Haneen
2015-02-03, 12:18 PM
في هذا الملف
نهج اسرائيلي لن يحقق الأمن والسلام
بقلم: حديث القدس – القدس
عولمة الإرهاب ومحاربته كصيرورة
بقلم: علي جرادات – القدس
زلزال باريس
بقلم: هاشم عبد العزيز – القدس
لما سأل ابراهام بورغ: هل الشاي «كوشير» ؟
بقلم: حسن البطل – الايام
“الدولة الإسلامية” أم حتمية الحداثة؟
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
انقسام الانقسام
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية !!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
تغريدة الصباح - اهبل
بقلم: محمد علي طه – الحياة
نبض الحياة - الجنائية الدولية ترعب اسرائيل
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
حواديت - الصديقة المخلصة للمرأة
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
نهج اسرائيلي لن يحقق الأمن والسلام
بقلم: حديث القدس – القدس
مع تصاعد حمى حملة الانتخابات الاسرائيلية المقتربة، والتراجع الواضح في شعبية حزب الليكود الحاكم وبعض الأحزاب اليمينية المؤتلفة معه وتراجع شعبية رئيس الوزراء نتنياهو، لجأ صناع القرار في اسرائيل كعادتهم الى التصعيد سواء العسكري كما حدث أمس عندما قصفت اسرائيلية «أهدافا» في الأراضي السورية وحملة الاستعدادات العسكرية لـ «المواجهة المحتملة» على الحدود الشمالية من جهة واستمرار وتصعيد حملة التحريض السافر ضد القيادة الفلسطينية واتخاذ اجراءات ضد الشعب الفلسطيني وقيادته مثل احتجاز أموال الضرائب وتكثيف حملات الدهم والاعتقال في الضفة الغربية واستمرار الاعتداءات اليومية على حدود قطاع غزة .. الخ من الممارسات الاسرائيلية عدا عن التصعيد على الساحة الدولية سواء ضد الدول الغربية التي اعترفت بدولة فلسطين كالسويد أو حتى فرنسا بدعوة اليهود فيها للهجرة الى اسرائيل.
ومن الواضح ان هذا النهج الذي تستهدف من ورائه الحكومة الاسرائيلية وكالعادة تصدير أزماتها الداخلية وحلها على حساب الآخرين او استخدام الآخرين وقودا لحملتها الانتخابية والمصالح الشخصية للمتنافسين على مقعد رئيس الوزراء، يعني العبث بأمن واستقرار المنطقة ومحاولة استغلال أي حدث إقليمي أو دولي لصالح ترسيخ الاحتلال والاستيطان مع كل ما يترتب على ذلك من مزيد من الإجحاف بحق الشعب الفلسطيني ومزيد من المعاناة التي يسببها هذا الاحتلال.
إن ما يجب ان يقال هنا لهذه الحكومة الاسرائيلية ان الشعب الفلسطيني وكذا كل الشعوب العربية وقواها التعليمية لا يمكن ان تقبل بأن تكون وقودا لأطماع الاحتلال والتوسع والاستيطان وان اسرائيل تخطىء خطأ جسيما اذا ما اعتقدت ان كل ممارساتها تلك يمكن ان تمر مرور الكرام بل يجب أن تحاسب وتعاقب على كل ما ترتكبه سواء ضد الشعب الفلسطيني او ضد استقلال وسيادة أي شعب عربي آخر.
وهنا فإن على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته خاصة فيما يتعلق بحفظ الأمن والسلم الدوليين ووقف هذا العبث الاسرائيلي بأمن واستقرار المنطقة، خاصة وأن الغالبية الساحقة من شعوب ودول العالم باتت تدرك ان الاحتلال الاسرائيلي وهذه الغطرسة الاسرائيلية تشكل سببا رئيسيا للتوتر في المنطقة وأن محاولات اسرائيل الزعم بأن ما تسميه «الارهاب» او ما تطمح اليه قوى التحرر في المنطقة وخاصة في فلسطين هو المشكلة، إنما هي محاولات بائسة لن يكتب لها النجاح لأنها بنيت على باطل لا يمكن ان ينطلي على أحد في العالم.
وخلاصة القول، فإن اسرائيل التي ظلت على مدى عقود تزعم أنها تواجه تهديدات وجودية سواء من الجانب الفلسطيني أو بعض الأطراف العربية والإقليمية، هي نفسها التي تشكل تهديدا لأمن واستقرار المنطقة وتشكل سياستها وأطماعها وممارساتها تهديدا وجوديا للشعب الفلسطيني والشعوب العربية. وقد حان الوقت كي يتخذ المجتمع الدولي موقفا جادا وشجاعا في التصدي لهذا النهج الاسرائيلي وايقاف اسرائيل عن الاستمرار في عبثها ومغامراتها التي ثبت أنها لن تحقق أهدافها ولن تحقق لها الأمن والسلام.
عولمة الإرهاب ومحاربته كصيرورة
بقلم: علي جرادات – القدس
"عولمة" الإرهاب التكفيري ليست جديدة، ولا بدأت بالهجوم الذي وقع مؤخراً في باريس وأزهق حياة 17 مواطناً فرنسياً، بل أسس لها في ثمانينات القرن الماضي إقدام الولايات المتحدة وبعضٌ من حلفائها الدوليين والإقليميين على دعم تنظيم "القاعدة" في أفغانستان في مواجهة الاتحاد السوفييتي آنذاك .
وبالمثل ليست جديدة الدعوة إلى تكاتف دول العالم لمواجهة الإرهاب، ولا بدأت بالإدانة العالمية الواسعة للهجوم على فرنسا والتظاهرة التي شهدتها باريس وشارك فيها ملايين المواطنين الفرنسيين وعشرات من قادة دول العالم، بل بتشكيل الولايات المتحدة "التحالف الدولي" ل"محاربة الإرهاب" بعد الهجوم عليها في 11 أيلول 2001 .
ما يعني أن ما يقال عن جديد الهجوم على فرنسا ليس جديداً طالما أنه يتمثل في عودة الإرهاب التكفيري للضرب خارج دوائر تركيزه الأساسية، (الإقليمية والعربية، وسوريا والعراق بالذات)، ما يعني أن هذا الهجوم كان يمكن أن يقع في دولة أخرى، بل ويمكن أن يقع مثله مستقبلاً في أي دولة من دول العالم، "الغربية" منها بالذات، وبصورة يصعب التنبؤ بوحشيتها وعدد ضحاياها . وهو ما يفسر ما أثاره هذا الهجوم من إدانة عالمية واسعة، إنما مع استمرار اغراض أطرافها على حالها من التباين لدرجة التناقض بين دول وشعوب، أكثرها عربية، تعاني ويلات هذا النمط من الإرهاب .
وأثبت الهجوم على باريس مرة أخرى صوابية دعواتها إلى بناء استراتيجية عالمية جادة وشاملة لمكافحة الإرهاب والقضاء عليه، ودول تقودها الولايات المتحدة، ما زالت حكوماتها، وليست شعوبها، تميز بين إرهاب وإرهاب، وبين ضحايا وضحايا، ودول، في مقدمتها تركيا بقيادة أردوغان، تدعم وتسهل حركة تنظيمات الإرهاب سراً في سوريا والعراق وليبيا، وتدينها علناً، بعقلية المذنب ، خاصة عندما تضرب داخل بلدان حلفائها "الغربيين"، وصولاً إلى إسرائيل، ("دولة" آخر احتلال في العالم)، التي ركبت بقيادة نتنياهو موجة الهجوم على باريس، واستخدمت اشتمال ضحاياه على أربعة مواطنين فرنسيين يهود، لابتزاز فرنسا وبقية دول أوروبا والعالم عبر إحياء أسطوانة "الضحية الدائمة"، ولتبرير ما ترتكبه منذ إنشائها من أشكال عنف الدولة المنظم عبر مساواة الهجوم على باريس بالنضال الوطني التحرري الدفاعي المشروع للشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة، بل ولإخافة مواطني فرنسا وأوروبا من اليهود، بغرض جلب المزيد منهم إلى إسرائيل لبناء "دولة اليهود الخالصة"، كأن ذلك ممكن واقعياً وليس مجرد وهم أيديولوجي، بما يقتضيه من إطالة للصراع وتحويله إلى صراع ديني هيهات أن ينتهي أو أن يُسوى على أساس قرارات الشرعية الدولية، أو كأنه، ليس على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية والتاريخية المكفول أدناها في هذه القرارات، أو كأنه، وهنا الأهم، يختلف، من حيث المبدأ والنوع، عن هدف تنظيمات الإرهاب التكفيري في بناء "إمارات" "خالصة الطائفة والمذهب"، ما يعني أننا في الحالتيْن أمام محاولات يائسة لإعادة البشرية إلى مربع ما قبل نشوء المواطنة المتساوية في الدولة الديمقراطية العلمانية الحديثة ذات السياسات الاجتماعية والاقتصادية المتنوعة .
على أية حال، استغلال واستخدام دماء ضحايا الهجوم الإرهابي على فرنسا، ليس جديداً، ولا مستغرباً، فقد سبق للعالم أن شهد مثله بعد الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001 على يد تنظيم "القاعدة" الإرهابي ذاته الذي نفذ الهجوم على باريس، وأسهمت الولايات المتحدة في مده بالمال والسلاح بمساعدة حلفاء دوليين وإقليميين في ثمانينيات القرن الماضي، لتعود وتستخدم انقلابه عليها ذريعة لغزو أفغانستان واحتلال العراق وتدميره دولة وجيشاً ومقدرات ونسيجاً وطنياً ومجتمعياً، ولتثبيت وتعزيز سيطرتها المنفردة بالمعنى الشامل للكلمة على العالم، وزيادة حصتها، (وهي الأكبر على أية حال)، من عائدات الاقتصاد العالمي، فضلاً عن الحفاظ على وتعزيز تفوق حليفها "إسرائيل" في المنطقة .
وهو ما أورث بعض دول المنطقة، والعربية منها بالذات، الدمار بأنواعه، وإشاعة الفتن بأشكالها داخل نسيجها الوطني والمجتمعي، وإزهاق حياة مئات الآلاف، إن لم يكن أكثر، من مواطنيها الأبرياء، فضلاً عن تقوية تنظيم القاعدة الإرهابي وانتشاره وتفريخ عدد كبير آخر من التنظيمات التكفيرية الإرهابية التي، على اختلاف مسمياتها، تتبنى رؤية تنظيم القاعدة وأهدافه ووسائله ذاتها، وصولاً إلى ولادة تنظيم "داعش" في العراق وامتداده إلى دول عربية وغير عربية، حتى صار صاحب ما يسمى زوراً ب"الدولة الإسلامية" في شمال العراق وشرق سوريا، التي باتت تملك من الإمكانات أكثر مما يملكه بعض دول المنطقة والعالم، بينما أصبح القضاء عليها، وفق "الخطة الأمريكية"، بحاجة إلى تحالف دولي واسع يحتاج إلى سنوات لإنجاز هدفه، بل إلى عقود حسب تصريحات كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين الأمريكيين .
لكن في الحالات كافة، وتأسيساً على، وليس في مواجهة، الإدانة الرسمية العالمية الواسعة والشعبية الجارفة للهجوم على باريس، يجدر التشديد على أن هذه الإدانة، على أهميتها، لن تلد استراتيجية عالمية موحدة شاملة وجادة تحارب الإرهاب، بالفعل قبل القول، وأياً كانت جنسية مرتكبي الهجوم وضحاياه، بوصفه عملاً وحشياً بربرياً موصوفاً، إلا بالتخلص من اختلال السياسة العنصرية التي لا تميز بين إرهاب وإرهاب، بل وبين "هويات" ضحاياه حتى صار قتل عدد من الأشخاص جريمة لا تُغتفر، بينما قتل مئات الآلاف، بل الملايين، من البشر مسألة فيها نظر .
وهذا اختلال لا يمكن تفسير أسبابه تفسيراً شاملاً وشافياً إلا بالعودة لبدايات ولادته المتمثلة في أنه لئن كانت فضيلة صراع "القطبين" الأمريكي والسوفييتي في حقبة "الحرب الباردة" أنه ظل صراعاً بين مضامين فكرية سياسية اجتماعية، فإن من أشد شرور فوز الولايات المتحدة بهذه الحرب هو أن الإدارات الأمريكية والحكومات الأوروبية عوض أن تستفيد من هزيمة منافسها الفكري السياسي الاجتماعي، وتُبرز ب"القوة الناعمة" ما تعتقد أنه الأفضل للبشرية، (نموذجها الرأسمالي)، خلقت عدواً وهمياً تحت مسمى "صدام الحضارات"، ما أفضى إلى تقسيم العالم على أساس "هوياتي" بين "إسلامي" مقابل "مسيحي"، أو "شرقي" مقابل "غربي"، بل واستخدمت ما توالد بفضل سياستها وسياسات اجتماعية داخلية في أحشاء هذا العدو المفتعل، من تنظيمات تكفيرية إرهابية، تدعمها حين تخدم مصالحها، وتدعو إلى تشكيل تحالفات لمحاربتها حين تضرب الأبرياء من مواطنيها . تلك هي الصيرورة الواقعية ل"عولمة" الإرهاب التكفيري ومحاربته .
زلزال باريس
بقلم: هاشم عبد العزيز – القدس
"لدي أسرة" .. هذا لم يكن إقراراً بواقع حال مواطن فرنسي، بل امتناعاً عن الإدلاء بمعلوماته كشاهد عيان للهجوم الإرهابي على صحيفة "شارلي ايبدو" المعروفة بسخريتها للإسلام والأديان كافة يوم الأربعاء قبل الماضي، والذي تواصل يومي الخميس والجمعة بخطف رهائن من متجر للأطعمة اليهودية مخلفاً 21 ضحية الأغلبية منهم صحفيين، انتهى بعد قتل المسلحين الثلاثة الذين نفذوا الهجمات الإرهابية .
التعبير على هذا النحو يعبّر عن وطأة الصدمة التي أصابت الفرنسيين في عمق وجدانهم بمشاعر الخوف المرعب من هذا الطوفان الدموي الذي زلزل سكينتهم ومثل حسب محللين فرنسيين "هجمات الحادي عشر من ايلول الفرنسي" .
لماذا بدأ الأمر على هذا النحو من الآثار المطلقة مع أن الهجمات الإرهابية هذه ليست الأولى في فرنسا؟
السبب الأساسي قد يكون في طائفة من القضايا:
* الأولى: حسب مسؤول فرنسي ليس في عدد الضحايا وطبيعتهم بل "القيم التي قتلت المسلّمات التي تبنى عليها الحياة" يضيف: "معظم الفرنسيين لم يقرأوا المجلة الساخرة (شارلي إيبدو) ومشكوك في أن يكونوا سمعوا عنها . ولكن القتل أصاب إصابة قاتلة الثقة التي لهم بنمط حياتهم" .
* الثانية: الإرهاب في فرنسا جاء من الداخل: "المنفذون مواطنون فرنسيون ولدوا وتربوا هنا يتكلمون الفرنسية النقية وهم جزء من المجتمع الفرنسي"، هذا صعب كما يقول المسؤول الفرنسي الذي لم تذكر اسمه وسائل الإعلام التي نقلت آراءه والذي يشير إلى أبعاد تداعيات الخطر: "عندما يستيقظ الفرنسيون من الصدمة سيسألون كيف ربيناهم؟ بعض منهم سيطالب بالفصل على أساس ديني أو عربي - إخراج المسلمين من المجتمع الفرنسي - وهذه ستكون فرنسا أخرى" .
* الثالثة: الهجمات أثارت من جديد قضايا حرية التعبير والعقيدة والأمن .
بالنسبة لقضية الأمن بدت الهجمات الإرهابية التي جرت في منطقة تعتبر محصنة أمنياً مثيرة للتساؤل عن عدم الكفاءة أو التقصير، وذهب البعض إلى القول: "على أي أساس تدّعي فرنسا المساهمة في الحرب على الإرهاب إذا ما كانت فرنسا غير قادرة على حماية فرنسا" .
والواقع أن التضاربات في شأن هذه القضية وخاصة بين الفرنسيين والأمريكيين في توجيه فرنسا الاتهام لتنظيم "القاعدة" من جانب، وإعلان وزير العدل الأمريكي أنه لم يتأكد بعد أن "القاعدة" وراء الهجمات من جانب آخر إذا ما بدا مثيراً للحيرة في شأن علاقة الطرفين تجاه قضية الحرب على الإرهاب، فإن الإشارة التي لم تتكرر إعلامياً بارتباط الجماعات الإرهابية باستخبارات دولية يضع الخلاف في سياق الوصول إلى الحقيقة .
أطلق الفرنسيون اتهاماتهم من سجل المتهمين، وجاء الرد الأمريكي أقرب إلى التساؤل: من وراء ذلك؟
هنا يمكن الإشارة إلى أنه من غير المستبعد أن تكون "القاعدة" تحاول العودة إلى واجهة المشهد بعد أن أزاحتها حركة داعش ليس من الصدارة فقط، بل ومن مجرد الحضور في مناطق كانت حكراً على نشاطها كما في العراق وسوريا وشمال إفريقيا .
وليس بمستغرب أن يكون الذين قادوا انفجار داعش بذلك الزخم قد عادوا الآن إلى استحضار "القاعدة" لا في لعبة تغيير أدوار هذه الجماعات وحسب بل وهناك ما يرتبط بخلافاتها.
بالطبع لأي من الهدفين يمر الوصول بعملية إعادة ميلاد لا نقول إنها لم تكتمل ولكنها في التوقيت بهجوم على فرنسا ومن جماعة تدعي أنها إسلامية تكون خدمت الجانب الاسرائيلي انتقاماً من فرنسا وموقفها الداعم لقرار تزمين الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية وهو موقف تاريخي مغاير للموقف الغربي الذي ارتبط بالسياسة الداعمة لإسرائيل في حروبها ضد الإنسانية ونيلها من الفلسطينيين في أرضهم وحقوقهم وتاريخهم ووجودهم .
لسنا هنا في عقدة المؤامرة، ولكننا أمام تساؤلات حادة من الصعب تجاهلها لأن التداعيات إذا ما اتجهت عنصرياً قد تؤجل سطوع الحقيقة، وهي على أي حال تقوم على أن ما جرى كان عملاً استخباراتياً..
المؤشر الأول تغطية الهجوم على الصحيفة الفرنسية الساخرة من الأديان ومنها الإسلام بالهجوم على متجر للأطعمة اليهودية في خطوة تهدف إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول استغلال الخلاف بين الصحيفة والمسلمين، وليس مهماً من استخدم لتنفيذ العملية، والثاني الاندفاع المكشوف للأمن إلى موقع الضحية، واللافت هنا سهولة قتل المهاجمين لإخفاء الجريمة .
والمؤشر الثاني الدقة في تنفيذ الهجمات التي لا يمكن أن تتاح بتلك القدرة لغير أجهزة استخباراتية، وهذا لا يتوفر للجماعات "الجهادية" التي تلجأ في الغالب إلى الأعمال الانتحارية أو العمليات العشوائية .
أما ثالث المؤشرات فجاءت على لسان رئيس الوزراء الاسرائيلي بحملته ضد العرب والمسلمين ومحاولاته التضليلية ليقول المعتدي أنا الضحية، وهذا ما يكشفه إصراره حضور مسيرة باريس التاريخية دونما دعوة فرنسية، وهو ما قالت الصحف الإسرائيلية أنه دعا نفسه وزاد على ذلك بمثل تسلله من الصف الثاني إلى صف الرؤساء الذين احتشدوا في المسيرة التي شكلت انتفاضة ضد إرهاب الشعب الفرنسي وعالمنا بأسره.
لما سأل ابراهام بورغ: هل الشاي «كوشير» ؟
بقلم: حسن البطل – الايام
لسببٍ ما، ذكّرني ابراهام بورغ بما قاله الصوفي الإسلامي ابن عربي، سوى أن بورغ اليهودي الإسرائيلي الصهيوني .. والسياسي ليس صوفياً.
ماذا قال ابن عربي: «اول علائم صدق المريد فيما يريد دعوته للحق. أولى علائم دعوته للحق رجوعه للخلق.. لكن ماذا بعد رجوعه للخلق؟ خروجه للحق؟
عاش ابن عربي في الأندلس، في القرن السابع الهجري، وأما رئيس الكنيست ـ سابقاً، ورئيس الوكالة اليهودية ـ سابقاً، ورئيس المنظمة الصهيونية العالمية ـ سابقاً، فهو يعيش في القرن الواحد والعشرين، وفي هذه الأرض المقدسة، وله، بعد انقلابه الفكري والسياسي والأيديولوجي.. والشخصي، ما يشبه «رؤيا أندلسية» لسلام بين شعبين، دون تقسيم البلاد دولتين، ودون الدولة الواحدية، أيضاً.
الانقلاب، أو السباحة ضد التيار الغلاب في إسرائيل، نقله إلى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة. سلام بين شعبين (ودولتين!) ومساواة في دولة إسرائيل بين شعبيها: «انتقلت للجبهة من أجل مساواة في الحقوق».
تبدأ المساواة بـ «الحق ذاته للناس بين البحر والنهر»، وتبدأ بـ «نقل الخطاب الإسرائيلي من الخطاب الصهيوني الوطني إلى المساواة في الحقوق».. وتبدأ، أيضاً، بالمساواة بين «الهولوكوست» و»النكبة».. سياسياً.
اللقاء المحدود مع بورغ في مقر «تحالف السلام» كان عصفاً فكرياً. لكن لا يخلو من دعابة، لأن بورغ ليس محاضراً جهماً، بل دافئ القلب، نيّر الفكر.. ومجدّد.
لا تكفي الشجاعة، وهو شجاع، لكن تلزم الشجاع ـ كما يقول ـ رؤية عميقة وبعيدة النظر، للخروج من حالة سياسية كثيرة التداخل، وخطيرة، لكن يمكن أن تكون فرصة للتغيير.
أين تكمن فرصة التغيير؟ رؤية جديدة للتفكير الصهيوني ـ الإسرائيلي الكلاسيكي. هل هذا ممكن؟ هو يقول: اليهود ليسوا صريحين وحاسمين مثل الأميركيين. الأوّلون يقولون: «نعم.. ولكن» والأخيرون إما «لا». أو «نعم».
بين سؤال وجواب، كان بورغ «يقفش» دعابة، مثل سؤاله عندما قدموا القهوة العربية «هل الشاي حلال» أو دعابته عن والده الألماني (يوسف بورغ ـ رئيس «المفدال») أنه كان شرهاً للأكل «مثل صائب عريقات قبل أن يعمل ريجيماً». ذكرنا أن أمه يهودية ـ خليلية (من يهود فلسطين).
لم تفاجئني أفكاره منذ أن عرضها في كتابه «لننتصر على هتلر» (منشورات «مدار») لكن انضمامه لـ «حداش» شكل مفاجأة صادمة لصديقه يوسي بيلين، لأنه انضم إلى حزب «غير صهيوني».
مفاجأتي الشخصية هي روحه المرحة، ودعابته الساخرة، حتى كدت أسأله، مازحاً، كيف كان يضع «الكيبا» المطرّزة على رأسه الأصلع.
بورغ يجد إيجابية في أوسلو. لماذا؟ لأنها أدخلت فكرة الفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين. هل إسرائيل ديمقراطية؟ في رأيه أن الإسرائيليين يصوّتون لشيء ويحصلون على آخر.. الآن حصلوا على رئيس وزراء يرفع شعاراً يقول: دولة اليهود الديمقراطية. بورغ لا يقبل هذا الخلط.
كان اسحق دويتشر اليهودي قد وضع كتاباً عنوانه «اليهودي ـ اللايهودي».. والآن يتحدث شلومو ساند عن «اختراع الشعب اليهودي» ليصل إلى «لماذا لم أعد يهودياً».
كيف يرى بورغ «يهودية الدولة»؟ إنها تشتّت بين الثقافة والدين والسياسة والتاريخ. كيف يرى شرط السلام؟ حل مشكلة اللاجئين الفلسطينية أولاً لأنها موضوع «إنساني» قبل أن يكون «سياسياً».
يعارض بورغ شخصياً «حل الدولتين» لأنه «انتهى»، لكن يعارض «الدولة الواحدة» لأنه غير ممكن فهو في الظرف الحالي، دولة لصالح شعب ضد شعب آخر. إنه مع نموذج الحل الأوروبي، أي ما يشبه الكونفدرالية ذات ثلاث طبقات: 1ـ تعريف من هو اليهودي، الإسرائيلي، الفلسطيني، اللاجئ. 2ـ جسم تنفيذي موحد لكل شيء وكل الأطراف. دستور موحّد.
لا أتفق معه حول أن «حل الدولتين» انتهى، لكن أتفق معه على حل كونفدرالي. هل هذا ممكن؟ يقول خلافاً للانطباع فإن الشعب الإسرائيلي يصغي للمرة الأولى، كما أن أوروبا جاهزة لاستقبال أفكار جدية حول العمل المشترك العربي ـ اليهودي.
***
حرص ياسر عبد ربه، بعد انفراط اللقاء، على تعريفي إلى بورغ كأول من كتب عنه: المنشق، المتمرّد.. المرتد (الاثنين 12/1/2015) وطرحت على بورغ ثلاثة أفكار حول القدس، والغور، والأمن الأعلى والأمن الجاري (الأمن لإسرائيل، والسيادة لفلسطين).
قناعتي منذ سنوات، يمكن الحوار مع إسرائيليين، لكن يصعب على المثقفين الفلسطينيين الحوار مع القوميين العرب الفاشيين أو الجهاديين الإسلاميين.. في المقابل يسهل على إسرائيل الحوار مع فلسطين، ويصعب عليهم ذلك مع القوميين الصهيونيين أو الأصوليين اليهود.
“الدولة الإسلامية” أم حتمية الحداثة؟
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
ينبني النموذج النظري لـ «الدولة الاسلامية» كما يراه وينظر له أمحمد جبرون الباحث والجامعي المغربي في كتابه الجديد “مفهوم الدولة الاسلامية: ازمة الاسس وحتمية الحداثة” على ثلاثة اركان هي: البيعة, العدل, المعروف, وتشكل في مجموعها والنقاش حول تطورها والاشكال التي اتخذتها العمود الفقري للكتاب. وهي، بحسب المؤلف، قلب وجوهر التسيس الاسلامي، ومناط اسسه واهدافه، إذ يقول: «ومن خلال مطالعة متأنية لنص القرآن, وتدبر سياسي لآياته من جهة, وقراءة متفحصة للتجربة التاريخية للرسول, بروح عصرية وأدوات معرفية مُستمدة مما أسلفنا قوله على مستوى فهم القرآن, وفقه السنة, اهتدينا إلى جملة من المبادىء الكلية التي يرجع إليها تدين الدولة او اسلاميتها في التجربة التاريخية الإسلامية، وهي على التوالي: البيعة, والعدل, والمعروف». ورغم الاهمية البالغة التي ينسبها المؤلف لهذه ألاركان الثلاثة فإنه لا يخبرنا بمنهجية الإهتداء إليها وعلى اي اسس استنباطية اختارها. بل ثمة قدر من الانتقائية الواضحة، إن لم نقل الاعتباطية في اعتمادها. لماذا، مثلا، لا تكون الاركان المؤسسة للتسيس الاسلامي هي تلك التي قال بها محمد عابد الجابري: الشورى, والتفريق بين الرسالة والسياسة, والمسؤولية العامة والفردية؟ ولماذا لا نقول ان الحرية بمفهومها الواسع والانعتاقي من السلطة والجبر هي احد اركان واهداف التسيس الاسلامي؟ ولماذا لا نقول ان المساواة, وليس العدل هي التي تستحق ان تكون واحدة من تلك الاركان.
وبعيدا عن حسم الخلاف حول اي من هذه المفاهيم يستحق ان يكون ركنا من «الاركان»، فإن ما هو مهم منهجيا توضيح المبرر المنطقي والجدلي الذي يسوغ تضمين احدها واستبعاد آخر.
واستطرادا لأولويات المفاهيم المركزية ولدفع النقاش مع المؤلف إلى مساحات اضافية، يمكن الزعم هنا ان مفهوم المساواة وهو المفهوم الثوري الكبير الذي حققته الحداثة السياسية اهم بكثير من ناحية التأسيس لفكرة الدولة ودولة الحداثة عموما، ودولة “الحداثة الاسلامية” خصوصا، من مفهوم العدل. المساواة اهم من العدل لأن مركزية هذا الاخير والتوق له تحصيل حاصل رغم طوباوية تحققه التام على الارض. فكل منظومة فكرية وفلسفية وكل تجسيد سياسي واجتماعي لتلك المنظومات يولي الاهتمام الاولي لقيمة العدل وإعلاء مكانته. بيد ان المساواة بين الافراد بغض النظر عن العرق والدين واللون والمرتبة الاجتماعية هي التحدي الكبير الذي يواجه التنظير، والتجسيد العملي، لفكرة الدولة الاسلامية الحديثة. وفي قلب هذا التحدي تقع فكرة المواطنة الكاملة التي تدفع بولاءات الافراد الفرعية إلى الهوامش وتعتبر ولاءهم للدولة وبكونهم مواطنين فيها هو الاولي والاساسي. وهنا، في قراءة وبحث جبرون، لا نجد التقعيد المطلوب لفكرة المساواة وموضعتها في نظرته وتنظيره للدولة الاسلامية. ولا نجد على سبيل المثال، وارتباطاً بمسألة المساواة، اي نقاش معمق لموضوعة غير المسلمين في الدولة الاسلامية المُنظر لها.
وربما امكن القول هنا: ان خفوت موضوع المساواة في مقاربة الكتاب يقودنا الى مسألة اشكالية اخرى وهي الاعتماد على خصوصية الحالة المغربية التي استولت على المؤلف واعتبرها المثال التوضيحي، عبر تفكيكه وفهمه، للنموذج النظري الذي يقترحه. فمن ناحية اولية، تنحصر معالجة الكتاب في التجربة السياسية العربية (وليس الاسلامية بشمولها) قديما وحديثا. وفي الإطار العربي «الحديث» تفرد مساحة موسعة لمناقشة الحالةالنموذج التي تم تطبيق «النموذج النظري» عليها وهي حالة المغرب. ويبرر المؤلف هذا التركيز والاستدلال في المغرب بكون “... الدولة المغربية خلال العصر الحديث من الامثلة التاريخية النموذجية التي تعكس بجلاء اعطاب الدولة الاسلامية (دولة العصبية)، وقصورها في هذا المنعطف التاريخي الحاسم ...”. بيد ان الحالة المغربية وتطورها وتاريخها تتسم بخصوصية لا تمثل او تعكس بقية العالم العربي او الاسلامي, وتثير بالتالي اشكالية منهجية حول مدى فعالية النموذج النظري. فالمغرب يمتاز مثلا بالتناغم الديني وعدم وجود مواطنين غير مسلمين بنسب مهمة, وبسيرورة تاريخية تمتد عدة قرون من حكم شبه متصل (دولة المخزن ماضيا وحاضرا), وبسبب ذلك يبدو تطبيق النموذج النظري (البيعة, العدل, المعروف) الذي يركبه المؤلف/المؤلفة على الحالة منطقيا. لكن سوف نصطدم بمشكلات منهجية من نوع مختلف لو طبق ذلك النموذج في منطقة اخرى مختلفة عن المغرب, مثلا في المشرق, حيث التعددية الدينية, وحيث سيرورات الحكم المناطقي تحت ظل الدولة العثمانية مختلفة عن السيرورة المغربية, وهكذا. ففي حالات كثيرة لن نجد استمرارية مباشرة او غير مباشرة لذلك النموذج الذي لو استمر من دون انقطاع لقاد المسلمين وبلدانهم الى حداثتهم السياسية كما تقترح المخطوطة. وهكذا فإننا لا نستطيع الخلوص إلى مبادىء نظرية تتأسس على التجربة التاريخية ويكون طموحها الاسهام في «الحداثة السياسية» لمفهوم الدولة الاسلامية من دون التعرض للسيرورات التاريخية في شكل التسيس الحديث في المجتمعات والدول المسلمة في اندونيسيا, وماليزيا, وتركيا, على سبيل المثال, واختبار النموذج النظري الذي يقترحه المؤلف.
فضلا عن ذلك فإن التطبيق المعاصر لبعض اركان النموذج النظري يثير تساؤلات منهجية ايضا, مثلا كل دول الخليج تعتمد على مفهوم «البيعة» في إطار “أهل الحل والعقد” في شرعنة الأنظمة القائمة. فأين نضع هذا في سياق تطور سيرورة هذا الركن, وهل يختلف توظيفه عن التوظيف التاريخي من قبل النخب الحاكمة, وهل صلابته في هذه الدول تقف في وجه آلية البيعة في العصر الحديث المتمثلة في الديموقراطية والانتخابات؟
ما لا يبدو واضحا تماما ايضا، هو موضعة السياق والنص في تشكل وتطور “الدولة الاسلامية”. ففي الوقت الذي يكرر فيه المؤلف ضرورة عدم الخضوع للسياق لتحديد مفهوم الدولة الاسلامية عند المفكرين المعاصرين, فإنه يخضع عمليا «مفهوم الدولة الاسلامية» لفقه التاريخ (اي السياق بشكل او بآخر), ويؤكد على «الشرعية الاخلاقية» للتاريخ غير المتوائم مع المثال الطوباوي ويكشف عن «الإكراهات» التي مرت بها تلك الشرعية وأهمية فهم وقبول تلك الاكراهات التي شكلت الصيغة التي تبلورت إليها «الدولة الاسلامية». وكل ذلك قد يشير إلى قبول لإكراهات السياق في الماضي, ورفضها في الحاضر. في الوقت ذاته يحتاج المؤلف إلى التوسع في فكرة نقده خضوع الاسلاميين لمسألة السياق في تطوير افكارهم إزاء «الدولة الاسلامية الحديثة», وتناول السؤال النظري والمعمق حول تطور الافكار وتبلورها في اي زمن ما والعلاقة العضوية المشتبكة دوما مع السياق مقابل سلفية الافكار التي تنقطع عن السياق وتتعالى عليها.
انقسام الانقسام
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
دخلت المصالحة في غيبوبة جديدة أو نوبة جديدة من نوبات موتها السريري. وهي عموماً لم تفق يوماً من الموت لكن صعقات كهربائية حادة كانت تنجح بين فترة وأخرى في نفض الجسد ودفعه للحركة المفاجأة. منذ اليوم الأول لتشكيل حكومة الوفاق بدا واضحاً أنها حكومة اللااتفاق، وانها حكومة لن تُمكن في الأرض خاصة في غزة، وانها حكومة فوق وطنية بمعنى لا علاقة لها بحقيقة المصالحة الوطنية. هذه المرة حدث كل شيء أيضاً فجأة. مثلما حدثت المصالحة في غزة فجأة انهارت في غزة فجأة. كأنها لم تكن مؤسسة على قواعد سليمة. وهي فعلاً لم تكن مؤسسة على قواعد سليمة، بل إنها بنيت على أعمدة من ورق هش، وهي مثل قصور الرمل تتهدم امام ضربات الريح. هذا ما حدث. فجأة انهار كل شيء. هذه المرة لا توجد عودة للانقسام بل ثمة تقسيم للانقسام. فحماس تقوم بدفع رواتب موظفي حكومتها الذين صاروا نظرياً جزءاً من موظفي الحكومة حتى يتم النظر في توصيات اللجنة الإدارية. وبات واضحاً ان ثمة تعزيزاً لحالة الانقسام داخل الوعي الحزبي والمؤسساتي. واستكمالاً فإن الحكومة لا علاقة لها بغزة لا من جهة الأمن ولا من جهة الجباية ولا من جهة الولاية على الموظفين المدنيين والعسكريين، وهي في الوقت ذاته تظل الحكومة الفلسطينية الشرعية. حالة التشظي الذي أفرزته مرحلة ما بعد الانقسام أكثر انقساماً من الانقسام ذاته.
يبدو ان حكومة الوفاق الوطني هي آخر طلقات مسدس الوحدة الوطنية، ولم يعد في جعبة المتحاورين المزيد من رصاصات الإنقاذ ولا الأفكار لإغاثة الجسد الذي دخل الغيبوبة منذ تموز العام 2007. حتى أن الأفكار المطروحة لاستعادة بريق الحوارات والابتسامات امام الكاميرات لم تعد تجذب أحداً. وكأن الجميع في انتظار المعجزة ان تحدث. مثل أن يتدخل طرف خارجي وتحديداً من جهة مصر او تركيا او ربما الجامعة العربية. لكن يبدو ان «غودو» هذه المرة لن يأتي حقاً، ولن يكون السادة المشاهدون بحاجة للطفل الصغير يأتي في نهاية العرض ليذكرهم بأن «غودو» لن يأتي اليوم، لأن كل شيء يقول إنه لن يأتي، وإن المنقذ إن لم يكن تعبيراً عن القناعة الذاتية بوجوب طي هذه الصفحة السوداء للأبد فلن يكون من الخارج.
ثمة شيء مؤلم في العنصر الخارجي دوماً، حتى لو كان هذا العنصر إيجابياً. فهو في نهاية المطاف خارجي وللخارج حدوده كما له اشتراطاته. وفي جوهر النقاش حول الشعار المقدس حول القرار الوطني المستقل تكمن حكمة التخلص من تبعة الخارج دون إفقاد القضية بعدها القومي والإنساني. لكن في حالة الانقسام فإن ثمة وطأة شديدة لوقع الخارج على مجريات المصالحة الميتة، التي يمكن أن يقال إنها حدثت عبر الكثير من التأثيرات الخارجية، والتي لا يمكن ان تزول أيضاً بقرارات خارجية، بل برغبة جامحة بالتخلص من ثقل العوامل الخارجية. وعليه فإن العودة بالانقسام إلى الجذور الداخلية وحده يمكن ان يقتلع ويجتث هذه الجذور. وبالقدر ذاته فإن انتظار الحلول الخارجية والتعويل على البعد الخارجي للمصالحة يبدو تعميقاً لأزمة المصالحة. هذا لا يعفي من التأكيد على أهمية بعض الدول الشقيقة في رعاية المصالحة. لكن هذه الدول لا يوجد بيدها الحل السحري لأزمات الانقسام، بل إن هذا الحل موجود في جوهر الآية الكريمة «إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم».
لم يكن الانقسام ملائماً ولا ضرورة، لكنه لا يبدو مسيئاً أكثر من أي وقت مضى لا سيما مع دخول حالة الاشتباك السياسي والقانوني مع الاحتلال مرحلة متقدمة. فتوقيع السلطة على ميثاق روما وبحث محكمة الجنايات عن تحريك دعوى قضائية ضد إسرائيل والحرب العنيفة التي تشنها إسرائيل على المحكمة الدولية، كل ذلك يقتضي اعادة التفكير في مآلات الانقسام وما يمكن ان يجلبه من مآسٍ وانكسارات أكبر. كان يمكن لقضية المحكمة الدولية أن تفتح الباب واسعاً امام توسيع الصدر ونحو إزالة ما علق بجسد الوحدة الوطنية من أورام وكدمات، خاصة أن آمالاً كثيرة عقدت على توقيع اتفاق المصالحة، وهي آمال لم تكن في محلها كما اعتقدنا من وقتها. لكن، أياً كانت الحال، فإن الأبواب التي كان يمكن فتحها بدت كثيرة ومتعددة وسهلة.
والانضمام إلى ميثاق روما، بالقدر الذي يفتح آفاقاً جديدة من الاشتباك والصراع مع إسرائيل وبالتالي يوفر فرصاً اكثر، فهو يشكل تحدياً كبيراً إذا لم يتم استثماره بشكل صحيح. فمن جهة فإن وحدة حال الموقف الفلسطيني وتنسيق الجهود وتكاملها لا يبدو شرطاً فقط بل إنه أساس لا يستقيم تحقيق الأهداف الفلسطينية من وراء التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية بدونه. يبدو هذا الحديث مهماً لأننا مدمنون في تحويل كل شيء إلى مادة من مقررات الانقسام المقدسة التي نعشقها ونسعى دائماً إلى توسيعها. كما يبدو مهماً لأن افتراق الجهود ليس مضيعة للجهود ذاتها بل هو إضعاف للمواقف الفلسطينية وبالتالي، ربما، تحويلها إلى طاقات سلبية.
لا يبدو توقيت تصعيد الخلاف الداخلي مناسباً في ظل المعركة الجديدة التي فتحتها القيادة الفلسطينية في المحافل القضائية الدولية لمواجهة جرائم إسرائيل. وعلى خلاف لحظات سابقة فإن مستوى الإنذار بات عالياً فيما يخص مستوى التوافق الداخلي.
أظن أن الطرفين بحاجة لجولة معمقة من الحوار الوطني الصريح والمفصّل الذي يشمل كل شيء والذي لا يكون مقصوراً على نخبة من ممثلي التنظيمين وخبراء التفاوض فيهما، بل يكون كل فريق مكوناً من طواقم كبيرة ومتنوعة تناقش كل شيء. كانت ثمة محاولة قبل ذلك لمثل هذا الحوار، سبحان الله انتهت بالنجاح على ذمة المتحاورين بعد ساعات من الحوار. نحن لسنا بحاجة لساعات نخرج بعدها ونبتسم. نريد حواراً في الغرف المغلقة بعيداً عن ابتسامات الكاميرات وربما يتم بثه على الهواء مباشرة لأيام حتى يتم حل كل القضايا العالقة. فقط عبر مثل هذا الحوار يمكن إنجاز اتفاق لا ابتسامات.
فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية !!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
أعربت إسرائيل عن صدمتها، من إعلان المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، فاتوا بنسودا، عن فتح دراسة أولية للحالة في فلسطين. إسرائيل لم تكن تتوقع، أن فلسطين قادرة على دخول المحكمة الجنائية، وكانت تتوقع أن يكون الإعلان الفلسطيني حبراً على ورق!!!
سارع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، إلى مطالبة نظيره الأميركي كيري، بالتدخل «ووضع حد لتلك المهزلة» ـ حسب البيان الرسمي الإسرائيلي، وبعد ذلك بيوم واحد، أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بياناً جاء فيه: «إسرائيل ترفض رفضاً قاطعاً القرار الفاضح الذي اتخذته المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية».
لعلّ المتابع للموقف الرسمي الإسرائيلي، ولتصريحات القادة الحزبيين الإسرائيليين ولما تضمنته الصحافة الإسرائيلية في اليومين الفائتين، يلمس مدى حالة الاضطراب والتخبط في إسرائيل من جهة، وتخوفات إسرائيل لما يجري، وما سيترتب عليه مستقبلاً.. استخدمت البيانات الرسمية الإسرائيلية، عبارات غير لائقة، كوصفها البيان بالسخيف والمهزلة المأساوية والانحياز للإرهاب وغيرها من العبارات المبتذلة والعدوانية ضد المدعية العامة، والمحكمة الجنائية بشكل عام!!!
حاول نتنياهو الربط بين السلطة الفلسطينية والتطرف الإرهابي «الإسلامي»، وتقديم صورة باتت مزيفة في نظر المجتمع الدولي، وموجزها أن إسرائيل تدافع عن نفسها، ومن حقها ممارسة هذا الدفاع، في وجه «متطرفين إرهابيين إسلاميين»، هم حماس، ومن يتحالف معهم، وهم «السلطة الفلسطينية، جاء في الكلمة التي نشرها نتنياهو، متلفزة ومكتوبة: «أياماً قليلة، بعد أن ارتكب الإرهاب الإسلامي المتطرف، مجزرة في فرنسا، قررت المدعية العامة للمحكمة الدولية، الشروع في فحص ضد دولة إسرائيل، التي تدافع عن مواطنيها من حماس.. التي تحالفت مع السلطة الفلسطينية، إذ أطلق أفرادها، مجرمو الحرب، آلاف الصواريخ على المواطنين الإسرائيليين أثناء الصيف المنصرم!!!».
هذه المعزوفة الإسرائيلية، باتت مشروخة، وغير قابلة للاستخدام، ذلك أن هنالك حقائق دامغة، لا تقبل التأويل، بعد مسارات المفاوضات السابقة، وبروز الاستيطان، كعقبة كأداء في وجه المفاوضات والسلام. الاستيطان بيّن، وهو مخالف لأبسط قواعد القانون الدولي، وتغيير معالم الأرض المحتلة، جغرافياً وديمغرافياً، هو أمر منافٍ لأبسط قواعد القانون الدولي والإنساني، وهو ما تقوم به إسرائيل، وتصر عليه، ولا تريد وقفه.
جرائم الحرب ضد غزة، واستخدام العنف الأقصى، هو عدوان بيّن وواضح، ولا يمكن تغطيته بأي ادعاءات وأقاويل.. لا تستطيع إسرائيل، الربط بين «الإرهاب الإسلامي» وبين السلطة الفلسطينية، بات المجتمع الدولي، يلمس توجهات السلطة العلمانية والديمقراطية، وحرصها على الوصول لاتفاق سلام شامل وكامل وعادل، في وقت تمارس فيه إسرائيل الاستيطان والحصار والعدوان.
ستحاول إسرائيل والولايات المتحدة، الضغط على السلطة الفلسطينية، ومحاولة منعها من رفع دعاوى ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، لكن دون جوى.
الإساءة للمحكمة الجنائية الدولية، هي إساءة للقانون الدولي، وإساءة لمؤسسات العمل الدولي كافة.
بات من الممكن الآن، أن تتقدم السلطة بدعاوى ضد إسرائيل، كما بات ممكناً، لأية جهة شعبية فلسطينية، أن ترفع الدعاوى، وما أكثرها.
تغريدة الصباح - اهبل
بقلم: محمد علي طه – الحياة
تعطّل هاتفي النقّال او هاتفي الجوّال او هاتفي الخليويّ او هاتفي الخلويّ او موبايلي او بالعربي الاندبوري «بليفوني» ولاننا صرنا لا نفارق هذا الجهاز العصريّ ولا يفارقنا سواء في الاعراس او في الجنازات او في المساجد او في الكنائس او في الشوارع او في غرف النوم او في الحمّامات او في المراحيض، سارعت بالسفر الى مكتب الشركة في منطقة الخليج يعني «بالعربي الاسرائيلي» او «المتأسرل» منطقة «مفراتس» لاصلاحه في الحال فما عاد الواحد منّا يطيق الحياة دونه، فوجدت هناك قاعةً واسعةً وعشرات الزبائن امثالي، شيوخا وعجائز، شبانا وشابات، جاءوا لاصلاح اجهزتهم او تغييرها او للتحقّق من فاتورة الحساب الشهريّ المتخمة الى درجة التجشّؤ، كما شاهدت اثنتي عشرة موظفة صبيةً جميلةً يستقبلن الزبائن الساذجين امثالي بابتسامات حلوة جذّابة وبكلمات معسولة فالصبايا هنا لسنات شاطرات مسحوبات من السنتهن وامام كل صبيّة صحن فيه حبّات ملبس ملوّنة من ذلك النوع الذي كنّا نشتريه من دكّان الحارة الصغير بشلن او ببيضة ايام كنّا اطفالا.
هاتفي النقّال معطّل واللعين لا يصدّ ولا يردّ، وذكرت للموظفة رقم الجهاز فتكتكت باناملها الناعمة على حاسوبها وابتسمت وهي تقول لي: هذا الجهاز دون تأمين وخربان وعندنا البديل. جهاز جديد وحديث جدًا ومتطوّر والارقام فيه كبيرة لا تتعب نظرك، جهاز مجّانيّ ولا يكلّفك شيئا سوى ان توقّع على هذه الاوراق.
يا سيدتي لا اريده ولا اوقّع على اوراق لا استطيع ان اقرأها ولن اقرأها وهي تذكرني بالاوراق التي وقّعت عليها في البنك عندما نصحني نزيه، الموظف اللطيف، بأخذ قرض لتغطية السحب الزائد. حروف صغيرة تصعب قراءتها ولا يقرأها زبون فالعبي غيرها.
اذا يا سيدي يكلفك التصليح خمسمائة شيقل. طبعا ملفوفة بابتسامتها الحلوة.
ولو! يمكنني ان اشتري خمسة اجهزة بهذا المبلغ من السوق.
ما رأيك يا سيدي ان تدفع تأمينا للجهاز مقداره خمسون شيقلا شهريا لمدة سنة؟
«تستهبلني» وتبتسم. لن ادفع. وعادت الحلوة تشرح لي عن الجهاز الجديد المتطوّر وانا ارفض فالملدوغ يخاف من جرّ الحبل وقد اكلتها قبل سنة. لن انتقل الى شركة اخرى فكل شركات النّقال امينة وطاهرة ولا تسرق الزبائن ولكنني قررت انني لا اريد جهازا. خذوا هذا الجهاز واقطعوا الخط واريحوني منه. تكتكت على حاسوبها. تدفع حالا تسعمائة شيقل. اخرجت بطاقة الفيزا من محفظتي. لا تسرع. يا سيدي كيف ستتصل مع زوجتك؟ وكيف سيتصل بك ابناؤك وبناتك والاحفاد؟ جعلوا ما حدا اتصّل. يا سيدي لا تستطيع ان تعيش دون الجوّال. استطيع وسوف ارتاح واحافظ على صحتي ومالي وافكّر ان ابيع السيارة واشتري حمارا فما احلى ايام زمان. ابتسمت الموظفة الحلوة وقالت: سوف نصلّحه. كم تظنّ انك ستدفع لنا؟ لا شيء. ما في شي ببلاش الا العمى والطراش. قلت لك لا شيء. حسنا لن تدفع شيئا بل سنضيف خمسين شيقلا على الفاتورة الشهريّة. هل انت مبسوط يا سيّد؟ وتبادلنا الابتسامات الحلوة والبلهاء. وشعرت اني ربحت اربعمائة وخمسين شيقلا عدّ ونقدا، وشعرت الصبيّة الحلوة ان زبونا «اهبل» آخر من مئات بل آلاف الزبائن دفع وخرج مسرورا فلكل شيء ثمن ولابتسامة الحلوة ثمن ايضا.
نبض الحياة - الجنائية الدولية ترعب اسرائيل
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
دولة التطهير العرقي الاسرائيلية اصابها الهلع والذعر بعدما اعلنت فاتوبن سودا، المدعية العامة في محكمة الجنائية الدولية عن مباشرة التحقيق في جرائم الحرب الاسرائيلية، حتى قبل المصادقة النهائية على عضوية فلسطين الكاملة فيها. لان قوانين الجنائية يسمح لها، في حال قبول طلب التحقيق من قبل الطرف المدعي على دولة اخرى نفذت جرائم حرب.
قادة اسرائيل من نتنياهو الى لبيرمان الى بينت وحتى المعارضة، جُن جنونها، وفقدت اعصابها، وباتت تلقي التصريحات يمينا وشمالا دون وازع سياسي او قانوني او قيمي، وهدد وزير الفساد ليبرمان بالعمل على «حل المحكمة»، كما طالب دولته بـ"عزل» الرئيس ابو مازن عن موقعه، وطالب كلاً من المانيا وفرنسا وبريطانيا واميركا بالحؤول «دون ممارسة» المحكمة لدورها، ووصف قرار المحكمة بـ"المخزي، وهو ما صرح به ايضا رئيس الوزراء المتهالك، الذي رفض قرار المحكمة، واعتبر انها «لا تملك سلطة قضائية على فلسطين، بما ان هذه الاخيرة ليست دولة، حسب قواعد هذه المحكمة بالذات»! وطالب جون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة بالتدخل لمنع المحكمة من ممارسة دورها. مدعيا ان دولته اسرائيل تحارب «الارهاب» وفقا للقانون الدولي، ولديها نظام قضائي مستقل»؟!
من خلال التمعن بمواقف القيادات الاسرائيلية المذعورة، يلحظ المرء، انها اولا تطاولت على المحكمة الجنائية الدولية؛ ثانيا شاءت ان تلوي عنق الحقيقة، وتدعي ماليس فيها، حينما يقول نتنياهو، ان دولته، «تحارب الارهاب»، والحقيقة ان اسرائيل منذ وجدت وقبل ذلك، وهي تنتج الارهاب المنظم، والذي جله وجهته ضد ابناء الشعب الفلسطيني؛ ثالثا مطالبة دول الغرب (اميركا واوروبا) بالتدخل لثني المحكمة عن ممارسة صلاحياتها ودورها كحامية لحقوق الانسان من انظمة وقوى البطش الارهابية؛ رابعا مواصلة التنكر لمكانة دولة فلسطين، حيث تساوقت معها الادارة الاميركية في هذا الاتجاه، عندما اعتبرت، ان فلسطين «ليست مؤهلة لعضوية المحكمة»؟! وهو ما يعني منح اسرائيل الضوء الاخضر لاستباحة دماء الفلسطينيين؛ خامسا الذهاب بعيدا في ارهابها وجرائمها (اسرائيل) حين يدعو وزير خارجيتها ليبرمان للتخلص من الرئيس ابو مازن؟! وهو ما يكشف عن جريمة جديدة، ويفضح الوجه الحقيقي للدولة الاسرائيلية، كدولة معادية للسلام، ومؤصلة للحرب والعدوان ومحرضة على العنف والجريمة.
مع ذلك، واياً كان شكل التهديد والوعيد الاسرائيلي، فانها لن تثني القيادة الفلسطينية، والرئيس عباس عن مواصلة دورها كقائدة لتحرر الشعب الفلسطيني، وتحقيق اهدافه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير وضمان حق العودة للاجئين. وصراخ نتنياهو وليبرمان، على ما يحمله من اخطار حقيقية ضد شخص رئيس الشعب الفلسطيني كما فعلوا مع سلفه الزعيم الشهيد ياسر عرفات، فان اسرائيل واهمة اذا اعتقدت للحظة امكانية تراجع القيادة عن مواصلة جهودها في مطاردة حكام اسرائيل كمجرمي حرب امام محكمة الجنائية الدولية وغيرها من المنابر الاممية.
كما تملي المسؤولية لفت نظر قادة دولة العدوان والاحتلال الاسرائيلية الى جهلها وغبائها في قراءة المرونة السياسية الواقعية للقيادات الفلسطينية، التي دخلت حلبة التسوية السياسية من موقع المدافع عن الحقوق الوطنية لا من موقع التبعية او التفريط بتلك الحقوق. ويخطئ قادة اسرائيل، في حال افترضوا امكانية وجود شخص فلسطيني يقبل التنازل عن الحد الادنى من الحقوق الوطنية. وبالتالي مواصلة نتنياهو وليبرمان وباقي الجوقة الارهابية الاسرائيلية، سيحتم على الرئيس عباس وقيادة منظمة التحرير اللجوء لسيناريوهات اخرى اقلها وقف التنسيق بكل اشكاله وخاصة الامني، وغيرها بما في ذلك تسليم مقاليد الامور كلها لدولة الاحتلال الاسرائيلية، لتتحمل مسؤولياتها على الصعد المختلفة.
حواديت - الصديقة المخلصة للمرأة
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
اعتدت في سنوات طفولتي أن أذهب إلى محل في بداية شارع البحر بمدينة خان يونس، كانت اليافطة الكبيرة "سنجر" التي تعلو المحل هي ما ترشدني إليه، لم أكترث يومها لمعرفة هوية مالكه وكيف تجرأ على اختيار اسم غربي وسط محلات كلها ناطقة بلغة الضاد، التجربة الأولى فرضت علي أن أردد كلمة "سنجر" طيلة الطريق كي لا تنسل الكلمة من ذاكرتي وأعود بخفي حنين، ما أن وصلت باب المحل حتى سارعت بالقول لصاحب المحل العجوز "سنجر"، ابتسم الرجل وقال هل تريد أن تشتري الشركة؟، لم أستوعب يومها ما قاله العجوز وأنا أحاول أن ألتقط وسط واحة الخجل حاجتي لقطعة صغيرة لماكينة خياطة من نوع "سنجر".
ترسخت من يومها علاقتي الخاصة بتلك الماكينة الصغيرة التي تحتل أهمية كبيرة في المنزل، العلاقة ولدت من رحم الصداقة التي تربطها بالوالدة "رحمها الله"، حيث احتلت المساحة الأكبر في حياتها وكانت الأقرب إليها، فهي الشركة التي تقتات الأسرة من ايراداتها بعد رحيل ولي الأمر في حرب حزيران 1967، الماكينة الصغيرة المطعمة برسومات فرعونية باللون الذهبي تدار يدوياً، قبل أن تستوعب بعد سنوات الموتور الكهربائي الصغير مرافقاً لها، على مدار سنوات طويلة لم تكن الوالدة بحاجة لمتابعة ما تنتجه بيوت الأزياء التي لا تعرف شيئاً عنها، يكفيها أن تتبادل مع صاحبة الشأن الاجتهاد لتضعا سوياً الشكل العام للثوب المتناغم مع ثقافتنا، لم تكن الفتاة بحاجة يومها لأن تضفي على ثوبها مزيداً من الأهمية باستحضار الدولة التي جاء منها، كل ما يعنيها أن يحمل إطلالة الجمال الشرقي.
اختفت منذ سنوات يافطة "سنجر" واكتظت شوارعنا بالاسماء العجمية التي يحمل البعض منها دلالاته فيما تغيب عن الباقي منها، وأغلقت مصانع الخياطة أبوابها بعد أن اقتحم المنتج الصيني أسواقنا، ولم تعد ماكينة الخياطة ضمن مقتنيات الأسرة ومصدر دخل كما كانت عليه في السابق، ولم يعد لشعار"الصديقة المخلصة للمرأة"، الذي أطلقته الشركة وهي تروج لماكينتها الصغيرة "سنجر موديل 27 "، بريق يلفت الانتباه، إن كان اسحق سنجر قد سجل براءة اختراعه لماكينته منتصف القرن التاسع عشر، وبدأت الشركة إنتاجها التجاري نهاية ذات القرن، ووصل منتجها إلينا منتصف القرن الماضي، فالمؤكد أن رحيلها من عالمنا كان سريعاً، وفيه دلالة على تراجع بين لثقافة الانتاج أمام ثقافة الاستهلاك التي باتت تضرب أطنابها في تفاصيل حياتنا.
على مدار سنوات لعبت ماكينة الخياطة دوراً محورياً في مفاهيم المشاريع الصغيرة المنتجة، وكنا نأمل أن توسع الحكومات الفلسطينية المتعاقبة من مساحة اهتمامها بتمويل مثل هذه المشاريع، لكن من الواضح أن المساحة تقزمت إن لم نقل اختفت في جوف المناكفات التي تعصف بضرورات حياتنا، ما يثير القلق لا يتعلق فقط في أننا تنازلنا طوعاً عن قيمة أن نلبس مما نصنع، وما لذلك من انعكاسات على الذوق العام، بل القلق الأكبر يكمن في الثقافة الاستهلاكية التي تربعت على مكونات حياتنا، لم يعد للمبادرات الخلاقة في المشاريع الصغيرة المنتجة، التي يمكن من خلالها أن نقلص من حجم البطالة ومستوى الفقر داخل مجتمعنا، حاضنة توليها الأهمية المطلوبة، الحاضنة التي تعمل على أكمل وجه هي تلك المتعلقة بالمناكفات التي تبقينا خارج دائرة احتياجاتنا الحياتية اليومية.
نهج اسرائيلي لن يحقق الأمن والسلام
بقلم: حديث القدس – القدس
عولمة الإرهاب ومحاربته كصيرورة
بقلم: علي جرادات – القدس
زلزال باريس
بقلم: هاشم عبد العزيز – القدس
لما سأل ابراهام بورغ: هل الشاي «كوشير» ؟
بقلم: حسن البطل – الايام
“الدولة الإسلامية” أم حتمية الحداثة؟
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
انقسام الانقسام
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية !!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
تغريدة الصباح - اهبل
بقلم: محمد علي طه – الحياة
نبض الحياة - الجنائية الدولية ترعب اسرائيل
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
حواديت - الصديقة المخلصة للمرأة
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
نهج اسرائيلي لن يحقق الأمن والسلام
بقلم: حديث القدس – القدس
مع تصاعد حمى حملة الانتخابات الاسرائيلية المقتربة، والتراجع الواضح في شعبية حزب الليكود الحاكم وبعض الأحزاب اليمينية المؤتلفة معه وتراجع شعبية رئيس الوزراء نتنياهو، لجأ صناع القرار في اسرائيل كعادتهم الى التصعيد سواء العسكري كما حدث أمس عندما قصفت اسرائيلية «أهدافا» في الأراضي السورية وحملة الاستعدادات العسكرية لـ «المواجهة المحتملة» على الحدود الشمالية من جهة واستمرار وتصعيد حملة التحريض السافر ضد القيادة الفلسطينية واتخاذ اجراءات ضد الشعب الفلسطيني وقيادته مثل احتجاز أموال الضرائب وتكثيف حملات الدهم والاعتقال في الضفة الغربية واستمرار الاعتداءات اليومية على حدود قطاع غزة .. الخ من الممارسات الاسرائيلية عدا عن التصعيد على الساحة الدولية سواء ضد الدول الغربية التي اعترفت بدولة فلسطين كالسويد أو حتى فرنسا بدعوة اليهود فيها للهجرة الى اسرائيل.
ومن الواضح ان هذا النهج الذي تستهدف من ورائه الحكومة الاسرائيلية وكالعادة تصدير أزماتها الداخلية وحلها على حساب الآخرين او استخدام الآخرين وقودا لحملتها الانتخابية والمصالح الشخصية للمتنافسين على مقعد رئيس الوزراء، يعني العبث بأمن واستقرار المنطقة ومحاولة استغلال أي حدث إقليمي أو دولي لصالح ترسيخ الاحتلال والاستيطان مع كل ما يترتب على ذلك من مزيد من الإجحاف بحق الشعب الفلسطيني ومزيد من المعاناة التي يسببها هذا الاحتلال.
إن ما يجب ان يقال هنا لهذه الحكومة الاسرائيلية ان الشعب الفلسطيني وكذا كل الشعوب العربية وقواها التعليمية لا يمكن ان تقبل بأن تكون وقودا لأطماع الاحتلال والتوسع والاستيطان وان اسرائيل تخطىء خطأ جسيما اذا ما اعتقدت ان كل ممارساتها تلك يمكن ان تمر مرور الكرام بل يجب أن تحاسب وتعاقب على كل ما ترتكبه سواء ضد الشعب الفلسطيني او ضد استقلال وسيادة أي شعب عربي آخر.
وهنا فإن على المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته خاصة فيما يتعلق بحفظ الأمن والسلم الدوليين ووقف هذا العبث الاسرائيلي بأمن واستقرار المنطقة، خاصة وأن الغالبية الساحقة من شعوب ودول العالم باتت تدرك ان الاحتلال الاسرائيلي وهذه الغطرسة الاسرائيلية تشكل سببا رئيسيا للتوتر في المنطقة وأن محاولات اسرائيل الزعم بأن ما تسميه «الارهاب» او ما تطمح اليه قوى التحرر في المنطقة وخاصة في فلسطين هو المشكلة، إنما هي محاولات بائسة لن يكتب لها النجاح لأنها بنيت على باطل لا يمكن ان ينطلي على أحد في العالم.
وخلاصة القول، فإن اسرائيل التي ظلت على مدى عقود تزعم أنها تواجه تهديدات وجودية سواء من الجانب الفلسطيني أو بعض الأطراف العربية والإقليمية، هي نفسها التي تشكل تهديدا لأمن واستقرار المنطقة وتشكل سياستها وأطماعها وممارساتها تهديدا وجوديا للشعب الفلسطيني والشعوب العربية. وقد حان الوقت كي يتخذ المجتمع الدولي موقفا جادا وشجاعا في التصدي لهذا النهج الاسرائيلي وايقاف اسرائيل عن الاستمرار في عبثها ومغامراتها التي ثبت أنها لن تحقق أهدافها ولن تحقق لها الأمن والسلام.
عولمة الإرهاب ومحاربته كصيرورة
بقلم: علي جرادات – القدس
"عولمة" الإرهاب التكفيري ليست جديدة، ولا بدأت بالهجوم الذي وقع مؤخراً في باريس وأزهق حياة 17 مواطناً فرنسياً، بل أسس لها في ثمانينات القرن الماضي إقدام الولايات المتحدة وبعضٌ من حلفائها الدوليين والإقليميين على دعم تنظيم "القاعدة" في أفغانستان في مواجهة الاتحاد السوفييتي آنذاك .
وبالمثل ليست جديدة الدعوة إلى تكاتف دول العالم لمواجهة الإرهاب، ولا بدأت بالإدانة العالمية الواسعة للهجوم على فرنسا والتظاهرة التي شهدتها باريس وشارك فيها ملايين المواطنين الفرنسيين وعشرات من قادة دول العالم، بل بتشكيل الولايات المتحدة "التحالف الدولي" ل"محاربة الإرهاب" بعد الهجوم عليها في 11 أيلول 2001 .
ما يعني أن ما يقال عن جديد الهجوم على فرنسا ليس جديداً طالما أنه يتمثل في عودة الإرهاب التكفيري للضرب خارج دوائر تركيزه الأساسية، (الإقليمية والعربية، وسوريا والعراق بالذات)، ما يعني أن هذا الهجوم كان يمكن أن يقع في دولة أخرى، بل ويمكن أن يقع مثله مستقبلاً في أي دولة من دول العالم، "الغربية" منها بالذات، وبصورة يصعب التنبؤ بوحشيتها وعدد ضحاياها . وهو ما يفسر ما أثاره هذا الهجوم من إدانة عالمية واسعة، إنما مع استمرار اغراض أطرافها على حالها من التباين لدرجة التناقض بين دول وشعوب، أكثرها عربية، تعاني ويلات هذا النمط من الإرهاب .
وأثبت الهجوم على باريس مرة أخرى صوابية دعواتها إلى بناء استراتيجية عالمية جادة وشاملة لمكافحة الإرهاب والقضاء عليه، ودول تقودها الولايات المتحدة، ما زالت حكوماتها، وليست شعوبها، تميز بين إرهاب وإرهاب، وبين ضحايا وضحايا، ودول، في مقدمتها تركيا بقيادة أردوغان، تدعم وتسهل حركة تنظيمات الإرهاب سراً في سوريا والعراق وليبيا، وتدينها علناً، بعقلية المذنب ، خاصة عندما تضرب داخل بلدان حلفائها "الغربيين"، وصولاً إلى إسرائيل، ("دولة" آخر احتلال في العالم)، التي ركبت بقيادة نتنياهو موجة الهجوم على باريس، واستخدمت اشتمال ضحاياه على أربعة مواطنين فرنسيين يهود، لابتزاز فرنسا وبقية دول أوروبا والعالم عبر إحياء أسطوانة "الضحية الدائمة"، ولتبرير ما ترتكبه منذ إنشائها من أشكال عنف الدولة المنظم عبر مساواة الهجوم على باريس بالنضال الوطني التحرري الدفاعي المشروع للشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة، بل ولإخافة مواطني فرنسا وأوروبا من اليهود، بغرض جلب المزيد منهم إلى إسرائيل لبناء "دولة اليهود الخالصة"، كأن ذلك ممكن واقعياً وليس مجرد وهم أيديولوجي، بما يقتضيه من إطالة للصراع وتحويله إلى صراع ديني هيهات أن ينتهي أو أن يُسوى على أساس قرارات الشرعية الدولية، أو كأنه، ليس على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية والتاريخية المكفول أدناها في هذه القرارات، أو كأنه، وهنا الأهم، يختلف، من حيث المبدأ والنوع، عن هدف تنظيمات الإرهاب التكفيري في بناء "إمارات" "خالصة الطائفة والمذهب"، ما يعني أننا في الحالتيْن أمام محاولات يائسة لإعادة البشرية إلى مربع ما قبل نشوء المواطنة المتساوية في الدولة الديمقراطية العلمانية الحديثة ذات السياسات الاجتماعية والاقتصادية المتنوعة .
على أية حال، استغلال واستخدام دماء ضحايا الهجوم الإرهابي على فرنسا، ليس جديداً، ولا مستغرباً، فقد سبق للعالم أن شهد مثله بعد الهجوم الإرهابي على الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001 على يد تنظيم "القاعدة" الإرهابي ذاته الذي نفذ الهجوم على باريس، وأسهمت الولايات المتحدة في مده بالمال والسلاح بمساعدة حلفاء دوليين وإقليميين في ثمانينيات القرن الماضي، لتعود وتستخدم انقلابه عليها ذريعة لغزو أفغانستان واحتلال العراق وتدميره دولة وجيشاً ومقدرات ونسيجاً وطنياً ومجتمعياً، ولتثبيت وتعزيز سيطرتها المنفردة بالمعنى الشامل للكلمة على العالم، وزيادة حصتها، (وهي الأكبر على أية حال)، من عائدات الاقتصاد العالمي، فضلاً عن الحفاظ على وتعزيز تفوق حليفها "إسرائيل" في المنطقة .
وهو ما أورث بعض دول المنطقة، والعربية منها بالذات، الدمار بأنواعه، وإشاعة الفتن بأشكالها داخل نسيجها الوطني والمجتمعي، وإزهاق حياة مئات الآلاف، إن لم يكن أكثر، من مواطنيها الأبرياء، فضلاً عن تقوية تنظيم القاعدة الإرهابي وانتشاره وتفريخ عدد كبير آخر من التنظيمات التكفيرية الإرهابية التي، على اختلاف مسمياتها، تتبنى رؤية تنظيم القاعدة وأهدافه ووسائله ذاتها، وصولاً إلى ولادة تنظيم "داعش" في العراق وامتداده إلى دول عربية وغير عربية، حتى صار صاحب ما يسمى زوراً ب"الدولة الإسلامية" في شمال العراق وشرق سوريا، التي باتت تملك من الإمكانات أكثر مما يملكه بعض دول المنطقة والعالم، بينما أصبح القضاء عليها، وفق "الخطة الأمريكية"، بحاجة إلى تحالف دولي واسع يحتاج إلى سنوات لإنجاز هدفه، بل إلى عقود حسب تصريحات كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين الأمريكيين .
لكن في الحالات كافة، وتأسيساً على، وليس في مواجهة، الإدانة الرسمية العالمية الواسعة والشعبية الجارفة للهجوم على باريس، يجدر التشديد على أن هذه الإدانة، على أهميتها، لن تلد استراتيجية عالمية موحدة شاملة وجادة تحارب الإرهاب، بالفعل قبل القول، وأياً كانت جنسية مرتكبي الهجوم وضحاياه، بوصفه عملاً وحشياً بربرياً موصوفاً، إلا بالتخلص من اختلال السياسة العنصرية التي لا تميز بين إرهاب وإرهاب، بل وبين "هويات" ضحاياه حتى صار قتل عدد من الأشخاص جريمة لا تُغتفر، بينما قتل مئات الآلاف، بل الملايين، من البشر مسألة فيها نظر .
وهذا اختلال لا يمكن تفسير أسبابه تفسيراً شاملاً وشافياً إلا بالعودة لبدايات ولادته المتمثلة في أنه لئن كانت فضيلة صراع "القطبين" الأمريكي والسوفييتي في حقبة "الحرب الباردة" أنه ظل صراعاً بين مضامين فكرية سياسية اجتماعية، فإن من أشد شرور فوز الولايات المتحدة بهذه الحرب هو أن الإدارات الأمريكية والحكومات الأوروبية عوض أن تستفيد من هزيمة منافسها الفكري السياسي الاجتماعي، وتُبرز ب"القوة الناعمة" ما تعتقد أنه الأفضل للبشرية، (نموذجها الرأسمالي)، خلقت عدواً وهمياً تحت مسمى "صدام الحضارات"، ما أفضى إلى تقسيم العالم على أساس "هوياتي" بين "إسلامي" مقابل "مسيحي"، أو "شرقي" مقابل "غربي"، بل واستخدمت ما توالد بفضل سياستها وسياسات اجتماعية داخلية في أحشاء هذا العدو المفتعل، من تنظيمات تكفيرية إرهابية، تدعمها حين تخدم مصالحها، وتدعو إلى تشكيل تحالفات لمحاربتها حين تضرب الأبرياء من مواطنيها . تلك هي الصيرورة الواقعية ل"عولمة" الإرهاب التكفيري ومحاربته .
زلزال باريس
بقلم: هاشم عبد العزيز – القدس
"لدي أسرة" .. هذا لم يكن إقراراً بواقع حال مواطن فرنسي، بل امتناعاً عن الإدلاء بمعلوماته كشاهد عيان للهجوم الإرهابي على صحيفة "شارلي ايبدو" المعروفة بسخريتها للإسلام والأديان كافة يوم الأربعاء قبل الماضي، والذي تواصل يومي الخميس والجمعة بخطف رهائن من متجر للأطعمة اليهودية مخلفاً 21 ضحية الأغلبية منهم صحفيين، انتهى بعد قتل المسلحين الثلاثة الذين نفذوا الهجمات الإرهابية .
التعبير على هذا النحو يعبّر عن وطأة الصدمة التي أصابت الفرنسيين في عمق وجدانهم بمشاعر الخوف المرعب من هذا الطوفان الدموي الذي زلزل سكينتهم ومثل حسب محللين فرنسيين "هجمات الحادي عشر من ايلول الفرنسي" .
لماذا بدأ الأمر على هذا النحو من الآثار المطلقة مع أن الهجمات الإرهابية هذه ليست الأولى في فرنسا؟
السبب الأساسي قد يكون في طائفة من القضايا:
* الأولى: حسب مسؤول فرنسي ليس في عدد الضحايا وطبيعتهم بل "القيم التي قتلت المسلّمات التي تبنى عليها الحياة" يضيف: "معظم الفرنسيين لم يقرأوا المجلة الساخرة (شارلي إيبدو) ومشكوك في أن يكونوا سمعوا عنها . ولكن القتل أصاب إصابة قاتلة الثقة التي لهم بنمط حياتهم" .
* الثانية: الإرهاب في فرنسا جاء من الداخل: "المنفذون مواطنون فرنسيون ولدوا وتربوا هنا يتكلمون الفرنسية النقية وهم جزء من المجتمع الفرنسي"، هذا صعب كما يقول المسؤول الفرنسي الذي لم تذكر اسمه وسائل الإعلام التي نقلت آراءه والذي يشير إلى أبعاد تداعيات الخطر: "عندما يستيقظ الفرنسيون من الصدمة سيسألون كيف ربيناهم؟ بعض منهم سيطالب بالفصل على أساس ديني أو عربي - إخراج المسلمين من المجتمع الفرنسي - وهذه ستكون فرنسا أخرى" .
* الثالثة: الهجمات أثارت من جديد قضايا حرية التعبير والعقيدة والأمن .
بالنسبة لقضية الأمن بدت الهجمات الإرهابية التي جرت في منطقة تعتبر محصنة أمنياً مثيرة للتساؤل عن عدم الكفاءة أو التقصير، وذهب البعض إلى القول: "على أي أساس تدّعي فرنسا المساهمة في الحرب على الإرهاب إذا ما كانت فرنسا غير قادرة على حماية فرنسا" .
والواقع أن التضاربات في شأن هذه القضية وخاصة بين الفرنسيين والأمريكيين في توجيه فرنسا الاتهام لتنظيم "القاعدة" من جانب، وإعلان وزير العدل الأمريكي أنه لم يتأكد بعد أن "القاعدة" وراء الهجمات من جانب آخر إذا ما بدا مثيراً للحيرة في شأن علاقة الطرفين تجاه قضية الحرب على الإرهاب، فإن الإشارة التي لم تتكرر إعلامياً بارتباط الجماعات الإرهابية باستخبارات دولية يضع الخلاف في سياق الوصول إلى الحقيقة .
أطلق الفرنسيون اتهاماتهم من سجل المتهمين، وجاء الرد الأمريكي أقرب إلى التساؤل: من وراء ذلك؟
هنا يمكن الإشارة إلى أنه من غير المستبعد أن تكون "القاعدة" تحاول العودة إلى واجهة المشهد بعد أن أزاحتها حركة داعش ليس من الصدارة فقط، بل ومن مجرد الحضور في مناطق كانت حكراً على نشاطها كما في العراق وسوريا وشمال إفريقيا .
وليس بمستغرب أن يكون الذين قادوا انفجار داعش بذلك الزخم قد عادوا الآن إلى استحضار "القاعدة" لا في لعبة تغيير أدوار هذه الجماعات وحسب بل وهناك ما يرتبط بخلافاتها.
بالطبع لأي من الهدفين يمر الوصول بعملية إعادة ميلاد لا نقول إنها لم تكتمل ولكنها في التوقيت بهجوم على فرنسا ومن جماعة تدعي أنها إسلامية تكون خدمت الجانب الاسرائيلي انتقاماً من فرنسا وموقفها الداعم لقرار تزمين الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية وهو موقف تاريخي مغاير للموقف الغربي الذي ارتبط بالسياسة الداعمة لإسرائيل في حروبها ضد الإنسانية ونيلها من الفلسطينيين في أرضهم وحقوقهم وتاريخهم ووجودهم .
لسنا هنا في عقدة المؤامرة، ولكننا أمام تساؤلات حادة من الصعب تجاهلها لأن التداعيات إذا ما اتجهت عنصرياً قد تؤجل سطوع الحقيقة، وهي على أي حال تقوم على أن ما جرى كان عملاً استخباراتياً..
المؤشر الأول تغطية الهجوم على الصحيفة الفرنسية الساخرة من الأديان ومنها الإسلام بالهجوم على متجر للأطعمة اليهودية في خطوة تهدف إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول استغلال الخلاف بين الصحيفة والمسلمين، وليس مهماً من استخدم لتنفيذ العملية، والثاني الاندفاع المكشوف للأمن إلى موقع الضحية، واللافت هنا سهولة قتل المهاجمين لإخفاء الجريمة .
والمؤشر الثاني الدقة في تنفيذ الهجمات التي لا يمكن أن تتاح بتلك القدرة لغير أجهزة استخباراتية، وهذا لا يتوفر للجماعات "الجهادية" التي تلجأ في الغالب إلى الأعمال الانتحارية أو العمليات العشوائية .
أما ثالث المؤشرات فجاءت على لسان رئيس الوزراء الاسرائيلي بحملته ضد العرب والمسلمين ومحاولاته التضليلية ليقول المعتدي أنا الضحية، وهذا ما يكشفه إصراره حضور مسيرة باريس التاريخية دونما دعوة فرنسية، وهو ما قالت الصحف الإسرائيلية أنه دعا نفسه وزاد على ذلك بمثل تسلله من الصف الثاني إلى صف الرؤساء الذين احتشدوا في المسيرة التي شكلت انتفاضة ضد إرهاب الشعب الفرنسي وعالمنا بأسره.
لما سأل ابراهام بورغ: هل الشاي «كوشير» ؟
بقلم: حسن البطل – الايام
لسببٍ ما، ذكّرني ابراهام بورغ بما قاله الصوفي الإسلامي ابن عربي، سوى أن بورغ اليهودي الإسرائيلي الصهيوني .. والسياسي ليس صوفياً.
ماذا قال ابن عربي: «اول علائم صدق المريد فيما يريد دعوته للحق. أولى علائم دعوته للحق رجوعه للخلق.. لكن ماذا بعد رجوعه للخلق؟ خروجه للحق؟
عاش ابن عربي في الأندلس، في القرن السابع الهجري، وأما رئيس الكنيست ـ سابقاً، ورئيس الوكالة اليهودية ـ سابقاً، ورئيس المنظمة الصهيونية العالمية ـ سابقاً، فهو يعيش في القرن الواحد والعشرين، وفي هذه الأرض المقدسة، وله، بعد انقلابه الفكري والسياسي والأيديولوجي.. والشخصي، ما يشبه «رؤيا أندلسية» لسلام بين شعبين، دون تقسيم البلاد دولتين، ودون الدولة الواحدية، أيضاً.
الانقلاب، أو السباحة ضد التيار الغلاب في إسرائيل، نقله إلى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة. سلام بين شعبين (ودولتين!) ومساواة في دولة إسرائيل بين شعبيها: «انتقلت للجبهة من أجل مساواة في الحقوق».
تبدأ المساواة بـ «الحق ذاته للناس بين البحر والنهر»، وتبدأ بـ «نقل الخطاب الإسرائيلي من الخطاب الصهيوني الوطني إلى المساواة في الحقوق».. وتبدأ، أيضاً، بالمساواة بين «الهولوكوست» و»النكبة».. سياسياً.
اللقاء المحدود مع بورغ في مقر «تحالف السلام» كان عصفاً فكرياً. لكن لا يخلو من دعابة، لأن بورغ ليس محاضراً جهماً، بل دافئ القلب، نيّر الفكر.. ومجدّد.
لا تكفي الشجاعة، وهو شجاع، لكن تلزم الشجاع ـ كما يقول ـ رؤية عميقة وبعيدة النظر، للخروج من حالة سياسية كثيرة التداخل، وخطيرة، لكن يمكن أن تكون فرصة للتغيير.
أين تكمن فرصة التغيير؟ رؤية جديدة للتفكير الصهيوني ـ الإسرائيلي الكلاسيكي. هل هذا ممكن؟ هو يقول: اليهود ليسوا صريحين وحاسمين مثل الأميركيين. الأوّلون يقولون: «نعم.. ولكن» والأخيرون إما «لا». أو «نعم».
بين سؤال وجواب، كان بورغ «يقفش» دعابة، مثل سؤاله عندما قدموا القهوة العربية «هل الشاي حلال» أو دعابته عن والده الألماني (يوسف بورغ ـ رئيس «المفدال») أنه كان شرهاً للأكل «مثل صائب عريقات قبل أن يعمل ريجيماً». ذكرنا أن أمه يهودية ـ خليلية (من يهود فلسطين).
لم تفاجئني أفكاره منذ أن عرضها في كتابه «لننتصر على هتلر» (منشورات «مدار») لكن انضمامه لـ «حداش» شكل مفاجأة صادمة لصديقه يوسي بيلين، لأنه انضم إلى حزب «غير صهيوني».
مفاجأتي الشخصية هي روحه المرحة، ودعابته الساخرة، حتى كدت أسأله، مازحاً، كيف كان يضع «الكيبا» المطرّزة على رأسه الأصلع.
بورغ يجد إيجابية في أوسلو. لماذا؟ لأنها أدخلت فكرة الفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين. هل إسرائيل ديمقراطية؟ في رأيه أن الإسرائيليين يصوّتون لشيء ويحصلون على آخر.. الآن حصلوا على رئيس وزراء يرفع شعاراً يقول: دولة اليهود الديمقراطية. بورغ لا يقبل هذا الخلط.
كان اسحق دويتشر اليهودي قد وضع كتاباً عنوانه «اليهودي ـ اللايهودي».. والآن يتحدث شلومو ساند عن «اختراع الشعب اليهودي» ليصل إلى «لماذا لم أعد يهودياً».
كيف يرى بورغ «يهودية الدولة»؟ إنها تشتّت بين الثقافة والدين والسياسة والتاريخ. كيف يرى شرط السلام؟ حل مشكلة اللاجئين الفلسطينية أولاً لأنها موضوع «إنساني» قبل أن يكون «سياسياً».
يعارض بورغ شخصياً «حل الدولتين» لأنه «انتهى»، لكن يعارض «الدولة الواحدة» لأنه غير ممكن فهو في الظرف الحالي، دولة لصالح شعب ضد شعب آخر. إنه مع نموذج الحل الأوروبي، أي ما يشبه الكونفدرالية ذات ثلاث طبقات: 1ـ تعريف من هو اليهودي، الإسرائيلي، الفلسطيني، اللاجئ. 2ـ جسم تنفيذي موحد لكل شيء وكل الأطراف. دستور موحّد.
لا أتفق معه حول أن «حل الدولتين» انتهى، لكن أتفق معه على حل كونفدرالي. هل هذا ممكن؟ يقول خلافاً للانطباع فإن الشعب الإسرائيلي يصغي للمرة الأولى، كما أن أوروبا جاهزة لاستقبال أفكار جدية حول العمل المشترك العربي ـ اليهودي.
***
حرص ياسر عبد ربه، بعد انفراط اللقاء، على تعريفي إلى بورغ كأول من كتب عنه: المنشق، المتمرّد.. المرتد (الاثنين 12/1/2015) وطرحت على بورغ ثلاثة أفكار حول القدس، والغور، والأمن الأعلى والأمن الجاري (الأمن لإسرائيل، والسيادة لفلسطين).
قناعتي منذ سنوات، يمكن الحوار مع إسرائيليين، لكن يصعب على المثقفين الفلسطينيين الحوار مع القوميين العرب الفاشيين أو الجهاديين الإسلاميين.. في المقابل يسهل على إسرائيل الحوار مع فلسطين، ويصعب عليهم ذلك مع القوميين الصهيونيين أو الأصوليين اليهود.
“الدولة الإسلامية” أم حتمية الحداثة؟
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
ينبني النموذج النظري لـ «الدولة الاسلامية» كما يراه وينظر له أمحمد جبرون الباحث والجامعي المغربي في كتابه الجديد “مفهوم الدولة الاسلامية: ازمة الاسس وحتمية الحداثة” على ثلاثة اركان هي: البيعة, العدل, المعروف, وتشكل في مجموعها والنقاش حول تطورها والاشكال التي اتخذتها العمود الفقري للكتاب. وهي، بحسب المؤلف، قلب وجوهر التسيس الاسلامي، ومناط اسسه واهدافه، إذ يقول: «ومن خلال مطالعة متأنية لنص القرآن, وتدبر سياسي لآياته من جهة, وقراءة متفحصة للتجربة التاريخية للرسول, بروح عصرية وأدوات معرفية مُستمدة مما أسلفنا قوله على مستوى فهم القرآن, وفقه السنة, اهتدينا إلى جملة من المبادىء الكلية التي يرجع إليها تدين الدولة او اسلاميتها في التجربة التاريخية الإسلامية، وهي على التوالي: البيعة, والعدل, والمعروف». ورغم الاهمية البالغة التي ينسبها المؤلف لهذه ألاركان الثلاثة فإنه لا يخبرنا بمنهجية الإهتداء إليها وعلى اي اسس استنباطية اختارها. بل ثمة قدر من الانتقائية الواضحة، إن لم نقل الاعتباطية في اعتمادها. لماذا، مثلا، لا تكون الاركان المؤسسة للتسيس الاسلامي هي تلك التي قال بها محمد عابد الجابري: الشورى, والتفريق بين الرسالة والسياسة, والمسؤولية العامة والفردية؟ ولماذا لا نقول ان الحرية بمفهومها الواسع والانعتاقي من السلطة والجبر هي احد اركان واهداف التسيس الاسلامي؟ ولماذا لا نقول ان المساواة, وليس العدل هي التي تستحق ان تكون واحدة من تلك الاركان.
وبعيدا عن حسم الخلاف حول اي من هذه المفاهيم يستحق ان يكون ركنا من «الاركان»، فإن ما هو مهم منهجيا توضيح المبرر المنطقي والجدلي الذي يسوغ تضمين احدها واستبعاد آخر.
واستطرادا لأولويات المفاهيم المركزية ولدفع النقاش مع المؤلف إلى مساحات اضافية، يمكن الزعم هنا ان مفهوم المساواة وهو المفهوم الثوري الكبير الذي حققته الحداثة السياسية اهم بكثير من ناحية التأسيس لفكرة الدولة ودولة الحداثة عموما، ودولة “الحداثة الاسلامية” خصوصا، من مفهوم العدل. المساواة اهم من العدل لأن مركزية هذا الاخير والتوق له تحصيل حاصل رغم طوباوية تحققه التام على الارض. فكل منظومة فكرية وفلسفية وكل تجسيد سياسي واجتماعي لتلك المنظومات يولي الاهتمام الاولي لقيمة العدل وإعلاء مكانته. بيد ان المساواة بين الافراد بغض النظر عن العرق والدين واللون والمرتبة الاجتماعية هي التحدي الكبير الذي يواجه التنظير، والتجسيد العملي، لفكرة الدولة الاسلامية الحديثة. وفي قلب هذا التحدي تقع فكرة المواطنة الكاملة التي تدفع بولاءات الافراد الفرعية إلى الهوامش وتعتبر ولاءهم للدولة وبكونهم مواطنين فيها هو الاولي والاساسي. وهنا، في قراءة وبحث جبرون، لا نجد التقعيد المطلوب لفكرة المساواة وموضعتها في نظرته وتنظيره للدولة الاسلامية. ولا نجد على سبيل المثال، وارتباطاً بمسألة المساواة، اي نقاش معمق لموضوعة غير المسلمين في الدولة الاسلامية المُنظر لها.
وربما امكن القول هنا: ان خفوت موضوع المساواة في مقاربة الكتاب يقودنا الى مسألة اشكالية اخرى وهي الاعتماد على خصوصية الحالة المغربية التي استولت على المؤلف واعتبرها المثال التوضيحي، عبر تفكيكه وفهمه، للنموذج النظري الذي يقترحه. فمن ناحية اولية، تنحصر معالجة الكتاب في التجربة السياسية العربية (وليس الاسلامية بشمولها) قديما وحديثا. وفي الإطار العربي «الحديث» تفرد مساحة موسعة لمناقشة الحالةالنموذج التي تم تطبيق «النموذج النظري» عليها وهي حالة المغرب. ويبرر المؤلف هذا التركيز والاستدلال في المغرب بكون “... الدولة المغربية خلال العصر الحديث من الامثلة التاريخية النموذجية التي تعكس بجلاء اعطاب الدولة الاسلامية (دولة العصبية)، وقصورها في هذا المنعطف التاريخي الحاسم ...”. بيد ان الحالة المغربية وتطورها وتاريخها تتسم بخصوصية لا تمثل او تعكس بقية العالم العربي او الاسلامي, وتثير بالتالي اشكالية منهجية حول مدى فعالية النموذج النظري. فالمغرب يمتاز مثلا بالتناغم الديني وعدم وجود مواطنين غير مسلمين بنسب مهمة, وبسيرورة تاريخية تمتد عدة قرون من حكم شبه متصل (دولة المخزن ماضيا وحاضرا), وبسبب ذلك يبدو تطبيق النموذج النظري (البيعة, العدل, المعروف) الذي يركبه المؤلف/المؤلفة على الحالة منطقيا. لكن سوف نصطدم بمشكلات منهجية من نوع مختلف لو طبق ذلك النموذج في منطقة اخرى مختلفة عن المغرب, مثلا في المشرق, حيث التعددية الدينية, وحيث سيرورات الحكم المناطقي تحت ظل الدولة العثمانية مختلفة عن السيرورة المغربية, وهكذا. ففي حالات كثيرة لن نجد استمرارية مباشرة او غير مباشرة لذلك النموذج الذي لو استمر من دون انقطاع لقاد المسلمين وبلدانهم الى حداثتهم السياسية كما تقترح المخطوطة. وهكذا فإننا لا نستطيع الخلوص إلى مبادىء نظرية تتأسس على التجربة التاريخية ويكون طموحها الاسهام في «الحداثة السياسية» لمفهوم الدولة الاسلامية من دون التعرض للسيرورات التاريخية في شكل التسيس الحديث في المجتمعات والدول المسلمة في اندونيسيا, وماليزيا, وتركيا, على سبيل المثال, واختبار النموذج النظري الذي يقترحه المؤلف.
فضلا عن ذلك فإن التطبيق المعاصر لبعض اركان النموذج النظري يثير تساؤلات منهجية ايضا, مثلا كل دول الخليج تعتمد على مفهوم «البيعة» في إطار “أهل الحل والعقد” في شرعنة الأنظمة القائمة. فأين نضع هذا في سياق تطور سيرورة هذا الركن, وهل يختلف توظيفه عن التوظيف التاريخي من قبل النخب الحاكمة, وهل صلابته في هذه الدول تقف في وجه آلية البيعة في العصر الحديث المتمثلة في الديموقراطية والانتخابات؟
ما لا يبدو واضحا تماما ايضا، هو موضعة السياق والنص في تشكل وتطور “الدولة الاسلامية”. ففي الوقت الذي يكرر فيه المؤلف ضرورة عدم الخضوع للسياق لتحديد مفهوم الدولة الاسلامية عند المفكرين المعاصرين, فإنه يخضع عمليا «مفهوم الدولة الاسلامية» لفقه التاريخ (اي السياق بشكل او بآخر), ويؤكد على «الشرعية الاخلاقية» للتاريخ غير المتوائم مع المثال الطوباوي ويكشف عن «الإكراهات» التي مرت بها تلك الشرعية وأهمية فهم وقبول تلك الاكراهات التي شكلت الصيغة التي تبلورت إليها «الدولة الاسلامية». وكل ذلك قد يشير إلى قبول لإكراهات السياق في الماضي, ورفضها في الحاضر. في الوقت ذاته يحتاج المؤلف إلى التوسع في فكرة نقده خضوع الاسلاميين لمسألة السياق في تطوير افكارهم إزاء «الدولة الاسلامية الحديثة», وتناول السؤال النظري والمعمق حول تطور الافكار وتبلورها في اي زمن ما والعلاقة العضوية المشتبكة دوما مع السياق مقابل سلفية الافكار التي تنقطع عن السياق وتتعالى عليها.
انقسام الانقسام
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
دخلت المصالحة في غيبوبة جديدة أو نوبة جديدة من نوبات موتها السريري. وهي عموماً لم تفق يوماً من الموت لكن صعقات كهربائية حادة كانت تنجح بين فترة وأخرى في نفض الجسد ودفعه للحركة المفاجأة. منذ اليوم الأول لتشكيل حكومة الوفاق بدا واضحاً أنها حكومة اللااتفاق، وانها حكومة لن تُمكن في الأرض خاصة في غزة، وانها حكومة فوق وطنية بمعنى لا علاقة لها بحقيقة المصالحة الوطنية. هذه المرة حدث كل شيء أيضاً فجأة. مثلما حدثت المصالحة في غزة فجأة انهارت في غزة فجأة. كأنها لم تكن مؤسسة على قواعد سليمة. وهي فعلاً لم تكن مؤسسة على قواعد سليمة، بل إنها بنيت على أعمدة من ورق هش، وهي مثل قصور الرمل تتهدم امام ضربات الريح. هذا ما حدث. فجأة انهار كل شيء. هذه المرة لا توجد عودة للانقسام بل ثمة تقسيم للانقسام. فحماس تقوم بدفع رواتب موظفي حكومتها الذين صاروا نظرياً جزءاً من موظفي الحكومة حتى يتم النظر في توصيات اللجنة الإدارية. وبات واضحاً ان ثمة تعزيزاً لحالة الانقسام داخل الوعي الحزبي والمؤسساتي. واستكمالاً فإن الحكومة لا علاقة لها بغزة لا من جهة الأمن ولا من جهة الجباية ولا من جهة الولاية على الموظفين المدنيين والعسكريين، وهي في الوقت ذاته تظل الحكومة الفلسطينية الشرعية. حالة التشظي الذي أفرزته مرحلة ما بعد الانقسام أكثر انقساماً من الانقسام ذاته.
يبدو ان حكومة الوفاق الوطني هي آخر طلقات مسدس الوحدة الوطنية، ولم يعد في جعبة المتحاورين المزيد من رصاصات الإنقاذ ولا الأفكار لإغاثة الجسد الذي دخل الغيبوبة منذ تموز العام 2007. حتى أن الأفكار المطروحة لاستعادة بريق الحوارات والابتسامات امام الكاميرات لم تعد تجذب أحداً. وكأن الجميع في انتظار المعجزة ان تحدث. مثل أن يتدخل طرف خارجي وتحديداً من جهة مصر او تركيا او ربما الجامعة العربية. لكن يبدو ان «غودو» هذه المرة لن يأتي حقاً، ولن يكون السادة المشاهدون بحاجة للطفل الصغير يأتي في نهاية العرض ليذكرهم بأن «غودو» لن يأتي اليوم، لأن كل شيء يقول إنه لن يأتي، وإن المنقذ إن لم يكن تعبيراً عن القناعة الذاتية بوجوب طي هذه الصفحة السوداء للأبد فلن يكون من الخارج.
ثمة شيء مؤلم في العنصر الخارجي دوماً، حتى لو كان هذا العنصر إيجابياً. فهو في نهاية المطاف خارجي وللخارج حدوده كما له اشتراطاته. وفي جوهر النقاش حول الشعار المقدس حول القرار الوطني المستقل تكمن حكمة التخلص من تبعة الخارج دون إفقاد القضية بعدها القومي والإنساني. لكن في حالة الانقسام فإن ثمة وطأة شديدة لوقع الخارج على مجريات المصالحة الميتة، التي يمكن أن يقال إنها حدثت عبر الكثير من التأثيرات الخارجية، والتي لا يمكن ان تزول أيضاً بقرارات خارجية، بل برغبة جامحة بالتخلص من ثقل العوامل الخارجية. وعليه فإن العودة بالانقسام إلى الجذور الداخلية وحده يمكن ان يقتلع ويجتث هذه الجذور. وبالقدر ذاته فإن انتظار الحلول الخارجية والتعويل على البعد الخارجي للمصالحة يبدو تعميقاً لأزمة المصالحة. هذا لا يعفي من التأكيد على أهمية بعض الدول الشقيقة في رعاية المصالحة. لكن هذه الدول لا يوجد بيدها الحل السحري لأزمات الانقسام، بل إن هذا الحل موجود في جوهر الآية الكريمة «إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم».
لم يكن الانقسام ملائماً ولا ضرورة، لكنه لا يبدو مسيئاً أكثر من أي وقت مضى لا سيما مع دخول حالة الاشتباك السياسي والقانوني مع الاحتلال مرحلة متقدمة. فتوقيع السلطة على ميثاق روما وبحث محكمة الجنايات عن تحريك دعوى قضائية ضد إسرائيل والحرب العنيفة التي تشنها إسرائيل على المحكمة الدولية، كل ذلك يقتضي اعادة التفكير في مآلات الانقسام وما يمكن ان يجلبه من مآسٍ وانكسارات أكبر. كان يمكن لقضية المحكمة الدولية أن تفتح الباب واسعاً امام توسيع الصدر ونحو إزالة ما علق بجسد الوحدة الوطنية من أورام وكدمات، خاصة أن آمالاً كثيرة عقدت على توقيع اتفاق المصالحة، وهي آمال لم تكن في محلها كما اعتقدنا من وقتها. لكن، أياً كانت الحال، فإن الأبواب التي كان يمكن فتحها بدت كثيرة ومتعددة وسهلة.
والانضمام إلى ميثاق روما، بالقدر الذي يفتح آفاقاً جديدة من الاشتباك والصراع مع إسرائيل وبالتالي يوفر فرصاً اكثر، فهو يشكل تحدياً كبيراً إذا لم يتم استثماره بشكل صحيح. فمن جهة فإن وحدة حال الموقف الفلسطيني وتنسيق الجهود وتكاملها لا يبدو شرطاً فقط بل إنه أساس لا يستقيم تحقيق الأهداف الفلسطينية من وراء التحقيق في جرائم الحرب الإسرائيلية بدونه. يبدو هذا الحديث مهماً لأننا مدمنون في تحويل كل شيء إلى مادة من مقررات الانقسام المقدسة التي نعشقها ونسعى دائماً إلى توسيعها. كما يبدو مهماً لأن افتراق الجهود ليس مضيعة للجهود ذاتها بل هو إضعاف للمواقف الفلسطينية وبالتالي، ربما، تحويلها إلى طاقات سلبية.
لا يبدو توقيت تصعيد الخلاف الداخلي مناسباً في ظل المعركة الجديدة التي فتحتها القيادة الفلسطينية في المحافل القضائية الدولية لمواجهة جرائم إسرائيل. وعلى خلاف لحظات سابقة فإن مستوى الإنذار بات عالياً فيما يخص مستوى التوافق الداخلي.
أظن أن الطرفين بحاجة لجولة معمقة من الحوار الوطني الصريح والمفصّل الذي يشمل كل شيء والذي لا يكون مقصوراً على نخبة من ممثلي التنظيمين وخبراء التفاوض فيهما، بل يكون كل فريق مكوناً من طواقم كبيرة ومتنوعة تناقش كل شيء. كانت ثمة محاولة قبل ذلك لمثل هذا الحوار، سبحان الله انتهت بالنجاح على ذمة المتحاورين بعد ساعات من الحوار. نحن لسنا بحاجة لساعات نخرج بعدها ونبتسم. نريد حواراً في الغرف المغلقة بعيداً عن ابتسامات الكاميرات وربما يتم بثه على الهواء مباشرة لأيام حتى يتم حل كل القضايا العالقة. فقط عبر مثل هذا الحوار يمكن إنجاز اتفاق لا ابتسامات.
فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية !!!
بقلم: سميح شبيب – الايام
أعربت إسرائيل عن صدمتها، من إعلان المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، فاتوا بنسودا، عن فتح دراسة أولية للحالة في فلسطين. إسرائيل لم تكن تتوقع، أن فلسطين قادرة على دخول المحكمة الجنائية، وكانت تتوقع أن يكون الإعلان الفلسطيني حبراً على ورق!!!
سارع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، إلى مطالبة نظيره الأميركي كيري، بالتدخل «ووضع حد لتلك المهزلة» ـ حسب البيان الرسمي الإسرائيلي، وبعد ذلك بيوم واحد، أصدر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بياناً جاء فيه: «إسرائيل ترفض رفضاً قاطعاً القرار الفاضح الذي اتخذته المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية».
لعلّ المتابع للموقف الرسمي الإسرائيلي، ولتصريحات القادة الحزبيين الإسرائيليين ولما تضمنته الصحافة الإسرائيلية في اليومين الفائتين، يلمس مدى حالة الاضطراب والتخبط في إسرائيل من جهة، وتخوفات إسرائيل لما يجري، وما سيترتب عليه مستقبلاً.. استخدمت البيانات الرسمية الإسرائيلية، عبارات غير لائقة، كوصفها البيان بالسخيف والمهزلة المأساوية والانحياز للإرهاب وغيرها من العبارات المبتذلة والعدوانية ضد المدعية العامة، والمحكمة الجنائية بشكل عام!!!
حاول نتنياهو الربط بين السلطة الفلسطينية والتطرف الإرهابي «الإسلامي»، وتقديم صورة باتت مزيفة في نظر المجتمع الدولي، وموجزها أن إسرائيل تدافع عن نفسها، ومن حقها ممارسة هذا الدفاع، في وجه «متطرفين إرهابيين إسلاميين»، هم حماس، ومن يتحالف معهم، وهم «السلطة الفلسطينية، جاء في الكلمة التي نشرها نتنياهو، متلفزة ومكتوبة: «أياماً قليلة، بعد أن ارتكب الإرهاب الإسلامي المتطرف، مجزرة في فرنسا، قررت المدعية العامة للمحكمة الدولية، الشروع في فحص ضد دولة إسرائيل، التي تدافع عن مواطنيها من حماس.. التي تحالفت مع السلطة الفلسطينية، إذ أطلق أفرادها، مجرمو الحرب، آلاف الصواريخ على المواطنين الإسرائيليين أثناء الصيف المنصرم!!!».
هذه المعزوفة الإسرائيلية، باتت مشروخة، وغير قابلة للاستخدام، ذلك أن هنالك حقائق دامغة، لا تقبل التأويل، بعد مسارات المفاوضات السابقة، وبروز الاستيطان، كعقبة كأداء في وجه المفاوضات والسلام. الاستيطان بيّن، وهو مخالف لأبسط قواعد القانون الدولي، وتغيير معالم الأرض المحتلة، جغرافياً وديمغرافياً، هو أمر منافٍ لأبسط قواعد القانون الدولي والإنساني، وهو ما تقوم به إسرائيل، وتصر عليه، ولا تريد وقفه.
جرائم الحرب ضد غزة، واستخدام العنف الأقصى، هو عدوان بيّن وواضح، ولا يمكن تغطيته بأي ادعاءات وأقاويل.. لا تستطيع إسرائيل، الربط بين «الإرهاب الإسلامي» وبين السلطة الفلسطينية، بات المجتمع الدولي، يلمس توجهات السلطة العلمانية والديمقراطية، وحرصها على الوصول لاتفاق سلام شامل وكامل وعادل، في وقت تمارس فيه إسرائيل الاستيطان والحصار والعدوان.
ستحاول إسرائيل والولايات المتحدة، الضغط على السلطة الفلسطينية، ومحاولة منعها من رفع دعاوى ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، لكن دون جوى.
الإساءة للمحكمة الجنائية الدولية، هي إساءة للقانون الدولي، وإساءة لمؤسسات العمل الدولي كافة.
بات من الممكن الآن، أن تتقدم السلطة بدعاوى ضد إسرائيل، كما بات ممكناً، لأية جهة شعبية فلسطينية، أن ترفع الدعاوى، وما أكثرها.
تغريدة الصباح - اهبل
بقلم: محمد علي طه – الحياة
تعطّل هاتفي النقّال او هاتفي الجوّال او هاتفي الخليويّ او هاتفي الخلويّ او موبايلي او بالعربي الاندبوري «بليفوني» ولاننا صرنا لا نفارق هذا الجهاز العصريّ ولا يفارقنا سواء في الاعراس او في الجنازات او في المساجد او في الكنائس او في الشوارع او في غرف النوم او في الحمّامات او في المراحيض، سارعت بالسفر الى مكتب الشركة في منطقة الخليج يعني «بالعربي الاسرائيلي» او «المتأسرل» منطقة «مفراتس» لاصلاحه في الحال فما عاد الواحد منّا يطيق الحياة دونه، فوجدت هناك قاعةً واسعةً وعشرات الزبائن امثالي، شيوخا وعجائز، شبانا وشابات، جاءوا لاصلاح اجهزتهم او تغييرها او للتحقّق من فاتورة الحساب الشهريّ المتخمة الى درجة التجشّؤ، كما شاهدت اثنتي عشرة موظفة صبيةً جميلةً يستقبلن الزبائن الساذجين امثالي بابتسامات حلوة جذّابة وبكلمات معسولة فالصبايا هنا لسنات شاطرات مسحوبات من السنتهن وامام كل صبيّة صحن فيه حبّات ملبس ملوّنة من ذلك النوع الذي كنّا نشتريه من دكّان الحارة الصغير بشلن او ببيضة ايام كنّا اطفالا.
هاتفي النقّال معطّل واللعين لا يصدّ ولا يردّ، وذكرت للموظفة رقم الجهاز فتكتكت باناملها الناعمة على حاسوبها وابتسمت وهي تقول لي: هذا الجهاز دون تأمين وخربان وعندنا البديل. جهاز جديد وحديث جدًا ومتطوّر والارقام فيه كبيرة لا تتعب نظرك، جهاز مجّانيّ ولا يكلّفك شيئا سوى ان توقّع على هذه الاوراق.
يا سيدتي لا اريده ولا اوقّع على اوراق لا استطيع ان اقرأها ولن اقرأها وهي تذكرني بالاوراق التي وقّعت عليها في البنك عندما نصحني نزيه، الموظف اللطيف، بأخذ قرض لتغطية السحب الزائد. حروف صغيرة تصعب قراءتها ولا يقرأها زبون فالعبي غيرها.
اذا يا سيدي يكلفك التصليح خمسمائة شيقل. طبعا ملفوفة بابتسامتها الحلوة.
ولو! يمكنني ان اشتري خمسة اجهزة بهذا المبلغ من السوق.
ما رأيك يا سيدي ان تدفع تأمينا للجهاز مقداره خمسون شيقلا شهريا لمدة سنة؟
«تستهبلني» وتبتسم. لن ادفع. وعادت الحلوة تشرح لي عن الجهاز الجديد المتطوّر وانا ارفض فالملدوغ يخاف من جرّ الحبل وقد اكلتها قبل سنة. لن انتقل الى شركة اخرى فكل شركات النّقال امينة وطاهرة ولا تسرق الزبائن ولكنني قررت انني لا اريد جهازا. خذوا هذا الجهاز واقطعوا الخط واريحوني منه. تكتكت على حاسوبها. تدفع حالا تسعمائة شيقل. اخرجت بطاقة الفيزا من محفظتي. لا تسرع. يا سيدي كيف ستتصل مع زوجتك؟ وكيف سيتصل بك ابناؤك وبناتك والاحفاد؟ جعلوا ما حدا اتصّل. يا سيدي لا تستطيع ان تعيش دون الجوّال. استطيع وسوف ارتاح واحافظ على صحتي ومالي وافكّر ان ابيع السيارة واشتري حمارا فما احلى ايام زمان. ابتسمت الموظفة الحلوة وقالت: سوف نصلّحه. كم تظنّ انك ستدفع لنا؟ لا شيء. ما في شي ببلاش الا العمى والطراش. قلت لك لا شيء. حسنا لن تدفع شيئا بل سنضيف خمسين شيقلا على الفاتورة الشهريّة. هل انت مبسوط يا سيّد؟ وتبادلنا الابتسامات الحلوة والبلهاء. وشعرت اني ربحت اربعمائة وخمسين شيقلا عدّ ونقدا، وشعرت الصبيّة الحلوة ان زبونا «اهبل» آخر من مئات بل آلاف الزبائن دفع وخرج مسرورا فلكل شيء ثمن ولابتسامة الحلوة ثمن ايضا.
نبض الحياة - الجنائية الدولية ترعب اسرائيل
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
دولة التطهير العرقي الاسرائيلية اصابها الهلع والذعر بعدما اعلنت فاتوبن سودا، المدعية العامة في محكمة الجنائية الدولية عن مباشرة التحقيق في جرائم الحرب الاسرائيلية، حتى قبل المصادقة النهائية على عضوية فلسطين الكاملة فيها. لان قوانين الجنائية يسمح لها، في حال قبول طلب التحقيق من قبل الطرف المدعي على دولة اخرى نفذت جرائم حرب.
قادة اسرائيل من نتنياهو الى لبيرمان الى بينت وحتى المعارضة، جُن جنونها، وفقدت اعصابها، وباتت تلقي التصريحات يمينا وشمالا دون وازع سياسي او قانوني او قيمي، وهدد وزير الفساد ليبرمان بالعمل على «حل المحكمة»، كما طالب دولته بـ"عزل» الرئيس ابو مازن عن موقعه، وطالب كلاً من المانيا وفرنسا وبريطانيا واميركا بالحؤول «دون ممارسة» المحكمة لدورها، ووصف قرار المحكمة بـ"المخزي، وهو ما صرح به ايضا رئيس الوزراء المتهالك، الذي رفض قرار المحكمة، واعتبر انها «لا تملك سلطة قضائية على فلسطين، بما ان هذه الاخيرة ليست دولة، حسب قواعد هذه المحكمة بالذات»! وطالب جون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة بالتدخل لمنع المحكمة من ممارسة دورها. مدعيا ان دولته اسرائيل تحارب «الارهاب» وفقا للقانون الدولي، ولديها نظام قضائي مستقل»؟!
من خلال التمعن بمواقف القيادات الاسرائيلية المذعورة، يلحظ المرء، انها اولا تطاولت على المحكمة الجنائية الدولية؛ ثانيا شاءت ان تلوي عنق الحقيقة، وتدعي ماليس فيها، حينما يقول نتنياهو، ان دولته، «تحارب الارهاب»، والحقيقة ان اسرائيل منذ وجدت وقبل ذلك، وهي تنتج الارهاب المنظم، والذي جله وجهته ضد ابناء الشعب الفلسطيني؛ ثالثا مطالبة دول الغرب (اميركا واوروبا) بالتدخل لثني المحكمة عن ممارسة صلاحياتها ودورها كحامية لحقوق الانسان من انظمة وقوى البطش الارهابية؛ رابعا مواصلة التنكر لمكانة دولة فلسطين، حيث تساوقت معها الادارة الاميركية في هذا الاتجاه، عندما اعتبرت، ان فلسطين «ليست مؤهلة لعضوية المحكمة»؟! وهو ما يعني منح اسرائيل الضوء الاخضر لاستباحة دماء الفلسطينيين؛ خامسا الذهاب بعيدا في ارهابها وجرائمها (اسرائيل) حين يدعو وزير خارجيتها ليبرمان للتخلص من الرئيس ابو مازن؟! وهو ما يكشف عن جريمة جديدة، ويفضح الوجه الحقيقي للدولة الاسرائيلية، كدولة معادية للسلام، ومؤصلة للحرب والعدوان ومحرضة على العنف والجريمة.
مع ذلك، واياً كان شكل التهديد والوعيد الاسرائيلي، فانها لن تثني القيادة الفلسطينية، والرئيس عباس عن مواصلة دورها كقائدة لتحرر الشعب الفلسطيني، وتحقيق اهدافه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير وضمان حق العودة للاجئين. وصراخ نتنياهو وليبرمان، على ما يحمله من اخطار حقيقية ضد شخص رئيس الشعب الفلسطيني كما فعلوا مع سلفه الزعيم الشهيد ياسر عرفات، فان اسرائيل واهمة اذا اعتقدت للحظة امكانية تراجع القيادة عن مواصلة جهودها في مطاردة حكام اسرائيل كمجرمي حرب امام محكمة الجنائية الدولية وغيرها من المنابر الاممية.
كما تملي المسؤولية لفت نظر قادة دولة العدوان والاحتلال الاسرائيلية الى جهلها وغبائها في قراءة المرونة السياسية الواقعية للقيادات الفلسطينية، التي دخلت حلبة التسوية السياسية من موقع المدافع عن الحقوق الوطنية لا من موقع التبعية او التفريط بتلك الحقوق. ويخطئ قادة اسرائيل، في حال افترضوا امكانية وجود شخص فلسطيني يقبل التنازل عن الحد الادنى من الحقوق الوطنية. وبالتالي مواصلة نتنياهو وليبرمان وباقي الجوقة الارهابية الاسرائيلية، سيحتم على الرئيس عباس وقيادة منظمة التحرير اللجوء لسيناريوهات اخرى اقلها وقف التنسيق بكل اشكاله وخاصة الامني، وغيرها بما في ذلك تسليم مقاليد الامور كلها لدولة الاحتلال الاسرائيلية، لتتحمل مسؤولياتها على الصعد المختلفة.
حواديت - الصديقة المخلصة للمرأة
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
اعتدت في سنوات طفولتي أن أذهب إلى محل في بداية شارع البحر بمدينة خان يونس، كانت اليافطة الكبيرة "سنجر" التي تعلو المحل هي ما ترشدني إليه، لم أكترث يومها لمعرفة هوية مالكه وكيف تجرأ على اختيار اسم غربي وسط محلات كلها ناطقة بلغة الضاد، التجربة الأولى فرضت علي أن أردد كلمة "سنجر" طيلة الطريق كي لا تنسل الكلمة من ذاكرتي وأعود بخفي حنين، ما أن وصلت باب المحل حتى سارعت بالقول لصاحب المحل العجوز "سنجر"، ابتسم الرجل وقال هل تريد أن تشتري الشركة؟، لم أستوعب يومها ما قاله العجوز وأنا أحاول أن ألتقط وسط واحة الخجل حاجتي لقطعة صغيرة لماكينة خياطة من نوع "سنجر".
ترسخت من يومها علاقتي الخاصة بتلك الماكينة الصغيرة التي تحتل أهمية كبيرة في المنزل، العلاقة ولدت من رحم الصداقة التي تربطها بالوالدة "رحمها الله"، حيث احتلت المساحة الأكبر في حياتها وكانت الأقرب إليها، فهي الشركة التي تقتات الأسرة من ايراداتها بعد رحيل ولي الأمر في حرب حزيران 1967، الماكينة الصغيرة المطعمة برسومات فرعونية باللون الذهبي تدار يدوياً، قبل أن تستوعب بعد سنوات الموتور الكهربائي الصغير مرافقاً لها، على مدار سنوات طويلة لم تكن الوالدة بحاجة لمتابعة ما تنتجه بيوت الأزياء التي لا تعرف شيئاً عنها، يكفيها أن تتبادل مع صاحبة الشأن الاجتهاد لتضعا سوياً الشكل العام للثوب المتناغم مع ثقافتنا، لم تكن الفتاة بحاجة يومها لأن تضفي على ثوبها مزيداً من الأهمية باستحضار الدولة التي جاء منها، كل ما يعنيها أن يحمل إطلالة الجمال الشرقي.
اختفت منذ سنوات يافطة "سنجر" واكتظت شوارعنا بالاسماء العجمية التي يحمل البعض منها دلالاته فيما تغيب عن الباقي منها، وأغلقت مصانع الخياطة أبوابها بعد أن اقتحم المنتج الصيني أسواقنا، ولم تعد ماكينة الخياطة ضمن مقتنيات الأسرة ومصدر دخل كما كانت عليه في السابق، ولم يعد لشعار"الصديقة المخلصة للمرأة"، الذي أطلقته الشركة وهي تروج لماكينتها الصغيرة "سنجر موديل 27 "، بريق يلفت الانتباه، إن كان اسحق سنجر قد سجل براءة اختراعه لماكينته منتصف القرن التاسع عشر، وبدأت الشركة إنتاجها التجاري نهاية ذات القرن، ووصل منتجها إلينا منتصف القرن الماضي، فالمؤكد أن رحيلها من عالمنا كان سريعاً، وفيه دلالة على تراجع بين لثقافة الانتاج أمام ثقافة الاستهلاك التي باتت تضرب أطنابها في تفاصيل حياتنا.
على مدار سنوات لعبت ماكينة الخياطة دوراً محورياً في مفاهيم المشاريع الصغيرة المنتجة، وكنا نأمل أن توسع الحكومات الفلسطينية المتعاقبة من مساحة اهتمامها بتمويل مثل هذه المشاريع، لكن من الواضح أن المساحة تقزمت إن لم نقل اختفت في جوف المناكفات التي تعصف بضرورات حياتنا، ما يثير القلق لا يتعلق فقط في أننا تنازلنا طوعاً عن قيمة أن نلبس مما نصنع، وما لذلك من انعكاسات على الذوق العام، بل القلق الأكبر يكمن في الثقافة الاستهلاكية التي تربعت على مكونات حياتنا، لم يعد للمبادرات الخلاقة في المشاريع الصغيرة المنتجة، التي يمكن من خلالها أن نقلص من حجم البطالة ومستوى الفقر داخل مجتمعنا، حاضنة توليها الأهمية المطلوبة، الحاضنة التي تعمل على أكمل وجه هي تلك المتعلقة بالمناكفات التي تبقينا خارج دائرة احتياجاتنا الحياتية اليومية.