Haneen
2015-02-03, 12:11 PM
ابرز ما في الملف
هل نستخلص العبر من موقف نيجيريا في مجلس الامن؟
الكاتب: الدكتور عقل أبو قرع – معا
ما بعد التوقيع على اتفاقية نيويورك وتنفيذ احكام المحكمين الأجنبية
الكاتب: د. إيهاب عمرو- معا
الفكر التربوي العربي .. خطط واستراتيجيات متعثرة
بقلم/ د. حنا عيسى – استاذ القانون الدولي pnn
نحو فهم أعمق للحراك السياسي
طلال عوكل - جريدة الايام
نبض الحياة - سؤال برسم الاجابة
عمر حلمي الغول - جريدة الحياة
الضغوط لا تحل اية مشكلة ولا تؤدي إلا للانفجار
حديث القدس – جريدة القدس
هل نستخلص العبر من موقف نيجيريا في مجلس الامن؟
الكاتب: الدكتور عقل أبو قرع – معا
شكل فشل المسعى الفلسطيني في مجلس الامن الدولي الاسبوع الماضي، مفاجأة وربما صدمة للبعض، وبالاخص بعد التصريحات التي سمعناها، وفي الساعات الاخيرة قبل التصويت، بأن هناك على الاقل تسعة اصوات مؤكدة، اي انها كانت ستصوت لصالح الاقتراح الفلسطيني، ولكن التغير او التغيير او التذبذب في الموقف النيجيري، من الموافقة الى الامتناع عن التصويت، ادى الى عدم قبول الاقتراح من خلال عدم الحصول على الاصوات التسعة وبالتالي تمريرة على الاقل في المرحلة الاولى.
رغم التأكد من اصطدام المسعى الفلسطيني بالفيتو الامريكي لاحقا، الا ان التغييرفي الموقف النيجيري، ادى الى حالة من الارباك والمرارة والتساؤلات عند الجانب الفلسطيني، ورغم عدم التفاؤل بامكانية التطبيق العملي لهذا القرار على الارض، الا ان تغير الموقف النيجيري، وحسب ما تم ذكرة خلال الساعة او خلال النصف الساعة الاخيرة قبل التصويت، يتطلب منا العمل من اجل استخلاص العبر والمواقف والدورس من هذا الوضع، لان ذلك سوف يكون مهم لخطوات او لاقتراحات او لمشاريع مستقبلية، وبالاخص حين يكون لها انعكاسات على الارض وعلى حياة الناس وعلى مستقبلهم؟
ورغم النجاح الكبيرللقيادة الفلسطينية وللدبلوماسية الفلسطينية، في الحصول على قرارات مهمة، وبالاخص من اكبر جسم دولي غير ملزم، اي من الجمعية العامة للامم المتحدة والتي تضم في اطارها كل الدول الاعضاء البالغ عددها 192 دولة، حيث كان اخر هذه النجاحات، قبل حوالي اسبوع، من خلال تصويت 165 دولة، وفقط معارضة 6 دول، هي امريكا وكندا واسرائيل وبعض الجزر الصغيرة في المحيط، لصالح قرار يعترف بحق الشعب الفلسطيني بالسيادة الكاملة، على كافة مصادرة الطبيعية من ارض ومن مياة وما تحويهما، وكذلك الحق في التعويض من سلطات الاحتلال الاسرائيلي، بسبب استغلال او ايذاء هذه المصادر، او بسبب الاضرار البيئية التي الحقها، الا ان قرارات مجلس الامن، بأهميتها وبالزامها وبضجيجها، وبعلاقتها بالامن والسلام والحروب، تبقى هي الاهم، وبالتالي من المفترض ايلاء ما يتمخض عنها، كل الاهتمام والمتابعة والدراسة، واستخدام كل الاوراق الممكنة؟
وفي الحالة الاخيرة، وبالاخص في حالة تغير الموقف النيجيري، فالسؤال المطروح وفي اطار استخلاص العبر او في اطار النقد الذاتي الابجابي، او في اطار تجنب تكرار ذلك في المستقبل، هو هل كان هناك متابعة او تواصل او استمرارية للتواصل، للتأكد من الايفاء او من الابقاء على الوعد، سواء اكان ذلك من قبل الطرف النيجيري او من غيرة، واذا كانت هناك شكوك بأحتمالات التغيير في الموقف، فهل تم دراسة هذه الشكوك او تم محاولة ايجاد الاجابة عليها، او محاولة التخفيف منها، او التعامل معها بجدية؟
وهل تم ومن اعلى المستويات الدبلوماسية من جانبنا، التواصل ومع اعلى المستويات عند الطرف النيجري او غيرة من الاطراف الاخرى المترددة، مع العلم ان وكالات الانباء كانت قد ذكرت، وقبل ساعات او اقل من التصويت على مشروع القرار في مجلس الامن الدولي، عن قيام رئيس الوزراء الاسرائيلي، باجراء اتصالات، وصفت بأنها سريعة وهامة، مع ثلاث من الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي، وبالتحديد مع الدول الافريقية، وما اثارة هذا الاتصال الاخير، من تعهدات او من وعود او مساعدات او ضغوطات او غير ذلك من الامور، البعيدة عن المبادئ والحقوق الانسانية الدولية، والتي عادة تصب في خانة المصالح والامتيازات، سواء اكانت امتيازات للدولة او للاشخاص في تلك الدولة؟
ورغم ان الطرف الفلسطيني، ليس بالطرف القوي ماديا او اقتصاديا او عسكريا او تكنولوجيا، او حتى على صعيد التقدم الزراعي او الصحي والطبي، والذي يمكن ان يتيح لزعماء افارقة لزيارة اسرائيل للعلاج، ومنهم على سبيل المثال الرئيس النيجيري، وبالتالي الضعف في اللعب بورقة المصالح والمساومات والوعود والضغوطات، الا انة وبعيدا عن الحق الانساني والعدل والمواثيق الدولية، يمكن ان يستخدم الورقة العربية والاسلامية وحتى الورقة الافريقية، من خلال التواصل مع دول اعضاء في مجلس الامن الدولي، ومن خلال لغة المصالح والامتيازات والاتفاقيات، هذا رغم التشتت والانقسام العربي، ورغم الابتعاد عن الموضوع الفلسطيني كاولوية للعديد من الدول في المنطقة وغيرها؟
حيث انة ما زال هناك المال العربي، والعلاقات الاقتصادية العربية، سواء السعودية او الخليجية او غيرهما، مع دول افريقية وغيرها، وهناك كذلك العمق والتأثير الكبير ل مصر في افريقيا، وهناك البعد الاسلامي وبالاخص عند الشعوب والمؤسسات والهيئات في العديد من هذه الدول، وهناك العديد من الاوراق الاخرى، والتي نعلم ان الدبلوماسية الفلسطينية تعرفها وتعلم متى وكيفية الاستفادة منها اكثر منا؟
ولكن الدرس الاخير في مجلس الامن الدولي، يفرض علينا الدراسة والتمحيص واستخلاص العبر، وبالتحديد العبر فيما يتعلق بالمتابعة واستمرارية التواصل، وعدم اخذ الامور او المواقف والتعهدات كمسلمات، وبالاخص بعد الاخبار عن التدخل الاسرائيلي ومن خلال اعلى المستويات مع اطراف افريقية، ودراسة واستخلاص العبر مهم، لكي لا يتكرر هذا السيناريو في المستقبل، وفي قرارات او اقتراحات ربما تكون اهم، ولعدم تكرار ذلك، من خلال لعبة المصالح والضغوط والوعود، سواء مع اطراف افريقية او اسلامية او من اوروبا او من امريكا الجنوبية، او حتى ربما تكون في المرة القادمة اطراف عربية؟
ما بعد التوقيع على اتفاقية نيويورك وتنفيذ احكام المحكمين الأجنبية
الكاتب: د. إيهاب عمرو- معا
تم إقرار اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية New York) Convention) من قبل مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالتحكيم التجاري الدولي الذي انعقد في مدينة نيويورك سنة 1958. وتعد اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية ، أفضل ما تم التوصل إليه في نطاق الاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها. من جانب، تعتبر هذه الاتفاقية بمثابة تعديل كبير بالنسبة لاتفاقية جنيف (Geneva Convention) لعام 1927 الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية. حيث أن اتفاقية نيويورك تعد أكثر فعالية في تحصيل الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي . وقد حلت محل اتفاقية جنيف فيما يتعلق بالدول التي تعتبر أطرافاً في كلتا الاتفاقيتين . من جانب آخر، تعطي الاتفاقية أثراً أكثر اتساعا لصلاحية اتفاق التحكيم من تلك التي كانت معطاة وفقاً لبروتوكول جنيف (Geneva Protocol) لعام 1923. والاتفاقية حلّت محل البروتوكول فيما يتعلق بالدول التي تكون ملتزمة بكليهما. وقد وصفت الاتفاقية من قبل بعض شراح التحكيم التجاري الدولي بأنها : " الركيزة الأكثر أهمية التي يستند إليها صرح التحكيم الدولي ". وعلى الرغم من أن اتفاقية نيويورك تشير إلى الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، فإنها تبحث أيضاً في مسألة الاعتراف والتنفيذ غير المباشر لاتفاقات التحكيم. وتتكون الاتفاقية من 16 مادة، تعالج مسألة الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في إقليم الدولة المنضمة إليها. وفي إعلانها الافتتاحي أخذت الاتفاقية موقفاً ملفتاً للنظر حيث تضمنت النص على أن الحكم الصادر في دولة معينة حتى لو لم تكن طرفاً في اتفاقية نيويورك، فإنه يكون معترفاً به وواجب التنفيذ بواسطة أي دولة أخرى تكون طرفاً في الاتفاقية. كما تسمح الاتفاقية للدول الملتزمة بها، أن تعمل تحفظين على الاتفاقية؛ الأول على أساس المعاملة بالمثل أو التبادلية (Reciprocity)، والثاني هو التحفظ التجاري (Commercial Reservation)، وبهذا فإن الاتفاقية تتميز بالوضوح وسهولة الفهم. وقد تركت الاتفاقية الحرية للدول في وضع التحفظات التي تتلاءم مع سياستها التشريعية، وعلاقاتها مع الدول الأخرى، وذلك بهدف جذب أكبر عدد ممكن من الدول للانضمام إلى الاتفاقية.
وقد تضمن قانون التحكيم الفلسطيني رقم 3 لسنة 2000 نصوصاً تتناول العديد من المواضيع ذات العلاقة بالتحكيم التجاري الدولي، والمتوافقة مع النصوص الواردة في اتفاقية نيويورك. ومن ذلك تضمن قانون التحكيم الفلسطيني مبادئ تعد من أهم المبادئ التي يرتكز عليها التحكيم الدولي بشكل عام مثل تحديد نوعي التحكيم (الخاص والمؤسسي) في المادة (3) منه، تحديد نوعي اتفاق التحكيم (شرط التحكيم ومشارطة التحكيم) في المادة (5/1) منه، التأكيد على الحرية الممنوحة للأطراف في اختيار القواعد القانونية الواجبة التطبيق على إجراءات التحكيم - في التحكيم الخاص تحديداً- في المادة (18) منه، الاعتداد بإرادة الأطراف في اختيار القانون الموضوعي الذي يحكم النزاع في المادة (19) منه، الاعتراف بمبدأ الحق بالطعن ضد قرار التحكيم أمام المحكمة المختصة في المادة (43) منه، مع عدم إمكانية التنازل عن هذا الحق. أخيراً، تضمن قانون التحكيم الفلسطيني التأكيد على منح قرار التحكيم الأجنبي ذات القوة التنفيذية والأثر القانوني التي تكون لقرارات المحاكم بعد أن يتم الاعتراف به "تصديقه" من قبل المحكمة المختصة في المادة (47) منه، إذ أنه في حالة تنفيذ قرار تحكيم أجنبي، فلا بد أن يقترن التنفيذ بالاعتراف. بحيث يتم تنفيذ قرار التحكيم بالصورة التي تنفذ فيها القرارات الصادرة عن المحاكم الفلسطينية، في حالة رفض التنفيذ الطوعي من قبل الطرف الخاسر في القضية. ويلاحظ أيضاً قيام قانون التحكيم الفلسطيني بإيراد الأسباب التي يستطيع الطرف الخاسر في القضية التمسك بها عند الدفع برفض التنفيذ أمام المحكمة المختصة وذلك في المادتين (47، 48) منه، والتي تتعلق بأطراف عملية التحكيم، اتفاق التحكيم، المحكمون، إجراءات التحكيم وقرار التحكيم ذاته. غير أن قانون التحكيم الفلسطيني قدم الأسباب التي تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها أو ما يعرف باسم "أسباب الدولة" على الأسباب التي يثيرها الخصم، عكس ما فعلت الاتفاقية. ونرى أن فانون التحكيم الفلسطيني قد أعطى سمواً للاتفاقات الدولية ومن ضمنها اتفاقية نيويورك، ذلك أنه في حالة تعارض قرار التحكيم مع الاتفاقية، فإن المحكمة لا تقوم بتنفيذه من تلقاء نفسها، وذلك بموجب المادة 48 من القانون والتي أجازت للمحكمة المختصة رفض تنفيذ قرار التحكيم الأجنبي من تلقاء نفسها إذا كان القرار لا يتفق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المعمول بها في فلسطين.
وعليه، نرى أن قانون التحكيم الفلسطيني يتماثل في العديد من نصوصه مع أحكام اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية لسنة 1958، سواء كان ذلك بشكل مباشر، أو بشكل ضمني. ويظهر هذا الأمر جلياً من خلال النصوص التي أوردها قانون التحكيم الفلسطيني، والتي تتناول موضوعة الاعتراف وتنفيذ قرار التحكيم الأجنبي، حيث تتشابه نصوص القانون الفلسطيني إلى حد بعيد مع النصوص الواردة في اتفاقية نيويورك. ويمكن أن نعزو ذلك إلى كون أن الاتفاقية المذكورة تعتبر من أهم الاتفاقيات التي تتناول المسائل ذات العلاقة بالتحكيم التجاري الدولي، من جهة. ولكون أن عدداً كبيراً من الدول في العالم، يعتمد هذه الاتفاقية بشكل رسمي، بحيث تعتبر جزءاً لا يتجزأ من التشريع الداخلي لهذه الدول، من جهة أخرى. ولا يفوتنا في هذا الصدد الإشارة إلى أن واضعو قانون التحكيم الفلسطيني لسنة 2000 قد أخذوا بعين الاعتبار عند إعداد القانون، إمكانية انضمام فلسطين إلى الاتفاقية، وهو ما استلزم تهيئة القانون الفلسطيني كخطوة استباقية، عبر المواءمة ما بين النصوص التي يتضمنها قانون التحكيم الفلسطيني - ذات العلاقة بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية تحديداً- مع أحكام اتفاقية نيويورك، بحيث تكون فلسطين ملتزمة بأحكام هذه الاتفاقية، كباقي الدول الأخرى المتعاقدة.
بناءً على ما سبق، يتبين لنا مدى أهمية التوقيع على الانضمام إلى اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، خصوصاً بعد منح دولة فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة، بحيث أنه سيكون من الممكن تنفيذ قرارات التحكيم الصادرة في بلد أجنبي في فلسطين، بعد اتباع الاجراءات القانونية الخاصة بالاعتراف وتنفيذ هذا النوع من القرارات، والمنصوص عليها في قانون التحكيم الفلسطيني سالف الذكر. وكذلك تلك الواردة في قانون التنفيذ رقم 23 لسنة 2005، وتحديداً المواد (38،37،36،8) منه، والتي تتضمن أحكاماً تتعلق بتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية، بما يعزز ثقة المستثمر الأجنبي بالنظام القانوني في فلسطين وكذلك في القضاء الفلسطيني، وهو ما قد يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني. غير أن ذلك قد يتطلب تدخلاً من قبل السيد الرئيس بما له من صلاحيات تشريعية نص عليها القانون الأساسي من أجل تعديل قانون التحكيم الفلسطيني، بحيث يتم اعتبار اتفاقية نيويورك جزءً لا يتجزأ من القانون الوطني، كما فعلت كثير من الدول المتقدمة سواء كانت تتبع النظام القانوني اللاتيني مثل ألمانيا واليونان، أو تتبع النظام القانوني الأنجلوسكسوني مثل بريطانيا، كما سبق وأسلفنا. كما قد يتطلب التوقيع على الانضمام لاتفاقية نيويورك تعزيز الاهتمام بالمحاكم الفلسطينية، والتي سوف تضطلع بمهمة تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بما لذلك من أهمية وتأثير على الاقتصاد الوطني، من خلال رفد الجهاز القضائي بالقضاة المتخصصين في التحكيم التجاري الدولي، ممن لديهم المهارات والخبرات اللازمة والمعرفة الكافية بالتحكيم الدولي عموماً، وبأحكام اتفاقية نيويورك خصوصاً. إضافة إلى هذا وذاك، فإن ثمة أهمية قصوى في عقد ورشات عمل تعريفية للعاملين في القطاع الاقتصادي بكافة مكوناته سواء كانوا أفراداً أم شركات حول أهمية وفعالية التحكيم التجاري الدولي كوسيلة لحل منازعات التجارة الدولية، بما يمكنهم من إبرام عقود تجارية مع أفراد أو شركات أجنبية، تتضمن شروط تحكيمية تضمن تسوية النزاعات التي قد تنشأ عن طريق التحكيم، وهو ما قد يبعث بالطمأنينة والثقة لدى المتعاقد الأجنبي بإمكانية تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في دولة أجنبية في فلسطين عن طريق المحاكم الفلسطينية المختصة.
الفكر التربوي العربي .. خطط واستراتيجيات متعثرة
بقلم/ د. حنا عيسى – استاذ القانون الدولي pnn
إن التربية السليمة لا تفيد الفرد فقط بل تفيد المجتمع بأكمله، والتربية تكون بمعرفة الفرد ما هو الخير وتقديره إياه، وهو ايضاً المنطق الأساسي لتكريس قيم الأصالة في المجتمع في إطار مشروع حضاري متكامل.
والتربية قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض. ففي المجتمعات البدائية لم تكن هناك مدارس على الإطلاق، وكان الأطفال يتعلمون من خلال خبرات القبيلة في الواقع البيئي، تلك الخبرات التي كانت تمارس يومياً حسب المواسم المناخية وأساليب الصيد والرعي والزراعة والحرف المختلفة. كما كان التعليم مرتبطاً بالطقوس والعقائد الدينية وأنماط العبادة التي كانت سائدة، بالإضافة إلى خبرات القتال دفاعاً وهجوماً، وخبرات حفظ البقاء غذاءً وشراباً وتناسلاً، وأخطار اتّقاء الطبيعة، والتكيف معها ومع الظروف الطارئة والمتغيرات البيئية.
والتربية مرت عبر التاريخ الإنساني بأطوار ومراحل كثيرة، وقام المربون خلالها بأدوار عديدة متشابهة أحياناً ومتناقضة أحياناً أخرى لتحقيق أهداف المجتمعات في حياة الأجيال الصاعدة ضمن إطار البيئات الثقافية والمعطيات المادية التي وجدوا فيها. ولقد كانت كل تلك الخبرات شفاهية وعملية تطبيقية واقعية إلى أن اخترع الإنسان الكتابة فبدأ حينذاك نوع جديد من الخبرات ووسائل نقلها مهدّت لظهور المدارس كمؤسسات متخصصة للتعليم والتدريب، والتوجيه والتثقيف والتوعية فيما بعد حسب تطور المجتمعات وأساليب عيش الأفراد ضمن هذه المجتمعات.
والفكر هو إسم لعملية تردد القوى العاقلة المفكرة في الإنسان، سواء أكان قلباً أو روحاً أو ذهناً بالنظر والتدبر، لطلب المعاني المجهولة أو الوصول إلى الأحكام أو النسب من الأشياء، وعرف الفكر التربوي، بأنه عبارة عن جزء من فكر إنساني مبدع، يتسم بالديناميكية والتطور المستمر في ميدان التربية ويستند إلى تاريخ المجتمع وفلسفته وثقافته وصفاته وحاجاته.
ان التربية السليمة مهمة جداً فإن لها تأثير ايجابي على الفرد والمجتمع، كما ان التربية تعرف بأن يعلم الفرد بما هو الخير ويتقيد به، بالاضافة الى انه المنطق لتكريس قيم الاصالة بالاخص في المجتمع، كما انه مع تقدم الزمن والعصور وتتابع الازمان والاجيال اصبح هناك تطور في الفكر التربوي، وبدأ البحث في مضامين الفكر التربوي بالاضافة الى الاهتمام في الفكر التربوي وتطلعاته، والبحث في اساليب الفكر التربوي واغراضه، كما ان في التربية الاجتماعية عدة مبادئ منها حق النفس، وحق العقل، بالاضافة الى حقوق اخرى ايضاً وهي حق العرض والمال والدين.
*خصائص الفكر التربوي العربي المعاصر:-
1- إذا كان حاضر الفكر التربوي العربي يشكل انحطاطا بالنسبة لماضيه التربوي، فإن مستقبل هذا الفكر يجب أن يتحقق عبر العودة اللامشروطة إلى نقطة البداية قصد استدراك وتعويض ما ضاع في الفترة الفاصلة بين ذلك الماضي الحافل بالنظريات والاتجاهات التربوية، حيث توجد تلك السلسلة من المباحث التربوية التي صاغها مفكرون أمثال: ابن خلدون والغزالي وابن سينا وابن سحنون والقابسي وغيرهم، حول تعليم الطفل وتربيته وإعداده للمستقبل والحاضر التربوي المتأزم الذي يشكو من بعض القصور والنواقص وعلى رأسها الإطناب المعرفي الممل والحشو المعلوماتي الرهيب اللذان يميزان محتوياته وبرامجه على حساب الانتقاء الكيفي للمعارف والمعلومات وتدبيرها المعرفي الهادف. ويعود هذا الإطناب وهذا الحشو إلى كون أن هذه البرامج والمحتويات، حتى وإن لم تكن منقولة بالحرف عن مناهج وتربويات المجتمعات الغربية البعيدة كل البعد عن المشاكل والتحديات الحقيقية التي تواجه المجتمع العربي، فهي على الأقل منسوخة بطريقة مختزلة ومجتثة من السياق السوسيوتاريخي الذي أفرزها أو نسخت عنه.
2- التأرجح بين موقفين لإنشاء الفكر التربوي العربي المنشود وإخراجه إلى حيز الوجود. فمن جهة هناك موقف دعاة الأصالة والمحافظة على الموروث الفكري الحافل بالنظريات والاتجاهات التربوية القيمة. ومن جهة أخرى يوجد موقف دعاة المعاصرة والتلمذة على الغرب وذلك باستبدال اللغة والأساتذة والبرامج المحلية بالكفاءات والخبرات والأدوات الأجنبية. فالمطلوب هو تقليد الغرب ومحاكاته في تصوراته وممارسته التربوية قصد حرق المراحل واللحاق بركب الحضارة العالمية وتربوياتها الحديثة التي لا ترى في إحياء التراث التربوي أو إعادة اكتشاف فتراته الزاهرة الوسيلة المثلى للاستمرار في تألقها وازدهارها.
3- الفكر التربوي العربي ما يزال يتخبط في متاهات ودوائر لامتناهية من المشاكل والصعوبات التي تحكم على خططه واستراتيجياته بالتعثر وعلى جهوده ووعوده باليأس وعلى توجهاته وآفاقه بالانسداد. فرغم اختلاف الرؤى والتصورات وتباين الوسائل والطرق وتناقض المنطلقات والمرجعيات، فإن محددات هذا الفكر وبإجماع الكثيرين ماتزال تقليدية في محتوياتها ومضامينها، محافظة في أسسها ومبادئها، جامدة في أهدافها وغاياتها ورافضة لروح العصر ومقوماته المتطورة. فواقعه يبدو شديد التأزم.
*مشاكل ونواقص الفكر التربوي العربي:-
أ- رغم كل الجهود المبذولة في مجال تطوير المنظومة التربوية العربية، فإن الأهداف المسطرة لسياسة سد منابع الأمية بإلزامية التعليم لم تتحقق كما كان متوقعا لها .
ب- الأمية أصبحت مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين تشكل وبأنواعها: الأبجدية والثقافية والتكنولوجية التي تستغرق على التوالـي (53%) و(80%) و(99%) من سكان الوطن العربي الحاجز المنيع أمام التنمية العربية في أبعادها المختلفة: الفردية والجماعية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
ج- غربة الفكر التربوي عن محيطه الاجتماعي وفي محدودية نتائجه التنموية. فالملاحظ أننا نحن العرب لم نأخذ بعد تحديات القرن الجديد مأخذ الجد، ولم يدرك صانعو القرار لدينا أن التربية والتعليم هما المفتاح الأساسي لكل تقدم أو تطور مرتقب.
نحو فهم أعمق للحراك السياسي
طلال عوكل - 05 كانون الثاني 2015 – جريدة الايام
المتابع لسياسة الولايات المتحدة الأميركية إزاء المنطقة العربية عموماً، وملفات الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي، لن يجد فيها خطأً واحداً، يشذّ عن القواعد الثابتة التي تحدد رسوخ التحالف الأميركي الإسرائيلي، بصرف النظر عن كل ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات للقوانين والأعراف الدولية، وما ترتكبه من جرائم.
الرهان على خلافات وتناقضات، وتضارب مصالح بين الدولتين، هو ضرب من الخيال، والوهم، الذي لا يمكن غفرانه.
ربما كانت إدارة الرئيس باراك أوباما، الأكثر تعرضاً، للإهانات، وأحياناً التحدي السافر من قبل حكومات بنيامين نتنياهو، إلى الحد الذي يسيل له لعاب بعض المراهنين على استثمار ما ينجم عن ذلك من ردات فعل، حتى لو كانت شخصية من باب الدفاع عن الكرامة، غير أن الإدارة الأميركية الراهنة، لم تسجل على نفسها خطأ اتخاذ عقوبات بحق الشريك المشاكس. على العكس من ذلك تماماً فلقد سجلت إدارة الرئيس أوباما، المزيد من التراجع عن مواقف عارضتها إسرائيل، إلى أن كان هناك من يطرح سؤال من يقود سياسة الولايات المتحدة في هذه المنطقة أوباما أم نتنياهو.
النموذج الذي تقدمه سياسة الإدارة الأميركية إزاء التوجه الفلسطيني العربي إلى مجلس الأمن، ومحافل الأمم المتحدة، وإزاء انضمام دولة فلسطين إلى عشرين اتفاقية ومعاهدة دولية، بما في ذلك معاهدة روما، هذا النموذج، يعود ويضع الولايات المتحدة على رأس أعداء الحرية وأعداء الشعب الفلسطيني.
الولايات المتحدة، لا تشعر بالحرج وهي تعارض وترفض حقاً طبيعياً لدولة فلسطين، ولا تتورّع عن استخدام سلطة الفيتو، لإفشال الحق الفلسطيني والتلويح بعقوبات سياسية ومالية بحق السلطة الفلسطينية، إن هي، ترجمت عملياً وفعلت حضورها على المستوى الدولي، ومن خلال المحاكم الدولية، ما ينسف مزاعمها، وأكاذيبها عن حقوق الشعوب، وحقوق الإنسان، وتبنيها لقيم الحرية والديمقراطية.
كلاهما الولايات المتحدة وإسرائيل، يكرر، التزامه بقيم الحرية، والعدالة والديمقراطية، لكنها ديمقراطية مفزعة، مشوهة حين تتصل بالشعوب والأقوام الأخرى، فعند المساس بمصالحهما الأنانية، تنتهي حدود الحرية، وتنتهي حدود الأخلاق.
في الواقع فإن من يقرر الذهاب إلى الأمم المتحدة، والانضمام إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية، لم يكن ليغيب عنه، ان هذا التوجه سيستدرج ردود فعل عقابية، وإجرامية من قبل الولايات المتحدة قبل إسرائيل، ولذلك لا بأس في أن يكون هناك ثمن معلوم مسبقاً لمثل هذه القرارات لكن ما يغيب عن بال صُنّاع القرار الأميركيين والإسرائيليين أنهم هم من أوصلوا الحال إلى ما هي عليه، وان هذا الخيار أقل تكلفة بكثير من الاستمرار في الخيارات التي سادت خلال العقدين الماضيين.
من يتوجه إلى مجلس الأمن، بمشروع قرار لإنهاء الاحتلال، وهو يعرف سلفاً أن حظوظه من النجاح صفر، بسبب الفيتو الأميركي، يكون قد قرر أن يدشن مرحلة من التحول عن طريق العقدين السابقين، والتخلي عن مرجعيات وآليات التفاوض السابقة، والاحتكار الأميركي للملف، ونحو فتح الصراع والاشتباك.
من الطبيعي أن يكون مثل هذا التحول مدفوع الثمن، ولكن عليه أن يبحث في إمكانية تقليص هذا الثمن ما أمكن ذلك، وتعظيم فرص التقدم نحو تحقيق إنجازات، ما كان بالإمكان تحقيقها عبر خيارات العقدين السابقين. القرار الذي لم يحقق النجاح في مجلس الأمن، يبدو وكأنه جزء من عملية ترويض، وتكييف لمواقف المجتمع الدولي، وبالأخص مواقف وسياسات التحالف الأميركي الإسرائيلي، هذه المواقف والسياسات التي يترتب عليها أن تتعود على نمط جديد مختلف من التفكير والسلوك الفلسطيني.
ومن الواضح أن فشل القرار الفلسطيني العربي في مجلس الأمن والأرجح أنه فشل مدروس، هو الذي حضر وهيّأ، لقرار الرئيس محمود عباس، الذي يقضي بالتوقيع على عشرين اتفاقية ومعاهدة دولية، من بين أهمها اتفاقية روما.
في هذا الخصوص، يبدو أنه لا معنى خطيراً للخلافات الفلسطينية التي اندلعت على خلفية القرار الذي فشل في مجلس الأمن، سواء من حيث الصياغات والمضامين، أو من حيث آليات اتخاذه، وكان بإمكان الرئيس عباس تجاوز ذلك، بقليل من الجهد، عبر الاهتمام بمواقف وآراء الشركاء من داخل المنظمة ومن خارجها، وفي شرح أبعاد هذا التكتيك السياسي.
إذا كانت آليات اتخاذ القرار تسجل قصوراً على الرئيس محمود عباس، فإن ثمة قصوراً آخر متعمداً عند الآخرين، الذين لا يحاولون تفهم أبعاد هذا التكتيك، والذين اتخذوا من ذلك القصور فرصة لمواصلة حملة الاتهامات، كتعبير عن استمرار حالة الانقسام.
هذه الحال الفلسطينية البائسة، تحمل القيادة الفلسطينية وقيادات العمل الوطني مسؤوليات تاريخية كبيرة، فما دام التوجه يذهب متدرجاً نحو الاشتباك والمواجهة، فإن من الأولى أن يتم تحصين الجبهة الداخلية بأقصى سرعة، وأن تتم معالجة الصدع الفلسطيني في اتجاه استجماع كل أوراق القوة.
ويفترض هذا التوجه إلى المجتمع الدولي، أن يكون استجابة لمتغيرات داخلية، أهم متطلباتها بالإضافة إلى استعادة الوحدة، تنشيط وتطوير المقاومة الشعبية بكافة أشكالها.
إذا كان ذلك مهما وضروريا، لخوض المجابهة مع الاحتلال المدعوم كل الوقت من قبل الولايات المتحدة، فإن من الضروري معالجة آليات اتخاذ قرار الحرب والسلم، لتحقيق التكامل بين أشكال المقاومة، والتكامل في الأداء السياسي، حتى لا يخرب بعضنا على البعض الآخر، أو أن يقدم للاحتلال ذرائع لمضاعفة الثمن الذي يترتب على الفلسطينيين دفعه نتيجة هذا التحول.
إذا اعتبرنا أن التوجه إلى مجلس الأمن بمشروع قرار إنهاء الاحتلال، وبعد ذلك الانضمام إلى عشرين معاهدة دولية، مجرد بدايات لطريق طويل مختلف فإن الطريق مفتوح أمام المزيد من التحديات الصعبة، التي ستنجم حتماً عن ردود فعل التحالف الأميركي الإسرائيلي، وما صدر منها حتى الآن مجرد بداية إذ ليس هذا كل ما لدى هذا التحالف من ردود إجرامية.
نبض الحياة - سؤال برسم الاجابة
عمر حلمي الغول - جريدة الحياة
الادارة الاميركية، هي القوة، التي استخدمت نفوذها للحؤول دون تمرير مشروع القرار الفلسطيني العربي. وبالتالي جل التركيز الفلسطيني يفترض ان يتجه للولايات المتحدة، وليس لاي جهة أخرى. لكن هذا لا يمنع صانع القرار من البحث عن الاسباب، التي حالت دون تصويت الدول الاخرى، والعمل على تجاوزها لاحقا، لا سيما ان معركة مجلس الامن، لن تنتهي بفشل التصويت السابق. رغم الادراك المسبق، بأن الفيتو الاميركي سيبقى سيفا مسلطا على اي مشروع قرار عربي او اممي يهدف لدعم الحقوق الوطنية.
وإذا توقف المرء امام امتناع نيجيريا عن التصويت لصالح القرار السابق، فإن المنطق يستدعي طرح عدد من الاسئلة على الذات الوطنية والعربية قبل مساءلة الدولة الافريقية المسلمة، التي كان يفترض ان تتبنى موقف منظمة التعاون الاسلامي. ومن الاسئلة الموضوعية: لماذا انكفأت نيجيريا في آخر لحظة عند دعم القرار؟ وما هي الاغراءات الاقتصادية والمالية والعسكرية، التي قدمت لها؟ أولم يكن بامكان الاشقاء العرب تعويضها عن تلك الاغراءات؟ أم انها لا تثق باي وعود عربية؟ ولماذا لم تلتزم بموقف منظمة التعاون الاسلامي؟ ألا يجوز ان تكون نيجيريا كررت مواقف دول شقيقة او اسلامية تجاه قضايا اخرى، ولم تتخذ دول المجموعة الاسلامية اي مواقف ضدها؟ وألا يعتقد بعض المراقبين، ان الدولة الافريقية عبر معلوماتها الاستخبارية والدبلوماسية، تنادي لصناع القرار فيها، ان هناك دولاً شقيقة او صديقة غير معنية بنجاح تمرير مشروع القرار لاعتبارات خاصة بها؟ وألا يمكن ان تكون من خلال تقديرها لحالة الضعف والتفكك العربية، رأت ان مصلحتها تكمن في عدم التصويت لصالح القرار؟ اولم تنكفئ العديد من الدول العربية عن الاهتمام بالقضايا والدول الافريقية، وتركتها لقمة سائغة لاسرائيل والغرب عموما واميركا خصوصا؟ ولماذا لم يدقق والعرب أكثر في مصالح الدول الاعضاء في مجلس الامن، ويأخذوها بعين الاعتبار، ويقدموا لها الدعم الكفيل بالحؤول دون نكوصها او تراجعها؟ او ليست اميركا لاعباً مؤثراً في صناعة قرار الغالبية العظمى من الدول الشقيقة والاسلامية، وبالتالي اوصلت رسالة لنيجيريا بعدم الخشية من ردود الفعل العربية؟ ألا يمكن ان تكون القيادة النيجيرية خشيت من السطوة الاميركية بالعبث في شؤونها الداخلية في حال صوتت لصالح القرار، لا سيما ان كيري اجرى سلسلة مكثفة من الاتصالات المباشرة مع كل الدول الاعضاء في مجلس الامن مهددا ومتوعدا بعظائم الامور ضد من يصوت لصالح القرار، الامر الذي وضع نيجيريا بين خيارين احلاهما مر؟
الاسئلة كثيرة جدا، والنتيجة باتت ماثلة للعيان، والقيمة الاساسية مما حصل، هي استخلاص الدرس والعبرة في المعارك المقبلة. خاصة وان منبر مجلس الامن سيبقى ساحة صراع مع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية ومن يقف خلفها ويدعمها بشكل اعمى، كما بلاد العم سام. النتيجة المنطقية لمعالجة الموقف النيجيري والدول الاخرى، يتمثل بعدم القطيعة مع تلك الدول، والعمل على البحث في الاسباب، التي دفعتها لتغيير موقفها من دعم القضية الفلسطينية، وايجاد السبل لتعزيز العلاقات معها ومع دول القارة السوداء من خلال سياسة عربية مشتركة، وقطع الطريق على إسرائيل واميركا لاحقا.
الضغوط لا تحل اية مشكلة ولا تؤدي إلا للانفجار
حديث القدس – جريدة القدس
لا يوجد منطق سياسي اسوأ من المنطق الاميركي ولا يوجد موقف سياسي اسوأ من المواقف الاسرائيلية. لقد فاوضنا نحو عشرين عاما ثم توقفنا، واعطينا الاميركيين فرصة تسعة اشهر بعد وعود منهم، ولم نحصل سوى على مزيد من الاستيطان ومصادرة الارض وتقطيع اوصال الضفة وتهجير المواطنين ورفض الالتزام بالمرجعيات الدولية والعودة الى حدود ١٩٦٧ مع تبادل للاراضي متفق عليه.
وذهبنا الى الامم المتحدة وقدمنا الى مجلس الامن مشروع قرار فيه تعديلات كثيرة ولا يطالب بالعموم سوى بتحديد مدة ثلاث سنوات لانهاء الاحتلال من خلال التفاوض. ومع هذا فقد عارضت واشنطن وضغطت كثيرا حتى افشلت المشروع.
ويتساءل كل فلسطيني وكل انسان عاقل ما الذي علينا ان نفعله وما المطلوب منا لكي نحقق السلام المنشود، ما دامت المفاوضات قد فشلت وما دامت اسرائيل ترفض التجاوب مع متطلبات السلام بموجب المعاهدات والقوانين الدولية وما دام مشروعنا لانهاء الاحتلال قد فشل بسبب واشنطن وانحيازها الاعمى الى اسرائيل.
لم يبق سوى التوجه الى المؤسسات الدولية وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية على امل استصدار قرارات ومواقف تساعدنا في معاقبة ومحاسبة الذين يحتلون ارضنا ويرفضون التجاوب مع متطلبات السلام، لاننا بالتأكيد لا نستطيع ولا نقبل ان تفشل المفاوضات ويفشل المسعى في مجلس الامن ونظل نتفرج على الاحتلال وممارساته المدمرة دون القيام باي تحرك سلمي أساسا.
لقد غضبت اسرائيل كما غضبت أميركا وبدأت التهديدات بفرض عقوبات على السلطة الوطنية. واشنطن تحذر من قطع المساعدات المالية واسرائيل ترفض دفع مستحقات الضرائب التي تقدر بمئات ملايين الشواكل. وهذه الاموال ليست "منحة" اسرائيلية ولا كرما منها وانما هي اموالنا المستحقة من الضرائب التي تقبضها اسرائيل، وتجميدها لا يتعدى كونه سرقة رسمية وعلنية تقدم بها دولة ضد دولة أخرى. وهناك ضغوط اقتصادية وسياسية كثيرة يستطيع الاحتلال ان يفرضها كما ان واشنطن تستطيع فرض عقوبات متعددة وتضغط على دول اخرى لفرض عقوبات، وهم مخطئون اذا اعتقدوا اننا سوف نستسلم لهذه الضغوط ونستجيب لاطماعهم التوسعية ونقبل ان نظل سلطة بلا سلطة وان نظل شهود زور على ضياع ارضنا وانتهاك حقوقنا ... لان مثل هذه الضغوط لن تؤدي في النهاية إلا للانفجار باشكال وصور مختلفة.
وفي هذا السياق فان الدول العربية مطالبة بتوفير شبكة للامان المالية التي التزمت بها في قمم عربية سابقة ولم تنفذها حتى اليوم ... بل ان هناك ما هو اكثر من ذلك، وهو ان الدول العربية قادرة لو توفرت الارادة والقرار، ان تضغط على واشنطن نفسها. فهل يسمعون وهل يردون على الضغوط التي تهددنا بها اسرائيل واميركا ؟!
هل نستخلص العبر من موقف نيجيريا في مجلس الامن؟
الكاتب: الدكتور عقل أبو قرع – معا
ما بعد التوقيع على اتفاقية نيويورك وتنفيذ احكام المحكمين الأجنبية
الكاتب: د. إيهاب عمرو- معا
الفكر التربوي العربي .. خطط واستراتيجيات متعثرة
بقلم/ د. حنا عيسى – استاذ القانون الدولي pnn
نحو فهم أعمق للحراك السياسي
طلال عوكل - جريدة الايام
نبض الحياة - سؤال برسم الاجابة
عمر حلمي الغول - جريدة الحياة
الضغوط لا تحل اية مشكلة ولا تؤدي إلا للانفجار
حديث القدس – جريدة القدس
هل نستخلص العبر من موقف نيجيريا في مجلس الامن؟
الكاتب: الدكتور عقل أبو قرع – معا
شكل فشل المسعى الفلسطيني في مجلس الامن الدولي الاسبوع الماضي، مفاجأة وربما صدمة للبعض، وبالاخص بعد التصريحات التي سمعناها، وفي الساعات الاخيرة قبل التصويت، بأن هناك على الاقل تسعة اصوات مؤكدة، اي انها كانت ستصوت لصالح الاقتراح الفلسطيني، ولكن التغير او التغيير او التذبذب في الموقف النيجيري، من الموافقة الى الامتناع عن التصويت، ادى الى عدم قبول الاقتراح من خلال عدم الحصول على الاصوات التسعة وبالتالي تمريرة على الاقل في المرحلة الاولى.
رغم التأكد من اصطدام المسعى الفلسطيني بالفيتو الامريكي لاحقا، الا ان التغييرفي الموقف النيجيري، ادى الى حالة من الارباك والمرارة والتساؤلات عند الجانب الفلسطيني، ورغم عدم التفاؤل بامكانية التطبيق العملي لهذا القرار على الارض، الا ان تغير الموقف النيجيري، وحسب ما تم ذكرة خلال الساعة او خلال النصف الساعة الاخيرة قبل التصويت، يتطلب منا العمل من اجل استخلاص العبر والمواقف والدورس من هذا الوضع، لان ذلك سوف يكون مهم لخطوات او لاقتراحات او لمشاريع مستقبلية، وبالاخص حين يكون لها انعكاسات على الارض وعلى حياة الناس وعلى مستقبلهم؟
ورغم النجاح الكبيرللقيادة الفلسطينية وللدبلوماسية الفلسطينية، في الحصول على قرارات مهمة، وبالاخص من اكبر جسم دولي غير ملزم، اي من الجمعية العامة للامم المتحدة والتي تضم في اطارها كل الدول الاعضاء البالغ عددها 192 دولة، حيث كان اخر هذه النجاحات، قبل حوالي اسبوع، من خلال تصويت 165 دولة، وفقط معارضة 6 دول، هي امريكا وكندا واسرائيل وبعض الجزر الصغيرة في المحيط، لصالح قرار يعترف بحق الشعب الفلسطيني بالسيادة الكاملة، على كافة مصادرة الطبيعية من ارض ومن مياة وما تحويهما، وكذلك الحق في التعويض من سلطات الاحتلال الاسرائيلي، بسبب استغلال او ايذاء هذه المصادر، او بسبب الاضرار البيئية التي الحقها، الا ان قرارات مجلس الامن، بأهميتها وبالزامها وبضجيجها، وبعلاقتها بالامن والسلام والحروب، تبقى هي الاهم، وبالتالي من المفترض ايلاء ما يتمخض عنها، كل الاهتمام والمتابعة والدراسة، واستخدام كل الاوراق الممكنة؟
وفي الحالة الاخيرة، وبالاخص في حالة تغير الموقف النيجيري، فالسؤال المطروح وفي اطار استخلاص العبر او في اطار النقد الذاتي الابجابي، او في اطار تجنب تكرار ذلك في المستقبل، هو هل كان هناك متابعة او تواصل او استمرارية للتواصل، للتأكد من الايفاء او من الابقاء على الوعد، سواء اكان ذلك من قبل الطرف النيجيري او من غيرة، واذا كانت هناك شكوك بأحتمالات التغيير في الموقف، فهل تم دراسة هذه الشكوك او تم محاولة ايجاد الاجابة عليها، او محاولة التخفيف منها، او التعامل معها بجدية؟
وهل تم ومن اعلى المستويات الدبلوماسية من جانبنا، التواصل ومع اعلى المستويات عند الطرف النيجري او غيرة من الاطراف الاخرى المترددة، مع العلم ان وكالات الانباء كانت قد ذكرت، وقبل ساعات او اقل من التصويت على مشروع القرار في مجلس الامن الدولي، عن قيام رئيس الوزراء الاسرائيلي، باجراء اتصالات، وصفت بأنها سريعة وهامة، مع ثلاث من الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي، وبالتحديد مع الدول الافريقية، وما اثارة هذا الاتصال الاخير، من تعهدات او من وعود او مساعدات او ضغوطات او غير ذلك من الامور، البعيدة عن المبادئ والحقوق الانسانية الدولية، والتي عادة تصب في خانة المصالح والامتيازات، سواء اكانت امتيازات للدولة او للاشخاص في تلك الدولة؟
ورغم ان الطرف الفلسطيني، ليس بالطرف القوي ماديا او اقتصاديا او عسكريا او تكنولوجيا، او حتى على صعيد التقدم الزراعي او الصحي والطبي، والذي يمكن ان يتيح لزعماء افارقة لزيارة اسرائيل للعلاج، ومنهم على سبيل المثال الرئيس النيجيري، وبالتالي الضعف في اللعب بورقة المصالح والمساومات والوعود والضغوطات، الا انة وبعيدا عن الحق الانساني والعدل والمواثيق الدولية، يمكن ان يستخدم الورقة العربية والاسلامية وحتى الورقة الافريقية، من خلال التواصل مع دول اعضاء في مجلس الامن الدولي، ومن خلال لغة المصالح والامتيازات والاتفاقيات، هذا رغم التشتت والانقسام العربي، ورغم الابتعاد عن الموضوع الفلسطيني كاولوية للعديد من الدول في المنطقة وغيرها؟
حيث انة ما زال هناك المال العربي، والعلاقات الاقتصادية العربية، سواء السعودية او الخليجية او غيرهما، مع دول افريقية وغيرها، وهناك كذلك العمق والتأثير الكبير ل مصر في افريقيا، وهناك البعد الاسلامي وبالاخص عند الشعوب والمؤسسات والهيئات في العديد من هذه الدول، وهناك العديد من الاوراق الاخرى، والتي نعلم ان الدبلوماسية الفلسطينية تعرفها وتعلم متى وكيفية الاستفادة منها اكثر منا؟
ولكن الدرس الاخير في مجلس الامن الدولي، يفرض علينا الدراسة والتمحيص واستخلاص العبر، وبالتحديد العبر فيما يتعلق بالمتابعة واستمرارية التواصل، وعدم اخذ الامور او المواقف والتعهدات كمسلمات، وبالاخص بعد الاخبار عن التدخل الاسرائيلي ومن خلال اعلى المستويات مع اطراف افريقية، ودراسة واستخلاص العبر مهم، لكي لا يتكرر هذا السيناريو في المستقبل، وفي قرارات او اقتراحات ربما تكون اهم، ولعدم تكرار ذلك، من خلال لعبة المصالح والضغوط والوعود، سواء مع اطراف افريقية او اسلامية او من اوروبا او من امريكا الجنوبية، او حتى ربما تكون في المرة القادمة اطراف عربية؟
ما بعد التوقيع على اتفاقية نيويورك وتنفيذ احكام المحكمين الأجنبية
الكاتب: د. إيهاب عمرو- معا
تم إقرار اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية New York) Convention) من قبل مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بالتحكيم التجاري الدولي الذي انعقد في مدينة نيويورك سنة 1958. وتعد اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية ، أفضل ما تم التوصل إليه في نطاق الاعتراف بأحكام المحكمين وتنفيذها. من جانب، تعتبر هذه الاتفاقية بمثابة تعديل كبير بالنسبة لاتفاقية جنيف (Geneva Convention) لعام 1927 الخاصة بتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية. حيث أن اتفاقية نيويورك تعد أكثر فعالية في تحصيل الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي . وقد حلت محل اتفاقية جنيف فيما يتعلق بالدول التي تعتبر أطرافاً في كلتا الاتفاقيتين . من جانب آخر، تعطي الاتفاقية أثراً أكثر اتساعا لصلاحية اتفاق التحكيم من تلك التي كانت معطاة وفقاً لبروتوكول جنيف (Geneva Protocol) لعام 1923. والاتفاقية حلّت محل البروتوكول فيما يتعلق بالدول التي تكون ملتزمة بكليهما. وقد وصفت الاتفاقية من قبل بعض شراح التحكيم التجاري الدولي بأنها : " الركيزة الأكثر أهمية التي يستند إليها صرح التحكيم الدولي ". وعلى الرغم من أن اتفاقية نيويورك تشير إلى الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، فإنها تبحث أيضاً في مسألة الاعتراف والتنفيذ غير المباشر لاتفاقات التحكيم. وتتكون الاتفاقية من 16 مادة، تعالج مسألة الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في إقليم الدولة المنضمة إليها. وفي إعلانها الافتتاحي أخذت الاتفاقية موقفاً ملفتاً للنظر حيث تضمنت النص على أن الحكم الصادر في دولة معينة حتى لو لم تكن طرفاً في اتفاقية نيويورك، فإنه يكون معترفاً به وواجب التنفيذ بواسطة أي دولة أخرى تكون طرفاً في الاتفاقية. كما تسمح الاتفاقية للدول الملتزمة بها، أن تعمل تحفظين على الاتفاقية؛ الأول على أساس المعاملة بالمثل أو التبادلية (Reciprocity)، والثاني هو التحفظ التجاري (Commercial Reservation)، وبهذا فإن الاتفاقية تتميز بالوضوح وسهولة الفهم. وقد تركت الاتفاقية الحرية للدول في وضع التحفظات التي تتلاءم مع سياستها التشريعية، وعلاقاتها مع الدول الأخرى، وذلك بهدف جذب أكبر عدد ممكن من الدول للانضمام إلى الاتفاقية.
وقد تضمن قانون التحكيم الفلسطيني رقم 3 لسنة 2000 نصوصاً تتناول العديد من المواضيع ذات العلاقة بالتحكيم التجاري الدولي، والمتوافقة مع النصوص الواردة في اتفاقية نيويورك. ومن ذلك تضمن قانون التحكيم الفلسطيني مبادئ تعد من أهم المبادئ التي يرتكز عليها التحكيم الدولي بشكل عام مثل تحديد نوعي التحكيم (الخاص والمؤسسي) في المادة (3) منه، تحديد نوعي اتفاق التحكيم (شرط التحكيم ومشارطة التحكيم) في المادة (5/1) منه، التأكيد على الحرية الممنوحة للأطراف في اختيار القواعد القانونية الواجبة التطبيق على إجراءات التحكيم - في التحكيم الخاص تحديداً- في المادة (18) منه، الاعتداد بإرادة الأطراف في اختيار القانون الموضوعي الذي يحكم النزاع في المادة (19) منه، الاعتراف بمبدأ الحق بالطعن ضد قرار التحكيم أمام المحكمة المختصة في المادة (43) منه، مع عدم إمكانية التنازل عن هذا الحق. أخيراً، تضمن قانون التحكيم الفلسطيني التأكيد على منح قرار التحكيم الأجنبي ذات القوة التنفيذية والأثر القانوني التي تكون لقرارات المحاكم بعد أن يتم الاعتراف به "تصديقه" من قبل المحكمة المختصة في المادة (47) منه، إذ أنه في حالة تنفيذ قرار تحكيم أجنبي، فلا بد أن يقترن التنفيذ بالاعتراف. بحيث يتم تنفيذ قرار التحكيم بالصورة التي تنفذ فيها القرارات الصادرة عن المحاكم الفلسطينية، في حالة رفض التنفيذ الطوعي من قبل الطرف الخاسر في القضية. ويلاحظ أيضاً قيام قانون التحكيم الفلسطيني بإيراد الأسباب التي يستطيع الطرف الخاسر في القضية التمسك بها عند الدفع برفض التنفيذ أمام المحكمة المختصة وذلك في المادتين (47، 48) منه، والتي تتعلق بأطراف عملية التحكيم، اتفاق التحكيم، المحكمون، إجراءات التحكيم وقرار التحكيم ذاته. غير أن قانون التحكيم الفلسطيني قدم الأسباب التي تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها أو ما يعرف باسم "أسباب الدولة" على الأسباب التي يثيرها الخصم، عكس ما فعلت الاتفاقية. ونرى أن فانون التحكيم الفلسطيني قد أعطى سمواً للاتفاقات الدولية ومن ضمنها اتفاقية نيويورك، ذلك أنه في حالة تعارض قرار التحكيم مع الاتفاقية، فإن المحكمة لا تقوم بتنفيذه من تلقاء نفسها، وذلك بموجب المادة 48 من القانون والتي أجازت للمحكمة المختصة رفض تنفيذ قرار التحكيم الأجنبي من تلقاء نفسها إذا كان القرار لا يتفق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المعمول بها في فلسطين.
وعليه، نرى أن قانون التحكيم الفلسطيني يتماثل في العديد من نصوصه مع أحكام اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية لسنة 1958، سواء كان ذلك بشكل مباشر، أو بشكل ضمني. ويظهر هذا الأمر جلياً من خلال النصوص التي أوردها قانون التحكيم الفلسطيني، والتي تتناول موضوعة الاعتراف وتنفيذ قرار التحكيم الأجنبي، حيث تتشابه نصوص القانون الفلسطيني إلى حد بعيد مع النصوص الواردة في اتفاقية نيويورك. ويمكن أن نعزو ذلك إلى كون أن الاتفاقية المذكورة تعتبر من أهم الاتفاقيات التي تتناول المسائل ذات العلاقة بالتحكيم التجاري الدولي، من جهة. ولكون أن عدداً كبيراً من الدول في العالم، يعتمد هذه الاتفاقية بشكل رسمي، بحيث تعتبر جزءاً لا يتجزأ من التشريع الداخلي لهذه الدول، من جهة أخرى. ولا يفوتنا في هذا الصدد الإشارة إلى أن واضعو قانون التحكيم الفلسطيني لسنة 2000 قد أخذوا بعين الاعتبار عند إعداد القانون، إمكانية انضمام فلسطين إلى الاتفاقية، وهو ما استلزم تهيئة القانون الفلسطيني كخطوة استباقية، عبر المواءمة ما بين النصوص التي يتضمنها قانون التحكيم الفلسطيني - ذات العلاقة بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية تحديداً- مع أحكام اتفاقية نيويورك، بحيث تكون فلسطين ملتزمة بأحكام هذه الاتفاقية، كباقي الدول الأخرى المتعاقدة.
بناءً على ما سبق، يتبين لنا مدى أهمية التوقيع على الانضمام إلى اتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية، خصوصاً بعد منح دولة فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة، بحيث أنه سيكون من الممكن تنفيذ قرارات التحكيم الصادرة في بلد أجنبي في فلسطين، بعد اتباع الاجراءات القانونية الخاصة بالاعتراف وتنفيذ هذا النوع من القرارات، والمنصوص عليها في قانون التحكيم الفلسطيني سالف الذكر. وكذلك تلك الواردة في قانون التنفيذ رقم 23 لسنة 2005، وتحديداً المواد (38،37،36،8) منه، والتي تتضمن أحكاماً تتعلق بتنفيذ قرارات التحكيم الأجنبية، بما يعزز ثقة المستثمر الأجنبي بالنظام القانوني في فلسطين وكذلك في القضاء الفلسطيني، وهو ما قد يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني. غير أن ذلك قد يتطلب تدخلاً من قبل السيد الرئيس بما له من صلاحيات تشريعية نص عليها القانون الأساسي من أجل تعديل قانون التحكيم الفلسطيني، بحيث يتم اعتبار اتفاقية نيويورك جزءً لا يتجزأ من القانون الوطني، كما فعلت كثير من الدول المتقدمة سواء كانت تتبع النظام القانوني اللاتيني مثل ألمانيا واليونان، أو تتبع النظام القانوني الأنجلوسكسوني مثل بريطانيا، كما سبق وأسلفنا. كما قد يتطلب التوقيع على الانضمام لاتفاقية نيويورك تعزيز الاهتمام بالمحاكم الفلسطينية، والتي سوف تضطلع بمهمة تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية بما لذلك من أهمية وتأثير على الاقتصاد الوطني، من خلال رفد الجهاز القضائي بالقضاة المتخصصين في التحكيم التجاري الدولي، ممن لديهم المهارات والخبرات اللازمة والمعرفة الكافية بالتحكيم الدولي عموماً، وبأحكام اتفاقية نيويورك خصوصاً. إضافة إلى هذا وذاك، فإن ثمة أهمية قصوى في عقد ورشات عمل تعريفية للعاملين في القطاع الاقتصادي بكافة مكوناته سواء كانوا أفراداً أم شركات حول أهمية وفعالية التحكيم التجاري الدولي كوسيلة لحل منازعات التجارة الدولية، بما يمكنهم من إبرام عقود تجارية مع أفراد أو شركات أجنبية، تتضمن شروط تحكيمية تضمن تسوية النزاعات التي قد تنشأ عن طريق التحكيم، وهو ما قد يبعث بالطمأنينة والثقة لدى المتعاقد الأجنبي بإمكانية تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في دولة أجنبية في فلسطين عن طريق المحاكم الفلسطينية المختصة.
الفكر التربوي العربي .. خطط واستراتيجيات متعثرة
بقلم/ د. حنا عيسى – استاذ القانون الدولي pnn
إن التربية السليمة لا تفيد الفرد فقط بل تفيد المجتمع بأكمله، والتربية تكون بمعرفة الفرد ما هو الخير وتقديره إياه، وهو ايضاً المنطق الأساسي لتكريس قيم الأصالة في المجتمع في إطار مشروع حضاري متكامل.
والتربية قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض. ففي المجتمعات البدائية لم تكن هناك مدارس على الإطلاق، وكان الأطفال يتعلمون من خلال خبرات القبيلة في الواقع البيئي، تلك الخبرات التي كانت تمارس يومياً حسب المواسم المناخية وأساليب الصيد والرعي والزراعة والحرف المختلفة. كما كان التعليم مرتبطاً بالطقوس والعقائد الدينية وأنماط العبادة التي كانت سائدة، بالإضافة إلى خبرات القتال دفاعاً وهجوماً، وخبرات حفظ البقاء غذاءً وشراباً وتناسلاً، وأخطار اتّقاء الطبيعة، والتكيف معها ومع الظروف الطارئة والمتغيرات البيئية.
والتربية مرت عبر التاريخ الإنساني بأطوار ومراحل كثيرة، وقام المربون خلالها بأدوار عديدة متشابهة أحياناً ومتناقضة أحياناً أخرى لتحقيق أهداف المجتمعات في حياة الأجيال الصاعدة ضمن إطار البيئات الثقافية والمعطيات المادية التي وجدوا فيها. ولقد كانت كل تلك الخبرات شفاهية وعملية تطبيقية واقعية إلى أن اخترع الإنسان الكتابة فبدأ حينذاك نوع جديد من الخبرات ووسائل نقلها مهدّت لظهور المدارس كمؤسسات متخصصة للتعليم والتدريب، والتوجيه والتثقيف والتوعية فيما بعد حسب تطور المجتمعات وأساليب عيش الأفراد ضمن هذه المجتمعات.
والفكر هو إسم لعملية تردد القوى العاقلة المفكرة في الإنسان، سواء أكان قلباً أو روحاً أو ذهناً بالنظر والتدبر، لطلب المعاني المجهولة أو الوصول إلى الأحكام أو النسب من الأشياء، وعرف الفكر التربوي، بأنه عبارة عن جزء من فكر إنساني مبدع، يتسم بالديناميكية والتطور المستمر في ميدان التربية ويستند إلى تاريخ المجتمع وفلسفته وثقافته وصفاته وحاجاته.
ان التربية السليمة مهمة جداً فإن لها تأثير ايجابي على الفرد والمجتمع، كما ان التربية تعرف بأن يعلم الفرد بما هو الخير ويتقيد به، بالاضافة الى انه المنطق لتكريس قيم الاصالة بالاخص في المجتمع، كما انه مع تقدم الزمن والعصور وتتابع الازمان والاجيال اصبح هناك تطور في الفكر التربوي، وبدأ البحث في مضامين الفكر التربوي بالاضافة الى الاهتمام في الفكر التربوي وتطلعاته، والبحث في اساليب الفكر التربوي واغراضه، كما ان في التربية الاجتماعية عدة مبادئ منها حق النفس، وحق العقل، بالاضافة الى حقوق اخرى ايضاً وهي حق العرض والمال والدين.
*خصائص الفكر التربوي العربي المعاصر:-
1- إذا كان حاضر الفكر التربوي العربي يشكل انحطاطا بالنسبة لماضيه التربوي، فإن مستقبل هذا الفكر يجب أن يتحقق عبر العودة اللامشروطة إلى نقطة البداية قصد استدراك وتعويض ما ضاع في الفترة الفاصلة بين ذلك الماضي الحافل بالنظريات والاتجاهات التربوية، حيث توجد تلك السلسلة من المباحث التربوية التي صاغها مفكرون أمثال: ابن خلدون والغزالي وابن سينا وابن سحنون والقابسي وغيرهم، حول تعليم الطفل وتربيته وإعداده للمستقبل والحاضر التربوي المتأزم الذي يشكو من بعض القصور والنواقص وعلى رأسها الإطناب المعرفي الممل والحشو المعلوماتي الرهيب اللذان يميزان محتوياته وبرامجه على حساب الانتقاء الكيفي للمعارف والمعلومات وتدبيرها المعرفي الهادف. ويعود هذا الإطناب وهذا الحشو إلى كون أن هذه البرامج والمحتويات، حتى وإن لم تكن منقولة بالحرف عن مناهج وتربويات المجتمعات الغربية البعيدة كل البعد عن المشاكل والتحديات الحقيقية التي تواجه المجتمع العربي، فهي على الأقل منسوخة بطريقة مختزلة ومجتثة من السياق السوسيوتاريخي الذي أفرزها أو نسخت عنه.
2- التأرجح بين موقفين لإنشاء الفكر التربوي العربي المنشود وإخراجه إلى حيز الوجود. فمن جهة هناك موقف دعاة الأصالة والمحافظة على الموروث الفكري الحافل بالنظريات والاتجاهات التربوية القيمة. ومن جهة أخرى يوجد موقف دعاة المعاصرة والتلمذة على الغرب وذلك باستبدال اللغة والأساتذة والبرامج المحلية بالكفاءات والخبرات والأدوات الأجنبية. فالمطلوب هو تقليد الغرب ومحاكاته في تصوراته وممارسته التربوية قصد حرق المراحل واللحاق بركب الحضارة العالمية وتربوياتها الحديثة التي لا ترى في إحياء التراث التربوي أو إعادة اكتشاف فتراته الزاهرة الوسيلة المثلى للاستمرار في تألقها وازدهارها.
3- الفكر التربوي العربي ما يزال يتخبط في متاهات ودوائر لامتناهية من المشاكل والصعوبات التي تحكم على خططه واستراتيجياته بالتعثر وعلى جهوده ووعوده باليأس وعلى توجهاته وآفاقه بالانسداد. فرغم اختلاف الرؤى والتصورات وتباين الوسائل والطرق وتناقض المنطلقات والمرجعيات، فإن محددات هذا الفكر وبإجماع الكثيرين ماتزال تقليدية في محتوياتها ومضامينها، محافظة في أسسها ومبادئها، جامدة في أهدافها وغاياتها ورافضة لروح العصر ومقوماته المتطورة. فواقعه يبدو شديد التأزم.
*مشاكل ونواقص الفكر التربوي العربي:-
أ- رغم كل الجهود المبذولة في مجال تطوير المنظومة التربوية العربية، فإن الأهداف المسطرة لسياسة سد منابع الأمية بإلزامية التعليم لم تتحقق كما كان متوقعا لها .
ب- الأمية أصبحت مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين تشكل وبأنواعها: الأبجدية والثقافية والتكنولوجية التي تستغرق على التوالـي (53%) و(80%) و(99%) من سكان الوطن العربي الحاجز المنيع أمام التنمية العربية في أبعادها المختلفة: الفردية والجماعية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية.
ج- غربة الفكر التربوي عن محيطه الاجتماعي وفي محدودية نتائجه التنموية. فالملاحظ أننا نحن العرب لم نأخذ بعد تحديات القرن الجديد مأخذ الجد، ولم يدرك صانعو القرار لدينا أن التربية والتعليم هما المفتاح الأساسي لكل تقدم أو تطور مرتقب.
نحو فهم أعمق للحراك السياسي
طلال عوكل - 05 كانون الثاني 2015 – جريدة الايام
المتابع لسياسة الولايات المتحدة الأميركية إزاء المنطقة العربية عموماً، وملفات الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي، لن يجد فيها خطأً واحداً، يشذّ عن القواعد الثابتة التي تحدد رسوخ التحالف الأميركي الإسرائيلي، بصرف النظر عن كل ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات للقوانين والأعراف الدولية، وما ترتكبه من جرائم.
الرهان على خلافات وتناقضات، وتضارب مصالح بين الدولتين، هو ضرب من الخيال، والوهم، الذي لا يمكن غفرانه.
ربما كانت إدارة الرئيس باراك أوباما، الأكثر تعرضاً، للإهانات، وأحياناً التحدي السافر من قبل حكومات بنيامين نتنياهو، إلى الحد الذي يسيل له لعاب بعض المراهنين على استثمار ما ينجم عن ذلك من ردات فعل، حتى لو كانت شخصية من باب الدفاع عن الكرامة، غير أن الإدارة الأميركية الراهنة، لم تسجل على نفسها خطأ اتخاذ عقوبات بحق الشريك المشاكس. على العكس من ذلك تماماً فلقد سجلت إدارة الرئيس أوباما، المزيد من التراجع عن مواقف عارضتها إسرائيل، إلى أن كان هناك من يطرح سؤال من يقود سياسة الولايات المتحدة في هذه المنطقة أوباما أم نتنياهو.
النموذج الذي تقدمه سياسة الإدارة الأميركية إزاء التوجه الفلسطيني العربي إلى مجلس الأمن، ومحافل الأمم المتحدة، وإزاء انضمام دولة فلسطين إلى عشرين اتفاقية ومعاهدة دولية، بما في ذلك معاهدة روما، هذا النموذج، يعود ويضع الولايات المتحدة على رأس أعداء الحرية وأعداء الشعب الفلسطيني.
الولايات المتحدة، لا تشعر بالحرج وهي تعارض وترفض حقاً طبيعياً لدولة فلسطين، ولا تتورّع عن استخدام سلطة الفيتو، لإفشال الحق الفلسطيني والتلويح بعقوبات سياسية ومالية بحق السلطة الفلسطينية، إن هي، ترجمت عملياً وفعلت حضورها على المستوى الدولي، ومن خلال المحاكم الدولية، ما ينسف مزاعمها، وأكاذيبها عن حقوق الشعوب، وحقوق الإنسان، وتبنيها لقيم الحرية والديمقراطية.
كلاهما الولايات المتحدة وإسرائيل، يكرر، التزامه بقيم الحرية، والعدالة والديمقراطية، لكنها ديمقراطية مفزعة، مشوهة حين تتصل بالشعوب والأقوام الأخرى، فعند المساس بمصالحهما الأنانية، تنتهي حدود الحرية، وتنتهي حدود الأخلاق.
في الواقع فإن من يقرر الذهاب إلى الأمم المتحدة، والانضمام إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية، لم يكن ليغيب عنه، ان هذا التوجه سيستدرج ردود فعل عقابية، وإجرامية من قبل الولايات المتحدة قبل إسرائيل، ولذلك لا بأس في أن يكون هناك ثمن معلوم مسبقاً لمثل هذه القرارات لكن ما يغيب عن بال صُنّاع القرار الأميركيين والإسرائيليين أنهم هم من أوصلوا الحال إلى ما هي عليه، وان هذا الخيار أقل تكلفة بكثير من الاستمرار في الخيارات التي سادت خلال العقدين الماضيين.
من يتوجه إلى مجلس الأمن، بمشروع قرار لإنهاء الاحتلال، وهو يعرف سلفاً أن حظوظه من النجاح صفر، بسبب الفيتو الأميركي، يكون قد قرر أن يدشن مرحلة من التحول عن طريق العقدين السابقين، والتخلي عن مرجعيات وآليات التفاوض السابقة، والاحتكار الأميركي للملف، ونحو فتح الصراع والاشتباك.
من الطبيعي أن يكون مثل هذا التحول مدفوع الثمن، ولكن عليه أن يبحث في إمكانية تقليص هذا الثمن ما أمكن ذلك، وتعظيم فرص التقدم نحو تحقيق إنجازات، ما كان بالإمكان تحقيقها عبر خيارات العقدين السابقين. القرار الذي لم يحقق النجاح في مجلس الأمن، يبدو وكأنه جزء من عملية ترويض، وتكييف لمواقف المجتمع الدولي، وبالأخص مواقف وسياسات التحالف الأميركي الإسرائيلي، هذه المواقف والسياسات التي يترتب عليها أن تتعود على نمط جديد مختلف من التفكير والسلوك الفلسطيني.
ومن الواضح أن فشل القرار الفلسطيني العربي في مجلس الأمن والأرجح أنه فشل مدروس، هو الذي حضر وهيّأ، لقرار الرئيس محمود عباس، الذي يقضي بالتوقيع على عشرين اتفاقية ومعاهدة دولية، من بين أهمها اتفاقية روما.
في هذا الخصوص، يبدو أنه لا معنى خطيراً للخلافات الفلسطينية التي اندلعت على خلفية القرار الذي فشل في مجلس الأمن، سواء من حيث الصياغات والمضامين، أو من حيث آليات اتخاذه، وكان بإمكان الرئيس عباس تجاوز ذلك، بقليل من الجهد، عبر الاهتمام بمواقف وآراء الشركاء من داخل المنظمة ومن خارجها، وفي شرح أبعاد هذا التكتيك السياسي.
إذا كانت آليات اتخاذ القرار تسجل قصوراً على الرئيس محمود عباس، فإن ثمة قصوراً آخر متعمداً عند الآخرين، الذين لا يحاولون تفهم أبعاد هذا التكتيك، والذين اتخذوا من ذلك القصور فرصة لمواصلة حملة الاتهامات، كتعبير عن استمرار حالة الانقسام.
هذه الحال الفلسطينية البائسة، تحمل القيادة الفلسطينية وقيادات العمل الوطني مسؤوليات تاريخية كبيرة، فما دام التوجه يذهب متدرجاً نحو الاشتباك والمواجهة، فإن من الأولى أن يتم تحصين الجبهة الداخلية بأقصى سرعة، وأن تتم معالجة الصدع الفلسطيني في اتجاه استجماع كل أوراق القوة.
ويفترض هذا التوجه إلى المجتمع الدولي، أن يكون استجابة لمتغيرات داخلية، أهم متطلباتها بالإضافة إلى استعادة الوحدة، تنشيط وتطوير المقاومة الشعبية بكافة أشكالها.
إذا كان ذلك مهما وضروريا، لخوض المجابهة مع الاحتلال المدعوم كل الوقت من قبل الولايات المتحدة، فإن من الضروري معالجة آليات اتخاذ قرار الحرب والسلم، لتحقيق التكامل بين أشكال المقاومة، والتكامل في الأداء السياسي، حتى لا يخرب بعضنا على البعض الآخر، أو أن يقدم للاحتلال ذرائع لمضاعفة الثمن الذي يترتب على الفلسطينيين دفعه نتيجة هذا التحول.
إذا اعتبرنا أن التوجه إلى مجلس الأمن بمشروع قرار إنهاء الاحتلال، وبعد ذلك الانضمام إلى عشرين معاهدة دولية، مجرد بدايات لطريق طويل مختلف فإن الطريق مفتوح أمام المزيد من التحديات الصعبة، التي ستنجم حتماً عن ردود فعل التحالف الأميركي الإسرائيلي، وما صدر منها حتى الآن مجرد بداية إذ ليس هذا كل ما لدى هذا التحالف من ردود إجرامية.
نبض الحياة - سؤال برسم الاجابة
عمر حلمي الغول - جريدة الحياة
الادارة الاميركية، هي القوة، التي استخدمت نفوذها للحؤول دون تمرير مشروع القرار الفلسطيني العربي. وبالتالي جل التركيز الفلسطيني يفترض ان يتجه للولايات المتحدة، وليس لاي جهة أخرى. لكن هذا لا يمنع صانع القرار من البحث عن الاسباب، التي حالت دون تصويت الدول الاخرى، والعمل على تجاوزها لاحقا، لا سيما ان معركة مجلس الامن، لن تنتهي بفشل التصويت السابق. رغم الادراك المسبق، بأن الفيتو الاميركي سيبقى سيفا مسلطا على اي مشروع قرار عربي او اممي يهدف لدعم الحقوق الوطنية.
وإذا توقف المرء امام امتناع نيجيريا عن التصويت لصالح القرار السابق، فإن المنطق يستدعي طرح عدد من الاسئلة على الذات الوطنية والعربية قبل مساءلة الدولة الافريقية المسلمة، التي كان يفترض ان تتبنى موقف منظمة التعاون الاسلامي. ومن الاسئلة الموضوعية: لماذا انكفأت نيجيريا في آخر لحظة عند دعم القرار؟ وما هي الاغراءات الاقتصادية والمالية والعسكرية، التي قدمت لها؟ أولم يكن بامكان الاشقاء العرب تعويضها عن تلك الاغراءات؟ أم انها لا تثق باي وعود عربية؟ ولماذا لم تلتزم بموقف منظمة التعاون الاسلامي؟ ألا يجوز ان تكون نيجيريا كررت مواقف دول شقيقة او اسلامية تجاه قضايا اخرى، ولم تتخذ دول المجموعة الاسلامية اي مواقف ضدها؟ وألا يعتقد بعض المراقبين، ان الدولة الافريقية عبر معلوماتها الاستخبارية والدبلوماسية، تنادي لصناع القرار فيها، ان هناك دولاً شقيقة او صديقة غير معنية بنجاح تمرير مشروع القرار لاعتبارات خاصة بها؟ وألا يمكن ان تكون من خلال تقديرها لحالة الضعف والتفكك العربية، رأت ان مصلحتها تكمن في عدم التصويت لصالح القرار؟ اولم تنكفئ العديد من الدول العربية عن الاهتمام بالقضايا والدول الافريقية، وتركتها لقمة سائغة لاسرائيل والغرب عموما واميركا خصوصا؟ ولماذا لم يدقق والعرب أكثر في مصالح الدول الاعضاء في مجلس الامن، ويأخذوها بعين الاعتبار، ويقدموا لها الدعم الكفيل بالحؤول دون نكوصها او تراجعها؟ او ليست اميركا لاعباً مؤثراً في صناعة قرار الغالبية العظمى من الدول الشقيقة والاسلامية، وبالتالي اوصلت رسالة لنيجيريا بعدم الخشية من ردود الفعل العربية؟ ألا يمكن ان تكون القيادة النيجيرية خشيت من السطوة الاميركية بالعبث في شؤونها الداخلية في حال صوتت لصالح القرار، لا سيما ان كيري اجرى سلسلة مكثفة من الاتصالات المباشرة مع كل الدول الاعضاء في مجلس الامن مهددا ومتوعدا بعظائم الامور ضد من يصوت لصالح القرار، الامر الذي وضع نيجيريا بين خيارين احلاهما مر؟
الاسئلة كثيرة جدا، والنتيجة باتت ماثلة للعيان، والقيمة الاساسية مما حصل، هي استخلاص الدرس والعبرة في المعارك المقبلة. خاصة وان منبر مجلس الامن سيبقى ساحة صراع مع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية ومن يقف خلفها ويدعمها بشكل اعمى، كما بلاد العم سام. النتيجة المنطقية لمعالجة الموقف النيجيري والدول الاخرى، يتمثل بعدم القطيعة مع تلك الدول، والعمل على البحث في الاسباب، التي دفعتها لتغيير موقفها من دعم القضية الفلسطينية، وايجاد السبل لتعزيز العلاقات معها ومع دول القارة السوداء من خلال سياسة عربية مشتركة، وقطع الطريق على إسرائيل واميركا لاحقا.
الضغوط لا تحل اية مشكلة ولا تؤدي إلا للانفجار
حديث القدس – جريدة القدس
لا يوجد منطق سياسي اسوأ من المنطق الاميركي ولا يوجد موقف سياسي اسوأ من المواقف الاسرائيلية. لقد فاوضنا نحو عشرين عاما ثم توقفنا، واعطينا الاميركيين فرصة تسعة اشهر بعد وعود منهم، ولم نحصل سوى على مزيد من الاستيطان ومصادرة الارض وتقطيع اوصال الضفة وتهجير المواطنين ورفض الالتزام بالمرجعيات الدولية والعودة الى حدود ١٩٦٧ مع تبادل للاراضي متفق عليه.
وذهبنا الى الامم المتحدة وقدمنا الى مجلس الامن مشروع قرار فيه تعديلات كثيرة ولا يطالب بالعموم سوى بتحديد مدة ثلاث سنوات لانهاء الاحتلال من خلال التفاوض. ومع هذا فقد عارضت واشنطن وضغطت كثيرا حتى افشلت المشروع.
ويتساءل كل فلسطيني وكل انسان عاقل ما الذي علينا ان نفعله وما المطلوب منا لكي نحقق السلام المنشود، ما دامت المفاوضات قد فشلت وما دامت اسرائيل ترفض التجاوب مع متطلبات السلام بموجب المعاهدات والقوانين الدولية وما دام مشروعنا لانهاء الاحتلال قد فشل بسبب واشنطن وانحيازها الاعمى الى اسرائيل.
لم يبق سوى التوجه الى المؤسسات الدولية وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية على امل استصدار قرارات ومواقف تساعدنا في معاقبة ومحاسبة الذين يحتلون ارضنا ويرفضون التجاوب مع متطلبات السلام، لاننا بالتأكيد لا نستطيع ولا نقبل ان تفشل المفاوضات ويفشل المسعى في مجلس الامن ونظل نتفرج على الاحتلال وممارساته المدمرة دون القيام باي تحرك سلمي أساسا.
لقد غضبت اسرائيل كما غضبت أميركا وبدأت التهديدات بفرض عقوبات على السلطة الوطنية. واشنطن تحذر من قطع المساعدات المالية واسرائيل ترفض دفع مستحقات الضرائب التي تقدر بمئات ملايين الشواكل. وهذه الاموال ليست "منحة" اسرائيلية ولا كرما منها وانما هي اموالنا المستحقة من الضرائب التي تقبضها اسرائيل، وتجميدها لا يتعدى كونه سرقة رسمية وعلنية تقدم بها دولة ضد دولة أخرى. وهناك ضغوط اقتصادية وسياسية كثيرة يستطيع الاحتلال ان يفرضها كما ان واشنطن تستطيع فرض عقوبات متعددة وتضغط على دول اخرى لفرض عقوبات، وهم مخطئون اذا اعتقدوا اننا سوف نستسلم لهذه الضغوط ونستجيب لاطماعهم التوسعية ونقبل ان نظل سلطة بلا سلطة وان نظل شهود زور على ضياع ارضنا وانتهاك حقوقنا ... لان مثل هذه الضغوط لن تؤدي في النهاية إلا للانفجار باشكال وصور مختلفة.
وفي هذا السياق فان الدول العربية مطالبة بتوفير شبكة للامان المالية التي التزمت بها في قمم عربية سابقة ولم تنفذها حتى اليوم ... بل ان هناك ما هو اكثر من ذلك، وهو ان الدول العربية قادرة لو توفرت الارادة والقرار، ان تضغط على واشنطن نفسها. فهل يسمعون وهل يردون على الضغوط التي تهددنا بها اسرائيل واميركا ؟!