Haneen
2015-02-03, 12:14 PM
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gifفي هذا الملـــــف:
v من الذي يعطل الانتخابات؟!
بقلم: حديث القدس – القدس
v خطوات فلسطينية مهمة... ولكن
بقلم: علي جرادات – القدس
v كتاب ورسامون متخفّون أو مقتولون
بقلم: ناصر السهلي – القدس
v نحو فهم أعمق للحراك السياسي
بقلم: طلال عوكل – الايام
v غزة: أمنيات بداية العام
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
v فـي زمـن الـلامـعـقــول: الأقلام في مواجهة الرصاص
بقلم: د. فيحاء عبد الهادي – الايام
v كلمة الحياة الجديدة - "شارلي إيبدو " سؤال التوقيت والغاية
بقلم: رئيس التحرير – الحياة
v مدارات - غيبوبة التطرف وجنونه
بقلم:عدلي صادق – الحياة
v نبض الحياة - الارهاب في باريس
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
من الذي يعطل الانتخابات؟!
بقلم: حديث القدس – القدس
الدعوات التي أطلقتها عدة فصائل فلسطينية في غزة أمس لحكومة الوفاق الوطني للبدء بالاستعدادات اللازمة لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والدعوة الى اجتماع الإطار القيادي لمنظمة التحرير وكذا تكثيف الجهود لإعادة إعمار غزة، هذه الدعوات التي انطلقت إثر اجتماع لم تشارك فيه حركة «فتح» وبعض الفصائل الأخرى تثير العديد من التساؤلات من جهة وتطرح مجددا موضوع الانتخابات والشرعية السياسية بقوة على جدول الأعمال الوطني في الوقت الذي لا زالت فيه الساحة الفلسطينية تعيش وتعاني انقساما مأساويا بكل تداعايته وآثاره.
من الواضح تماما لكل فلسطيني أن ولاية المجلس التشريعي وكذا الرئاسة انتهت منذ وقت طويل وان الانتخابات التي هي حق أساسي لكل فلسطيني كان يفترض ان تجري منذ وقت طويل ايضا الا ان ما شهدته الساحة الفلسطينية من انقسام وكذا العدوان الاسرائيلي المتواصل على شعبنا وحقوقه شكلت سببا او ذريعة لتعطيل النظام السياسي الفلسطيني وضربة للشرعية الفلسطينية لتأجيل هذه الانتخابات في الوقت الذي غاب فيه دور المجلس التشريعي المفترض سواء بسبب الانقسام او بسبب الاعتقالات الاسرائيلية للكثير من نوابه . الاّ ان هذا الوضع يطرح تساؤلا رئيسيا: الى متى سيظل المواطن الفلسطيني رهينة لهذا الانقسام ومحروما من حقه الطبيعي في قول كلمته في صندوق الاقتراع؟!
واذا كان اتفاق المصالحة الأخير قد نص على تشكيل حكومة وفاق وطني يكون من مهامها الأساسية التحضير لإجراء انتخابات عامة خلال ستة أشهر عدا عن تطبيق باقي بنود المصالحة فاننا نلاحظ ان هذه المهمة لا زالت تراوح مكانها ونفس الحكومة ما زالت غير قادرة على أداء مهامها في قطاع غزة بسبب استمرار سيطرة «حماس» هناك، ولذلك فإننا نواجه معضلة حقيقية سواء في طبيعة الاستعداد لهذه الانتخابات في الوقت الذي يخيم فيه الانقسام على المشهد وفي الوقت الذي يسعى فيه الاحتلال الاسرائيلي لإحباط أية خطوة من شأنها وأد هذا الانقسام.
ومع كل ذلك فان ما يجب ان يقال هنا إنه من غير المعقول او المقبول ان يبقى المواطن الفلسطيني رهينة لهذا الانقسام وان يصادر حقه في الانتخاب والترشح وأن يستمد النظام السياسي الفلسطيني شرعيته بواسطة ذرائع وأسباب أقل ما يقال فيها انها واهية وانها من صنع الانقساميين انفسهم.
ولذلك نقول أنه طالما ان حركتي «فتح» و «حماس» وغالبية الفصائل الفلسطينية تعلن نظريا قبولها لمبدأ اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية فمن الأجدر التوصل الى صيغة اتفاق حول آليات إجراء هذه الانتخابات في ظل الأوضاع المعقدة التي تعيشها الساحة الفلسطينية على ان تعلن كافة الفصائل استعدادها للقبول بنتائج هذه الانتخابات والعمل بموجبها.
ومن الواضح أن هذه الانتخابات تكتسب أهمية خاصة في الوقت الذي طالما أعلنا فيه ايماننا بالديمقراطية والتعددية السياسية ونص على ذلك القانون الأساسي الفلسطيني ولذلك فان شرعية النظام السياسي وشرعية القيادات الفلسطينية تستمد أساسا من صندوق الاقتراع.
ولهذا لا بدّ من المسارعة الى التوصل الى هذا الاتفاق ثم بدء الاستعداد لإجراء هذه الانتخابات التي ستعكس نتائجها إرادة الشعب الذي هو في الأصل صاحب السيادة. وبذلك نقدم للعالم أجمع إثباتا آخر على جدارة الجانب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته الفلسطينية على ترابه الوطني، دولة القانون واحترام حقوق الانسان بما فيها حق الانتخاب.
وفي المحصلة، فقد حان الوقت كي تدرك كل الفصائل ان من الأجدر العودة للشعب وتمكينه من قول كلمته في صناديق الاقتراع وبذلك يمكن ايضا حسم مسألة الانقسام والحديث بصوت واحد امام العالم اجمع وحشد الجهود والطاقات لمواجهة التحديات الجسام التي يشكلها الاحتلال الاسرائيلي من جهة وتفعيل النضال الفلسطيني بصوت واحد على الساحة الدولية في الطريق نحو الحرية والاستقلال.
خطوات فلسطينية مهمة... ولكن
بقلم: علي جرادات – القدس
قرار قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بانضمام دولة فلسطين إلى ميثاق روما وقبول اختصاص محكمة الجنايات الدولية بدءاً من 13 حزيران 2014 قرار مهم وذو مغزى، سواء لناحية أنه خطوة في إطار خطوات سابقة تسير، وإن بتدرج، على طريق تدويل ملف القضية الفلسطينية وإخراجه من دوامة الرعاية الأمريكية المعادية والمفاوضات الثنائية العقيمة والضارة مع الحكومات الاسرائيلية، أو لناحية أنه يتيح لكل مواطن في دولة فلسطين، ولكل منظمة حقوقية فلسطينية فيها، التقدم بشكوى إلى هذه المحكمة لمقاضاة مسؤولي الحرب الإسرائيليين، ذلك لأن هذه المحكمة محكمة للأفراد ومحكمة مَن لا محكمة له..
ما يعني أن مقاضاة هؤلاء المسؤولين صارت في متناول يد كل مواطني دولة فلسطين حتى لو افترضنا أن القيادة الرسمية الفلسطينية ربما تتلكأ في تقديم الشكاوى، أو تُحجم عن تقديمها لحين يطول أو يقصر، ارتباطاً بحسابات سياسية تراعي التهديدات والضغوط متعددة المجالات والأشكال والجنسيات، في مقدمتها ما بُدئ بتنفيذه فعلياً: قرار الحكومة الاسرائيلية المتمثل في قرارها بعدم تحويل عائدات المقاصة المُستحقة ل"السلطة الفلسطينية"، وفق "اتفاق باريس الاقتصادي"، وتهديدات حليف إسرائيل الاستراتيجي الثابت الولايات المتحدة بوقف مساعداتها للفلسطينيين، وتحريضها لغيرها من دول العالم والمنظمات الدولية والإقليمية لفعل الأمر ذاته .
وكل ذلك دون أن ننسى ما للولايات المتحدة هذه، (وهي الدولة العظمى الأولى)، من عوامل القوة والحلفاء والنفوذ والتأثير، دولياً وإقليمياً، وما في سجل إداراتها المتعاقبة من تنكب ثابت المضمون متغير الأشكال للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه المشروعة، ذلك منذ تولت قيادة دول الاستعمار الغربي خلفاً ل "بريطانيا العظمى" بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وهو العداء المُعبر عنه فيما تقدمه، (بسخاء وبلا انقطاع)، للجانب الاسرائيلي، من دعم مالي وعسكري وأمني وسياسي ودبلوماسي، وفيما اتخذته من مواقف ضد حق الشعب الفلسطيني المشروع في تقرير المصير .
وللتدليل لا الحصر، فقد استخدمت الولايات المتحدة في مجلس الأمن 40 "فيتو" ضد مشاريع قرارات إما تؤيد الحق الفلسطيني في تقرير المصير والتخلص من الاحتلال أو تدين إسرائيل ك"دولة" احتلال وتطالب بمحاسبتها وإلزامها باحترام القانون الدولي وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
مؤخراً استخدمت إدارة أوباما "الفيتو الاستباقي" لمنع حصول مشروع القرار الفلسطيني - العربي ل"إنهاء الاحتلال" على النصاب القانوني اللازم للتصويت عليه، رغم ما أُدخل عليه من تعديلات جوهرية، أملاً في تجاوز "الفيتو" الأمريكي .
بذلك أثبتت الولايات المتحدة بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل أن مواقفها من القضية الفلسطينية أكثر إسرائيلية، حتى من بعض الجهات الإسرائيلية التي ما انفكت تحذر من عواقب عنجهية سياسة حكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو، وبالذات من عاقبة حشر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وإجبارها على تنفيذ تهديداتها بفرط تعاقد "أوسلو" السياسي والتحلل من جميع التزاماته، والأمنية منها بالذات .
وهذا هو الخيار الذي لم يعد أمام القيادة الفلسطينية إلا الإقدام عليه، شاءت ذلك أو أبت، تقدم الأمر أو تأخر، طالما أن المطلب الأمريكي منها هو الامتناع عن تدويل القضية الفلسطينية لمصلحة استئناف المفاوضات الثنائية العقيمة ذاتها التي تُستغل لتعميق الاحتلال وتوسيع الاستيطان والتهويد لما تبقى بيد الفلسطينيين من أرضهم .
أما لماذا؟
لئن كان العداء الأمريكي و"الغربي" الاستعماري، عموماً، للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه المشروعة هو ما جعل إسرائيل، "دولة" معترفاً بها، بل "دولة" فوق القوانين الدولية والإنسانية، فإنه المسؤول أيضاً عن وصول نحو 25 عاماً من مفاوضات "مدريد-أوسلو" إلى طريق مسدود لا مخرج منه إلا بمغادرة الإستراتيجية العربية الفلسطينية القائمة على معادلة أن "99% من أوراق حل الصراع بيد الولايات المتحدة" لمصلحة بناء استراتيجية جديدة أساسها القناعة بأن الأساسي من مسؤولية إفشال التوصل لتسوية متوازنة للصراع، فما بالك بالحل العادل له، تتحمله الولايات المتحدة .
بقي القول: لنجاح خطوات القيادة الفلسطينية المتدرجة لتدويل القضية الفلسطينية، بما فيها خطوة الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، ثمة حاجة لتوافر شروط أساسية، أهمها إنهاء الانقسام الداخلي العبثي والمدمر، وتهيئة الحالة الشعبية الفلسطينية وتعبئتها وتحشيدها لكل الاحتمالات، والدعم السياسي والدبلوماسي والمالي العربي لهذه الخطوات . ودون ذلك تفقد خطوات القيادة الفلسطينية، وهي المهمة بلا ريب أو شك، كثيراً من القدرة على مواجهة الضغوط والعراقيل الأمريكية و"الغربية" عموماً، فضلاً عن الإجراءات والتهديدات الإسرائيلية، التي تعترض سبيل تحويل هذه الخطوات من خطوات دبلوماسية قانونية مهمة إلى استراتيجية سياسية نضالية جديدة قادرة على تغيير ميزان القوى، والخروج من دوامة خيار المفاوضات الثنائية العقيمة برعاية أمريكية .
إن المواجهة السياسية والميدانية الشاملة مع الجانب الاسرائيلي المدعوم أمريكياً، وغربياً عموماً، قاسية، لكنها مفروضة، ولا مجال لتجنبها أو تأخيرها الذي لن يفضي إلا إلى ابتلاع المزيد من الأرض الفلسطينية وتهويدها، وإلى المزيد من العدوان والاستباحة الشاملة لكل ما هو فلسطيني، وإلى فرض المزيد من حقائق الرؤية الاسرائيلية وشروطها التي تستهدف تصفية القضية والرواية والحقوق الفلسطينية من جميع جوانبها . تلك هي حقائق ماضي وحاضر ومستقبل الصراع كما برهنت صيرورته الواقعية على مدار قرن من الزمان.
كتاب ورسامون متخفّون أو مقتولون
بقلم: ناصر السهلي – القدس
الاعتداء في باريس على "شارلي إيبدو" فتح النقاش على مصراعيه حول استهداف الفنانين والصحافيين. والأمر ليس حديثاً بل يمتد إلى فترة أثينا القديمة، ففيها لوحق هؤلاء لإغلاق الفم والعقل. ثيو فان غوخ ولارس فيكس وكورت فيسترغوورد ولارس هيداغوورد وسلمان رشدي وناصر خضر وأحمد عكاري وغيرهم من تلك الأسماء...
أولى القضايا الصادمة للعقل الشعبي الغربي في مسائل "التحريم" كانت فتوى بحق سلمان رشدي عام 1989. هي فتوى بالقتل باعتباره ارتكب إثماً كبيراً في "آيات شيطانية" 1988. سلمان رشدي مطلوب رأسه حتى اليوم بزيادة قيمة الدفع لمن يقوم بالعمل إلى 3.3 ملايين دولار. والفتوى ليست صادرة عن شيخ مغمور، بل عن رأس دولة رحل وورث من يأتي بعده قدسية تلك الفتوى التي كلفت أرواح عشرات الأشخاص استهدافاً لكل من ساهم بنشر "آيات شيطانية"، وهو ما يتناوله الإعلام الغربي كمادة دسمة كلما أراد تذكير مواطنيه بأصل "همجية " ذلك "الآخر" الذي تحاك حوله أساطير "لا يمكن أن يتعايش هؤلاء مع الحرية والديمقراطية، بل لا يستحقونها".
ثيو فان غوخ، مخرج هولندي عرف من خلال أعمال مستفزة للعالم الإسلامي، أطلق عليه النار في أحد شوارع أمستردام عام 2004. والسبب، فيلمه الناقد لحياة المرأة في ظل الإسلام. القاتل يعيش خلف القضبان محكوم عليه بالمؤبد كإرهابي.
كورت فيسترغوورد رسام كاريكاتور دنماركي في منتصف السبعينيات الآن، هو اليوم تحت حماية جهاز استخبارات بلاده وبأموال دافعي الضريبة. وتعرض فيسترغوورد لمحاولات قتل متعددة وظلت التهديدات تصدر بحقه خلال عقد، وقبل أربع سنوات جرت محاولة قتله في مدينة آرهوس، حين وصل أحد الصوماليين متعرفاً إلى سكنه حاملاً فأساً لتصفيته.
لارس فيكس فنان ومحاور سويدي تعرف العالم إليه في 2007 حين رسم النبي محمد بصورة تهكمية، حين كان الجدل كبيراً عن صحيفة يولاندس بوستن. وصلته تهديدات عدة من القاعدة، وفي 2010 هُجم عليه أثناء إلقاء محاضرة له في جامعة أوبسالا. دخلت حركة الشباب الصومالية على الخط وطالبت برأسه، وهو أيضاً يعيش متخفياً بحماية استخبارات بلاده.
نحو فهم أعمق للحراك السياسي
بقلم: طلال عوكل – الايام
هل يعلم صناع القرار، وصناع الأحداث، وصناع المآسي والآلام وإن بغير ما يقصدون، أن الكتابة والحديث في السياسة، قد أخلت مقامها من أولوية اهتمام المواطن الفلسطيني؟ قد يدرك أو لعله لا يريد المسؤول أن يدرك بأن هموم الناس اليومية، وأزماتهم الحياتية، قد أصبحت على رأس أولويات المواطن، الذي يدفع ثمن شعارات وأوهام وفبركة انتصارات وإنجازات، لا يلمس منها سوى المزيد من الآلام والمزيد من الدمار، والخراب.
المدوّنون، وشباب «الفيسبوك»، الذين يقدمون بعض التعليقات الساخرة، ويفرغون ما في دواخلهم من غضب، أخذوا يستحوذون على اهتمام الجمهور الفلسطيني، حتى لو أن غضبهم وكبتهم مسور بما يعايشونه من عجز يبدو وكأنه مستحكم إلى حد الشلل.
يسأل المواطن، وهو يعرف مسبقاً الجواب، ولكن بأمل أن يجد لدى المحللين والكتاب ورواد الفضائيات ما يبدل قناعاته، بشأن الغد، فإذا جاء الجواب مطابقاً لمدركاته توقف عن السؤال، وأما إن تلقى جواباً يبشره بنصر أو إنجاز فإنه يكتفي بابتسامة ساخرة، هي أكثر تعبيراً عن واقع الحال من ساعات طويلة من التحليلات والتبريرات التي تفتقر إلى الالتزام والمسؤولية واحترام عقول البشر.
غادر الوفد الوزاري قطاع غزة، قبل أن تنتهي المدة المقررة لبقائه، فهو لم يحمل جديداً، ينعش بعض الآمال فضلاً عن أنه قوبل بعبارات الترحيب، وسلوك الاحتجاج، حتى أصبحت الزيارة بحد ذاتها، مادة صالحة لتغذية وتصعيد حملة الاتهامات المتبادلة بين طرفي الأزمة والانقسام، وخطوة نحو تعميق الإحباط بشأن إمكانية تحقيق المصالحة.
الناس لم يعودوا يهتمون لا بالحراك السياسي، الخارجي أو الداخلي ولا بالهموم الوطنية، والأهداف الكبيرة، ولا بكل الخطابات التي تتحدث عن الصمود، والاستعداد للتضحية. الناس يصمدون بحكم الأمر الواقع، ورغماً عنهم، فلقد أصبحت الرغبة في الهجرة أقوى من أن تنجح الوطنية الفلسطينية في إقناعهم بخطورة مثل هذه الرغبة.
تفكر أحياناً، في ملف إغلاق معبر رفح، بالكامل لأشهر، لا يعرف أحد، متى يتوقف هذا الإغلاق، وهذا القهر للحرية، ويتحكم فيك تناقض شديد، ذلك أن فتح المعبر يشكل ضرورة وطنية عامة، وفردية، وضرورة إنسانية وحقاً قانونياً، أما بقاؤه مغلقاً، فإنه قد يشكل كابحاً لهجرة خطيرة لا تتوقف الرغبة في ركوب مغامرتها على الشباب والعاطلين عن العمل وإنما تمتد لعائلات بأكملها، ولكبار في السن تجاوزوا إلى مرحلة التقاعد.
دخلت «هدى» قوية، عاتية، ألزمت معظم الناس على البقاء في منازلهم، وعطلت قدرة الناس على العمل والحركة وفرضت على الأجواء عتمة، أقرب إلى لحظات الغروب في فصل الشتاء، تبدو «هدى» وكأنها تعبر بالنيابة عن غضب الناس عن سوء أحوالهم، ولكنها تذكرهم بأن القادم أصعب، طالما ظلوا محكومين لثنائية وتضارب المصالح والرؤى بين حركتين كبيرتين، تحول الناس إلى رهائن عندهما.
قبل حلول موعد المنخفض الجوي العاصف الذي سمّته الأرصاد العربية «هدى»، كان برنامج التيار الكهربائي، قد بلغ، أسوأ ذراه، حيث يتم وصله لأربع ساعات خاضعة للخصم، واثنتين قطع. المسؤولون عن ملف الكهرباء وهم ليسوا من المهنيين فقط وإنما بعضهم بل أغلبهم سياسيون قالوا إن السولار الصناعي الذي دخل إلى قطاع غزة، على مدى بضعة أيام، قد تم تخزينه، بهدف استخدامه في ظروف الطوارئ التي ستنجم عن غضب «هدى»، غير أن أحدهم قال إنه لا يضمن توفر التيار الكهربائي حتى الساعة.
دخلت «هدى» هادرة، جامحة، وظل برنامج التيار الكهربائي على حاله، مع تحسن طفيف، يصل إلى ساعة زيادة عما كان من قبل.
المسألة ليست ترفاً، ولا ملفاً يتم استغلاله لتحميل هذا الطرف أو ذاك المسؤولية، وحتى أنها لم تعد فقط مسألة متطلبات حياتية روتينية، وهي تتخذ طابع العدوان القاسي على بشر لم يستفيقوا بعد من هول العدوان الإسرائيلي الأخير. لا نعتقد أن أي مسؤول سياسي مستعد لأن يكابد ما يكابده الكثير من الناس، الذين يسكنون في زاوية، تحت أنقاض البيت المدمر، أو الذين لم يتمكنوا من إصلاح نوافذهم، فاستبدلوا الزجاج بأغطية من النايلون. ولا نظن أن وفاة أربعة أطفال، بالحرائق خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بسبب غياب التيار الكهربائي، لا نظن أن هذه الحوادث، ستتحول إلى ملفات تحظى باهتمام، فلقد تحولت وأصحابها إلى أرقام عابرة، يتم توظيفها في سياق التبرير، أو لكيل الاتهامات إلى الآخر.
بصراحة لم أبد أدنى اهتمام للتفكير في أسباب هذه الأزمة، ولا أريد أن أعرف، رغم كثرة الشروحات والتبريرات، فالأزمة موجودة ومتفاقمة، ومستمرة منذ سبع سنوات، بدون حلول وبدون أن يكلف مسؤول نفسه الحديث عن حلول قريبة.
إذا كان من غير المجدي إعادة تذكير المسؤول السياسي بجملة الأزمات التي تعصف بحياة الناس، وفي أولاها قضية إعادة الإعمار، فإنني أتساءل بحرقة شديدة، عن إمكانية معالجة بعضها، فقط بثمن زهيد، ذلك أن قضية المعابر وإعادة الإعمار تتطلب قراراً، بالتنازل عن الشراكة المطلوبة لصالح عودة السلطة وحدها لتسلم المعابر، ما يؤدي إلى معالجة هذين الملفين... إذا بقيت الحال على خيار إما أو فإننا سنظل في مربع مكانك سر.
غزة: أمنيات بداية العام
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
لو قدر للمرء أن يمتلك حقيبة مليئة بالأمنيات مثل طير في قفص، كلما تحقق منها أمنية أطلقها في الهواء ليخفق جناحاها بحرية وسعادة، ولو قدر له أن يسعى في مناكبها من اجل ان يطلق عقال أمنياته مثل قربة ريح مثقوبة، ولو وقف المرء بعد ذلك على سني عمره يعدد ما فيها من فرح وأحزان ووجد ان كفة الفرح طافحة بالخير، لو عرف ان خلاصة كل هذه سعادة مطلقة لظن أنه يحلم.
نفسي أن أتصالح انا والكهرباء، أن نصبح أصدقاء بمعنى الكلمة. يفتقد الواحد منا الآخر، يشتاق له، لأن علاقتي مع الكهرباء علاقة من طرف واحد: أنا فقط الذي يشتاق لها، أنا الذي يفتقدها، انا الذي أجلس بفارغ الصبر أعد الثواني المتبقية حتى وصولها مثل عاشق يقف في محطة القطار ينتظر وصول محبوبه. يعني حباً من طرف واحد. بل أبعد من ذلك هي لا تعاملني حتى كصديق قديم تتذكره بالخير، فعلى الأقل مر زمن ليس بالبعيد كنا أصدقاء مقربين جداً، حيث كانت تقطع للحظات، وحين تغضب لساعات قليلة. لو كانت باقية على العشرة ولو عزت عليها الأيام الخوالي، لكانت على الأقل أبقت على شعرة معاوية. بل هي تمعن في الردة والحرد ولوي البوز. فما أن أحاول أن أتأقلم على مواعيد وصولها حتى تفلت من بين يدي كما يفلت الماء من بين الأصابع، تهرب بخفة وثقل رياح المنخفض الجوي «هدى». قد يستغرقني الأمر أسبوعاً وأنا أحاول أن أحفظ جدول انقطاع التيار الكهربائي، وقبل أن أهنئ نفسي بأنني نجحت أخيراً في حفظ المواعيد حتى تتغير دون سابق إنذار. في الحقيقة في مرات كثيرة أشفق على عامل الشركة الذي يقوم بقطع التيار بعد سويعات من وصوله، إذ إنه يتلقى دعاوى بالهلاك وقطع اليد والحرمان أكثر من تعداد الشعر في رأسه.
نفسي أيضاً أن تسمعني شركة الكهرباء وتسمع شكاوى مئات آلاف المواطنين أمثالي. الشركة لا تقيم وزناً لكل شكاوى المواطنين. كما ان نفسي أن يقوم مسؤول فيها بتقديم شرح منطقي لما يحدث بشرط ان لا يرمي كل شيء على كاهل الآخرين وكأن دوره في الشركة ليس إلا تقديم الأعذار والتبريرات وليس الحلول.
نفسي أن ينتهي الانقسام حتى لا يصبح لأحد عذر في رمي كل فشل غزة على كاهله، حتى بات المرء يمكن أن يصدق أن جارته تطلقت من جارهم بسبب الانقسام، او أن تحصيل ابنه متدنٍ في المدرسة بسبب الانقسام (هناك من يقول إن هذا وارد). نفسي ان ينتهي هذا الشيء المقيت المسمى انقساماً حتى نرتاح ونرتاح من الأعذار فالكهرباء لا تأتي، بسبب الانقسام، وإعادة الإعمار واقفة مثل كرفانات أصحاب البيوت المهدمة بسبب الانقسام، والمجاري تطفح امام أول زخة مطر بسبب الانقسام، وربما الجو بارد وعاصف بسبب الانقسام. مرت الآن أعوام ثمانية وربما تمر أعوام ثمانية عشر وثمانية وعشرون والانقسام بكامل شبابه وعنفوانه. ونفسي أيضاً أن نطلب من كل من يريد أن يحمل غزة أكثر مما تحتمل متدثراً بعباءة الانقسام أن يتقي الله فينا قليلاً وان يدرك أننا مللنا، وان حلمنا صار تجاوز البقع السوداء التي تركها الانقسام على أجسادنا. من منا لم يمل كل الأسطوانات المشروخة التي يرددها الكثيرون حول الانقسام! من منا لا يساوره الخوف من أن يموت قبل أن يموت الانقسام! من منا لا يحلم بأن كل ما يجري كابوس وليس واقعاً يعيشه! من منا لا يريد لهذه اللعبة أن تنتهي ويبدأ بكتابة القصيدة!!
نفسي أن أقرر أن أسافر وأن أحمل حقيبتي كما يفعلون في الأفلام واتجه صوب المطار أو الحدود وأغادر مثلما يفعل أي مواطن حر وشريف في أرضه. أن لا أفكر مليون مرة قبل أن يمر خاطر السفر ببالي، فأتعذب وأتألم لأنني اعرف أن السفر من غزة مثل الخروج من خرم الإبرة، وأن التفكير فيه متعب وممل وجارح للمشاعر الوطنية. نفسي ان يكون السفر مثل أي شيء آخر في الحياة في متناول اليد - هل من يقول إن ثمة أشياء كثيرة في غزة ليست في متناول اليد؟. على الأقل أن يكون ثمة حدود وثمة فرص لعبور الحدود. غزة سجن كبير، حتى كلمة كبيرة تبدو في غير محلها لأن السجن سجن حتى لو كانت مساحته مئات آلاف الكيلومترات، طالما لا تقدر أن تخرج منه. فعل الإرادة الغائب والعجز الأكبر من مقدرة التحمل، والحاجز الأعلى من قفزتك في الهواء - هذا إن تمكنت من القفز.
نفسي أن يتمكن أطفالي من أن يروا العالم خارج غزة؛ لا أن يكبروا مثل معظم سكان غزة وهم لا يعرفون شكل العالم خارجها. كل سنة أعدهم أن نقوم في الصيف بإجازة خارجية؛ على أقل تقدير لمصر الأقرب والأسهل في الوصول او تركيا. وكل سنة أعرف أن عرقوباً كان سيخجل مني وهو يسمعني أعدهم، لأنه يعرف مثلي ان التخطيط للحظة القادمة في غزة حلم لا يصير حقيقة حتى بمعجزة.
نفسي أن أركب البحر من غزة، ركبته من غيرها لكني مثل كل سكان غزة لا نعرف طعم السفر من بحر غزة. يبدو البحر لوحة جميلة معلقة على جدار الغرفة الكبيرة، غرفة السجن الكبيرة التي اسمها غزة، لكنها صورة لا تعبرها إلى ما خلفها. تقف قبالة الموج وتعرف ان الموجة التي تضرب قدميك أكثر حظاً منك لأنها سافرت بلاداً وبلاداً وجابت شواطئ وشواطئ، اما انت فتقف امام البحر لا تعرف منه إلا صخبه وغضبه والحمم التي تصدر من البوارج الرابضة فوق جسده المائج.
نفسي أن أذهب للسينما مساء الخميس مع أطفالي أو أصدقائي أو ان اذهب للمسرح أو للمكتبة العامة. نفسي أن أحلم بالمستقبل ولا أجدني أفكر في العقبات لا في الفرص المتاحة، أن انظر بخفة في الغد ولا أجهد عينيّ دون أن تريا شيئاً، أن أقف على تفاصيل اللحظة القادمة بقليل من الثقة دون ان تواجهني تفاصيل مضادة تبدد كل ما أحلم به.
عام جديد تبدو فيه الأمنيات مغرية ويبدو التقاط المستقبل أكثر طموحاً رغم ضبابية الجو وصعوبة الرؤية وقسوة الواقع.
فـي زمـن الـلامـعـقــول: الأقلام في مواجهة الرصاص
بقلم: د. فيحاء عبد الهادي – الايام
يتصاعد اللامعقول عبر العالم، حتى نخال أننا أمام لوحة سيريالية!
باسم الدين ترتكب المذابح، ويغيب العقل، والمنطق، وينصِّب المتشددون أنفسهم قضاة وجلادين، ليصدروا أحكاماً قاطعة ضد من يعتقدون أنهم كفرة أو مرتدون، ويعملون على إنفاذ أحكامهم بأيديهم، وبأسلحتهم.
وحين يسود الجهل والتعصب وضيق الأفق، وينعدم الحوار والنقاش وتقبل الآخر؛ ينتعش فن السخرية، ويعبر عن نفسه بأشكال سلمية متعددة؛ الأغنية، والموسيقى، والكاريكاتور، والمسرح، والفن التشكيلي، والشعر، والأدب، والنكتة، والقصة.
هذه الفنون التي تغدو وسيلة للنقد المبطن تارة وللنقد العلني تارة أخرى، ووسيلة للتعبير عن المعتقدات والآراء، في وجه محاولة تكميم الأفواه، والسيطرة على المشاعر، ودغدغتها، باسم الدين مرة، وباسم أولي الأمر مرة، وباسم مصلحة الوطن مرات.
*****
رغم أن الهجوم على فناني صحيفة "شارلي إيبدو" (Charlie Hebdo)، كان متوقعاً بعد التهديدات التي تلقوها مراراً وتكراراً؛ إلاّ أنهم واصلوا نشر رسوماتهم الكاريكاتورية، دون أن يكترثوا أو يخضعوا للتهديدات.
وعبر عن موقفهم قول رئيس تحرير الصحيفة "ستيفان تشاربونيز": "أن أموت واقفاً خير من الركوع حياً".
وإذا كان هدف المهاجمين - الذين نجحوا في قتل اثني عشر مواطناً فرنسياً، بينهم عشرة صحافيين، لدى هجومهم على مبنى الصحيفة - إخافة كل من يحاول السخرية من الأديان، والتعبير الحر عن رأيه؛ فقد فشلوا؛ لأن الفرنسيين بشكل عام، والعالم الحر بأسره، أدان الهجوم، بطريقة تعبيرية دالة.
رفع أحرار العالم أقلامهم، في مواجهة رصاص الإرهاب، وأعلنوا أن ما حدث لن يرهبهم؛ بل سيجعلهم أكثر إيماناً بضرورة التصدي للإرهاب، بتجلياته، وأكثر إيماناً بفاعلية حرية التعبير.
*****
وكلما تصاعد الإرهاب؛ ابتكر الناس وسائل جديدة تظهر فيها مواقفهم الساخطة والرافضة له، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. وكلما تزايدت مشاهد القتل والذبح، التي تمارسها الدولة الإسلامية في العراق والشام، "داعش"، منذ نيسان 2013؛ انتشرت النكات والأغنيات والرسومات الكاريكاتيرية، التي تسخر من التنظيم، ومن أفكار الجماعات المتشددة، مبينة أن الممارسات الهمجية لهذا التنظيم ليست ممارسات دولة، وليس لها علاقة بالإسلام من قريب أو بعيد.
****
من بين النكات الدالة التي تظهر سطحية أفراد التنظيم، وبعدهم التام عن الإسلام؛ النكتة اللبنانية، التي تظهر أن رجلين من "داعش" اعترضا طريق رجل لبناني وزوجته، وحين طلبا منهما تلاوة آية قرآنية ليثبتا أنهما مسلمان كما ادَّعيا؛ تلا الرجل بعض سطور من الإنجيل، مما يردد في صلواته كمسيحي؛ الأمر الذي أقنع المهاجمين، فأطلقا سراحهما.
وحين تساءلت الزوجة عن سر إطلاق سراحهما، خاصة أنهما لم ينجحا في تلاوة سورة من القرآن الكريم؛ أجابها الزوج: "هم لو بيعرفوا تعاليم الإسلام كان عملوا هيك؟".
وإلى جانب النكتة؛ برزت الأغنية الساخرة في لبنان، مثل "فرقة الراحل الكبير"، التي بيَّنت، من خلال السخرية، التناقض بين تعاليم الدين الإسلامي السمحة، وبين ممارسات الجماعات الإسلامية التي تقتل وتفجِّر باسم الدين:
"مدد مدد يا سيدي أبو بكر البغدادي .. يا حاكم لأمر الله/ يا ناصر بشرع الله/ يا سايق عبد الله على هاوية/ ولا بعدها هاوية.. مدد مدد يا سيدي أبو بكر البغدادي.. وعشان الإسلام رحمة رح ندبح ونوزع لحمة/ وعشان نخفِّف زحمة حنفجَّر في خلق الله.. وعشان لا إكراه في الدين فلنقض عالمرتدين والشيعة والسنيين والنصارى يا خسارة.. وعشان الثورات فتنة وشعور النسوان فتنة أهو كلنا فالحيط فتنا/ ولا دايم غير وجه الله..".
*****
وفي اليمن، انتشر العديد من النكات، التي تسخر من الميليشيات الحوثية، وانتهاكاتها لحرية التعبير، من خلال اعتدائها على بعض الصحافيين والفنانين والناشطين السياسيين، وفي مواجهة تحريم الغناء، في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية؛ انتشر العديد من الأغنيات التي تحتج على سطوة الحركة المسلحة، مثل أغنية "مال الحوثي ماله"، والتي تقدم موسيقى بديلة للموسيقى الرائجة مثل "الزامل"، والنشيد الديني.
*****
وفي حي "مقديشو الصغيرة"، القريب من نيروبي، استخدمت مجموعة شبابية الموسيقى (وخاصة موسيقى الراب والهيب هوب)، لمحاربة حركة الشباب الصومالية الإسلامية المتشددة، وشكلت فريقاً باسم: "واياها كوسوب"، والتي تعني "عهد جديد"، تهدف إلى نشر رسالة اللاعنف، من خلال تنظيم حفلات غنائية في كينيا والصومال. ألف "شاين علي"، مؤسس الفريق الغنائي، أغنية جديدة، بعد الهجوم على المركز التجاري (Westgate Mall) العام 2013، بعنوان: "لا تنضموا إلى الإرهاب، لا تقتلوا أحداً"، في محاولة لإيضاح أن القرآن الكريم لا يطلب، ولا يقبل، أن يكون القتل وسيلة للوصول إلى الجنة.
*****
الحريات لا تتجزأ
لنتأمل شهادة الفنان الفلسطيني "سائد كرزون"، التي نشرها على موقع التواصل الاجتماعي: فيس بوك (face book)، حول مقتل: Michel Renaud، الصحافي والمحرر الزائر لصحيفة "شارلي إيبدو"، والذي عرف بموقفه الداعم لفلسطين:
"خبر محزن جداً على الصبح: وصلتني رسالة من فرنسا اليوم الصبح بتخبرني إنه واحد من الشخصيات الصديقة واللي بحترمها: مايكل رينارد؛ قتل في أحداث أمس! خبر بشع جداً. هذا الرجل زار فلسطين في 2008، والتقيت فيه. كان بحب فلسطين بطريقة رائعة. ضل يشتغل وقت طويل جداً جداً وباهتمام خرافي، لحتى قام بدعوتي لإقامة معرضي "فلسطين جميلة" في فرنسا في (Biennale du carnet de voyage de Clermont-Ferrand) في نوفمبر 2009. هذا الرجل كان مؤمناً بالقضية الفلسطينية وفيي، ما بعرف شو سبب هذه الواقعة! كانت مؤامرة أو فعل حقيقي، أو شو ما كان، المحزن قتل هذه النفس البريئة والطيبة!".
*****
في رد فعل بسيط وبليغ وعميق على الهجوم المسلح، الذي طال رسامي كاريكاتير "شارلي إيبدو" في فرنسا يوم 7 كانون الثاني 2015؛ أشهر الفرنسيون أقلامهم، واعتبروا أن الهجوم على الصحافة هو هجوم على الحرية. "هذا بلد فولتر وزولا، علينا أن نناضل من أجل حرية التعبير".
ورفع بعض مدارس الأطفال المسلمة أوراقاً كتب عليها: "ليس باسمي"، كما تم تداول هذه العبارة منذ ساعة الهجوم، من قبل آلاف المتظاهرين في فرنسا والعالم، وأعلنوا: "لقد أرادوا قتل شارلي إيبدو؛ لكنهم جعلوها خالدة".
كلمة الحياة الجديدة - "شارلي إيبدو " سؤال التوقيت والغاية
بقلم: رئيس التحرير – الحياة
كأنه كان في انتظار هذه العملية الارهابية البشعة، ضد صحيفة "شارلي إيبدو" في العاصمة الفرنسية باريس، ليذهب سريعا الى ابشع استغلال سياسي وعنصري لدماء ضحاياها الابرياء، نعني رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي راح يعمم في ادانته لهذه العملية، حيث ينبغي التخصيص والتحديد: (الاسلام المتطرف لايريد غير القضاء على حضارة الغرب وثقافته ...!!) لا جماعات متطرفة لا تريد غير اشاعة تلك "الفوضى الخلاقة" ولا احد يعرف على وجه اليقين، مرجعياتها الحزبية او السياسية وحتى العقائدية، بما يشي بمرجعيات مخابراتية لها اكثرمن اي شيء اخر.
في هذا التعميم لم ير نتنياهو "احمد مرابط" المسلم الذي كان احد ضحايا هذه العملية الاجرامية، ولن يراه بطبيعة الحال، لأن اليهودي وحده الضحية دائما في تلفيقات الفكرة العنصرية الاسرائيلية، الضحية التي يريدها نتنياهو حطبا لنيران سياساته الاستيطانية، ولهذا يدعو يهود فرنسا للهجرة الى اسرائيل بايحاء انهم "هنا" اكثر امنا وامانا ... !! ضاربا بذلك السلم الاجتماعي الفرنسي ومنظومته الامنية عرض الحائط، بل ومشككا باستقرار الدولة الفرنسية وتماسكها.
لا نظن ان دعوة نتنياهو هذه، دعوة عاطفية او انفعالية، بمقدار ما يحاول رئيس الحكومة الاسرائيلية ان يبدو "وطنيا" فيها، ولأنها ليست كذلك بدلالة طبيعة استغلاله لهذه العملية الارهابية، فان الايحاء الذي اشرنا اليه، هو ايحاء مقصود تماما في غايته السياسية
لا من حيث الدفاع عن امن يهود فرنسا وسلامتهم، وانما من حيث ما يريد على ما يبدو ضد الدولة الفرنسية، كعقاب لها على موقفها في مجلس الامن الدولي الى جانب مشروع القرارالفلسطيني العربي، الذي اراد سلاما ممكنا عبر مفاوضات جادة تنهي الاحتلال الاسرائيلي وفق سقف زمني محدد.
في معادلات المنطق وحساباته، كما في معادلات السياسة وتحليلاتها، لا تخرج عملية " شارلي إيبدو" عن هذا الاطار، خاصة ما يتعلق بتوقيتها، الذي يبدوكتوقيت ضربة وقائية تستهدف منع تطورالموقف الفرنسي بشأن القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني للتحرر والخلاص من الاحتلال.
ويبقى ان نقول : الاسلام منذ اربعة عشر قرنا لايسعى لتدمير حضارات الاخرين، وقد اثرى العديد منها بقيم المحبة والتسامح، قيم الحق والعدل والجمال حتى في المعرفة التي اوصلت ساعة هارون الرشيد لشارلمان ملك الفرنجة عام 807 ميلادية، ولهذا ليست هذه العملية الارهابية البشعة، عملية اسلامية للدفاع عن الرسول محمد صلوات الله عليه وسلامه، وهو العصي على الاهانة بما حمل واوصل من رسالة سماوية مقدسة، بل هي عملية تلك الدوائر المعادية التي لاتريد خيرا للاسلام والمسلمين الذين بات بعضهم القليل مع الاسف الشديد، ادوات وتبعا لتلك الدوائر، اثر ما يمكن وصفه بخيانات "شيوخ" عقائدية لطبيعة الاسلام السمحة، وحقيقته الانسانية الساعية للسلام والمحبة والكلمة الطيبة، التي هي صدقة طبقا للرسول الكريم محمد (ص) في احاديثه الشريفة.
نعم ليست هذه العملية التي ندينها بشدة، إلا عملية مشبوهة بكل المعايير والحسابات، ولاصلة لها بالاسلام وحقيقته.
لضحايا " شارلي إيبدو " الرحمة ولذويهم عزاؤنا من القلب، حمله امس الرئيس ابو مازن في مسيرة باريس ضد الارهاب، هذا الذي ما زال شعبنا الفلسطيني من اكثر الذين يكتوون بنيران غايات اصحابه المعادية والظالمة، من حيث انها غايات العبث والدمار والفوضى التي لن تكون خلاقة ابدا.
مدارات - غيبوبة التطرف وجنونه
بقلم:عدلي صادق – الحياة
منفذو الهجمات الأخيرة في فرنسا، معزولون قطعاً عن كل فضاءات الواقع: المشهد الثقافي والسياسي الفرنسي، والفضاء العربي الإسلامي، حيث تتناسل الكوارث، ويتغالظ المروق على الدين بأيدي رافعي راياته إفكاً، وداخل معسكر «السلفية الجهادية» نفسه، والفضاء الثالث هو شرع الله وشروحات ألمع فقهائه، كإبن تيمية الذي شدد على أن دفع المفسدة بطريقة ينجم عنها ضرر أعظم منها، فإن درءها حرام!
على الأرجح، لم يكن المهاجمون يعلمون أن حرباً اعلامية اندلعت في الآونة الأخيرة، ضد الإسلام والمسلمين في فرنسا، أشعلها عنصريون، وكان من واجب المسلمين صحيحي الإيمان، تهدئتها بدل أن ينبري معتوهون من بينهم الى اقتحام مقر مجلة يسارية نقدية ساخرة، وتنفيذ جريمة مروّعة انتظرها العنصريون لتوظيفها في سياق سعيهم الى مقاصدهم. وكان منحى المزاعم التي روج لها العنصريون، أن الإسلام هو ثقافة ومنظومة تربوية حاضنة للإرهاب، قبل أن يكون ديانة، وأن المسلم - أي مسلم - هو مشروع إرهابي بالمحصلة. وقد استمدت هذه المزاعم زخمها، من عمل روائي لا علاقة له بالواقع، انتجته مخيلة قاص يُدعى ميشيل ويلبيك، جاء فيه إن فرنسا سوف تجد نفسها في العام 2022 مضطرة لانتخاب رئيس مسلم «معتدل» سيكون بالنسبة للفرنسيين المسيحيين بمثابة أهون الشرور، واسمه - للمفارقة - محمد عباس. لكن عباس هذا، في الرواية، سيجعل جامعة السوربون الفرنسية العريقة، شبيهة بجامعة «الإيمان» لصاحبها الشيخ عبد المجيد الزنداني في اليمن، وأن هذا الرئيس سيمنع النساء من ممارسة الأعمال خارج المنزل، حسب توصية حسن البنا مؤسس «الإخوان» في إحدى رسائله المبكرة، التي بشرت بمرحلة تغليف الدين حزبياً وتصغير العقول!
في الخط الدرامي للرواية، يتمزق الفرنسيون بين خيارين شيطانيين، ثم يرسو خيارهم على الرئيس عباس المعتدل، لأن بديله سيكون «مارين لوبين» المتطرف اليميني الفاشي، زعيم «الجبهة الوطنية»!
والطريف، أن الرواية وهي تجترح افضلية للرئيس المسلم، على الرئيس اليميني المسيحي المتطرف، الذي يُفترض أنه سيعمل على تحجيب فرنسا؛ لم تكن أقل سوءاً من محمولات مجلة يسارية لها رأيها في الأديان قاطبةً، كلما تعلق الأمر بجموح ناشطيها الحزبيين الى الحكم والسياسة. فـ «شارلي إيبدو» بدأت واستمرت برسوم ضد التطرف في جميع الديانات، وكان متطرفو المسلمين من ضمن المستهدفين من متطرفي الديانات الأخرى. لكنها، مع تصاعد عمليات التفجير هنا وهناك، ازدادت رسوماتها سفاهة فشملت النبي محمد عليه السلام. وكانت ردود أفعالها على شكاوى المسلمين في المحاكم تصعيدية. على الرغم من ذلك، وجب على جماعات الغلو أن تتحاشى درء المفسدة بطريقة ينجم عنها ضرر أكبر منها. وهذا ما فعله اليهود مع المجلة وما فعلته الكنيسة الكاثوليكية.
وكان مقترفو الجريمة، منفصلين كذلك عن فضاء «السلفية الجهادية» نفسه، الذي يُنتج الاحتراب وإزهاق الأرواح، حتى داخل فضائه الذي يتلطى بالتقوى وشرع الله. يكفينا أن نقرأ، ما تسرب قبل أيام، عن خيبة أمل السلفيين الجهاديين الأردنييين، الذين غدر بهم الشيخ «أبو جليبيب» القائد الميداني في منطقة حوران السورية، فقتل بالتعذيب البطيء شيخهم الأردني أحمد حربي العبيدي، الملقب «أبو سيف الأردني». والتهمة هي الاشتباه بمبايعة القتيل لأبي بكر البغدادي. فقد أهدر «أبو جليبيب» (لاحظوا الأسماء كيف تتردى. فهذا هو تصغير جلباب) دم «العبيدي» وتلذذ بتعذيبه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. ومن ذا الذي يقنع الفرنسيين، أن الجنون يطالنا قبل أن يطالهم، وأن مصير المسلم السلفي الجهادي، كان وسيكون أسوأ من مصير الضحايا الفرنسيين، إذ لم يسبق موت هؤلاء تعذيب.
لا بد من وحدة الموقف الدولي ضد الدواعش من كل دين، أي ضد أبو جليبيب المسلم وأبو جليبيب اليهودي المتطرف والمستوطن وأبو جليبيب المسيحي المنحاز لأبي جليبيب الثاني. عندئذٍ سيطمئن الفرنسيون الى أن رئيسهم في العام 2022 سيكون كاثوليكياً!
نبض الحياة - الارهاب في باريس
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
لا يضيف المرء جديدا، عندما يؤكد، ان الارهاب لا لون ولا دين ولا عرق ولا جنس له. غير ان المسؤولية تحتم لفت النظر إلى أن المؤصل، والمنتج للارهاب المنظم، هو رأس المال الراكض وراء الربح من خلال قهر إرادة الشعوب الفقيرة والتابعة، واصحاب مبادئ "الفوضى الخلاقة" او "الفوضى البناءة" واللاهثون على تقسيم المقسم في الوطن العربي لبناء شرق اوسطهم الجديد، المتساوقون مع دولة الاحتلال الاسرائيلية.
هؤلاء ينتجون في كل مرحلة تاريخية ادواتهم التخريبية، ويلبسونها اثوابا دينية او إثنية او عنصرية، وينشئون معها رؤى وافكارا واهدافا متناقضة مع مصالح شعوبها والسلم العالمي، ويقوم الرأسماليون بتسليحها وتمويلها للعبث بالاستقرار الاقليمي والاممي. لتحقيق مجموعة اهداف آنية واستراتيجية، منها: استنزاف طاقة شعوب العالم من خلال شراء الاسلحة؛ تقويض الاستقرار فيها، والعمل على تمزيق وحدتها، وربط قواها السياسية بعجلة التبعية لها؛ والحؤول دون نهوضها؛ وتبديد طاقات شبابها في معارك لا تمت بصلة لمصالحها القومية. مرحلة او لنقل عدو واحد لم يكن من انتاجها، وكان خارجا من رحمها، وشكل قوة مواجهة حقيقية لتطلعاتها الاستعمارية، هو النظام الشيوعي، الذي امتد من لحظة انتصار ثورة اكتوبر السوفييتية وولادة منظومة الدول الاشتراكية حتى هزيمته 1917/1991. ومع ذلك إستفادت دول الغرب من العدو الشيوعي من خلال تجييش الدول المتساوقة معها (الرأسمالية) ضد ذلك الخطر، إلى ان انتصرت عليه.
التنظيمات والحركات الاسلاموية، التي انتجتها اميركا واسرائيل واوروبا وحلفاؤها في الشرق العربي والاوسطي بدءا من حركة الاخوان المسلمين في 1928 ووصولا لـ"داعش" و"النصرة" و"كتائب بيت المقدس" و"جيش الامة".... إلخ من المسميات في 2013 وقبل ذلك، شاءت استخدامها كأذرع لها في تفتيت وحدة شعوب ودول الوطن العربي، وخدمة اهدافها المذكورة آنفا، وايضا لخدمة بقاء دولة الاحتلال الاسرائيلية، وبالمقابل التآمر على المشروع الوطني الفلسطيني والمشروع القومي العربي النهضوي. هذه التنظيمات الارهابية، سلاح ذو حدين. فهي بقدر ما تخدم اهداف الولايات المتحدة الاميركية بقدر ما تشكل خطرا على دول الغرب الرأسمالية كلها والدول الدائرة في فلكها.
النتيجة المنطقية للعملية الارهابية البشعة في باريس، هي ضرورة اولا وقف الاساءة للرموز الدينية؛ ثانيا ملاحقة الارهابيين واقتلاعهم من المجتمع؛ ثالثا وقف تمويل وتسليح تلك الجماعات؛ ورابعا وقف العبث بمصير الشعوب العربية؛ خامسا حل المسألة الفلسطينية، واعطاء الفلسطينيين حقوقهم الوطنية كاملة غير منقوصة.
v من الذي يعطل الانتخابات؟!
بقلم: حديث القدس – القدس
v خطوات فلسطينية مهمة... ولكن
بقلم: علي جرادات – القدس
v كتاب ورسامون متخفّون أو مقتولون
بقلم: ناصر السهلي – القدس
v نحو فهم أعمق للحراك السياسي
بقلم: طلال عوكل – الايام
v غزة: أمنيات بداية العام
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
v فـي زمـن الـلامـعـقــول: الأقلام في مواجهة الرصاص
بقلم: د. فيحاء عبد الهادي – الايام
v كلمة الحياة الجديدة - "شارلي إيبدو " سؤال التوقيت والغاية
بقلم: رئيس التحرير – الحياة
v مدارات - غيبوبة التطرف وجنونه
بقلم:عدلي صادق – الحياة
v نبض الحياة - الارهاب في باريس
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
من الذي يعطل الانتخابات؟!
بقلم: حديث القدس – القدس
الدعوات التي أطلقتها عدة فصائل فلسطينية في غزة أمس لحكومة الوفاق الوطني للبدء بالاستعدادات اللازمة لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والدعوة الى اجتماع الإطار القيادي لمنظمة التحرير وكذا تكثيف الجهود لإعادة إعمار غزة، هذه الدعوات التي انطلقت إثر اجتماع لم تشارك فيه حركة «فتح» وبعض الفصائل الأخرى تثير العديد من التساؤلات من جهة وتطرح مجددا موضوع الانتخابات والشرعية السياسية بقوة على جدول الأعمال الوطني في الوقت الذي لا زالت فيه الساحة الفلسطينية تعيش وتعاني انقساما مأساويا بكل تداعايته وآثاره.
من الواضح تماما لكل فلسطيني أن ولاية المجلس التشريعي وكذا الرئاسة انتهت منذ وقت طويل وان الانتخابات التي هي حق أساسي لكل فلسطيني كان يفترض ان تجري منذ وقت طويل ايضا الا ان ما شهدته الساحة الفلسطينية من انقسام وكذا العدوان الاسرائيلي المتواصل على شعبنا وحقوقه شكلت سببا او ذريعة لتعطيل النظام السياسي الفلسطيني وضربة للشرعية الفلسطينية لتأجيل هذه الانتخابات في الوقت الذي غاب فيه دور المجلس التشريعي المفترض سواء بسبب الانقسام او بسبب الاعتقالات الاسرائيلية للكثير من نوابه . الاّ ان هذا الوضع يطرح تساؤلا رئيسيا: الى متى سيظل المواطن الفلسطيني رهينة لهذا الانقسام ومحروما من حقه الطبيعي في قول كلمته في صندوق الاقتراع؟!
واذا كان اتفاق المصالحة الأخير قد نص على تشكيل حكومة وفاق وطني يكون من مهامها الأساسية التحضير لإجراء انتخابات عامة خلال ستة أشهر عدا عن تطبيق باقي بنود المصالحة فاننا نلاحظ ان هذه المهمة لا زالت تراوح مكانها ونفس الحكومة ما زالت غير قادرة على أداء مهامها في قطاع غزة بسبب استمرار سيطرة «حماس» هناك، ولذلك فإننا نواجه معضلة حقيقية سواء في طبيعة الاستعداد لهذه الانتخابات في الوقت الذي يخيم فيه الانقسام على المشهد وفي الوقت الذي يسعى فيه الاحتلال الاسرائيلي لإحباط أية خطوة من شأنها وأد هذا الانقسام.
ومع كل ذلك فان ما يجب ان يقال هنا إنه من غير المعقول او المقبول ان يبقى المواطن الفلسطيني رهينة لهذا الانقسام وان يصادر حقه في الانتخاب والترشح وأن يستمد النظام السياسي الفلسطيني شرعيته بواسطة ذرائع وأسباب أقل ما يقال فيها انها واهية وانها من صنع الانقساميين انفسهم.
ولذلك نقول أنه طالما ان حركتي «فتح» و «حماس» وغالبية الفصائل الفلسطينية تعلن نظريا قبولها لمبدأ اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية فمن الأجدر التوصل الى صيغة اتفاق حول آليات إجراء هذه الانتخابات في ظل الأوضاع المعقدة التي تعيشها الساحة الفلسطينية على ان تعلن كافة الفصائل استعدادها للقبول بنتائج هذه الانتخابات والعمل بموجبها.
ومن الواضح أن هذه الانتخابات تكتسب أهمية خاصة في الوقت الذي طالما أعلنا فيه ايماننا بالديمقراطية والتعددية السياسية ونص على ذلك القانون الأساسي الفلسطيني ولذلك فان شرعية النظام السياسي وشرعية القيادات الفلسطينية تستمد أساسا من صندوق الاقتراع.
ولهذا لا بدّ من المسارعة الى التوصل الى هذا الاتفاق ثم بدء الاستعداد لإجراء هذه الانتخابات التي ستعكس نتائجها إرادة الشعب الذي هو في الأصل صاحب السيادة. وبذلك نقدم للعالم أجمع إثباتا آخر على جدارة الجانب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته الفلسطينية على ترابه الوطني، دولة القانون واحترام حقوق الانسان بما فيها حق الانتخاب.
وفي المحصلة، فقد حان الوقت كي تدرك كل الفصائل ان من الأجدر العودة للشعب وتمكينه من قول كلمته في صناديق الاقتراع وبذلك يمكن ايضا حسم مسألة الانقسام والحديث بصوت واحد امام العالم اجمع وحشد الجهود والطاقات لمواجهة التحديات الجسام التي يشكلها الاحتلال الاسرائيلي من جهة وتفعيل النضال الفلسطيني بصوت واحد على الساحة الدولية في الطريق نحو الحرية والاستقلال.
خطوات فلسطينية مهمة... ولكن
بقلم: علي جرادات – القدس
قرار قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بانضمام دولة فلسطين إلى ميثاق روما وقبول اختصاص محكمة الجنايات الدولية بدءاً من 13 حزيران 2014 قرار مهم وذو مغزى، سواء لناحية أنه خطوة في إطار خطوات سابقة تسير، وإن بتدرج، على طريق تدويل ملف القضية الفلسطينية وإخراجه من دوامة الرعاية الأمريكية المعادية والمفاوضات الثنائية العقيمة والضارة مع الحكومات الاسرائيلية، أو لناحية أنه يتيح لكل مواطن في دولة فلسطين، ولكل منظمة حقوقية فلسطينية فيها، التقدم بشكوى إلى هذه المحكمة لمقاضاة مسؤولي الحرب الإسرائيليين، ذلك لأن هذه المحكمة محكمة للأفراد ومحكمة مَن لا محكمة له..
ما يعني أن مقاضاة هؤلاء المسؤولين صارت في متناول يد كل مواطني دولة فلسطين حتى لو افترضنا أن القيادة الرسمية الفلسطينية ربما تتلكأ في تقديم الشكاوى، أو تُحجم عن تقديمها لحين يطول أو يقصر، ارتباطاً بحسابات سياسية تراعي التهديدات والضغوط متعددة المجالات والأشكال والجنسيات، في مقدمتها ما بُدئ بتنفيذه فعلياً: قرار الحكومة الاسرائيلية المتمثل في قرارها بعدم تحويل عائدات المقاصة المُستحقة ل"السلطة الفلسطينية"، وفق "اتفاق باريس الاقتصادي"، وتهديدات حليف إسرائيل الاستراتيجي الثابت الولايات المتحدة بوقف مساعداتها للفلسطينيين، وتحريضها لغيرها من دول العالم والمنظمات الدولية والإقليمية لفعل الأمر ذاته .
وكل ذلك دون أن ننسى ما للولايات المتحدة هذه، (وهي الدولة العظمى الأولى)، من عوامل القوة والحلفاء والنفوذ والتأثير، دولياً وإقليمياً، وما في سجل إداراتها المتعاقبة من تنكب ثابت المضمون متغير الأشكال للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه المشروعة، ذلك منذ تولت قيادة دول الاستعمار الغربي خلفاً ل "بريطانيا العظمى" بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وهو العداء المُعبر عنه فيما تقدمه، (بسخاء وبلا انقطاع)، للجانب الاسرائيلي، من دعم مالي وعسكري وأمني وسياسي ودبلوماسي، وفيما اتخذته من مواقف ضد حق الشعب الفلسطيني المشروع في تقرير المصير .
وللتدليل لا الحصر، فقد استخدمت الولايات المتحدة في مجلس الأمن 40 "فيتو" ضد مشاريع قرارات إما تؤيد الحق الفلسطيني في تقرير المصير والتخلص من الاحتلال أو تدين إسرائيل ك"دولة" احتلال وتطالب بمحاسبتها وإلزامها باحترام القانون الدولي وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
مؤخراً استخدمت إدارة أوباما "الفيتو الاستباقي" لمنع حصول مشروع القرار الفلسطيني - العربي ل"إنهاء الاحتلال" على النصاب القانوني اللازم للتصويت عليه، رغم ما أُدخل عليه من تعديلات جوهرية، أملاً في تجاوز "الفيتو" الأمريكي .
بذلك أثبتت الولايات المتحدة بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل أن مواقفها من القضية الفلسطينية أكثر إسرائيلية، حتى من بعض الجهات الإسرائيلية التي ما انفكت تحذر من عواقب عنجهية سياسة حكومة المستوطنين بقيادة نتنياهو، وبالذات من عاقبة حشر قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وإجبارها على تنفيذ تهديداتها بفرط تعاقد "أوسلو" السياسي والتحلل من جميع التزاماته، والأمنية منها بالذات .
وهذا هو الخيار الذي لم يعد أمام القيادة الفلسطينية إلا الإقدام عليه، شاءت ذلك أو أبت، تقدم الأمر أو تأخر، طالما أن المطلب الأمريكي منها هو الامتناع عن تدويل القضية الفلسطينية لمصلحة استئناف المفاوضات الثنائية العقيمة ذاتها التي تُستغل لتعميق الاحتلال وتوسيع الاستيطان والتهويد لما تبقى بيد الفلسطينيين من أرضهم .
أما لماذا؟
لئن كان العداء الأمريكي و"الغربي" الاستعماري، عموماً، للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وحقوقه المشروعة هو ما جعل إسرائيل، "دولة" معترفاً بها، بل "دولة" فوق القوانين الدولية والإنسانية، فإنه المسؤول أيضاً عن وصول نحو 25 عاماً من مفاوضات "مدريد-أوسلو" إلى طريق مسدود لا مخرج منه إلا بمغادرة الإستراتيجية العربية الفلسطينية القائمة على معادلة أن "99% من أوراق حل الصراع بيد الولايات المتحدة" لمصلحة بناء استراتيجية جديدة أساسها القناعة بأن الأساسي من مسؤولية إفشال التوصل لتسوية متوازنة للصراع، فما بالك بالحل العادل له، تتحمله الولايات المتحدة .
بقي القول: لنجاح خطوات القيادة الفلسطينية المتدرجة لتدويل القضية الفلسطينية، بما فيها خطوة الانضمام لمحكمة الجنايات الدولية، ثمة حاجة لتوافر شروط أساسية، أهمها إنهاء الانقسام الداخلي العبثي والمدمر، وتهيئة الحالة الشعبية الفلسطينية وتعبئتها وتحشيدها لكل الاحتمالات، والدعم السياسي والدبلوماسي والمالي العربي لهذه الخطوات . ودون ذلك تفقد خطوات القيادة الفلسطينية، وهي المهمة بلا ريب أو شك، كثيراً من القدرة على مواجهة الضغوط والعراقيل الأمريكية و"الغربية" عموماً، فضلاً عن الإجراءات والتهديدات الإسرائيلية، التي تعترض سبيل تحويل هذه الخطوات من خطوات دبلوماسية قانونية مهمة إلى استراتيجية سياسية نضالية جديدة قادرة على تغيير ميزان القوى، والخروج من دوامة خيار المفاوضات الثنائية العقيمة برعاية أمريكية .
إن المواجهة السياسية والميدانية الشاملة مع الجانب الاسرائيلي المدعوم أمريكياً، وغربياً عموماً، قاسية، لكنها مفروضة، ولا مجال لتجنبها أو تأخيرها الذي لن يفضي إلا إلى ابتلاع المزيد من الأرض الفلسطينية وتهويدها، وإلى المزيد من العدوان والاستباحة الشاملة لكل ما هو فلسطيني، وإلى فرض المزيد من حقائق الرؤية الاسرائيلية وشروطها التي تستهدف تصفية القضية والرواية والحقوق الفلسطينية من جميع جوانبها . تلك هي حقائق ماضي وحاضر ومستقبل الصراع كما برهنت صيرورته الواقعية على مدار قرن من الزمان.
كتاب ورسامون متخفّون أو مقتولون
بقلم: ناصر السهلي – القدس
الاعتداء في باريس على "شارلي إيبدو" فتح النقاش على مصراعيه حول استهداف الفنانين والصحافيين. والأمر ليس حديثاً بل يمتد إلى فترة أثينا القديمة، ففيها لوحق هؤلاء لإغلاق الفم والعقل. ثيو فان غوخ ولارس فيكس وكورت فيسترغوورد ولارس هيداغوورد وسلمان رشدي وناصر خضر وأحمد عكاري وغيرهم من تلك الأسماء...
أولى القضايا الصادمة للعقل الشعبي الغربي في مسائل "التحريم" كانت فتوى بحق سلمان رشدي عام 1989. هي فتوى بالقتل باعتباره ارتكب إثماً كبيراً في "آيات شيطانية" 1988. سلمان رشدي مطلوب رأسه حتى اليوم بزيادة قيمة الدفع لمن يقوم بالعمل إلى 3.3 ملايين دولار. والفتوى ليست صادرة عن شيخ مغمور، بل عن رأس دولة رحل وورث من يأتي بعده قدسية تلك الفتوى التي كلفت أرواح عشرات الأشخاص استهدافاً لكل من ساهم بنشر "آيات شيطانية"، وهو ما يتناوله الإعلام الغربي كمادة دسمة كلما أراد تذكير مواطنيه بأصل "همجية " ذلك "الآخر" الذي تحاك حوله أساطير "لا يمكن أن يتعايش هؤلاء مع الحرية والديمقراطية، بل لا يستحقونها".
ثيو فان غوخ، مخرج هولندي عرف من خلال أعمال مستفزة للعالم الإسلامي، أطلق عليه النار في أحد شوارع أمستردام عام 2004. والسبب، فيلمه الناقد لحياة المرأة في ظل الإسلام. القاتل يعيش خلف القضبان محكوم عليه بالمؤبد كإرهابي.
كورت فيسترغوورد رسام كاريكاتور دنماركي في منتصف السبعينيات الآن، هو اليوم تحت حماية جهاز استخبارات بلاده وبأموال دافعي الضريبة. وتعرض فيسترغوورد لمحاولات قتل متعددة وظلت التهديدات تصدر بحقه خلال عقد، وقبل أربع سنوات جرت محاولة قتله في مدينة آرهوس، حين وصل أحد الصوماليين متعرفاً إلى سكنه حاملاً فأساً لتصفيته.
لارس فيكس فنان ومحاور سويدي تعرف العالم إليه في 2007 حين رسم النبي محمد بصورة تهكمية، حين كان الجدل كبيراً عن صحيفة يولاندس بوستن. وصلته تهديدات عدة من القاعدة، وفي 2010 هُجم عليه أثناء إلقاء محاضرة له في جامعة أوبسالا. دخلت حركة الشباب الصومالية على الخط وطالبت برأسه، وهو أيضاً يعيش متخفياً بحماية استخبارات بلاده.
نحو فهم أعمق للحراك السياسي
بقلم: طلال عوكل – الايام
هل يعلم صناع القرار، وصناع الأحداث، وصناع المآسي والآلام وإن بغير ما يقصدون، أن الكتابة والحديث في السياسة، قد أخلت مقامها من أولوية اهتمام المواطن الفلسطيني؟ قد يدرك أو لعله لا يريد المسؤول أن يدرك بأن هموم الناس اليومية، وأزماتهم الحياتية، قد أصبحت على رأس أولويات المواطن، الذي يدفع ثمن شعارات وأوهام وفبركة انتصارات وإنجازات، لا يلمس منها سوى المزيد من الآلام والمزيد من الدمار، والخراب.
المدوّنون، وشباب «الفيسبوك»، الذين يقدمون بعض التعليقات الساخرة، ويفرغون ما في دواخلهم من غضب، أخذوا يستحوذون على اهتمام الجمهور الفلسطيني، حتى لو أن غضبهم وكبتهم مسور بما يعايشونه من عجز يبدو وكأنه مستحكم إلى حد الشلل.
يسأل المواطن، وهو يعرف مسبقاً الجواب، ولكن بأمل أن يجد لدى المحللين والكتاب ورواد الفضائيات ما يبدل قناعاته، بشأن الغد، فإذا جاء الجواب مطابقاً لمدركاته توقف عن السؤال، وأما إن تلقى جواباً يبشره بنصر أو إنجاز فإنه يكتفي بابتسامة ساخرة، هي أكثر تعبيراً عن واقع الحال من ساعات طويلة من التحليلات والتبريرات التي تفتقر إلى الالتزام والمسؤولية واحترام عقول البشر.
غادر الوفد الوزاري قطاع غزة، قبل أن تنتهي المدة المقررة لبقائه، فهو لم يحمل جديداً، ينعش بعض الآمال فضلاً عن أنه قوبل بعبارات الترحيب، وسلوك الاحتجاج، حتى أصبحت الزيارة بحد ذاتها، مادة صالحة لتغذية وتصعيد حملة الاتهامات المتبادلة بين طرفي الأزمة والانقسام، وخطوة نحو تعميق الإحباط بشأن إمكانية تحقيق المصالحة.
الناس لم يعودوا يهتمون لا بالحراك السياسي، الخارجي أو الداخلي ولا بالهموم الوطنية، والأهداف الكبيرة، ولا بكل الخطابات التي تتحدث عن الصمود، والاستعداد للتضحية. الناس يصمدون بحكم الأمر الواقع، ورغماً عنهم، فلقد أصبحت الرغبة في الهجرة أقوى من أن تنجح الوطنية الفلسطينية في إقناعهم بخطورة مثل هذه الرغبة.
تفكر أحياناً، في ملف إغلاق معبر رفح، بالكامل لأشهر، لا يعرف أحد، متى يتوقف هذا الإغلاق، وهذا القهر للحرية، ويتحكم فيك تناقض شديد، ذلك أن فتح المعبر يشكل ضرورة وطنية عامة، وفردية، وضرورة إنسانية وحقاً قانونياً، أما بقاؤه مغلقاً، فإنه قد يشكل كابحاً لهجرة خطيرة لا تتوقف الرغبة في ركوب مغامرتها على الشباب والعاطلين عن العمل وإنما تمتد لعائلات بأكملها، ولكبار في السن تجاوزوا إلى مرحلة التقاعد.
دخلت «هدى» قوية، عاتية، ألزمت معظم الناس على البقاء في منازلهم، وعطلت قدرة الناس على العمل والحركة وفرضت على الأجواء عتمة، أقرب إلى لحظات الغروب في فصل الشتاء، تبدو «هدى» وكأنها تعبر بالنيابة عن غضب الناس عن سوء أحوالهم، ولكنها تذكرهم بأن القادم أصعب، طالما ظلوا محكومين لثنائية وتضارب المصالح والرؤى بين حركتين كبيرتين، تحول الناس إلى رهائن عندهما.
قبل حلول موعد المنخفض الجوي العاصف الذي سمّته الأرصاد العربية «هدى»، كان برنامج التيار الكهربائي، قد بلغ، أسوأ ذراه، حيث يتم وصله لأربع ساعات خاضعة للخصم، واثنتين قطع. المسؤولون عن ملف الكهرباء وهم ليسوا من المهنيين فقط وإنما بعضهم بل أغلبهم سياسيون قالوا إن السولار الصناعي الذي دخل إلى قطاع غزة، على مدى بضعة أيام، قد تم تخزينه، بهدف استخدامه في ظروف الطوارئ التي ستنجم عن غضب «هدى»، غير أن أحدهم قال إنه لا يضمن توفر التيار الكهربائي حتى الساعة.
دخلت «هدى» هادرة، جامحة، وظل برنامج التيار الكهربائي على حاله، مع تحسن طفيف، يصل إلى ساعة زيادة عما كان من قبل.
المسألة ليست ترفاً، ولا ملفاً يتم استغلاله لتحميل هذا الطرف أو ذاك المسؤولية، وحتى أنها لم تعد فقط مسألة متطلبات حياتية روتينية، وهي تتخذ طابع العدوان القاسي على بشر لم يستفيقوا بعد من هول العدوان الإسرائيلي الأخير. لا نعتقد أن أي مسؤول سياسي مستعد لأن يكابد ما يكابده الكثير من الناس، الذين يسكنون في زاوية، تحت أنقاض البيت المدمر، أو الذين لم يتمكنوا من إصلاح نوافذهم، فاستبدلوا الزجاج بأغطية من النايلون. ولا نظن أن وفاة أربعة أطفال، بالحرائق خلال الأسابيع الثلاثة الماضية بسبب غياب التيار الكهربائي، لا نظن أن هذه الحوادث، ستتحول إلى ملفات تحظى باهتمام، فلقد تحولت وأصحابها إلى أرقام عابرة، يتم توظيفها في سياق التبرير، أو لكيل الاتهامات إلى الآخر.
بصراحة لم أبد أدنى اهتمام للتفكير في أسباب هذه الأزمة، ولا أريد أن أعرف، رغم كثرة الشروحات والتبريرات، فالأزمة موجودة ومتفاقمة، ومستمرة منذ سبع سنوات، بدون حلول وبدون أن يكلف مسؤول نفسه الحديث عن حلول قريبة.
إذا كان من غير المجدي إعادة تذكير المسؤول السياسي بجملة الأزمات التي تعصف بحياة الناس، وفي أولاها قضية إعادة الإعمار، فإنني أتساءل بحرقة شديدة، عن إمكانية معالجة بعضها، فقط بثمن زهيد، ذلك أن قضية المعابر وإعادة الإعمار تتطلب قراراً، بالتنازل عن الشراكة المطلوبة لصالح عودة السلطة وحدها لتسلم المعابر، ما يؤدي إلى معالجة هذين الملفين... إذا بقيت الحال على خيار إما أو فإننا سنظل في مربع مكانك سر.
غزة: أمنيات بداية العام
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
لو قدر للمرء أن يمتلك حقيبة مليئة بالأمنيات مثل طير في قفص، كلما تحقق منها أمنية أطلقها في الهواء ليخفق جناحاها بحرية وسعادة، ولو قدر له أن يسعى في مناكبها من اجل ان يطلق عقال أمنياته مثل قربة ريح مثقوبة، ولو وقف المرء بعد ذلك على سني عمره يعدد ما فيها من فرح وأحزان ووجد ان كفة الفرح طافحة بالخير، لو عرف ان خلاصة كل هذه سعادة مطلقة لظن أنه يحلم.
نفسي أن أتصالح انا والكهرباء، أن نصبح أصدقاء بمعنى الكلمة. يفتقد الواحد منا الآخر، يشتاق له، لأن علاقتي مع الكهرباء علاقة من طرف واحد: أنا فقط الذي يشتاق لها، أنا الذي يفتقدها، انا الذي أجلس بفارغ الصبر أعد الثواني المتبقية حتى وصولها مثل عاشق يقف في محطة القطار ينتظر وصول محبوبه. يعني حباً من طرف واحد. بل أبعد من ذلك هي لا تعاملني حتى كصديق قديم تتذكره بالخير، فعلى الأقل مر زمن ليس بالبعيد كنا أصدقاء مقربين جداً، حيث كانت تقطع للحظات، وحين تغضب لساعات قليلة. لو كانت باقية على العشرة ولو عزت عليها الأيام الخوالي، لكانت على الأقل أبقت على شعرة معاوية. بل هي تمعن في الردة والحرد ولوي البوز. فما أن أحاول أن أتأقلم على مواعيد وصولها حتى تفلت من بين يدي كما يفلت الماء من بين الأصابع، تهرب بخفة وثقل رياح المنخفض الجوي «هدى». قد يستغرقني الأمر أسبوعاً وأنا أحاول أن أحفظ جدول انقطاع التيار الكهربائي، وقبل أن أهنئ نفسي بأنني نجحت أخيراً في حفظ المواعيد حتى تتغير دون سابق إنذار. في الحقيقة في مرات كثيرة أشفق على عامل الشركة الذي يقوم بقطع التيار بعد سويعات من وصوله، إذ إنه يتلقى دعاوى بالهلاك وقطع اليد والحرمان أكثر من تعداد الشعر في رأسه.
نفسي أيضاً أن تسمعني شركة الكهرباء وتسمع شكاوى مئات آلاف المواطنين أمثالي. الشركة لا تقيم وزناً لكل شكاوى المواطنين. كما ان نفسي أن يقوم مسؤول فيها بتقديم شرح منطقي لما يحدث بشرط ان لا يرمي كل شيء على كاهل الآخرين وكأن دوره في الشركة ليس إلا تقديم الأعذار والتبريرات وليس الحلول.
نفسي أن ينتهي الانقسام حتى لا يصبح لأحد عذر في رمي كل فشل غزة على كاهله، حتى بات المرء يمكن أن يصدق أن جارته تطلقت من جارهم بسبب الانقسام، او أن تحصيل ابنه متدنٍ في المدرسة بسبب الانقسام (هناك من يقول إن هذا وارد). نفسي ان ينتهي هذا الشيء المقيت المسمى انقساماً حتى نرتاح ونرتاح من الأعذار فالكهرباء لا تأتي، بسبب الانقسام، وإعادة الإعمار واقفة مثل كرفانات أصحاب البيوت المهدمة بسبب الانقسام، والمجاري تطفح امام أول زخة مطر بسبب الانقسام، وربما الجو بارد وعاصف بسبب الانقسام. مرت الآن أعوام ثمانية وربما تمر أعوام ثمانية عشر وثمانية وعشرون والانقسام بكامل شبابه وعنفوانه. ونفسي أيضاً أن نطلب من كل من يريد أن يحمل غزة أكثر مما تحتمل متدثراً بعباءة الانقسام أن يتقي الله فينا قليلاً وان يدرك أننا مللنا، وان حلمنا صار تجاوز البقع السوداء التي تركها الانقسام على أجسادنا. من منا لم يمل كل الأسطوانات المشروخة التي يرددها الكثيرون حول الانقسام! من منا لا يساوره الخوف من أن يموت قبل أن يموت الانقسام! من منا لا يحلم بأن كل ما يجري كابوس وليس واقعاً يعيشه! من منا لا يريد لهذه اللعبة أن تنتهي ويبدأ بكتابة القصيدة!!
نفسي أن أقرر أن أسافر وأن أحمل حقيبتي كما يفعلون في الأفلام واتجه صوب المطار أو الحدود وأغادر مثلما يفعل أي مواطن حر وشريف في أرضه. أن لا أفكر مليون مرة قبل أن يمر خاطر السفر ببالي، فأتعذب وأتألم لأنني اعرف أن السفر من غزة مثل الخروج من خرم الإبرة، وأن التفكير فيه متعب وممل وجارح للمشاعر الوطنية. نفسي ان يكون السفر مثل أي شيء آخر في الحياة في متناول اليد - هل من يقول إن ثمة أشياء كثيرة في غزة ليست في متناول اليد؟. على الأقل أن يكون ثمة حدود وثمة فرص لعبور الحدود. غزة سجن كبير، حتى كلمة كبيرة تبدو في غير محلها لأن السجن سجن حتى لو كانت مساحته مئات آلاف الكيلومترات، طالما لا تقدر أن تخرج منه. فعل الإرادة الغائب والعجز الأكبر من مقدرة التحمل، والحاجز الأعلى من قفزتك في الهواء - هذا إن تمكنت من القفز.
نفسي أن يتمكن أطفالي من أن يروا العالم خارج غزة؛ لا أن يكبروا مثل معظم سكان غزة وهم لا يعرفون شكل العالم خارجها. كل سنة أعدهم أن نقوم في الصيف بإجازة خارجية؛ على أقل تقدير لمصر الأقرب والأسهل في الوصول او تركيا. وكل سنة أعرف أن عرقوباً كان سيخجل مني وهو يسمعني أعدهم، لأنه يعرف مثلي ان التخطيط للحظة القادمة في غزة حلم لا يصير حقيقة حتى بمعجزة.
نفسي أن أركب البحر من غزة، ركبته من غيرها لكني مثل كل سكان غزة لا نعرف طعم السفر من بحر غزة. يبدو البحر لوحة جميلة معلقة على جدار الغرفة الكبيرة، غرفة السجن الكبيرة التي اسمها غزة، لكنها صورة لا تعبرها إلى ما خلفها. تقف قبالة الموج وتعرف ان الموجة التي تضرب قدميك أكثر حظاً منك لأنها سافرت بلاداً وبلاداً وجابت شواطئ وشواطئ، اما انت فتقف امام البحر لا تعرف منه إلا صخبه وغضبه والحمم التي تصدر من البوارج الرابضة فوق جسده المائج.
نفسي أن أذهب للسينما مساء الخميس مع أطفالي أو أصدقائي أو ان اذهب للمسرح أو للمكتبة العامة. نفسي أن أحلم بالمستقبل ولا أجدني أفكر في العقبات لا في الفرص المتاحة، أن انظر بخفة في الغد ولا أجهد عينيّ دون أن تريا شيئاً، أن أقف على تفاصيل اللحظة القادمة بقليل من الثقة دون ان تواجهني تفاصيل مضادة تبدد كل ما أحلم به.
عام جديد تبدو فيه الأمنيات مغرية ويبدو التقاط المستقبل أكثر طموحاً رغم ضبابية الجو وصعوبة الرؤية وقسوة الواقع.
فـي زمـن الـلامـعـقــول: الأقلام في مواجهة الرصاص
بقلم: د. فيحاء عبد الهادي – الايام
يتصاعد اللامعقول عبر العالم، حتى نخال أننا أمام لوحة سيريالية!
باسم الدين ترتكب المذابح، ويغيب العقل، والمنطق، وينصِّب المتشددون أنفسهم قضاة وجلادين، ليصدروا أحكاماً قاطعة ضد من يعتقدون أنهم كفرة أو مرتدون، ويعملون على إنفاذ أحكامهم بأيديهم، وبأسلحتهم.
وحين يسود الجهل والتعصب وضيق الأفق، وينعدم الحوار والنقاش وتقبل الآخر؛ ينتعش فن السخرية، ويعبر عن نفسه بأشكال سلمية متعددة؛ الأغنية، والموسيقى، والكاريكاتور، والمسرح، والفن التشكيلي، والشعر، والأدب، والنكتة، والقصة.
هذه الفنون التي تغدو وسيلة للنقد المبطن تارة وللنقد العلني تارة أخرى، ووسيلة للتعبير عن المعتقدات والآراء، في وجه محاولة تكميم الأفواه، والسيطرة على المشاعر، ودغدغتها، باسم الدين مرة، وباسم أولي الأمر مرة، وباسم مصلحة الوطن مرات.
*****
رغم أن الهجوم على فناني صحيفة "شارلي إيبدو" (Charlie Hebdo)، كان متوقعاً بعد التهديدات التي تلقوها مراراً وتكراراً؛ إلاّ أنهم واصلوا نشر رسوماتهم الكاريكاتورية، دون أن يكترثوا أو يخضعوا للتهديدات.
وعبر عن موقفهم قول رئيس تحرير الصحيفة "ستيفان تشاربونيز": "أن أموت واقفاً خير من الركوع حياً".
وإذا كان هدف المهاجمين - الذين نجحوا في قتل اثني عشر مواطناً فرنسياً، بينهم عشرة صحافيين، لدى هجومهم على مبنى الصحيفة - إخافة كل من يحاول السخرية من الأديان، والتعبير الحر عن رأيه؛ فقد فشلوا؛ لأن الفرنسيين بشكل عام، والعالم الحر بأسره، أدان الهجوم، بطريقة تعبيرية دالة.
رفع أحرار العالم أقلامهم، في مواجهة رصاص الإرهاب، وأعلنوا أن ما حدث لن يرهبهم؛ بل سيجعلهم أكثر إيماناً بضرورة التصدي للإرهاب، بتجلياته، وأكثر إيماناً بفاعلية حرية التعبير.
*****
وكلما تصاعد الإرهاب؛ ابتكر الناس وسائل جديدة تظهر فيها مواقفهم الساخطة والرافضة له، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي. وكلما تزايدت مشاهد القتل والذبح، التي تمارسها الدولة الإسلامية في العراق والشام، "داعش"، منذ نيسان 2013؛ انتشرت النكات والأغنيات والرسومات الكاريكاتيرية، التي تسخر من التنظيم، ومن أفكار الجماعات المتشددة، مبينة أن الممارسات الهمجية لهذا التنظيم ليست ممارسات دولة، وليس لها علاقة بالإسلام من قريب أو بعيد.
****
من بين النكات الدالة التي تظهر سطحية أفراد التنظيم، وبعدهم التام عن الإسلام؛ النكتة اللبنانية، التي تظهر أن رجلين من "داعش" اعترضا طريق رجل لبناني وزوجته، وحين طلبا منهما تلاوة آية قرآنية ليثبتا أنهما مسلمان كما ادَّعيا؛ تلا الرجل بعض سطور من الإنجيل، مما يردد في صلواته كمسيحي؛ الأمر الذي أقنع المهاجمين، فأطلقا سراحهما.
وحين تساءلت الزوجة عن سر إطلاق سراحهما، خاصة أنهما لم ينجحا في تلاوة سورة من القرآن الكريم؛ أجابها الزوج: "هم لو بيعرفوا تعاليم الإسلام كان عملوا هيك؟".
وإلى جانب النكتة؛ برزت الأغنية الساخرة في لبنان، مثل "فرقة الراحل الكبير"، التي بيَّنت، من خلال السخرية، التناقض بين تعاليم الدين الإسلامي السمحة، وبين ممارسات الجماعات الإسلامية التي تقتل وتفجِّر باسم الدين:
"مدد مدد يا سيدي أبو بكر البغدادي .. يا حاكم لأمر الله/ يا ناصر بشرع الله/ يا سايق عبد الله على هاوية/ ولا بعدها هاوية.. مدد مدد يا سيدي أبو بكر البغدادي.. وعشان الإسلام رحمة رح ندبح ونوزع لحمة/ وعشان نخفِّف زحمة حنفجَّر في خلق الله.. وعشان لا إكراه في الدين فلنقض عالمرتدين والشيعة والسنيين والنصارى يا خسارة.. وعشان الثورات فتنة وشعور النسوان فتنة أهو كلنا فالحيط فتنا/ ولا دايم غير وجه الله..".
*****
وفي اليمن، انتشر العديد من النكات، التي تسخر من الميليشيات الحوثية، وانتهاكاتها لحرية التعبير، من خلال اعتدائها على بعض الصحافيين والفنانين والناشطين السياسيين، وفي مواجهة تحريم الغناء، في المناطق التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية؛ انتشر العديد من الأغنيات التي تحتج على سطوة الحركة المسلحة، مثل أغنية "مال الحوثي ماله"، والتي تقدم موسيقى بديلة للموسيقى الرائجة مثل "الزامل"، والنشيد الديني.
*****
وفي حي "مقديشو الصغيرة"، القريب من نيروبي، استخدمت مجموعة شبابية الموسيقى (وخاصة موسيقى الراب والهيب هوب)، لمحاربة حركة الشباب الصومالية الإسلامية المتشددة، وشكلت فريقاً باسم: "واياها كوسوب"، والتي تعني "عهد جديد"، تهدف إلى نشر رسالة اللاعنف، من خلال تنظيم حفلات غنائية في كينيا والصومال. ألف "شاين علي"، مؤسس الفريق الغنائي، أغنية جديدة، بعد الهجوم على المركز التجاري (Westgate Mall) العام 2013، بعنوان: "لا تنضموا إلى الإرهاب، لا تقتلوا أحداً"، في محاولة لإيضاح أن القرآن الكريم لا يطلب، ولا يقبل، أن يكون القتل وسيلة للوصول إلى الجنة.
*****
الحريات لا تتجزأ
لنتأمل شهادة الفنان الفلسطيني "سائد كرزون"، التي نشرها على موقع التواصل الاجتماعي: فيس بوك (face book)، حول مقتل: Michel Renaud، الصحافي والمحرر الزائر لصحيفة "شارلي إيبدو"، والذي عرف بموقفه الداعم لفلسطين:
"خبر محزن جداً على الصبح: وصلتني رسالة من فرنسا اليوم الصبح بتخبرني إنه واحد من الشخصيات الصديقة واللي بحترمها: مايكل رينارد؛ قتل في أحداث أمس! خبر بشع جداً. هذا الرجل زار فلسطين في 2008، والتقيت فيه. كان بحب فلسطين بطريقة رائعة. ضل يشتغل وقت طويل جداً جداً وباهتمام خرافي، لحتى قام بدعوتي لإقامة معرضي "فلسطين جميلة" في فرنسا في (Biennale du carnet de voyage de Clermont-Ferrand) في نوفمبر 2009. هذا الرجل كان مؤمناً بالقضية الفلسطينية وفيي، ما بعرف شو سبب هذه الواقعة! كانت مؤامرة أو فعل حقيقي، أو شو ما كان، المحزن قتل هذه النفس البريئة والطيبة!".
*****
في رد فعل بسيط وبليغ وعميق على الهجوم المسلح، الذي طال رسامي كاريكاتير "شارلي إيبدو" في فرنسا يوم 7 كانون الثاني 2015؛ أشهر الفرنسيون أقلامهم، واعتبروا أن الهجوم على الصحافة هو هجوم على الحرية. "هذا بلد فولتر وزولا، علينا أن نناضل من أجل حرية التعبير".
ورفع بعض مدارس الأطفال المسلمة أوراقاً كتب عليها: "ليس باسمي"، كما تم تداول هذه العبارة منذ ساعة الهجوم، من قبل آلاف المتظاهرين في فرنسا والعالم، وأعلنوا: "لقد أرادوا قتل شارلي إيبدو؛ لكنهم جعلوها خالدة".
كلمة الحياة الجديدة - "شارلي إيبدو " سؤال التوقيت والغاية
بقلم: رئيس التحرير – الحياة
كأنه كان في انتظار هذه العملية الارهابية البشعة، ضد صحيفة "شارلي إيبدو" في العاصمة الفرنسية باريس، ليذهب سريعا الى ابشع استغلال سياسي وعنصري لدماء ضحاياها الابرياء، نعني رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي راح يعمم في ادانته لهذه العملية، حيث ينبغي التخصيص والتحديد: (الاسلام المتطرف لايريد غير القضاء على حضارة الغرب وثقافته ...!!) لا جماعات متطرفة لا تريد غير اشاعة تلك "الفوضى الخلاقة" ولا احد يعرف على وجه اليقين، مرجعياتها الحزبية او السياسية وحتى العقائدية، بما يشي بمرجعيات مخابراتية لها اكثرمن اي شيء اخر.
في هذا التعميم لم ير نتنياهو "احمد مرابط" المسلم الذي كان احد ضحايا هذه العملية الاجرامية، ولن يراه بطبيعة الحال، لأن اليهودي وحده الضحية دائما في تلفيقات الفكرة العنصرية الاسرائيلية، الضحية التي يريدها نتنياهو حطبا لنيران سياساته الاستيطانية، ولهذا يدعو يهود فرنسا للهجرة الى اسرائيل بايحاء انهم "هنا" اكثر امنا وامانا ... !! ضاربا بذلك السلم الاجتماعي الفرنسي ومنظومته الامنية عرض الحائط، بل ومشككا باستقرار الدولة الفرنسية وتماسكها.
لا نظن ان دعوة نتنياهو هذه، دعوة عاطفية او انفعالية، بمقدار ما يحاول رئيس الحكومة الاسرائيلية ان يبدو "وطنيا" فيها، ولأنها ليست كذلك بدلالة طبيعة استغلاله لهذه العملية الارهابية، فان الايحاء الذي اشرنا اليه، هو ايحاء مقصود تماما في غايته السياسية
لا من حيث الدفاع عن امن يهود فرنسا وسلامتهم، وانما من حيث ما يريد على ما يبدو ضد الدولة الفرنسية، كعقاب لها على موقفها في مجلس الامن الدولي الى جانب مشروع القرارالفلسطيني العربي، الذي اراد سلاما ممكنا عبر مفاوضات جادة تنهي الاحتلال الاسرائيلي وفق سقف زمني محدد.
في معادلات المنطق وحساباته، كما في معادلات السياسة وتحليلاتها، لا تخرج عملية " شارلي إيبدو" عن هذا الاطار، خاصة ما يتعلق بتوقيتها، الذي يبدوكتوقيت ضربة وقائية تستهدف منع تطورالموقف الفرنسي بشأن القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني للتحرر والخلاص من الاحتلال.
ويبقى ان نقول : الاسلام منذ اربعة عشر قرنا لايسعى لتدمير حضارات الاخرين، وقد اثرى العديد منها بقيم المحبة والتسامح، قيم الحق والعدل والجمال حتى في المعرفة التي اوصلت ساعة هارون الرشيد لشارلمان ملك الفرنجة عام 807 ميلادية، ولهذا ليست هذه العملية الارهابية البشعة، عملية اسلامية للدفاع عن الرسول محمد صلوات الله عليه وسلامه، وهو العصي على الاهانة بما حمل واوصل من رسالة سماوية مقدسة، بل هي عملية تلك الدوائر المعادية التي لاتريد خيرا للاسلام والمسلمين الذين بات بعضهم القليل مع الاسف الشديد، ادوات وتبعا لتلك الدوائر، اثر ما يمكن وصفه بخيانات "شيوخ" عقائدية لطبيعة الاسلام السمحة، وحقيقته الانسانية الساعية للسلام والمحبة والكلمة الطيبة، التي هي صدقة طبقا للرسول الكريم محمد (ص) في احاديثه الشريفة.
نعم ليست هذه العملية التي ندينها بشدة، إلا عملية مشبوهة بكل المعايير والحسابات، ولاصلة لها بالاسلام وحقيقته.
لضحايا " شارلي إيبدو " الرحمة ولذويهم عزاؤنا من القلب، حمله امس الرئيس ابو مازن في مسيرة باريس ضد الارهاب، هذا الذي ما زال شعبنا الفلسطيني من اكثر الذين يكتوون بنيران غايات اصحابه المعادية والظالمة، من حيث انها غايات العبث والدمار والفوضى التي لن تكون خلاقة ابدا.
مدارات - غيبوبة التطرف وجنونه
بقلم:عدلي صادق – الحياة
منفذو الهجمات الأخيرة في فرنسا، معزولون قطعاً عن كل فضاءات الواقع: المشهد الثقافي والسياسي الفرنسي، والفضاء العربي الإسلامي، حيث تتناسل الكوارث، ويتغالظ المروق على الدين بأيدي رافعي راياته إفكاً، وداخل معسكر «السلفية الجهادية» نفسه، والفضاء الثالث هو شرع الله وشروحات ألمع فقهائه، كإبن تيمية الذي شدد على أن دفع المفسدة بطريقة ينجم عنها ضرر أعظم منها، فإن درءها حرام!
على الأرجح، لم يكن المهاجمون يعلمون أن حرباً اعلامية اندلعت في الآونة الأخيرة، ضد الإسلام والمسلمين في فرنسا، أشعلها عنصريون، وكان من واجب المسلمين صحيحي الإيمان، تهدئتها بدل أن ينبري معتوهون من بينهم الى اقتحام مقر مجلة يسارية نقدية ساخرة، وتنفيذ جريمة مروّعة انتظرها العنصريون لتوظيفها في سياق سعيهم الى مقاصدهم. وكان منحى المزاعم التي روج لها العنصريون، أن الإسلام هو ثقافة ومنظومة تربوية حاضنة للإرهاب، قبل أن يكون ديانة، وأن المسلم - أي مسلم - هو مشروع إرهابي بالمحصلة. وقد استمدت هذه المزاعم زخمها، من عمل روائي لا علاقة له بالواقع، انتجته مخيلة قاص يُدعى ميشيل ويلبيك، جاء فيه إن فرنسا سوف تجد نفسها في العام 2022 مضطرة لانتخاب رئيس مسلم «معتدل» سيكون بالنسبة للفرنسيين المسيحيين بمثابة أهون الشرور، واسمه - للمفارقة - محمد عباس. لكن عباس هذا، في الرواية، سيجعل جامعة السوربون الفرنسية العريقة، شبيهة بجامعة «الإيمان» لصاحبها الشيخ عبد المجيد الزنداني في اليمن، وأن هذا الرئيس سيمنع النساء من ممارسة الأعمال خارج المنزل، حسب توصية حسن البنا مؤسس «الإخوان» في إحدى رسائله المبكرة، التي بشرت بمرحلة تغليف الدين حزبياً وتصغير العقول!
في الخط الدرامي للرواية، يتمزق الفرنسيون بين خيارين شيطانيين، ثم يرسو خيارهم على الرئيس عباس المعتدل، لأن بديله سيكون «مارين لوبين» المتطرف اليميني الفاشي، زعيم «الجبهة الوطنية»!
والطريف، أن الرواية وهي تجترح افضلية للرئيس المسلم، على الرئيس اليميني المسيحي المتطرف، الذي يُفترض أنه سيعمل على تحجيب فرنسا؛ لم تكن أقل سوءاً من محمولات مجلة يسارية لها رأيها في الأديان قاطبةً، كلما تعلق الأمر بجموح ناشطيها الحزبيين الى الحكم والسياسة. فـ «شارلي إيبدو» بدأت واستمرت برسوم ضد التطرف في جميع الديانات، وكان متطرفو المسلمين من ضمن المستهدفين من متطرفي الديانات الأخرى. لكنها، مع تصاعد عمليات التفجير هنا وهناك، ازدادت رسوماتها سفاهة فشملت النبي محمد عليه السلام. وكانت ردود أفعالها على شكاوى المسلمين في المحاكم تصعيدية. على الرغم من ذلك، وجب على جماعات الغلو أن تتحاشى درء المفسدة بطريقة ينجم عنها ضرر أكبر منها. وهذا ما فعله اليهود مع المجلة وما فعلته الكنيسة الكاثوليكية.
وكان مقترفو الجريمة، منفصلين كذلك عن فضاء «السلفية الجهادية» نفسه، الذي يُنتج الاحتراب وإزهاق الأرواح، حتى داخل فضائه الذي يتلطى بالتقوى وشرع الله. يكفينا أن نقرأ، ما تسرب قبل أيام، عن خيبة أمل السلفيين الجهاديين الأردنييين، الذين غدر بهم الشيخ «أبو جليبيب» القائد الميداني في منطقة حوران السورية، فقتل بالتعذيب البطيء شيخهم الأردني أحمد حربي العبيدي، الملقب «أبو سيف الأردني». والتهمة هي الاشتباه بمبايعة القتيل لأبي بكر البغدادي. فقد أهدر «أبو جليبيب» (لاحظوا الأسماء كيف تتردى. فهذا هو تصغير جلباب) دم «العبيدي» وتلذذ بتعذيبه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة. ومن ذا الذي يقنع الفرنسيين، أن الجنون يطالنا قبل أن يطالهم، وأن مصير المسلم السلفي الجهادي، كان وسيكون أسوأ من مصير الضحايا الفرنسيين، إذ لم يسبق موت هؤلاء تعذيب.
لا بد من وحدة الموقف الدولي ضد الدواعش من كل دين، أي ضد أبو جليبيب المسلم وأبو جليبيب اليهودي المتطرف والمستوطن وأبو جليبيب المسيحي المنحاز لأبي جليبيب الثاني. عندئذٍ سيطمئن الفرنسيون الى أن رئيسهم في العام 2022 سيكون كاثوليكياً!
نبض الحياة - الارهاب في باريس
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
لا يضيف المرء جديدا، عندما يؤكد، ان الارهاب لا لون ولا دين ولا عرق ولا جنس له. غير ان المسؤولية تحتم لفت النظر إلى أن المؤصل، والمنتج للارهاب المنظم، هو رأس المال الراكض وراء الربح من خلال قهر إرادة الشعوب الفقيرة والتابعة، واصحاب مبادئ "الفوضى الخلاقة" او "الفوضى البناءة" واللاهثون على تقسيم المقسم في الوطن العربي لبناء شرق اوسطهم الجديد، المتساوقون مع دولة الاحتلال الاسرائيلية.
هؤلاء ينتجون في كل مرحلة تاريخية ادواتهم التخريبية، ويلبسونها اثوابا دينية او إثنية او عنصرية، وينشئون معها رؤى وافكارا واهدافا متناقضة مع مصالح شعوبها والسلم العالمي، ويقوم الرأسماليون بتسليحها وتمويلها للعبث بالاستقرار الاقليمي والاممي. لتحقيق مجموعة اهداف آنية واستراتيجية، منها: استنزاف طاقة شعوب العالم من خلال شراء الاسلحة؛ تقويض الاستقرار فيها، والعمل على تمزيق وحدتها، وربط قواها السياسية بعجلة التبعية لها؛ والحؤول دون نهوضها؛ وتبديد طاقات شبابها في معارك لا تمت بصلة لمصالحها القومية. مرحلة او لنقل عدو واحد لم يكن من انتاجها، وكان خارجا من رحمها، وشكل قوة مواجهة حقيقية لتطلعاتها الاستعمارية، هو النظام الشيوعي، الذي امتد من لحظة انتصار ثورة اكتوبر السوفييتية وولادة منظومة الدول الاشتراكية حتى هزيمته 1917/1991. ومع ذلك إستفادت دول الغرب من العدو الشيوعي من خلال تجييش الدول المتساوقة معها (الرأسمالية) ضد ذلك الخطر، إلى ان انتصرت عليه.
التنظيمات والحركات الاسلاموية، التي انتجتها اميركا واسرائيل واوروبا وحلفاؤها في الشرق العربي والاوسطي بدءا من حركة الاخوان المسلمين في 1928 ووصولا لـ"داعش" و"النصرة" و"كتائب بيت المقدس" و"جيش الامة".... إلخ من المسميات في 2013 وقبل ذلك، شاءت استخدامها كأذرع لها في تفتيت وحدة شعوب ودول الوطن العربي، وخدمة اهدافها المذكورة آنفا، وايضا لخدمة بقاء دولة الاحتلال الاسرائيلية، وبالمقابل التآمر على المشروع الوطني الفلسطيني والمشروع القومي العربي النهضوي. هذه التنظيمات الارهابية، سلاح ذو حدين. فهي بقدر ما تخدم اهداف الولايات المتحدة الاميركية بقدر ما تشكل خطرا على دول الغرب الرأسمالية كلها والدول الدائرة في فلكها.
النتيجة المنطقية للعملية الارهابية البشعة في باريس، هي ضرورة اولا وقف الاساءة للرموز الدينية؛ ثانيا ملاحقة الارهابيين واقتلاعهم من المجتمع؛ ثالثا وقف تمويل وتسليح تلك الجماعات؛ ورابعا وقف العبث بمصير الشعوب العربية؛ خامسا حل المسألة الفلسطينية، واعطاء الفلسطينيين حقوقهم الوطنية كاملة غير منقوصة.