Haneen
2014-12-30, 12:49 PM
<tbody>
</tbody>
يوسف رزقة / فلسطين الان
حماس لا تخشى الضرر من المصالحة المصرية القطرية، ولم تطلب إيضاحات من قطر في هذا الشأن. هذا ما صرح به مصدر مسؤول في حركة حماس ردا على تجديفات إعلامية تدعي العلم والإحاطة بما هو غير معلن، وأضاف أن الحركة تبارك الخطوة القطرية، وتقدر مبرراتها، وتأمل أن تسود المصالحة الدول العربية كافة، لأن المصالحة العربية الحقيقية تمثل في النهاية رافعة للقضية الفلسطينية.
ثمة وسائل إعلامية اعتادت أن تلقي بحجارة في المياه الراكدة، إما من أجل الإثارة الرخيصة، أو من أجل خدمة مصالح طرف ثالث من خلال استقطاب معلومات جديدة من الأطراف، أو توسيع المسافة بينها؟!.
العلاقة بين حماس وقطر مستقرة، وحماس ليست طرفا ثالثا فيما كان بين قطر ومصر قبل المصالحة، لأن قطر تؤمن بقومية القضية الفلسطينية، وبعدالة الحقوق الفلسطينية، والأهم من ذلك أنها تقدر عاليا دور حركة حماس في الكفاح الوطني والقومي من أجل حماية الحقوق الفلسطينية، والوصول بفلسطين إلى تقرير المصير، ومن هنا التقت قطر بحماس، وفلسطين بشكل عام ، فقطر أكثر الدول التزاما بمساعدة الفلسطينيين.
المصالحة القطرية مهما قيل في مخرجاتها ليست أيضا ضد الإخوان المسلمين، لأن الجزيرة مصر مباشر لم تنشأ من أجل الإخوان المسلمين، بل إن للدولة القطرية سياستها الخاصة بها، ومصالحها الخاصة بها، وعلاقاتها الإقليمية الخاصة بها أيضا، وإن إغلاقها استجابة لاعتبارات سياسية ومواقف طارئة في بيئة سياسية غير مواتية يقوم على اعتبارات قطرية بحتة، ومن ثمة يجانب الصواب كل من حاول تحميل الموقف القطري ما لا يحتمل، حين يقفز عن الحنكة القطرية في التعامل مع المتغيرات في بيئة الخليج المتحركة، وفي بيئة إقليمية تستهدف الدولة القطرية نفسها.
حماس لا تخشى من لقاء قمة بين قطر ومصر برعاية الرياض، بل لا تمانع أن تكون جزءا منه، وحماس تطلب لقاء قمة مع القيادة المصرية أيضا ، ولكن مصر هي التي ترفض تطبيع علاقتها مع حماس، وبناء على ذلك فإن المصادر الإعلامية التي تبالغ في تداعيات المصالحة القطرية المصرية على حماس وعلى الإخوان، تقوم بعملية تجديف سياسي، يقوم على ما تتمناه هذه المصادر، لا على وقائع الميدان، ومقتضيات الحالة ، والمصلحة.
هؤلاء المجدفون في بحر التمنيات، حيث تقوم تحليلاتهم على ما يسمى تلبيس الطواقي، لا يحكون الحقيقة بمكوناتها، وينسجون من ( الحبة قبة ). قطر اضطرت لمصالحة رأت أنها تخدم مصالحها، وحماس ليست ضد هذه الرؤية على الإطلاق.
من أراد الحديث في المصالحة وتداعياتها عليه أن يتعمق أولا في قراءة السياسة الخليجية، ومواقف مكونات مجلس التعاون الخليجي، من القضايا القريبة منه، والبعيدة عنه، ومن قضايا التغيير والثورة والديمقراطية، وفلسطين، والإرهاب كما يسمونه، وكما يعرفونه هم لا غيرهم.
كانت سياسة الخليج مسكونة بكثير من الغموض في العقود الماضية، ولكنها لم تعد كذلك بعد ثورات الربيع العربي، حيث اضطرت أنظمة الخليج أن تكشف عن كثير من مواقفها التي كانت تجري فصولها تحت الطاولة في غموض متعمد.
ماذا يدور على حدود غزة؟
إياد القرا / فلسطين اون لاين
الأسبوع الماضي شهد حوادث متفرقة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال على حدود غزة، وكأنها أحداث متدحرجة للسيناريو القديم الجديد بأن التوتر هو سيد الموقف بين الجانبين، لأسباب قد يكون بعضها ميدانياً وآخر قد يعود لآثار الحرب على غزة.
حماس غير معنية بأي توتر ،لكنها في نفس الوقت صبرها بدأ ينفد أمام بطء إعادة الإعمار، ولسبب داخلي لا زالت تشعر بالضيق من تهرب عباس وحكومته من المسؤولية عن غزة بعد أن سلمت بضرورة التخلي عن الحكم.
المقاومة وتحديداً "كتائب القسام"، تركز قوتها على إعادة هيكلة قوتها العسكرية وتعزيز أدواتها القتالية بالإمكانيات المتوفرة، و إعادة تأهيل عناصرها وقواها البشرية وفق نتائج التقييم التي جرت لأدائها خلال الحرب على غزة، وفي نفس الوقت تبقى حاضرة كقوة رد على الحدود كما حدث شرق خانيونس باستهداف جندي ضمن قوة حاولت التقدم نحو المنطقة الحدودية.
جيش الاحتلال تائه بين الصورة التي رسمها بحرية العمل والسيطرة اعتقاداً منه أن الحرب على غزة كبحت جماح "حماس" من الاقتراب إلى الحدود، و موقفه مما يلاحظه ويتابعه من نشاط مكثف يعيد للمقاومة قوتها وتمثل رادعاً له كما حدث الأسبوع الماضي.
التصريحات التي أطلقها نتنياهو مستهلاً حملته الانتخابية بأنه لن يقبل بإطلاق صاروخ واحد على غزة، فقد أطلق هذا الصاروخ وبعده آخر بغض النظر عن من أطلقه، لكن نتنياهو تناسى أن جيشه على حدود غزة يطلق النار بشكل يومي ويستهدف المزارعين واستشهد و أصيب عدد منهم، في حين تواصل البحرية مطاردة و إصابة و اعتقال الصيادين الفلسطينيين منذ انتهاء الحرب قبل 4 شهور.
نتنياهو يعي أن أي تصعيد على حدود غزة كحد السيف بين استغلاله انتخابياً ، لجذب الإسرائيليين نحو الملف الأكثر تعقيداً وهو فقدان الأمن والظهور بموظف محافظ على الأمن، وبين خشية أن تعد له حماس والمقاومة فخاً جديداً على حدود غزة يفقده ما تبقى له من قوة انتخابية.
الانتهاكات المتصاعدة على حدود غزة ستبقى بنفس المستوى وسنشهد مزيداً منها بسبب مواصلة الاحتلال انتهاك التهدئة، وحماس ستحافظ على مستوى من التوتر لأسباب مواصلة الاحتلال انتهاك التهدئة واستمرار الحصار، وانطلاق مفاوضات التهدئة من جديد، وترغب في وضع معادلة على الحدود تردع الاحتلال، وما تحرك جنودها أمام عيون الاحتلال إلا رسالة تهديد.
السكوت عن حصار غزة.. لماذا؟
منير شفيق / فلسطين الان
إنه لأمر غير قابل للتصديق أن يُشدّد الحصار على قطاع غزة من الجانب المصري بعد الانتصار الاستراتيجي العسكري الذي حققته المقاومة والشعب في قطاع غزة على جيش الكيان الصهيوني. وهو انتصار لم يتحقق من خلال الصمود والدعم السياسي العربي والإسلامي وبعض الدولي، كما كان الحال في السابق، وإنما تحقق في ميدان المواجهة على الأرض، حيث فرّت القوات الصهيونية المهاجِمة بعدما قوتلت من نفق إلى نفق ومن بيت إلى بيت، فضلاً عن فعل الصواريخ التي ضربت في العمق ولم تتوقف إلا بعد وقف إطلاق النار.
تسربّت في بضعة الأسابيع الأخيرة معلومات تناقلتها صحف الكيان وبعض القنوات الفضائية، ودُعِّم بعضها بالفيديو، بأن جرحى قوات العدو حوالي ألف وخمسمائة من بينهم خمسمائة أصيبوا بأعطال دائمة. الأمر الذي يكشف أن المعركة الميدانية على الأرض كانت طاحنة وأن خسارة قوات العدو كانت أكبر بكثير مما أُعلن عنه حتى من جانب المقاومة. كان يُفترض بهذه النتائج لو ترافقت مع دعم مصري– عربي رسمي للمقاومة والشعب أن تختصر الحرب إلى أقل من أسبوعين لا أن تمتد إلى 51 يوماً. وكان يُفترض بأن يتهاوى نتنياهو وحكومته أرضاً ويخضعا لشروط المقاومة وتنفيذها فوراً. أما لو رافقت الحرب على قطاع غزة انتفاضة شاملة في الضفة والقدس وتحت مظلة وحدة وطنية تتقدمها «فتح» و»حماس» و»الجهاد» و»الجبهة الشعبية»، وبدعم مصري– عربي– إسلامي– رأي عام عالمي (إسلامي– رأي عام عالمي كانا متوفريّن)، لاضطر نتنياهو وحكومته الانسحاب إلى ما وراء الجدار دون أن يُقبل منهما إلا مع القدس وكامل أراضي 1967، وبلا قيد أو شرط.
هذان الافتراضان ليسا نتاج أمنيات ورغبات وإنما نتاج قراءة دقيقة لميزان القوى على مختلف المستويات وذلك إذا تعزز ميزان القوى بالانتصار العسكري الميداني والصمود الشعبي في قطاع غزة، كما بانتفاضة شاملة في الضفة الغربية والقدس وبوحدة في الموقف الرسمي العربي.
لا مجال لمناقشة هذه الفرصة الضائعة لأن هنالك من سيعترض عليها ولهذا لا حاجة للخوض فيها. ومن ثم، وهذا هو الأهم، لأن الموضوع الملتهب الذي يجب أن يرُكز عليه الآن ويكون موضع خلاف أو اتفاق، إنما هو استمرار حصار قطاع غزة بأشد مما كان عليه، في معبر رفح قبل حرب تموز/آب 2014.
يجب أن تسقط فوراً حجة الذين يعتبرون فتح معبر رفح امام الأفراد بمن فيهم الجرحى والمرضى والطلبة وتحت الإشراف المصري المباشر والصارم يمكن أن يتسبب بأي ضرر أمني على مصر. كما أن فتحه باتجاه دخول مواد البناء لإعمار القطاع قد يكون سبباً لأضرار تمسّ الأمن القومي المصري.
فالسؤال مع ذلك لماذا استمر الحصار واشتدّ أكثر مما كان عليه في الأشهر الني سبقت الحرب ما بين تموز 2013 وتموز 2014؟ ولماذا ذهبت أدراج الرياح مقررات مؤتمر المانحين لإعادة إعمار قطاع غزة؟ وقد عُقد في القاهرة وقبله وبعده جمدت الرعاية المصرية للمفاوضات غير المباشرة التي توقف إطلاق النار شريطة تحقيقها لمطلب فك الحصار وشروط أخرى.
أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطابه أمام المؤتمر المذكور أعلاه أن إعادة الإعمار تعتمد على محورين: الأول تهدئة دائمة والثاني تسلم السلطة الوطنية الفلسطينية سلطتها الكاملة على قطاع غزة.
وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد لقاء الرئيس المصري أمام مجلس الجامعة العربية: أن لا مصالحة فلسطينية إلا على أساس ثلاثة شروط: الأول قرار فلسطيني واحد للحرب والسلم، الثاني سلاح فلسطيني واحد، والثالث سلطة واحدة على كامل قطاع غزة.
هذه الشروط المصرية لإعمار قطاع غزة، والفلسطينية لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية تتوجه أصلاً إلى، أو تستهدف فوراً، سلاح المقاومة وأنفاقها في قطاع غزة. وهي شروط لا يمكن أن تقبل بها فصائل المقاومة ولا الشعب في القطاع أو الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية بعامة. فسلاح المقاومة وأنفاقها وصواريخها ومصانع أسلحتها وإجراءات أمنها وسريتها لا تتعلق بحماس وحدها، ولا بمسألة بسط سلطة حكومة محمود عباس على قطاع غزة في كل المجالات، شريطة ألا تقترب من السلاح والأنفاق والصواريخ وما يتعلق بها من إجراءات أمنية وسرية.
ما أروع أن يتقدم أحد ويقول أن الشروط التي طرحها الرئيسان المصري والفلسطيني لا تمسّ سلاح المقاومة وتبعاته. ولكن للأسف لا أحد قال بذلك أو دافع عن الموقفين الرسميين المصري– الفلسطيني، معتبراً بأن هنالك تجنياً في تفسير هذه الشروط، فهما لا يستهدفان سلاح المقاومة.
ولكن الشكل غير القابل للتصديق أكثر من استمرار حصار غزة حتى الآن يأتي من الذين يمرون عن تلك الشروط التي تمسّ سلاح المقاومة مرور الكرام وكأنها لا تعني شيئاً لهم فيما يعلنون أنهم مع المقاومة في قطاع غزة ويمجدون انتصارها في الحرب.
هنا يتجلى مكر الخطاب ومكر السياسة في أعلى صورهما. ويصبح استمرار الحصار من خلال معبر رفح أمراً واقعاً عادياً لا يستحق أن يثار بقوة فيما كارثة إنسانية وسياسية واجتماعية وأخلاقية تقع بسببه على مليون ونصف المليون إنسان من سكان قطاع غزة. فمائة يوم من حصار خانق يمسّ تنقل الأفراد وعبور الأدوية ومواد البناء ويصيب آلاف المرضى والجرحى والطلبة لا يصبح قضية القضايا بالنسبة إلى الجانب الإنساني إن لم يكن من جانب استهدافه لسلاح المقاومة.
المشكلة في هذا الحصار انه لن يُكتب له تحقيق هدفه المتعلق بسلاح المقاومة لأنه سيدفع الأمور إلى تجدّد الحرب مع الكيان الصهيوني عندما يصل التضييق إلى المستوى الذي لا يحتمل. فالمائة يوم الثانية أو الثالثة لن تكون كالمائة يوم الأولى التي مرّت منذ وضعت الحرب أوزارها. والحجة هنا متوفرة بسبب استمرار الحصار الصهيوني كذلك وقد أُضيفَ إليه حصار مندوب أمين عام الأمم المتحدة السيد روبرت سري الذي وضع برنامجاً لدخول مواد الإعمار كما الإعمار تضمّن شروطاً أسوأ من التي يمكن لنتنياهو أن يُفكر فيها، (والأنكى ادعاؤه أنه عرضها على السلطة الفلسطينية ووافقت عليها، أو على أحد المتنفذين من وراء ظهرها). فالسيد روبرت سري عدو مفضوح للشعب الفلسطيني لهذا يجب أن تُمارس الضغوط، وتُمارس الوساطات، ويتدخل الناصحون ليُفتح معبر رفح أمام الأفراد والبضائع ومواد البناء. فالمطلوب هنا «العنب وليس مقاتلة الناطور».
فالوضع في قطاع غزة لا يُطاق. ولا يجب أن يُسكت عليها.
انقلاب محتمل في سياسة الهند الفلسطينية
نقولا ناصر / فلسطين اون لاين
في سنة 2010 منعت وزارة الخارجية الهندية النائب عن حزب المؤتمر ماني شانكار آيار من طرح أسئلة في البرلمان عن العلاقة العسكرية بين الهند وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي بحجة أن هذه العلاقة هي "من أسرار الدولة."
وفي عهد رئيس الوزراء الهندي السابق مانموهان سينغ حافظت حكومته على سرية العلاقات الهندية مع دولة الاحتلال. ولاحظ رئيس الدراسات الاستراتيجية في مؤسسة "أوبزيرفر ريسيرتش فاونديشن" بنيودلهي سي. راجا موهان أنهم في دولة الاحتلال كانوا يقولون إن "نيودلهي كانت تعامل تل أبيب كما تعامل الخليلة"، قبل أن يقول إن مثل هذه المعاملة قد انتهت الآن في عهد رئيس الوزراء الهندي الحالي ناربندرا مودي.
فمودي زعيم حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي الحاكم حالياً لم يعد يجد ضرورة للاستمرار في سياسة حزب المؤتمر للحفاظ على سرية علاقات بلاده مع دولة الاحتلال.
لكن الزميل في "مركز بلفر" بجامعة هارفارد الأميركية جاييتا ساركار لا يرى أي فارق جوهري في سياسة الحزبين وأن "الفارق الرئيسي" بينهما هو فقط في "إدارة العلاقات العامة" لبلادهم مع دولة الاحتلال، حيث يعلنها الأول جهارا نهارا بينما كان حزب المؤتمر يحافظ على سريتها.
في الظاهر، يورد المراقبون السطحيون عاملين يدفعان الهند إلى عدم إشهار علاقاتها مع دولة الاحتلال، أولهما عدم استعداء الأقلية المسلمة الهندية الكبيرة المتعاطفة مع فلسطين وقضيتها، وثانيهما عدم استعداء الدول العربية التي تستضيف عمالة هندية يزيد تعدادها على خمسة ملايين عامل يمثلون مصدرا رئيسيا للبلايين من العملة الصعبة، ويفسرون الدعم الهندي التاريخي للقضية الفلسطينية بهذين العاملين.
لكن حصر أسباب صداقة الهند التاريخية منذ استقلالها مع فلسطين وشعبها بالعاملين المذكورين فيه تجني على الحقيقة وظلم بيّن للدوافع المبدئية التي قادت مؤسسي الهند المعاصرة المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو إلى تأييد لا لبس فيه لكفاح عرب فلسطين من أجل نيل حقهم في تقرير المصير والتحرر من الاحتلال والاستقلال، فهذا التأييد قد تحول إلى ثقافة عامة لمئات الملايين من الهنود الهندوس عبر عقود من الزمن بسبب المواقف المبدئية لغاندي ونهرو لا بسبب تعاطف الأقلية المسلمة، وكان سابقا بالتأكيد للطفرة النفطية في الخليج العربي التي اجتذبت الملايين من العمالة الهندية لاحقا.
فقد عارضت الهند قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 بتقسيم فلسطين وبالتالي عارضت إقامة دولة الاحتلال فوق ارضها المغتصبة، ولم تقم علاقات دبلوماسية مع هذه الدولة إلا في سنة 1992 بعد أن قررت منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بها، وكانت أول دولة غير عربية تعترف بدولة فلسطين عام 1988.
غير أن هذا التأييد الهندي التقليدي للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة يبدو على المحك اليوم، وتدل مؤشرات عديدة على أن رئيس الوزراء مودي يهدد بانقلاب عليه.
فوسائل إعلام دولة الاحتلال وجماعات الضغط الموالية لها في الولايات المتحدة تداولت على نطاق واسع تقريرا غير مؤكد نشرته صحيفة "ذى هندو" اليومية في الحادي والعشرين من هذا الشهر نسبت فيه إلى "مصدرين حكوميين" لم تسمهما قولهما إن الهند تدرس حاليا تغيير نمط تصويتها على القرارات المتعلقة بالصراع العربي مع دولة الاحتلال في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من التأييد للحق العربي في فلسطين إلى الامتناع عن التصويت. ولم يصدر حتى الآن أي تأكيد رسمي لذلك لا من نيودلهي ولا من مصادر فلسطينية أو عربية.
إن العلاقات العسكرية والأمنية المتنامية بين الهند وبين دولة الاحتلال، التي جعلت رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو عند لقائه نظيره الهندي مودي في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي يقول إن "السماء هي سقف" العلاقات الثنائية الآن وإن "إسرائيل والهند تقفان على حافة حقبة جديدة من التعاون المتزايد"، هي علاقات تمثل أساسا موضوعيا لمخاوف فلسطينية وعربية من أن تكون التقارير عن تغيير في السياسة الفلسطينية للهند ذات صدقية.
فالهند حاليا هي أكبر مستهلك في العالم لأسلحة دولة الاحتلال، ويكاد حجم تبادلها التجاري معها يبلغ عشرة بلايين دولار أميركي اليوم. وكان تحول هذا التبادل "التجاري" إلى تبادل سياسي يتفق معه هو مسألة وقت فحسب.
والهند عامود فقري في حركة عدم الانحياز التي تضم أكثر من مائة وعشرين دولة عضو ومراقبة، والحركة سوف تكون مهددة بالانهيار إذا ما تحقق "التغيير" الذي تتحدث تقارير الإعلام عنه في السياسة الفلسطينية للهند، وانهيارها يهدد كتلة دولية معروفة بوقوفها التاريخي في المحافل الدولية إلى جانب القضية الفلسطينية.
لكن مخاطر هذا التحول في السياسة الفلسطينية للهند لم تحظ حتى الآن بما تستحقه من الاهتمام العربي والفلسطيني، فمنح الأولوية "العربية" لمقاومة"الخطر الإيراني – السوري" ثم للحرب على "الإرهاب" بمسمياته المختلفة، إذعانا للاستراتيجية الأميركية، مهد ل"مسالمة" الخطر الصهيوني في فلسطين وأسقط أي رادع عربي لتطبيع العلاقات الدولية ثم تطويرها مع دولة الاحتلال، فالهند مثل غيرها من القوى الدولية لا يمكن أن تكون عربية أو فلسطينية أكثر من العرب ومن الفلسطينيين.
غير أن المخاطر التي يمثلها أي تغيير محتمل في السياسة الفلسطينية لعملاق آسيوي وعالمي مثل الهند جدير بأن يوضع على جدول أعمال وزراء الخارجية العرب عندما يجتمعون بالقاهرة في الخامس عشر من كانون الثاني / يناير المقبل، وإذا كانت الكويت تتحمل مسؤولية خاصة في هذا السياق بصفتها الرئيس الدوري الحالي للقمة العربية فإن منظمة التحرير ورئاستها تتحمل المسؤولية الأولى بصفتها المعنية مباشرة والمتضرر الأول من التحول الهندي المحتمل.
لقد زار مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح ومنظمة التحرير نبيل شعث الهند في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، واجتمع مع وزيرة خارجيتها، واعتبر زيارته "تاريخية" بعد انقطاع فلسطيني رسمي طويل عن الهند، وأعرب عن أمله في أن تلعب الهند دورا في دعم التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة ومجلس أمنها.
وربما يكون من حسن الحظ الفلسطيني والهندي معا أن الهند ليست عضوا حاليا في مجلس الأمن الدولي وليست ضمن الدول الخمس التي قال الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي إنها سوف تنضم إلى عضوية مجلس الأمن الشهر المقبل حتى لا تخضع العلاقات الفلسطينية الهندية لاختبار فاصل ولا تضطر الهند لإثبات أو نفي التقارير التي تحدثت عن احتمال امتناعها عن التصويت على مشروع القرار الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن.
لكن في كل الأحوال يظل مطلوبا من الهند أن توضح موقفها، ومطلوبا من الدول العربية استثمار علاقاتها مع الهند لعدم حدوث أي تغيير في سياستها الفلسطينية التقليدية، ومطلوبا من الرئاسة والخارجية الفلسطينية مراقبة علاقاتهم مع الهند عن كثب ورفع مستوى وكفاءة التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في نيودلهي ليرقى إلى مستوى التحدي الماثل للعيان.
</tbody>
يوسف رزقة / فلسطين الان
حماس لا تخشى الضرر من المصالحة المصرية القطرية، ولم تطلب إيضاحات من قطر في هذا الشأن. هذا ما صرح به مصدر مسؤول في حركة حماس ردا على تجديفات إعلامية تدعي العلم والإحاطة بما هو غير معلن، وأضاف أن الحركة تبارك الخطوة القطرية، وتقدر مبرراتها، وتأمل أن تسود المصالحة الدول العربية كافة، لأن المصالحة العربية الحقيقية تمثل في النهاية رافعة للقضية الفلسطينية.
ثمة وسائل إعلامية اعتادت أن تلقي بحجارة في المياه الراكدة، إما من أجل الإثارة الرخيصة، أو من أجل خدمة مصالح طرف ثالث من خلال استقطاب معلومات جديدة من الأطراف، أو توسيع المسافة بينها؟!.
العلاقة بين حماس وقطر مستقرة، وحماس ليست طرفا ثالثا فيما كان بين قطر ومصر قبل المصالحة، لأن قطر تؤمن بقومية القضية الفلسطينية، وبعدالة الحقوق الفلسطينية، والأهم من ذلك أنها تقدر عاليا دور حركة حماس في الكفاح الوطني والقومي من أجل حماية الحقوق الفلسطينية، والوصول بفلسطين إلى تقرير المصير، ومن هنا التقت قطر بحماس، وفلسطين بشكل عام ، فقطر أكثر الدول التزاما بمساعدة الفلسطينيين.
المصالحة القطرية مهما قيل في مخرجاتها ليست أيضا ضد الإخوان المسلمين، لأن الجزيرة مصر مباشر لم تنشأ من أجل الإخوان المسلمين، بل إن للدولة القطرية سياستها الخاصة بها، ومصالحها الخاصة بها، وعلاقاتها الإقليمية الخاصة بها أيضا، وإن إغلاقها استجابة لاعتبارات سياسية ومواقف طارئة في بيئة سياسية غير مواتية يقوم على اعتبارات قطرية بحتة، ومن ثمة يجانب الصواب كل من حاول تحميل الموقف القطري ما لا يحتمل، حين يقفز عن الحنكة القطرية في التعامل مع المتغيرات في بيئة الخليج المتحركة، وفي بيئة إقليمية تستهدف الدولة القطرية نفسها.
حماس لا تخشى من لقاء قمة بين قطر ومصر برعاية الرياض، بل لا تمانع أن تكون جزءا منه، وحماس تطلب لقاء قمة مع القيادة المصرية أيضا ، ولكن مصر هي التي ترفض تطبيع علاقتها مع حماس، وبناء على ذلك فإن المصادر الإعلامية التي تبالغ في تداعيات المصالحة القطرية المصرية على حماس وعلى الإخوان، تقوم بعملية تجديف سياسي، يقوم على ما تتمناه هذه المصادر، لا على وقائع الميدان، ومقتضيات الحالة ، والمصلحة.
هؤلاء المجدفون في بحر التمنيات، حيث تقوم تحليلاتهم على ما يسمى تلبيس الطواقي، لا يحكون الحقيقة بمكوناتها، وينسجون من ( الحبة قبة ). قطر اضطرت لمصالحة رأت أنها تخدم مصالحها، وحماس ليست ضد هذه الرؤية على الإطلاق.
من أراد الحديث في المصالحة وتداعياتها عليه أن يتعمق أولا في قراءة السياسة الخليجية، ومواقف مكونات مجلس التعاون الخليجي، من القضايا القريبة منه، والبعيدة عنه، ومن قضايا التغيير والثورة والديمقراطية، وفلسطين، والإرهاب كما يسمونه، وكما يعرفونه هم لا غيرهم.
كانت سياسة الخليج مسكونة بكثير من الغموض في العقود الماضية، ولكنها لم تعد كذلك بعد ثورات الربيع العربي، حيث اضطرت أنظمة الخليج أن تكشف عن كثير من مواقفها التي كانت تجري فصولها تحت الطاولة في غموض متعمد.
ماذا يدور على حدود غزة؟
إياد القرا / فلسطين اون لاين
الأسبوع الماضي شهد حوادث متفرقة بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال على حدود غزة، وكأنها أحداث متدحرجة للسيناريو القديم الجديد بأن التوتر هو سيد الموقف بين الجانبين، لأسباب قد يكون بعضها ميدانياً وآخر قد يعود لآثار الحرب على غزة.
حماس غير معنية بأي توتر ،لكنها في نفس الوقت صبرها بدأ ينفد أمام بطء إعادة الإعمار، ولسبب داخلي لا زالت تشعر بالضيق من تهرب عباس وحكومته من المسؤولية عن غزة بعد أن سلمت بضرورة التخلي عن الحكم.
المقاومة وتحديداً "كتائب القسام"، تركز قوتها على إعادة هيكلة قوتها العسكرية وتعزيز أدواتها القتالية بالإمكانيات المتوفرة، و إعادة تأهيل عناصرها وقواها البشرية وفق نتائج التقييم التي جرت لأدائها خلال الحرب على غزة، وفي نفس الوقت تبقى حاضرة كقوة رد على الحدود كما حدث شرق خانيونس باستهداف جندي ضمن قوة حاولت التقدم نحو المنطقة الحدودية.
جيش الاحتلال تائه بين الصورة التي رسمها بحرية العمل والسيطرة اعتقاداً منه أن الحرب على غزة كبحت جماح "حماس" من الاقتراب إلى الحدود، و موقفه مما يلاحظه ويتابعه من نشاط مكثف يعيد للمقاومة قوتها وتمثل رادعاً له كما حدث الأسبوع الماضي.
التصريحات التي أطلقها نتنياهو مستهلاً حملته الانتخابية بأنه لن يقبل بإطلاق صاروخ واحد على غزة، فقد أطلق هذا الصاروخ وبعده آخر بغض النظر عن من أطلقه، لكن نتنياهو تناسى أن جيشه على حدود غزة يطلق النار بشكل يومي ويستهدف المزارعين واستشهد و أصيب عدد منهم، في حين تواصل البحرية مطاردة و إصابة و اعتقال الصيادين الفلسطينيين منذ انتهاء الحرب قبل 4 شهور.
نتنياهو يعي أن أي تصعيد على حدود غزة كحد السيف بين استغلاله انتخابياً ، لجذب الإسرائيليين نحو الملف الأكثر تعقيداً وهو فقدان الأمن والظهور بموظف محافظ على الأمن، وبين خشية أن تعد له حماس والمقاومة فخاً جديداً على حدود غزة يفقده ما تبقى له من قوة انتخابية.
الانتهاكات المتصاعدة على حدود غزة ستبقى بنفس المستوى وسنشهد مزيداً منها بسبب مواصلة الاحتلال انتهاك التهدئة، وحماس ستحافظ على مستوى من التوتر لأسباب مواصلة الاحتلال انتهاك التهدئة واستمرار الحصار، وانطلاق مفاوضات التهدئة من جديد، وترغب في وضع معادلة على الحدود تردع الاحتلال، وما تحرك جنودها أمام عيون الاحتلال إلا رسالة تهديد.
السكوت عن حصار غزة.. لماذا؟
منير شفيق / فلسطين الان
إنه لأمر غير قابل للتصديق أن يُشدّد الحصار على قطاع غزة من الجانب المصري بعد الانتصار الاستراتيجي العسكري الذي حققته المقاومة والشعب في قطاع غزة على جيش الكيان الصهيوني. وهو انتصار لم يتحقق من خلال الصمود والدعم السياسي العربي والإسلامي وبعض الدولي، كما كان الحال في السابق، وإنما تحقق في ميدان المواجهة على الأرض، حيث فرّت القوات الصهيونية المهاجِمة بعدما قوتلت من نفق إلى نفق ومن بيت إلى بيت، فضلاً عن فعل الصواريخ التي ضربت في العمق ولم تتوقف إلا بعد وقف إطلاق النار.
تسربّت في بضعة الأسابيع الأخيرة معلومات تناقلتها صحف الكيان وبعض القنوات الفضائية، ودُعِّم بعضها بالفيديو، بأن جرحى قوات العدو حوالي ألف وخمسمائة من بينهم خمسمائة أصيبوا بأعطال دائمة. الأمر الذي يكشف أن المعركة الميدانية على الأرض كانت طاحنة وأن خسارة قوات العدو كانت أكبر بكثير مما أُعلن عنه حتى من جانب المقاومة. كان يُفترض بهذه النتائج لو ترافقت مع دعم مصري– عربي رسمي للمقاومة والشعب أن تختصر الحرب إلى أقل من أسبوعين لا أن تمتد إلى 51 يوماً. وكان يُفترض بأن يتهاوى نتنياهو وحكومته أرضاً ويخضعا لشروط المقاومة وتنفيذها فوراً. أما لو رافقت الحرب على قطاع غزة انتفاضة شاملة في الضفة والقدس وتحت مظلة وحدة وطنية تتقدمها «فتح» و»حماس» و»الجهاد» و»الجبهة الشعبية»، وبدعم مصري– عربي– إسلامي– رأي عام عالمي (إسلامي– رأي عام عالمي كانا متوفريّن)، لاضطر نتنياهو وحكومته الانسحاب إلى ما وراء الجدار دون أن يُقبل منهما إلا مع القدس وكامل أراضي 1967، وبلا قيد أو شرط.
هذان الافتراضان ليسا نتاج أمنيات ورغبات وإنما نتاج قراءة دقيقة لميزان القوى على مختلف المستويات وذلك إذا تعزز ميزان القوى بالانتصار العسكري الميداني والصمود الشعبي في قطاع غزة، كما بانتفاضة شاملة في الضفة الغربية والقدس وبوحدة في الموقف الرسمي العربي.
لا مجال لمناقشة هذه الفرصة الضائعة لأن هنالك من سيعترض عليها ولهذا لا حاجة للخوض فيها. ومن ثم، وهذا هو الأهم، لأن الموضوع الملتهب الذي يجب أن يرُكز عليه الآن ويكون موضع خلاف أو اتفاق، إنما هو استمرار حصار قطاع غزة بأشد مما كان عليه، في معبر رفح قبل حرب تموز/آب 2014.
يجب أن تسقط فوراً حجة الذين يعتبرون فتح معبر رفح امام الأفراد بمن فيهم الجرحى والمرضى والطلبة وتحت الإشراف المصري المباشر والصارم يمكن أن يتسبب بأي ضرر أمني على مصر. كما أن فتحه باتجاه دخول مواد البناء لإعمار القطاع قد يكون سبباً لأضرار تمسّ الأمن القومي المصري.
فالسؤال مع ذلك لماذا استمر الحصار واشتدّ أكثر مما كان عليه في الأشهر الني سبقت الحرب ما بين تموز 2013 وتموز 2014؟ ولماذا ذهبت أدراج الرياح مقررات مؤتمر المانحين لإعادة إعمار قطاع غزة؟ وقد عُقد في القاهرة وقبله وبعده جمدت الرعاية المصرية للمفاوضات غير المباشرة التي توقف إطلاق النار شريطة تحقيقها لمطلب فك الحصار وشروط أخرى.
أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في خطابه أمام المؤتمر المذكور أعلاه أن إعادة الإعمار تعتمد على محورين: الأول تهدئة دائمة والثاني تسلم السلطة الوطنية الفلسطينية سلطتها الكاملة على قطاع غزة.
وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس بعد لقاء الرئيس المصري أمام مجلس الجامعة العربية: أن لا مصالحة فلسطينية إلا على أساس ثلاثة شروط: الأول قرار فلسطيني واحد للحرب والسلم، الثاني سلاح فلسطيني واحد، والثالث سلطة واحدة على كامل قطاع غزة.
هذه الشروط المصرية لإعمار قطاع غزة، والفلسطينية لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية تتوجه أصلاً إلى، أو تستهدف فوراً، سلاح المقاومة وأنفاقها في قطاع غزة. وهي شروط لا يمكن أن تقبل بها فصائل المقاومة ولا الشعب في القطاع أو الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية بعامة. فسلاح المقاومة وأنفاقها وصواريخها ومصانع أسلحتها وإجراءات أمنها وسريتها لا تتعلق بحماس وحدها، ولا بمسألة بسط سلطة حكومة محمود عباس على قطاع غزة في كل المجالات، شريطة ألا تقترب من السلاح والأنفاق والصواريخ وما يتعلق بها من إجراءات أمنية وسرية.
ما أروع أن يتقدم أحد ويقول أن الشروط التي طرحها الرئيسان المصري والفلسطيني لا تمسّ سلاح المقاومة وتبعاته. ولكن للأسف لا أحد قال بذلك أو دافع عن الموقفين الرسميين المصري– الفلسطيني، معتبراً بأن هنالك تجنياً في تفسير هذه الشروط، فهما لا يستهدفان سلاح المقاومة.
ولكن الشكل غير القابل للتصديق أكثر من استمرار حصار غزة حتى الآن يأتي من الذين يمرون عن تلك الشروط التي تمسّ سلاح المقاومة مرور الكرام وكأنها لا تعني شيئاً لهم فيما يعلنون أنهم مع المقاومة في قطاع غزة ويمجدون انتصارها في الحرب.
هنا يتجلى مكر الخطاب ومكر السياسة في أعلى صورهما. ويصبح استمرار الحصار من خلال معبر رفح أمراً واقعاً عادياً لا يستحق أن يثار بقوة فيما كارثة إنسانية وسياسية واجتماعية وأخلاقية تقع بسببه على مليون ونصف المليون إنسان من سكان قطاع غزة. فمائة يوم من حصار خانق يمسّ تنقل الأفراد وعبور الأدوية ومواد البناء ويصيب آلاف المرضى والجرحى والطلبة لا يصبح قضية القضايا بالنسبة إلى الجانب الإنساني إن لم يكن من جانب استهدافه لسلاح المقاومة.
المشكلة في هذا الحصار انه لن يُكتب له تحقيق هدفه المتعلق بسلاح المقاومة لأنه سيدفع الأمور إلى تجدّد الحرب مع الكيان الصهيوني عندما يصل التضييق إلى المستوى الذي لا يحتمل. فالمائة يوم الثانية أو الثالثة لن تكون كالمائة يوم الأولى التي مرّت منذ وضعت الحرب أوزارها. والحجة هنا متوفرة بسبب استمرار الحصار الصهيوني كذلك وقد أُضيفَ إليه حصار مندوب أمين عام الأمم المتحدة السيد روبرت سري الذي وضع برنامجاً لدخول مواد الإعمار كما الإعمار تضمّن شروطاً أسوأ من التي يمكن لنتنياهو أن يُفكر فيها، (والأنكى ادعاؤه أنه عرضها على السلطة الفلسطينية ووافقت عليها، أو على أحد المتنفذين من وراء ظهرها). فالسيد روبرت سري عدو مفضوح للشعب الفلسطيني لهذا يجب أن تُمارس الضغوط، وتُمارس الوساطات، ويتدخل الناصحون ليُفتح معبر رفح أمام الأفراد والبضائع ومواد البناء. فالمطلوب هنا «العنب وليس مقاتلة الناطور».
فالوضع في قطاع غزة لا يُطاق. ولا يجب أن يُسكت عليها.
انقلاب محتمل في سياسة الهند الفلسطينية
نقولا ناصر / فلسطين اون لاين
في سنة 2010 منعت وزارة الخارجية الهندية النائب عن حزب المؤتمر ماني شانكار آيار من طرح أسئلة في البرلمان عن العلاقة العسكرية بين الهند وبين دولة الاحتلال الإسرائيلي بحجة أن هذه العلاقة هي "من أسرار الدولة."
وفي عهد رئيس الوزراء الهندي السابق مانموهان سينغ حافظت حكومته على سرية العلاقات الهندية مع دولة الاحتلال. ولاحظ رئيس الدراسات الاستراتيجية في مؤسسة "أوبزيرفر ريسيرتش فاونديشن" بنيودلهي سي. راجا موهان أنهم في دولة الاحتلال كانوا يقولون إن "نيودلهي كانت تعامل تل أبيب كما تعامل الخليلة"، قبل أن يقول إن مثل هذه المعاملة قد انتهت الآن في عهد رئيس الوزراء الهندي الحالي ناربندرا مودي.
فمودي زعيم حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي الحاكم حالياً لم يعد يجد ضرورة للاستمرار في سياسة حزب المؤتمر للحفاظ على سرية علاقات بلاده مع دولة الاحتلال.
لكن الزميل في "مركز بلفر" بجامعة هارفارد الأميركية جاييتا ساركار لا يرى أي فارق جوهري في سياسة الحزبين وأن "الفارق الرئيسي" بينهما هو فقط في "إدارة العلاقات العامة" لبلادهم مع دولة الاحتلال، حيث يعلنها الأول جهارا نهارا بينما كان حزب المؤتمر يحافظ على سريتها.
في الظاهر، يورد المراقبون السطحيون عاملين يدفعان الهند إلى عدم إشهار علاقاتها مع دولة الاحتلال، أولهما عدم استعداء الأقلية المسلمة الهندية الكبيرة المتعاطفة مع فلسطين وقضيتها، وثانيهما عدم استعداء الدول العربية التي تستضيف عمالة هندية يزيد تعدادها على خمسة ملايين عامل يمثلون مصدرا رئيسيا للبلايين من العملة الصعبة، ويفسرون الدعم الهندي التاريخي للقضية الفلسطينية بهذين العاملين.
لكن حصر أسباب صداقة الهند التاريخية منذ استقلالها مع فلسطين وشعبها بالعاملين المذكورين فيه تجني على الحقيقة وظلم بيّن للدوافع المبدئية التي قادت مؤسسي الهند المعاصرة المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو إلى تأييد لا لبس فيه لكفاح عرب فلسطين من أجل نيل حقهم في تقرير المصير والتحرر من الاحتلال والاستقلال، فهذا التأييد قد تحول إلى ثقافة عامة لمئات الملايين من الهنود الهندوس عبر عقود من الزمن بسبب المواقف المبدئية لغاندي ونهرو لا بسبب تعاطف الأقلية المسلمة، وكان سابقا بالتأكيد للطفرة النفطية في الخليج العربي التي اجتذبت الملايين من العمالة الهندية لاحقا.
فقد عارضت الهند قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 بتقسيم فلسطين وبالتالي عارضت إقامة دولة الاحتلال فوق ارضها المغتصبة، ولم تقم علاقات دبلوماسية مع هذه الدولة إلا في سنة 1992 بعد أن قررت منظمة التحرير الفلسطينية الاعتراف بها، وكانت أول دولة غير عربية تعترف بدولة فلسطين عام 1988.
غير أن هذا التأييد الهندي التقليدي للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة يبدو على المحك اليوم، وتدل مؤشرات عديدة على أن رئيس الوزراء مودي يهدد بانقلاب عليه.
فوسائل إعلام دولة الاحتلال وجماعات الضغط الموالية لها في الولايات المتحدة تداولت على نطاق واسع تقريرا غير مؤكد نشرته صحيفة "ذى هندو" اليومية في الحادي والعشرين من هذا الشهر نسبت فيه إلى "مصدرين حكوميين" لم تسمهما قولهما إن الهند تدرس حاليا تغيير نمط تصويتها على القرارات المتعلقة بالصراع العربي مع دولة الاحتلال في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من التأييد للحق العربي في فلسطين إلى الامتناع عن التصويت. ولم يصدر حتى الآن أي تأكيد رسمي لذلك لا من نيودلهي ولا من مصادر فلسطينية أو عربية.
إن العلاقات العسكرية والأمنية المتنامية بين الهند وبين دولة الاحتلال، التي جعلت رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو عند لقائه نظيره الهندي مودي في نيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي يقول إن "السماء هي سقف" العلاقات الثنائية الآن وإن "إسرائيل والهند تقفان على حافة حقبة جديدة من التعاون المتزايد"، هي علاقات تمثل أساسا موضوعيا لمخاوف فلسطينية وعربية من أن تكون التقارير عن تغيير في السياسة الفلسطينية للهند ذات صدقية.
فالهند حاليا هي أكبر مستهلك في العالم لأسلحة دولة الاحتلال، ويكاد حجم تبادلها التجاري معها يبلغ عشرة بلايين دولار أميركي اليوم. وكان تحول هذا التبادل "التجاري" إلى تبادل سياسي يتفق معه هو مسألة وقت فحسب.
والهند عامود فقري في حركة عدم الانحياز التي تضم أكثر من مائة وعشرين دولة عضو ومراقبة، والحركة سوف تكون مهددة بالانهيار إذا ما تحقق "التغيير" الذي تتحدث تقارير الإعلام عنه في السياسة الفلسطينية للهند، وانهيارها يهدد كتلة دولية معروفة بوقوفها التاريخي في المحافل الدولية إلى جانب القضية الفلسطينية.
لكن مخاطر هذا التحول في السياسة الفلسطينية للهند لم تحظ حتى الآن بما تستحقه من الاهتمام العربي والفلسطيني، فمنح الأولوية "العربية" لمقاومة"الخطر الإيراني – السوري" ثم للحرب على "الإرهاب" بمسمياته المختلفة، إذعانا للاستراتيجية الأميركية، مهد ل"مسالمة" الخطر الصهيوني في فلسطين وأسقط أي رادع عربي لتطبيع العلاقات الدولية ثم تطويرها مع دولة الاحتلال، فالهند مثل غيرها من القوى الدولية لا يمكن أن تكون عربية أو فلسطينية أكثر من العرب ومن الفلسطينيين.
غير أن المخاطر التي يمثلها أي تغيير محتمل في السياسة الفلسطينية لعملاق آسيوي وعالمي مثل الهند جدير بأن يوضع على جدول أعمال وزراء الخارجية العرب عندما يجتمعون بالقاهرة في الخامس عشر من كانون الثاني / يناير المقبل، وإذا كانت الكويت تتحمل مسؤولية خاصة في هذا السياق بصفتها الرئيس الدوري الحالي للقمة العربية فإن منظمة التحرير ورئاستها تتحمل المسؤولية الأولى بصفتها المعنية مباشرة والمتضرر الأول من التحول الهندي المحتمل.
لقد زار مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح ومنظمة التحرير نبيل شعث الهند في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، واجتمع مع وزيرة خارجيتها، واعتبر زيارته "تاريخية" بعد انقطاع فلسطيني رسمي طويل عن الهند، وأعرب عن أمله في أن تلعب الهند دورا في دعم التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة ومجلس أمنها.
وربما يكون من حسن الحظ الفلسطيني والهندي معا أن الهند ليست عضوا حاليا في مجلس الأمن الدولي وليست ضمن الدول الخمس التي قال الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي إنها سوف تنضم إلى عضوية مجلس الأمن الشهر المقبل حتى لا تخضع العلاقات الفلسطينية الهندية لاختبار فاصل ولا تضطر الهند لإثبات أو نفي التقارير التي تحدثت عن احتمال امتناعها عن التصويت على مشروع القرار الفلسطيني المقدم إلى مجلس الأمن.
لكن في كل الأحوال يظل مطلوبا من الهند أن توضح موقفها، ومطلوبا من الدول العربية استثمار علاقاتها مع الهند لعدم حدوث أي تغيير في سياستها الفلسطينية التقليدية، ومطلوبا من الرئاسة والخارجية الفلسطينية مراقبة علاقاتهم مع الهند عن كثب ورفع مستوى وكفاءة التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني في نيودلهي ليرقى إلى مستوى التحدي الماثل للعيان.