Haneen
2014-12-30, 12:29 PM
ملخص مركز الاعلام
<tbody>
</tbody>
قرارات "غير ملزمة"!
نقولا ناصر / فلسطين اون لاين
بينما يؤكد الشعب الفلسطيني يوميا وبأشكال مختلفة أن خياراته محسومة في مقاومة موحدة وطنيا للاحتلال ودولته بالوسائل المتاحة كافة ويأمل في موقف دولي "ملزم" ينهي الاحتلال، ما زالت قيادته المعترف بها دوليا بلسان رئيسها تعلن أن "كل الخيارات مفتوحة"، ومنها طبعا خيار استئناف المفاوضات مع دولة الاحتلال، وما زال المجتمع الدولي في أحسن حالاته يصدر قرارات برلمانية "غير ملزمة" لحكوماتها فكم بالحري أن تكون ملزمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
دوليا، لا يمكن تجاهل حقيقة أن القرارات "غير الملزمة" التي اتخذتها برلمانات بريطانيا وفرنسا واسبانيا وايرلندا تخلق بيئة سياسية دولية ضاغطة شعبيا باتجاه الاقتداء بالسويد في اعترافها الرسمي من جانب واحد بدولة فلسطين وباتجاه الضغط على الحكومات الغربية كذلك كي لا تعارض مشروع القرار الفلسطيني - العربي المزمع تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي في موعد أقصاه الخامس والعشرين من الشهر الجاري، كما أعلن كبير مفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، أو بعد غد الإثنين كما أعلن المفوض العام للعلاقات العربية بحركة فتح عباس زكي.
وفي السياق ذاته يندرج إجماع (122) دولة عضواً في محكمة الجنايات الدولية على قبول دولة فلسطين "عضواً مراقباً" فيها في الثامن من الشهر الجاري وكذلك القرار الذي اتخذته الحكومة السويسرية الخميس الماضي، بالرغم من ضغوط دولة الاحتلال وراعيها الأميركي، بعقد اجتماع في السابع عشر من هذا الشهر للدول الأطراف في ميثاق جنيف الرابع لبحث الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس.
إن الحراك الدبلوماسي الدولي الذي أثاره قرار الرئيس محمود عباس بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار أممي يحدد جدولاً زمنياً لإنهاء احتلال عام 1967 ويعترف بدولة فلسطينية عاصمتها "القدس الشرقية" على الأرض المحتلة آنذاك يؤكد أن الرئاسة الفلسطينية قادرة على امتلاك زمام المبادرة السياسية عندما تقرر ذلك.
فوزير الخارجية الأميركي جون كيري ورئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو سوف يلتقيان في اجتماع وصفته "هآرتس" العبرية بأنه "عاجل" في العاصمة الايطالية روما بعد غد الاثنين، هدفه كما أعلنت جنيفر بساكي الناطق الرسمي باسم وزارة كيري بحث مختلف مقترحات إقامة دولة فلسطينية في مجلس الأمن الدولي.
وكان العاهل الأردني عبد الله الثاني قد التقى الرئيس الأميركي باراك أوباما في العاصمة واشنطن في الخامس من هذا الشهر قبل أن يعرض الأردن مشروع القرار الفلسطيني – العربي على مجلس الأمن الدولي رسميا بعد أن وزعه الشهر الماضي على أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر لإنهاء الاحتلال قبل نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2016.
إن التحفظات التي أعلنها وزير الخارجية في حكومة الوفاق الوطني رياض المالكي على مشروع قرار فرنسي بديل، وتأكيد حكومته يوم الثلاثاء الماضي على وجود "أطراف دولية" تحاول "تغيير نص مشروع القرار الفلسطيني"، إنما يشير إلى مواقف حكومية أوروبية سلبية تتعارض مع روح القرارات "غير الملزمة" التي اتخذتها برلماناتها وتثير الشكوك في نجاح المشروع الفلسطيني – العربي في مجلس الأمن الدولي بقدر ما تشكك في حسن نوايا الحكومة الفرنسية.
فمن المعروف أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس كان قد حاول جاهدا تجنب عرض مشروع القرار الفلسطيني على مجلس الأمن الدولي، منسجما في ذلك مع موقفي دولة الاحتلال وراعيها الأميركي، محاولا استبداله باقتراح عقد "مؤتمر سلام" في باريس كمدخل لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الثنائية مع دولة الاحتلال.
وعندما فشل فابيوس في الالتفاف على المشروع الفلسطيني لجأ إلى تقديم اقتراح بديل إلى مجلس الأمن الدولي ينسف المشروع الفلسطيني من أساسه، بعدم دعوة الأمم المتحدة إلى الاعتراف فورا بفلسطين دولة كاملة العضوية فيها، وبتحديد سقف زمني لاستئناف المفاوضات الثنائية على الوضع النهائي مع دولة الاحتلال لمدة عامين يبدأ بعدها فقط انسحاب قوات الاحتلال بدلا من انتهاء انسحابها بعد عامين وفق المشروع الفلسطيني، والأخطر من ذلك أن المشروع الفرنسي يقترح ربط الاعتراف بدولة فلسطين باعتراف مواز ب"رؤية إسرائيل ليهودية الدولة" كما قال المالكي.
وتستقوي فرنسا في مشروعها المشبوه بدعم ألمانيا التي تضغط لحذف أي جدول زمني من نص المشروع ولتضمينه النص على أن دولة الاحتلال هي "الدولة القومية للشعب اليهودي".
وكانت بريطانيا قد اقترحت مشروع قرار منفصل لا يختلف في الجوهر عن المشروع الفرنسي، لكن فرنسا في نهاية المطاف أقنعت بريطانيا وألمانيا بتبني مشروعها المرفوض فلسطينيا ليتحول إلى مشروع أوروبي.
وكان احتكار الولايات المتحدة لما يسمى "عملية السلام في الشرق الأوسط" على مسارها الفلسطيني قد انتهى رسميا في الأول من نيسان/ أبريل الماضي بفشل المفاوضات الثنائية التي نسقها كيري، لكنها كانت قد انتهت عمليا عندما توجه عباس إلى الأمم المتحدة كي تعترف بفلسطين دولة عضوا فيها عام 2011، وقد عارضت واشنطن التوجه الفلسطيني الأممي الجديد حتى الآن، وأفشلته في مجلس الأمن الدولي.
والولايات المتحدة تؤكد بأنها مصرة على إفشال المحاولة الفلسطينية الجديدة المرتقبة، لكنها تحاول أن تتجنب إفشالها باستخدام "الفيتو" ضدها خشية أن يؤثر ذلك في تماسك الجناح العربي في الائتلاف الذي تقوده في حربها المعلنة على "الدولة الإسلامية"، لذلك فإنها تحاول جهدها اليوم للضغط أولا من أجل منع وصول المشروع الفلسطيني إلى مجلس الأمن، وثانيا من أجل تغيير نصه إذا ما أصر الرئيس الفلسطيني على قراره، وثالثا من أجل طرح مشروع قرار بديل للمشروع الفلسطيني إن رفض عباس تغيير نص مشروعه. ومما لا شك فيه أن المشروع الفرنسي يقدم هذه الخدمة للولايات المتحدة ودولة الاحتلال.
ولا يوجد حتى الآن ما يدحض أن الولايات المتحدة ما زالت مصرة على نهجها العدائي للشعب الفلسطيني، وعلى رعاية الانقسام الفلسطيني، وعلى استمرار التناقض بين ما تقوله عن تأييدها المعلن لقيام دولة فلسطينية ك"مصلحة حيوية للأمن القومي" الأميركي، كما قال أوباما، وبين معارضتها لصدور قرار أممي يعترف بدولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة.
ومن الواضح أن الموقفين الأميركي والأوروبي لا تغيير جوهريا فيهما، وتهديد الرئاسة الفلسطينية بالذهاب إلى المنظمات الأممية والدولية "فقط" بعد اختبار الموقفين في مجلس الأمن الدولي هو مضيعة مؤكدة للزمن الفلسطيني.
فالتجربة التاريخية تؤكد أنهما لن يتغيرا إلا بالضغط العربي والفلسطيني عليهما. وقد كانت المقاومة هي "فقط" التي فرضت على الأميركان والأوروبيين التعامل مع "الخيار الفلسطيني" لحل الصراع العربي الصهيوني في فلسطين.
إن التوجه الأممي للرئاسة الفلسطينية يحظى بإجماع فلسطيني يتجاوز الانقسام السياسي الداخلي، لكنه توجه سوف يظل أعرج إن لم يردفه توجه مماثل نحو وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال كأساس موضوعي لوحدة وطنية على قاعدة المقاومة تسارع إلى تفعيل القيادة الوطنية الموحدة المتفق عليها كإطار قيادي لاستشراف استراتيجية بديلة لتلك المعمول بها منذ عام 1991.
حماس والثورات العربية.. المرحلة الظالمة
رأفت مرة / المركز الفلسطيني للاعلام
خلال مسيرتها التي امتدّت إلى الآن سبعة وعشرين عاماً، تعرّضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى الكثير من المواجهات السياسية والعسكرية، وشهدت مسيرتها محطّات عدّة في علاقتها ورؤيتها ومواقفها، مثل المواجهات الدائمة مع الاحتلال الصهيوني، والموقف من عملية التسوية ومسار المفاوضات برمّته، ومحطّة مؤتمر مدريد، واتفاق أوسلو، ودخول السلطة، والمصالحة، والحصار، ومؤتمر شرم الشيخ، وعمليات الإبعاد والاعتقال، والعلاقات العربية والدولية والانتخابات البلدية والتشريعية.
غير أن أصعب وأعقد ما واجهته حماس كانت الثورات العربية، التي انطلقت من تونس نهاية عام 2010، وامتدّت إلى مصر بداية 2011، ثم إلى سوريا وليبيا واليمن والبحرين والعراق.
هذه الثورات كانت كبيرة بحجمها، ضخمة بنتائجها، خطرة بالتدخلات التي حصلت فيها، عنيفة في أكثر مراحلها، مروّعة في بعض ساحاتها.
والأهم من ذلك، أن هذه الثورات أدت لإسقاط أنظمة، وهددت أنظمة أخرى بالسقوط، وأعادت رسم خرائط، وأثرت في بنية المجتمعات، وهددت أركان الدول، وشكّلت تحالفات، وأدخلت الرعب إلى قلوب أنظمة سياسية هشّة استشعرت الخطر مما يجري في المنطقة.
والأخطر من ذلك، أن هذه المتغيرات شجّعت الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ودول أوروبية مع بعض دول المنطقة على الدخول على خط هذه الثورات، تخريباً وتدميراً واستثماراً، بهدف إجهاض الثورات وحماية ما تبقّى من أنظمة، والثأر من التاريخ السياسي لبعض الأنظمة، ومنع انتقال السلطة من العسكر والأنظمة المرتبطة إلى الشعوب الثائرة.
ولأن معظم التحرّكات الشعبية كانت بدفع إسلامي، فقد تحوّل الأمر إلى صراع مع كل الحركات الإسلامية المنظّمة أو أصحاب "المشروع الإسلامي" الواضح.
وصارت سيطرة الاتجاه الإسلامي على مصر وليبيا وتونس، واحتمال امتداده إلى دول أخرى، عامل قلق أو رعب يهدد مصالح الولايات المتحدة والغرب والكيان الصهيوني وبعض الحكام.
فتولّد عن ذلك معسكر جديد من جهات محلية وإقليمية ودولية يقوم على مواجهة المشروع الإسلامي بشتى عناوينه، وإن لم يكن لهذا المشروع آلية تنسيق أو خطط مشتركة أو استراتيجية واحدة، لكن يجمعه احتمال التوحد والتعاون في المستقبل، ومبرّره خوف الأنظمة.
رعب الأنظمة الساقطة والمهددة بالسقوط من الإسلاميين، دفعها لشنّ هجوم سياسي أمني إعلامي واسع، طال في بعض جوانبه حركة حماس للأسباب الآتية:
1- مرجعية حماس الحركية أو التنظيمية.
2- موقع حماس الشعبي المؤثر.
3- مكانة حماس في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
4- استهداف حماس مدخل جيد لعلاقة وثيقة مع الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية.
5- الموقع الجغرافي لقطاع غزة.
كُثر تحدثوا عن استفادة حماس الضخمة من الثورات العربية، لكن هؤلاء يعجزون عن تقديم الدلائل الموضوعية على ما كسبته حماس فعلاً من الثورات العربية.
هذه الاستفادة في نظر هؤلاء، ارتبطت فقط بما يسمى "الإسلام السياسي" وإمكانية صعوده. لكن الوقائع الميدانية على الأرض لم تكن كذلك، ويكفي رصد ممارسات الأجهزة الأمنية العربية وحركة معبر رفح.
كل ما تعرّضت له حماس من اتهام بالتدخل هنا وهناك، كان عبارة عن ردود فعل، ومحاولة لتشويه صورة السلطة الجديدة ورغبة في التقرب من الغرب.
نتائج الثورات العربية على حماس كانت سلبية في بعض محطاتها، خاصة لجهة العلاقة مع سوريا وإيران وحزب الله، ولجهة تراجع مكانة القضية الفلسطينية، وما أصاب مجتمعات اللاجئين في هذه الأقطار، وما لحق بالحركة من هجمات إعلامية منسّقة، ومن تراجع العلاقة مع أنظمة أخرى.
من جهتها، ربطت حماس التغيرات العربية بالأسباب الداخلية وإعادتها لجذورها المتعلقة بقضايا محلية خاصة، وحذّرت من التدخلات الأجنبية، وسعت لمنع حدوث انهيارات، وحاولت تطويق الأزمات وإيجاد حلول محلية، وحرصت على الحل المحلي أو العربي بعيداً عن التدويل، وحذّرت من اتساع العنف والظلم والتدمير، ورفضت الوقوف مع طرف ضد آخر، وعملت على حماية المجتمعات الفلسطينية ومنع جرّها إلى العنف الداخلي.
وكذّبت حماس الاتهامات التي وُجهت لها بالتدخل في مصر وسوريا، وقالت الحركة إنها لا تتدخل في الشأن المحلي لأي دولة، وعلاقاتها متوازنة مع الجميع، ومعركتها فقط مع الاحتلال.
لكن اشتعال الأحداث، وتطور الأزمات وحجم مخاوف الأنظمة لم يترك مجالاً للاستماع لصوت المنطق، فأصبح الموقف السياسي لهؤلاء نابعاً من حربهم من أجل البقاء.. البقاء فقط.
الثورات العربية لم تبدل رؤية حماس التي تقوم على المقاومة، ووحدة الموقف الفلسطيني، ودور الأمة في مواجهة الاحتلال، والصمود، ورفض التسوية والدفاع عن المقدسات.
محاولات كثيرة بذلت لأخذ حماس إلى اتجاهات معينة، وكل طرف يسعى لتوظيف حماس في مشروعه، والغضب على حماس كان يأتي من الجميع، من كل من تقول له حماس "لا".
سنوات صعبة مرّت على الحركة، خسرت أصدقاء وحلفاء، واتهمت بشتى الاتهامات، لكن ما أصاب من خسائر يبقى أقل بكثير مما أصاب هذه الأطراف التي شاركت في الفتنة والاقتتال الداخلي ولعبة الدم والقتل وتدمير المجتمع.
قد يكون من الصعب جداً على حماس أن تعيد علاقاتها إلى ما كانت عليه، أقله في المدى المنظور، لكن حماس نجحت في أنها بقيت في مواجهة الاحتلال ومقاومته، وحافظت على خطّها.. والتاريخ لن يجد شيئاً يوثّقه عن تورط حماس في الثورات العربية، بعدما تسكت آلة القتل والتحريض الإعلامي المنظمة.
وحدة وطنية فلسطينية تحت سقف الانقسام
منير شفيق/ فلسطين الان
ليس هنالك من موضوعة أو شعار يحتمل الالتباس والطعن من وراء الظهر وتزوير الوعي أو تشويهه مثل الحديث عن الوحدة الوطنية الفلسطينية.
وكل من يتعرّض للموضوع الفلسطيني من الأشقاء العرب أكان مع تحرير فلسطين أم متواطئاً على فلسطين، وأكان من الحريصين على وحدة الشعب الفلسطيني غيرة على النضال الفلسطيني ومستقبل القضية الفلسطينية أم كان متبرماً من فلسطين وشعبها ونضاله ويريد إغلاق الملف بأية شروط يضعها الكيان الصهيوني وأمريكا.
كل الأطراف في الساحة الفلسطينية تتبنى شعار الوحدة الفلسطينية وتعتبره هدفاً راهناً وأسمى وضرورة حياة ووجود؟
كل هؤلاء ومَنْ حولهما يشددون على الوحدة الفلسطينية ويعتبرون الانقسام كارثة على القضية والشعب، وأن الوحدة الفلسطينية هي الطريق، أو الشرط، لتحقيق الأهداف.
لندع جانباً من يتخذون من الانقسام الفلسطيني حجة لأخذ موقف سلبي من دعم القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني، أو يُغطون من خلال التهويل بأضرار الانقسام ما يجري من تواطؤ، أو حصار، أو حتى شيطنة الفلسطينيين.
ولنركز على الذين تهمهم وحدة الصف الفلسطيني باعتباره الطريق الوحيد لدرء المؤامرات على القضية والشعب والنضال، أو لتحقيق: الأهداف. بل يصل الأمر اعتبار الوحدة الفلسطينية غاية بحد ذاتها، وبغض النظر عن السياسات والأهداف التي تقوم على أساسها.
وهنا يجب أن يواجَه هؤلاء بجملة من الأسئلة التي تسمح الإجابات عنها بعدم اعتبار الوحدة غاية في حدّ ذاتها، بغض النظر عن الخط السياسي الذي سيقودها، إن كان من الممكن أصلاً أن تحقق وحدة وطنية بلا شرط يتعلق بمضمونها وأهدافها واستراتيجيتها وتكتيكها وخطها السياسي.
الجواب الأول، ولا سيما إن جاء من طرف نضالي داخل الساحة الفلسطينية أو الساحات العربية والإسلامية والعالمية: كيف يمكن أن تقوم وحدة من دون تحديد المضمون والأهداف والخط السياسي والاستراتيجية والتكتيك؟ وهذا الجواب سيأتي فوراً من مختلف ممثلي الحركات الفلسطينية، وفي مقدمهم الذين يقفون على رأس أطراف الانقسام القائم.
وبكلمة ليس هنالك من أحد يقبل أن تكون الوحدة غاية بحد ذاتها بغض النظر عن الشروط التي ستقوم على أساسها. ولكن مع ذلك تجد أصواتاً تدعو للوحدة الوطنية الفلسطينية من دون أن تتطرق إلى المضمون والأهداف والاستراتيجية والتكتيك والخط السياسي. وهؤلاء إن لم يقصدوا الهروب من مواجهة الإشكال السياسي الحقيقي الذي ولّد ويوّلد الانقسام، وذلك "لغاية في نفس يعقوب"، يكونون تبسيطيين لا يدركون أن الانقسام، أمر جدي وجاد وليس بالهزل واللعبة. وليس جهالة وعدم دراية.
والدليل سيأتي أول ما سيأتي من جانب الرئيس محمود عباس حين أعلن أمام مجلس الجامعة العربية، ولم تكد أيام قليلة تمضي على وقف إطلاق النار في حرب العدوان الصهيوني على قطاع غزة في صيف 2014: أن لا مصالحة إلاّ على أساس وحدة القرار في الحرب والسلم، ووحدة السلاح، ووحدة السلطة. وتكرّر هذا من خلال اشتراط بأن تكون سلطة رام الله شاملة كل المجالات في قطاع غزة.
هذا يعني أن لا وحدة فلسطينية إلاّ على أساس الشروط الثلاثة السابقة. الأمر الذي يتضمن، وبلا جدال، أول ما يتضمن إنـهاء سلاح المقاومة في قطاع غزة، ويعني على الفور أن الوحدة الفلسطينية ستقاد على أساس الخط السياسي الذي يتبعه رئيس السلطة الفلسطينية ومن يؤيده في الساحة الفلسطينية.
أغلب الفصائل الفلسطينية، أو أغلب الذين يرفضون استراتيجية وتكتيك محمود عباس وخطه السياسي، ولا يقبلون أن يسلم سلاح المقاومة وأنفاقها للسلطة الأمنية الفلسطينية أو حكومة حمد الله، سكتوا (بالتأكيد من غير رضا) عن الشروط الثلاثة التي وضعها ويضعها محمود عباس للوحدة الفلسطينية (وإلاّ الانقسام). وراحوا يشددون على أهمية الوحدة الفلسطينية من دون أن يقولوا ما هي الأسس التي يريدون للوحدة الفلسطينية أن تقوم عليها.
نحن هنا بالتأكيد أمام منهج النعامة التي تضع رأسها في الرمال عندما لا تستطيع أن تواجه التحدي الذي يلاحقها أو تعبت من الفرار أمامه.
إن مشكل الوحدة الفلسطينية الآن، وبجوهره، يدور حول قبول الشروط الثلاثة التي وضعها محمود عباس، أو بوضوح لا يقبل التأويل، وجاءت كل ممارساته ومواقفه على أساسها، أو حول مواجهته بشروط للوحدة الفلسطينية تقوم على أساس الحفاظ على المقاومة المسلحة وتعزيزها في قطاع غزة فضلاً عن فك الحصار وصولاً إلى صرف رواتب موظفي النظافة في المستشفيات (يا للفضيحة).
هذا، ولم نتطرق إلى الإشكال المكمل والمتعلق باختيار استراتيجية الانتفاضة لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وتحرير القدس وإطلاق كل الأسرى. فها هنا يقف شعار الوحدة الوطنية الفلسطينية على رأسه إذا لم يحدد الخط السياسي والنضالي والمقاوم للضفة الغربية والقدس والأسرى.
وخلاصة: كفى تبسيطاً للمناداة بالوحدة الوطنية الفلسطينية مفرغة الشروط التي يجب أن تقوم على أساسها، وإلاّ فليذهب كل في سبيله ولتتشكل جبهتان من دون أن تتصادما: جبهة الانتفاضة والمقاومة وجبهة مسار محمود عباس.
فسلاح المقاومة وأنفاقها يجب أن يُحميا ويُعززا، وفك الحصار وبكل أبعاده، بما فيها إعادة الإعمار، يجب أن يُحقق.
وتحرير الضفة الغربية والقدس والأسرى ليس له من استراتيجية غير استراتيجية الانتفاضة الشاملة. فجبهة الانتفاضة والمقاومة أمامها العدو الصهيوني. وجبهة محمود عباس أمامها هيئة الأمم والبرلمانات الأوروبية.
ومن ثم سيكون سقف الوحدة الوطنية الفلسطينية هنا أن تبحث الجبهتان كيف تتعايشان، وبينهما برزخ لا يبغيان وأمامهما عدو يجب أن تكون له الأولوية، ومن لا يفعل ذلك يأتي بما هو أسوأ من الانقسام.
وبالمناسبة، هذه ليست لعبة توزيع أدوار وإنما معالجة صحيحة لانقسام حقيقي وجاد. وأصبح لا مفر منه في الساحة الفلسطينية. وذلك ضمن الظروف والمعادلات الراهنة، ولإبقاء البوصلة موجهة ضدّ العدو الصهيوني.
الطريق إلى "زيكيم"
صلاح حميدة / فلسطين اون لاين
شاهدنا في أيام الصبا أفلام "عمر المختار" و "الرسالة" التي تتحدث عن بطولات الأوائل و مقاومي الاستعمار، و أتحفتنا السينما المصرية بسيل من الأفلام و المسلسلات ك "رأفت الهجان" و " الحفار" و "الطريق إلى إيلات" و "أدهم الشرقاوي" كما أنتجت الدراما الأردنية المسلسل الرائع "هبوب الريح" و لأننا نشأنا بعد عصر الهزائم العربية، كانت تلك الأفلام و المسلسلات تلعب دوراً تبريرياً و تعويضياً لنفسياتنا، و نحاول من خلالها الهرب من واقع سيئ إلى ماض نعتبره جميلاً، و عززت للبعض منا نوعاً من الدافعية الوطنية نحو العمل و الانجاز، مع أنه تبين أنّ بعضها ليس له حظ من الحقيقة.
كان أكثر الأفلام قرباً من قلوب الكثير من الفلسطينيين هو فيلم "الطريق إلى إيلات" فهو يظهر في النهاية صورة لمن قاموا بتلك المهمة، التي تميزت بصفتي البطولة و المشاعر الانسانية الراقية، و لذلك كان الكثير من العرب و الفلسطينيين الذين ذهبوا إلى أم الرشراش "إيلات" يستذكرون هذا الفيلم المميز.
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، و مع اشتعال انتفاضة الحجارة، قامت مجموعة من الضفادع البشرية التابعة لحركة "فتح" بتنفيذ عملية في إيلات عبر العقبة الأردنية، و بالكثير من التفاصيل المشتركة مع قصة الفيلم، فالفكرة راسخة في ذاكرة رجال المقاومة الفلسطينية، ووجدت طريقها إلى التنفيذ و النجاح في حينه.
و كان للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قصة أخرى مع العمل العسكري و الأمني المتميز، فبنت مشروعاً مقاوماً في القطاع، اعتمد المؤسساتية و التشكيلات و البنى المتخصصة، و ابتعد عن الاستزلام و الاستعراض في الشوارع، فأسس بنى صناعية للكثير من احتياجاته خلال معاركه مع الاحتلال، و بنى هياكل أمنية مختصة في العمل الأمني و الحرب النفسية و جمع المعلومات و الاستطلاع و مكافحة التجسس، وشكّل هياكل و خلايا صواريخ و مدفعية و قناصة و قوات خاصة برية و بحرية، و صنع طائرات بدون طيار لأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، و حفرت الأنفاق بأشكالها المختلفة، و ربما هناك أشياء لم يتم الكشف عنها، و بالتالي ليست متاحة للإعلاميين و المتابعين.
بالتوازي مع هذا الإعداد المادي قامت المقاومة الفلسطينية بإعداد مقاتلين أذهلوا العالم بأدائهم خلال المعركة الأخيرة على وجه التحديد، أجبروا جيش الاحتلال على الهرب من أطراف قطاع غزة، و لا زالت الكثير من فصول المعركة خفيّة، و تزهد المقاومة و الاحتلال في الكشف عنها، بينما يتم الكشف عن بعضها أحياناً بإيجاز و باختصار، و خاصةً حجم الإصابات و المعاقين، بينما لا يزال الكتمان سيد الموقف عند الحديث عن بعض الصفحات غير المعلومة خلال الحرب.
فوجئ الكثيرون بنشر موقع إخباري للقطات مسحوبة – على ما يبدو- من حاسوب عسكري إسرائيلي مخترق، و تظهر تلك المشاهد بعضاً مما جرى عندما اقتحمت وحدة من الضفادع البشرية التابعة لكتائب القسام موقع "زيكيم" العسكري، لقطات حرص الاحتلال على عدم نشرها للملأ، لأنّها أظهرت شباباً و مقاتلين أشداء، سبحوا في نهار رمضان كيلومترات عديدة، و اقتحموا قاعدة بحرية للاحتلال، و كانوا يتحركون و يقاتلون و يناورون و كأنّهم بكامل لياقتهم البدنية، و المذهل في الموضوع هو نوعية البنية الفكرية و النفسية لهؤلاء المقاتلين، الذين كانوا يقاتلون دبابات الميركافا باحترافية، و بعتاد بسيط، ووجهاً لوجه، و من مسافة صفر، يفجّرونها و يشتبكون معها، تحيط بهم الطائرات و الزوارق و الدبابات، مطلقةً النار عليهم، و لم يرتجفوا و لم يستسلموا، و قاتلوا حتى الطلقة الأخيرة و حتى الرمق الأخير، بينما كان صراخ جنود الاحتلال المرعوبين داخل الدبابات يسمع بوضوح من خلال أجهزة الاتصال.
قبل أيام أبدى رئيس أركان جيش الاحتلال انبهاره و إعجابه بهؤلاء المقاتلين، و تمنّى عدد من قادة جيشه لو يكون تحت إمرتهم جنود كهؤلاء، بينما عززت تلك المشاهد ثقة الفلسطينيين و العرب بقدرات و بصدقية خطاب و معلومات المقاومة الفلسطينية، و أنّها عندما قالت إنها تعلم ما يجري داخل القاعدة العسكرية "زيكيم" لم تكن تكذب و لا تستعرض، و ثبت أنّها تمتلك إمكانيات استخبارية مكنتها من ذلك، و هذا ما أربك جيش الاحتلال – حسب صحيفة معاريف – و بينما يجلس قادة جيش الاحتلال مرتبكين، و يتابع محبو المقاومة الفلسطينية تلك المشاهد بفخر مرةً بعد أخرى، يقف صانع الأفلام العربي مستصغراً ما قام به أمام فلم الواقع و البطولة "الطريق إلى زيكيم"
<tbody>
</tbody>
قرارات "غير ملزمة"!
نقولا ناصر / فلسطين اون لاين
بينما يؤكد الشعب الفلسطيني يوميا وبأشكال مختلفة أن خياراته محسومة في مقاومة موحدة وطنيا للاحتلال ودولته بالوسائل المتاحة كافة ويأمل في موقف دولي "ملزم" ينهي الاحتلال، ما زالت قيادته المعترف بها دوليا بلسان رئيسها تعلن أن "كل الخيارات مفتوحة"، ومنها طبعا خيار استئناف المفاوضات مع دولة الاحتلال، وما زال المجتمع الدولي في أحسن حالاته يصدر قرارات برلمانية "غير ملزمة" لحكوماتها فكم بالحري أن تكون ملزمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
دوليا، لا يمكن تجاهل حقيقة أن القرارات "غير الملزمة" التي اتخذتها برلمانات بريطانيا وفرنسا واسبانيا وايرلندا تخلق بيئة سياسية دولية ضاغطة شعبيا باتجاه الاقتداء بالسويد في اعترافها الرسمي من جانب واحد بدولة فلسطين وباتجاه الضغط على الحكومات الغربية كذلك كي لا تعارض مشروع القرار الفلسطيني - العربي المزمع تقديمه إلى مجلس الأمن الدولي في موعد أقصاه الخامس والعشرين من الشهر الجاري، كما أعلن كبير مفاوضي منظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات، أو بعد غد الإثنين كما أعلن المفوض العام للعلاقات العربية بحركة فتح عباس زكي.
وفي السياق ذاته يندرج إجماع (122) دولة عضواً في محكمة الجنايات الدولية على قبول دولة فلسطين "عضواً مراقباً" فيها في الثامن من الشهر الجاري وكذلك القرار الذي اتخذته الحكومة السويسرية الخميس الماضي، بالرغم من ضغوط دولة الاحتلال وراعيها الأميركي، بعقد اجتماع في السابع عشر من هذا الشهر للدول الأطراف في ميثاق جنيف الرابع لبحث الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس.
إن الحراك الدبلوماسي الدولي الذي أثاره قرار الرئيس محمود عباس بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار أممي يحدد جدولاً زمنياً لإنهاء احتلال عام 1967 ويعترف بدولة فلسطينية عاصمتها "القدس الشرقية" على الأرض المحتلة آنذاك يؤكد أن الرئاسة الفلسطينية قادرة على امتلاك زمام المبادرة السياسية عندما تقرر ذلك.
فوزير الخارجية الأميركي جون كيري ورئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو سوف يلتقيان في اجتماع وصفته "هآرتس" العبرية بأنه "عاجل" في العاصمة الايطالية روما بعد غد الاثنين، هدفه كما أعلنت جنيفر بساكي الناطق الرسمي باسم وزارة كيري بحث مختلف مقترحات إقامة دولة فلسطينية في مجلس الأمن الدولي.
وكان العاهل الأردني عبد الله الثاني قد التقى الرئيس الأميركي باراك أوباما في العاصمة واشنطن في الخامس من هذا الشهر قبل أن يعرض الأردن مشروع القرار الفلسطيني – العربي على مجلس الأمن الدولي رسميا بعد أن وزعه الشهر الماضي على أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر لإنهاء الاحتلال قبل نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2016.
إن التحفظات التي أعلنها وزير الخارجية في حكومة الوفاق الوطني رياض المالكي على مشروع قرار فرنسي بديل، وتأكيد حكومته يوم الثلاثاء الماضي على وجود "أطراف دولية" تحاول "تغيير نص مشروع القرار الفلسطيني"، إنما يشير إلى مواقف حكومية أوروبية سلبية تتعارض مع روح القرارات "غير الملزمة" التي اتخذتها برلماناتها وتثير الشكوك في نجاح المشروع الفلسطيني – العربي في مجلس الأمن الدولي بقدر ما تشكك في حسن نوايا الحكومة الفرنسية.
فمن المعروف أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس كان قد حاول جاهدا تجنب عرض مشروع القرار الفلسطيني على مجلس الأمن الدولي، منسجما في ذلك مع موقفي دولة الاحتلال وراعيها الأميركي، محاولا استبداله باقتراح عقد "مؤتمر سلام" في باريس كمدخل لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الثنائية مع دولة الاحتلال.
وعندما فشل فابيوس في الالتفاف على المشروع الفلسطيني لجأ إلى تقديم اقتراح بديل إلى مجلس الأمن الدولي ينسف المشروع الفلسطيني من أساسه، بعدم دعوة الأمم المتحدة إلى الاعتراف فورا بفلسطين دولة كاملة العضوية فيها، وبتحديد سقف زمني لاستئناف المفاوضات الثنائية على الوضع النهائي مع دولة الاحتلال لمدة عامين يبدأ بعدها فقط انسحاب قوات الاحتلال بدلا من انتهاء انسحابها بعد عامين وفق المشروع الفلسطيني، والأخطر من ذلك أن المشروع الفرنسي يقترح ربط الاعتراف بدولة فلسطين باعتراف مواز ب"رؤية إسرائيل ليهودية الدولة" كما قال المالكي.
وتستقوي فرنسا في مشروعها المشبوه بدعم ألمانيا التي تضغط لحذف أي جدول زمني من نص المشروع ولتضمينه النص على أن دولة الاحتلال هي "الدولة القومية للشعب اليهودي".
وكانت بريطانيا قد اقترحت مشروع قرار منفصل لا يختلف في الجوهر عن المشروع الفرنسي، لكن فرنسا في نهاية المطاف أقنعت بريطانيا وألمانيا بتبني مشروعها المرفوض فلسطينيا ليتحول إلى مشروع أوروبي.
وكان احتكار الولايات المتحدة لما يسمى "عملية السلام في الشرق الأوسط" على مسارها الفلسطيني قد انتهى رسميا في الأول من نيسان/ أبريل الماضي بفشل المفاوضات الثنائية التي نسقها كيري، لكنها كانت قد انتهت عمليا عندما توجه عباس إلى الأمم المتحدة كي تعترف بفلسطين دولة عضوا فيها عام 2011، وقد عارضت واشنطن التوجه الفلسطيني الأممي الجديد حتى الآن، وأفشلته في مجلس الأمن الدولي.
والولايات المتحدة تؤكد بأنها مصرة على إفشال المحاولة الفلسطينية الجديدة المرتقبة، لكنها تحاول أن تتجنب إفشالها باستخدام "الفيتو" ضدها خشية أن يؤثر ذلك في تماسك الجناح العربي في الائتلاف الذي تقوده في حربها المعلنة على "الدولة الإسلامية"، لذلك فإنها تحاول جهدها اليوم للضغط أولا من أجل منع وصول المشروع الفلسطيني إلى مجلس الأمن، وثانيا من أجل تغيير نصه إذا ما أصر الرئيس الفلسطيني على قراره، وثالثا من أجل طرح مشروع قرار بديل للمشروع الفلسطيني إن رفض عباس تغيير نص مشروعه. ومما لا شك فيه أن المشروع الفرنسي يقدم هذه الخدمة للولايات المتحدة ودولة الاحتلال.
ولا يوجد حتى الآن ما يدحض أن الولايات المتحدة ما زالت مصرة على نهجها العدائي للشعب الفلسطيني، وعلى رعاية الانقسام الفلسطيني، وعلى استمرار التناقض بين ما تقوله عن تأييدها المعلن لقيام دولة فلسطينية ك"مصلحة حيوية للأمن القومي" الأميركي، كما قال أوباما، وبين معارضتها لصدور قرار أممي يعترف بدولة فلسطين عضوا في الأمم المتحدة.
ومن الواضح أن الموقفين الأميركي والأوروبي لا تغيير جوهريا فيهما، وتهديد الرئاسة الفلسطينية بالذهاب إلى المنظمات الأممية والدولية "فقط" بعد اختبار الموقفين في مجلس الأمن الدولي هو مضيعة مؤكدة للزمن الفلسطيني.
فالتجربة التاريخية تؤكد أنهما لن يتغيرا إلا بالضغط العربي والفلسطيني عليهما. وقد كانت المقاومة هي "فقط" التي فرضت على الأميركان والأوروبيين التعامل مع "الخيار الفلسطيني" لحل الصراع العربي الصهيوني في فلسطين.
إن التوجه الأممي للرئاسة الفلسطينية يحظى بإجماع فلسطيني يتجاوز الانقسام السياسي الداخلي، لكنه توجه سوف يظل أعرج إن لم يردفه توجه مماثل نحو وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال كأساس موضوعي لوحدة وطنية على قاعدة المقاومة تسارع إلى تفعيل القيادة الوطنية الموحدة المتفق عليها كإطار قيادي لاستشراف استراتيجية بديلة لتلك المعمول بها منذ عام 1991.
حماس والثورات العربية.. المرحلة الظالمة
رأفت مرة / المركز الفلسطيني للاعلام
خلال مسيرتها التي امتدّت إلى الآن سبعة وعشرين عاماً، تعرّضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى الكثير من المواجهات السياسية والعسكرية، وشهدت مسيرتها محطّات عدّة في علاقتها ورؤيتها ومواقفها، مثل المواجهات الدائمة مع الاحتلال الصهيوني، والموقف من عملية التسوية ومسار المفاوضات برمّته، ومحطّة مؤتمر مدريد، واتفاق أوسلو، ودخول السلطة، والمصالحة، والحصار، ومؤتمر شرم الشيخ، وعمليات الإبعاد والاعتقال، والعلاقات العربية والدولية والانتخابات البلدية والتشريعية.
غير أن أصعب وأعقد ما واجهته حماس كانت الثورات العربية، التي انطلقت من تونس نهاية عام 2010، وامتدّت إلى مصر بداية 2011، ثم إلى سوريا وليبيا واليمن والبحرين والعراق.
هذه الثورات كانت كبيرة بحجمها، ضخمة بنتائجها، خطرة بالتدخلات التي حصلت فيها، عنيفة في أكثر مراحلها، مروّعة في بعض ساحاتها.
والأهم من ذلك، أن هذه الثورات أدت لإسقاط أنظمة، وهددت أنظمة أخرى بالسقوط، وأعادت رسم خرائط، وأثرت في بنية المجتمعات، وهددت أركان الدول، وشكّلت تحالفات، وأدخلت الرعب إلى قلوب أنظمة سياسية هشّة استشعرت الخطر مما يجري في المنطقة.
والأخطر من ذلك، أن هذه المتغيرات شجّعت الكيان الصهيوني والولايات المتحدة ودول أوروبية مع بعض دول المنطقة على الدخول على خط هذه الثورات، تخريباً وتدميراً واستثماراً، بهدف إجهاض الثورات وحماية ما تبقّى من أنظمة، والثأر من التاريخ السياسي لبعض الأنظمة، ومنع انتقال السلطة من العسكر والأنظمة المرتبطة إلى الشعوب الثائرة.
ولأن معظم التحرّكات الشعبية كانت بدفع إسلامي، فقد تحوّل الأمر إلى صراع مع كل الحركات الإسلامية المنظّمة أو أصحاب "المشروع الإسلامي" الواضح.
وصارت سيطرة الاتجاه الإسلامي على مصر وليبيا وتونس، واحتمال امتداده إلى دول أخرى، عامل قلق أو رعب يهدد مصالح الولايات المتحدة والغرب والكيان الصهيوني وبعض الحكام.
فتولّد عن ذلك معسكر جديد من جهات محلية وإقليمية ودولية يقوم على مواجهة المشروع الإسلامي بشتى عناوينه، وإن لم يكن لهذا المشروع آلية تنسيق أو خطط مشتركة أو استراتيجية واحدة، لكن يجمعه احتمال التوحد والتعاون في المستقبل، ومبرّره خوف الأنظمة.
رعب الأنظمة الساقطة والمهددة بالسقوط من الإسلاميين، دفعها لشنّ هجوم سياسي أمني إعلامي واسع، طال في بعض جوانبه حركة حماس للأسباب الآتية:
1- مرجعية حماس الحركية أو التنظيمية.
2- موقع حماس الشعبي المؤثر.
3- مكانة حماس في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
4- استهداف حماس مدخل جيد لعلاقة وثيقة مع الكيان الصهيوني والإدارة الأميركية.
5- الموقع الجغرافي لقطاع غزة.
كُثر تحدثوا عن استفادة حماس الضخمة من الثورات العربية، لكن هؤلاء يعجزون عن تقديم الدلائل الموضوعية على ما كسبته حماس فعلاً من الثورات العربية.
هذه الاستفادة في نظر هؤلاء، ارتبطت فقط بما يسمى "الإسلام السياسي" وإمكانية صعوده. لكن الوقائع الميدانية على الأرض لم تكن كذلك، ويكفي رصد ممارسات الأجهزة الأمنية العربية وحركة معبر رفح.
كل ما تعرّضت له حماس من اتهام بالتدخل هنا وهناك، كان عبارة عن ردود فعل، ومحاولة لتشويه صورة السلطة الجديدة ورغبة في التقرب من الغرب.
نتائج الثورات العربية على حماس كانت سلبية في بعض محطاتها، خاصة لجهة العلاقة مع سوريا وإيران وحزب الله، ولجهة تراجع مكانة القضية الفلسطينية، وما أصاب مجتمعات اللاجئين في هذه الأقطار، وما لحق بالحركة من هجمات إعلامية منسّقة، ومن تراجع العلاقة مع أنظمة أخرى.
من جهتها، ربطت حماس التغيرات العربية بالأسباب الداخلية وإعادتها لجذورها المتعلقة بقضايا محلية خاصة، وحذّرت من التدخلات الأجنبية، وسعت لمنع حدوث انهيارات، وحاولت تطويق الأزمات وإيجاد حلول محلية، وحرصت على الحل المحلي أو العربي بعيداً عن التدويل، وحذّرت من اتساع العنف والظلم والتدمير، ورفضت الوقوف مع طرف ضد آخر، وعملت على حماية المجتمعات الفلسطينية ومنع جرّها إلى العنف الداخلي.
وكذّبت حماس الاتهامات التي وُجهت لها بالتدخل في مصر وسوريا، وقالت الحركة إنها لا تتدخل في الشأن المحلي لأي دولة، وعلاقاتها متوازنة مع الجميع، ومعركتها فقط مع الاحتلال.
لكن اشتعال الأحداث، وتطور الأزمات وحجم مخاوف الأنظمة لم يترك مجالاً للاستماع لصوت المنطق، فأصبح الموقف السياسي لهؤلاء نابعاً من حربهم من أجل البقاء.. البقاء فقط.
الثورات العربية لم تبدل رؤية حماس التي تقوم على المقاومة، ووحدة الموقف الفلسطيني، ودور الأمة في مواجهة الاحتلال، والصمود، ورفض التسوية والدفاع عن المقدسات.
محاولات كثيرة بذلت لأخذ حماس إلى اتجاهات معينة، وكل طرف يسعى لتوظيف حماس في مشروعه، والغضب على حماس كان يأتي من الجميع، من كل من تقول له حماس "لا".
سنوات صعبة مرّت على الحركة، خسرت أصدقاء وحلفاء، واتهمت بشتى الاتهامات، لكن ما أصاب من خسائر يبقى أقل بكثير مما أصاب هذه الأطراف التي شاركت في الفتنة والاقتتال الداخلي ولعبة الدم والقتل وتدمير المجتمع.
قد يكون من الصعب جداً على حماس أن تعيد علاقاتها إلى ما كانت عليه، أقله في المدى المنظور، لكن حماس نجحت في أنها بقيت في مواجهة الاحتلال ومقاومته، وحافظت على خطّها.. والتاريخ لن يجد شيئاً يوثّقه عن تورط حماس في الثورات العربية، بعدما تسكت آلة القتل والتحريض الإعلامي المنظمة.
وحدة وطنية فلسطينية تحت سقف الانقسام
منير شفيق/ فلسطين الان
ليس هنالك من موضوعة أو شعار يحتمل الالتباس والطعن من وراء الظهر وتزوير الوعي أو تشويهه مثل الحديث عن الوحدة الوطنية الفلسطينية.
وكل من يتعرّض للموضوع الفلسطيني من الأشقاء العرب أكان مع تحرير فلسطين أم متواطئاً على فلسطين، وأكان من الحريصين على وحدة الشعب الفلسطيني غيرة على النضال الفلسطيني ومستقبل القضية الفلسطينية أم كان متبرماً من فلسطين وشعبها ونضاله ويريد إغلاق الملف بأية شروط يضعها الكيان الصهيوني وأمريكا.
كل الأطراف في الساحة الفلسطينية تتبنى شعار الوحدة الفلسطينية وتعتبره هدفاً راهناً وأسمى وضرورة حياة ووجود؟
كل هؤلاء ومَنْ حولهما يشددون على الوحدة الفلسطينية ويعتبرون الانقسام كارثة على القضية والشعب، وأن الوحدة الفلسطينية هي الطريق، أو الشرط، لتحقيق الأهداف.
لندع جانباً من يتخذون من الانقسام الفلسطيني حجة لأخذ موقف سلبي من دعم القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني، أو يُغطون من خلال التهويل بأضرار الانقسام ما يجري من تواطؤ، أو حصار، أو حتى شيطنة الفلسطينيين.
ولنركز على الذين تهمهم وحدة الصف الفلسطيني باعتباره الطريق الوحيد لدرء المؤامرات على القضية والشعب والنضال، أو لتحقيق: الأهداف. بل يصل الأمر اعتبار الوحدة الفلسطينية غاية بحد ذاتها، وبغض النظر عن السياسات والأهداف التي تقوم على أساسها.
وهنا يجب أن يواجَه هؤلاء بجملة من الأسئلة التي تسمح الإجابات عنها بعدم اعتبار الوحدة غاية في حدّ ذاتها، بغض النظر عن الخط السياسي الذي سيقودها، إن كان من الممكن أصلاً أن تحقق وحدة وطنية بلا شرط يتعلق بمضمونها وأهدافها واستراتيجيتها وتكتيكها وخطها السياسي.
الجواب الأول، ولا سيما إن جاء من طرف نضالي داخل الساحة الفلسطينية أو الساحات العربية والإسلامية والعالمية: كيف يمكن أن تقوم وحدة من دون تحديد المضمون والأهداف والخط السياسي والاستراتيجية والتكتيك؟ وهذا الجواب سيأتي فوراً من مختلف ممثلي الحركات الفلسطينية، وفي مقدمهم الذين يقفون على رأس أطراف الانقسام القائم.
وبكلمة ليس هنالك من أحد يقبل أن تكون الوحدة غاية بحد ذاتها بغض النظر عن الشروط التي ستقوم على أساسها. ولكن مع ذلك تجد أصواتاً تدعو للوحدة الوطنية الفلسطينية من دون أن تتطرق إلى المضمون والأهداف والاستراتيجية والتكتيك والخط السياسي. وهؤلاء إن لم يقصدوا الهروب من مواجهة الإشكال السياسي الحقيقي الذي ولّد ويوّلد الانقسام، وذلك "لغاية في نفس يعقوب"، يكونون تبسيطيين لا يدركون أن الانقسام، أمر جدي وجاد وليس بالهزل واللعبة. وليس جهالة وعدم دراية.
والدليل سيأتي أول ما سيأتي من جانب الرئيس محمود عباس حين أعلن أمام مجلس الجامعة العربية، ولم تكد أيام قليلة تمضي على وقف إطلاق النار في حرب العدوان الصهيوني على قطاع غزة في صيف 2014: أن لا مصالحة إلاّ على أساس وحدة القرار في الحرب والسلم، ووحدة السلاح، ووحدة السلطة. وتكرّر هذا من خلال اشتراط بأن تكون سلطة رام الله شاملة كل المجالات في قطاع غزة.
هذا يعني أن لا وحدة فلسطينية إلاّ على أساس الشروط الثلاثة السابقة. الأمر الذي يتضمن، وبلا جدال، أول ما يتضمن إنـهاء سلاح المقاومة في قطاع غزة، ويعني على الفور أن الوحدة الفلسطينية ستقاد على أساس الخط السياسي الذي يتبعه رئيس السلطة الفلسطينية ومن يؤيده في الساحة الفلسطينية.
أغلب الفصائل الفلسطينية، أو أغلب الذين يرفضون استراتيجية وتكتيك محمود عباس وخطه السياسي، ولا يقبلون أن يسلم سلاح المقاومة وأنفاقها للسلطة الأمنية الفلسطينية أو حكومة حمد الله، سكتوا (بالتأكيد من غير رضا) عن الشروط الثلاثة التي وضعها ويضعها محمود عباس للوحدة الفلسطينية (وإلاّ الانقسام). وراحوا يشددون على أهمية الوحدة الفلسطينية من دون أن يقولوا ما هي الأسس التي يريدون للوحدة الفلسطينية أن تقوم عليها.
نحن هنا بالتأكيد أمام منهج النعامة التي تضع رأسها في الرمال عندما لا تستطيع أن تواجه التحدي الذي يلاحقها أو تعبت من الفرار أمامه.
إن مشكل الوحدة الفلسطينية الآن، وبجوهره، يدور حول قبول الشروط الثلاثة التي وضعها محمود عباس، أو بوضوح لا يقبل التأويل، وجاءت كل ممارساته ومواقفه على أساسها، أو حول مواجهته بشروط للوحدة الفلسطينية تقوم على أساس الحفاظ على المقاومة المسلحة وتعزيزها في قطاع غزة فضلاً عن فك الحصار وصولاً إلى صرف رواتب موظفي النظافة في المستشفيات (يا للفضيحة).
هذا، ولم نتطرق إلى الإشكال المكمل والمتعلق باختيار استراتيجية الانتفاضة لدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات وتحرير القدس وإطلاق كل الأسرى. فها هنا يقف شعار الوحدة الوطنية الفلسطينية على رأسه إذا لم يحدد الخط السياسي والنضالي والمقاوم للضفة الغربية والقدس والأسرى.
وخلاصة: كفى تبسيطاً للمناداة بالوحدة الوطنية الفلسطينية مفرغة الشروط التي يجب أن تقوم على أساسها، وإلاّ فليذهب كل في سبيله ولتتشكل جبهتان من دون أن تتصادما: جبهة الانتفاضة والمقاومة وجبهة مسار محمود عباس.
فسلاح المقاومة وأنفاقها يجب أن يُحميا ويُعززا، وفك الحصار وبكل أبعاده، بما فيها إعادة الإعمار، يجب أن يُحقق.
وتحرير الضفة الغربية والقدس والأسرى ليس له من استراتيجية غير استراتيجية الانتفاضة الشاملة. فجبهة الانتفاضة والمقاومة أمامها العدو الصهيوني. وجبهة محمود عباس أمامها هيئة الأمم والبرلمانات الأوروبية.
ومن ثم سيكون سقف الوحدة الوطنية الفلسطينية هنا أن تبحث الجبهتان كيف تتعايشان، وبينهما برزخ لا يبغيان وأمامهما عدو يجب أن تكون له الأولوية، ومن لا يفعل ذلك يأتي بما هو أسوأ من الانقسام.
وبالمناسبة، هذه ليست لعبة توزيع أدوار وإنما معالجة صحيحة لانقسام حقيقي وجاد. وأصبح لا مفر منه في الساحة الفلسطينية. وذلك ضمن الظروف والمعادلات الراهنة، ولإبقاء البوصلة موجهة ضدّ العدو الصهيوني.
الطريق إلى "زيكيم"
صلاح حميدة / فلسطين اون لاين
شاهدنا في أيام الصبا أفلام "عمر المختار" و "الرسالة" التي تتحدث عن بطولات الأوائل و مقاومي الاستعمار، و أتحفتنا السينما المصرية بسيل من الأفلام و المسلسلات ك "رأفت الهجان" و " الحفار" و "الطريق إلى إيلات" و "أدهم الشرقاوي" كما أنتجت الدراما الأردنية المسلسل الرائع "هبوب الريح" و لأننا نشأنا بعد عصر الهزائم العربية، كانت تلك الأفلام و المسلسلات تلعب دوراً تبريرياً و تعويضياً لنفسياتنا، و نحاول من خلالها الهرب من واقع سيئ إلى ماض نعتبره جميلاً، و عززت للبعض منا نوعاً من الدافعية الوطنية نحو العمل و الانجاز، مع أنه تبين أنّ بعضها ليس له حظ من الحقيقة.
كان أكثر الأفلام قرباً من قلوب الكثير من الفلسطينيين هو فيلم "الطريق إلى إيلات" فهو يظهر في النهاية صورة لمن قاموا بتلك المهمة، التي تميزت بصفتي البطولة و المشاعر الانسانية الراقية، و لذلك كان الكثير من العرب و الفلسطينيين الذين ذهبوا إلى أم الرشراش "إيلات" يستذكرون هذا الفيلم المميز.
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، و مع اشتعال انتفاضة الحجارة، قامت مجموعة من الضفادع البشرية التابعة لحركة "فتح" بتنفيذ عملية في إيلات عبر العقبة الأردنية، و بالكثير من التفاصيل المشتركة مع قصة الفيلم، فالفكرة راسخة في ذاكرة رجال المقاومة الفلسطينية، ووجدت طريقها إلى التنفيذ و النجاح في حينه.
و كان للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قصة أخرى مع العمل العسكري و الأمني المتميز، فبنت مشروعاً مقاوماً في القطاع، اعتمد المؤسساتية و التشكيلات و البنى المتخصصة، و ابتعد عن الاستزلام و الاستعراض في الشوارع، فأسس بنى صناعية للكثير من احتياجاته خلال معاركه مع الاحتلال، و بنى هياكل أمنية مختصة في العمل الأمني و الحرب النفسية و جمع المعلومات و الاستطلاع و مكافحة التجسس، وشكّل هياكل و خلايا صواريخ و مدفعية و قناصة و قوات خاصة برية و بحرية، و صنع طائرات بدون طيار لأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، و حفرت الأنفاق بأشكالها المختلفة، و ربما هناك أشياء لم يتم الكشف عنها، و بالتالي ليست متاحة للإعلاميين و المتابعين.
بالتوازي مع هذا الإعداد المادي قامت المقاومة الفلسطينية بإعداد مقاتلين أذهلوا العالم بأدائهم خلال المعركة الأخيرة على وجه التحديد، أجبروا جيش الاحتلال على الهرب من أطراف قطاع غزة، و لا زالت الكثير من فصول المعركة خفيّة، و تزهد المقاومة و الاحتلال في الكشف عنها، بينما يتم الكشف عن بعضها أحياناً بإيجاز و باختصار، و خاصةً حجم الإصابات و المعاقين، بينما لا يزال الكتمان سيد الموقف عند الحديث عن بعض الصفحات غير المعلومة خلال الحرب.
فوجئ الكثيرون بنشر موقع إخباري للقطات مسحوبة – على ما يبدو- من حاسوب عسكري إسرائيلي مخترق، و تظهر تلك المشاهد بعضاً مما جرى عندما اقتحمت وحدة من الضفادع البشرية التابعة لكتائب القسام موقع "زيكيم" العسكري، لقطات حرص الاحتلال على عدم نشرها للملأ، لأنّها أظهرت شباباً و مقاتلين أشداء، سبحوا في نهار رمضان كيلومترات عديدة، و اقتحموا قاعدة بحرية للاحتلال، و كانوا يتحركون و يقاتلون و يناورون و كأنّهم بكامل لياقتهم البدنية، و المذهل في الموضوع هو نوعية البنية الفكرية و النفسية لهؤلاء المقاتلين، الذين كانوا يقاتلون دبابات الميركافا باحترافية، و بعتاد بسيط، ووجهاً لوجه، و من مسافة صفر، يفجّرونها و يشتبكون معها، تحيط بهم الطائرات و الزوارق و الدبابات، مطلقةً النار عليهم، و لم يرتجفوا و لم يستسلموا، و قاتلوا حتى الطلقة الأخيرة و حتى الرمق الأخير، بينما كان صراخ جنود الاحتلال المرعوبين داخل الدبابات يسمع بوضوح من خلال أجهزة الاتصال.
قبل أيام أبدى رئيس أركان جيش الاحتلال انبهاره و إعجابه بهؤلاء المقاتلين، و تمنّى عدد من قادة جيشه لو يكون تحت إمرتهم جنود كهؤلاء، بينما عززت تلك المشاهد ثقة الفلسطينيين و العرب بقدرات و بصدقية خطاب و معلومات المقاومة الفلسطينية، و أنّها عندما قالت إنها تعلم ما يجري داخل القاعدة العسكرية "زيكيم" لم تكن تكذب و لا تستعرض، و ثبت أنّها تمتلك إمكانيات استخبارية مكنتها من ذلك، و هذا ما أربك جيش الاحتلال – حسب صحيفة معاريف – و بينما يجلس قادة جيش الاحتلال مرتبكين، و يتابع محبو المقاومة الفلسطينية تلك المشاهد بفخر مرةً بعد أخرى، يقف صانع الأفلام العربي مستصغراً ما قام به أمام فلم الواقع و البطولة "الطريق إلى زيكيم"