضاف « من المقلق جدا ان نلاحظ ان المعلومات الاولية تفيد على ما يبدو ان القتيلين (الشهيدين) كانا اعزلين، ولم يمثلا على ما يبدو اي تهديد مباشر.»
غير ان وزير الحرب الاسرائيلي، يعلون نفى ان يكون قد رأى الشريط، لكنه لمح الى احتمال اجراء تغييرات عليه (بقصد شريط الفيديو) مع ان متحدث باسم الجيش الاسرائيلي اتصلت به رويترز، ولم يشكك في صحة التسجيل المصور. الآ ان ارييه شاليكار، وهو متحدث باسم الجيش، زعم أن «الشريط مفبرك ولا يعكس حقيقة ما حصل خلال اليوم المذكور». واوضح، ان التحقيقات لم تثبت حتى الان « استخدام الرصاص الحي»!؟
بغض النظر عن الرواية الاسرائيلية، وموقفها من الشريط المصور، فان عملية الاعدام للطفلين الفلسطينيين، وهما أعزلان، تعتبر جريمة حرب جديدة، تضاف لجرائم الحرب الاسرائيلية، التي لم تنقطع على مدار عقود الصراع الطويلة. الرد عليها لا يكون كما جاء على لسان مساعد الامين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، الذى بدا ضعيفا لعدة اسباب، منها اولا اسرائيل وحكومتها ليست امينة لاجراء تحقيق مستقل حول عملية الاعدام للطفلين؛ ثانيا بدا الموقف ضعيفا وخجولا، لان صيغته حملت طابع عدم اليقين من عملية الاغتيال للطفلين الفلسطينيين؛ ثالثا جاء الموقف الاممي بعيدا عن الاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقيات جنيف الاربعة، ولم يشر اليها، كما ابتعد عن مواثيق حقوق الانسان. وبالتالي سقط الموقف الاممي في دائرة التهاون تجاه الجريمة الاسرائيلية الجديدة، ولم يرق لمستوى المسؤولية الاممية نحو مصالح وحقوق الفلسطينيين. وكان الاجدر بالامين العام المساعد اوسكار، ان يتبنى خيار تشكيل لجنة تحقيق اممية لتحميل حكومة نتنياهو المسؤولية المباشرة عن جريمة الحرب المذكورة، وتبني اصدار قرار اممي يدين الجريمة بالحد الادنى.
وعلى القيادة الفلسطينية وجهات الاختصاص في مجال حقوق الانسان ملاحقة القضية، وطرحها امام لجنة حقوق الانسان الاممية وكل المنابر ذات الصلة لفضح وتعرية دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، وملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين من المؤسسة العسكرية في اللحظة السياسية المناسبة.
اضف لذلك مطلوب من القيادة طرح الموضوع على اقطاب الرباعية الدولية وتحديدا الولايات المتحدة وتوزيع الشريط على اوسع نطاق داخل مؤسسات صنع القرار فيها بما في ذلك الكونغرس ومراكز الابحاث، ومطالبتها بمواقف من جريمة الحرب الجديدة، والكف عن دعم السياسات الارهابية والعنصرية لحكومة الحرب الاسرائيلية.
فضح جريمة اسرائيل وجيشها اولوية فلسطينية قصوى، وعلى الدول العربية منفردة ومشتركة مسؤولية ايضا في تبني الموقف الفلسطيني لتعزيز المعركة في مواجهة استباحة الدم الفلسطيني من قبل جيش الموت الاسرائيلي وقطعان المستعمرين. ولا يجوز الصمت على الجريمة تحت اي صيغة او معيار.
كتب نوارة وأبو الظاهر... وجيل النكبة
موفق مطر – الحياة الجديدة
رغم قناعتنا ان الجريمة كانت ارهابا منظما وممنهجا, نستطيع وصفها بجريمة قتل عن سابق تصميم وترصد, إلا ان الشريط المصور بكاميرا مراقبة في احد المحلات التجارية الفلسطينية بالقرب من حاجز عوفر الاحتلالي, بات دليل اثبات على جريمة جيش الاحتلال بحق شباب فلسطين, فالشهيدان نديم نوارة ومحمد أبو الظاهر طالبان في الصف الحادي عشر, حملا كتبهما وتوجها مع جموع جماهير فلسطينية لإحياء ذكرى النكبة التي لحقت بأجدادهم في الخامس عشر من الشهر الحالي.
لم يرق لجنود الاحتلال, احفاد رجال العصابات الصهيونية الذين ارهبوا الفلسطينيين عام 1948 بجرائمهم المنظمة ضد المدنيين الأبرياء واجبروهم على الهجرة, لم يرق لهم مشهد الطلبة احفاد الفلسطينيين المنكوبين وهم يحيون الذكرى بكل شجاعة وصلابة, والرغبة بالمواجهة بصدور عارية إلا من الايمان بحقهم في ارضهم وطن آبائهم وأجدادهم.
لم يتأذى جنود الاحتلال من حجارة الشبان.. وإنما من الكتب المدرسية التي حملها الطلبة في جعبهم على أكتافهم، فأمر قادتهم - كما يبدو- بإطلاق النار بقصد القتل, وإرهاب جيل الشباب, فهؤلاء الطلبة يشكلون خطرا على المشروع الاحتلالي الاستيطاني في المدى القريب, فقادة جيش الاحتلال العاملون على دراسة علم النفس والمجتمع لدى الفلسطينيين يظنون ان القتل المباشر افضل طريقة لإرهاب اجيال الفلسطينيين, فجنرالات جيش الاحتلال ورثة المفاهيم الخاطئة عن طبيعة شعب فلسطين, ظنوا ان هذا الجيل هو ( جيل النسيان ) الذي تحدث او كتب عنه مؤسسو الحركة الصهيونية، فإذا بهم أمام جيل جريء, واع, متعلم, يعرف هدفه بدقة، الفتاة والشابة الى جانب الفتى والشاب, والجميع ينادي : «هذه أرضنا.. والعودة والحرية والاستقلال حقنا «.
أخطأ جنرالات الاحتلال في حساباتهم, فالذين أمروا بهذه الجريمة كان عليهم معرفة حقيقة وهي ان جيل الحرية والاستقلال الفلسطيني, متقدم على جيل النكبة في صياغة معنى الوطن والعلاقة بين الأرض.
أ سقطنا زمن خضوع الانسان للإرهاب بالضربة القاضية, وما على قادة الجنرالات السياسيين إدراك حقيقة بوجه واحد, وهي ان السلام على اساس قيام دولة فلسطين الحرة المستقلة ذات السيادة بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 هي الحل لإنهاء الصراع, ومنع نزيف الدماء بالعنف, والحفاظ على كرامة الانسان دون تمييز بسبب انتمائه أو دينه, وإلا فان الاسرائيليين سيجدون انفسهم في يوم قريب أنهم رعايا دولة عنصرية فعلا !!.
سنشهد جرائما من هذا النوع مادامت دولة الاحتلال خارجة على القانون الدولي,.. لكن هذا لن يمنعنا من استخدام حق دولة فلسطين بملاحقة المجرمين, فالفاعل ارتكب جريمته امام عدسات الصحفيين, وهذا ما يؤكد أن الارهاب هدف قادة الاحتلال من هذه الجريمة, كما تعكس رغبتهم برفع كلفة المقاومة الشعبية السلمية.
مخاض قومي عسير
خيري منصور – الحياة الجديدة
تتعدد الأسماء والعناوين لهذه الآونة الحرجة التي يعيشها العالم العربي، فهي ربيع لدى البعض، وخريف لدى آخرين، وفصلٌ خامس خارج التقاويم لدى فئة ثالثة، تماما كما دار سجال ذات يوم حول حراكات اجتماعية وسياسية بدءا من مصر ومنها حركة عرابي التي سماها البعض "هوجة"، وأصر آخرون على أنها ثورة، وبمعزل عن التسميات التي تجرنا إلى التجريد وبعيدا عن الواقع فإن ما يحدث في هذا العالم العربي هو مخاض وهو عسير أيضا.
لهذا لجأ البعض إلى عمليات قيصرية منها ما أمات الجنين في الرحم، ومنها ما أوشك أن يقتل الأم وهي الدولة.
والمخاض بالمعنى التاريخي لا العضوي له مواصفات وحيثيات أخرى، لأن فترة الحمل قد تدوم أعواما أو عقودا. ويشترط هذا الحمل أولا وجود قابلة قانونية أمينة كي لا تستبدل الجنين أو تخنقه.
وقد أدى تراكم المكبوتات في مختلف مجالات حياتنا إلى اندلاع غير مقنن وغير محسوب لأن ما حدث بالفعل هو تزامنٌ مثير بين انفجارات عدة.
وواقعٌ بهذا التعقيد لا يقبل الاختزالات النخبوية في تعريفات محددة، لأنه من الصعب القبض عليه ووضعه بين أقواس. فالمفاجآت لم تتوقف بعد والبراكين الهاجعة لا يراهن عليها.
والخلاصة إن كان لمثل هذه التعقيدات من خلاصة، هي أن ما يجري هو مخاض عسير، بل بالغ العسر وقد يموت الجنين أو حتى عدة توائم لكن الأم باقية، ولن تتوقف عن الحمل والولادة حتى القيامة.
وما يقوله الأطباء أحيانا عن الحمى باعتبارها بشارة حياة لأن الموت بارد يليق أيضا بالمطارحات السياسية، فالوطن العربي رغم كل ما عصف به من متغيرات وخلافات بينية وتشظية طائفية لا يزال متشبثا بالقواسم المشتركة. تاريخيا وذاكرة وثقافة وأمنا مشتركا وأحلاما، وبعد مرور ما يقارب القرن على سايكس بيكو، لم يفقد هذا العالم قواسمه المشتركة، مما أفسد كل الرهانات على غروبه وتحوله إلى رجل مريض مسجى على مائدة وتتوغل فيه المباضع والسكاكين!
والنخبة كما نتصور لها دور آخر غير دور الغراب الذي ينتظر الأطلال كي ينعق فوقها! لأن النخبة لا جدوى منها في السراء حين يكون الناس منصرفين إلى شجونهم الخاصة. لكن ضرورتها القصوى تأتي في الضراء أو كما قال الشاعر في الليلة الظلماء يفتقد البدر.
فأين هو البدر الآن؟ إننا نريد هلالا واحدا منه، فهل هو في إجازة طويلة أم رحل إلى مجرة أخرى؟
عن "الخليج الاماراتية"
المصالحة رداً على النكبة
أحمد مصطفى علي – الحياة الجديدة
تؤكد كثافة المشاركة الفلسطينية في إحياء الذكرى الـ 66 للنكبة، في الداخل الفلسطيني والشتات حول العالم، من خلال المسيرات والاعتصامات، أن هذا الشعب مصمم على العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس، على الرغم من عنجهية ونرجسية الكيان الصهيوني، وإجراءاته غير المسبوقة لتكريس احتلاله، ومحاولاته المستميتة لشطب كل ما يمت لعروبة فلسطين بصلة، وآخرها مطالباته المتكررة بالاعتراف بما يسمى "يهودية الدولة".
الشعب الفلسطيني، الذي يؤكد مراراً أن العودة حق مقدس كفلته المواثيق والقرارات الدولية، ويرفض التنازل عنه تحت أي ضغط أو مغريات، متشبث بمواصلة نضاله حتى تحرير كل شبر من فلسطين وإنجاز أهدافه الوطنية وإنهاء تشرده الذي تسببت به جريمة العصر، ويدرك تماماً أن العودة حق فردي وجماعي لا يسقط بالتقادم، وأن لا أحد يستطيع المس به، وأنه لا أمن ولا سلام ولا استقرار، من دون أن يستعيد كامل حقوقه الوطنية المغتصبة بعد أن تآمرت عليه كل قوى البغي والطغيان.
مفاتيح المنازل القديمة التي لا يزال الفلسطينيون يحتفظون بها، والأعلام السوداء الخاصة بحق العودة، تثبت أنه مهما تكالبت أمم الأرض ضد هذا الشعب المكافح وألحقت به النكبات، فإنه لن يتنازل عن حقوقه الثابتة وتقرير مصيره، وأنه ماض في كفاحه البطولي وصموده الأسطوري حتى يمحو آثار هذه المأساة، التي نجمت عن وعد بلفور المشؤوم، ويحقق مبتغاه في وطن حر كريم، مهما طال الزمن أو قصر.
المجتمع الدولي مطالب بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الذي يئن تحت وطأة الاحتلال، ومطالب بتمكينه من الحصول على كامل حقوقه الوطنية المشروعة، وفي المقدمة منها حق العودة إلى دياره التي شرد منها عام 1948 وتقرير المصير وإنهاء المأساة المتواصلة التي يعيشها في كل بقاع الأرض ومخيمات اللجوء.
ما يزيد أهمية حق العودة، الجهود المبذولة لترتيب البيت الداخلي، وإنجاز المصالحة الوطنية وإعادة اللحمة بين مكونات الشعب الفلسطيني، وقضية الأسرى في سجون الاحتلال، وفي المقدمة منهم الأسرى الإداريون ممن يواصلون خوض معركة الأمعاء الخاوية، رفضا لسياسة الاعتقال الإداري.
حان الوقت لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية لتحقيق طموحات شعبه ومواجهة أصعب وأشرس هجمة في تاريخ قضيته بموقف موحد، لأن الإرادة الفلسطينية مرتبطة على الدوام بالحق، والشعب الفلسطيني رغم كل ما يتعرض له من حصار ومحاولات اقتلاع سيصمد، وسينتزع حقوقه في الحرية والاستقلال وسيرحل المحتلون في نهاية المطاف، لأنهم ليسوا أصحابها ولا أهلها مهما فعلوا.
قدم الشعب الفلسطيني تضحيات جسيمة مكنته اليوم من أن يرسم لنفسه مكاناً على خارطة السياسة الدولية ويستمر في هذا الجهد حتى تصبح فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وإيجاد حل لقضيته العادلة، التي يحاول عدوه المراوغة في المفاوضات وإفشالها بتكثيف الاستيطان وتسريع عمليات تهويد ما تبقى من الأرض المحتلة، ولعل المصالحة وتوحيد الفصائل هو الرد العملي المناسب للخطوات العدوانية الصهيونية، لأنها أهم وأبرز العناصر التي تحافظ على شعلة النضال الفلسطيني متقدة للوصول إلى تحقيق أهدافه المشروعة.
عن "الخليج الاماراتية"
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
الخميس
22/05/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
الأقصى خط أحمر
حديث القدس - القدس
معضلات إسرائيل بسبب الأزمة السورية: اختيار عدم الاختيار
نير بومس وأساف هازاني - القدس
مخاض قومي عسير
خيري منصور - القدس
المصالحة رداً على النكبة
أحمد مصطفى علي - القدس
بدائل السلطة الفلسطينية عن استمرار المفاوضات مع إسرائيل
سي. جاكوب-* - القدس
فلسطين بعد المصالحة: هل ستُقطع عنها المساعدات الغربية؟
تقرير خاص-*(الإيكونومست) – القدس
أطراف النهار - بين "بسم الله" و"باسم الشعب" ؟
حسن البطل - الأيام
ليبيا وحركة التصحيح ...
طلال عوكل - الأيام
كمائن المصالحة
د. عبد المجيد سويلم - الأيام
النكبة والانتفاضة والأرض والكوفية
حمادة فراعنة - الأيام
طرطشات
د. فتحي أبو مغلي - الأيام
تغريدة الصباح - أختنا الثالثة....... حسب الله - من يوميات امرأة محاصرة في غزة
سما حسن – الحياة الجديدة
أزمنة رديئة في "عين الحلوة"
عدلي صادق – الحياة الجديدة
القتل المتعمد للاطفال جريمة حرب
عمر حلمي الغول – الحياة الجديدة
كتب نوارة وأبو الظاهر... وجيل النكبة
موفق مطر – الحياة الجديدة
مخاض قومي عسير
خيري منصور – الحياة الجديدة
المصالحة رداً على النكبة
أحمد مصطفى علي – الحياة الجديدة
الأقصى خط أحمر
حديث القدس - القدس
مشروع القانون الذي طرح على أعضاء الكنيست بهدف السماح لليهود بالصلاة في الأقصى المبارك تحت شعارات وذرائع مضللة مثل حرية العبادة والمساواة، والذي وقع عليه سكرتير حزب "العمل" ورئيسة لجنة الداخلية من حزب الليكود ميري ريجب يشكل تطورا خطيرا جدا وحلقة أخرى من سلسلة التصعيد الاسرائيلي الواضح الذي يدفع بالمنطقة نحو مزيد من الاحتقان والتوتر وستكون له تداعيات لا تقتصر على الفلسطينيين والاسرائيليين بل تشمل الأمتين العربية والإسلامية نظرا للمكانة الدينية للأقصى في قلوب وعقول أبناء الأمتين العربية والإسلامية.
لقد تشدّقت ميري ريجب وهي من المبادرين لسن المشروع بقولها ان السماء لن تسقط في حال أقرّ الكنيست هذا القانون مثلما لم تسقط السماء عندما تم تقسيم الحرم الابراهيمي في الخليل وسمح لليهود بالصلاة فيه. وهنا فان ما يجب ان يقال لريجب وغيرها من المتطرفين الاسرائيليين أن الاقصى بالنسبة للشعب الفلسطيني وشعوب الأمتين العربية والإسلامية خط أحمر من المحظور تجاوزه وأن مشروع القانون هذا يشكل مساً خطيرا بالوضع القائم واعتداء صارخا على أحد أكثر الأماكن الإسلامية قدسية.
صحيح ان الاحتلال الاسرائيلي فرض تقسم الحرم الابراهيمي، ولكن هذا الإجراء التعسفي إجراء باطل ولم يقبل به الشعب الفلسطيني او أي من الشعوب العربية والاسلامية، وهو يندرج ضمن الاجراءات والخطوات الباطلة في نظر القانون الدولي التي تقدم عليها دولة احتلال بل ان بعض الممارسات تندرج في إطار ما يسمى جرائم حرب يمكن ملاحقة مرتكبيها أمام المحكمة الجنائية الدولية.
هذا التطور الخطير يشعل ضوءا أحمر أمام الأمتين العربية والإسلامية وأمام الشعب الفلسطيني وقيادته، لذا يجب المبادرة الى تحرك جدي فوري فلسطيني - عربي - إسلامي في مختلف المحافل الدولية، لنقل رسالة واضحة لاسرائيل ومتطرفيها أن شعوب هذه الأمة العظيمة لن تسمح لأحد بانتهاك مقدساتها على هذا النحو وأن إقرار هذا القانون يعني فتح الباب على مصراعيه أمام تفجر الأوضاع.
واذا كانت ريجب وغيرها ممن يؤيدون هذا القانون قد استخدموا للتضليل عبارات حرية العبادة والمساواة لتبرير السماح لليهود بالصلاة في الأقصى، فكيف لهؤلاء ان يبرروا لنا منع الاحتلال الاسرائيلي حرية العبادة للمسلمين والمسيحيين ومنعه وصول المؤمنين الى أماكنهم المقدسة في القدس ؟! وكيف لهم ان يبرروا سياسة التمييز العنصري التي تنتهجها اسرائيل ضد الفلسطينيين سواء في الأراضي المحتلة منذ عام 1967 او داخل اسرائيل نفسها ؟!
ومن الواضح ان اسرائيل تنتهك بشكل فظ الحريات الدينية ويشهد على ذلك تحويل الكثير من المساجد القديمة في فلسطين التاريخية الى مقاهٍ ومطاعم والاعتداءات المتواصلة على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة وغيرها.
ولذلك فان شعارات حرية العبادة والمساواة التي استهدفت طمس حقيقة مشروع القانون الخطير هذا إنما هي بمثابة ذر للرماد في العيون وتضليل للرأي العام، فالمساواة وحرية العبادة في نص القانون شيء يختلف تماما عما ترتكبه اسرائيل ومتطرفوها بحق الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين وبحق مقدساتهم.
لقد حان الوقت لمحاسبة اسرائيل ومعاقبتها على انتهاكاتها الفظة للقانون الدولي بما في ذلك التوجه للمحكمة الجنائية الدولية باسم فلسطين، كما حان الوقت كي يتخذ العرب والمسلمون موقفا أبعد من الشجب والاستنكار، ونتطلع بهذا الشأن الى موقف أردني-مصري-فلسطيني حازم من شأنه ردع اسرائيل عن المضي قدما في مخططها الهادف الى تقسيم الأقصى.
معضلات إسرائيل بسبب الأزمة السورية: اختيار عدم الاختيار
نير بومس وأساف هازاني - القدس
استخدم الإسرائيليون خليطاً من المصطلحات لوصف تطورات الأعوام القليلة الماضية في العالم العربي، عاكسين الكيفية التي فهم بها اللاعبون المختلفون هذه التغييرات. فما كان قد بدأ "ربيعاً عربياً"، نما ليتحول إلى "شتاء إسلامي راديكالي" خطير. وفيما ظل قادة إسرائيل غير قادرين على تعريف طبيعة التحولات، أصبح الوصف هو: "جيشان الشرق الأوسط". وبالتدريج، تحول اتجاه المراوحة بين التفاؤل والتشاؤم إلى سبب للحيرة العميقة.
متأثرين بتتابع أثر "الدومينو" الذي تركه إحراق محمد البوعزيزي، البائع التونسي، لنفسه، نظر الإسرائيليون إلى موجة الاحتجاجات كتجربة سوسيولوجية مدهشة تجري "هناك"، بعيداً عن حدودهم. وفي الأثناء، تابع البلد التفكير في نفسه كحالة منفصلة فريدة من نوعها في الشرق الأوسط -أو كما وصفها وزير الدفاع الإسرائيلي السابق، إيهود باراك، (2007-2013)، بأنها "فيلا في غابة". وحتى "الاحتجاجات العشر" التي نظمت داخل إسرائيل في صيف العام 2011، جرى النظر إليها كتعبير عن استياء البرجوازيين، وكمغامرة صيف أكثر صلة بالتطورات الجارية في الولايات المتحدة وأوروبا (حركة احتلوا، الساخطون) منها بالفوضى الإقليمية.
في البداية، اختارت إسرائيل النأي بنفسها. ورغم أن الربيع العربي احتل مكان الصدارة في الصحف الإسرائيلية، فقد مرت تطورات رئيسية في العربية السعودية واليمن والبحرين بدون ملاحظتها تقريباً، خاصة وأنها لم يُنظر إليها على أنها تؤثر مباشرة على الأمن القومي.
لكن عندما بدأت آثار الاضطرارات الإقليمية تجعل نفسها ملموسة، وجدت القيادة الإسرائيلية نفسها مجبرة على القبول بفكرة أن الثورات العربية يمكن أن تؤثر على مصالحها القومية. وعلى الإثر، بدأت الشعور بالقلق عندما بدأت أسلحة كان الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي يمتلكها قبل العام 2011 بالوصول إلى أيدي عناصر إرهابية تعمل بالقرب من حدود إسرائيل. وفي الأثناء، تكثف النشاط الإرهابي الذي بدأ في شبه جزيرة سيناء بعد سقوط حسني مبارك في بداية العام 2011 وازدادت حدته مع عزل محمد مرسي في صيف العام 2013. وكان الرؤساء المصريون المتعاقبون، الذين كافحوا من أجل الحفاظ على مظهر للاستقرار في سيناء، قد واجهوا تحديات متزايدة لسلطتهم هناك. ووجدت إسرائيل التي كانت قد وقعت معاهدة سلام مع مصر في العام 1979 نفسها في مأزق. هل يجب عليها التصدي للنشاطات الإرهابية، أم الاكتفاء بتذكير مصر ومعاتبتها على تقصيرها وعدم كفايتها؟ وقد انطوى كلا الخيارين على مجازفة. لكن كان هناك خيار ثالث تمثل في الموافقة على مراجعة الملحق العسكري لاتفاقية السلام، بطريقة تسمح لمصر بتعزيز تواجد قواتها في سيناء -وهو خيار حاسم من شأنه أن يعني التضحية بالحاضر من أجل مستقبل أفضل للأمن.
لم تكن سيناء هي التحدي الوحيد الذي واجهته إسرائيل. فقد خلقت زعزعة الاستقرار في الأردن، والتي جرى تجاهلها طويلاً، قلقاً متنامياً في إسرائيل. وفي الأثناء، بدأ القتال في سورية في جذب انتباه تنظيمات جهادية عالمية، والتي تمكنت من تثبيت مواطئ أقدامها هناك بينما يهوى البلد في أتون الفوضى العارمة. وقد راقبت إسرائيل هذه التطورات بقلق، راصدة الأراضي الفلسطينية عن كثب، على أمل أن يتوقف "الشلال" الشرق أوسطي عند الحدود الإسرائيلية. ووجدت القيادة الإسرائيلية نفسها في ورطة تتعمق باطراد أمام السؤال: مع صعود هذا العدد الكبير من المجموعات المسلحة، هل ما تزال الدول تشكل لاعبين مهمين وذوي صلة؟ في العام 2006 كان لبنان غير قادر على الحيلولة دون اندلاع الصراع بين حزب الله وإسرائيل.
في سورية، وخلال الشهور الأولى من الثورة التي بدأت هناك في آذار من العام 2011، سعى بشار الأسد مبدئياً إلى تصوير التطورات وكأنها عاصفة عابرة لا علاقة لها البتة بحالة الاضطراب الإقليمي، وأصر على أن احتجاجات أيام الجمعة هي محدودة في الزمان والمكان، ولم ترق إلى مستوى الانتفاضة الجماهيرية ضد حكومته. لكن سورية سرعان ما غرقت في حمام من الدم، وبدأ العنف في داخل البلد بالتأثير على المنطقة بأكملها. ومع تهريب الأسلحة الذي أعقب سقوط النظام الليبي، استمر الجهاديون الأجانب الذين شقوا طريقهم إلى سورية في النمو عدداً.
هكذا، أصبح القتال الدائر في سورية يؤثر راهناً على المنطقة كلها، فيما المحنة التي يمر بها البلد وموجات اللاجئين التي يفرزها تستقطب انتباهاً دولياً متجدداً. وقد أثر مئات الآلاف من اللاجئين الذين تدفقوا على تركيا ولبنان والأردن على الاستقرار في هذه البلدان، في حين لم تتم دعوة إسرائيل، العدو التقليدي، للمساعدة في إدارة المشكلة. وفي الحقيقة، رفض الفلسطينيون التنسيق مع الحكومة الإسرائيلية فيما يخص جهودهم الخاصة لمساعدة اللاجئين -وهو ما يناسب إسرائيل التي لديها أصلاً ما يكفيها من المشاكل وهي تتعامل مع مستوى عالٍ من هجرة العمالة من أفريقيا.
هناك أسباب أخرى لدى القيادة في إسرائيل للشعور بالارتياح. أحدها هو أن الموضوع الفلسطيني أصبح يتلقى اهتماماً دولياً أقل بكثير منذ بدء الربيع العربي. وحتى تفجر الأعمال القتالية في سورية، كان ما يتبادر إلى الذهن عندما يذكر أحد اللاجئين في الشرق الأوسط، هو اللاجئون الفلسطينيون -لكن "اللاجئين" أصبحوا الآن يعنون السوريين الذين يشكلون أكبر عدد من الناس المشردين، سواء في المنفى أو في داخل سورية نفسها.
يتعلق السبب الثاني بأمن إسرائيل الخاص -موطن اهتمامها السرمدي والأساسي. وقد غيرت المخاوف من أن يكون تحلل سورية قد غير العلاقات في داخل محور إيران- سورية- حزب الله. ففي السابق، كانت إيران وسورية تركزان على مساعدة حزب الله. والآن، وحتى مع كون إسرائيل متخوفة من أن يعطي نظام الأسد أسلحة غير تقليدية لحزب الله، فقد باتت ترى سورية وهي تصبح المتلقي الرئيسي للمساعدة. وهذا تغيير كبير، في ضوء أن المؤسسة الإسرائيلية كانت قد نحت إلى رؤية التطورات الجيوسياسية فقط برؤية أمنية وتجاهلت كل التغييرات التي حكمت بأنه ليس لها تأثير مباشر عليها.
بينما تكشفت التطورات، كانت إسرائيل سعيدة بالمراقبة من الخطوط الجانبية، معتقدة بأن نظام الأسد متجه إلى الانهيار. كما كانت سعيدة أيضاً عندما أنهت دمشق في العام 2012 علاقتها مع حركة حماس الفلسطينية. ومع نمو الصراع في سورية، كرر العديد من القادة الإسرائيليين ما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن قد قاله في سياق مختلف: "أتمنى لكلا الجانبين حظاً سعيداً".
لكن لإسرائيل مصالح واضحة جداً في كل هذا. من شأن سقوط نظام الأسد أن يخدم المصالح الإسرائيلية عبر زعزعة استقرار المحور الإيراني الشيعي. ومن جهة أخرى، وعلى ضوء ضعف المعارضة السورية العلمانية، فإن من الممكن أن يجلب نصر المتمردين نظاماً إسلامياً معادياً لإسرائيل ويضعهم في حديقتها الخلقية الخاصة. الأسد يشكل نوعية معروفة -إنه عدو معلن رسمياً، يحكم من قصر، والذي يمكن الاتصال به. لكن التنظيمات المتمردة لا تملك عنواناً بريدياً، وهي متعددة جداً إلى درجة يستحيل معها قتالها أو التفاوض معها كما يتم في العادة مع الدول (قصف مواقع استراتيجية أو الاتصال عبر طرف ثالث).
نجحت إسرائيل تقريباً في عدم اتخاذ مواقف منحازة بشكل صريح. كما أن الجهد الدبلوماسي الدولي الذي كان قد أفضى إلى تأجيل تدمير الأسلحة الكيميائية السورية خفف من بعض المخاوف الإسرائيلية الجادة. حتى أن قيادة الوطن في قوات الدفاع الإسرائيلية، المسؤولة عن الدفاع المدني، أوقفت إنتاج الأقنعة الواقية من الغاز. كما أقدمت إسرائيل أيضاً على رسم خطوطها الحمراء الخاصة من خلال تنفيذ الضربات الجوية ضد الأهداف العسكرية السورية، لمنع نقل الأسلحة الاستراتيجية (خاصة من سورية إلى حزب الله) والتصدي للتهديد الماثل في تدفق الصراع السوري إلى مرتفعات الجولان (ما تزال إسرائيل تحتل هذه المرتفعات منذ العام 1967، وقد ضمتها إليها في العام 1981)، أو إلى داخل الأراضي الإسرائيلية. وكانت أحدث هذه الضربات قد نفذت في شباط (فبراير) وآذار الماضيين.
لم تعد الجولان، التي خدمت كمنطقة فاصلة منذ الحرب في العام 1973، تفي بذلك الغرض: لم تعد قوات الأمم المتحدة فعالة، وهناك قتال يدور على مقربة منها. وبين الفينة والأخرى، تضرب قذائف المورتر والمدفعية إسرائيل وأهدافاً إسرائيلية، عن قصد أو عن غير قصد.
لكن السؤال هو: كيف يجب أن ترد إسرائيل. هل يجب عليها السماح للأمم المتحدة بتقوية تواجد قواتها في المنطقة، كما سبق وأن سمحت لمصر بتعزيز قواتها في سيناء؟ أم يتوجب عليها الرد على مصادر النيران والمخاطرة بالتالي بتصعيد خطير؟ أم أنه يتوجب عليها مساعدة أحد الأطراف أو الامتناع عن مساعدة الطرفين؟ وإذا قدمت مساعدة ما، فهل يتوجب عليها فعل ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر، وعلى نحو سري أم علني؟ وثمة سؤال آخر: هل يتوجب على إسرائيل في تلك الحالة تزويد الأسلحة -نوع من المساعدة التي تعرفها جيداً- أم أن تقصر نفسها على تقديم المساعدة الإنسانية؟
من دون مناقشة استراتيجية مفتوحة، كانت إسرائيل منخرطة بفعالية في تقديم المساعدة الطبية في الجولان منذ شباط من العام 2013. وما يزال المساعدون الطبيون في قوات الدفاع الإسرائيلية يعالجون جرحى سوريين في المناطق الحدودية، حيث تم إنشاء مشفى ميداني لتلقي الأعداد المتنامية من الجرحى الذين حول البعض منهم إلى مسشفى في مدينة صفد. وثمة أكثر من 800 سوري تلقوا العلاج حتى الآن. كما أن العمليات الإنسانية تجري بمساعدة تنظيمات غير حكومية مختلفة.
مع تحول جنوبي الجولان ليكون ملاذاً استراتيجياً للتنظيمات الإسلامية الراديكالية، تتعرض إسرائيل راهناً لضغط متزايد للاختيار بين محاولة إعادة قولبة المنطقة والتأثير فيها بشكل كبير، أو الانتظار ورؤية ما يحمله المستقبل. ويظهر تحليل التصرفات الإسرائيلية حتى الآن أنه لم يتم التوصل إلى استنتاج بهذا الخصوص. والمعروف أن إسرائيل لا تساعد الثوار في داخل سورية أو خارجها، ما يشي بأنها تفضل استمرار بقاء نظام الأسد، مختارة العدو الذي تعرفه. ومع ذلك، فإن رغبة إسرائيل في تأمل فكرة التدخل الدولي وتوسيع عمليتها الإنسانية، قد تشير إلى تغيير يلوح في الأفق.
لقد حاولت إسرائيل جهدها حتى الآن إبقاء نفسها بعيدة عن الشرق الأوسط، وعن الصراع السوري على وجه التحديد. ويعكس هذا الموقف، الذي يحظى بدعم شعبي في إسرائيل، موقف الولايات المتحدة. وفي العام 2013، قالت الولايات المتحدة لسورية إنها تجاوزت خطاً أحمر باستخدامها الأسلحة الكيميائية وهددتها بعمل عسكري ضدها، لكنها تخلت عن هذه الفكرة وتحولت إلى خيار "القيادة من الخلف". لكن آخرين مثل تركيا وقطر وإيران ودول مجلس التعاون الخليجي، اتخذوا موقفاً أكثر فعالية من خلال دعم عناصر مختلفة من المعارضة الإسلامية.
من جهتها، استجابت التنظيمات غير الحكومية الإسرائيلية مثل "فلاينغ إيد" و"يداً بيد مع الشعب السوري" بطريقة مختلفة. فكانت هذه المنظمات هي أول من يدرك الحاجة إلى بناء علاقة مع السوريين، وقادت عدداً من نشاطات الدعم الإنساني في الأردن وتركيا وفي داخل سورية نفسها، مع تركيز على إيصال الغذاء والإمدادات الطبية. وقد تم حتى الآن إيصال نحو 1300 طن من المساعدات. وجعلت هذه المبادرات من الممكن للمجموعات الإسرائيلية والسورية العمل سوية للمرة الأولى، وجهاراً في بعض الأحيان. ولسوء الطالع، لم تقدم المؤسسة الإسرائيلية على محاكاة هذه العمليات المدنية.
في الأثناء، تبقى إسرائيل أسيرة دفاعها الخاص -ورؤيتها المستندة إلى الأمن، ولم تبدع في الانخراط الدبلوماسي أبداً- خاصة في الشهور القليلة الماضية بينما كان كامل الجسم الدبلوماسي الإسرائيلي ينفذ إضراباً. ومع ذلك، يبقى من الممكن أن تسمح المبادرات الدبلوماسية والإنسانية لإسرائيل بلعب دور بناء وكسب حلفاء جدد للمستقبل. ومن الممكن أن يثبت الـ800 جريح سوري الذين عولجوا في إسرائيل في العام الماضي أنهم أفضل سفراء.
*باحث مشارك في مركز موشيه دايان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية في جامعة تل أبيب. وأساف هازاني، عضو في منتدى الفكر الإقليمي.
مخاض قومي عسير
خيري منصور - القدس
تَتَعدّد الأسماء والعناوين لهذه الآوِنَة الحَرِجة التي يعيشها العالم العربي، فهي ربيع لدى البعض، وخريف لدى آخرين، وَفَصْلٌ خامِس خارج التقاويم لدى فئة ثالثة، تماماً كما دار سجال ذات يوم حول حراكات اجتماعية وسياسية بِدْءاً مِنْ مصر ومنها حركة عرابي التي سماها البعض "هوجة"، وأصرّ آخرون على أنها ثورة، وبمعزل عن التّسميات التي تجرنا إلى التجريد وبعيداً عن الواقع فإن ما يحدث في هذا العالم العربي هو مخاض وهو عسير أيضاً .
لهذا لجأ البعض إلى عَملّيات قَيْصرّية منها ما أَمات الجنين في الرحم، ومنها ما أوْشَك أن يقتل الأم وهي الدوْلة .
والمخاض بالمعنى التاريخي لا العُضْوي له مُواصفات وَحَيْثيّات أخرى، لأن فترة الحَمْل قد تدوم أعواماً أو عقوداً . وَيُشْترط هذا الحَمْل أوّلاً وجود قابِلةٍ قانونية أَمينة كي لا تَسْتَبْدل الجنين أو تخنقه .
وقد أدى تراكم المَكْبوتات في مختلف مجالات حياتنا إلى اندلاع غير مُقَنن وغير مَحسْوب لأن ما حَدَث بالفعل هو تزامنٌ مُثير بين انفجارات عدة .
وَواقعٌ بهذا التعقيد لا يقبل الاختزالات النخْبويّة في تَعْريفات محدّدة، لأنه من الصعْب القَبْض عليه ووضعه بين أقواس . فالمفاجآت لم تتوقف بعد والبراكين الهاجعة لا يُراهَنُ عليها .
والخلاصة إن كان لمثل هذه التعقيدات من خلاصة، هي أن ما يجري هو مَخاض عسير، بل بالغ العُسْر وقد يموت الجنين أو حتى عدة توائم لكن الأمّ باقية، ولن تتوقف عن الحَمْل والولادة حتى القيامة .
وما يقوله الأطباء أحياناً عن الحمّى باعتبارها بشارة حياة لأن الموت بارد يليق أيضاً بالمطارحات السياسية، فالوطن العربي رغم كل ما عصف به من متغيرات وخلافات بَيْنيّة وَتَشْظية طائفية لا يزال مُتشبثاً بالقواسم المشتركة . تاريخياً وذاكرة وثقافة وأَمْناً مُشتركاً وأحلاماً، وبعد مرور ما يقارب القرن على سايكس بيكو، لم يفقد هذا العالم قواسمه المشتركة، مما أفسَد كل الرّهانات على غُروبه وتحوله إلى رجل مريض مُسجى على مائدة وتتوغل فيه المباضع والسكاكين!
والنخبة كما نتصور لها دور آخر غير دور الغُراب الذي ينتظر الأطلال كي ينعق فوقها! لأن النخبة لا جَدْوى منها في السراء حين يكون الناس مُنْصَرفين إلى شجونهم الخاصة . لكن ضرورتها القُصْوى تأتي في الضراء أو كما قال الشاعر في الليلة الظلماء يفتقد البدر .
فأين هو البَدْر الآن؟ إننا نريد هلالاً واحداً منه، فهل هو في إجازة طويلة أم رَحَل إلى مَجرة أخرى؟
المصالحة رداً على النكبة
أحمد مصطفى علي - القدس
تؤكد كثافة المشاركة الفلسطينية في إحياء الذكرى ال 66 للنكبة، في الداخل الفلسطيني والشتات حول العالم، من خلال المسيرات والاعتصامات، أن هذا الشعب مصمم على العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس، على الرغم من عنجهية ونرجسية اسرائيل، وإجراءاتها غير المسبوقة لتكريس احتلالها، ومحاولاتها المستميتة لشطب كل ما يمت لعروبة فلسطين بصلة، وآخرها مطالباتها المتكررة بالاعتراف بما يسمى "يهودية الدولة" .
الشعب الفلسطيني، الذي يؤكد مراراً أن العودة حق مقدس كفلته المواثيق والقرارات الدولية، ويرفض التنازل عنه تحت أي ضغط أو مغريات، متشبث بمواصلة نضاله حتى تحرير كل شبر من فلسطين وإنجاز أهدافه الوطنية وإنهاء تشرده الذي تسببت به جريمة العصر، ويدرك تماماً أن العودة حق فردي وجماعي لا يسقط بالتقادم، وأن لا أحد يستطيع المس به، وأنه لا أمن ولا سلام ولا استقرار، من دون أن يستعيد كامل حقوقه الوطنية المغتصبة بعد أن تآمرت عليه كل قوى البغي والطغيان .
مفاتيح المنازل القديمة التي لا يزال يحتفظ الفلسطينيون بها، والأعلام السوداء الخاصة بحق العودة، تثبت أنه مهما تكالبت أمم الأرض ضد هذا الشعب المكافح وألحقت به النكبات، فإنه لن يتنازل عن حقوقه الثابتة وتقرير مصيره، وأنه ماض في كفاحه البطولي وصموده الأسطوري حتى يمحو آثار هذه المأساة، التي نجمت عن وعد بلفور المشؤوم، ويحقق مبتغاه في وطن حر كريم، مهما طال الزمن أو قصر .
المجتمع الدولي مطالب بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الذي يئن تحت وطأة الاحتلال، ومطالب بتمكينه من الحصول على كامل حقوقه الوطنية المشروعة، وفي المقدمة منها حق العودة إلى دياره التي شرد منها عام 1948 وتقرير المصير وإنهاء المأساة المتواصلة التي يعيشها في كل بقاع الأرض ومخيمات اللجوء .
ما يزيد أهمية حق العودة، الجهود المبذولة لترتيب البيت الداخلي، وإنجاز المصالحة الوطنية وإعادة اللحمة بين مكونات الشعب الفلسطيني، وقضية الأسرى في سجون الاحتلال، وفي المقدمة منهم الأسرى الإداريون ممن يواصلون خوض معركة الأمعاء الخاوية، رفضا لسياسة الاعتقال الإداري .
حان الوقت لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية لتحقيق طموحات شعبه ومواجهة أصعب وأشرس هجمة في تاريخ قضيته بموقف موحد، لأن الإرادة الفلسطينية مرتبطة على الدوام بالحق، والشعب الفلسطيني رغم كل ما يتعرض له من حصار ومحاولات اقتلاع سيصمد، وسينتزع حقوقه في الحرية والاستقلال وسيرحل المحتلون في نهاية المطاف، لأنهم ليسوا أصحابها ولا أهلها مهما فعلوا .
قدم الشعب الفلسطيني تضحيات جسيمة مكنته اليوم من أن يرسم لنفسه مكاناً على خارطة السياسة الدولية ويستمر في هذا الجهد حتى تصبح فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وإيجاد حل لقضيته العادلة، التي يحاول الإحتلال المراوغة في المفاوضات وإفشالها بتكثيف الاستيطان وتسريع عمليات تهويد ما تبقى من الأرض المحتلة، ولعل المصالحة وتوحيد الفصائل هو الرد العملي المناسب للخطوات العدوانية الإسرائيلية، لأنها أهم وأبرز العناصر التي تحافظ على شعلة النضال الفلسطيني متقدة للوصول إلى تحقيق أهدافه المشروعة .
بدائل السلطة الفلسطينية عن استمرار المفاوضات مع إسرائيل
سي. جاكوب-* - القدس
حتى قبل قدوم الأزمة الأخيرة في المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية، كان بعض الفلسطينيين قد فكروا في المرحلة التي ستعقب المحادثات إذا ما أخفقت جملة وتفصيلاً، وخرجوا ببدائل للتعامل معها. وقد شرع أحدث هذه البدائل، التوجه إلى الأمم المتحدة، بالتجسد فعلياً؛ حيث طلبت السلطة الفلسطينية الانضمام إلى 15 اتفاقية ومعاهدة دولية. وثمة بديل آخر -المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس- أصبح قيد العمل أيضاً، مع توقيع اتفاق بينهما يوم 23 نيسان 2014. وتشمل البدائل الأخرى قيد البحث: الحصول على رعاية دولية للمفاوضات، وحل السلطة الفلسطينية، ووقف التعاون الأمني مع إسرائيل، وقيام انتفاضة ثالثة. وسوف تلقي هذه الورقة ضوءاً على هذه الخيارات والخيارات الأخرى التي تجري مناقشتها في داخل السلطة الفلسطينية.
التوجه إلى مؤسسات الأمم المتحدة، بما فيها محكمة الجرائم الدولية
أحد البدائل يتضمن بذل محاولات للحصول على اعتراف بالسلطة الفلسطينية كدولة عضو في مؤسسات الأمم المتحدة، على نحو مشابه للمسعى السابق إلى تأمين القبول بفلسطين كدولة مراقب غير عضو لدى الجمعية العامة للأمم المتحدة في تشرين الثاني 2012. وحتى الآن، اتخذت السلطة الفلسطينية خطوات محسوبة بحيث لا تتسبب بتحطيم القارب، فطلبت الانضمام إلى 15 فقط من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
محمد اشتية، العضو السابق في فريق المفاوضات المنسحب، شرح أن التوجه نحو الأمم المتحدة يهدف إلى تدويل المشكلة الفلسطينية، وجعل القانون الدولي هو مصدر السلطة في المحادثات المسقبلية. وكما بيّن، فإن ذلك يعني أن لا تتم مناقشة قضية إنهاء الاحتلال في المفاوضات، وإنما سيفرض القانون الدولي موعداً نهائياً لإنهائه بدلاً من ذلك. وقد ادعى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، توفيق الطيراوي، بأن القيادة الفلسطينية أخطأت بعدم توجهها فوراً إلى الأمم المتحدة بعد أن تم قبولها كدولة مراقب غير عضو.
في هذه الأثناء، تنوي السلطة الفلسطينية الاستمرار في الانضمام إلى المؤسسات الدولية، والاتفاقيات والمعاهدات التي تراها مناسبة. وكجزء من هذا الجهد، يدرس الفلسطينيون احتمال التوجه إلى محكمة الجرائم الدولية ومقاضاة إسرائيل على ارتكابها جرائم حرب، من بينها إسكان مواطنين من دولة تمارس الاحتلال في أراض خاضعة للاحتلال -المستوطنات على سبيل المثال. وكان الرئيس محمود عباس قد قال لجلعاد شير في تصريح مسجل لمؤتمر معهد دراسات الأمن القومي في كانون الثاني 2014: "إن الفلسطينيين مؤهلون للانضمام إلى محكمة الجرائم الدولية، لكنني آمل أن نتمكن من حل مشكلاتنا سلمياً، لأنني لا أريد المزيد من التعقيدات بيننا وبين إسرائيل، أو بيننا وبين العالم. وفي الوقت الحالي، لدي الحق بأن أذهب حيث أشاء (على سبيل المثال، إلى أي هيئة دولية)، لكنني توقفت لأنني أريد أن أعطي السلام فرصة".
من جهته، قال محمد اشتية إن القيادة الفلسطينية ربما تقدم التماساً إلى الأمم المتحدة للحكم على إسرائيل بسبب جرائمها في حال أخفقت المحادثات الحالية، وقال في مؤتمر صحفي: "لقد حضر الجانب الفلسطيني خطة للانضمام إلى 63 من المؤسسات والاتفاقيات والمعاهدات الدولية في حال فشلت المحادثات". وأضاف: "لقد قسمت القيادة (الفلسطينية) هذه الهيئات إلى أربع مجموعات، والتي ستنضم إليها على أربع مراحل. وسيكون التقدم إلى محكمة الجرائم الدولية، الذي يسبب الأرق لإسرائيل، في المرحلة الرابعة".
من جانبه، قال صائب عريقات أيضاً للوفد الإسرائيلي: "إنكم إذا قمتم بتصعيد الأمور، فإننا سنلاحقكم في كل منتدى دولي على جرائم الحرب التي ارتكبتموها".
لكنها تجب ملاحظة أن التوجه إلى محكمة الجرائم الدولية ينطوي على مخاطرة بالنسبة للسلطة الفلسطينية، لأنها تدرك أن هناك احتمالاً لمقاضاتها في تلك المحكمة على مزاعم بارتكاب الإرهاب ضد إسرائيل وسكانها. وتعرف القيادة الفلسطينية أن عليها دراسة مثل هذه الخطوة بعناية وحذر.
المصالحة الوطنية
ثمة بديل ثان هو إجراء مصالحة فلسطينية داخلية. وفي يوم 23 نيسان،قبل ستة أيام من الموعد المقرر لنهاية المفاوضات، وقعت منظمة التحرير الفلسطينية مع حماس اتفاق مصالحة، والذي اشتمل على ما يلي:
- احترام اتفاقيات المصالحة السابقة التي تم توقيعها في القاهرة في العام 2011، وفي الدوحة في العام 2012، ومعاملتها باعتبارها مصدراً للسلطة.
- اتخاذ عباس خطوات لتشكيل حكومة وحدة وطنية في غضون خمسة أسابيع.
- إقامة انتخابات رئاسية وانتخابات للمجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني بالتزامن بعد ستة أشهر من تشكيل هذه الحكومة.
- اجتماع لجنة تنشيط منظمة التحرير الفلسطينية خلال خمسة أسابيع من أجل تنفيذ المهمات المبينة في اتفاقات المصالحة السابقة.
- استئناف نشاط لجنة المصالحة الاجتماعية ولجنة الحريات.
- استئناف نشاط المجلس التشريعي.
وتجدر الإشارة إلى أن الكثيرين في السلطة الفلسطينية يشككون في احمالات تطبيق هذا الاتفاق بنجاح، سواء لأنه تم توقيعه بعد سنوات من الانقسام، أو بسبب الفشل في تطبيق الاتفاقات المشابهة الموقعة منذ العام 2007.
التفاوض كجزء من مؤتمر دولي
مع ذلك، يبقى هناك بديل آخر، هو مواصلة المفاوضات، وإنما كجزء من مؤتمر دولي بدلاً من الاكتفاء بالرعاية الأميركية الحصرية. ولا تعتبر السلطة الفلسطينية الولايات المتحدة وسيطاً محايداً، وتعتقد أن من الأفضل بكثير أن تجري المفاوضات برعاية دولية. وكان الوزير الفلسطيني السابق لشؤون الأسرى، أشرف العجرمي، والذي تنبأ سلفاً بفشل المفاوضات، قد كتب: "ينبغي أن نسعى إلى إيجاد بدائل يمكنها أن تحمي الحقوق الفلسطينية على الأقل، مثل عقد مؤتمر قمة دولي للسلام، أو صيغة من قبيل 5+1 -مثل تلك التي تناقش البرنامج النووي الإيراني- أو الحصول على تحكيم دولي على أساس قرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية، بحيث يمكن عقد المفاوضات تحت إشراف مجلس الأمن لوقت محدود يتكون من ستة أشهر مثلاً. وفي حال فشل ذلك، يمكن أن تنعقد هيئة دولية متفق عليها من القضاة الذين سيصدرون أحكامهم على القضايا المختلف عليها".
كما دعا محمد اشتية إلى عقد مؤتمر دولي لمناقشة القضية الفلسطينية، والذي يكون مشابهاً لمؤتمر جنيف الذي انعقد من أجل سورية وإيران. ومع ذلك، تجب ملاحظة أن هناك فرصة صغيرة لإمكانية تحقيق هذا البديل. ويمكن أن يقام مثل هذا المؤتمر فقط إذا أرادت إسرائيل -أو تعرضت لضغط شديد- لكي تشارك، بالطريقة التي تم بها الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير لكي يحضر مؤتمر مدريد للعام 1991.
حل السلطة الفلسطينية
قيد المناقشة أيضاً بديل حل السلطة الفلسطينية، وإعادة تحويل المسؤولية عن مناطقها إلى إسرائيل. وكان الرئيس عباس قد قال لصحفي إسرائيلي في رام الله: "إن المفاوضات ليست بديلاً سياسياً، وإنما هي أساس وجود السلطة الفلسطينية والسبب في أنها قد تأسست. وإذا ما فشلت المفاوضات، فإننا سنقول للحكومة الإسرائيلية: هذه هي السلطة التي دمرتموها، وبالتالي، فإن القيادة الفلسطينية تنقل مسؤولياتها وسلطاتها إلى إسرائيل سلمياً، بحيث ستكون إسرائيل هي السلطة المدنية والأمنية المسؤولة في الضفة الغربية بدلاً من الحكومة الفلسطينية وآلياتها الأمنية".
من ناحية أخرى، قال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات بأن السلطة لا نية لديها لتفكيك السلطة الفلسطينية: "إننا لا نتحدث عن حل السلطة الفلسطينية، وليس هناك أحد يتحدث عن تفكيكها من الجانب الفلسطيني". ويعكس تصريح عريقات الاعتقاد الشائع بأن عباس لم ينو حل السلطة الفلسطينية فعلاً، وإنما كان يحاول نقل شعور من الإحباط، سواء من المفاوضات أو من السلوك الإسرائيلي، والتهديد بأن إسرائيل سوف تدفع ثمن الركود.
يُقدر أن قيادة السلطة الفلسطينية لن تسارع إلى تفكيك السلطة؛ حيث يريد أعضاؤها الاحتفاظ بمراكزهم وهم يعارضون بالتأكيد فكرة عودة الجيش الإسرائيلي إلى الضفة الغربية. وقد أيدت هذا التقدير عملية المصالحة بين فتح وحماس، وقرار إقامة انتخابات في السلطة الفلسطينية.
إنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل
هناك بديل آخر، هو إنهاء التنسيق الأمني، سواء كان ذلك نتيجة لتفكيك السلطة الفلسطينية، أو في خطوة فلسطينية مستهدفة ناتجة عن المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس، والتي لن تشمل تفكيك البنية التحتية المدنية للسلطة الفلسطينية.
ما يزال التعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية قائماً منذ سنوات، رغم دعوات حماس، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وفصائل معارضة أخرى إلى وضع حد لهذا التعاون. لكنه استمر بفضل عاملين: أولاً، خوف السلطة الفلسطينية من أن تصبح خلايا حماس المسلحة أكثر قوة في الضفة الغربية، وهو ما قد يهدد سيطرتها، خاصة في ضوء انقلاب حماس في غزة. وثانياً، خوفها من أن تشرع إسرائيل في دخول الضفة الغربية على أساس يومي لاعتقال ناشطي حماس، وهو ما سيجعل الآليات الأمنية للسلطة الفلسطينية تبدو سيئة.
في أعقاب قرار المجلس الوزاري الإسرائيلي يوم 24 نيسان 2014 تعليق المحادثات مع الفلسطينيين وفرض عقوبات اقتصادية عليهم، وصف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، هذه التحركات الإسرائيلية بأنها "إرهاب رسمي"، وقال بأن السلطة الفلسطينية قد تدرس قطع العلاقات معها كلية -ملمحاً إلى إمكانية وضع نهاية للتعاون الأمني. كما أن طلال عوكل، كاتب العمود في صحيفة الأيام اليومية الرسمية التابعة للسلطة، دعا صراحة إلى إنهاء التنسيق الأمني مع إسرائيل.
في حين أن من غير المرجح أن تقوم السلطة الفلسطينية بإنهاء هذا التعاون الأمني، فإن المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس ستعني أن تنطوي مؤسسة السلطة الفلسطينية على حافز أقل للتعاون مع قوات الأمن الإسرائيلية مما كانت عليه في السنوات الأخيرة.
حل الدولة الواحدة
ثمة بديل سادس، هو حل الدولة الواحدة. وفي كثير من الأحيان، يتم طرح فكرة إقامة دولة واحدة ثنائية القومية -التي سيشكل فيها الفلسطينيون أغلبية- في داخل كل الأراضي الممتدة بين الأردن والبحر، كبديل للمفاوضات على حل الدولتين. وقد دعا محمد اشتية إلى "توديع حل الدولتين". وأضاف: "إننا نتجه إلى بديل الدولة الواحدة". لكن هذا الخيار مستبعد جداً الآن، بما أنه يتطلب موافقة إسرائيل عليه.
انتفاضة ثالثة
بديل قيام انتفاضة ثالثة هو خيار آخر قيد المناقشة أيضاً؛ وهو بديل يقترح اثنين من أشكال المقاومة؛ أحدهما يماثل الانتفاضة الأولى، في شكل مقاومة غير عنيفة على الغرار الذي يسمى المقاومة "الشعبية"؛ والثاني هو استخدام المقاومة المسلحة، على نحو يشبه الانتفاضة الثانية.
كان عباس قد حافظ على معارضته المتواصلة للمقاومة المسلحة، لأنه يدرك أن الانتفاضة الثانية ألحقت أضراراً بالقضية الفلسطينية؛ وطالما ظل رئيساً، فمن المرجح أن سيستمر في معارضتها. وقد عبر عن هذا الموقف وزير شؤون الأسرى الفلسطيني السابق أشرف العجرمي، الذي قال: "إن أكثر الأشياء أهمية في الحملة المقبلة هو أن لا تتحول إلى العنف، وهو ما تبذل إسرائيل كل ما في وسعها لتوجيهنا إليه". وخلال زيارة قام بها إلى إيران في كانون الثاني 2014، تحدث عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، جبريل الرجوب، ضد فكرة التفجيرات الانتحارية في داخل إسرائيل: "إننا لم نتخل أبداً عن سلاحنا... ما تزال المقاومة خياراً استراتيجياً، والمقاومة المسلحة خيار مطروح على الطاولة... إننا نريد أن يقبل العالم بوسائلنا. أعتقد أن لدينا الحق، حسب القانون الدولي، في استخدام أي نوع من المقاومة، في الأراضي المحتلة وضد الاحتلال، من أجل وضع نهاية للاحتلال. أقول لكم أنها لن تكون هناك أي تفجيرات لحافلات، ويجب أن لا تكون هناك أي تفجيرات لحافلات في تل أبيب".
مع ذلك، حذر مسؤولون آخرون من مغبة اندلاع انتفاضة ثالثة. وعلى سبيل المثال، وفي أعقاب استشهاد ثلاثة ناشطين من كتائب عز الدين القسام التابعة لحماس في شهر آذار،اشتبكت عناصر من سرايا القدس التابعة للجهاد الإسلامي، وكتائب شهداء الأقصى التابعة لفتح، مع الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين للاجئين، وأشار حسام خضر، رئيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين، إلى أن "الانتفاضات الفلسطينية السابقة لم تكن قد بدأت بقرارات اتخذتها القيادة السياسية".
تجدر الإشارة إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية تعتبران ما تدعى المقاومة "الشعبية" شرعية، حتى لو أنها تضمنت العنف في شكل إلقاء الحجارة، والقنابل الحارقة، وأكثر. وتبقى هذه الأشكال من المقاومة أحداثاً متكررة في أجزاء من الضفة الغربية، وهي ليست بديلاً عن المفاوضات. وفي مؤتمر انعقد في أواخر نيسان 2014، دعت اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى توسيع أنشطة المقاومة الشعبية.
باختصار، يبدو أن عباس سيقوم بتعزيز المصالحة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحماس، وربما يعمل على الساحة الدولية من أجل تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، يرجح أنه سيواصل الإعلان عن استعدادة لمواصلة المفاوضات وفق شروطه الخاصة، وسيختار العمل في المنطقة اللاعنفية.
*زميل بحث في معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط.
فلسطين بعد المصالحة: هل ستُقطع عنها المساعدات الغربية؟
تقرير خاص-*(الإيكونومست) - القدس
ثمة قلة من البلدات العربية في الضفة الغربية، والتي يتم فيها جمع النفايات بسلاسة ويسر كما يحدث في بيت لحم. فلا يكاد التجار يقفلون أبواب حوانيتهم في نهاية يوم العمل، حتى يحضر رجال النظافة بإشراف إياد أبو ردينة، ويكونون الأوائل في دخول مثلث الدهاليز القديمة في البلدة.
يقول أبو ردينة إن الفضل في كثير من هذا النجاح يعود إلى مشروع شق طريق أميركي سهل عملية الوصول إلى الأماكن المقصودة. لكنه أصبح يخشى، في أعقاب اتفاقية المصالحة الأخيرة بين الحزبين الفلسطينيين المتنافسين، فتح وحماس، من احتمال توقف الدعم الأميركي. ذلك لأن الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأوروبية يعتبرون حماس مجموعة إرهابية، وهم يبدون استعداداً لدعم السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس من فتح، وإنما شريطة عدم إشراك حماس. ومع حلول الوقت الذي يزور فيه البابا بيت لحم يوم 25 أيار الحالي، فإنه قد يجد الشوارع مليئة بالنفايات.
هذه المخاطر حقيقية. فبالكاد مر عامان على إنهاء أميركا مقاطعتها لأحدث بيت لحم. وقد دامت تلك المقاطعة سبعة أعوام بعد أن انتخب أبناء البلدة ممثلين من فصيلين صنفتهما الولايات المتحدة مجموعتين إرهابيتين في المجلس. ويبدي أبو ردينة قلقاً من أن تبدو اللوحات الإعلانية التي نصبت مؤخراً وهي تطري على إنجازات ذراع المساعدات الأميركية USAID قديمة في وقت قريب. ويقول المسؤولون الفلسطينيون إن مسؤولي وكالة المساعدات الأميركية ألغت الاجتماعات، ولو مع الاعتذار، غداة إعلان حماس وفتح عن اتفاقهما. وشرح المسؤولون الأميركيون بالقول إن الكونغرس لن يسمح لهم بـ "تمويل الإرهاب". وحيث إن الاتفاقية تعرض على الغزيين احتمال بعدم محاصرة جيبهم المحاذي للبحر، والذي تديره حماس، من جانب إسرائيل ومصر، فإن هناك احتمالاً بأن ينتهي المطاف بسطوة عباس في الضفة الغربية وفي المراكز السكانية وقد دفعت الثمن.
لكن أميركا لم تقدم على قطع الروابط نتيجة لذلك. ففي اليوم الذي ألغى فيه مسؤولو "يو اس ايد" الاجتماع، منح البنك الدولي مبلغ 13 مليون دولار لمشروعات المياه العادمة، كما أقام وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، مأدبة لرجال الأعمال من أجل جمع المال لصالح برنامج استثمار في فلسطين. وفي نفس اليوم، كما يقول مسؤول فلسطيني رفيع، تحدث باراك أوباما مع السيد عباس هاتفياً لمدة نصف ساعة. وبينما ستجمد مشروعات جديدة، يقول مسؤولون أميركيون إن المشروعات القديمة قد تستمر. كما تمت إقامة حفل موسيقي بدعم من "يو اس ايد" في مدينة أريحا، في وادي الأردن.
من جهتها ، تقول حكومة إسرائيل إنها تريد من الغرب أن يظهر "وضوحاً أخلاقياً" من خلال قطع الدعم عن أي حكومة فلسطينية مدعومة من حماس.
قد يوافق الكونغرس الأميركي الإسرائيليين ويقدم على قطع الأموال عن الفلسطينيين رداً على الاتفاق بين حماس فتح. لكن هناك مسؤولين أميركيين آخرين يرون احتمالاً بوجود مزية في الأمر في حال قبلت حماس فكرة تسوية الدولتين مع إسرائيل. ويقول هؤلاء الأميركيون إن أوضاع حماس الصعبة في غزة قد تمكن السيد عباس من تأمين صفقة مفيدة لنفسه، ممهداً الطريق بذلك لعودته للسلطة هناك. وهم يخشون الآن أن تكون المقاطعات السابقة لحماس قد حرمت البلدان الغربية من التأثير في غزة، وساعدت في تمكين الإسلاميين من تشديد قبضتهم هناك. ويقول أحدهم أنه سيكون من الجيد بشكل عام أن يقدم الأوروبيون والعرب على التعويض عن النقص في المساعدات التي تقدم للفلسطينيين إذا دفع الكونغرس الإدارة الأميركية إلى التراجع عن تقديم المساعدات للفلسطينيين.
حتى اللحظة، ما يزال رد الحكومة الإسرائيلية أقرب للعواء منه إلى العض. وفي رد على الصفقة بين حماس وفتح، أعلن بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أنه علق المفاوضات مع السيد عباس، وأوقف تحويل عوائد الجمارك التي تحتل ثلثي موازنة السلطة الفلسطينية. لكنه أقدم على الخطوة بعد سماحه أولاً بالمضي قدماً في التحويلات الشهرية خشية احتمال انهيار السلطة الفلسطينية من دون الحصول على التحويل الشهري، ما يعرض الضفة الغربية إلى فوضى عارمة . وتجدر الإشارة إلى أن إسرائيل كانت قد ساومت حماس في الماضي وتوصلت إلى ترتيبات معها لحالات وقف لإطلاق النار مرات عديدة منذ العام 2004.
إلى ذلك، يعتقد بعض الإسرائيليين بأن لديهم ما يكسبونه من خلال ضم حماس. ويقول يوناتان توفال من "ميتفيم"، المؤسسة الفكرية الليبرالية المتخصصة في السياسة الخارجية والتي تتخذ من تل أبيب مركزا لها: "يعرض الاستيعاب السياسي بين الفصيلين الفلسطينيين على إسرائيل الضمان بأن يتوافر شريكها المفاوض على الشرعية السياسية، حتى لو لم يتوافر على الدعم الكامل من جانب الشعب الفلسطيني." وقبل قطع المساعدات للأبد، قد يعمد نتنياهو إلى الإنتظار لرؤية ما الذي لدى حكومة الوحدة الفلسطينية بالضبط، وماذا سيكون برنامجها في الحقيقة، إذا كانت ستشكل من حيث الأساس.
أطراف النهار - بين "بسم الله" و"باسم الشعب" ؟
حسن البطل - الأيام
على مدى ثلاث سنوات، سينكب الخطاط الفلسطيني الشاب، ساهر الكعبي، على كتابة مصحف شريف، سيسمى "مصحف المسجد الأقصى". قلت "كتابة" لا "إعادة كتابة" لأنه كسائر المصاحف سيكتب بالخط النسخي، وهو أصل الخط العربي، وأول ما يتعلّمه طالب الخط.
القرآن الكريم، كلام الله، قابل لقراءات سبع، والبعض يقول عشر، وأمّا الخط العربي فله ستة خطوط أساسية، وأربعة ثانوية (منها الخط اليدوي والخط الحرّ).
القرآن واحد، منذ جمعه الخليفة الثالث، عثمان بن عفان في ترتيب السور (مكيّة مدنيّة متداخلة زمن النزول) ولهذا فسورة "الفاتحة" تتقدم سورة "اقرأ".. وكان مصحف بعض الصحابة مرتباً حسب تاريخ النزول.
المسلمون، الآن، يبدون "شيعاً وأحزاباً" ويجمعهم مصحف واحد يكتب بخط واحد هو الخط النسخي، ويتحمّل القراءات السبع أو العشر، لكن تفسيرها يتحمل الاجتهاد والتأويل.. والتحريف للأسف!
حسب ظني، فإن أي مصحف يصدر في قطر أو السعودية أو مشروع مصحف دبي يتطلب مراجعة إمّا من علماء الأزهر وإما من معهد بحوث سعودي على اسم الملك فهد، وعلى هذا فإن "مصحف المسجد الأقصى" سيراجعه علماء الأزهر الشريف بتمحيص تام!
صحيح أن الفلسطينيين في أجواء مصالحة، لكنها تحتمل المنافسة (والمنابذة!) أيضاً، وهكذا، فإن مصحفاً بخط ساهر الكعبي، أحد ثلاثة من أبرز خطاطي فلسطين (مع إيهاب ثابت وعادل فوزي) سيرفق بمصحف سيكتب في غزة، بدعم ماليزي، بعد مسابقة فاز فيها عبد الرحمن عسلية وهيثم الأسطل، بينما تمّ اختيار ساهر الكعبي وزكّاه رئيس السلطة.
لسنوات خلت كانت فلسطين تفوز في مسابقات إسلامية خاصة للموهوبين الصغار بحفظ القرآن، وأحياناً بتجويد تلاوته.. ومن ثمّ، فالقيمة لمصحف المسجد الأقصى معنوية محضة، لأنه صادر من بلاد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
قلنا إن الكتابة العثمانية للمصحف، على ما يبدو من تعقيدها، وإثقال رسمها، تحمل ميزة القراءات المختلفة في لهجات العرب القدامى (مثلاً: في سورة مريم "فناداها مِنْ تحتِها" في قراءة، وفي أخرى "فنادها مَنْ تحتَها".
كلمات كثيرة في القرآن الكريم يختلف فيها الإملاء عن اللفظ، مثل "الحياة" و"الصلاة"، وأذكر أنه في سورية كنا نقرأ "جزء عمّ" أو "جزء تبارك" بإملاء يتوافق مع اللفظ.
في البسملة مثلاً هناك "بسم الله.." وفي الكتابة هناك "باسم الشعب".. وهناك "الرحمن" في القرآن وفي الإملاء العربي الشرقي، لكن في تونس، مثلاً، يكتبون "عبد الرحمان".
لا كبير بأس في الفوارق بين الإملاء واللفظ، ما دامت ميزة العربية هي سهولة لفظ الإملاء، بينما الإنكليزية التي تمتاز بسهولة الكتابة، يحتاجون على الهاتف إلى "تهجئة" حروف الكلمة. على هذا فإن "الإنكليزية الأميركية" تُكتب كما تلفظ خلافاً لشذوذات اللفظ في "الإنكليزية البريطانية".
علّة العربية، مع ذلك، ليست في كونها لغة منقوطة (شكراً لأبي الأسود الدؤلي) لكن في اختلاف لفظ حركات الحروف تبعاً لقواعد الإعراب (إذا خفتَ أن تلحَن.. سكّن؟).
كل محاولات إصلاح الإملاء العربي لم تفلح، ربما لأنها مربوطة بالقرآن الكريم "إنّا أنزلنا الذكر وإنّا له لحافظون"، (علماً أن العبرية القديمة مثقلة أكثر من العربية في رسمها الإملائي ولفظها).
هناك لغويون إصلاحيون ضليعون حقاً وآخرون جذريون حثّوا جمال عبد الناصر، بوصفه زعيم الأمة، على إصلاح الإملاء العربي، وأيضاً كتابته بشكلين مفصول الحروف وموصولها.
كان الخليفة الراشدي الرابع، علي بن أبي طالب، قد قال: "القرآن حمّال أوجه"، ربما لأن نزول آيات لاحقة تنسخ أخرى حسب تاريخ النزول "مكيّة أو مدنية، أو لكسب قلوب الناس وعقولهم بالتدرّج والتدويخ، ويقال: لو جمع الخليفة عثمان القرآن حسب تاريخ نزول السور لسهل الأمر، علماً أنه كان، ربما، أهم الخلفاء الراشدين لأنه جمع ورتّب سور القرآن الكريم.
السؤال هو: ألا يمكن كتابة القرآن بأحد حروف الحاسوب، مع تسهيل قراءته بتلوين حركات الحروف، وأيضاً الوقفات والدمج والحركات الدالة على التجويد.
سؤال آخر: هل قال الملاك جبريل للرسول الأعظم "اقرأ" بمعنى التلاوة وهو يقصد "اكتب"؟ لأن الأمي الذي لا يكتب لا يقرأ؟
كان الرسول يجيب "ما أنا بقارئ" لكن هناك رسائل بخطه إلى ملوك فارس والرومان ومصر تدعوهم لدخول دين الإسلام بالحسنى أولاً.. ثم بالسيف لاحقاً.
هناك تفسير للرسول "الأمي" بمعنى أنه رسول للأمم كافة أي "أممي" لا بمعنى أنه لا يقرأ ولا يكتب.. وهذا اجتهاد بعض المجتهدين.
إن قرآناً بخط خطاط (أو خطاطين) فلسطينيين هو إضافة معنوية لفلسطين، لا إضافة في الإملاء مثلاً، ولا بشكل حروف الخط.
أجبرني الزملاء في قسم التدقيق اللغوي على كتابة إملاء يختلف عن الإملاء السوري "شؤون" أو "شئون" وأيضاً "داوود" أو "داود".
ليبيا وحركة التصحيح ...
طلال عوكل - الأيام
إن كان علينا نحن الفلسطينيين أن نهتم بشأن قضيتنا وشعبنا وهمومنا، وأن نترك للشعوب العربية، ان تتدبر أمورها، وان تصنع مستقبلها، إلاّ أننا كجزء من الأمة العربية، وأصحاب قضيتها المركزية الأهم، لا نستطيع تجاهل ما يجري هنا وهنالك في طول المنطقة العربية وعرضها.
ثمة من يستعجل الحكم على مجريات "الربيع العربي"، الذي اندلع بداية من تونس قبل أكثر من ثلاث سنوات، وبدا وكأن الأمر مجرد انقلابات شعبية أو عسكرية. على التاريخ، سرعان ما أن يستقر أمرها، لصالح هذا الاتجاه السياسي أو ذاك، أو لمصلحة هذه القوى الدولية أو تلك على اعتبار أن ما يجري هو من تدبير قوى خارجية، تستند إلى عوامل داخلية.
المثال الليبي، وقبله ما جرى في العراق، ربما يقدم نموذجاً صافياً لدور القوى الخارجية، إزاء بلدين نفطيين، خصوصاً، وأن ليبيا لم تكن تتمتع بحيوية سياسية، وحراكات حزبية وشعبية معارضة للنظام إلى الحد الذي يرشح لإمكانية التغيير. إلى بعض الوقت لم نكن نسمع بوجود أحزاب وتيارات سياسية إسلامية أو قومية، أو اشتراكية في ليبيا، حتى المعارضة الخارجية كانت ضعيفة وبالكاد نسمع عن نشاطات ذات أهمية لها.
لم يهدأ العراق، منذ الغزو الأميركي، وهو لم يستقر على التركيبة السياسية التي أنتجتها عملية التغيير بقوة التدخل الخارجي، وانفتح على صراعات عميقة، تهدد وحدته الجيوسياسية، وتضعف سيطرة الدولة المركزية كما تهدد نسيجه الاجتماعي، الزاخر بالتنوع الطائفي والإثني.
بعد نحو عشر سنوات، من الإطاحة بنظام البعث، واحتلال العراق، ثم رحيله رسمياً، مع بقاء بعض قواعده العسكرية، وتدخلاته السياسية والأمنية والاقتصادية ما يزال العراق ينزف دماً، وقد أصبح قاعدة أساسية، لتفريخ الإرهاب، وتدريب وتصدير المقاتلين إلى الجوار، وها قد جرت الانتخابات البرلمانية فيه للمرة الثانية ولكن بدون أن تلوح في الأفق معالم الاستقرار والهدوء والتفرغ لإعادة ما دمرته الحروب والصراعات.
ليبيا، التي جرى فيها التغيير، بأيد خارجية في الأساس، لم يصل حد الاحتلال، وتركت لأهلها، أنتجت نظاماً هشاً، تسوده الفوضى، والانقسامات، والصراع، وتهدده الميليشيات القبلية، والحزبية، وباتت هي الأخرى مسرحاً مفتوحاً لتصدير الجماعات الإرهابية، وكل أنواع الأسلحة.
ليبيا اليوم مهددة، هي الأخرى بوحدتها الجغرافية، والواقع على الأرض يتطابق مع التحليلات التي كانت تشير إلى إمكانية تقسيمها إلى ثلاث دويلات، برقة وفزان وطرابلس، ونسيجها الاجتماعي والسياسي أيضاً مهدد إلى حدود مفزعة.
في الواقع ما كان ممكناً أن تشهد ليبيا الاستقرار بمجرد الإطاحة بنظام القذافي، فلا الظروف الاجتماعية والطبقية ناضجة، ولا وجود لحركة سياسية، وأحزاب، ناضجة، ولديها القدرة على استلام الدفة نحو المستقبل. وحتى الآن لا يستطيع المرء تذكر أسماء أحزاب وحركات سياسية، مؤهلة لخوض الصراع الداخلي بكفاءة واعدة بإمكانية الانتقال بالبلاد، نحو مستقبل مختلف، لكن أي مراقب للوضع يستطيع أن يتذكر أسماء عشرات الميليشيات، إذ يكاد يكون لكل مدينة ميليشيتها المسلحة الخاصة بها.
ما جرى ويجري مؤخراً في ليبيا، من قيام جزء من الجيش الليبي بداية ضد الميليشيات المسلحة في بنغازي، الأمر الذي امتد سريعاً إلى العاصمة طرابلس، يشير إلى أن الجيش بدأ يتحرك نحو أخذ زمام المبادرة، ولكن لأنه جيش غير متماسك، وجرى لملمته على عجل فإنه مرشح لوقوع انقسامات خطيرة في صفوفه. عندما تحرك اللواء خليفة حفتر، كان وزير الدفاع قد أعلن عن أنه لا علم له، بما يقوم به حفتر، ما يعني أن المؤتمر الوطني، والحكومة، التي تم للتو تشكيلها، لم يكونا على دراية بما يجري.
في الواقع علينا أن نلاحظ العلاقة بين حفتر، ومن انضموا إليه من الجيش الليبي وبين ما يجري في مصر، التي تشكو من عمليات تهريب الأسلحة، والمقاتلين إلى أراضيها فيما هي تخوض ما تعتبره حرباً ضد الجماعات الإرهابية.
بعض الأطراف في ليبيا، وعلى مرأى ومسمع الحكومة، دعمت وجود ما يسمى بالجيش المصري الحر، على غرار الجيش السوري الحر، ولكن هذه الأطراف أيضاً لم تحرك ساكناً ولا بمقدورها، حين قام الطيران المصري بقصف بعض تجمعات هذا الجيش ونقصد الحر.
نفترض أنه من الطبيعي أن تسعى مصر لدعم حركة حفتر، ومساعدته على تحقيق السيطرة، على الأوضاع في ليبيا، خصوصاً وأن حفتر أعلن موقفاً عدائياً، من جماعة الإخوان المسلمين، ويبدو أنه سيسير في اتجاه الموقف المصري من هذه الجماعة. مصر تتعرض لاضطراب داخلي لا يزال يؤثر سلبياً على قدرتها للتغلب على الصعوبات الكبيرة التي تواجهها، ولكن الإرهاب والعنف الداخلي هو أخطر ما يواجه الرئيس القادم، والنظام بصفة عامة. ولكن يتضح أيضاً بأن مصر في معركتها الداخلية لمحاربة الإرهاب، يترتب عليها أن تواصل ذلك، وأن تدافع عن داخلها من الخارج، إذ تجاورها جغرافياً، مفتوحة، وتشكل مصدراً وقواعد خارجية لتصدير الإرهاب، وأدواته وعناصره إلى داخل مصر.
الصراع إذاً مفتوح في ليبيا. ومصر من خلال حربها الداخلية والخارجية على الإرهاب تعيد رسم دورها الإقليمي كدولة كبرى غابت عن المشهد والتأثير بعد أن انغلقت داخل حدودها إبان حكم مبارك. أما الخلاصة فهي أن الشعوب قادرة على تصحيح أوضاعها، وإعادة رسم خرائط مستقبلها بالرغم من التدخلات والأطماع الخارجية، وهي موجودة وفاعلة.
كمائن المصالحة
د. عبد المجيد سويلم - الأيام
بات الجميع يدرك الكمائن التي يمكن أن تلاقيها "المصالحة" على طريق إنهاء الانقسام وإعادة توحيد المؤسسات الوطنية. وبات الجميع يدرك أيضاً أن انسداد العملية السياسية هو عامل مفصلي في درجة الذهاب بعيداً في هذه المصالحة، تماماً كما هو مفصلي عامل استقرار الأوضاع في مصر وفي بعض دول الإقليم الأُخرى.
الكمين الأكبر (كما أرى) هو الكمين الإسرائيلي وما يمكن أن ينطوي عليه من تدخلات إسرائيلية محددة لإفشال المصالحة من جهة وما يمكن أن يترتب على هذه التدخلات من "تغيرات" دراماتيكية في الموقف من المصالحة وفي تبعات هذا النوع من المصالحة من جهة أخرى. حتى وإن ناور الإسرائيليون عدة أشهر أخرى (على عين التاجر) فإن الخيار الإسرائيلي الأصلي ـ كما قلت في المقال السابق ـ هو إعادة الانتشار بدلاً من "التورط" في الاعتراف بالحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني، حتى وإن تم هذا الاعتراف بصورة جزئية ومشوهة، ذلك لأن مثل هذا الاعتراف هو نسف للمشروع الإسرائيلي القاضي بتجديد المشروع الصهيوني للسيطرة على كامل جغرافيا فلسطين التاريخية من ناحية الغلاف الخارجي براً وبحراً وجواً، إضافة إلى التحكم بباطن الأرض وكل الثروات والتجمعات السكانية والسيطرة على مسار تطور هذه التجمعات.
هذا الخيار الإسرائيلي ليس واحداً من عدة خيارات كما يعتقد البعض بل هو الخيار الأساس والأصلي، أما بقية ما نعتقد أحياناً أنها خيارات إسرائيلية موازية أو بديلة هي ليست في الواقع إلا خيارات لحظية ومؤقتة لا تهدف إلى أبعد من خدمة التوجه نحو الخيار الأصلي والتقدم بصورة جدية باتجاه هذا الخيار.
إذا كان الأمر كذلك ـ وهو في أغلب الظن كذلك بالفعل ـ فإن المصالحة ستنجح في أبعد الحدود بتوحيد أو إعادة توحيد منطقة قمة الهرم السياسي دون أن يمتدّ هذا التوحيد إلى المكونات الرئيسية للمجتمع والدولة في البلاد.
هنا وفي هذه المنطقة بالذات ستنشط إسرائيل، وهنا يمكن استقراء حجم ونوعية التدخلات الإسرائيلية، وعند تخوم المنطقة الفاصلة ما بين قمة الهرم السياسي وما بين مؤسسات الدولة والمجتمع الفلسطيني تنصب إسرائيل لنا الكمين الأكبر.
السلاح الإسرائيلي سيكون ـ كما أرى ـ عزل المناطق السكانية والتحكم بالحركة منها وإليها، وتمويل المنعزلات إلى "كيانات" معزولة عن بعضها البعض وليست "موحدة" إلاّ في منطقة الهرم السياسي الذي أشرنا إليه.
بهذه الطريقة ستبقى غزة معزولة بالكامل، وستكون إسرائيل قادرة على إعادة عزل منطقة القدس.
عندما تستكمل إسرائيل قوس منطقة E 1 وتستكمل الجدار في بعض المناطق سيعاد عزل ثلاثة أو أربعة تجمعات سكانية رئيسية، وبذلك ستصبح مهمة توحيد هذه التجمعات مهمة صعبة، وسيسوّق المشروع (مشروع إعادة توحيد هذه الكيانات باعتباره إنجازاً كبيراً، وهو ما ستوافق عليه إسرائيل فيما بعد) وسيتم القبول الضمني بحدود الدولة المؤقتة القائمة بحكم الواقع أو المفروضة بحكم الواقع القائم، وبحيث يتم التفاوض لاحقاً على "تحسين" شروط بقاء وتطور هذه الدولة باعتباره نهاية المطالب الفلسطينية وإنهاء الصراع.
أي بمعنى آخر فإن المصالحة طالما هي محصورة في منطقة الهرم السياسي فإن إسرائيل "ستستخدمها" لإنجاز مشروع المنعزلات السكانية قبل أن تتم المصالحة لتشمل مكونات المجتمع والدولة، وحينها فإن المصالحة ستتيح للقوى السياسية فرصة "التنافس" على السيطرة في هذه المنعزلات بدلاً من التنافس في كل المسألة الوطنية الشاملة.
وهنا أيضاً ستؤجج إسرائيل هذه المنافسة وقد تحولها إلى صدامات عنيفة وربما مسلحة تماماً كما فعلت وخططت قبل "الانسحاب" من قطاع غزة.
حركة حماس لن تخسر شيئاً جراء عمليات العزل، وهي تتحكم بالقطاع كاملاً ولا يضيرها في شيء أن تكون جزءاً من التنافس وكلاعب قوي في هذه المنافسة داخل هذه المنعزلات مع بقاء القطاع خارج المنافسة.
في هذه الحالة الخاسر الأكبر هو حركة فتح وفصائل العمل الوطني والمشروع الوطني والذي هو ليس بكل تأكيد مشروع حركة حماس أصلاً.
لهذا كله فالكمين الإسرائيلي أخطر وأكبر مما يظن بعضنا، وعلى حركة فتح وفصائل المنظمة أن تقطع الطريق على هذا الخطر الذي أسمّيه الخطر الداهم.
إذا أرادت فتح أن تحبط المشروع الإسرائيلي في المهد، وإذا تنبهت فصائل المنظمة لهذا التدبير والتخطيط الإسرائيلي فإن إسرائيل ستكون هي الخاسر الأكبر من خطة إعادة الانتشار في الضفة، أما إذا جرى الاستهتار بهذا المخطط، ولم يتم وضع الخطة البديلة لمواجهته فإن إسرائيل تكون قد وجهت ضربة قاصمة في خاصرة المشروع الوطني كله.
لا مجال لمجابهة المشروع الإسرائيلي بدون تجديد شرعية النظام السياسي على أسس ديمقراطية راسخة، وبدون تحويل المشروع الوطني (مشروع الدولة الوطنية المستقلة وحق العودة) إلى البرنامج السياسي للمصالحة، والاتفاق على أسلوب النضال السلمي الديمقراطي وإعادة الاعتبار الكامل للمنظمة عبر عملية شاملة من الإصلاح والتفعيل والتنشيط الشامل لأجهزتها ومنظماتها ودوائرها وآليات عملها وقواعد الاحتكام فيها.
ولا مجال لإحباط المشروع الإسرائيلي إلاّ عَبر تسريع عمليات توحيد المؤسسات الأمنية والوطنية وقبل الانتخابات وليس بعدها، إذ لا علاقة حتمية ما بين إعادة توحيد المؤسسات وما بين الانتخابات، ذلك أن توحيد هذه المؤسسات ليس مرتبطاً "بالشرعيات" بقدر ما هو مرتبط بإرادة الشراكة الوطنية. هنا فقط يمكننا أن نحكم على النوايا ويمكننا أن نفهم الفرق بين الدوافع الخاصة للمصالحة والدوافع التي تنتمي لمشروع الاستقلال الوطني ومشروع الشراكة الوطنية وكامل قضية التحرر الوطني للشعب الفلسطيني.
النكبة والانتفاضة والأرض والكوفية
حمادة فراعنة - الأيام
مفردات، أدخلها نضال الشعب العربي الفلسطيني القاموس السياسي العالمي، وغدا لكل مفردة منها مدلول سياسي، ومعنى، وأثر، بدءاً من كوفية أبو عمار التي أشاعها، وعممها شعاراً لفلسطين وللثورة، ولجميع مناضلي الحرية والتقدم ضد الظلم والاستبداد، على امتداد خارطة العالم، مروراً بالنكبة والأرض والانتفاضة.
النكبة معيار المعاناة والتشرد وفقدان الوطن، والعيش في مخيمات اللجوء و"العازة"، واستمرارها يعني أن سلطة الاحتلال القائمة على أرض فلسطين، وحكومة مشروعها الاستعماري التوسعي العنصري الإحلالي الإسرائيلية، ترفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى المدن والقرى التي طردوا منها العام 1948، وتعمل ضد استعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها وفق القرار الدولي 194، فالنكبة هنا تمثل نصف الشعب العربي الفلسطيني المطرود من وطنه فلسطين، والذي لا وطن له سواه.
وإذا كانت النكبة هي المفردة التي تختزل حرمان الشعب الفلسطيني، ومعاناته في المنفى، خارج الوطن، فالانتفاضة هي التعبير عن الثورة الجماعية الشعبية التي فجرها الشعب الفلسطيني داخل الوطن رداً على الاحتلال، ضد العدو الواحد المشترك، من أجل تحقيق الهدف الواحد المشترك، المتمثل بالتخلص من الاحتلال ونيل الاستقلال، واستعادة الكرامة الإنسانية مثل باقي البشر وشعوب الأرض.
والانتفاضة نالت الاهتمام لكونها ثورة الشعب العربي الفلسطيني المدنية، غير العنفية، السلمية، ضد إجراءات الاحتلال والتوسع والاستيطان في مناطق الاحتلال الثانية العام 1967، في الضفة والقدس والقطاع، من أجل جلاء الاحتلال ونيل الاستقلال، وقيام الدولة الفلسطينية المنشودة وفق قرار التقسيم 181.
أما الأرض، ويوم الأرض، فهو التعبير الكفاحي، للشعب العربي الفلسطيني في مناطق 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، كفاحهم من أجل: 1- البقاء على أرض بلادهم، والحفاظ على أرضهم ضد عمليات الاستيلاء والمصادرة، و2- كفاحهم من أجل إلغاء مظاهر التمييز العنصري الواقع عليهم، و3- كفاحهم من أجل تحقيق المساواة الكاملة لهم في وطنهم المصادر والمنهوب.
ولذلك كانت النكبة والانتفاضة ومن بعدهما وقبلهما يوم الأرض، تعبيراً عن مكانة الأرض الوطن في ضمير الشعب وحياته وأمنه واستقراره فالصراع بين المشروعين، المشروع الاستعماري التوسعي العنصري الإسرائيلي، وبين المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني يقوم على مفردتين: الأرض والبشر، المشروع الإسرائيلي يريد سرقة الأرض الفلسطينية، ونهبها من صاحبها الفلسطيني، وبدونه، بطرده خارج وطنه، أو تطويقه والتضييق على من بقي داخل وطنه، على أن يكون معزولاً بدون فعل أو تأثير أو مبادرة، وبدون تطور، أي بدون أن يسمح له بالحياة الطبيعية داخل الوطن محاصراً بالقوانين العنصرية والجدران المتعددة، ولذلك ركّز الفلسطيني داخل مناطق 48، وكثف نضاله، ووحد جهوده لتحقيق كلمة واحدة هي المساواة أسوة باليهود، من حيث العمل والسكن والكرامة والتأمينات الاجتماعية والصحية، أي بما يضمن له الشراكة داخل وطنه بعد التخلص من التمييز والقوانين العنصرية.
بينما ركّز الفلسطيني في مناطق 1967، على جلاء الاحتلال والمستوطنات ونيل الحرية والاستقلال، وكلا البرنامجين المكملين لبعضهما البعض، المساواة داخل 48، والاستقلال لمناطق 67، يوفر الأساس الموضوعي لتحقيق هدف الطرف الفلسطيني الثالث من اللاجئين المشردين في بلاد الشتات واللجوء والمخيمات، وهو عودتهم إلى فلسطين واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها.
النكبة حرمت الشعب الفلسطيني من الأرض، ومن الاستقرار ومن الوطن، والانتفاضة أعادت للفلسطيني حرية خياره عبر النضال لاستعادة الأرض والعودة إلى الوطن، والكوفية هي الشعار والرمز ليس فقط لقائد الشعب الذي فجّر الثورة وقادها وأعاد للفلسطينيين هويتهم المبددة، ووحد مؤسسة نضالهم، ووضعهم على خارطة السياسة الدولية، وأعاد قضيتهم من المنفى إلى الوطن، وترسخت شعاراً ورمزاً وأيقونة لكل الفلسطينيين، بل ولكل أحرار العالم الذين يناضلون من أجل قضية الحرية لكل الشعوب، تضامنهم مع الشعب العربي الفلسطيني، وقضيته العادلة، وانحيازهم لها.
النكبة، الانتفاضة، الأرض والكوفية، صاغت مفرداتها ومضامينها معاناة الشعب العربي الفلسطيني، وتطلعاته، ولكنها لم تعد مفردات مقتصرة على استعمال الفلسطينيين وثقافتهم، بل تعدت ذلك، لتتحول إلى مفردات عابرة للحدود، تسكن ضمير البشرية، لما لها من معان إنسانية خلاقة، ضد الظلم والاحتلال والعنصرية، ومن أجل الإنسان كيفما كان، وأينما كان.
طرطشات
د. فتحي أبو مغلي - الأيام
• وسائل التواصل الاجتماعي مثل "الفيس بوك" و"تويتر" وغيرها كانت إبداعات وُجدت لتسهيل التواصل والتعارف بين الناس ومن أجل تبادل المعلومات ونقل المعرفة، لكن لكل استعمال سوء استعمال، وللأسف فقد أبدع بعض ضعاف النفوس وأصحاب الأجندات المشبوهة ووجدوا ضالتهم في وسائل التواصل الاجتماعي للهدم والتخريب وإسقاط الشبان والشابات، وللإساءة للناس مستغلين قدرتهم على استخدام أسماء وهمية والاختباء وراءها، مشكلة اجتماعية أخلاقية تحتاج لتضافر الجهود من أجل تقليل آثارها على المجتمع وحماية المجتمع والناس من سوء استعمالها.
• وزارة جديدة ووزراء جدد وأفكار وأمزجة مختلفة، وبالتالي تغيرات متوقعة ستمس الأشخاص والمواقع في مختلف الوزارات، هدفها المعلن سيكون توفير أفضل الظروف لتنفيذ برنامج الحكومة الجديدة وإجراء الإصلاحات اللازمة، أما الأهداف الحقيقية فقد لا تتعدى في أفضل حالاتها توزيع مغانم على الاتباع والمؤيدين، أتمنى على حكومتنا الجديدة ووزرائها أن يدركوا أننا لا نملك ترف التمتع بالسلطة ولا ترف ممارسات عشائرية فئوية ضيقة، فنحن في مرحلة تحرر وطني يوجب علينا تعزيز الديمقراطية والمساواة والعدالة لأنها استحقاقات دفع ثمنها مواطننا، شهداء وأسرى وقهراً عمرها عمر سنوات الاحتلال لأرضنا.
• لم تكن أول مرة يتنادى فيها الفلسطينيون لضرورة رفع علم الوطن بدل الإعلام الفصائلية في المناسبات الوطنية المختلفة، لكن حملة "ارفع علم وطنك" التي أطلقها الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية بمحافظة نابلس تكتسي أهمية خاصة، فهي مبادرة تؤكد على دور المرأة الريادي في النضال من أجل الاستقلال وإقامة الدولة الديمقراطية، وفي نفس الوقت تأتي هذه الدعوة في مناسبة أليمة وهي ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني واحتلال ارضه وإلغاء كيانه، وهي المناسبة التي تذكرنا بأننا لا نزال نعيش في ظل ظروف نكبة تفرض علينا المزيد من التكاتف بين كافة فئات الشعب رجاله ونسائه من أجل تصعيد النضال من أجل تقريب يوم الاستقلال وبناء الدولة.
• في ورشة عمل حول حق المستهلك في القطاع الصحي والتي نظمتها جمعية حماية المستهلك في محافظة رام الله والبيرة شاركت فيها نخبة من أصحاب العلاقة من كافة القطاعات الصحية وتم تداول عدة مواضيع تخص المرضى والمواطن بشكل عام، من أهمها التأمين الصحي الإلزامي والأخطاء الطبية والدواء وتوفره وأسعاره ودور الإعلام في تعزيز الصحة. الطريف في ورشة العمل أن الجهة الممولة للورشة كانت شركة لتربية الدواجن.
• الاعتداء على الأرصفة من قبل التجار والباعة المتجولون، ظاهرة مستمرة منذ سنوات في كافة المحافظات، فالرصيف لعرض البضائع والمواطن مضطر للمشي على الشارع جنباً الى جنب مع السيارات، مشهد مؤلم مستمر رغم إعلانات البلديات من وقت لآخر عن حملات لإزالة المخالفات والاعتداءات على المرافق العامة وخاصة الأرصفة، الأكثر إيلاماً من وجود المخالفات هو عجز البلديات وتقصيرها في المتابعة اليومية وعدم منع المخالفة قبل أو لحظة وقوعها بل التدخل فقط عند استفحال المشكلة وصعوبة حلها.
• تشكل زيارة البابا فرنسيس الأول إلى الأراضي المقدسة حدثاً هاماً واستثنائياً، فهي الزيارة الأولى للحبر الأعظم للمنطقة والى فلسطين ـ هذه الزيارة والتي وإن كان طابعها الأساسي دينياً تعبدياً فهي زيارة سياسية وسياحية من الدرجة الأولى، البابا سيوصل رسالة المحبة والتسامح بين الأديان، ونحن لنا رسالة نوصلها لقداسة البابا وللعالم الذي ينتظر الزيارة التاريخية ويتابعها باهتمام، ولا بد أن تكون رسالتنا واضحة حضارية إنسانية، رسالة شعب يدافع عن حقه في الحياة وبمكانه تحت الشمس ضد محتل غاصب، ولا بد من استغلال الزيارة المباركة في تعريف العالم بمواقع فلسطين التاريخية والدينية والسياحية، فماذا حضرنا بهذا الخصوص؟ وأين وزارة السياحة من تحضيرات الزيارة، ولماذا لم تطل علينا وزيرة السياحة ولو مرة واحد لتطلعنا عما حضرنا لاستقبال ضيف فلسطين؟ فنحن أصحاب البيت ومن حقنا أن نعرف.
تغريدة الصباح - أختنا الثالثة....... حسب الله - من يوميات امرأة محاصرة في غزة
سما حسن – الحياة الجديدة
لازلت أعاني من حمى التوجيهي في بيتي، وابني يصر على أن يتحول إلى كائن خرافي مشحونا بالتوتر والخوف والترقب والتوجس والعصبية وغيرها من المشاعر المتضاربة والغريبة عليه، وهو الذي عهدته هادئا، رزينا وواثقا من نفسه، ولكنه تحول وأمام المخاوف التي يزرعها بداخله كل من حوله إلى هذا الكائن الذي يرتجف رعبا كلما تقدمت الأيام نحو امتحانات "المصير" لدرجة أن " الحلاق" أنبه بقوله: وهل لديك الوقت لتأتي وتحلق شعرك؟ يا بني هذه توجيهي وليست " لعب أطفال".
وهكذا أيضا تغيرت شخصية ابني تماما والذي يقبع في البيت منذ بداية شهر أبريل بعد أن أنهى المنهج في المدرسة وبدأت فترة الاستعداد البيتية للامتحانات وانا أجزم أن هذا النظام يعتبر فاشلا حين ينسلخ الطالب ولمدة شهرين واكثر عن المدرسة ليعود لها يوم الامتحان.
لأول مرة اجرب بقاء ابني في البيت وهو الذي اعتاد ان يمضى وقته في المدرسة وفي ملاعب كرة القدم، وصالات ألعاب القوى، ليصبح فجأة داسا لأنفه في كل صغيرة وكبيرة في البيت فهو يتابع تحركاتي في المطبخ، وحين يرن هاتفي يسألني عن المتصل، وحين يرن جرس الباب الخارجي يهرع ليستطلع من القادم على غير عادته، و يتمادى في اهتمامه بأمور البيت لدرجة أن يمسك ب" المنفضة" ويبدأ في نفض الغبار عن الأرائك.
فصرخت به حين رأيته يفعل ذلك وسألته: شو بتعمل؟ فأجابني : بأتسلى..........
ذكرني ابني بمسرحية ريا وسكينة الشهيرة حين أطلقت الاثنتان على زوج " ريا" الذي لا يستطيع أن يفعل شيئا سوى قضاء أمور النساء ودس أنفه بينهما حين تتهامسان سويا حتى كاد يصيبهما بالجنون اسم " أختنا الثالثة حسب الله".
وأصبح ابني في البيت يحمل اسم " أختنا الثالثة حسب الله" بعد أن كان الغائب الحاضر عنه، فهو يتدخل في كل أمر وفي كل موقف حتى حب الشباب الذي تعاني منه شقيقته.
كانت صديقتي تهاتفني بعد غياب لتخبرني أنها تزوجت بأرمل لديه سبعة أولاد بعد أن رفضت باصرار أن تعود لطليقها لأنه تزوج بأخرى وتنازلت عن صغارها الثلاثة، وعندما كنت أسألها بفضول عن بيانات العريس كان" أختنا الثالثة حسب الله" يترك كتابه في غرفته وبسرعة البرق يصبح بجواري ويلصق أذنه بالهاتف وهو يسألني: وشو بيشتغل العريس؟ وعملت عرس وهي قربت من الأربعين ولا لأ، وكيف أولاد العريس معها وووووووووووو
كان ابني يعتبر مثل حديثي هذا في السابق ثرثرة وغيبة ونميمة ولا يتوقف عن القيام بدور الواعظ لكي أكف عن فضولي الأنثوي الذي لا فكاك منه بالطبع، وهذا التغيير الذي يجعلني واخوته نردد في دهشة باستمرار: سبحان مغير الاحوال، بسبب أزمة بحاجة لحل لأننا خلقناها بأيدينا هي " أزمة التوجيهي"!
أزمنة رديئة في "عين الحلوة"
عدلي صادق – الحياة الجديدة
ما يجري في مخيم "عين الحلوة" للاجئين الفلسطينيين، في جنوبي لبنان، يختزل أربعة أزمنة رديئة، في أوقاتنا الراهنة: عربي وفلسطيني، وإسلامي وعلماني. ذلك لأن أرجوحة القتل الدائرة في المخيم، بدأت تنتقل الى مرحلة الدمار الشامل. فقبل نحو أسبوعين، أطلقت النيران على صاحب مقهى يُدعى علاء حجير، سرعان ما قيل إن المستهدف، الذي قضى بعدئذٍ متأثراً بجراحه؛ يتبع ما يسمى "مجموعة بلال بدر"، ولكي يفهم واحدنا من هو بلال بدر هذا، للوقوف على بعض أسباب قتل حجير، علينا أن نكون قد اجتزنا بكفاءة علمية، منهج توجهيي زمان، الذي كنا نتعلم فيه "اللوغاريتمات" ذات الرموز المساعدة على إجراء العمليات الحسابية والرياضية أو التعبير عنها. فلكل رمز أسْ.. بلال بدر، هذا هو حجة من حجج الإسلامويين (25 سنة) يتأبط راية سوداء "قاعدية" في الزمن الحمضي. وتابعه المغدور، صاحب مقهى. أي إن للقاعديين مقاهيهم. وقد خرج مسلح، ربما من مقهى علماني، ليقتل صاحب المقهى الأصولي. وتنشأ مشكلة التشييع، وكيف سيمر بسلام، فيما "بلال" يهدد، ثم تضطر العائلة لأن تعود الى أصول الفلسطيني الأول، فتقول لا انتقام ونحتسب ولدنا شهيداً عند الله. هنا، ليس أوسع من مساحات المقابر ولا من رحمة الله. فقد أراح "علاء" واستراح، لأن الرصاصة إن لم تجئه خضراء إسلاموية، من خصومه في "النصرة" أو "داعش" فإن "فتح الإسلام" أو "عُصبة الأنصار" ستتكفل بها. فـ "الأمير بلال" ومعه ثلاثون "مجاهداً" ممن يخالفون الرهط المؤمن، ويمتشقون رايته نفسها، ينام واحدهم ويقوم، بين عادٍ ومعدوٍ عليه. أما الميدان الذي فيه النصر المؤزر أو الموت الزؤام، فهو المخيم البائس الذي لا تزيد مساحته عن كيلو متر مربع واحد، يتساكن فيه ثمانون ألفاً من البشر الطبيعيين الحالمين بالعودة الى ديارهم، مع عدد متناسل من الأطر والكيانات الميكروسكوبية، التي تبشر بتحرير الأندلس فضلاً عن فلسطين. هناك، تتفاقم حياة الناس، لتصبح أشد مضاضة على النفس من مساكنة محتل واحد غاشم!
تتخذ البنادق والعناوين والأوهام والتمظهرات والأبوات، من مخيم "عين الحلوة" هذا، مسرحاً للنزال. المكان ضيق وليت الحمار هو الرفّاص. فما أعز الحمار في هذا الخضم، وحين يكون الرصاص رفّاصاً أو الشظايا. إن المشتغلين في صناعة سينما رُعاة البقر وسواها في هوليوود، لا يخشون من شرارة خاطئة تصيب مصوراً أو عابر سبيل، لأن المساحة المخصصة للتصوير، تبلغ 65 كيلو مترا مربعا، خالية من الناس، تنفتح عند الاقتضاء على أراضي لوس أنجيلوس في ولاية كاليفورنيا. وقبل إطلاق رصاصة "فشنك" واحدة، تكون قد وُضعت بإحكام، ماكيتات المدن والشوارع على النحو الذي يراعي السلامة. لكن "المجاهدين" و"المناضلين" وطلاب المجد الوضيع، المتعنترين بين الناس في "عين الحلوة" لا يراعون أمراً يتعلق بأمن وحياة البشر المعذبين أصلاً!
لماذا نقول إن ظاهرة العنف في "عين الحلوة" تنتمي الى أربعة أزمان رديئة؟! لأن المعالجة، تضع الفلسطيني بهويته الكُلية، في زمن هؤلاء المعتوهين. فقبل ثلاثة أيام، انتقل الجنون الى طور جديد أكثر خطورة، حين انفجرت في المدخل الجنوبي للمخيم، عبوة ناسفة هائلة الحجم، لشطب عقيد من "فتح" يُدعى "أبو طلال الأردني". بعدها أسمع الشيخ سليم سوسان، مفتي صيدا وجوارها، وفداً فلسطينياً، حديثاً زجرياً قال فيه إن أحداث المخيم "غريبة عن طبيعة الشعب الفلسطيني" ودعا الى تنبه الفلسطينيين "من فتنة قد تُحاك لهم، وتؤدي الى هلاك وضياع وجودهم وقضيتهم المحقة". يتبدى الزمن الفلسطيني الرديء، هنا، حين تقف الفصائل والقوى السياسية ، بلهاء، عاجزة عن تكريس أية منظومة قيمية تكون ناظما لقضايا الحياة وللقضايا الوطنية. يتقاطع مع الزمن الفلسطيني هذا، زمنان في بطنه، أحدهما زمن الإسلامويين الذين لا يحترم بعضهم إسلام البعض الآخر، والثاني زمن العلمانيين الذين لا علم فاعلاً ولا ثقافة وئام، ولا ما يحزنون!
أما الزمن الرابع الرديء، فهو الزمن العربي، الذي يفعل فعل النكوص والتدمير في كل موضع. هو في لبنان، وفي مخيم "عين الحلوة" ينتج عناوين أنباء أغرب من الخيال أو أعجب من حكاية قريتي "إقرث" و"كفر برعم" في الجليل: التوافق على منع فلسطينيي سوريا من دخول المخيم". ودولة لبنان نفسها، ترفض مناشدات المنظمات الإنسانية التي تطالب بالسماح لها بإقامة مشافي ميدانية للاجئين السوريين والفلسطينيين. أزمان تجري في مسارها، وليس من ضليع ولا شفيع!
القتل المتعمد للاطفال جريمة حرب
عمر حلمي الغول – الحياة الجديدة
نشرت الحركة العالمية للدفاع عن الاطفال شريط فيديو يظهر كيفية استشهاد الطفلين نديم نوارة (17 عاما) ومحمد ابو ظاهر (16 عاما) قرب سجن عوفر يوم الخامس عشر من ايار، ذكرى النكبة الـ 66. حيث اوضح الشريط ان الطفلين لم يبادرا لاي عمل يدعو لاطلاق الرصاص الحي عليهما من قبل جنود جيش الموت الاسرائيلي. وكان القتل للطفلين عن سابق تصميم واصرار.
وقال الامين العام المساعد للامم المتحدة للشؤون السياسية اورسكار فرنانديز تارانكو، أن «الامم المتحدة تطالب السلطات الاسرائيلية باجراء تحقيق مستقل وشفاف حول هاتين الوفاتين، وحض اسرائيل على التأكد من احترام قواها الامنية الصارم للمبادئ الاساسية حول استخدام القوة والاسلحة النارية من جانب المسؤولين في قوات الامن»، واضاف « من المقلق جدا ان نلاحظ ان المعلومات الاولية تفيد على ما يبدو ان القتيلين (الشهيدين) كانا اعزلين، ولم يمثلا على ما يبدو اي تهديد مباشر.»
غير ان وزير الحرب الاسرائيلي، يعلون نفى ان يكون قد رأى الشريط، لكنه لمح الى احتمال اجراء تغييرات عليه (بقصد شريط الفيديو) مع ان متحدث باسم الجيش الاسرائيلي اتصلت به رويترز، ولم يشكك في صحة التسجيل المصور. الآ ان ارييه شاليكار، وهو متحدث باسم الجيش، زعم أن «الشريط مفبرك ولا يعكس حقيقة ما حصل خلال اليوم المذكور». واوضح، ان التحقيقات لم تثبت حتى الان « استخدام الرصاص الحي»!؟
بغض النظر عن الرواية الاسرائيلية، وموقفها من الشريط المصور، فان عملية الاعدام للطفلين الفلسطينيين، وهما أعزلان، تعتبر جريمة حرب جديدة، تضاف لجرائم الحرب الاسرائيلية، التي لم تنقطع على مدار عقود الصراع الطويلة. الرد عليها لا يكون كما جاء على لسان مساعد الامين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، الذى بدا ضعيفا لعدة اسباب، منها اولا اسرائيل وحكومتها ليست امينة لاجراء تحقيق مستقل حول عملية الاعدام للطفلين؛ ثانيا بدا الموقف ضعيفا وخجولا، لان صيغته حملت طابع عدم اليقين من عملية الاغتيال للطفلين الفلسطينيين؛ ثالثا جاء الموقف الاممي بعيدا عن الاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقيات جنيف الاربعة، ولم يشر اليها، كما ابتعد عن مواثيق حقوق الانسان. وبالتالي سقط الموقف الاممي في دائرة التهاون تجاه الجريمة الاسرائيلية الجديدة، ولم يرق لمستوى المسؤولية الاممية نحو مصالح وحقوق الفلسطينيين. وكان الاجدر بالامين العام المساعد اوسكار، ان يتبنى خيار تشكيل لجنة تحقيق اممية لتحميل حكومة نتنياهو المسؤولية المباشرة عن جريمة الحرب المذكورة، وتبني اصدار قرار اممي يدين الجريمة بالحد الادنى.
وعلى القيادة الفلسطينية وجهات الاختصاص في مجال حقوق الانسان ملاحقة القضية، وطرحها امام لجنة حقوق الانسان الاممية وكل المنابر ذات الصلة لفضح وتعرية دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، وملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين من المؤسسة العسكرية في اللحظة السياسية المناسبة.
اضف لذلك مطلوب من القيادة طرح الموضوع على اقطاب الرباعية الدولية وتحديدا الولايات المتحدة وتوزيع الشريط على اوسع نطاق داخل مؤسسات صنع القرار فيها بما في ذلك الكونغرس ومراكز الابحاث، ومطالبتها بمواقف من جريمة الحرب الجديدة، والكف عن دعم السياسات الارهابية والعنصرية لحكومة الحرب الاسرائيلية.
فضح جريمة اسرائيل وجيشها اولوية فلسطينية قصوى، وعلى الدول العربية منفردة ومشتركة مسؤولية ايضا في تبني الموقف الفلسطيني لتعزيز المعركة في مواجهة استباحة الدم الفلسطيني من قبل جيش الموت الاسرائيلي وقطعان المستعمرين. ولا يجوز الصمت على الجريمة تحت اي صيغة او معيار.
كتب نوارة وأبو الظاهر... وجيل النكبة
موفق مطر – الحياة الجديدة
رغم قناعتنا ان الجريمة كانت ارهابا منظما وممنهجا, نستطيع وصفها بجريمة قتل عن سابق تصميم وترصد, إلا ان الشريط المصور بكاميرا مراقبة في احد المحلات التجارية الفلسطينية بالقرب من حاجز عوفر الاحتلالي, بات دليل اثبات على جريمة جيش الاحتلال بحق شباب فلسطين, فالشهيدان نديم نوارة ومحمد أبو الظاهر طالبان في الصف الحادي عشر, حملا كتبهما وتوجها مع جموع جماهير فلسطينية لإحياء ذكرى النكبة التي لحقت بأجدادهم في الخامس عشر من الشهر الحالي.
لم يرق لجنود الاحتلال, احفاد رجال العصابات الصهيونية الذين ارهبوا الفلسطينيين عام 1948 بجرائمهم المنظمة ضد المدنيين الأبرياء واجبروهم على الهجرة, لم يرق لهم مشهد الطلبة احفاد الفلسطينيين المنكوبين وهم يحيون الذكرى بكل شجاعة وصلابة, والرغبة بالمواجهة بصدور عارية إلا من الايمان بحقهم في ارضهم وطن آبائهم وأجدادهم.
لم يتأذى جنود الاحتلال من حجارة الشبان.. وإنما من الكتب المدرسية التي حملها الطلبة في جعبهم على أكتافهم، فأمر قادتهم - كما يبدو- بإطلاق النار بقصد القتل, وإرهاب جيل الشباب, فهؤلاء الطلبة يشكلون خطرا على المشروع الاحتلالي الاستيطاني في المدى القريب, فقادة جيش الاحتلال العاملون على دراسة علم النفس والمجتمع لدى الفلسطينيين يظنون ان القتل المباشر افضل طريقة لإرهاب اجيال الفلسطينيين, فجنرالات جيش الاحتلال ورثة المفاهيم الخاطئة عن طبيعة شعب فلسطين, ظنوا ان هذا الجيل هو ( جيل النسيان ) الذي تحدث او كتب عنه مؤسسو الحركة الصهيونية، فإذا بهم أمام جيل جريء, واع, متعلم, يعرف هدفه بدقة، الفتاة والشابة الى جانب الفتى والشاب, والجميع ينادي : «هذه أرضنا.. والعودة والحرية والاستقلال حقنا «.
أخطأ جنرالات الاحتلال في حساباتهم, فالذين أمروا بهذه الجريمة كان عليهم معرفة حقيقة وهي ان جيل الحرية والاستقلال الفلسطيني, متقدم على جيل النكبة في صياغة معنى الوطن والعلاقة بين الأرض.
أ سقطنا زمن خضوع الانسان للإرهاب بالضربة القاضية, وما على قادة الجنرالات السياسيين إدراك حقيقة بوجه واحد, وهي ان السلام على اساس قيام دولة فلسطين الحرة المستقلة ذات السيادة بعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 هي الحل لإنهاء الصراع, ومنع نزيف الدماء بالعنف, والحفاظ على كرامة الانسان دون تمييز بسبب انتمائه أو دينه, وإلا فان الاسرائيليين سيجدون انفسهم في يوم قريب أنهم رعايا دولة عنصرية فعلا !!.
سنشهد جرائما من هذا النوع مادامت دولة الاحتلال خارجة على القانون الدولي,.. لكن هذا لن يمنعنا من استخدام حق دولة فلسطين بملاحقة المجرمين, فالفاعل ارتكب جريمته امام عدسات الصحفيين, وهذا ما يؤكد أن الارهاب هدف قادة الاحتلال من هذه الجريمة, كما تعكس رغبتهم برفع كلفة المقاومة الشعبية السلمية.
مخاض قومي عسير
خيري منصور – الحياة الجديدة
تتعدد الأسماء والعناوين لهذه الآونة الحرجة التي يعيشها العالم العربي، فهي ربيع لدى البعض، وخريف لدى آخرين، وفصلٌ خامس خارج التقاويم لدى فئة ثالثة، تماما كما دار سجال ذات يوم حول حراكات اجتماعية وسياسية بدءا من مصر ومنها حركة عرابي التي سماها البعض "هوجة"، وأصر آخرون على أنها ثورة، وبمعزل عن التسميات التي تجرنا إلى التجريد وبعيدا عن الواقع فإن ما يحدث في هذا العالم العربي هو مخاض وهو عسير أيضا.
لهذا لجأ البعض إلى عمليات قيصرية منها ما أمات الجنين في الرحم، ومنها ما أوشك أن يقتل الأم وهي الدولة.
والمخاض بالمعنى التاريخي لا العضوي له مواصفات وحيثيات أخرى، لأن فترة الحمل قد تدوم أعواما أو عقودا. ويشترط هذا الحمل أولا وجود قابلة قانونية أمينة كي لا تستبدل الجنين أو تخنقه.
وقد أدى تراكم المكبوتات في مختلف مجالات حياتنا إلى اندلاع غير مقنن وغير محسوب لأن ما حدث بالفعل هو تزامنٌ مثير بين انفجارات عدة.
وواقعٌ بهذا التعقيد لا يقبل الاختزالات النخبوية في تعريفات محددة، لأنه من الصعب القبض عليه ووضعه بين أقواس. فالمفاجآت لم تتوقف بعد والبراكين الهاجعة لا يراهن عليها.
والخلاصة إن كان لمثل هذه التعقيدات من خلاصة، هي أن ما يجري هو مخاض عسير، بل بالغ العسر وقد يموت الجنين أو حتى عدة توائم لكن الأم باقية، ولن تتوقف عن الحمل والولادة حتى القيامة.
وما يقوله الأطباء أحيانا عن الحمى باعتبارها بشارة حياة لأن الموت بارد يليق أيضا بالمطارحات السياسية، فالوطن العربي رغم كل ما عصف به من متغيرات وخلافات بينية وتشظية طائفية لا يزال متشبثا بالقواسم المشتركة. تاريخيا وذاكرة وثقافة وأمنا مشتركا وأحلاما، وبعد مرور ما يقارب القرن على سايكس بيكو، لم يفقد هذا العالم قواسمه المشتركة، مما أفسد كل الرهانات على غروبه وتحوله إلى رجل مريض مسجى على مائدة وتتوغل فيه المباضع والسكاكين!
والنخبة كما نتصور لها دور آخر غير دور الغراب الذي ينتظر الأطلال كي ينعق فوقها! لأن النخبة لا جدوى منها في السراء حين يكون الناس منصرفين إلى شجونهم الخاصة. لكن ضرورتها القصوى تأتي في الضراء أو كما قال الشاعر في الليلة الظلماء يفتقد البدر.
فأين هو البدر الآن؟ إننا نريد هلالا واحدا منه، فهل هو في إجازة طويلة أم رحل إلى مجرة أخرى؟
عن "الخليج الاماراتية"
المصالحة رداً على النكبة
أحمد مصطفى علي – الحياة الجديدة
تؤكد كثافة المشاركة الفلسطينية في إحياء الذكرى الـ 66 للنكبة، في الداخل الفلسطيني والشتات حول العالم، من خلال المسيرات والاعتصامات، أن هذا الشعب مصمم على العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس، على الرغم من عنجهية ونرجسية الكيان الصهيوني، وإجراءاته غير المسبوقة لتكريس احتلاله، ومحاولاته المستميتة لشطب كل ما يمت لعروبة فلسطين بصلة، وآخرها مطالباته المتكررة بالاعتراف بما يسمى "يهودية الدولة".
الشعب الفلسطيني، الذي يؤكد مراراً أن العودة حق مقدس كفلته المواثيق والقرارات الدولية، ويرفض التنازل عنه تحت أي ضغط أو مغريات، متشبث بمواصلة نضاله حتى تحرير كل شبر من فلسطين وإنجاز أهدافه الوطنية وإنهاء تشرده الذي تسببت به جريمة العصر، ويدرك تماماً أن العودة حق فردي وجماعي لا يسقط بالتقادم، وأن لا أحد يستطيع المس به، وأنه لا أمن ولا سلام ولا استقرار، من دون أن يستعيد كامل حقوقه الوطنية المغتصبة بعد أن تآمرت عليه كل قوى البغي والطغيان.
مفاتيح المنازل القديمة التي لا يزال الفلسطينيون يحتفظون بها، والأعلام السوداء الخاصة بحق العودة، تثبت أنه مهما تكالبت أمم الأرض ضد هذا الشعب المكافح وألحقت به النكبات، فإنه لن يتنازل عن حقوقه الثابتة وتقرير مصيره، وأنه ماض في كفاحه البطولي وصموده الأسطوري حتى يمحو آثار هذه المأساة، التي نجمت عن وعد بلفور المشؤوم، ويحقق مبتغاه في وطن حر كريم، مهما طال الزمن أو قصر.
المجتمع الدولي مطالب بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني الذي يئن تحت وطأة الاحتلال، ومطالب بتمكينه من الحصول على كامل حقوقه الوطنية المشروعة، وفي المقدمة منها حق العودة إلى دياره التي شرد منها عام 1948 وتقرير المصير وإنهاء المأساة المتواصلة التي يعيشها في كل بقاع الأرض ومخيمات اللجوء.
ما يزيد أهمية حق العودة، الجهود المبذولة لترتيب البيت الداخلي، وإنجاز المصالحة الوطنية وإعادة اللحمة بين مكونات الشعب الفلسطيني، وقضية الأسرى في سجون الاحتلال، وفي المقدمة منهم الأسرى الإداريون ممن يواصلون خوض معركة الأمعاء الخاوية، رفضا لسياسة الاعتقال الإداري.
حان الوقت لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية لتحقيق طموحات شعبه ومواجهة أصعب وأشرس هجمة في تاريخ قضيته بموقف موحد، لأن الإرادة الفلسطينية مرتبطة على الدوام بالحق، والشعب الفلسطيني رغم كل ما يتعرض له من حصار ومحاولات اقتلاع سيصمد، وسينتزع حقوقه في الحرية والاستقلال وسيرحل المحتلون في نهاية المطاف، لأنهم ليسوا أصحابها ولا أهلها مهما فعلوا.
قدم الشعب الفلسطيني تضحيات جسيمة مكنته اليوم من أن يرسم لنفسه مكاناً على خارطة السياسة الدولية ويستمر في هذا الجهد حتى تصبح فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وإيجاد حل لقضيته العادلة، التي يحاول عدوه المراوغة في المفاوضات وإفشالها بتكثيف الاستيطان وتسريع عمليات تهويد ما تبقى من الأرض المحتلة، ولعل المصالحة وتوحيد الفصائل هو الرد العملي المناسب للخطوات العدوانية الصهيونية، لأنها أهم وأبرز العناصر التي تحافظ على شعلة النضال الفلسطيني متقدة للوصول إلى تحقيق أهدافه المشروعة.
عن "الخليج الاماراتية"