Haneen
2014-12-18, 12:20 PM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
السبت
24/5/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
Ø معازل نتنياهو وبينيت !!
بقلم: حديث القدس – القدس
Ø زيارة البابا فرنسيس الأول ... رسالة سلام ومحبة ودعم للبسطاء والمساكين
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
Ø مدرسة "راهبات الوردية" ...بين التمسك بالقوانين .. ومراعاة مشاعر الآخر!
بقلم: عزام توفيق ابو السعود – القدس
Ø عن استئناف عملية المصالحة في فلسطين
بقلم: ماجد عزّام – القدس
Ø خريف عربي وربيع اسرائيلي
بقلم: يوسف قطينة – القدس
Ø بالجرم المشهود
بقلم: حسن البطل – الايام
Ø البعد العربي للقضية الفلسطينية مغيب!!
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
Ø الفلسطينيون بين خطابين: إذا أردتم تثبيت الناس لا تنظروا إلى نصف الكأس الفارغ فقط
بقلم: حسين حجازي – الايام
Ø لماذا التأخر في نيل عضوية بقية المنظمات الدولية؟
بقلم: صادق الشافعي – الايام
Ø الوطن بحاجة لحلول إبداعية وليس عناوين براقة
بقلم : صلاح هنية – الايام
Ø إلى قمة "الإيفرست"
بقلم: رامي مهداوي – الايام
Ø زيارة البابا
بقلم: وليد بطراوي – الايام
Ø تغريدة الصباح - شكوى لله "الصمد"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
معازل نتنياهو وبينيت !!
بقلم: حديث القدس – القدس
مرة أخرى يثبت رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يتخبط سياسيا ولا يمتلك أية رؤية لإيجاد حل عادل ودائم وان ما يهمه هو تكريس احتلال أجزاء واسعة من الضفة الغربية وحشر الفلسطينيين في معازل وكانتونات محاصرة برا وجوا وبحرا وتابعة اقتصاديا للاحتلال الاسرائيلي، في محاولة لتخليص اسرائيل من الأعباء التي يفرضها القانون الدولي على دولة الاحتلال معتقدا أو واهما ان السلطة الوطنية والشعب الفلسطيني يمكن ان يقبلا بمثل هذه الاجراءات التي أعلن في اسرائيل امس أنه يدرسها بهدف التخلص من المناطق المكتظة بالفلسطينيين وبحيث تتحمل السلطة الوطنية المسؤولية عن الوضع في مثل هذه المناطق.
إن أقل ما يمكن ان يقال بهذا الشأن ان نتنياهو يذكرنا بذلك بنظام التمييز العنصري الأبارتهايد - في جنوب افريقيا والمعازل التي حشر فيها ذلك النظام العنصري البائد السود وألحق بهم ظلما تاريخيا على مدى عقود مع الفوارق طبعا بين الجاليتين، كما يذكرنا بالكثير من الاحتلالات وما مارسته من تمييز وقمع وظلم.
ولا يختلف حال نتنياهو عن حال أحد أقطاب حكومته وزير الاقتصاد المتشدد بينيت الذي دعا الى ضم المناطق "ج" الى اسرائيل ولا عن حاخامات ومتطرفي ومستوطني نتنياهو الذين يدعون لتوسيع الاستيطان وتكريس الاحتلال وتهويد القدس، في أبشع ما يمكن للنفس البشرية ان تتخيله من ممارسات لا أنسانية وانتهاكات فظة واستلاب لحقوق شعب بأكمله.
ان ما يجب ان يقال لنتنياهو وبينيت وكل المتطرفين في اسرائيل انهم يخطئون خطأ جسيما اذا ما توهموا أو اعتقدوا ان فلسطين التي اعترف بها المجتمع الدولي قابلة للقسمة والضم والتنازل أو اذا ما تهيأ لهم ان من حقهم الاعتداء بهذا الشكل السافر على حقوق شعب فلسطين وأراضي دولة فلسطين التي تشمل حسب قرارات الشرعية الدولية كامل الأراضي المحتلة من العام 1967 وفي مقدمتها القدس العربية.
ولتذكير بينيت ونتنياهو ، فإن كل قرارات المصادرة والضم والاستيطان تعتبر باطلة وغير مشروعة في نظر القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ولن تغطي وقاحة من يريد التصرف بحقوق وممتلكات شعب آخر على حقيقة هذا البطلان ولا على حقيقة تمسك شعبنا بكامل حقوقه المشروعة وسيواصل مسيرته الشاقة والطويلة حتى ينتزع حقه في الحرية والاستقلال.
والأغرب ان يحاول نتنياهو وبينيت تسويق مخططاتهما الاستعمارية هذه تحت ذريعة فشل مفاوضات السلام ومحاولتهما تحميل الجانب الفلسطيني المسؤولية، فالذي يسعى لتحقيق السلام لا يلجأ الى الاستيطان والضم والمصادرات وحرمان شعب بأكمله من حقوقه ولا إلى مثل هذه الانتهاكات الفظة للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية.
ويجب على نتنياهو وبينيت وأمثالهما ان يدركا ان ليس من حقهما التصرف في حقوق وممتلكات شعب آخر ودولة أخرى وأن من الأجدر بهما أن يدركا ان عزلة اسرائيل دوليا وتنامي دعوات المقاطعة ضدها ورفض العالم العربي والإسلامي لإقامة علاقات طبيعية معها إنما سببه مثل هذه السياسة التي تهدد الأمن والاستقرار وتعبر عن عهود احتلال عفا عليها الزمن ولم يعد العالم يقبل بها، وعليهما ان يتذكرا ان الشعب الفلسطيني سيرفض أية مخططات أو حلول لا تلبي حقوقه الثابتة والمشروعة.
زيارة البابا فرنسيس الأول ... رسالة سلام ومحبة ودعم للبسطاء والمساكين
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
الزيارة التاريخية التي سيقوم بها قداسة البابا فرنسيس الأول إلى الأراضي المقدسة والمملكة الأردنية الهاشمية والتي تبدأ اليوم السبت الرابع والعشرين من أيار الجاري حيث سيبدأ بزيارة الأردن أولا حيث ستهبط الطائرة التي تقل قداسته في مطار الملكة علياء الدولي في العاصمة الأردنية عمان في الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم السبت، حيث سيقام له حفل استقبال رسمي في القصر الملكي في عمان ويلتقي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وعقيلته الملكة رانيا العبدالله وكبار المسؤولين الأردنيين.
وتأتي زيارة قداسة البابا فرنسيس هذه وذلك بمناسبة الذكرى الخمسين للقاء قداسة البابا بولس السادس والبطريرك أثيناغوارس الأول بطريرك القسطنطينية في القدس في شهر كانون الثاني من عام 1964 وذلك خلال زيارة البابا بولس السادس للأراضي المقدسة.
وقد كانت زيارة قداسة البابا بولس السادس للقدس قبل خمسين عاما غاية في الأهمية حيث وجهت تلك الزيارة آنذاك أنظار المؤمنين في العالم إلى أهمية القدس الدينية، كما أن تلك الزيارة أفضت إلى تحقيق التقارب المسيحي وذلك عبر اللقاء التاريخي بين قبطي الكنيسة الكاثوليكية البابا بولس السادس والأرثوذكسية البطريرك أثيناغوراس وأيضا ساهمت بكل الزيارة في بدء الحوار الإسلامي المسيحي.
وسيلتقي البابا فرنسيس الأول في الأردن لاجئين فلسطينيين مقيمين في الأردن بالإضاقة إلى مجموعة من الشباب الأردنيين وعدد من ذوي الإحتياجات الخاصة وذلك في كنيسة اللاتين في بيت عنيا عبر الأردن "وذلك شرقي نهر الأردن في موقع المعمودية المغطس". وسيقيم البابا فرنسيس قداسا إلهيا في استاد عمان الدولي ويوم غد الأحد يغادر البابا فرنسيس الأردن إلى مدينة المهد حيث سيقام له استقبال رسمي في القصر الرئاسي في بيت لحم، وسيكون على رأس مستقبليه في القصر الرئيس محمود عباس وكبار رجالات السلطة الفلسطينية. ويترأس الحبر الأعظم في الساعة الحادية عشرة صباحا قداسا إلهيا في ساحة كنيسة المهد يعقبه تلاوة البابا صلاة "إفرحي يا ملكة السماء" وسيقوم البابا بزيارة مغارة الميلاد في بيت لحم، وسيلتقي أطفالا من مخيمات الدهيشة وعايدة والعزة.
وسيلتقي غدا الأحد البابا فرنسيس في الرسولية في القدس مع بطريرك القسطنطينية المسكوني حيث سيوقع الإثنان على بيان مشترك، وفي الساعة السابعة مساء سيعقد لقاء مسكونيا في متابعة الذكرى الخمسين للقاء البابا بولس السادس والبطريرك أثيناغوراس وسيكون اللقاء في كنيسة القيامة في القدس.وفي اليوم الأخير من الزيارة أي يوم الإثنين بعد غد سيزور البابا فرنسيس مفتي القدس والديار الفلسطينية في المسجد الأقصى، كما سيقوم عصر يوم الإثنين بزيارة بطريرك القسطنطينية في المبنى المجاور للكنيسة الأرثوذكسية على جبل الزيتون في القدس، وسيستقبل أيضا الكهنة والرهبان والراهبات والطلاب الإكليريكيين في كنيسة الجسمانية في جبل الزيتون، وفي الساعة الخامسة والدقيقة العشرين يترأس القداس الإلهي مع رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة والوفد البابوي المرافق له في القدس.
وهذه اللقاءات والزيارات والقداديس والصلوات تأتي إلى جانب لقاءاته مع مسؤولين ورجال دين يهود حيث سيلتقي رئيس اسرائيل شمعون بيرس في مقره الرئاسي في القدس الغربية، كما سيلتقي رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو في فندق النوتردام في القدس، كما سيلتقي الحاخامين الأكبرين لإسرائيل وسيزور أيضا حائط البراق، ومساء يوم الإثنين يغادر البابا عائدا الى روما بالطائرة من مطار اللد.
وهكذا يتضح أن برنامج زيارة البابا فرنسيس الأول للأردن والأراضي المقدسة حافل باللقاءات مع كبار المسؤولين السياسيين الأردنيين والفلسطينيين والإسرائيليين وكذلك لقاءات مع رجال الدين المسيحي من مختلف الطوائف إضافة إلى لقاءات مع رجال الدين الإسلامي والمسيحي. هذا عدا عن لقاءاته مع مجموعات شبابية ومن أطفال المخيمات في الأردن والضفة الغربية وذوي الإحتياجات الخاصة.
ومن هنا تكتسب زيارة البابا أهمية كبرى حيث أنه يحمل رسالة سلام ومحبة وإفاء وتعاون بين الديانات السماوية الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية. وما أحوج أرض السلام اليوم إلى هذا السلام المفقود حيث أن مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية وصلت إلى طريق مسدود جراء رفض الحكومة الإسرائيلية الوفاء بالتزاماتها تجاه عملية السلام وإصرارها على الإستمرار في سياسة التوسع الإستيطاني، حيث أن البناء الإستيطاني الإسرائيلي فوق الإراضي الفلسطينية وراء تخريب وإفشال المفاوضات، كما صرح بذلك دبلوماسيون أميركيون رفيعو المستوى إلى صحفي اسرائيلي بارز وفق ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" ورغم عدم الإفصاح عن هوية أولئك المسؤولين الأميركيين فإنه يفترض على نطاق واسع أن أحدهم هو مارتن إنديك مبعوث الإدارة الأميركية لعملية السلام. وقد يكون الرئيس أوباما نفسه، وهذا الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات حمل الرئيس أوباما إلى صرف النظر عن عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وتوجيه وزير خارجيته جون كيري إلى التركيز على الملف النووي الإيراني والأزمة الأوكرانية. كما أن هذا الفشل حمل مارتن أنديك إلى العودة إلى معهد بروكينغينر حيث كان يعمل نائبا لمدير هذا المعهد.
ولا شك أن البابا فرنسيس باعتباره رجل سلام سيناقش مع المسؤولين العرب والإسرائيليين ورجال الدين من مختلف الطوائف مسألة دفع مسيرة السلام إلى الأمام، وسيحث الجميع على العمل من أجل هذا السلام المنشود وإنهاء الصراعات والنزاعات في هذه الأرض المقدسة خاصة وأن الديانات السماوية تدعو إلى الإخاء والمحبة والسلام وتنبذ العنف وسفك الدماء وتحترم النفس الإنسانية وتحرّم الإعتداء عليها بأي شكل من الأشكال. والمعروف عن البابا فرنسيس الأول أنه المدافع عن السلام والبساطة والفقراء.
ومعروف أن البابا فرنسيس الأول التواضع ودعم الحركات الإنسانية والعمل على تحقيق العدالة وتشجيع الحوار والتواصل مع مختلف الثقافات وهو أول بابا من أمريكا الجنوبية والأرجنتين حيث غالبية سكان دول تلك القارة من البسطاء والفقراء والكادحين، وكان وثيق الصلة بأولئك البسطاء والفقراء والكادحين، ولذا أقام في بيت القديسة مارثا لافي المقر الرسمي في القصر الرسولي.
ولأنه نشأ في أسرة فقيرة حيث كان والده عاملا في السكك الحديدية فإنه أحس بآلام الفقر وأصبح نصيراً للفقراء والمساكين، ولذا تسمى باسم فرنسيس اقتداء بالقديس فرنسيس الأسيزي الذي بزغ نجمه في القرن الثالث عشر الميلادي والذي ترك حياة الترف واختار حياة الزهد وترك عائلته وأصدقاءه وبدأ بالدعوة إلى مساعدة الفقراء. ومن هنا جاء حرص البابا فرنسيس على مقابلة أطفال من المخيمات في الأردن وفي بيت لحم والتقائه بذوي الحاجات الخاصة. ولذا قال الرئيس باراك أوباما عقب اختيار البابا فرنسيس مباشرة أن هذا البابا الجديد يحمل رسالة المحبة التي ألهمت العالم منذ أكثر من ألفي عام.
ومن هذا المنطلق فإن البابا فرنسيس اختار موضوع "الحماية" ليكون موضوع عظته الأولى التي ألقاها في الوفود التي شاركت في حفل تنصيبه في ساحة القديس بطرس بروما في التاسع عشر من آذار عام 2013 حيث دعا فيها الجميع ممن لديهم مناصب مسؤولة في الميادين الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ليكونوا حماة الخلق والبيئة والأطفال والمسنين والمحتاجين، كما دعا إلى التصدي لعلامات الدمار في الخلق.
ولا شك أن لقاء البابا فرنسيس بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس محمود عباس ورجال الدين الإسلامي في الأردن وفلسطين ستثري الحوار الإسلامي المسيحي وستؤكد على روابط المحبة والإخاء والتعاون بين أتباع الديانتين السماويتين الإسلام والمسيحية، خاصة في هذا الوقت الذي يرتكب فيه متشددون ومتطرفون إسلاميون جرائم ضد الأشقاء المسيحيين وضد كنائسهم في سوريا والعراق ومصر. حيث أن الإسلام يبرأ من كل تلك الإعتداءات وقد اعتبر القرآن الكريم النصارى الأقرب مودة للمسلمين حيث قال عز وجل في سورة المائدة " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون" ولا شك أن الأخوة الإسلامية المسيحية تتجلى في أروع صورها في المجتمع الفلسطيني، فهو مجتمع متحاب متآخ متعاون لا يعرف التعصب المذهبي ولا الديني ولا العرقي، فالمسلم يحترم المسيحي وكذلك المسيحي يحترم المسلم والكل يؤدي شعائره الدينية في أجواء من المحبة والرحمة، فتجد الكنيسة إلى جوار المسجد ويتشارك أبناء الشعب الواحد في الأفراح حيث يتبادلون الزيارات والتهاني وكذلك في الأتراح حيث يتشاركون في الأحزان ويواسي بعضهم بعضا والكل يشارك في بناء الوطن.
ولا شك أن الرئيس محمود عباس يمثل القدوة في العلاقة الأخوية بين المسلمين والمسيحيين فهو يشارك شخصيا في احتفالات أعياد الميلاد المجيد في مدينة بيت لحم ويحضر الصلوات والقداديس التي تقام في تلك الأعياد ويقدم التهاني لرجال الدين المسيحي، كما أنه أمر بأن تكون تلك الأعياد عطلا رسمية في الدولة الفلسطينية.
وختاما فإننا إذ نرحب بزيارة البابا فرنسيس وصحبه وخاصة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي أصر على مرافقة البابا في زيارته للأردن والأراضي المقدسة رغم الحملة الشديدة التي شنت عليه من بعض الأوساط اللبنانية، وقد أشاد الرئيس عباس بخطوة البطريرك الراعي باعتبارها دعما للشعب الفلسطيني وفاتحة لزيارات للعديد من الإخوة العرب والمسيحيين وغير المسيحيين. والله الموفق
مدرسة "راهبات الوردية" ...بين التمسك بالقوانين .. ومراعاة مشاعر الآخر!
بقلم: عزام توفيق ابو السعود – القدس
أتردد كثيرا كل عام ، وعند حلول موعد حفل التخرج السنوي لمدرسة راهبات الوردية، في الكتابة حول موضوع مقاطعة او حرمان من تصر من خريجات هذه المدرسة، من المشاركة في حفل التخرج اذا اصرت على ارتداء الحجاب الشرعي الإسلامي!
واليوم اريد مناقشة هذا الموضوع، رغم حساسيته، بطريقة عقلانية آمل من كل من ادارة المدرسة وأهالي الطالبات أن يفتحوا صدورهم وقلوبهم لهذا النقاش برحابة صدر وعقلانية، نحن بحاجة اليها دوما في تعايشنا الاسلامي المسيحي النموذجي عبر العصور، وعبر الف وأربعمائة عام مضت في هذه المدينة المقدسة، وعلى هذه الأرض المقدسة!
أولا : مدارس الراهبات في بلادنا لها تقاليدها واساليبها وطرقها ومعاييرها وزيها الخاص التي تريد أن تتمسك بها، وهذا حق طبيعي لها لا يختلف عليه اثنان، ومن يرسل ابنته الى احدى مدارس الراهبات يجب أن يعرف مقدما أن عليه أن يلتزم بتقاليدها، فإن كانت هذه المعايير وهذا الزي لا يعجب بعض أولياء أمور الطالبات فليجد لإبنته مدرسة أخرى يعلمها بها ...
ثانيا : منذ بدء إنشاء مدارس الراهبات، او المدارس التابعة للأديرة والطوائف المسيحية المختلفة في القدس وفلسطين، وبعضها تجاوز وجودة أكثر من قرن أو على الأقل عدة عشرات من السنين في القدس خاصة، وفي فلسطين عامة، وأكثر طالباتها من الفتيات المسلمات، اللواتي يستطيع أهلهن دفع اقساط التعليم المرتفعة لها، باعتبار أنها مدارس خاصة ، وذات جودة تعليمية أو اجتماعية متميزة، فهي وإن كانت قد أنشأت أصلا كمدارس ارساليات دينية، الا أن تركيبة المجتمع المقدسي، او الفلسطيني الديمغرافية، جعلتها تقبل الفتيات المسلمات، لأن الطوائف المسيحية شكلت في اعلى نسبة لها عام 1920 ما نسبته 20% من اجمالي السكان، وتتراجع هذه النسبة مع الأسف عاما بعد عام، حتى وصلت الآن الى اقل من 2% من اجمالي السكان العرب في القدس! ولهذا لن تستطيع هذه المدارس الاستمرار دون قبول الطالبات المسلمات اللواتي يشكلن الآن معظم طالبات هذه المدارس!
ثالثا : مدارس الراهبات في بلادنا تلتزم بالقوانين التعليمية المعمول بها في البلاد ولذلك فهي تدرس مادة التربية الاسلامية للطالبات المسلمات، كما تعطي دروسا في الدين المسيحي للطالبات المسيحيات...
رابعا : تطورت الملابس التقليدية في القدس عبر السنين، فقد كنا نرى المرأة المسيحية والمسلمة في القدس على حد سواء، يلبسن " الملاية الزم" في بداية القرن، ويغطين وجوههن بالمنديل او الغربال وهن في الطريق، ومع بدء حركات تحرر المرأة من الحجاب في نهاية العشرينات من القرن المنصرم، على يد رواد ورائدات تحرر المرأة في مصر وفلسطين ولبنان، بدأت النساء المسيحيات والمسلمات يتجهن الى الخروج من بيوتهن سافرات، وبات" الايشارب" مثلا ملازما لكبيرات السن، او الباحثات عن الموضة، التي يشكل الايشارب الخفيف عنصرا مكملا لها.. لكن المجتمع الإسلامي تغير في السنوات الخمس عشرة السابقة، فباتت نسبة النساء اللواتي يرتدين الحجاب في تزايد مستمر، فبعد أن كانت معظم الفتيات المسلمات سافرات باتت الأن معظمهن محجبات .. وبات الحجاب ظاهرة اجتماعية أكثر منه ظاهرة دينية ، واصبح الحجاب مظهرا للبيئة المجتمعية لكثير من الأسر المسلمة التي تبغي ملبسا أكثر احتشاما!
خامسا : لباس الراهبات أيضا هو لباس يوحي بالإحتشام والاحترام ، والراهبات يميزن أنفسهن بهذا اللباس، أو المسوح الديني الذي يتضمن غطاء للرأس والشعر، هو أكثر حشمة وصرامة من الحجاب الإسلامي ... خاصة أن كثيرا من الفتيات المسلمات يلبسن الملابس العصرية ويغطين رؤوسهن بحجاب، وفي هذا تناقض أكبر بين الموضة والتحرر والتدين والتحجب!
سادسا : فتيات مدرسة الراهبات المحجبات اللواتي يعرفن ويلتزمن بقانون المدرسة، يقمن بنزع حجابهن عند دخولهن الى المدرسة ، وتلبسنه عند خروجهن منها الى الشارع، اما داخلها فيلتزمن باللباس المدرسي بدون غطاء رأس رغم وجود بعض الاساتذة او الحراس من الذكور، أو زيارات بعض الموجهين التربويين لصفوفهن!
سابعا: نظرا للنقص الحاد في عدد المدارس في القدس، فقد توجه االبنك الاسلامي للتنمية للمساعدة في حل هذه المشكلة ، وقدم دعما سخيا للمداس الخاصة ، ومنها مدارس راهبات او مدارس تابعة لكنائس مسيحية، مما مكنها من االتوسع وتقديم خدمات تعليمية أفضل لنا نحن المقدسيين بغض النظر عن انتمائنا الديني سواء كان مسلما أو مسيحيا، فالمهم كان هو خدمة الطالب العربي او الطالبة العربية في القدس! ولم يشترط البنك الاسلامي أو يلزم أية مدرسة راهبات بالسماح للفتيات المسلمات بلبس الحجاب كشرط للمنحة!
ثامنا : أسفت جدا لما حدث من تصعيد لهذا الموضوع في الأسبوع المنصرم، والى مظاهرة للطالبات وأولياء أمورهن وبعض الشخصيات، وأسفت أكثر لما كتب عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، وخاصة "الفيس بوك"، مما كتبته فتيات مسيحيات او مسلمات في تبادل كلمات توحي بعنصرية بغيضة، ليست موجودة في مجتمعنا، ولا نريد لها أن توجد، ويجب أن توئد في عقر دارها، فهذا بالضبط ما يريده الاسرائيليون منا، أن نتصارع طائفيا ومجتمعيا، في ظل مجتمع نفتخر دوما بنموذج القدس للتعايش بين الأديان، ونتباهى بهذا النموذج الفريد، ولا نريد أن تنقلب الصورة لندخل في تفسيخ مجتمع متماسك ، يريد ذلك التفسيخ أعدائنا ليدخلونا في متاهة ما سموه بالربيع العربي، الذي بات تحطيما للشعوب العربية، نريد مجتمعا لا يلتفت الى صراعات طائفية لا منطق فيها ولا مصلحة لنا بها.
تاسعا وأخيرا : نحن بحاجة الى تقبل الآخر، والى حرية الملبس والتعايش مع التطورات الاجتماعية التي جعلت الحجاب غالبا على نساء المجتمع الفلسطيني، بحيث بات الجميع يتقبلونه كظاهرة اجتماعية قبل ان تكون ظاهرة دينية، وخاصة أنني سمعت أن هناك
حكما قضائيا أردنيا قد صدر يوجب احدى المدارس المسيحية في الأردن بقبول المحجبات دون أن ينزعن غطاء رؤوسهن، وخاصة وانا أعرف أن مدرسة كاثوليكية في كندا مثلا لديها عددا من الطالبات المحجبات، والأنظمة والقوانين تتغير دوما بحيث لا تتعارض أو تتواءم مع الاعراف والتقاليد المجتمعية.
وانا هنا أناشد مديرة المدرسة المبجلة ، وغبطة البطريرك جليل الإحترام ، أن يعالجوا هذا الموضوع بالحكمة التي نعرفها ونعهدها بهما، خاصة في هذه الأيام المباركة التي يزورنا فيها قداسة الحبر الأعظم ، الذي جاء لنشر رسالة التعايش والتسامح والسلام على هذه الأرض المقدسة، وفي كل مكان في العالم.
الله أسأل أن يحفظ مدينتنا المقدسة من كل سوء!!
عن استئناف عملية المصالحة في فلسطين
بقلم: ماجد عزّام – القدس
على نحو ليس مفاجئاً تماماً، استؤنفت عملية المصالحة بين حركتي فتح وحماس في فلسطين. المفاجأة جاءت نسبية وجزئية قياساً إلى المستجدات والتطورات المتلاحقة في الفترة الممتدة من نهاية آذار إلى نهاية نيسان والتي شهدت تفجر المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وانضمام دولة فلسطين إلى 15 مؤسسة ومنظمة دولية تابعة للأمم المتحدة، أما استخدام مصطلح «العملية» في ما يخص المصالحة فيعود إلى كونها مستمرة بشكلها الحالي منذ عشر سنوات على الأقل، حتى أن الوثيقة التي سيتم على أساسها إصلاح وتطوير منظمة التحرير صيغت في القاهرة في آذار 2005، فضلاً عن أنها مثلت البديل أو المسار الموازي لعملية التسوية المستمرة أيضاً. ولكن منذ عقدين...
استنتج الرئيس محمود عباس نهاية آذار الماضي أنه لا يملك شريكاً للسلام في إسرائيل وأن حكومة نتانياهو ليست في وارد التفـاعل مـعها والقـــبول بشرطه المنطقي لتمديـد المفــاوضات (الإفراج عن الأسرى، تجميد الاستيطان، مناقشة ملف الحدود أولاً) على رغم التنازلات غير المسبوقة التي قدمها والتي لا ولن يجرؤ أي زعيم عربي على تقديمها، كما قال مسؤول أميركي رفيع لـ«يديعوت أحرونوت» (الجمعة 2 أيار).
عباس المستنزف والمتعب، كما وصفه المصدر نفسه، قرر التخلي عن العملية برمَّتها واتباع مسارات أو خيـارات بـديـلة تضمنـت الانـضمام إلى المنظمات الدولية وإرسال وفد قيــادي من منظمة التحرير إلى غـــزة للتحاور مع حماس من أجل تنفيذ تفاهمات المصالحة التي تم التــوصل إليها في القاهرة في أيار 2001 والدوحــة في 2012، والتي نصت على تشكيل حكومــة توافق وطني من كفاءات مستقلة وإجراء انتخــابــات عامة رئاسية وتشريعيــة وللمجلس الوطني، برلمان المنفى، خلال ستة شهور من تشكيل الحكومة.
الخطوة التكتيكية البارعة للرئيس عباس لم تربط فقط بين المصالحة ورفض المفاوضات، وإنما أحرجت حماس في سياق آخر عبر وضعها في مواجهة منظمة التحرير والفصائل المنضوية في إطارها (كما شخصيات وطنية أخرى)، وليس في مواجهة فتح فقط، وبتعبير آخر: وضع أبو مازن حماس أمام خيار المصالحة ضمن سياق سياسي لا مكان للمفاوضات فيه أو الرفض، وبالتالي فهي تواجه ليس فقط النقمة الشعبية وإنما الاتهامات بالتماهي مع الضغوط الإسرائيلية لإضعاف الرئيس وإدامة أمد الانقسام.
مقابل العصا، قدَّم الرئيس عباس جزرة لحماس عبر إنقاذها من المأزق غير المسبوق الذي تواجهه سياسياً واقتصادياً في غزة بعد الانقلاب على الرئيس مرسي في مصر وإغلاق السلطات للأنفاق التي كانت بمثابة شريان الحياة للحركة وحكومتها، بموافقته على دمج رواتب موظفيها ضمن الموازنة الفلسطينية العامة، والأهم تأجيل الملف الأمني واحتفاظها بسيطرتها على الأرض في غزة إلى حين إجراء الانتخابات التشريعة والرئاسية، والتي قد لا تجرى ضمن السقف الزمني المحدد بستة شهور من تشكيل حكومة الكفاءات المستقلة.
إضــافة إلى ذلك قدَّم الرئيــس وعـــوداً وحتــى ضمانات أيضاً بفتح معبر رفح بشكل كامل بمجـــرد تشكيل حكومة التوافق الوطني التي ستكون حكومته على الأغلب، وستشرف على المعابر كافة، ما يكفل رفع أو تخفيف الحصار بشكل جدي وملموس، وفي السياق طبعاً تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية البائسة في غزة.
حركة المقاومة الإسلامية من جهتها بحثت دائماً عن مصالحة تضمن لها رفع الحصار، وفتح معبر رفح، وإعادة إعمار غزة أو على الأقل تحسين بناها التحتية المنهارة، من دون أن تتنازل سياسياً تجاه إسرائيل أو تتخلى عن سيطرتها الأمنية في القطاع. ومع الوضع الاقتصادي الصعب الذي تواجهه وعجزها عن دفع رواتب موظفيها (دفعت نصف راتب فقط في الشهور الأربعة الأخيرة) وافقت على عرض المصالحة الجدي هذه المرة، كما أقر عزام الأحمد، ويمكن القول إنها قدَّمت تنازلات تنظيمية تكتيكية تتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلي، وليست سياسية وجذرية، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة أو الموقف من إسرائيل.
غير أن إحدى أهم دلالات ما جرى أن حماس فضَّلت المصالحة وحتى التنازل للرئيس عباس على العودة إلى ما يوصف بمحور الممانعة أو محور دمشق طهران وضاحية بيروت الجنوبية، وعلى عكس ما يشاع فإن رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل هو من رفض ويرفض الذهاب إلى طهران المستميتة لاستقباله، علماً أن هذه الأخيرة اعتبرت الزيارة شرطاً لاستئناف مساعداتها المالية الضخمة للحركة ظناً منها أن صورة «أبو الوليد» مع مرشدها في طهران كفيلة بالتغطية على مساندتها للنظام السوري في جرائمه بحق شعبه، كما تبييض صفحتها ولو جزئياً أمام الشارع العربي والمسلم.
ثمة دلالة أخرى مهمة لاستئناف عملية المصالحة تتمثل بالعودة إلى معادلة «السلطة مقابل المنظمة» بعدما تم تفضيل الأولى على الثانية في اتفاق مكة في شباط 2007 الذي أعطى الأولوية للشراكة في إدارة السلطة وتأجيل ملف المنظمة إلى مرحلة لاحقة، وأعتقد أن ما نحن بصدده الآن هو العودة بالسلطة إلى وظيفتها الأساس بحسب اتفاق أوسلو، كإدارة ذاتية للشعب الفلسطيني في الداخل على أن تتولى منظمة التحرير أو الإطار القيادي الأعلى، الذي سيضم حماس أيضاً، الملفات السياسية بشكل عام، ولكن من دون النيل من صلاحيات اللجنة التنفيذية الحالية كما نصت وثيقة القاهرة في 2011 التي ستتولى إدارة المعركة أو الصراع مع إسرائيل ببعده السياسي والديبلوماسي، أقله إلى نهاية المرحلة الانتقالية.
في كل الأحوال ومن الناحية الاستراتيجية، يمثل استئناف عملية المصالحة، ولو بشكل مرحلي، إعلاناً سياسيــاً جديـاً، ولو أنــه غير نهائي وحاسم، عن موت عمليـــة التسوية بشكلها الذي عرفناه من عقدين تقريباً، أي منذ أوسلو حتى الآن، وهي لن تطوي صفحة الانقسام بشكل فوري، وإنما بشكل تدريجي بطيء ولكن متواصل. وأعتقد أن الفترة الانتقالية ستطول، وقــد لا تجرى الانتخابات في موعدها المحدد، ولكن المرحلة برمتها ستكون مناسبة لترتيب أكثر جـــديــة للبيت الفلسطيني وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير والسعي لبلورة برنامج أو استراتيجية وطنية بديلة لإدارة الصراع مع إسرائيل تـقطع ليست فقط مع المفاوضات وإنما أيــضاً مــع فــكرة خوض حرب تقليديــة عنيفــة ومــدمـــرة مع إسرائيل، كما جرى مرتين في الأعوام الخمسة الأخيرة.
فـ»أن يأتي الشيء متأخراً أفضل من ألا يأتي على الإطلاق»، وإذا كانت عملية المصالحة تناسبت عكسياً طوال العقد الماضي مع عملية التسوية، فإنها لن تتأثر هذه المرة بالعلاقة مع تل أبيب التي لم تعد عاملاً مؤثراً ومركزياً فيها كونها تبحث عن إدامة الوضع الراهن حيث لا سلم ولا حرب بأية حال من الأحوال، وإنما ستتناسب طردياً مع المتغيرات الهائلة التي تعصف بالمنطقة العربية وتحديداً مع آليات التغيير وإقامة الدولة العربية الديموقراطية العادلة لكل مواطنيها، ومن هنا ستكون رحلة المصالحة بطيئة مرهقة مضنية، ولكن عربتها ستظل دائماً على السكة انتظاراً لمآلات الأمور في المنطقة خاصة في القاهرة ودمشق.
خريف عربي وربيع اسرائيلي
بقلم: يوسف قطينة – القدس
لم يكن ما بدأ منذ ثلاثة اعوام وما زال مستمراً ربيعاً عربياً كما يحرص بعض العرب وحلفاؤهم الغربيون على تسميته. وقد اثبتت الايام الماضية ذلك، اذ ان الحصيلة كانت دماراً وانهاراً من الدماء وتمزيق مجتمعات وحروبا طائفية وفتنا مذهبية وخسائر بمليارات الدولارات ومهجرين ومشردين في منافي الارض تجاوزوا الملايين، غدوا يعانون من اسوأ الاوضاع، بعد ان كانوا آمنين مطمئنين في منازلهم واراضيهم داخل اوطانهم. ان الذي حدث وما زال يحدث خريفا عربيا بكل مدلولات الكلمة، ولم يكن ربيعا يموج بالحياة وبالاشراق وبالرفاهية والسعادة.
كان خريفا عربياً اتى على الاخضر واليابس، وفي ذات الوقت كان ربيعاً اسرائيلياً، حقق لاسرائيل ما كانت تحلم به منذ ان اقامت دولتها على انقاض شعب فلسطين، الذي كان قبل اقامتها يعيش آمناً مطمئناً يأتيه رزقه رغداً من كل مكان من ارضه ارض اللبن والعسل. والذي قتّل وشرّد عشرات الالاف من ابنائه خلال اربعينيات القرن العشرين المنصرم، والذين اصبحوا اليوم ملايين اما تحت الاحتلال الاسرائيلي واما لاجئين ونازحين ومهجرين في مخيمات البؤس والشقاء في دول عربية مجاورة، ما زالوا يعيشون على امل العودة، الذي يسري في نفوسهم مسرى الدم في عروقهم.
وهذا الأمل لم يخب مع مرور الايام وتقادم الاعوام، كما حلم وما زال يحلم قادة اسرائيل، الذين توهموا ان جيل الاجداد والاباء الذين مزقتهم النكبة كل ممزق سيندثرون وسيغيبهم الموت، وبالتالي ستنسى الاجيال القادمة فلسطين والنكبة، فاذا الاجيال الجديدة الناشئة اشد تمسكاً بالوطن واعظم اصراراً على التمسك بحق العودة، الذي لا يسقط بالتقادم.
وارسل طرفك على خريطة الوطن العربي، الذي كان في ستينيات القرن العشرين الماضي تغني له الجماهير العربية من المحيط الهادر الى الخليج الثائر، ترى ان هذا الوطن يعيش حالة انحطاط بكل مدلولات هذه الكلمة. اذ ان كثيراً من الدول العربية تتفكك وتنهار وتتمزق، وتهدم مكوناتها وأسسها وبناها التحتية على ايدي العديد من ابنائها، الذين لا يتورعون عن هدم كل ما شاده الآباء والاجداد خلال عقود طويلة من الزمان، لايراعون في ذلك حرمة ولاعهداولايرتدعون عن سفك دماء بريئة من اطفال ونساء وشيوخ، ينشرون الرعب في الشوارع والميادين والمؤسسات العامة والخاصة. وحتى بيوت العبادة من مساجد وكنائس لا يصونون حرمتها، ولا يتورعون عن هدمها، وحتى لا يرتدعون عن تنفيذ عمليات انتحارية فيها، حيث يفجر الانتحاري نفسه داخل المسجد فيقتل العشرات ويصيب المئات من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، او يفجرون السيارات المفخخة عند خروج المصلين من المساجد الغاصة بهم في صلوات الجمعة.
واذا كانوا لا يراعون حرمات المساجد والكنائس، فأنّى لهم يراعوا دور العلم من رياض اطفال ومدارس ومعاهد وجامعات، حيث لا يتورعون عن امطارها بالقذائف من مختلف الأنواع والاشكال، حيث ترى اشلاء الضحايا وانهار الدماء والكتب والكراريس المحترقة وقد اختلطت بركام عمائر تلك المؤسسات العلمية، التي اسست لتخرج اجيالا مستنيرة، لتقود البلاد والعباد في مستقبل الايام نحو التقدم والرقي والازدهار.
وكل هذه الجرائم، التي لم يشهدها العرب في تاريخهم المديد، حتى في الحقبة الاستعمارية تبرر بأنها من اجل نشر الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان والمجتمع الافضل، وفي سبيل ذلك يستغل الدين الحنيف اسوأ استغلال، حيث ترتكب جرائم القتل والذبح والحرق والتدمير وسط صيحات التكبير والتهليل، وكأن هذا الدين العظيم، الذي جاء رحمة للانسانية المعذبة، هو دين القتل وسفك دماء الابرياء وتدمير الاوطان، وتمزيق المجتمعات واعادتها الى عصور الظلام والى حروب داحس والغبراء.
ولا بأس من اجل تحقيق ذلك من الاستقواء بالأعداء ومطالبتهم بقصف الاوطان من الجو والبر والبحر، من اجل اسقاط نظام، ولو سقط بذلك الاف الابرياء ولو شرد وهجر الملايين، ولو دمرت الدولة ومؤسساتها، وغدت ثرواتها نهبا للافاكين والافاقين، ولو اصبحت اثارها نهبا للصوص والسراق، يهربونها ويبيعونها بأبخس الاسعار دراهم معدودة . ولا بأس ايضا في تدمير الجيوش العربية، وقنص افرادها من مختلف الرتب. ولا بأس ايضا في اغتيال نسور الوطن من الطيارين، الذين تنفق الدولة الكثير الكثير من المال والجهد والعرق لتخريجهم من اجل حماية سماء الوطن، ولا بأس ايضا من تدمير مقار تلك الجيوش وخاصة مراكز الدفاع الجوي لتصبح سماء الوطن مفتوحة امام طيران الاعداء يصول ويجول فيها ويقصف ما يشاء من منشآت عسكرية وعلمية ويقتل ما يريد من الضباط والجنود والعلماء والباحثين.
ولا بأس من اجل اسقاط النظام من تدمير شبكات الكهرباء ليعيش الشعب في ظلام مقيم، ولا بأس ايضا من تدمير محطات الغاز والوقود، او بالاستيلاء على ابار النفط وبيعها بأبخس الاثمان من اجل تمويل عمليات القتل والتدمير. ولا بأس ايضا في تدمير الجسور والطرق والحدائق العامة وزرعها بأضرحة القتلى بدلا من زرعها بالورود والياسمين والرياحين وبالاشجار الوارفة الظلال، التي يجلس تحتها المتنزهون يبتغون الراحة والترفيه عن النفس وتمتيع النظر بالطبيعة الجميلة التي وهبها لنا الخالق - تبارك وتعالى - لتكون آيات لأولي الالباب تدل على الخالق الواحد الاحد المتفرد بالخلق، الذي وسعت رحمته كل شيء، والذي ابدع الكون على اجمل صورة ودعانا معشر العباد ان نستعمر الارض احسن استعمار لا ان ننشر فيها الفساد الذي نراه الآن يغطي ارض الوطن العربي من اقصاه الى اقصاه: «هو أنشأكم من الارض واستعمركم فيها». فقد نهانا سبحانه وتعالى عن الافساد في هذا الكون الجميل الذي ما خلقه عبثا ولا لعبا وتعالى عن ذلك علوا كبيرا: ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها».
انظر ماذا يحدث اليوم في ليبيا حيث حرب اهلية طاحنة، الكل يقتل فيها الكل، لقد تحرر الشعب الليبي من رمضاء القذافي ليقعوا في نيران المليشيات التي تتناحر من اجل السيطرة على الثروة النفطية الهائلة، حتى اصبحت ليبيا اليوم بعد «الربيع العربي» ارضا خصبة للارهاب والارهابيين ينطلقون منها الى الدول العربية القريبة والبعيدة، وانظر ماذا يحدث في بلاد الرافدين، حيث يسقط الآلاف شهريا في عمليات تفجير ارهابية تستهدف البسطاء والعمال الفقراء الذين يخرجون مع ساعات الصباح الاولى يسعون في طلب رزق عيالهم، فيعودون اليهم في اكفان بدلا من ان يعودوا اليهم بالطعام والكساء، وغدا العراق ممزقا شر ممزق تطحنه الحروب الطائفية والمذهبية، وغدا مقسما الى ثلاث ولايات، وها هو اقليم كردستان يهدد بالانفصال التام واقامة دولة كردية مستقلة.
واذا اردت ان ترى الخريف العربي في ابشع صوره واقبحها فانظر ماذا يجري في سورية، قلب العروبة النابض، وموئل الحضارات التي علمت العالم وابدعت حروف الكتابة، حيث ما زال القتل وانهار الدماء والدمار والتشريد وتمزيق المجتمع مستمرا منذ اكثرمن ثلاثة اعوام. والعروب عاجزين عن انهاء هذه المأساة المروعة، بل ان من اثريائهم من يتاجرون باعراض سوريات شردن من اوطانهن الى مخيمات القهر والعذاب. ويستغلونهن ابشع استغلال، بدلا من ان ينفسوا عنهم وعن عائلاتهن الكرب والهم، وهكذا غدت سوريا مرتعا للقتل والارهاب والحرق والتدمير وسفك الدماء والحروب المذهبية والفتن الطائفية وارض الكنانة مصر لم يغادرها الخريف العربي بعد، فما زالت تشهد العديد من عمليات القتل وسفك الدماء، خاصة من المجندين البسطاء «الغلابى» حيث يقنصون كما تقتنص الطيور، وكأن قتلهم واستباحة دمائهم تسقط النظام وتعيد الحكم لمن اسقط حكمهم.
ان الوطن العربي يعيش اسوأ عهوده واحط عصوره، والفتن تموج فيه تقطع الليل المظلم، ومن عظيم الاسى ان الكثيرين من العرب ينفذون عن طواعية او عن جهل ما يخطط لهم الاعداء، كل ذلك من اجل داء العرب القديم وهو كرسي الحكم. ويزورون لك الواقع ويقولون انه ربيع عربي ولكنه في الواقع خريف عربي وربيع اسرائيلي، اذ انهم ينوبون عن اسرائيل في تدمير جيوشهم واغتيال علمائهم وهدم مؤسساتهم العلمية، مخالفين تحذير رسولهم الاكرم - صلى الله عليه وسلم- «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض».
بالجرم المشهود
بقلم: حسن البطل – الايام
في المسافة بين المدى المجدي للرصاصة، والمدى المجدي للحجر، تكشفت جريمة قتل مقصودة ليافعين فلسطينيين. فيما سبق من جرائم القتل كانت هناك حجة الالتباس لدى الجنود، أو ذريعة تهديد مدى الحجر المجدي لحياة حامل بندقية المدى المجدي للرصاصة؟
الصورة لا تكذب، والفيلم عن مقتل يافعين اثنين بالتوالي برهان مؤكد.
في إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، يتلقى الجنود أمر فتح النار من ضابط مسؤول، لا بدّ أنه رأى كيف سقط الشهيد الأول فوراً برصاصة قنص، دون أدنى حراك، فرصاصة القتل كانت في الجزء الأعلى من الجسم .. فلماذا لم يأمر الضابط بوقف إطلاق الرصاص الحي، الذي أصاب اليافع الفلسطيني الثاني في مقتل، بعد حركة تشنج قصيرة!
تصادف القتل الجديد (بعد 27 قتل في السنة الفائتة، منهم 17 فتى لاجئا، وسبعة آخرون في السنة الحالية منهم 7 لاجئين) مع سنوية النكبة، لكنه تصادف أيضاً مع استئناف عائلة النشيطة الاميركية راشيل كوري (23 عاماً) ضد تبرئة الجيش من نية وقصد القتل، بذريعة أن سائق الجرافة لم ير ضحيته التي كانت ترتدي سترة برتقالية. والدا راشيل يواظبان منذ 11 سنة على خوض معترك قانوني - قضائي، علماً أن والدها كان جندياً أميركياً.
حصلت جريمة القتل العمد أمام سجن عوفر، وهو أقرب سجن إسرائيلي للمناطق الفلسطينية السيادية، ولذا صار موقعاً للصدام في كل مناسبة، وبخاصة للتضامن مع الأسرى، الذين يخوضون نضالاً ضد الاعتقال الإداري، ولا بد أن المعتقلين يسمعون صدى هتافات التضامن معهم، فتقوى معنوياتهم على الصمود ومواصلة إضراب الجوع.
يكفي، في العادة، وابل من قنابل الغاز لتفريق أي تظاهرة، او يكفي رصاص مطاطي ليوقع جرحى وتنفض التظاهرة، علماً أن الجنود لا يسمحون للمتظاهرين بتجاوز مسافة رمية الحجر، ضد جنود يعتمرون الخوذ وصداريّ مضادة للرصاص!
يبدو أن تكرار التظاهر أمام سجن عوفر دفع الجنود للانتقال من مرحلة فض التظاهر او استخدام الترويع الى مرحلة اطلاق رصاص قاتل مرتين على التتابع، لخلق حالة ردع عن تكرار التظاهر أمام السجن.
في حوادث القتل السابقة كانت إسرائيل تحاجج ضد البراهين (بالصور الثابتة) بالذرائع، أما في حادثة القتل المزدوجة فإن شريط فيلم "الفيديو" برهان دامغ، أثار أصداء احتجاج دولية وحتى إسرائيلية (منظمة بتسيلم).
كثيراً ما تبجحت إسرائيل بأن عشرات الضحايا العرب يسقطون يومياً، لكن هذا في حروب أهلية، أو أن الضحايا المدنيين هم خسائر هامشية لصراع مسلح، لكن ضحايا إسرائيل من الفلسطينيين يسقطون بسبب احتجاج سلمي، في إطار صراع وطني بين شعب وبين سلطة احتلال عسكرية. فرق كبير بين ضحايا حروب أهلية وقتلى صراع وطني .. وفي الحالتين هذه "جرائم حرب".
واضح أن اسرائيل، المعجوقة سياسياً بعد فشل المفاوضات ومن تحميلها حتى من الجانب الأميركي المسؤولية الأساس عن الفشل، تريد جرّ الجانب الفلسطيني إلى اضطراب شامل، وخوض انتفاضة مسلحة ثالثة، لأن الحرب أسهل على إسرائيل من الصراع السياسي .. السلمي بخاصة.
في زمن ولّى، كان المفتش كولومبو، في أفلام السينما، يوقع بالمشتبه بالقتل العمد الغامض عن طريق قرائن مربوطة بقرينة دامغة.
في زمننا الحالي صار الدور على أوكامبو في محكمة الجنايات الدولية لجرائم الحرب .. وتستحق جريمة القتل المزدوج أمام سجن "عوفر" أن تكون دليلاً دامغاً، قد لا يستطيع الجيش نقضه حتى أمام محاكم إسرائيلية دأبت على محاباة الجيش.
آخر بدع الادعاءات الإسرائيلية أن الشريط "مفبرك" .. كما في شريط الطفل محمد الدرة بداية الانتفاضة؟!
اللا-سامية واللا-فلسطينية
في العام 2012 لم يسقط قتيل إسرائيلي واحد بأيد فلسطينية، لكن اسرائيل عادت للضرب على وتر "اللاسامية" واتهمت الفلسطينيين بأعلى نسبة في "اللاسامية" ومعاداة اليهود!
إحصائية إسرائيلية أُخرى، أظهرت أن شبان "شارة ثمن" يمارسون اعتداءات على الفلسطينيين وأملاكهم تفوق، نسبة لعدد السكان، ممارسات "كراهية اليهود" في أية دولة، او في فرنسا بالذات.
كم قتيلا يهوديا يسقط في العالم كل عام (أو في حوادث السير)؟ وكم قتيلا فلسطينيا يسقط في فلسطين وفي دول الشتات العربي، المبلية بهذا الربيع الوخيم؟
إن كراهية الفلسطينيين أشد انتشاراً من أي كراهية لليهود باسم "اللاسامية" بغض النظر عن احتكار إسرائيل للاسامية.
إذا تعرض اليهود في العالم للخوف من الاضطهاد والتمييز، تفتح إسرائيل ذراعيها لهم .. لكن الحال مختلف جداً عندما يتعرض الفلسطينيون إلى ما هو اكثر من اضطهاد وكراهية.
البعد العربي للقضية الفلسطينية مغيب!!
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
فلسطين ما بعد النكبة وحتى حرب الخليج الأولى ليست فلسطين بعد اتفاق أوسلو وما تلاه من ترتيبات دولية للمنطقة، فالاختلاف أصبح واضحاً وربما خطيراً.
ربما تغير كل شيء من الجغرافيا إلى الديمغرافيا إلى السياسة وأبعد من ذلك، فلسطين كانت تعتبر رافعة البعد القومي وضمير الشعوب العربية والحاضرة في وجدان كل مواطن عربي.
أجيال عربية تربّت على أن القضية الفلسطينية هي الرافعة الحقيقية لكل ما يدور في المنطقة، وبقدر ما هي قضية قومية شاملة، فإنها أيضاً قضية كل عربي على المستوى الشخصي، بحيث وصلت في بعض الأحيان إلى حد التقديس شعبياً، وانسياق الأنظمة مع رغبات الجماهير ومعتقداتها .. وقد وصلت حالة الحشد العربية إلى درجة أصبحت فيها شرعية الأنظمة العربية في الدولة الوطنية قائمة في إحدى ركائزها الأساسية على القضية الفلسطينية، ولا شرعية لنظام يخرق هذه القاعدة، وخير دليل على ذلك اتفاقية "كامب ديفيد" وما تلاها من مواقف عربية رسمية منحازة ولو عن غير قناعة لمطالب الجماهير في حينه، باعتبار الاتفاقية خيانة للأمة، ما أجبر هذه الأنظمة على قطع علاقاتها مع مصر، واتخاذ موقف واضح من التطورات المستجدة على المنطقة..؟!
الأنظمة العربية التي كانت تعتبر نفسها "ثورية" كانت تستمد قوتها من مدى ارتباطها أو ارتكازها إلى القضية الفلسطينية. هذه القضية التي كانت حاضرة في كل خطاب زعيم عربي وفي كل مؤتمر صحافي، وفي كل لقاء محلي أو دولي.. بل إن فلسطين لم تكن فقط ضمن دائرة البعد السياسي الداخلي والخارجي لهذه الدول بل في البعد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
وبعيداً أيضاً عن كيفية النظر إلى الشعب الفلسطيني أو فئاته وحركاته السياسية المختلفة، فإن فلسطين كبعد تاريخي وجغرافي وديني كانت تصل إلى حد التقديس، الذي لا يجوز حتى نقده، فهي فوق الشبهات والنقد.
دون مقدمات، تغيرت المنطقة وانعكس هذا التغير بشكل سلبي متواصل على القضية الفلسطينية "وقدسيتها" وعلى الشعب الفلسطيني أيضاً.
بوادر هذا التغيير جاءت بعد الخروج من بيروت، واختلاف توجهات الثورة، وتبعيتها أكثر للنظام السياسي العربي، وبعدها بمسافة عن القوى الثورية العربية، وبالأخص أجيال جديدة تمثل قطاعات الشباب الركيزة الأساسية لها، إضافة إلى التحولات التكنولوجية السريعة وخاصة على مستوى وسائل الإعلام والاتصال والتي لم ننظر إليها كفلسطينيين أو كقيادة فلسطينية بجدية، تأخرنا عنها كثيراً فتجاوزتنا الأحداث، وخلقت فجوة واسعة بين "قدسية فلسطين" السابقة وبين رؤية الأجيال الجديدة لهذه القضية.
هذا التغير الجديد جاء مع انهيارات وأزمات عربية وانتكاسات حقيقية زجت فيها القضية الفلسطينية غصباً، الأمر الذي انعكس عليها بشكل تراجيدي، وبدأ هناك انهيار واضح في مفهوم القدسية والتعبئة الجماهيرية. أبرز هذه الأحداث انهيار الاتحاد السوفييتي، ثم مأساة احتلال العراق للكويت التي اكتوى بنارها مئات آلاف الفلسطينيين، ثم حرب الخليج الثانية واحتلال العراق وتفتيته، وإشعال نار المذهبية والطائفية، تلت ذلك سلسلة انهيارات عربية هنا وهناك، توجت هذه الأحداث بالانقسام الفلسطيني الذي قضى بشكل نهائي على مفهوم "قدسية" القضية الفلسطينية. وبدا المجتمع العربي مستقطباً، وبدأت آلة الإعلام الديني تؤثر بشكل كبير على هذا الوضع... وأصبح كثير من العرب ينظرون إلى الشعب الفلسطيني كفئتين متحاربتين متنازعتين حتى وصل الأمر إلى أن يتجرأ البعض ليصف المشهد الفلسطيني بالمشهد الصومالي. وبقدر ما في هذه المقارنة من ظلم حقيقي، فإنها تعبير حقيقي عن انهيار ليس مفهوم القدسية بل أكثر من ذلك بكثير..
وجاء الربيع العربي ليعطي دفعة بأن القضية الفلسطينية ستكون حاضرة من جديد، ولكن للأسف في هذه اللحظات فإن كل المعطيات تشير إلى عكس ذلك.. وأن الشعوب العربية أصبح لديها من المشاكل الداخلية ما يغنيها في كثير من الأحيان عن التفكير بالقضية الفلسطينية وليس اعتبارها قضيتها الأولى والمركزية.
فلسطين اليوم على المستوى العربي، مغيبة إعلامياً، مغيبة ثقافياً، موصومة بأنها مجموعات متناحرة متقاتلة، فاسدة، مرتبطة بمصالح وجهات إقليمية، حتى المساعدات التي تقدم من باب الامتنان مثلها مثل المقدمة إلى شعوب متناحرة أو جائعة في هذا العالم.
أما على المستوى الشبابي فكيف نلوم العرب فيما كثير منا أصبح على بعد كبير عن تاريخ القضية ومفهوم الصراع المتواصل مع الاحتلال.
نحن بحاجة إلى وقفة جادة لإعادة تغيير الأدوات المستخدمة وبحاجة حقيقية إلى زجّ جيش الشباب في هذه المعركة قبل أن نخسرها للأبد!!.
الفلسطينيون بين خطابين: إذا أردتم تثبيت الناس لا تنظروا إلى نصف الكأس الفارغ فقط
بقلم: حسين حجازي – الايام
الى جانب تأملاتهم الفلسفية العميقة في الوجود والحياة، والتي لا سابقة لها في ثرائها الفكري بين الحضارات القديمة، وشكلت بمجموعها مجمل الأسئلة والأجوبة التي لا يزال يطرحها العقل البشري علي نفسه، فإن أولئك الحكماء الإغريق الأوائل وجدوا وقتاً كافياً في خضم هذا العصف الفكري الأكثر أهمية في التاريخ للاعتناء بالخطابة في عصرهم.
وقد خلف لنا أرسطو أول كتاب من نوعه يتحدث عن أشكال الخطابة ويقدم النصيحة للخطيب كيف يصوغ خطابه، وهو كتاب شيق وممتع لا يقل عبقرية عن كتابه الآخر والأكثر شهرة عن السياسة. كما ترك لنا أفلاطون تلميذ سقراط كتاباً آخر جرياً على عادته في أسلوب المحاورات، الذي انفرد انتهاجه في معظم كتبه بين سقراط وتلاميذه بعنوان الخطيب.
وفيما بعد سوف تخلد كتب التاريخ أشهر الخطباء في عصر الامبراطورية الرومانية بعد براكليس الإغريقي، وهذا الخطيب الذي عمت شهرته الآفاق بقوة حجته وبلاغته وحتى وازت شهرته شهرة شاعر اليونان هوميروس، ليس سوى شيشرون السناتور في مجلس الشيوخ الروماني الذي كان الأباطرة الرومان يحسبون كل الحساب لقوة لسانه، تماماً كما كانت الأمبراطورية البريطانية في وقت لاحق تخشى من لسان أديبها العظيم برنارد شو، الذي قال هو عن نفسه مرة ان لسانه أقوى من أساطيلها البحرية، ذاك الذي لا تزال بعض عباراته الساخرة تتردد في أروقة اعرق برلمانيات أوروبا.
وهل كنا لنمضي في هذا السرد عن الخطابة دون ذكر الرسول محمد والخلفاء الراشدين، ابو بكر على وجه الخصوص؟ وفيما بعد خطباء الثورة الفرنسية ولينين زمن الثورة الروسية، وصولا الي زمن القوميات الفاشية في أوروبا هتلر وموسوليني ؟ الذين كانوا جميعاً خطباء ترتج لوقع كلماتهم الجموع الحاشدة في الساحات، وهي الخطابة التي ستجد في زمن متأخر صدى لها، يحاكي حماستها التمثيلية كما عنفوانها في عقد الخمسينات والستينات، لدى زعماء حركات الاستقلال في دول الجنوب إجمالا إبان سنوات الكفاح الوطني ضد الاستعمار، عبد العزيز الثعالبي والقوميين العرب في المشرق.
هكذا كأن الخطابة ولدت من رحم الصراعات والتحولات السياسية الفكرية والأيدلوجية الكبرى في التاريخ، وكأنها التعبير عن هذه الأزمات السياسية حينما صعد في كل مرة منابر قادة ومُخَلّصون، رجال كاريزميون وأنبياء قديسون، وحتى أقوياء وأفّاقون ومحتالون، ولكنهم يملكون هذه القدرة السحرية على التأثير في حشود كبيرة من الناس، لبث روح العزيمة والقوة في أفئدتهم وجعلهم يقاتلون وراء فكرة محددة، تنطوي على جاذبية الوعد بتغيير وضعهم البائس، وإنه بهذا المعنى فان الخطابة كانت جزءاً من روح القيادة بل ومن صناعة هذه القيادة وسحرها وقوتها.
فهل يمكننا الآن ان نتصور قدرة تشرشل القيادية في الحرب العالمية الثانية، حينما كانت ألمانيا تمشط بالقصف الليلي كل مدينة لندن من دون هذه القوى الشعبوية، التي كان يمتلكها تشرشل في خطاباته؟ كما زعامة ديغول التاريخية من دون نداءاته المؤثرة عبر البحار للفرنسيين، بينما كانت فرنسا محتلة بقضها وقضيضها بيد الألمان؟ بل وفي تاريخ أكثر قرباً هل يمكننا تصور كاريزما جمال عبد الناصر من دون خطاباته عبر إذاعة صوت العرب الموجهة الى العالم العربي؟ او فيديل كاسترو بالنسبة للكوبيين؟ وحتى أيامنا هذه رجب طيب أردوغان من دون هذه الخطابية التي تبدو للمستمع مثل هدير الأمواج العالية في ارتطامها على الصخر؟ او حتى ياسر عرفات من دون خطاباته الارتجالية او العفوية ولكن الشعبوية بامتياز، والتي تقتصر غالبا على بضع رسائل موجزة وجمل ذات دلالات محددة يكررها بين الحين والآخر، وكل ذلك في سياق تعبوي شعبي مؤثر في تناغم وانسجام مع إيماءات لغة الجسد التي تضفي على الخطاب قوته التعبوية الساحرة والمؤثرة. وكذا الأمر هل كان يمكن تصور كاريزما الحبيب بورقيبة من دون هذه الخاصية الخطابية في مخاطبة مشاعر التونسيين زمن الكفاح التحرري من أجل الاستقلال؟
إن الخطابة هي روح القيادة وهي تزدهر في الأزمات التي تكون فيها الشعوب بأمس الحاجة الى من يستطيع ان يخاطب فيها اجمل وافضل ما فيها، وما تنطوي عليه الذات الجماعية لا وعيها الباطني من قوة وعنفوان وسمو "وأنها تستطيع ". واليوم لعله ما كان بمقدور باراك أوباما التفوق او تحقيق هذا الاختراق من دون قدرته الواضحة على الخطابة، ولكن اليوم لماذا نسلط الضوء على الحديث الذي قد يبدو ترفا او زائدا، عن الخطابة وسط همومنا وانشغالاتنا الكثيرة ؟ فهل لأننا نشعر بالحنين إلى زمن الخطباء ولا يوجد في الساحة الفلسطينية اليوم خطيب؟ والجواب كلا، فالساحة الفلسطينية تزدحم بالخطباء والمساجد كذلك، ولكني أصارح القارئ بأنه في الأصل كنت أنوي ان أخصص هذه المقالة عن الخطابة في المساجد، وحيث الإسلام العبقري هو الذي ينفرد من بين الأديان بإيلاء هذه الأهمية الحاسمة، الاحتفالية إن شئتم في هذا الاجتماع الأسبوعي للخطابة، والتي كانت بمثابة أول تعبير ممأسس يسبق اختراع الصحيفة ووسائل الإعلام الأخرى كما وسائل الاتصال الجماهيري الحديثة، عن أهمية هذا الاتصال الجماهيري الذي ينطوي على وظيفة حاسمة في تحقيق الأمن الاجتماعي للامة او الجماعة الوطنية ككل. وربما هذا هو المعنى الذي قصده كارل ماركس حينما أشار إلى أن الدين قد يشكل أفيوناً للشعوب او رافعةً تاريخية للتقدم.
سوف أعود لمناقشة هذه القضية التي لا يتسع لها المجال في هذه العجالة، ولكنني أتوقف هنا عند الضرورة الملحة التي يفرضها او يمليها واجب الوقت لأعرض بإيجاز إلى خطابين استمعت إليهما يوم الثلاثاء الماضي، احدهما للأخ خالد مشعل القي في الدوحة عاصمة قطر، والثاني لخطيب آخر من فصيل آخر القي هنا في غزة. والفارق بين الخطابين هو ما دعانا للتوقف عند هذه الدلالة التي تمثلها الخطابة في العمل السياسي.
واستطيع القول هنا ان خطاب مشعل الأخير في قطر لعله من اهم الخطابات التي ألقاها الرجل، وبذا يمكن وصفه بالتاريخي. فهذا خطاب على إيجازه ودقة عباراته وتناغم نبرة الصوت مع الدلالة والمعنى، هو خطاب لا يقول كلمته ويمشي بل يقول خطته وعرض قضيته ورؤيته وبرنامجه وموقف حركته، ليؤسس الى اتفاق ومشاركة حقيقية بتحمل المسؤولية عن اقتران الفعل بالقول. هذا خطاب نادر يصدر عن ممثل للإسلام السياسي، ولكنه في كل كلمة يقولها يظهر كقائد اقرب إلى محترف ومحرض ثوري من الطراز اللينيني الذي لا يرى في المقام الأول وهو مدرك للحرب على محور الزمن والوعي والجانب المعنوي، الى النصف الفارغ من الكوب وإنما إلى النصف المملوء. أي إلى الابداعية الفلسطينية والإنجازات على كل المستويات بما فيها إنجازات خصمه المفترض اي "فتح" على المستوى السياسي والدبلوماسي.
انه خطاب لا يثبط من عزيمة الشعب في ذكرى النكبة وإنما يرفع من عزيمته، ولا يدع الشك يتسلل الى اليقين بالنصر عند هذه اللحظة، وللذين ينتظرون من الانتهازيين والمنافقين من قناصي الفرص للصيد في الماء العكر، فهذه هي الجملة او الموقف التاريخي عن الفارق بين التنازلات الحميدة للأخ، ولمصلحة الجماعة الوطنية وعن التنازلات غير المحمودة والمرفوضة التي يمكن ان تقدم للعدو، وهذا هو فصل الخطاب كما يقال.
أما الخطاب الثاني فهو خطاب يتوشح بالمقاومة وكأنما المقاومة فعل مجرد خارج الاستراتيجية، ولكن من تحت هذه العباءة التي تتحول الى نوع من المزايدة، وقد جردت أو فصلت عن الواقع، يجري هنا التشكيك فكيف إذن يمكن بعد ذلك أن يستقيم التحريض على المقاومة، ونحن هنا ننكأ الجراح بدل ان نعض عليها ؟ والغمز من قناة المصالحة تحت ستار الخشية ان تكون جزءا من خدمة التسوية بدلا من ان تكون جزءاً من خدمة المشروع الوطني، وهل يوجد هنا مشروع وطني في ظل الانقسام؟ وما هي الدلالة التي يوحي بها هذا القول من أن عسكريا إسرائيليا يستطيع ان يتحكم بحركة اكبر زعيم فلسطيني؟ طيب ما الذي يهدف إليه هذا القول ان لا يتحرك قادة الشعب وزعماؤه ويجلسوا في بيوتهم يحضرون حفلات استحضار الجن ليخلصهم من هذا الوضع ؟ او انه عبثا كل تحركاتنا على الصعيد السياسي وغيره ما دام هذا العسكري الواحد هو الذي يتحكم بكل حركاتنا وسكناتنا.
لقد دعا أفلاطون الى حذف كل المشاهد في ملاحم الإغريق التي تظهر لحظات ضعف أبطالهم، لئلا تهتز صورة أبطالهم زعمائهم أمامهم. وفي هذه اللحظات المصيرية من صراعنا ما الذي يخدمه كل ذلك من تعميم القول بأن لا شيء سوى النكبات من حولنا؟ والغمز من قناة المصالحة طوال الوقت بالحديث عن الطامحين في المناصب والمجالس؟
وكان عرفات في وقت سابق يسمي هذا الخطاب بقوله " ثمة في الساحة الفلسطينية من يقول كلمته ويمشي". لأنه بين هذا الخطاب والنقد الموضوعي ثمة بون شاسع، لأن هذا النقد لا يمكنه ان يقوم او يمارس خارج سياق التفاعل الإيجابي مع الوقائع، بهدف ترشيد الفعالية الاستراتيجية، انطلاقاً من الظروف والمعطيات التي يطرحها الواقع، وكل ذلك في إطار من الحفاظ على الروح المعنوية للرتل والشعب، أما النقد المجرد فليس سوى محاولة لإفساد الوعي.
لماذا التأخر في نيل عضوية بقية المنظمات الدولية؟
بقلم: صادق الشافعي – الايام
المتوقع في الأيام القليلة القادمة، بعد أن يمحّص الرئيس أبو مازن قائمة وزارة التكنوقراط التي تم التوافق عليها وبعد التشاور حولها وإدخال اي تعديلات يراها، وبعد ان يحسم امر من يتولى رئاستها، المتوقع بعد ذلك، ان يعلن عن ولادة وزارة التوافق الوطني، ويقوم بإجراءات ترسيمها.
اذا حصل هذا المتوقع، فانه يكون الخطوة الأولى التي تفتح الطريق امام التصدي للعناوين الهامة الأُخرى، فبدون النجاح في إنجازها لا يمكن الادعاء ان المصالحة قد تحققت وأن الوحدة الوطنية قد استعيدت، وسيبقى الاتفاق على الحكومة هشا قابلا للكسر والارتداد.
خصوصا وان العناوين المعنية تحمل الكثير من المصاعب والتعقيدات بقدر ما تحمل من الأهمية والأساسية، ناهيك عن دور دولة الاحتلال وما يمكن ان تفرضه من عراقيل.
والعناوين المعنية، وبدون ترتيب، هي: منظمة التحرير، والبرنامج السياسي، والانتخابات، والأمن وأجهزته وعقيدته، وغيرها.
المواقف تجاه تشكيل الحكومة لجهة المبدأ، وحتى قبل الإعلان عنها، اتضحت بجلاء :
- ترحيب وطني فلسطيني عارم وآمال كبيرة تبنى عليها، ومعه ترحيب عربي أيضا.
- قبول أوروبي معلن مع استعداد للاعتراف بها.
- رفض أميركي معلن لمبدأ تشكيلها، ورفض إسرائيلي هستيري مصحوب بالتهديد.
- إصرار من القيادة السياسية الفلسطينية على المضي بتشكيلها، رغم الرفض الأميركي والإسرائيلي المشار إليه. وهو ما يحسب لها، ويضعف الادعاءات أنها ترفض أو تعيق إتمام المصالحة استجابة للضغوطات الأميركية والإسرائيلية.
إذن، وعلى فرض وتقدير أن القيادة السياسية كانت تنتظر الانتهاء من أولوية تشكيل الحكومة لتقوّي موقفها الوطني ولتجس الموقف الدولي، فلماذا تتأخر القيادة، وقد اتضحت المواقف، عن التقدم لنيل عضوية بقية المنظمات والاتفاقات والمعاهدات الدولية، أو الجزء الأهم منها كبداية.
كان من المتوقع أن يخرج عن اجتماع المجلس المركزي قرار واضح بالبدء في التقدم لبقية تلك المنظمات والاتفاقات والمعاهدات، وان يقرر المجلس آليات ذلك أيضا، إن لجهة الأولويات وإن لجهة تكليف (والأفضل تشكيل) هيئة مختصة للدراسة والاقتراح. لكن شيئاً من هذا لا يتم التداول فيه، اللهم إلا إذا كنا نعمل على هدى "واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان".
المجلس المركزي لم يغلق الباب أمام العودة الى المفاوضات بل تركه موارباً، وان ارفق ذلك بوجوب توفر الشروط المعلنة.
هذا الموقف الذي اعتمده المجلس المركزي لم ينل قبول الكثير من الناس بل شكل خيبة أمل لها ولاقى اعتراضا من بعض القوى السياسية، ادى الى انسحاب مندوب إحداها من جلسة إقرار البيان الختامي.
كان المرجو أن يعلن المجلس المركزي خروجاً تاماً من مسار المفاوضات في الظروف الحالية وتوازناتها الإقليمية والدولية.
هل كان ترك الباب مواربا أمام العودة الى المفاوضات هو السبب وراء التأخر في السعي لنيل عضوية بقية المنظمات الدولية؟
اذا كان الأمر كذلك فانه يحوّل موضوع العضوية من قضية مبدأ وقضية نضال لتحصيل حقوق مكتسبة، الى ورقة مساومة في خدمة مسار المفاوضات، بعد ان تأكد بالملموس وبالتجربة الحية انه لا افق للمفاوضات ولا نتائج وطنية يرجى تحقيقها عن طريقها.
واذا كان السبب وراء التأخر هو تجنب تحمل مسؤولية فشل المفاوضات امام المجتمع الدولي وتحميله لدولة الاحتلال، وهي الحقيقة، فلا تعارض في الأمر.
اين التعارض بين السعي لتحصيل حقوق تقرها الهيئات والمؤسسات الرسمية للمجتمع الدولي بقرارات واضحة وصريحة اتخذتها، وتقرها أيضا هيئاته وجمعياته المدنية، وبين تحميل دولة الاحتلال مسؤولية فشل المفاوضات.
ان تأجيل التقدم لعضوية المؤسسات الدولية لم يكن التزاما من القيادة الفلسطينية بمناسبة المفاوضات ولا شرطاً من شروط انعقادها. كان التأجيل التزاما في اتفاق منفرد ومستقل مقابل إطلاق جميع اسرى ما قبل اوسلو. وقد أخلت إسرائيل بالاتفاق.
ثم ان المجتمع الدولي يحمل دولة الاحتلال فعلا المسؤولية عن الفشل. يتضح ذلك في مواقف غالبية وازنة من قوى المجتمع الدولي بدوله وبمؤسساته وهيئاته المدنية.
وقد تطورت هذه الموقف الى إجراءات عملية ضد استمرار احتلالها وسياساتها الاستيطانية والعنصرية على اكثر من مستوى اقتصادي وسياسي وأكاديمي وثقافي.
وليس أدل على الموقف الدولي من التصريحات العلنية التي صدرت عن اكثر من مسؤول اميركي معني بالمفاوضات والتي تحمّل دولة الاحتلال صراحة مسؤولية فشل المفاوضات.
أبعد من ذلك، فان دولة الاحتلال لا تزال تقدم في كل يوم اسبابا جديدة لإدانة ذاتها سواء بتمسكها بفرض شروطها التعجيزية التي تكرس احتلالها، أو باستمرار ممارستها التوسعية الاستيطانية، او بالقوانين العنصرية التي تسعى لإقرارها والتي تزيد التأكيد انها دولة فصل عنصري وكما تنبأ لها الوزير كيري.
ان الوقت الحالي مناسب تماما للتقدم بخطى مدروسة وسريعة على خط النضال السياسي الدولي عبر الهيئات والاتفاقات والمعاهدات الدولية الرسمية والشعبية، ليلتقي مع خط المصالحة الوطنية وترتيب أمور البيت الفلسطيني وتفعيل مؤسساته، وتصعيد المقاومة الشعبية للاحتلال بكافة أشكالها، وليشكلا معاً جناحَي المشروع الوطني للمرحلة الحالية.
الوطن بحاجة لحلول إبداعية وليس عناوين براقة
بقلم : صلاح هنية – الايام
غالبا ما تمر أسماء خرب وقرى فلسطينية عبر نشرة الأخبار في فضائية فلسطين وغيرها تتحدث عن هدم بركس وهدم حظيرة مواش من قبل الاحتلال وينتهي الخبر هنا، وتشعر كمشاهد أن الحياة انتهت هناك وتوقفت ولم يعد حياة فيها، أو أن تقرأ تصريحاً إعلامياً يستنكر ما وقع في هذه القرية وتلك الخربة وتظن أيضا ان الصفحة طويت ولم يعد هناك من يعيش في هذه أو تلك.
على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية وبحكم عملي في وزارة الأشغال العامة والإسكان ذهبت مع الوزير صوب عدد من القرى والخرب "يانون، طويل، عربة الطبيب، بورين وجبالها، النبي صموئيل" وخلال وجودي هناك كنت أراجع تلك التقارير الإعلامية والصور التي تنقل ما يمارسه الاحتلال، ولكنني رأيت شعبا فلسطينيا مصرا على البقاء، مصراً على أن يزرع ويفلح ويربي المواشي ويصنع الجبنة واللبنة واللبن الرايب، شعباً يقول هنا باقون رغم أننا خارج التغطية، وهذا الكلام ينطلق على سجيته دون هدف فيه اي نوع من الإساءة لأي مسؤول أو أي وزارة، ولكن العتب على قدر المحبة، فهم يعرفون تماما من زارهم ومن آزرهم ومن وقف وقفة تعبر عن دعم الصمود في تلك المناطق.
في تلك المناطق يصبح الأهالي هم قادة الجولة، بمجرد وصولك لديهم لحظتها يجب ان تغض الطرف عن الوقت والترتيب الذي يلي تلك القرية أو الخربة لأنك تصبح أسير المحلي، يأخذونك لأعلى نقطة لكي تدرك مدى استراتيجية موقعهم والمشهد الجميل المطل ليضعوك بصورة أبعاد استهدافهم من قبل الاحتلال، ويقفزون أمامك لتقفز وراءهم ويهبطون لتهبط خلفهم ويتحولون يساراً ويميناً لتسير على خطاهم، وتسمع حكايتهم وميزتهم أنهم لا يرتبون كلماتهم بل يقولون ما في قلوبهم لأنهم يشعرون أنهم على حق مطلق، فهم رأس الحربة في تلك المناطق، تصعد جبال بورين لترى بأم عينك آليات وزارة الأشغال العامة والإسكان وهي تشق الطرق الزراعية في الجبل بمحاذاة المستوطنة، لتجد نفسك بجانب الآليات ومن أمامك المستوطنون يتهددون ويصيحون وجيش الاحتلال يتقمص الدور انه هناك، ما هي إلا لحظات حتى هشم زجاج الجرافة من قبل المستوطنين، ويقف أبناء بورين ليناصروا السائقين ويدعمون بقاءهم رغم أذى المستوطنين، ولكنك تسعد عندما ترى حجم الإنجاز رغم كل ذلك، تسعد عندما تسمع ذلك العجوز الذي يمتطي ظهر حماره ويقول هذا أسعد أيام حياتي، آليات تشق طريقاً لنا لأرضنا.
في عزبة الطبيب اختلفت الصورة جذرياً، هناك كنا قبل عام تقريبا للتضامن وسماع الاحتياجات، أول من أمس كنا هناك، حيث حولت وزارة الاشغال العامة والإسكان المواطن إلى مقاول يقوم بترميم منزله لتحسين ظروف السكن من النواحي الصحية والاجتماعية والعيش الكريم ليصبح المطبخ مطبخاً وغرفة النوم غرفة نوم وتصبح البيئة صالحة، وهذا تدخل مهم ليقوم المواطنون انفسهم بإجراء إصلاحاتهم.
في مخيم عين السلطان في اريحا كان الحديث يدور عن مشروع كبير بطول سبعمائة متر لبناء رصيف ووضع حواجز حديدة على طول الرصيف لمنع اندفاع طلبة المدرسة باتجاه الشارع حيث كثافة حركة السير والخطر على السلامة العامة، بعد زيارة الموقع وحتى لا يصبح مشروعاً كبيراً يتطلب عطاء ومخصصات مالية من الموازنة او موازنة هذا المشروع، وننتظر إدخال المشروع بحكم الحاجة وتحقيق التدخلات التنموية إلى أعمال روتينية يتم خلالها التدخل بطول خمسين متراً لإقامة الحاجز الحديدي مع رصيف لحماية الطلبة.
بلا طول سيرة، في الوطن اليوم تحتاج إلى حلول ابداعية لتحقيق تدخلات تنموية تهدف لدعم الصمود لكي لا تختصر الحكاية إلى عملية هدم وفقط هناك هدم ولكن هناك قصص صمود، قصص بقاء قصص ديمومة الحياة.
الوطن اليوم يحتاج إلى رؤية وهمة عالية وإرادة حتى يشعر المواطن انه محط اهتمام، ولا يحتاج إلى دش حكي عن قضايا ليست من أولويات أولئك، هم يعلمون ويعيشون ويعانون من كون الاحتلال لم يخرج، ويعرفون جيدا ان المناطق المصنفة قسرا "ج" هي مناطقهم والمعاناة معاناتهم والمستوطنون يقذفونهم بالحجارة ويعكرون صفو حياتهم، ولا يحتاجون لتكرار هذه الكلمات امامهم بل هم يحتاجون إلى حلول ابداعية ممن يفترضون انه سياسيون أو مسؤولون في الحكومة.
الوطن اليوم ليس بحاجة لعناوين براقة كبيرة لا تلامس هموم عزبة الطبيب وخربة يانون وخربة طويل ومسافر يطا والجفتلك وعين البيضا وزبدة وغيرها، مالهم ومال مختصرات لأسماء مشاريع كبرى ممولة من هنا وهناك يطلقها ومن ثم يختتمها ومن ثم ينظم حفل استقبال على شرفها، وفي النهاية يظل الحال على حاله ولا جديد عدا عن التكرار والازدواجية، ويظل المفتتحون هم هم والمكرمون هم هم والحضور هم هم ولا جديد.
الوطن اليوم ليس بحاجة لإجراءات شكلية لا تغني ولا تسمن من جوع، كافة القطاعات يجب ان تستنفر من أجل بحث المفاصل المحورية في قطاعاتها والخروج بحلول ابداعية تترك أثاراً إيجابية على المواطن المستهلك في القطاع الصحي والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمياه والطاقة والعمل والعمال والبنية التحتية وغيرها.
إلى قمة "الإيفرست"
بقلم: رامي مهداوي – الايام
قصة نجاح أخرى أضعها عزيزي القارئ أمام عينيك... فقصص البطولات كثيرة في فلسطين وأحلام الشباب تحديداً ما إلها حدود... أكتب لكم هذه الكلمات وأنا سعيد بها، لأنه بطل مقالي هو شاب تعرفت عليه أثناء تدريبي لمجموعة شبابية حول الإعلام وبعد ذلك أصبحنا أصدقاء، يقول بطل المقال الشاب محمد القاضي (24 سنة)، "على قدر حلمك تتسعّ الأرض"، محمد ابن سيلة الظهر في جنين، فلاح بسيط وطموح ويسعى لتحقيق أحلامه وأهمها تسلّق قمّة "افرست" ورفع علم فلسطين أعلاها.
محمد يدرس حالياً فن الطبخ "الفرنسي" في فرنسا، وبعد حديثي معاه فمن الواضح ان تواجده خارج البلد شحنه بمسؤولية كبيرة ليوصل رسالة الشعب الفلسطيني للأوروبيين مثل ما بقول، وحكايته مع إيفرستْ بدأت من لما بدأ بمبادرة شخصية لرفع العلم الفلسطيني في كل مكان بوصله في العالم، لأن القاضي بسافر مرتين شهرياً في نهاية الأسبوع. في المؤتمرات الدولية، المباريات، جبل الألب .. في كل هذه الأماكن قدر محمد أنه يرفع علم فلسطين فيها.
علاقة الطموح وتحقيق الأهداف علاقة جدلية، فربما تموت هذه العلاقة مع ولادة معرفة ما هو الهدف!!، فينكسر .. يموت الطموح بمعرفة كم المسافة بعيدة؟ كم من الطاقة لدينا؟ كم من العوائق سيتم مصادفتها؟، هناك من يقتله طموحه أيضاً!!، وهناك من تجعل منه الظروف مبدع وريادي وخلاّق في أمور عجز عنها الكثير الكثير لمجرد التفكير بها.
عندما وصل محمد القاضي لجزء من الطموح زادت عزيمته وقرّر أن يبحث عن حلمه الأول وهو تسلق قمة "ايفرست"، وهي القمة التي حدثه عنها والده قبل 14 عام من الآن (أي وعمره 10 سنوات)، وأخبره يومها بأن قمة ايفرست هي من القمم العظيمة والقليل استطاع تسلقها أو الوصول إليها، ومنذ ذلك التاريخ ظلّ محمد يفكر بهذا الحلم ولسان حاله يقول، "سيأتي اليوم الذي أحقق فيه حلمي".
أكثر شيء بحاجة له الطموح هو الإرادة، ولكل منا طموح دون إرادة وربما العكس هناك الكثير ممن لديه إرادة في فعل شيء ما لكن هذا الشيء مبعثر.. نجهله.. غير واضح.. نخاف من خوف لم نخضه ولم نواجهه بعد، فتموت الإرادة والطموح معاً كأنهما توأم لم يكتشفا بعد معنى الحياة بسبب الإجهاض الذاتي للجسد والعقل!!.
قبل فترة انضم القاضي لنادي هواة متسلقين وبدأ بالتدريب عشان يوصل حلمه فعلاً وتسلّق وقتها قمة "الألب" ورفع علم فلسطين، وعن هالتجربة بقول محمد، انه "شعر بقمة الفرحة، وانها بداية لتحقيق حلم أكبر"، ويومها كمان وصّل القاضي كثير رسائل من أعلى القمة ومنها الوحدة الوطنية في يوم الأرض، وأن علم فلسطين واحد ويجب احترامه واحترام من استشهد لأجله. يومها لم يكن القاضي وحده سعيد، كنت أنا وغيرنا من الأصدقاء والكثييييييييييير من الفلسطينيين انتصرنا بانتصاره.
العوائق التي تواجه الطموح قد تقتلنا إذا ما تم التفكير بها والعيش بداخلها دونما التمرد عليها كأنها جزء من رحلة الوصول الى الهدف، قد يكون الباب مغلق ونؤمن بأنه لم ولن يفتح من أجل الوصول الى ما بعد الباب، فتفكيرنا بأن الباب يفتح فقط بالمفتاح الذي لا نمتلكه يجعلنا نقف أمامه ساكنين كالأموات، وهنا يأتي الإبداع في كيفية فتح هذا الباب... .
الآن وبعد مغامرة الألب بيفكّر محمد القاضي بتسلق قمة "الايفرست" وبعد معاناته بسبب الإهمال بعد مطالبته بالمساعدة لتمويل رحلته التي تكلف 50 ألف دولار، نشر تغريدة على التويتر ومن خلالها تواصل معه رجل أعمال قطري وتبرع بهذا المبلغ وطلب عدم الكشف عن اسمه. إذن القاضي سيبدأ بالصعود الى قمة إيفرست مع بداية نيسان 2015 وتستمر لمدة شهرين... بالتوفيق يا صديقي.
محمد يجيب على الناس الي بتتساءل "لماذا ايفرست؟ وماذا سنستفيد من هذه الخطوة؟"، حيث يقول، انه كشاب فلسطيني يرى أنه مطالب بإيصال رسالة شعبه بأي طريقة يراها مناسبة ويكون قادر على فعلها، ويؤكد على أن ريع التسلق سيذهب لصالح اللاجئين الفلسطينيين، كمان انه رح يشرف شخصياً على حملة التبرعات لصالح اللاجئين الفلسطينيين.
هدف محمد كما غيره من الشباب أن يثبت أن أبناء الشعب الفلسطيني "باقون هنا، قاعدون هنا، وهنا سنكون"، وتبدو عزيمته أقوى بكثير من كل من يحاول طمس هوية الشعب الفلسطيني، فإرادة الشباب بإمكانها ان تنتصر على كل شيء، ورسالته اليوم وغداً للشباب أن عليهم ألا يستسلموا ويستمروا بالمحاولة حتى النجاح... والصعود إلى ما بعد الإيفرست.
زيارة البابا
بقلم: وليد بطراوي – الايام
أتفهم حاجتنا لإثارة قضيتنا العادلة في كل المحافل وامام الشخصيات العالمية ورؤساء الدول والزعماء، وأتفهم تطلعنا الى زيارة قداسة البابا وآمالنا بأن يقول كلمته التي يتأثر بها ملايين البشر، ولا اعترض بأن نرفع اليافطات واللافتات التي تطالب بأبسط حقوقنا خلال زيارته، وان نتحدث اليه لشرح ما نريد، علماً بانه كان قد اعلن ان زيارته هي دينية بحتة. لكنني أؤكد أن إسرائيل لن تغير من سياستها تجاهنا ومن استهدافها لأرضنا، وان قداسته لن يستطيع ان يؤثر في القرار الإسرائيلي، تماما كما لم تستطع ولن تستطيع شخصيات وحكومات ودول العالم التأثير على إسرائيل.
C
يكاد لا يمر يوماً الا ونسمع عبارة "منطقة C". فما هي منطقة C وما هي حدودها وماذا تشمل؟ هذا ما حاولت البحث عنه، فلم اجد قائمة متوفرة للعموم، وما وجدت كان مجموعة خرائط تتشابه ألوان تقسيماتها فتضيع معالم المنطقة C.
CC
ضحكت كما ضحك الآخرون عندما شاهدت السيدة المصرية منى البحيري وهي تشتم اوباما وترفع شارة النصر للمشير السيسي. وبعد ان ضحكت، عدت لمشاهدة المقطع المصور، وشاهدت مقابلات معها، فوجدت أنها امرأة عفوية، تعبر عن نساء مصر البسيطات، تستخدم ما تمتلك من كلمات انجليزية تعلمتها في مدارس مصر المتهالكة التي يرتادها ملايين الأطفال بعضهم يخرج منها باقل مما تعرف البحيري. ليست سيدة مخملية، وإنما ام مصرية تريد بكلماتها البسيطة ان تعبر عن نفسها، فلها كل الاحترام والتقدير، و"شت اب يور ماوس" لكل الذين تهكموا عليها "منى البحيري يس منى البحيري يس".
الفلسطيني
ربما كنت في السابعة من عمري عندما شاهدت ولأول مرة كلمة "الفلسطيني" تكتب على أحد المباني علناً. كان ذلك في احد شوارع العاصمة الاردنية عمان، فلم يكن بإمكان اية مؤسسة داخل الاراضي المحتلة ان تستخدم "الفلسطيني" او ما يمكن ان يشير الى ذلك، "الهلال الأحمر الفلسطيني" هذا ما كتب على المبنى، رأيت الناس هناك بالعشرات، ممرضين وممرضات، وسيارات إسعاف، طننت في بادئ الأمر ان مكروها قد حصل، فقالت لي والدتي، رحمها الله، إنه مقر الهلال الأحمر الفلسطيني، مؤسسة طبية فلسطينية تساعد الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، ولتبسط لي الأمر قالت، "مثل المستشفى".
من هناك بدأت معرفتي بالهلال الأحمر الفلسطيني، ثم توطدت هذه العلاقة بعد ان ولدت ابنتي الاولى وبعد عشر سنوات الثانية، وزادت ثقتي بهذه المؤسسة عندما عالج احد أطبائها آلام ظهري، وفكك اختصاصي العلاج الطبيعي توترات عضلاتي، فذهبت الآلام الى غير رجعة. قبل أيام، شن الكثير من الصحافيين وأبطال الفيسبوك والعامة حرباً على هذه المؤسسة العريقة بعد وفاة امرأة عشرينية خلال عملية الولادة، بغض النظر عن التفاصيل التي سمعتها من أطراف مختلفة قد يكون كل منها على حق، فقد تسرع الصحافيون وبعض المسؤولين بالحكم على ان ما حدث هو "خطأ طبي" قبل ان تخرج لجنة التحقيق بنتائجها، ودون الاطلاع على التقارير الطبية ونتائج عملية التشريح، ولو افترضنا جدلاً ان خطأ طبياً قد حدث، وهو بالمناسبة امر مرفوض ويجب ان يحاسب المسؤول عنه، فلا يجوز ولا بأية حال من الأحوال التشهير بالمؤسسة ككل وشمل الصالح بالطالح.
بدها شوية نظر
ذهبت وابنتي لإجراء فحص نظر، كمتطلب من متطلبات الحصول على رخصة سياقة، وصلنا الى الطابق السفلي -1 في مبنى صحة رام الله والبيرة الواقع في منطقة البالوع، طلب منا الموظف هناك ان نتوجه الى الصندق، ودفعنا مبلغ 100 شيقل، عدنا ووقفنا ننتظر، وأقول وقفنا لأن عدد المقاعد التي تم توفيرها هناك 18، بينما ما استطعت إحصاءه من مراجعين كان 35 شخصاً، أصابني الدوار فالمكان اشبه بالقبو، والموظفان المسكينان يجلسان في غرفة لا تهوية فيها ولا شمس، وفوق رأسيهما عشرات المراجعين، غرفة الطبيب كذلك، دخلنا بعد انتظار ساعة ونصف، فجلست ابنتي للفحص. أعطاها الطبيب نظارة، فيها عدسة اليمين مظلمة ولا توجد عدسة في اليسار، العدسة المظلمة مشقوقة من النصف، استبدل الطبيب النظارة بأخرى، هذه المرة لا توجد عدسة يمنى، ولا توجد عدسة يسرى، بل استبدلت اليسرى بلاصق طبي غطاها، سألت الطبيب "الا يوجد نظارة اخرى؟" أجاب "ايدي بحزامك"، المرآة التي تعكس إشارات فحص النظر، مشقوقة نصفين، تساءلت "يدفع كل من يريد فحص النظر 100 شيقل اي ما مجموعه 3500 شيقل لمن أحصيت من مراجعين، ولا تستطيع الوزارة توفير نظارة افضل واستبدال المرآة المشروخة؟"، خرجنا وانتظرنا في الرواق الذي يتشارك فيه قسم الأشعة، وبينما ننتظر وقعت يدي على مجموعة ملفات طبية كتب عليها "كشف فحص الثدي"، وأخذت أقلب الملفات وأقرأ ما فيها، وأخرجت هاتفي النقال وصورتها، فهي بمتناول الجميع. حتى أنني أردت ان احمل احد الملفات واذهب به الى وزير الصحة، الا أن ابنتي نبهتني أن هذا "غير قانوني"!.
لو كنت مسؤولاً
وأردت تركيب أجهزة مراقبة تشمل كاميرات ليلية ونهارية، ابيض واسود وملون، أمام الفيلا التي تقع ضمن حي فيه كثير من البيوت المتلاصقة او امام وخلف وفوق وتحت وداخل العمارة التي تقع فيها شقتي، ولو كنت اركب هذا النظام لأنني حقاً اريد السلامة والامن للجميع وليس "تفشخراً" واستعراضاً، لاستأذنت الجيران قبل أن أقوم بهذه الخطوة، وبعد أخذ الإذن منهم، لأعلنت بوضع لافته ان المكان مراقب بالكاميرات من كل الجهات.
الشاطر أنا
في شركات مؤسسات تجارية بتتشاطر علينا احنا الصحافيين وبتقولنا تعالوا اعملوا عنّا تقرير. ولما بينتشر التقرير ما بكون الا عبارة عن دعاية او اعلان تجاري مطول وماخذ نص الصفحة او ربعها بدون ما الشركة او المؤسسة التجارية تدفع فلس. وانا لاني شاطر بدي اعمل مثل هالمؤسسات لانه ما في حد اشطر من حد، واستغل هالزاوية اللي اسمها الشاطر انا باني اقولكم اليوم مش راح اكتب عن الشطارة واللي بدو يعرف "الشاطر انا" بشو بفكر ما اله الا يسمعني كل يوم على اذاعة 24FM.
تغريدة الصباح - شكوى لله "الصمد"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
لن ينتقل البث، في هذا اليوم، الى غزة، لأن ما سوف أسجله وأسمعه هناك، معلوم سلفا. لكن ما يقلقنا بشكل عام، أن لقضايا الوجع في كل مكان من بلادنا، تعليلات مؤلمة، ربما من أكثرها مرارة، أن هذه المنطقة أو تلك، مستهدفة في أرزاق أبنائها. إن هذا، في الرؤية الموضوعية، هو التعليل الذي يتكئ اليه الشاكون في كل مكان. بالمقابل، تلجأ زمرة الظالمين المحابين لمناطقهم بالقول همسا، إنهم ينصفون مظلوميها. هنا تنتقل الكاميرا الى المشهد العام للاجتماع السياسي، الذي لا يقوم ولن يأخذ مفاعيله الإيجابية، على صعيد الصراع مع الاحتلال، بغير منظومة إدارية رصينة ومحايدة وشفافة، ذات مرجعيات وطنية، في الثقافة وفي السياسة، لا تتجاهل أصلا ولا فرعا لأية مشكلة، وأقل ما تؤمن وتعمل به، هو مبدأ أن الناس متساوون، وأن كل أسرة فلسطينية أينما كانت، عاشت سنوات حياتها احتمال مشروع للتضحية بأحد الأبناء أو أكثر، وبالدار أو أكثر، وبسعادتها العائلية أو أكثر!
كلام كثير نرغب في قوله، حول ما تعرض له موظفو السلطة في غزة الذين توقف زمنهم الوظيفي عن النمو، بقرار يتوخى تشغيل الزمن السياسي في وضعية الخصومة، بينما ظلت أكلاف الحياة ترتفع، وزمننا على صعيد السياسة الداخلية يتلعثم. بمعنى إن كلفة المعيشة تتضخم والرواتب تنحت. وحيال بعض الإجراءات، وكلما ضاقت السبل الأرضية وعز تفسير الألغاز، كانت السماء هي الملجأ الوحيد للحيارى والمكلومين. ربما تكون سورة "الإخلاص" في القرآن الكريم، هي أكثر السور ترددا على الألسنة لقصرها: "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد".
تلك سورة تختصر مطولات الإيمان والصبر. إن صفة "الصمد" فيها، تمنحك أعز عناوين الشكوى عندما تنشأ الحاجة ويتوغل الألم، لأن "الصمد" هو المقصود الذي نتوجه اليه. فالشكوى، في غيبة العدل، هي أولا وأخيرا، لله الصمد. وإن كان العدل، أساس الملك، فهو ليس كلمة تقال. وإنما هو نبع أخلاق وقناعات، ونظام تشريع يحترم، ومنظومة عيون غيورة تراقب، ونظام قضاء يردع، وموقع سياسي يحسم. وعندما تحل الفوضى وتطغى العشوائية والمزاحمة، وتنعقد المقارنات، وتشرق الظنون وتغرب، يجري السباق كسباقات الجري التي تبدأ بخمسن ألفا وتنتهي بعشرة أو عشرين فائزا. كل يفتش عن خلاصه الفردي، ويستعين بالأحلام.
تلقيت أمس، من أحد أبنائنا في الضفة، رسالة طريفة. الشاب، واسمه الكامل موجود لمن يرغب في الاستزادة، غلبته نزعة طاغية الى الدكترة بالتحصيل وبالجدارة. طلب ابتعاثا فلم يحصل عليه. طلب إجازة من دون راتب، فلم يحصل عليها. استقال على أمل أن يعود بـ "الجوكر" فينفتح له الطريق الى استعادة ما خسر، وهذا حقه على أية حال. في الحقيقة استشارني هو عبر مراسلات متواصلة، وقلت له إن الدراسة العليا تفصيلية وغالبا ما تكون للمستريح ماديا ولمن يكون على رأس عمله. لكن رغبته التي حسمت. ذهب الى الدراسة وعاد باللقب المفخم!
استأنف التواصل معي، وهذه المرة لكي يحصل على وظيفة في إحدى الجامعات، وانتهت محاولاته ومحاولاتنا معه، بوعد أن يصار الى تعيينه في شهر أيلول من هذه السنة. لكنه أمس أرسل يقول، وهو يخاطبني بشيء من اللهجة المصرية (ولا أدري هل ذلك بسبب انطباع لدى بعضنا في الضفة أن أهل غزة يتخاطبون بالمصرية، أم لأنه هو درس في القاهرة وعاد بمصريته الخاصة):
"إزاي حضرتك عمي أبو شعبان؟ اخبارك إيه؟ آمل أن تكون بخير وصحة جيدة. عذرا عمي أبو شعبان: والله الليلة شفتك بالمنام وكنت حضرتك جالس أمامي ومسترخي ومبتسم وشاعر بالسعادة، وقلت لي: إذا أمورك بالجامعة ما مشيت بشهر 9 راح أجيبك عندي على السفارة!
آسف بس طول اليوم وأنا بفكر بهذا الحلم. لا قدر الله لو ما مشيت أموري بالجامعة، ممكن الحلم يتحقق؟. والله كله مؤامرات والشاطر اللي بده ياكل التاني. حسبنا الله ونعم الوكيل. حبيبي عمي أبو شعبان وخالص احترامي..."
ذهب الشاب، لتحصيل الأعمق في دراسات السياسة، التي هي فيزياء إدارة حياة الأمم والأوطان، ولما وجد المشهد ممتلئا بخزعبلات المزاحمة والتمرير، غط في النوم وأنتج حلمه الجميل أو حيلته الظريفة. هنا، نبدأ المسعى، مع ابتسام واسترخاء - حسب المرسل - بإحالة شكواه وشكواي، الى "الصمد" الذي لا يرجى سواه، مع التذكير بأن السلك الدبلوماسي يزدحم بالموظفين، لكنه يحتاج الى الكادر المؤهل!
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
</tbody>
<tbody>
السبت
24/5/2014
</tbody>
<tbody>
</tbody>
Ø معازل نتنياهو وبينيت !!
بقلم: حديث القدس – القدس
Ø زيارة البابا فرنسيس الأول ... رسالة سلام ومحبة ودعم للبسطاء والمساكين
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
Ø مدرسة "راهبات الوردية" ...بين التمسك بالقوانين .. ومراعاة مشاعر الآخر!
بقلم: عزام توفيق ابو السعود – القدس
Ø عن استئناف عملية المصالحة في فلسطين
بقلم: ماجد عزّام – القدس
Ø خريف عربي وربيع اسرائيلي
بقلم: يوسف قطينة – القدس
Ø بالجرم المشهود
بقلم: حسن البطل – الايام
Ø البعد العربي للقضية الفلسطينية مغيب!!
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
Ø الفلسطينيون بين خطابين: إذا أردتم تثبيت الناس لا تنظروا إلى نصف الكأس الفارغ فقط
بقلم: حسين حجازي – الايام
Ø لماذا التأخر في نيل عضوية بقية المنظمات الدولية؟
بقلم: صادق الشافعي – الايام
Ø الوطن بحاجة لحلول إبداعية وليس عناوين براقة
بقلم : صلاح هنية – الايام
Ø إلى قمة "الإيفرست"
بقلم: رامي مهداوي – الايام
Ø زيارة البابا
بقلم: وليد بطراوي – الايام
Ø تغريدة الصباح - شكوى لله "الصمد"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
معازل نتنياهو وبينيت !!
بقلم: حديث القدس – القدس
مرة أخرى يثبت رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يتخبط سياسيا ولا يمتلك أية رؤية لإيجاد حل عادل ودائم وان ما يهمه هو تكريس احتلال أجزاء واسعة من الضفة الغربية وحشر الفلسطينيين في معازل وكانتونات محاصرة برا وجوا وبحرا وتابعة اقتصاديا للاحتلال الاسرائيلي، في محاولة لتخليص اسرائيل من الأعباء التي يفرضها القانون الدولي على دولة الاحتلال معتقدا أو واهما ان السلطة الوطنية والشعب الفلسطيني يمكن ان يقبلا بمثل هذه الاجراءات التي أعلن في اسرائيل امس أنه يدرسها بهدف التخلص من المناطق المكتظة بالفلسطينيين وبحيث تتحمل السلطة الوطنية المسؤولية عن الوضع في مثل هذه المناطق.
إن أقل ما يمكن ان يقال بهذا الشأن ان نتنياهو يذكرنا بذلك بنظام التمييز العنصري الأبارتهايد - في جنوب افريقيا والمعازل التي حشر فيها ذلك النظام العنصري البائد السود وألحق بهم ظلما تاريخيا على مدى عقود مع الفوارق طبعا بين الجاليتين، كما يذكرنا بالكثير من الاحتلالات وما مارسته من تمييز وقمع وظلم.
ولا يختلف حال نتنياهو عن حال أحد أقطاب حكومته وزير الاقتصاد المتشدد بينيت الذي دعا الى ضم المناطق "ج" الى اسرائيل ولا عن حاخامات ومتطرفي ومستوطني نتنياهو الذين يدعون لتوسيع الاستيطان وتكريس الاحتلال وتهويد القدس، في أبشع ما يمكن للنفس البشرية ان تتخيله من ممارسات لا أنسانية وانتهاكات فظة واستلاب لحقوق شعب بأكمله.
ان ما يجب ان يقال لنتنياهو وبينيت وكل المتطرفين في اسرائيل انهم يخطئون خطأ جسيما اذا ما توهموا أو اعتقدوا ان فلسطين التي اعترف بها المجتمع الدولي قابلة للقسمة والضم والتنازل أو اذا ما تهيأ لهم ان من حقهم الاعتداء بهذا الشكل السافر على حقوق شعب فلسطين وأراضي دولة فلسطين التي تشمل حسب قرارات الشرعية الدولية كامل الأراضي المحتلة من العام 1967 وفي مقدمتها القدس العربية.
ولتذكير بينيت ونتنياهو ، فإن كل قرارات المصادرة والضم والاستيطان تعتبر باطلة وغير مشروعة في نظر القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ولن تغطي وقاحة من يريد التصرف بحقوق وممتلكات شعب آخر على حقيقة هذا البطلان ولا على حقيقة تمسك شعبنا بكامل حقوقه المشروعة وسيواصل مسيرته الشاقة والطويلة حتى ينتزع حقه في الحرية والاستقلال.
والأغرب ان يحاول نتنياهو وبينيت تسويق مخططاتهما الاستعمارية هذه تحت ذريعة فشل مفاوضات السلام ومحاولتهما تحميل الجانب الفلسطيني المسؤولية، فالذي يسعى لتحقيق السلام لا يلجأ الى الاستيطان والضم والمصادرات وحرمان شعب بأكمله من حقوقه ولا إلى مثل هذه الانتهاكات الفظة للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية.
ويجب على نتنياهو وبينيت وأمثالهما ان يدركا ان ليس من حقهما التصرف في حقوق وممتلكات شعب آخر ودولة أخرى وأن من الأجدر بهما أن يدركا ان عزلة اسرائيل دوليا وتنامي دعوات المقاطعة ضدها ورفض العالم العربي والإسلامي لإقامة علاقات طبيعية معها إنما سببه مثل هذه السياسة التي تهدد الأمن والاستقرار وتعبر عن عهود احتلال عفا عليها الزمن ولم يعد العالم يقبل بها، وعليهما ان يتذكرا ان الشعب الفلسطيني سيرفض أية مخططات أو حلول لا تلبي حقوقه الثابتة والمشروعة.
زيارة البابا فرنسيس الأول ... رسالة سلام ومحبة ودعم للبسطاء والمساكين
بقلم: المحامي راجح أبو عصب – القدس
الزيارة التاريخية التي سيقوم بها قداسة البابا فرنسيس الأول إلى الأراضي المقدسة والمملكة الأردنية الهاشمية والتي تبدأ اليوم السبت الرابع والعشرين من أيار الجاري حيث سيبدأ بزيارة الأردن أولا حيث ستهبط الطائرة التي تقل قداسته في مطار الملكة علياء الدولي في العاصمة الأردنية عمان في الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم السبت، حيث سيقام له حفل استقبال رسمي في القصر الملكي في عمان ويلتقي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وعقيلته الملكة رانيا العبدالله وكبار المسؤولين الأردنيين.
وتأتي زيارة قداسة البابا فرنسيس هذه وذلك بمناسبة الذكرى الخمسين للقاء قداسة البابا بولس السادس والبطريرك أثيناغوارس الأول بطريرك القسطنطينية في القدس في شهر كانون الثاني من عام 1964 وذلك خلال زيارة البابا بولس السادس للأراضي المقدسة.
وقد كانت زيارة قداسة البابا بولس السادس للقدس قبل خمسين عاما غاية في الأهمية حيث وجهت تلك الزيارة آنذاك أنظار المؤمنين في العالم إلى أهمية القدس الدينية، كما أن تلك الزيارة أفضت إلى تحقيق التقارب المسيحي وذلك عبر اللقاء التاريخي بين قبطي الكنيسة الكاثوليكية البابا بولس السادس والأرثوذكسية البطريرك أثيناغوراس وأيضا ساهمت بكل الزيارة في بدء الحوار الإسلامي المسيحي.
وسيلتقي البابا فرنسيس الأول في الأردن لاجئين فلسطينيين مقيمين في الأردن بالإضاقة إلى مجموعة من الشباب الأردنيين وعدد من ذوي الإحتياجات الخاصة وذلك في كنيسة اللاتين في بيت عنيا عبر الأردن "وذلك شرقي نهر الأردن في موقع المعمودية المغطس". وسيقيم البابا فرنسيس قداسا إلهيا في استاد عمان الدولي ويوم غد الأحد يغادر البابا فرنسيس الأردن إلى مدينة المهد حيث سيقام له استقبال رسمي في القصر الرئاسي في بيت لحم، وسيكون على رأس مستقبليه في القصر الرئيس محمود عباس وكبار رجالات السلطة الفلسطينية. ويترأس الحبر الأعظم في الساعة الحادية عشرة صباحا قداسا إلهيا في ساحة كنيسة المهد يعقبه تلاوة البابا صلاة "إفرحي يا ملكة السماء" وسيقوم البابا بزيارة مغارة الميلاد في بيت لحم، وسيلتقي أطفالا من مخيمات الدهيشة وعايدة والعزة.
وسيلتقي غدا الأحد البابا فرنسيس في الرسولية في القدس مع بطريرك القسطنطينية المسكوني حيث سيوقع الإثنان على بيان مشترك، وفي الساعة السابعة مساء سيعقد لقاء مسكونيا في متابعة الذكرى الخمسين للقاء البابا بولس السادس والبطريرك أثيناغوراس وسيكون اللقاء في كنيسة القيامة في القدس.وفي اليوم الأخير من الزيارة أي يوم الإثنين بعد غد سيزور البابا فرنسيس مفتي القدس والديار الفلسطينية في المسجد الأقصى، كما سيقوم عصر يوم الإثنين بزيارة بطريرك القسطنطينية في المبنى المجاور للكنيسة الأرثوذكسية على جبل الزيتون في القدس، وسيستقبل أيضا الكهنة والرهبان والراهبات والطلاب الإكليريكيين في كنيسة الجسمانية في جبل الزيتون، وفي الساعة الخامسة والدقيقة العشرين يترأس القداس الإلهي مع رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة والوفد البابوي المرافق له في القدس.
وهذه اللقاءات والزيارات والقداديس والصلوات تأتي إلى جانب لقاءاته مع مسؤولين ورجال دين يهود حيث سيلتقي رئيس اسرائيل شمعون بيرس في مقره الرئاسي في القدس الغربية، كما سيلتقي رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو في فندق النوتردام في القدس، كما سيلتقي الحاخامين الأكبرين لإسرائيل وسيزور أيضا حائط البراق، ومساء يوم الإثنين يغادر البابا عائدا الى روما بالطائرة من مطار اللد.
وهكذا يتضح أن برنامج زيارة البابا فرنسيس الأول للأردن والأراضي المقدسة حافل باللقاءات مع كبار المسؤولين السياسيين الأردنيين والفلسطينيين والإسرائيليين وكذلك لقاءات مع رجال الدين المسيحي من مختلف الطوائف إضافة إلى لقاءات مع رجال الدين الإسلامي والمسيحي. هذا عدا عن لقاءاته مع مجموعات شبابية ومن أطفال المخيمات في الأردن والضفة الغربية وذوي الإحتياجات الخاصة.
ومن هنا تكتسب زيارة البابا أهمية كبرى حيث أنه يحمل رسالة سلام ومحبة وإفاء وتعاون بين الديانات السماوية الثلاث الإسلامية والمسيحية واليهودية. وما أحوج أرض السلام اليوم إلى هذا السلام المفقود حيث أن مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية وصلت إلى طريق مسدود جراء رفض الحكومة الإسرائيلية الوفاء بالتزاماتها تجاه عملية السلام وإصرارها على الإستمرار في سياسة التوسع الإستيطاني، حيث أن البناء الإستيطاني الإسرائيلي فوق الإراضي الفلسطينية وراء تخريب وإفشال المفاوضات، كما صرح بذلك دبلوماسيون أميركيون رفيعو المستوى إلى صحفي اسرائيلي بارز وفق ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" ورغم عدم الإفصاح عن هوية أولئك المسؤولين الأميركيين فإنه يفترض على نطاق واسع أن أحدهم هو مارتن إنديك مبعوث الإدارة الأميركية لعملية السلام. وقد يكون الرئيس أوباما نفسه، وهذا الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات حمل الرئيس أوباما إلى صرف النظر عن عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، وتوجيه وزير خارجيته جون كيري إلى التركيز على الملف النووي الإيراني والأزمة الأوكرانية. كما أن هذا الفشل حمل مارتن أنديك إلى العودة إلى معهد بروكينغينر حيث كان يعمل نائبا لمدير هذا المعهد.
ولا شك أن البابا فرنسيس باعتباره رجل سلام سيناقش مع المسؤولين العرب والإسرائيليين ورجال الدين من مختلف الطوائف مسألة دفع مسيرة السلام إلى الأمام، وسيحث الجميع على العمل من أجل هذا السلام المنشود وإنهاء الصراعات والنزاعات في هذه الأرض المقدسة خاصة وأن الديانات السماوية تدعو إلى الإخاء والمحبة والسلام وتنبذ العنف وسفك الدماء وتحترم النفس الإنسانية وتحرّم الإعتداء عليها بأي شكل من الأشكال. والمعروف عن البابا فرنسيس الأول أنه المدافع عن السلام والبساطة والفقراء.
ومعروف أن البابا فرنسيس الأول التواضع ودعم الحركات الإنسانية والعمل على تحقيق العدالة وتشجيع الحوار والتواصل مع مختلف الثقافات وهو أول بابا من أمريكا الجنوبية والأرجنتين حيث غالبية سكان دول تلك القارة من البسطاء والفقراء والكادحين، وكان وثيق الصلة بأولئك البسطاء والفقراء والكادحين، ولذا أقام في بيت القديسة مارثا لافي المقر الرسمي في القصر الرسولي.
ولأنه نشأ في أسرة فقيرة حيث كان والده عاملا في السكك الحديدية فإنه أحس بآلام الفقر وأصبح نصيراً للفقراء والمساكين، ولذا تسمى باسم فرنسيس اقتداء بالقديس فرنسيس الأسيزي الذي بزغ نجمه في القرن الثالث عشر الميلادي والذي ترك حياة الترف واختار حياة الزهد وترك عائلته وأصدقاءه وبدأ بالدعوة إلى مساعدة الفقراء. ومن هنا جاء حرص البابا فرنسيس على مقابلة أطفال من المخيمات في الأردن وفي بيت لحم والتقائه بذوي الحاجات الخاصة. ولذا قال الرئيس باراك أوباما عقب اختيار البابا فرنسيس مباشرة أن هذا البابا الجديد يحمل رسالة المحبة التي ألهمت العالم منذ أكثر من ألفي عام.
ومن هذا المنطلق فإن البابا فرنسيس اختار موضوع "الحماية" ليكون موضوع عظته الأولى التي ألقاها في الوفود التي شاركت في حفل تنصيبه في ساحة القديس بطرس بروما في التاسع عشر من آذار عام 2013 حيث دعا فيها الجميع ممن لديهم مناصب مسؤولة في الميادين الإقتصادية والإجتماعية والسياسية ليكونوا حماة الخلق والبيئة والأطفال والمسنين والمحتاجين، كما دعا إلى التصدي لعلامات الدمار في الخلق.
ولا شك أن لقاء البابا فرنسيس بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس محمود عباس ورجال الدين الإسلامي في الأردن وفلسطين ستثري الحوار الإسلامي المسيحي وستؤكد على روابط المحبة والإخاء والتعاون بين أتباع الديانتين السماويتين الإسلام والمسيحية، خاصة في هذا الوقت الذي يرتكب فيه متشددون ومتطرفون إسلاميون جرائم ضد الأشقاء المسيحيين وضد كنائسهم في سوريا والعراق ومصر. حيث أن الإسلام يبرأ من كل تلك الإعتداءات وقد اعتبر القرآن الكريم النصارى الأقرب مودة للمسلمين حيث قال عز وجل في سورة المائدة " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون" ولا شك أن الأخوة الإسلامية المسيحية تتجلى في أروع صورها في المجتمع الفلسطيني، فهو مجتمع متحاب متآخ متعاون لا يعرف التعصب المذهبي ولا الديني ولا العرقي، فالمسلم يحترم المسيحي وكذلك المسيحي يحترم المسلم والكل يؤدي شعائره الدينية في أجواء من المحبة والرحمة، فتجد الكنيسة إلى جوار المسجد ويتشارك أبناء الشعب الواحد في الأفراح حيث يتبادلون الزيارات والتهاني وكذلك في الأتراح حيث يتشاركون في الأحزان ويواسي بعضهم بعضا والكل يشارك في بناء الوطن.
ولا شك أن الرئيس محمود عباس يمثل القدوة في العلاقة الأخوية بين المسلمين والمسيحيين فهو يشارك شخصيا في احتفالات أعياد الميلاد المجيد في مدينة بيت لحم ويحضر الصلوات والقداديس التي تقام في تلك الأعياد ويقدم التهاني لرجال الدين المسيحي، كما أنه أمر بأن تكون تلك الأعياد عطلا رسمية في الدولة الفلسطينية.
وختاما فإننا إذ نرحب بزيارة البابا فرنسيس وصحبه وخاصة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي أصر على مرافقة البابا في زيارته للأردن والأراضي المقدسة رغم الحملة الشديدة التي شنت عليه من بعض الأوساط اللبنانية، وقد أشاد الرئيس عباس بخطوة البطريرك الراعي باعتبارها دعما للشعب الفلسطيني وفاتحة لزيارات للعديد من الإخوة العرب والمسيحيين وغير المسيحيين. والله الموفق
مدرسة "راهبات الوردية" ...بين التمسك بالقوانين .. ومراعاة مشاعر الآخر!
بقلم: عزام توفيق ابو السعود – القدس
أتردد كثيرا كل عام ، وعند حلول موعد حفل التخرج السنوي لمدرسة راهبات الوردية، في الكتابة حول موضوع مقاطعة او حرمان من تصر من خريجات هذه المدرسة، من المشاركة في حفل التخرج اذا اصرت على ارتداء الحجاب الشرعي الإسلامي!
واليوم اريد مناقشة هذا الموضوع، رغم حساسيته، بطريقة عقلانية آمل من كل من ادارة المدرسة وأهالي الطالبات أن يفتحوا صدورهم وقلوبهم لهذا النقاش برحابة صدر وعقلانية، نحن بحاجة اليها دوما في تعايشنا الاسلامي المسيحي النموذجي عبر العصور، وعبر الف وأربعمائة عام مضت في هذه المدينة المقدسة، وعلى هذه الأرض المقدسة!
أولا : مدارس الراهبات في بلادنا لها تقاليدها واساليبها وطرقها ومعاييرها وزيها الخاص التي تريد أن تتمسك بها، وهذا حق طبيعي لها لا يختلف عليه اثنان، ومن يرسل ابنته الى احدى مدارس الراهبات يجب أن يعرف مقدما أن عليه أن يلتزم بتقاليدها، فإن كانت هذه المعايير وهذا الزي لا يعجب بعض أولياء أمور الطالبات فليجد لإبنته مدرسة أخرى يعلمها بها ...
ثانيا : منذ بدء إنشاء مدارس الراهبات، او المدارس التابعة للأديرة والطوائف المسيحية المختلفة في القدس وفلسطين، وبعضها تجاوز وجودة أكثر من قرن أو على الأقل عدة عشرات من السنين في القدس خاصة، وفي فلسطين عامة، وأكثر طالباتها من الفتيات المسلمات، اللواتي يستطيع أهلهن دفع اقساط التعليم المرتفعة لها، باعتبار أنها مدارس خاصة ، وذات جودة تعليمية أو اجتماعية متميزة، فهي وإن كانت قد أنشأت أصلا كمدارس ارساليات دينية، الا أن تركيبة المجتمع المقدسي، او الفلسطيني الديمغرافية، جعلتها تقبل الفتيات المسلمات، لأن الطوائف المسيحية شكلت في اعلى نسبة لها عام 1920 ما نسبته 20% من اجمالي السكان، وتتراجع هذه النسبة مع الأسف عاما بعد عام، حتى وصلت الآن الى اقل من 2% من اجمالي السكان العرب في القدس! ولهذا لن تستطيع هذه المدارس الاستمرار دون قبول الطالبات المسلمات اللواتي يشكلن الآن معظم طالبات هذه المدارس!
ثالثا : مدارس الراهبات في بلادنا تلتزم بالقوانين التعليمية المعمول بها في البلاد ولذلك فهي تدرس مادة التربية الاسلامية للطالبات المسلمات، كما تعطي دروسا في الدين المسيحي للطالبات المسيحيات...
رابعا : تطورت الملابس التقليدية في القدس عبر السنين، فقد كنا نرى المرأة المسيحية والمسلمة في القدس على حد سواء، يلبسن " الملاية الزم" في بداية القرن، ويغطين وجوههن بالمنديل او الغربال وهن في الطريق، ومع بدء حركات تحرر المرأة من الحجاب في نهاية العشرينات من القرن المنصرم، على يد رواد ورائدات تحرر المرأة في مصر وفلسطين ولبنان، بدأت النساء المسيحيات والمسلمات يتجهن الى الخروج من بيوتهن سافرات، وبات" الايشارب" مثلا ملازما لكبيرات السن، او الباحثات عن الموضة، التي يشكل الايشارب الخفيف عنصرا مكملا لها.. لكن المجتمع الإسلامي تغير في السنوات الخمس عشرة السابقة، فباتت نسبة النساء اللواتي يرتدين الحجاب في تزايد مستمر، فبعد أن كانت معظم الفتيات المسلمات سافرات باتت الأن معظمهن محجبات .. وبات الحجاب ظاهرة اجتماعية أكثر منه ظاهرة دينية ، واصبح الحجاب مظهرا للبيئة المجتمعية لكثير من الأسر المسلمة التي تبغي ملبسا أكثر احتشاما!
خامسا : لباس الراهبات أيضا هو لباس يوحي بالإحتشام والاحترام ، والراهبات يميزن أنفسهن بهذا اللباس، أو المسوح الديني الذي يتضمن غطاء للرأس والشعر، هو أكثر حشمة وصرامة من الحجاب الإسلامي ... خاصة أن كثيرا من الفتيات المسلمات يلبسن الملابس العصرية ويغطين رؤوسهن بحجاب، وفي هذا تناقض أكبر بين الموضة والتحرر والتدين والتحجب!
سادسا : فتيات مدرسة الراهبات المحجبات اللواتي يعرفن ويلتزمن بقانون المدرسة، يقمن بنزع حجابهن عند دخولهن الى المدرسة ، وتلبسنه عند خروجهن منها الى الشارع، اما داخلها فيلتزمن باللباس المدرسي بدون غطاء رأس رغم وجود بعض الاساتذة او الحراس من الذكور، أو زيارات بعض الموجهين التربويين لصفوفهن!
سابعا: نظرا للنقص الحاد في عدد المدارس في القدس، فقد توجه االبنك الاسلامي للتنمية للمساعدة في حل هذه المشكلة ، وقدم دعما سخيا للمداس الخاصة ، ومنها مدارس راهبات او مدارس تابعة لكنائس مسيحية، مما مكنها من االتوسع وتقديم خدمات تعليمية أفضل لنا نحن المقدسيين بغض النظر عن انتمائنا الديني سواء كان مسلما أو مسيحيا، فالمهم كان هو خدمة الطالب العربي او الطالبة العربية في القدس! ولم يشترط البنك الاسلامي أو يلزم أية مدرسة راهبات بالسماح للفتيات المسلمات بلبس الحجاب كشرط للمنحة!
ثامنا : أسفت جدا لما حدث من تصعيد لهذا الموضوع في الأسبوع المنصرم، والى مظاهرة للطالبات وأولياء أمورهن وبعض الشخصيات، وأسفت أكثر لما كتب عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، وخاصة "الفيس بوك"، مما كتبته فتيات مسيحيات او مسلمات في تبادل كلمات توحي بعنصرية بغيضة، ليست موجودة في مجتمعنا، ولا نريد لها أن توجد، ويجب أن توئد في عقر دارها، فهذا بالضبط ما يريده الاسرائيليون منا، أن نتصارع طائفيا ومجتمعيا، في ظل مجتمع نفتخر دوما بنموذج القدس للتعايش بين الأديان، ونتباهى بهذا النموذج الفريد، ولا نريد أن تنقلب الصورة لندخل في تفسيخ مجتمع متماسك ، يريد ذلك التفسيخ أعدائنا ليدخلونا في متاهة ما سموه بالربيع العربي، الذي بات تحطيما للشعوب العربية، نريد مجتمعا لا يلتفت الى صراعات طائفية لا منطق فيها ولا مصلحة لنا بها.
تاسعا وأخيرا : نحن بحاجة الى تقبل الآخر، والى حرية الملبس والتعايش مع التطورات الاجتماعية التي جعلت الحجاب غالبا على نساء المجتمع الفلسطيني، بحيث بات الجميع يتقبلونه كظاهرة اجتماعية قبل ان تكون ظاهرة دينية، وخاصة أنني سمعت أن هناك
حكما قضائيا أردنيا قد صدر يوجب احدى المدارس المسيحية في الأردن بقبول المحجبات دون أن ينزعن غطاء رؤوسهن، وخاصة وانا أعرف أن مدرسة كاثوليكية في كندا مثلا لديها عددا من الطالبات المحجبات، والأنظمة والقوانين تتغير دوما بحيث لا تتعارض أو تتواءم مع الاعراف والتقاليد المجتمعية.
وانا هنا أناشد مديرة المدرسة المبجلة ، وغبطة البطريرك جليل الإحترام ، أن يعالجوا هذا الموضوع بالحكمة التي نعرفها ونعهدها بهما، خاصة في هذه الأيام المباركة التي يزورنا فيها قداسة الحبر الأعظم ، الذي جاء لنشر رسالة التعايش والتسامح والسلام على هذه الأرض المقدسة، وفي كل مكان في العالم.
الله أسأل أن يحفظ مدينتنا المقدسة من كل سوء!!
عن استئناف عملية المصالحة في فلسطين
بقلم: ماجد عزّام – القدس
على نحو ليس مفاجئاً تماماً، استؤنفت عملية المصالحة بين حركتي فتح وحماس في فلسطين. المفاجأة جاءت نسبية وجزئية قياساً إلى المستجدات والتطورات المتلاحقة في الفترة الممتدة من نهاية آذار إلى نهاية نيسان والتي شهدت تفجر المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وانضمام دولة فلسطين إلى 15 مؤسسة ومنظمة دولية تابعة للأمم المتحدة، أما استخدام مصطلح «العملية» في ما يخص المصالحة فيعود إلى كونها مستمرة بشكلها الحالي منذ عشر سنوات على الأقل، حتى أن الوثيقة التي سيتم على أساسها إصلاح وتطوير منظمة التحرير صيغت في القاهرة في آذار 2005، فضلاً عن أنها مثلت البديل أو المسار الموازي لعملية التسوية المستمرة أيضاً. ولكن منذ عقدين...
استنتج الرئيس محمود عباس نهاية آذار الماضي أنه لا يملك شريكاً للسلام في إسرائيل وأن حكومة نتانياهو ليست في وارد التفـاعل مـعها والقـــبول بشرطه المنطقي لتمديـد المفــاوضات (الإفراج عن الأسرى، تجميد الاستيطان، مناقشة ملف الحدود أولاً) على رغم التنازلات غير المسبوقة التي قدمها والتي لا ولن يجرؤ أي زعيم عربي على تقديمها، كما قال مسؤول أميركي رفيع لـ«يديعوت أحرونوت» (الجمعة 2 أيار).
عباس المستنزف والمتعب، كما وصفه المصدر نفسه، قرر التخلي عن العملية برمَّتها واتباع مسارات أو خيـارات بـديـلة تضمنـت الانـضمام إلى المنظمات الدولية وإرسال وفد قيــادي من منظمة التحرير إلى غـــزة للتحاور مع حماس من أجل تنفيذ تفاهمات المصالحة التي تم التــوصل إليها في القاهرة في أيار 2001 والدوحــة في 2012، والتي نصت على تشكيل حكومــة توافق وطني من كفاءات مستقلة وإجراء انتخــابــات عامة رئاسية وتشريعيــة وللمجلس الوطني، برلمان المنفى، خلال ستة شهور من تشكيل الحكومة.
الخطوة التكتيكية البارعة للرئيس عباس لم تربط فقط بين المصالحة ورفض المفاوضات، وإنما أحرجت حماس في سياق آخر عبر وضعها في مواجهة منظمة التحرير والفصائل المنضوية في إطارها (كما شخصيات وطنية أخرى)، وليس في مواجهة فتح فقط، وبتعبير آخر: وضع أبو مازن حماس أمام خيار المصالحة ضمن سياق سياسي لا مكان للمفاوضات فيه أو الرفض، وبالتالي فهي تواجه ليس فقط النقمة الشعبية وإنما الاتهامات بالتماهي مع الضغوط الإسرائيلية لإضعاف الرئيس وإدامة أمد الانقسام.
مقابل العصا، قدَّم الرئيس عباس جزرة لحماس عبر إنقاذها من المأزق غير المسبوق الذي تواجهه سياسياً واقتصادياً في غزة بعد الانقلاب على الرئيس مرسي في مصر وإغلاق السلطات للأنفاق التي كانت بمثابة شريان الحياة للحركة وحكومتها، بموافقته على دمج رواتب موظفيها ضمن الموازنة الفلسطينية العامة، والأهم تأجيل الملف الأمني واحتفاظها بسيطرتها على الأرض في غزة إلى حين إجراء الانتخابات التشريعة والرئاسية، والتي قد لا تجرى ضمن السقف الزمني المحدد بستة شهور من تشكيل حكومة الكفاءات المستقلة.
إضــافة إلى ذلك قدَّم الرئيــس وعـــوداً وحتــى ضمانات أيضاً بفتح معبر رفح بشكل كامل بمجـــرد تشكيل حكومة التوافق الوطني التي ستكون حكومته على الأغلب، وستشرف على المعابر كافة، ما يكفل رفع أو تخفيف الحصار بشكل جدي وملموس، وفي السياق طبعاً تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية البائسة في غزة.
حركة المقاومة الإسلامية من جهتها بحثت دائماً عن مصالحة تضمن لها رفع الحصار، وفتح معبر رفح، وإعادة إعمار غزة أو على الأقل تحسين بناها التحتية المنهارة، من دون أن تتنازل سياسياً تجاه إسرائيل أو تتخلى عن سيطرتها الأمنية في القطاع. ومع الوضع الاقتصادي الصعب الذي تواجهه وعجزها عن دفع رواتب موظفيها (دفعت نصف راتب فقط في الشهور الأربعة الأخيرة) وافقت على عرض المصالحة الجدي هذه المرة، كما أقر عزام الأحمد، ويمكن القول إنها قدَّمت تنازلات تنظيمية تكتيكية تتعلق بالوضع الفلسطيني الداخلي، وليست سياسية وجذرية، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة أو الموقف من إسرائيل.
غير أن إحدى أهم دلالات ما جرى أن حماس فضَّلت المصالحة وحتى التنازل للرئيس عباس على العودة إلى ما يوصف بمحور الممانعة أو محور دمشق طهران وضاحية بيروت الجنوبية، وعلى عكس ما يشاع فإن رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل هو من رفض ويرفض الذهاب إلى طهران المستميتة لاستقباله، علماً أن هذه الأخيرة اعتبرت الزيارة شرطاً لاستئناف مساعداتها المالية الضخمة للحركة ظناً منها أن صورة «أبو الوليد» مع مرشدها في طهران كفيلة بالتغطية على مساندتها للنظام السوري في جرائمه بحق شعبه، كما تبييض صفحتها ولو جزئياً أمام الشارع العربي والمسلم.
ثمة دلالة أخرى مهمة لاستئناف عملية المصالحة تتمثل بالعودة إلى معادلة «السلطة مقابل المنظمة» بعدما تم تفضيل الأولى على الثانية في اتفاق مكة في شباط 2007 الذي أعطى الأولوية للشراكة في إدارة السلطة وتأجيل ملف المنظمة إلى مرحلة لاحقة، وأعتقد أن ما نحن بصدده الآن هو العودة بالسلطة إلى وظيفتها الأساس بحسب اتفاق أوسلو، كإدارة ذاتية للشعب الفلسطيني في الداخل على أن تتولى منظمة التحرير أو الإطار القيادي الأعلى، الذي سيضم حماس أيضاً، الملفات السياسية بشكل عام، ولكن من دون النيل من صلاحيات اللجنة التنفيذية الحالية كما نصت وثيقة القاهرة في 2011 التي ستتولى إدارة المعركة أو الصراع مع إسرائيل ببعده السياسي والديبلوماسي، أقله إلى نهاية المرحلة الانتقالية.
في كل الأحوال ومن الناحية الاستراتيجية، يمثل استئناف عملية المصالحة، ولو بشكل مرحلي، إعلاناً سياسيــاً جديـاً، ولو أنــه غير نهائي وحاسم، عن موت عمليـــة التسوية بشكلها الذي عرفناه من عقدين تقريباً، أي منذ أوسلو حتى الآن، وهي لن تطوي صفحة الانقسام بشكل فوري، وإنما بشكل تدريجي بطيء ولكن متواصل. وأعتقد أن الفترة الانتقالية ستطول، وقــد لا تجرى الانتخابات في موعدها المحدد، ولكن المرحلة برمتها ستكون مناسبة لترتيب أكثر جـــديــة للبيت الفلسطيني وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير والسعي لبلورة برنامج أو استراتيجية وطنية بديلة لإدارة الصراع مع إسرائيل تـقطع ليست فقط مع المفاوضات وإنما أيــضاً مــع فــكرة خوض حرب تقليديــة عنيفــة ومــدمـــرة مع إسرائيل، كما جرى مرتين في الأعوام الخمسة الأخيرة.
فـ»أن يأتي الشيء متأخراً أفضل من ألا يأتي على الإطلاق»، وإذا كانت عملية المصالحة تناسبت عكسياً طوال العقد الماضي مع عملية التسوية، فإنها لن تتأثر هذه المرة بالعلاقة مع تل أبيب التي لم تعد عاملاً مؤثراً ومركزياً فيها كونها تبحث عن إدامة الوضع الراهن حيث لا سلم ولا حرب بأية حال من الأحوال، وإنما ستتناسب طردياً مع المتغيرات الهائلة التي تعصف بالمنطقة العربية وتحديداً مع آليات التغيير وإقامة الدولة العربية الديموقراطية العادلة لكل مواطنيها، ومن هنا ستكون رحلة المصالحة بطيئة مرهقة مضنية، ولكن عربتها ستظل دائماً على السكة انتظاراً لمآلات الأمور في المنطقة خاصة في القاهرة ودمشق.
خريف عربي وربيع اسرائيلي
بقلم: يوسف قطينة – القدس
لم يكن ما بدأ منذ ثلاثة اعوام وما زال مستمراً ربيعاً عربياً كما يحرص بعض العرب وحلفاؤهم الغربيون على تسميته. وقد اثبتت الايام الماضية ذلك، اذ ان الحصيلة كانت دماراً وانهاراً من الدماء وتمزيق مجتمعات وحروبا طائفية وفتنا مذهبية وخسائر بمليارات الدولارات ومهجرين ومشردين في منافي الارض تجاوزوا الملايين، غدوا يعانون من اسوأ الاوضاع، بعد ان كانوا آمنين مطمئنين في منازلهم واراضيهم داخل اوطانهم. ان الذي حدث وما زال يحدث خريفا عربيا بكل مدلولات الكلمة، ولم يكن ربيعا يموج بالحياة وبالاشراق وبالرفاهية والسعادة.
كان خريفا عربياً اتى على الاخضر واليابس، وفي ذات الوقت كان ربيعاً اسرائيلياً، حقق لاسرائيل ما كانت تحلم به منذ ان اقامت دولتها على انقاض شعب فلسطين، الذي كان قبل اقامتها يعيش آمناً مطمئناً يأتيه رزقه رغداً من كل مكان من ارضه ارض اللبن والعسل. والذي قتّل وشرّد عشرات الالاف من ابنائه خلال اربعينيات القرن العشرين المنصرم، والذين اصبحوا اليوم ملايين اما تحت الاحتلال الاسرائيلي واما لاجئين ونازحين ومهجرين في مخيمات البؤس والشقاء في دول عربية مجاورة، ما زالوا يعيشون على امل العودة، الذي يسري في نفوسهم مسرى الدم في عروقهم.
وهذا الأمل لم يخب مع مرور الايام وتقادم الاعوام، كما حلم وما زال يحلم قادة اسرائيل، الذين توهموا ان جيل الاجداد والاباء الذين مزقتهم النكبة كل ممزق سيندثرون وسيغيبهم الموت، وبالتالي ستنسى الاجيال القادمة فلسطين والنكبة، فاذا الاجيال الجديدة الناشئة اشد تمسكاً بالوطن واعظم اصراراً على التمسك بحق العودة، الذي لا يسقط بالتقادم.
وارسل طرفك على خريطة الوطن العربي، الذي كان في ستينيات القرن العشرين الماضي تغني له الجماهير العربية من المحيط الهادر الى الخليج الثائر، ترى ان هذا الوطن يعيش حالة انحطاط بكل مدلولات هذه الكلمة. اذ ان كثيراً من الدول العربية تتفكك وتنهار وتتمزق، وتهدم مكوناتها وأسسها وبناها التحتية على ايدي العديد من ابنائها، الذين لا يتورعون عن هدم كل ما شاده الآباء والاجداد خلال عقود طويلة من الزمان، لايراعون في ذلك حرمة ولاعهداولايرتدعون عن سفك دماء بريئة من اطفال ونساء وشيوخ، ينشرون الرعب في الشوارع والميادين والمؤسسات العامة والخاصة. وحتى بيوت العبادة من مساجد وكنائس لا يصونون حرمتها، ولا يتورعون عن هدمها، وحتى لا يرتدعون عن تنفيذ عمليات انتحارية فيها، حيث يفجر الانتحاري نفسه داخل المسجد فيقتل العشرات ويصيب المئات من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، او يفجرون السيارات المفخخة عند خروج المصلين من المساجد الغاصة بهم في صلوات الجمعة.
واذا كانوا لا يراعون حرمات المساجد والكنائس، فأنّى لهم يراعوا دور العلم من رياض اطفال ومدارس ومعاهد وجامعات، حيث لا يتورعون عن امطارها بالقذائف من مختلف الأنواع والاشكال، حيث ترى اشلاء الضحايا وانهار الدماء والكتب والكراريس المحترقة وقد اختلطت بركام عمائر تلك المؤسسات العلمية، التي اسست لتخرج اجيالا مستنيرة، لتقود البلاد والعباد في مستقبل الايام نحو التقدم والرقي والازدهار.
وكل هذه الجرائم، التي لم يشهدها العرب في تاريخهم المديد، حتى في الحقبة الاستعمارية تبرر بأنها من اجل نشر الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان والمجتمع الافضل، وفي سبيل ذلك يستغل الدين الحنيف اسوأ استغلال، حيث ترتكب جرائم القتل والذبح والحرق والتدمير وسط صيحات التكبير والتهليل، وكأن هذا الدين العظيم، الذي جاء رحمة للانسانية المعذبة، هو دين القتل وسفك دماء الابرياء وتدمير الاوطان، وتمزيق المجتمعات واعادتها الى عصور الظلام والى حروب داحس والغبراء.
ولا بأس من اجل تحقيق ذلك من الاستقواء بالأعداء ومطالبتهم بقصف الاوطان من الجو والبر والبحر، من اجل اسقاط نظام، ولو سقط بذلك الاف الابرياء ولو شرد وهجر الملايين، ولو دمرت الدولة ومؤسساتها، وغدت ثرواتها نهبا للافاكين والافاقين، ولو اصبحت اثارها نهبا للصوص والسراق، يهربونها ويبيعونها بأبخس الاسعار دراهم معدودة . ولا بأس ايضا في تدمير الجيوش العربية، وقنص افرادها من مختلف الرتب. ولا بأس ايضا في اغتيال نسور الوطن من الطيارين، الذين تنفق الدولة الكثير الكثير من المال والجهد والعرق لتخريجهم من اجل حماية سماء الوطن، ولا بأس ايضا من تدمير مقار تلك الجيوش وخاصة مراكز الدفاع الجوي لتصبح سماء الوطن مفتوحة امام طيران الاعداء يصول ويجول فيها ويقصف ما يشاء من منشآت عسكرية وعلمية ويقتل ما يريد من الضباط والجنود والعلماء والباحثين.
ولا بأس من اجل اسقاط النظام من تدمير شبكات الكهرباء ليعيش الشعب في ظلام مقيم، ولا بأس ايضا من تدمير محطات الغاز والوقود، او بالاستيلاء على ابار النفط وبيعها بأبخس الاثمان من اجل تمويل عمليات القتل والتدمير. ولا بأس ايضا في تدمير الجسور والطرق والحدائق العامة وزرعها بأضرحة القتلى بدلا من زرعها بالورود والياسمين والرياحين وبالاشجار الوارفة الظلال، التي يجلس تحتها المتنزهون يبتغون الراحة والترفيه عن النفس وتمتيع النظر بالطبيعة الجميلة التي وهبها لنا الخالق - تبارك وتعالى - لتكون آيات لأولي الالباب تدل على الخالق الواحد الاحد المتفرد بالخلق، الذي وسعت رحمته كل شيء، والذي ابدع الكون على اجمل صورة ودعانا معشر العباد ان نستعمر الارض احسن استعمار لا ان ننشر فيها الفساد الذي نراه الآن يغطي ارض الوطن العربي من اقصاه الى اقصاه: «هو أنشأكم من الارض واستعمركم فيها». فقد نهانا سبحانه وتعالى عن الافساد في هذا الكون الجميل الذي ما خلقه عبثا ولا لعبا وتعالى عن ذلك علوا كبيرا: ولا تفسدوا في الارض بعد اصلاحها».
انظر ماذا يحدث اليوم في ليبيا حيث حرب اهلية طاحنة، الكل يقتل فيها الكل، لقد تحرر الشعب الليبي من رمضاء القذافي ليقعوا في نيران المليشيات التي تتناحر من اجل السيطرة على الثروة النفطية الهائلة، حتى اصبحت ليبيا اليوم بعد «الربيع العربي» ارضا خصبة للارهاب والارهابيين ينطلقون منها الى الدول العربية القريبة والبعيدة، وانظر ماذا يحدث في بلاد الرافدين، حيث يسقط الآلاف شهريا في عمليات تفجير ارهابية تستهدف البسطاء والعمال الفقراء الذين يخرجون مع ساعات الصباح الاولى يسعون في طلب رزق عيالهم، فيعودون اليهم في اكفان بدلا من ان يعودوا اليهم بالطعام والكساء، وغدا العراق ممزقا شر ممزق تطحنه الحروب الطائفية والمذهبية، وغدا مقسما الى ثلاث ولايات، وها هو اقليم كردستان يهدد بالانفصال التام واقامة دولة كردية مستقلة.
واذا اردت ان ترى الخريف العربي في ابشع صوره واقبحها فانظر ماذا يجري في سورية، قلب العروبة النابض، وموئل الحضارات التي علمت العالم وابدعت حروف الكتابة، حيث ما زال القتل وانهار الدماء والدمار والتشريد وتمزيق المجتمع مستمرا منذ اكثرمن ثلاثة اعوام. والعروب عاجزين عن انهاء هذه المأساة المروعة، بل ان من اثريائهم من يتاجرون باعراض سوريات شردن من اوطانهن الى مخيمات القهر والعذاب. ويستغلونهن ابشع استغلال، بدلا من ان ينفسوا عنهم وعن عائلاتهن الكرب والهم، وهكذا غدت سوريا مرتعا للقتل والارهاب والحرق والتدمير وسفك الدماء والحروب المذهبية والفتن الطائفية وارض الكنانة مصر لم يغادرها الخريف العربي بعد، فما زالت تشهد العديد من عمليات القتل وسفك الدماء، خاصة من المجندين البسطاء «الغلابى» حيث يقنصون كما تقتنص الطيور، وكأن قتلهم واستباحة دمائهم تسقط النظام وتعيد الحكم لمن اسقط حكمهم.
ان الوطن العربي يعيش اسوأ عهوده واحط عصوره، والفتن تموج فيه تقطع الليل المظلم، ومن عظيم الاسى ان الكثيرين من العرب ينفذون عن طواعية او عن جهل ما يخطط لهم الاعداء، كل ذلك من اجل داء العرب القديم وهو كرسي الحكم. ويزورون لك الواقع ويقولون انه ربيع عربي ولكنه في الواقع خريف عربي وربيع اسرائيلي، اذ انهم ينوبون عن اسرائيل في تدمير جيوشهم واغتيال علمائهم وهدم مؤسساتهم العلمية، مخالفين تحذير رسولهم الاكرم - صلى الله عليه وسلم- «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض».
بالجرم المشهود
بقلم: حسن البطل – الايام
في المسافة بين المدى المجدي للرصاصة، والمدى المجدي للحجر، تكشفت جريمة قتل مقصودة ليافعين فلسطينيين. فيما سبق من جرائم القتل كانت هناك حجة الالتباس لدى الجنود، أو ذريعة تهديد مدى الحجر المجدي لحياة حامل بندقية المدى المجدي للرصاصة؟
الصورة لا تكذب، والفيلم عن مقتل يافعين اثنين بالتوالي برهان مؤكد.
في إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، يتلقى الجنود أمر فتح النار من ضابط مسؤول، لا بدّ أنه رأى كيف سقط الشهيد الأول فوراً برصاصة قنص، دون أدنى حراك، فرصاصة القتل كانت في الجزء الأعلى من الجسم .. فلماذا لم يأمر الضابط بوقف إطلاق الرصاص الحي، الذي أصاب اليافع الفلسطيني الثاني في مقتل، بعد حركة تشنج قصيرة!
تصادف القتل الجديد (بعد 27 قتل في السنة الفائتة، منهم 17 فتى لاجئا، وسبعة آخرون في السنة الحالية منهم 7 لاجئين) مع سنوية النكبة، لكنه تصادف أيضاً مع استئناف عائلة النشيطة الاميركية راشيل كوري (23 عاماً) ضد تبرئة الجيش من نية وقصد القتل، بذريعة أن سائق الجرافة لم ير ضحيته التي كانت ترتدي سترة برتقالية. والدا راشيل يواظبان منذ 11 سنة على خوض معترك قانوني - قضائي، علماً أن والدها كان جندياً أميركياً.
حصلت جريمة القتل العمد أمام سجن عوفر، وهو أقرب سجن إسرائيلي للمناطق الفلسطينية السيادية، ولذا صار موقعاً للصدام في كل مناسبة، وبخاصة للتضامن مع الأسرى، الذين يخوضون نضالاً ضد الاعتقال الإداري، ولا بد أن المعتقلين يسمعون صدى هتافات التضامن معهم، فتقوى معنوياتهم على الصمود ومواصلة إضراب الجوع.
يكفي، في العادة، وابل من قنابل الغاز لتفريق أي تظاهرة، او يكفي رصاص مطاطي ليوقع جرحى وتنفض التظاهرة، علماً أن الجنود لا يسمحون للمتظاهرين بتجاوز مسافة رمية الحجر، ضد جنود يعتمرون الخوذ وصداريّ مضادة للرصاص!
يبدو أن تكرار التظاهر أمام سجن عوفر دفع الجنود للانتقال من مرحلة فض التظاهر او استخدام الترويع الى مرحلة اطلاق رصاص قاتل مرتين على التتابع، لخلق حالة ردع عن تكرار التظاهر أمام السجن.
في حوادث القتل السابقة كانت إسرائيل تحاجج ضد البراهين (بالصور الثابتة) بالذرائع، أما في حادثة القتل المزدوجة فإن شريط فيلم "الفيديو" برهان دامغ، أثار أصداء احتجاج دولية وحتى إسرائيلية (منظمة بتسيلم).
كثيراً ما تبجحت إسرائيل بأن عشرات الضحايا العرب يسقطون يومياً، لكن هذا في حروب أهلية، أو أن الضحايا المدنيين هم خسائر هامشية لصراع مسلح، لكن ضحايا إسرائيل من الفلسطينيين يسقطون بسبب احتجاج سلمي، في إطار صراع وطني بين شعب وبين سلطة احتلال عسكرية. فرق كبير بين ضحايا حروب أهلية وقتلى صراع وطني .. وفي الحالتين هذه "جرائم حرب".
واضح أن اسرائيل، المعجوقة سياسياً بعد فشل المفاوضات ومن تحميلها حتى من الجانب الأميركي المسؤولية الأساس عن الفشل، تريد جرّ الجانب الفلسطيني إلى اضطراب شامل، وخوض انتفاضة مسلحة ثالثة، لأن الحرب أسهل على إسرائيل من الصراع السياسي .. السلمي بخاصة.
في زمن ولّى، كان المفتش كولومبو، في أفلام السينما، يوقع بالمشتبه بالقتل العمد الغامض عن طريق قرائن مربوطة بقرينة دامغة.
في زمننا الحالي صار الدور على أوكامبو في محكمة الجنايات الدولية لجرائم الحرب .. وتستحق جريمة القتل المزدوج أمام سجن "عوفر" أن تكون دليلاً دامغاً، قد لا يستطيع الجيش نقضه حتى أمام محاكم إسرائيلية دأبت على محاباة الجيش.
آخر بدع الادعاءات الإسرائيلية أن الشريط "مفبرك" .. كما في شريط الطفل محمد الدرة بداية الانتفاضة؟!
اللا-سامية واللا-فلسطينية
في العام 2012 لم يسقط قتيل إسرائيلي واحد بأيد فلسطينية، لكن اسرائيل عادت للضرب على وتر "اللاسامية" واتهمت الفلسطينيين بأعلى نسبة في "اللاسامية" ومعاداة اليهود!
إحصائية إسرائيلية أُخرى، أظهرت أن شبان "شارة ثمن" يمارسون اعتداءات على الفلسطينيين وأملاكهم تفوق، نسبة لعدد السكان، ممارسات "كراهية اليهود" في أية دولة، او في فرنسا بالذات.
كم قتيلا يهوديا يسقط في العالم كل عام (أو في حوادث السير)؟ وكم قتيلا فلسطينيا يسقط في فلسطين وفي دول الشتات العربي، المبلية بهذا الربيع الوخيم؟
إن كراهية الفلسطينيين أشد انتشاراً من أي كراهية لليهود باسم "اللاسامية" بغض النظر عن احتكار إسرائيل للاسامية.
إذا تعرض اليهود في العالم للخوف من الاضطهاد والتمييز، تفتح إسرائيل ذراعيها لهم .. لكن الحال مختلف جداً عندما يتعرض الفلسطينيون إلى ما هو اكثر من اضطهاد وكراهية.
البعد العربي للقضية الفلسطينية مغيب!!
بقلم: عبد الناصر النجار – الايام
فلسطين ما بعد النكبة وحتى حرب الخليج الأولى ليست فلسطين بعد اتفاق أوسلو وما تلاه من ترتيبات دولية للمنطقة، فالاختلاف أصبح واضحاً وربما خطيراً.
ربما تغير كل شيء من الجغرافيا إلى الديمغرافيا إلى السياسة وأبعد من ذلك، فلسطين كانت تعتبر رافعة البعد القومي وضمير الشعوب العربية والحاضرة في وجدان كل مواطن عربي.
أجيال عربية تربّت على أن القضية الفلسطينية هي الرافعة الحقيقية لكل ما يدور في المنطقة، وبقدر ما هي قضية قومية شاملة، فإنها أيضاً قضية كل عربي على المستوى الشخصي، بحيث وصلت في بعض الأحيان إلى حد التقديس شعبياً، وانسياق الأنظمة مع رغبات الجماهير ومعتقداتها .. وقد وصلت حالة الحشد العربية إلى درجة أصبحت فيها شرعية الأنظمة العربية في الدولة الوطنية قائمة في إحدى ركائزها الأساسية على القضية الفلسطينية، ولا شرعية لنظام يخرق هذه القاعدة، وخير دليل على ذلك اتفاقية "كامب ديفيد" وما تلاها من مواقف عربية رسمية منحازة ولو عن غير قناعة لمطالب الجماهير في حينه، باعتبار الاتفاقية خيانة للأمة، ما أجبر هذه الأنظمة على قطع علاقاتها مع مصر، واتخاذ موقف واضح من التطورات المستجدة على المنطقة..؟!
الأنظمة العربية التي كانت تعتبر نفسها "ثورية" كانت تستمد قوتها من مدى ارتباطها أو ارتكازها إلى القضية الفلسطينية. هذه القضية التي كانت حاضرة في كل خطاب زعيم عربي وفي كل مؤتمر صحافي، وفي كل لقاء محلي أو دولي.. بل إن فلسطين لم تكن فقط ضمن دائرة البعد السياسي الداخلي والخارجي لهذه الدول بل في البعد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
وبعيداً أيضاً عن كيفية النظر إلى الشعب الفلسطيني أو فئاته وحركاته السياسية المختلفة، فإن فلسطين كبعد تاريخي وجغرافي وديني كانت تصل إلى حد التقديس، الذي لا يجوز حتى نقده، فهي فوق الشبهات والنقد.
دون مقدمات، تغيرت المنطقة وانعكس هذا التغير بشكل سلبي متواصل على القضية الفلسطينية "وقدسيتها" وعلى الشعب الفلسطيني أيضاً.
بوادر هذا التغيير جاءت بعد الخروج من بيروت، واختلاف توجهات الثورة، وتبعيتها أكثر للنظام السياسي العربي، وبعدها بمسافة عن القوى الثورية العربية، وبالأخص أجيال جديدة تمثل قطاعات الشباب الركيزة الأساسية لها، إضافة إلى التحولات التكنولوجية السريعة وخاصة على مستوى وسائل الإعلام والاتصال والتي لم ننظر إليها كفلسطينيين أو كقيادة فلسطينية بجدية، تأخرنا عنها كثيراً فتجاوزتنا الأحداث، وخلقت فجوة واسعة بين "قدسية فلسطين" السابقة وبين رؤية الأجيال الجديدة لهذه القضية.
هذا التغير الجديد جاء مع انهيارات وأزمات عربية وانتكاسات حقيقية زجت فيها القضية الفلسطينية غصباً، الأمر الذي انعكس عليها بشكل تراجيدي، وبدأ هناك انهيار واضح في مفهوم القدسية والتعبئة الجماهيرية. أبرز هذه الأحداث انهيار الاتحاد السوفييتي، ثم مأساة احتلال العراق للكويت التي اكتوى بنارها مئات آلاف الفلسطينيين، ثم حرب الخليج الثانية واحتلال العراق وتفتيته، وإشعال نار المذهبية والطائفية، تلت ذلك سلسلة انهيارات عربية هنا وهناك، توجت هذه الأحداث بالانقسام الفلسطيني الذي قضى بشكل نهائي على مفهوم "قدسية" القضية الفلسطينية. وبدا المجتمع العربي مستقطباً، وبدأت آلة الإعلام الديني تؤثر بشكل كبير على هذا الوضع... وأصبح كثير من العرب ينظرون إلى الشعب الفلسطيني كفئتين متحاربتين متنازعتين حتى وصل الأمر إلى أن يتجرأ البعض ليصف المشهد الفلسطيني بالمشهد الصومالي. وبقدر ما في هذه المقارنة من ظلم حقيقي، فإنها تعبير حقيقي عن انهيار ليس مفهوم القدسية بل أكثر من ذلك بكثير..
وجاء الربيع العربي ليعطي دفعة بأن القضية الفلسطينية ستكون حاضرة من جديد، ولكن للأسف في هذه اللحظات فإن كل المعطيات تشير إلى عكس ذلك.. وأن الشعوب العربية أصبح لديها من المشاكل الداخلية ما يغنيها في كثير من الأحيان عن التفكير بالقضية الفلسطينية وليس اعتبارها قضيتها الأولى والمركزية.
فلسطين اليوم على المستوى العربي، مغيبة إعلامياً، مغيبة ثقافياً، موصومة بأنها مجموعات متناحرة متقاتلة، فاسدة، مرتبطة بمصالح وجهات إقليمية، حتى المساعدات التي تقدم من باب الامتنان مثلها مثل المقدمة إلى شعوب متناحرة أو جائعة في هذا العالم.
أما على المستوى الشبابي فكيف نلوم العرب فيما كثير منا أصبح على بعد كبير عن تاريخ القضية ومفهوم الصراع المتواصل مع الاحتلال.
نحن بحاجة إلى وقفة جادة لإعادة تغيير الأدوات المستخدمة وبحاجة حقيقية إلى زجّ جيش الشباب في هذه المعركة قبل أن نخسرها للأبد!!.
الفلسطينيون بين خطابين: إذا أردتم تثبيت الناس لا تنظروا إلى نصف الكأس الفارغ فقط
بقلم: حسين حجازي – الايام
الى جانب تأملاتهم الفلسفية العميقة في الوجود والحياة، والتي لا سابقة لها في ثرائها الفكري بين الحضارات القديمة، وشكلت بمجموعها مجمل الأسئلة والأجوبة التي لا يزال يطرحها العقل البشري علي نفسه، فإن أولئك الحكماء الإغريق الأوائل وجدوا وقتاً كافياً في خضم هذا العصف الفكري الأكثر أهمية في التاريخ للاعتناء بالخطابة في عصرهم.
وقد خلف لنا أرسطو أول كتاب من نوعه يتحدث عن أشكال الخطابة ويقدم النصيحة للخطيب كيف يصوغ خطابه، وهو كتاب شيق وممتع لا يقل عبقرية عن كتابه الآخر والأكثر شهرة عن السياسة. كما ترك لنا أفلاطون تلميذ سقراط كتاباً آخر جرياً على عادته في أسلوب المحاورات، الذي انفرد انتهاجه في معظم كتبه بين سقراط وتلاميذه بعنوان الخطيب.
وفيما بعد سوف تخلد كتب التاريخ أشهر الخطباء في عصر الامبراطورية الرومانية بعد براكليس الإغريقي، وهذا الخطيب الذي عمت شهرته الآفاق بقوة حجته وبلاغته وحتى وازت شهرته شهرة شاعر اليونان هوميروس، ليس سوى شيشرون السناتور في مجلس الشيوخ الروماني الذي كان الأباطرة الرومان يحسبون كل الحساب لقوة لسانه، تماماً كما كانت الأمبراطورية البريطانية في وقت لاحق تخشى من لسان أديبها العظيم برنارد شو، الذي قال هو عن نفسه مرة ان لسانه أقوى من أساطيلها البحرية، ذاك الذي لا تزال بعض عباراته الساخرة تتردد في أروقة اعرق برلمانيات أوروبا.
وهل كنا لنمضي في هذا السرد عن الخطابة دون ذكر الرسول محمد والخلفاء الراشدين، ابو بكر على وجه الخصوص؟ وفيما بعد خطباء الثورة الفرنسية ولينين زمن الثورة الروسية، وصولا الي زمن القوميات الفاشية في أوروبا هتلر وموسوليني ؟ الذين كانوا جميعاً خطباء ترتج لوقع كلماتهم الجموع الحاشدة في الساحات، وهي الخطابة التي ستجد في زمن متأخر صدى لها، يحاكي حماستها التمثيلية كما عنفوانها في عقد الخمسينات والستينات، لدى زعماء حركات الاستقلال في دول الجنوب إجمالا إبان سنوات الكفاح الوطني ضد الاستعمار، عبد العزيز الثعالبي والقوميين العرب في المشرق.
هكذا كأن الخطابة ولدت من رحم الصراعات والتحولات السياسية الفكرية والأيدلوجية الكبرى في التاريخ، وكأنها التعبير عن هذه الأزمات السياسية حينما صعد في كل مرة منابر قادة ومُخَلّصون، رجال كاريزميون وأنبياء قديسون، وحتى أقوياء وأفّاقون ومحتالون، ولكنهم يملكون هذه القدرة السحرية على التأثير في حشود كبيرة من الناس، لبث روح العزيمة والقوة في أفئدتهم وجعلهم يقاتلون وراء فكرة محددة، تنطوي على جاذبية الوعد بتغيير وضعهم البائس، وإنه بهذا المعنى فان الخطابة كانت جزءاً من روح القيادة بل ومن صناعة هذه القيادة وسحرها وقوتها.
فهل يمكننا الآن ان نتصور قدرة تشرشل القيادية في الحرب العالمية الثانية، حينما كانت ألمانيا تمشط بالقصف الليلي كل مدينة لندن من دون هذه القوى الشعبوية، التي كان يمتلكها تشرشل في خطاباته؟ كما زعامة ديغول التاريخية من دون نداءاته المؤثرة عبر البحار للفرنسيين، بينما كانت فرنسا محتلة بقضها وقضيضها بيد الألمان؟ بل وفي تاريخ أكثر قرباً هل يمكننا تصور كاريزما جمال عبد الناصر من دون خطاباته عبر إذاعة صوت العرب الموجهة الى العالم العربي؟ او فيديل كاسترو بالنسبة للكوبيين؟ وحتى أيامنا هذه رجب طيب أردوغان من دون هذه الخطابية التي تبدو للمستمع مثل هدير الأمواج العالية في ارتطامها على الصخر؟ او حتى ياسر عرفات من دون خطاباته الارتجالية او العفوية ولكن الشعبوية بامتياز، والتي تقتصر غالبا على بضع رسائل موجزة وجمل ذات دلالات محددة يكررها بين الحين والآخر، وكل ذلك في سياق تعبوي شعبي مؤثر في تناغم وانسجام مع إيماءات لغة الجسد التي تضفي على الخطاب قوته التعبوية الساحرة والمؤثرة. وكذا الأمر هل كان يمكن تصور كاريزما الحبيب بورقيبة من دون هذه الخاصية الخطابية في مخاطبة مشاعر التونسيين زمن الكفاح التحرري من أجل الاستقلال؟
إن الخطابة هي روح القيادة وهي تزدهر في الأزمات التي تكون فيها الشعوب بأمس الحاجة الى من يستطيع ان يخاطب فيها اجمل وافضل ما فيها، وما تنطوي عليه الذات الجماعية لا وعيها الباطني من قوة وعنفوان وسمو "وأنها تستطيع ". واليوم لعله ما كان بمقدور باراك أوباما التفوق او تحقيق هذا الاختراق من دون قدرته الواضحة على الخطابة، ولكن اليوم لماذا نسلط الضوء على الحديث الذي قد يبدو ترفا او زائدا، عن الخطابة وسط همومنا وانشغالاتنا الكثيرة ؟ فهل لأننا نشعر بالحنين إلى زمن الخطباء ولا يوجد في الساحة الفلسطينية اليوم خطيب؟ والجواب كلا، فالساحة الفلسطينية تزدحم بالخطباء والمساجد كذلك، ولكني أصارح القارئ بأنه في الأصل كنت أنوي ان أخصص هذه المقالة عن الخطابة في المساجد، وحيث الإسلام العبقري هو الذي ينفرد من بين الأديان بإيلاء هذه الأهمية الحاسمة، الاحتفالية إن شئتم في هذا الاجتماع الأسبوعي للخطابة، والتي كانت بمثابة أول تعبير ممأسس يسبق اختراع الصحيفة ووسائل الإعلام الأخرى كما وسائل الاتصال الجماهيري الحديثة، عن أهمية هذا الاتصال الجماهيري الذي ينطوي على وظيفة حاسمة في تحقيق الأمن الاجتماعي للامة او الجماعة الوطنية ككل. وربما هذا هو المعنى الذي قصده كارل ماركس حينما أشار إلى أن الدين قد يشكل أفيوناً للشعوب او رافعةً تاريخية للتقدم.
سوف أعود لمناقشة هذه القضية التي لا يتسع لها المجال في هذه العجالة، ولكنني أتوقف هنا عند الضرورة الملحة التي يفرضها او يمليها واجب الوقت لأعرض بإيجاز إلى خطابين استمعت إليهما يوم الثلاثاء الماضي، احدهما للأخ خالد مشعل القي في الدوحة عاصمة قطر، والثاني لخطيب آخر من فصيل آخر القي هنا في غزة. والفارق بين الخطابين هو ما دعانا للتوقف عند هذه الدلالة التي تمثلها الخطابة في العمل السياسي.
واستطيع القول هنا ان خطاب مشعل الأخير في قطر لعله من اهم الخطابات التي ألقاها الرجل، وبذا يمكن وصفه بالتاريخي. فهذا خطاب على إيجازه ودقة عباراته وتناغم نبرة الصوت مع الدلالة والمعنى، هو خطاب لا يقول كلمته ويمشي بل يقول خطته وعرض قضيته ورؤيته وبرنامجه وموقف حركته، ليؤسس الى اتفاق ومشاركة حقيقية بتحمل المسؤولية عن اقتران الفعل بالقول. هذا خطاب نادر يصدر عن ممثل للإسلام السياسي، ولكنه في كل كلمة يقولها يظهر كقائد اقرب إلى محترف ومحرض ثوري من الطراز اللينيني الذي لا يرى في المقام الأول وهو مدرك للحرب على محور الزمن والوعي والجانب المعنوي، الى النصف الفارغ من الكوب وإنما إلى النصف المملوء. أي إلى الابداعية الفلسطينية والإنجازات على كل المستويات بما فيها إنجازات خصمه المفترض اي "فتح" على المستوى السياسي والدبلوماسي.
انه خطاب لا يثبط من عزيمة الشعب في ذكرى النكبة وإنما يرفع من عزيمته، ولا يدع الشك يتسلل الى اليقين بالنصر عند هذه اللحظة، وللذين ينتظرون من الانتهازيين والمنافقين من قناصي الفرص للصيد في الماء العكر، فهذه هي الجملة او الموقف التاريخي عن الفارق بين التنازلات الحميدة للأخ، ولمصلحة الجماعة الوطنية وعن التنازلات غير المحمودة والمرفوضة التي يمكن ان تقدم للعدو، وهذا هو فصل الخطاب كما يقال.
أما الخطاب الثاني فهو خطاب يتوشح بالمقاومة وكأنما المقاومة فعل مجرد خارج الاستراتيجية، ولكن من تحت هذه العباءة التي تتحول الى نوع من المزايدة، وقد جردت أو فصلت عن الواقع، يجري هنا التشكيك فكيف إذن يمكن بعد ذلك أن يستقيم التحريض على المقاومة، ونحن هنا ننكأ الجراح بدل ان نعض عليها ؟ والغمز من قناة المصالحة تحت ستار الخشية ان تكون جزءا من خدمة التسوية بدلا من ان تكون جزءاً من خدمة المشروع الوطني، وهل يوجد هنا مشروع وطني في ظل الانقسام؟ وما هي الدلالة التي يوحي بها هذا القول من أن عسكريا إسرائيليا يستطيع ان يتحكم بحركة اكبر زعيم فلسطيني؟ طيب ما الذي يهدف إليه هذا القول ان لا يتحرك قادة الشعب وزعماؤه ويجلسوا في بيوتهم يحضرون حفلات استحضار الجن ليخلصهم من هذا الوضع ؟ او انه عبثا كل تحركاتنا على الصعيد السياسي وغيره ما دام هذا العسكري الواحد هو الذي يتحكم بكل حركاتنا وسكناتنا.
لقد دعا أفلاطون الى حذف كل المشاهد في ملاحم الإغريق التي تظهر لحظات ضعف أبطالهم، لئلا تهتز صورة أبطالهم زعمائهم أمامهم. وفي هذه اللحظات المصيرية من صراعنا ما الذي يخدمه كل ذلك من تعميم القول بأن لا شيء سوى النكبات من حولنا؟ والغمز من قناة المصالحة طوال الوقت بالحديث عن الطامحين في المناصب والمجالس؟
وكان عرفات في وقت سابق يسمي هذا الخطاب بقوله " ثمة في الساحة الفلسطينية من يقول كلمته ويمشي". لأنه بين هذا الخطاب والنقد الموضوعي ثمة بون شاسع، لأن هذا النقد لا يمكنه ان يقوم او يمارس خارج سياق التفاعل الإيجابي مع الوقائع، بهدف ترشيد الفعالية الاستراتيجية، انطلاقاً من الظروف والمعطيات التي يطرحها الواقع، وكل ذلك في إطار من الحفاظ على الروح المعنوية للرتل والشعب، أما النقد المجرد فليس سوى محاولة لإفساد الوعي.
لماذا التأخر في نيل عضوية بقية المنظمات الدولية؟
بقلم: صادق الشافعي – الايام
المتوقع في الأيام القليلة القادمة، بعد أن يمحّص الرئيس أبو مازن قائمة وزارة التكنوقراط التي تم التوافق عليها وبعد التشاور حولها وإدخال اي تعديلات يراها، وبعد ان يحسم امر من يتولى رئاستها، المتوقع بعد ذلك، ان يعلن عن ولادة وزارة التوافق الوطني، ويقوم بإجراءات ترسيمها.
اذا حصل هذا المتوقع، فانه يكون الخطوة الأولى التي تفتح الطريق امام التصدي للعناوين الهامة الأُخرى، فبدون النجاح في إنجازها لا يمكن الادعاء ان المصالحة قد تحققت وأن الوحدة الوطنية قد استعيدت، وسيبقى الاتفاق على الحكومة هشا قابلا للكسر والارتداد.
خصوصا وان العناوين المعنية تحمل الكثير من المصاعب والتعقيدات بقدر ما تحمل من الأهمية والأساسية، ناهيك عن دور دولة الاحتلال وما يمكن ان تفرضه من عراقيل.
والعناوين المعنية، وبدون ترتيب، هي: منظمة التحرير، والبرنامج السياسي، والانتخابات، والأمن وأجهزته وعقيدته، وغيرها.
المواقف تجاه تشكيل الحكومة لجهة المبدأ، وحتى قبل الإعلان عنها، اتضحت بجلاء :
- ترحيب وطني فلسطيني عارم وآمال كبيرة تبنى عليها، ومعه ترحيب عربي أيضا.
- قبول أوروبي معلن مع استعداد للاعتراف بها.
- رفض أميركي معلن لمبدأ تشكيلها، ورفض إسرائيلي هستيري مصحوب بالتهديد.
- إصرار من القيادة السياسية الفلسطينية على المضي بتشكيلها، رغم الرفض الأميركي والإسرائيلي المشار إليه. وهو ما يحسب لها، ويضعف الادعاءات أنها ترفض أو تعيق إتمام المصالحة استجابة للضغوطات الأميركية والإسرائيلية.
إذن، وعلى فرض وتقدير أن القيادة السياسية كانت تنتظر الانتهاء من أولوية تشكيل الحكومة لتقوّي موقفها الوطني ولتجس الموقف الدولي، فلماذا تتأخر القيادة، وقد اتضحت المواقف، عن التقدم لنيل عضوية بقية المنظمات والاتفاقات والمعاهدات الدولية، أو الجزء الأهم منها كبداية.
كان من المتوقع أن يخرج عن اجتماع المجلس المركزي قرار واضح بالبدء في التقدم لبقية تلك المنظمات والاتفاقات والمعاهدات، وان يقرر المجلس آليات ذلك أيضا، إن لجهة الأولويات وإن لجهة تكليف (والأفضل تشكيل) هيئة مختصة للدراسة والاقتراح. لكن شيئاً من هذا لا يتم التداول فيه، اللهم إلا إذا كنا نعمل على هدى "واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان".
المجلس المركزي لم يغلق الباب أمام العودة الى المفاوضات بل تركه موارباً، وان ارفق ذلك بوجوب توفر الشروط المعلنة.
هذا الموقف الذي اعتمده المجلس المركزي لم ينل قبول الكثير من الناس بل شكل خيبة أمل لها ولاقى اعتراضا من بعض القوى السياسية، ادى الى انسحاب مندوب إحداها من جلسة إقرار البيان الختامي.
كان المرجو أن يعلن المجلس المركزي خروجاً تاماً من مسار المفاوضات في الظروف الحالية وتوازناتها الإقليمية والدولية.
هل كان ترك الباب مواربا أمام العودة الى المفاوضات هو السبب وراء التأخر في السعي لنيل عضوية بقية المنظمات الدولية؟
اذا كان الأمر كذلك فانه يحوّل موضوع العضوية من قضية مبدأ وقضية نضال لتحصيل حقوق مكتسبة، الى ورقة مساومة في خدمة مسار المفاوضات، بعد ان تأكد بالملموس وبالتجربة الحية انه لا افق للمفاوضات ولا نتائج وطنية يرجى تحقيقها عن طريقها.
واذا كان السبب وراء التأخر هو تجنب تحمل مسؤولية فشل المفاوضات امام المجتمع الدولي وتحميله لدولة الاحتلال، وهي الحقيقة، فلا تعارض في الأمر.
اين التعارض بين السعي لتحصيل حقوق تقرها الهيئات والمؤسسات الرسمية للمجتمع الدولي بقرارات واضحة وصريحة اتخذتها، وتقرها أيضا هيئاته وجمعياته المدنية، وبين تحميل دولة الاحتلال مسؤولية فشل المفاوضات.
ان تأجيل التقدم لعضوية المؤسسات الدولية لم يكن التزاما من القيادة الفلسطينية بمناسبة المفاوضات ولا شرطاً من شروط انعقادها. كان التأجيل التزاما في اتفاق منفرد ومستقل مقابل إطلاق جميع اسرى ما قبل اوسلو. وقد أخلت إسرائيل بالاتفاق.
ثم ان المجتمع الدولي يحمل دولة الاحتلال فعلا المسؤولية عن الفشل. يتضح ذلك في مواقف غالبية وازنة من قوى المجتمع الدولي بدوله وبمؤسساته وهيئاته المدنية.
وقد تطورت هذه الموقف الى إجراءات عملية ضد استمرار احتلالها وسياساتها الاستيطانية والعنصرية على اكثر من مستوى اقتصادي وسياسي وأكاديمي وثقافي.
وليس أدل على الموقف الدولي من التصريحات العلنية التي صدرت عن اكثر من مسؤول اميركي معني بالمفاوضات والتي تحمّل دولة الاحتلال صراحة مسؤولية فشل المفاوضات.
أبعد من ذلك، فان دولة الاحتلال لا تزال تقدم في كل يوم اسبابا جديدة لإدانة ذاتها سواء بتمسكها بفرض شروطها التعجيزية التي تكرس احتلالها، أو باستمرار ممارستها التوسعية الاستيطانية، او بالقوانين العنصرية التي تسعى لإقرارها والتي تزيد التأكيد انها دولة فصل عنصري وكما تنبأ لها الوزير كيري.
ان الوقت الحالي مناسب تماما للتقدم بخطى مدروسة وسريعة على خط النضال السياسي الدولي عبر الهيئات والاتفاقات والمعاهدات الدولية الرسمية والشعبية، ليلتقي مع خط المصالحة الوطنية وترتيب أمور البيت الفلسطيني وتفعيل مؤسساته، وتصعيد المقاومة الشعبية للاحتلال بكافة أشكالها، وليشكلا معاً جناحَي المشروع الوطني للمرحلة الحالية.
الوطن بحاجة لحلول إبداعية وليس عناوين براقة
بقلم : صلاح هنية – الايام
غالبا ما تمر أسماء خرب وقرى فلسطينية عبر نشرة الأخبار في فضائية فلسطين وغيرها تتحدث عن هدم بركس وهدم حظيرة مواش من قبل الاحتلال وينتهي الخبر هنا، وتشعر كمشاهد أن الحياة انتهت هناك وتوقفت ولم يعد حياة فيها، أو أن تقرأ تصريحاً إعلامياً يستنكر ما وقع في هذه القرية وتلك الخربة وتظن أيضا ان الصفحة طويت ولم يعد هناك من يعيش في هذه أو تلك.
على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية وبحكم عملي في وزارة الأشغال العامة والإسكان ذهبت مع الوزير صوب عدد من القرى والخرب "يانون، طويل، عربة الطبيب، بورين وجبالها، النبي صموئيل" وخلال وجودي هناك كنت أراجع تلك التقارير الإعلامية والصور التي تنقل ما يمارسه الاحتلال، ولكنني رأيت شعبا فلسطينيا مصرا على البقاء، مصراً على أن يزرع ويفلح ويربي المواشي ويصنع الجبنة واللبنة واللبن الرايب، شعباً يقول هنا باقون رغم أننا خارج التغطية، وهذا الكلام ينطلق على سجيته دون هدف فيه اي نوع من الإساءة لأي مسؤول أو أي وزارة، ولكن العتب على قدر المحبة، فهم يعرفون تماما من زارهم ومن آزرهم ومن وقف وقفة تعبر عن دعم الصمود في تلك المناطق.
في تلك المناطق يصبح الأهالي هم قادة الجولة، بمجرد وصولك لديهم لحظتها يجب ان تغض الطرف عن الوقت والترتيب الذي يلي تلك القرية أو الخربة لأنك تصبح أسير المحلي، يأخذونك لأعلى نقطة لكي تدرك مدى استراتيجية موقعهم والمشهد الجميل المطل ليضعوك بصورة أبعاد استهدافهم من قبل الاحتلال، ويقفزون أمامك لتقفز وراءهم ويهبطون لتهبط خلفهم ويتحولون يساراً ويميناً لتسير على خطاهم، وتسمع حكايتهم وميزتهم أنهم لا يرتبون كلماتهم بل يقولون ما في قلوبهم لأنهم يشعرون أنهم على حق مطلق، فهم رأس الحربة في تلك المناطق، تصعد جبال بورين لترى بأم عينك آليات وزارة الأشغال العامة والإسكان وهي تشق الطرق الزراعية في الجبل بمحاذاة المستوطنة، لتجد نفسك بجانب الآليات ومن أمامك المستوطنون يتهددون ويصيحون وجيش الاحتلال يتقمص الدور انه هناك، ما هي إلا لحظات حتى هشم زجاج الجرافة من قبل المستوطنين، ويقف أبناء بورين ليناصروا السائقين ويدعمون بقاءهم رغم أذى المستوطنين، ولكنك تسعد عندما ترى حجم الإنجاز رغم كل ذلك، تسعد عندما تسمع ذلك العجوز الذي يمتطي ظهر حماره ويقول هذا أسعد أيام حياتي، آليات تشق طريقاً لنا لأرضنا.
في عزبة الطبيب اختلفت الصورة جذرياً، هناك كنا قبل عام تقريبا للتضامن وسماع الاحتياجات، أول من أمس كنا هناك، حيث حولت وزارة الاشغال العامة والإسكان المواطن إلى مقاول يقوم بترميم منزله لتحسين ظروف السكن من النواحي الصحية والاجتماعية والعيش الكريم ليصبح المطبخ مطبخاً وغرفة النوم غرفة نوم وتصبح البيئة صالحة، وهذا تدخل مهم ليقوم المواطنون انفسهم بإجراء إصلاحاتهم.
في مخيم عين السلطان في اريحا كان الحديث يدور عن مشروع كبير بطول سبعمائة متر لبناء رصيف ووضع حواجز حديدة على طول الرصيف لمنع اندفاع طلبة المدرسة باتجاه الشارع حيث كثافة حركة السير والخطر على السلامة العامة، بعد زيارة الموقع وحتى لا يصبح مشروعاً كبيراً يتطلب عطاء ومخصصات مالية من الموازنة او موازنة هذا المشروع، وننتظر إدخال المشروع بحكم الحاجة وتحقيق التدخلات التنموية إلى أعمال روتينية يتم خلالها التدخل بطول خمسين متراً لإقامة الحاجز الحديدي مع رصيف لحماية الطلبة.
بلا طول سيرة، في الوطن اليوم تحتاج إلى حلول ابداعية لتحقيق تدخلات تنموية تهدف لدعم الصمود لكي لا تختصر الحكاية إلى عملية هدم وفقط هناك هدم ولكن هناك قصص صمود، قصص بقاء قصص ديمومة الحياة.
الوطن اليوم يحتاج إلى رؤية وهمة عالية وإرادة حتى يشعر المواطن انه محط اهتمام، ولا يحتاج إلى دش حكي عن قضايا ليست من أولويات أولئك، هم يعلمون ويعيشون ويعانون من كون الاحتلال لم يخرج، ويعرفون جيدا ان المناطق المصنفة قسرا "ج" هي مناطقهم والمعاناة معاناتهم والمستوطنون يقذفونهم بالحجارة ويعكرون صفو حياتهم، ولا يحتاجون لتكرار هذه الكلمات امامهم بل هم يحتاجون إلى حلول ابداعية ممن يفترضون انه سياسيون أو مسؤولون في الحكومة.
الوطن اليوم ليس بحاجة لعناوين براقة كبيرة لا تلامس هموم عزبة الطبيب وخربة يانون وخربة طويل ومسافر يطا والجفتلك وعين البيضا وزبدة وغيرها، مالهم ومال مختصرات لأسماء مشاريع كبرى ممولة من هنا وهناك يطلقها ومن ثم يختتمها ومن ثم ينظم حفل استقبال على شرفها، وفي النهاية يظل الحال على حاله ولا جديد عدا عن التكرار والازدواجية، ويظل المفتتحون هم هم والمكرمون هم هم والحضور هم هم ولا جديد.
الوطن اليوم ليس بحاجة لإجراءات شكلية لا تغني ولا تسمن من جوع، كافة القطاعات يجب ان تستنفر من أجل بحث المفاصل المحورية في قطاعاتها والخروج بحلول ابداعية تترك أثاراً إيجابية على المواطن المستهلك في القطاع الصحي والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمياه والطاقة والعمل والعمال والبنية التحتية وغيرها.
إلى قمة "الإيفرست"
بقلم: رامي مهداوي – الايام
قصة نجاح أخرى أضعها عزيزي القارئ أمام عينيك... فقصص البطولات كثيرة في فلسطين وأحلام الشباب تحديداً ما إلها حدود... أكتب لكم هذه الكلمات وأنا سعيد بها، لأنه بطل مقالي هو شاب تعرفت عليه أثناء تدريبي لمجموعة شبابية حول الإعلام وبعد ذلك أصبحنا أصدقاء، يقول بطل المقال الشاب محمد القاضي (24 سنة)، "على قدر حلمك تتسعّ الأرض"، محمد ابن سيلة الظهر في جنين، فلاح بسيط وطموح ويسعى لتحقيق أحلامه وأهمها تسلّق قمّة "افرست" ورفع علم فلسطين أعلاها.
محمد يدرس حالياً فن الطبخ "الفرنسي" في فرنسا، وبعد حديثي معاه فمن الواضح ان تواجده خارج البلد شحنه بمسؤولية كبيرة ليوصل رسالة الشعب الفلسطيني للأوروبيين مثل ما بقول، وحكايته مع إيفرستْ بدأت من لما بدأ بمبادرة شخصية لرفع العلم الفلسطيني في كل مكان بوصله في العالم، لأن القاضي بسافر مرتين شهرياً في نهاية الأسبوع. في المؤتمرات الدولية، المباريات، جبل الألب .. في كل هذه الأماكن قدر محمد أنه يرفع علم فلسطين فيها.
علاقة الطموح وتحقيق الأهداف علاقة جدلية، فربما تموت هذه العلاقة مع ولادة معرفة ما هو الهدف!!، فينكسر .. يموت الطموح بمعرفة كم المسافة بعيدة؟ كم من الطاقة لدينا؟ كم من العوائق سيتم مصادفتها؟، هناك من يقتله طموحه أيضاً!!، وهناك من تجعل منه الظروف مبدع وريادي وخلاّق في أمور عجز عنها الكثير الكثير لمجرد التفكير بها.
عندما وصل محمد القاضي لجزء من الطموح زادت عزيمته وقرّر أن يبحث عن حلمه الأول وهو تسلق قمة "ايفرست"، وهي القمة التي حدثه عنها والده قبل 14 عام من الآن (أي وعمره 10 سنوات)، وأخبره يومها بأن قمة ايفرست هي من القمم العظيمة والقليل استطاع تسلقها أو الوصول إليها، ومنذ ذلك التاريخ ظلّ محمد يفكر بهذا الحلم ولسان حاله يقول، "سيأتي اليوم الذي أحقق فيه حلمي".
أكثر شيء بحاجة له الطموح هو الإرادة، ولكل منا طموح دون إرادة وربما العكس هناك الكثير ممن لديه إرادة في فعل شيء ما لكن هذا الشيء مبعثر.. نجهله.. غير واضح.. نخاف من خوف لم نخضه ولم نواجهه بعد، فتموت الإرادة والطموح معاً كأنهما توأم لم يكتشفا بعد معنى الحياة بسبب الإجهاض الذاتي للجسد والعقل!!.
قبل فترة انضم القاضي لنادي هواة متسلقين وبدأ بالتدريب عشان يوصل حلمه فعلاً وتسلّق وقتها قمة "الألب" ورفع علم فلسطين، وعن هالتجربة بقول محمد، انه "شعر بقمة الفرحة، وانها بداية لتحقيق حلم أكبر"، ويومها كمان وصّل القاضي كثير رسائل من أعلى القمة ومنها الوحدة الوطنية في يوم الأرض، وأن علم فلسطين واحد ويجب احترامه واحترام من استشهد لأجله. يومها لم يكن القاضي وحده سعيد، كنت أنا وغيرنا من الأصدقاء والكثييييييييييير من الفلسطينيين انتصرنا بانتصاره.
العوائق التي تواجه الطموح قد تقتلنا إذا ما تم التفكير بها والعيش بداخلها دونما التمرد عليها كأنها جزء من رحلة الوصول الى الهدف، قد يكون الباب مغلق ونؤمن بأنه لم ولن يفتح من أجل الوصول الى ما بعد الباب، فتفكيرنا بأن الباب يفتح فقط بالمفتاح الذي لا نمتلكه يجعلنا نقف أمامه ساكنين كالأموات، وهنا يأتي الإبداع في كيفية فتح هذا الباب... .
الآن وبعد مغامرة الألب بيفكّر محمد القاضي بتسلق قمة "الايفرست" وبعد معاناته بسبب الإهمال بعد مطالبته بالمساعدة لتمويل رحلته التي تكلف 50 ألف دولار، نشر تغريدة على التويتر ومن خلالها تواصل معه رجل أعمال قطري وتبرع بهذا المبلغ وطلب عدم الكشف عن اسمه. إذن القاضي سيبدأ بالصعود الى قمة إيفرست مع بداية نيسان 2015 وتستمر لمدة شهرين... بالتوفيق يا صديقي.
محمد يجيب على الناس الي بتتساءل "لماذا ايفرست؟ وماذا سنستفيد من هذه الخطوة؟"، حيث يقول، انه كشاب فلسطيني يرى أنه مطالب بإيصال رسالة شعبه بأي طريقة يراها مناسبة ويكون قادر على فعلها، ويؤكد على أن ريع التسلق سيذهب لصالح اللاجئين الفلسطينيين، كمان انه رح يشرف شخصياً على حملة التبرعات لصالح اللاجئين الفلسطينيين.
هدف محمد كما غيره من الشباب أن يثبت أن أبناء الشعب الفلسطيني "باقون هنا، قاعدون هنا، وهنا سنكون"، وتبدو عزيمته أقوى بكثير من كل من يحاول طمس هوية الشعب الفلسطيني، فإرادة الشباب بإمكانها ان تنتصر على كل شيء، ورسالته اليوم وغداً للشباب أن عليهم ألا يستسلموا ويستمروا بالمحاولة حتى النجاح... والصعود إلى ما بعد الإيفرست.
زيارة البابا
بقلم: وليد بطراوي – الايام
أتفهم حاجتنا لإثارة قضيتنا العادلة في كل المحافل وامام الشخصيات العالمية ورؤساء الدول والزعماء، وأتفهم تطلعنا الى زيارة قداسة البابا وآمالنا بأن يقول كلمته التي يتأثر بها ملايين البشر، ولا اعترض بأن نرفع اليافطات واللافتات التي تطالب بأبسط حقوقنا خلال زيارته، وان نتحدث اليه لشرح ما نريد، علماً بانه كان قد اعلن ان زيارته هي دينية بحتة. لكنني أؤكد أن إسرائيل لن تغير من سياستها تجاهنا ومن استهدافها لأرضنا، وان قداسته لن يستطيع ان يؤثر في القرار الإسرائيلي، تماما كما لم تستطع ولن تستطيع شخصيات وحكومات ودول العالم التأثير على إسرائيل.
C
يكاد لا يمر يوماً الا ونسمع عبارة "منطقة C". فما هي منطقة C وما هي حدودها وماذا تشمل؟ هذا ما حاولت البحث عنه، فلم اجد قائمة متوفرة للعموم، وما وجدت كان مجموعة خرائط تتشابه ألوان تقسيماتها فتضيع معالم المنطقة C.
CC
ضحكت كما ضحك الآخرون عندما شاهدت السيدة المصرية منى البحيري وهي تشتم اوباما وترفع شارة النصر للمشير السيسي. وبعد ان ضحكت، عدت لمشاهدة المقطع المصور، وشاهدت مقابلات معها، فوجدت أنها امرأة عفوية، تعبر عن نساء مصر البسيطات، تستخدم ما تمتلك من كلمات انجليزية تعلمتها في مدارس مصر المتهالكة التي يرتادها ملايين الأطفال بعضهم يخرج منها باقل مما تعرف البحيري. ليست سيدة مخملية، وإنما ام مصرية تريد بكلماتها البسيطة ان تعبر عن نفسها، فلها كل الاحترام والتقدير، و"شت اب يور ماوس" لكل الذين تهكموا عليها "منى البحيري يس منى البحيري يس".
الفلسطيني
ربما كنت في السابعة من عمري عندما شاهدت ولأول مرة كلمة "الفلسطيني" تكتب على أحد المباني علناً. كان ذلك في احد شوارع العاصمة الاردنية عمان، فلم يكن بإمكان اية مؤسسة داخل الاراضي المحتلة ان تستخدم "الفلسطيني" او ما يمكن ان يشير الى ذلك، "الهلال الأحمر الفلسطيني" هذا ما كتب على المبنى، رأيت الناس هناك بالعشرات، ممرضين وممرضات، وسيارات إسعاف، طننت في بادئ الأمر ان مكروها قد حصل، فقالت لي والدتي، رحمها الله، إنه مقر الهلال الأحمر الفلسطيني، مؤسسة طبية فلسطينية تساعد الفلسطينيين وغير الفلسطينيين، ولتبسط لي الأمر قالت، "مثل المستشفى".
من هناك بدأت معرفتي بالهلال الأحمر الفلسطيني، ثم توطدت هذه العلاقة بعد ان ولدت ابنتي الاولى وبعد عشر سنوات الثانية، وزادت ثقتي بهذه المؤسسة عندما عالج احد أطبائها آلام ظهري، وفكك اختصاصي العلاج الطبيعي توترات عضلاتي، فذهبت الآلام الى غير رجعة. قبل أيام، شن الكثير من الصحافيين وأبطال الفيسبوك والعامة حرباً على هذه المؤسسة العريقة بعد وفاة امرأة عشرينية خلال عملية الولادة، بغض النظر عن التفاصيل التي سمعتها من أطراف مختلفة قد يكون كل منها على حق، فقد تسرع الصحافيون وبعض المسؤولين بالحكم على ان ما حدث هو "خطأ طبي" قبل ان تخرج لجنة التحقيق بنتائجها، ودون الاطلاع على التقارير الطبية ونتائج عملية التشريح، ولو افترضنا جدلاً ان خطأ طبياً قد حدث، وهو بالمناسبة امر مرفوض ويجب ان يحاسب المسؤول عنه، فلا يجوز ولا بأية حال من الأحوال التشهير بالمؤسسة ككل وشمل الصالح بالطالح.
بدها شوية نظر
ذهبت وابنتي لإجراء فحص نظر، كمتطلب من متطلبات الحصول على رخصة سياقة، وصلنا الى الطابق السفلي -1 في مبنى صحة رام الله والبيرة الواقع في منطقة البالوع، طلب منا الموظف هناك ان نتوجه الى الصندق، ودفعنا مبلغ 100 شيقل، عدنا ووقفنا ننتظر، وأقول وقفنا لأن عدد المقاعد التي تم توفيرها هناك 18، بينما ما استطعت إحصاءه من مراجعين كان 35 شخصاً، أصابني الدوار فالمكان اشبه بالقبو، والموظفان المسكينان يجلسان في غرفة لا تهوية فيها ولا شمس، وفوق رأسيهما عشرات المراجعين، غرفة الطبيب كذلك، دخلنا بعد انتظار ساعة ونصف، فجلست ابنتي للفحص. أعطاها الطبيب نظارة، فيها عدسة اليمين مظلمة ولا توجد عدسة في اليسار، العدسة المظلمة مشقوقة من النصف، استبدل الطبيب النظارة بأخرى، هذه المرة لا توجد عدسة يمنى، ولا توجد عدسة يسرى، بل استبدلت اليسرى بلاصق طبي غطاها، سألت الطبيب "الا يوجد نظارة اخرى؟" أجاب "ايدي بحزامك"، المرآة التي تعكس إشارات فحص النظر، مشقوقة نصفين، تساءلت "يدفع كل من يريد فحص النظر 100 شيقل اي ما مجموعه 3500 شيقل لمن أحصيت من مراجعين، ولا تستطيع الوزارة توفير نظارة افضل واستبدال المرآة المشروخة؟"، خرجنا وانتظرنا في الرواق الذي يتشارك فيه قسم الأشعة، وبينما ننتظر وقعت يدي على مجموعة ملفات طبية كتب عليها "كشف فحص الثدي"، وأخذت أقلب الملفات وأقرأ ما فيها، وأخرجت هاتفي النقال وصورتها، فهي بمتناول الجميع. حتى أنني أردت ان احمل احد الملفات واذهب به الى وزير الصحة، الا أن ابنتي نبهتني أن هذا "غير قانوني"!.
لو كنت مسؤولاً
وأردت تركيب أجهزة مراقبة تشمل كاميرات ليلية ونهارية، ابيض واسود وملون، أمام الفيلا التي تقع ضمن حي فيه كثير من البيوت المتلاصقة او امام وخلف وفوق وتحت وداخل العمارة التي تقع فيها شقتي، ولو كنت اركب هذا النظام لأنني حقاً اريد السلامة والامن للجميع وليس "تفشخراً" واستعراضاً، لاستأذنت الجيران قبل أن أقوم بهذه الخطوة، وبعد أخذ الإذن منهم، لأعلنت بوضع لافته ان المكان مراقب بالكاميرات من كل الجهات.
الشاطر أنا
في شركات مؤسسات تجارية بتتشاطر علينا احنا الصحافيين وبتقولنا تعالوا اعملوا عنّا تقرير. ولما بينتشر التقرير ما بكون الا عبارة عن دعاية او اعلان تجاري مطول وماخذ نص الصفحة او ربعها بدون ما الشركة او المؤسسة التجارية تدفع فلس. وانا لاني شاطر بدي اعمل مثل هالمؤسسات لانه ما في حد اشطر من حد، واستغل هالزاوية اللي اسمها الشاطر انا باني اقولكم اليوم مش راح اكتب عن الشطارة واللي بدو يعرف "الشاطر انا" بشو بفكر ما اله الا يسمعني كل يوم على اذاعة 24FM.
تغريدة الصباح - شكوى لله "الصمد"
بقلم: عدلي صادق – الحياة
لن ينتقل البث، في هذا اليوم، الى غزة، لأن ما سوف أسجله وأسمعه هناك، معلوم سلفا. لكن ما يقلقنا بشكل عام، أن لقضايا الوجع في كل مكان من بلادنا، تعليلات مؤلمة، ربما من أكثرها مرارة، أن هذه المنطقة أو تلك، مستهدفة في أرزاق أبنائها. إن هذا، في الرؤية الموضوعية، هو التعليل الذي يتكئ اليه الشاكون في كل مكان. بالمقابل، تلجأ زمرة الظالمين المحابين لمناطقهم بالقول همسا، إنهم ينصفون مظلوميها. هنا تنتقل الكاميرا الى المشهد العام للاجتماع السياسي، الذي لا يقوم ولن يأخذ مفاعيله الإيجابية، على صعيد الصراع مع الاحتلال، بغير منظومة إدارية رصينة ومحايدة وشفافة، ذات مرجعيات وطنية، في الثقافة وفي السياسة، لا تتجاهل أصلا ولا فرعا لأية مشكلة، وأقل ما تؤمن وتعمل به، هو مبدأ أن الناس متساوون، وأن كل أسرة فلسطينية أينما كانت، عاشت سنوات حياتها احتمال مشروع للتضحية بأحد الأبناء أو أكثر، وبالدار أو أكثر، وبسعادتها العائلية أو أكثر!
كلام كثير نرغب في قوله، حول ما تعرض له موظفو السلطة في غزة الذين توقف زمنهم الوظيفي عن النمو، بقرار يتوخى تشغيل الزمن السياسي في وضعية الخصومة، بينما ظلت أكلاف الحياة ترتفع، وزمننا على صعيد السياسة الداخلية يتلعثم. بمعنى إن كلفة المعيشة تتضخم والرواتب تنحت. وحيال بعض الإجراءات، وكلما ضاقت السبل الأرضية وعز تفسير الألغاز، كانت السماء هي الملجأ الوحيد للحيارى والمكلومين. ربما تكون سورة "الإخلاص" في القرآن الكريم، هي أكثر السور ترددا على الألسنة لقصرها: "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد".
تلك سورة تختصر مطولات الإيمان والصبر. إن صفة "الصمد" فيها، تمنحك أعز عناوين الشكوى عندما تنشأ الحاجة ويتوغل الألم، لأن "الصمد" هو المقصود الذي نتوجه اليه. فالشكوى، في غيبة العدل، هي أولا وأخيرا، لله الصمد. وإن كان العدل، أساس الملك، فهو ليس كلمة تقال. وإنما هو نبع أخلاق وقناعات، ونظام تشريع يحترم، ومنظومة عيون غيورة تراقب، ونظام قضاء يردع، وموقع سياسي يحسم. وعندما تحل الفوضى وتطغى العشوائية والمزاحمة، وتنعقد المقارنات، وتشرق الظنون وتغرب، يجري السباق كسباقات الجري التي تبدأ بخمسن ألفا وتنتهي بعشرة أو عشرين فائزا. كل يفتش عن خلاصه الفردي، ويستعين بالأحلام.
تلقيت أمس، من أحد أبنائنا في الضفة، رسالة طريفة. الشاب، واسمه الكامل موجود لمن يرغب في الاستزادة، غلبته نزعة طاغية الى الدكترة بالتحصيل وبالجدارة. طلب ابتعاثا فلم يحصل عليه. طلب إجازة من دون راتب، فلم يحصل عليها. استقال على أمل أن يعود بـ "الجوكر" فينفتح له الطريق الى استعادة ما خسر، وهذا حقه على أية حال. في الحقيقة استشارني هو عبر مراسلات متواصلة، وقلت له إن الدراسة العليا تفصيلية وغالبا ما تكون للمستريح ماديا ولمن يكون على رأس عمله. لكن رغبته التي حسمت. ذهب الى الدراسة وعاد باللقب المفخم!
استأنف التواصل معي، وهذه المرة لكي يحصل على وظيفة في إحدى الجامعات، وانتهت محاولاته ومحاولاتنا معه، بوعد أن يصار الى تعيينه في شهر أيلول من هذه السنة. لكنه أمس أرسل يقول، وهو يخاطبني بشيء من اللهجة المصرية (ولا أدري هل ذلك بسبب انطباع لدى بعضنا في الضفة أن أهل غزة يتخاطبون بالمصرية، أم لأنه هو درس في القاهرة وعاد بمصريته الخاصة):
"إزاي حضرتك عمي أبو شعبان؟ اخبارك إيه؟ آمل أن تكون بخير وصحة جيدة. عذرا عمي أبو شعبان: والله الليلة شفتك بالمنام وكنت حضرتك جالس أمامي ومسترخي ومبتسم وشاعر بالسعادة، وقلت لي: إذا أمورك بالجامعة ما مشيت بشهر 9 راح أجيبك عندي على السفارة!
آسف بس طول اليوم وأنا بفكر بهذا الحلم. لا قدر الله لو ما مشيت أموري بالجامعة، ممكن الحلم يتحقق؟. والله كله مؤامرات والشاطر اللي بده ياكل التاني. حسبنا الله ونعم الوكيل. حبيبي عمي أبو شعبان وخالص احترامي..."
ذهب الشاب، لتحصيل الأعمق في دراسات السياسة، التي هي فيزياء إدارة حياة الأمم والأوطان، ولما وجد المشهد ممتلئا بخزعبلات المزاحمة والتمرير، غط في النوم وأنتج حلمه الجميل أو حيلته الظريفة. هنا، نبدأ المسعى، مع ابتسام واسترخاء - حسب المرسل - بإحالة شكواه وشكواي، الى "الصمد" الذي لا يرجى سواه، مع التذكير بأن السلك الدبلوماسي يزدحم بالموظفين، لكنه يحتاج الى الكادر المؤهل!