Haneen
2015-03-04, 11:06 AM
في هذا الملف:
v الصمت الدولي تجاه الاستيطان
بقلم: حديث القدس – القدس
v عصر الإستراتيجية الفلسطينية الثالثة؟
بقلم: أحمد جميل عزم – القدس
<tbody>
</tbody>
v إسلام «أستغفر الله» وإسلام «ما شاء الله»!
بقلم: حسن البطل – الأيام
v هل الشيطان «داعش» فقط.. ماذا مع التيارات الأُخرى؟
بقلم: أشرف العجرمي – الأيام
<tbody>
</tbody>
v حياتنا- يا وحدتنا
بقلم: حافظ البرغوثي – الحياة
<tbody>
</tbody>
v مدارات - تفجير المصالحة واتهام الطيراوي
بقلم: عدلي صادق – الحياة
<tbody>
</tbody>
الصمت الدولي تجاه الاستيطان
بقلم: حديث القدس – القدس
تتوالى كل يوم التقارير التي تنشرها وكالات الأنباء عن نشاط استيطاني محموم تمارسه الحكومة الاسرائيلية بشكل مستفز ليس للفلسطينيين فحسب، وإنما من المفروض كذلك أن تشعر به الأسرة الدولية الراعية لما تسمى بعملية السلام والرافضة للاستيطان باعتباره كما ظل المجتمع الدولي يكرر منذ العام ١٩٦٧ "عقبة كبرى أمام العملية السلمية".
لقد طالب المجتمع الدولي الفلسطينيين بالتخلي عن الكفاح المسلح، والاعتماد كليا على التفاوض وسيلة لتحقيق مطالبهم الوطنية والإنسانية. ومع أن التفاوض في صيغته الراهنة لا يزيد عن قيام اسرائيل التي تمتلك القوة العسكرية وقوة الاحتلال بفرض مواقفها، أو محاولة فرض هذه المواقف على المفاوض الفلسطيني، فإن القوى الدولية الكبرى، وبعد أن سدت اسرائيل كل آفاق التسوية من خلال مواصلة الاستيطان ، تطالب الفلسطينيين بالعودة إلى مفاوضات غير متوازنة ولا مجدية. بل إن اسرائيل تستغلها للتغطية على ممارساتها الاحتلالية وخصوصا الاستيطانية، تحت يافطة قبولها المزعوم بالتفاوض، وتضليل الرأي العام العالمي بمجرد وجودها السلبي داخل غرفة المفاوضات.
وآخر التقارير التي نشرت في وسائل الإعلام يوم أمس تحدثت عن قرار اسرائيلي بنهب ٤ آلاف دونم تقع في مناطق استراتيجية بالضفة الغربية، والاستيلاء عليها بهدف توسيع ٤ مستوطنات شمالي الضفة الغربية وقرب مدينة أريحا. كما أن الخطوات التنفيذية لتوسيع هذه المستوطنات تجري على قدم وساق، ودون أي عوائق على الإطلاق.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو :ما دامت اسرائيل تمتلك القوة الاحتلالية العسكرية، فما هي العوائق التي يمكن توقعها لوقف هذه النشاطات ولجم التوسع الاستيطاني الاسرائيلي؟.
وما دام المجتمع الدولي قد رفض منطق القوة، إذا استخدمه الفلسطينيون وليس الاسرائيليين، فإن من المفروض أن يقوم العالم بمساندة الفلسطينيين فعليا، وليس بالخدمة الكلامية الخجولة التي لا يقوم بها هذه الأيام على تفاهتها ومحدودية أثرها.
والتفسير الوحيد لهذه اللامبالاة الدولية هو التحيز لاسرائيل في أسوأ الحالات، ومداهنتها وعدم الرغبة في مواجهة تصرفاتها الاستيطانية بالقدر الكافي في أحسن الحالات. وليس من المعقول أن لا تمتلك الأسرة الدولية الآليات والأدوات اللازمة لفرض قراراتها الشرعية ووضعها موضع التنفيذ.
لكن غياب الإادة أو الرغبة في تحدي الصلف الاسرائيلي هو الذي ينقص المجتمع الدولي. ومع هذا الغياب هناك الانصياع شبه الكامل للاحتكار الأميركي لما تسمى بعملية السلام. والمعروف أن هذا الاحتكار يستند لرؤية جماعات الضغط اليهودي الأميركي الموالية لاسرائيل في الولايات المتحدة.
وليس أدل على هيمنة اللوبيات الاسرائيلية في أميركا على صانع القرار في الولايات المتحدة من سلسلة التراجعات التي أقدم عليها البيت الأبيض بخصوص الاستيطان، منذ أن طالب الرئيس باراك اوباما بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، وذلك في مستهل ولايته الأولى، وعدم تلبية اسرائيل لهذا المطلب، بل وتجاهله تماما حتى عندما طُلب منها تجميد الاستيطان لفترة شهرين فقط، مع إغراءات أمنية واقتصادية لا حدود لها.
وعلى العالم أن يتحرك لأنه الضامن لما تسمى بعملية السلام. أما استمرار العجز والصمت الراهنين فلن يؤدي إلى أي مكان.
وها هي المخاطر على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، والناتجة عن الاحتلال والتوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تلوح في الأفق دون أن يكترث لها العالم، أو يحسب لها أي حساب.
عصر الاستراتيجية الفلسطينية الثالثة؟
بقلم: أحمد جميل عزم – القدس
قبل أيّام، وفي ندوة عامة متلفزة في رام الله كنتُ ضمن حضورها، قال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، د. نبيل شعث، إنّ هذه المرحلة تشير إلى دخول العمل الفلسطيني مرحلة تاريخية ثالثة جديدة، ضمن تاريخ الحركة الوطنية المعاصرة. الأولى، مع انطلاقة الكفاح المسلح؛ واستمرت من العام 1965 لنحو 28 عاما، حتى توقيع اتفاقيات أوسلو. والثانية، استمرت نحو 22 عاما، منذ "أوسلو" وحتى اليوم، وقامت على التفاوض والعملية السياسية.
والدكتور شعث من القيادة التاريخية التي تلقى احتراماً كبيراً في مختلف الأوساط السياسية الفلسطينية، ويصعب أن تختلف معه؛ لما يطرحه من خطاب متوازن، جامع للقوى الوطنية، ويتضمن بعداً استراتيجياً يجمع الأدوات النضالية، من سياسية ومقاومة أخرى في تصورات مقنعة. وفي حالة الاستراتيجية الجديدة، الحديث عن التدويل والمقاومة الشعبية والوحدة الوطنية. ولكن المشكلة التي قد تواجه المستمع (وهو ما عبّرت عنه في الندوة)، أنّ د. شعث ربما يتحدث عمّا يجب أن يكون، وما يحاول هو وآخرون أن يكون، فيما هناك أصوات واتجاهات وعوامل وقوى أخرى تدفع باتجاهات مختلفة، أو اتجاهات سكونيّة تعيق الفعل لسبب أو آخر.
الآن، تم تعيين لجنة وطنية عليا مسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية، تضم عددا كبيرا من الفعاليات والقوى الوطنية الفلسطينية. وهذه اللجنة ربما تكون قد أُوجدت لأسباب مختلفة ومتعددة، تشمل عدا متابعة هذا الملف بشمولية، أن يتحمل الجميع تبعات الذهاب للمحكمة. ومن هنا، يوجد أشخاص من حركة "حماس" ومن اليسار الفلسطيني، ومن المجتمع المدني، بما في ذلك الشرائح المشتغلة بالقانون الدولي. وبحسب طرح الرئاسة الفلسطينية، فإنّ التبعات التي قد تنشأ عن الانضمام للمحكمة الدولية ربما تتضمن ملاحقة فلسطينيين. وبالتالي، لا يريد الرئيس محمود عباس أن تحمّله فصائل فلسطينية مسؤولية متابعة أو مساءلة أعضاء فيها، فأصّر على توقيعهم على قرار الذهاب للمحكمة، والآن يدخلهم في عملية إدارة الملف.
بغض النظر عن دوافع اختيار هذه الأسماء، فإنّها خطوة مهمة جداً، لو قيّض لها أن تنجح؛ من حيث أن تكون هناك إدارة جماعية للملف. فقد تشكل سابقة مهمة، يمكن تكرارها في إدارة ملفات مختلفة، خصوصاً أنّه لا يمكن الفصل بين هذا الملف (المحكمة) وملفات التفاوض وغيرها من الملفات المختلفة. ومن ثم، هي تجربة لإدارة جماعية لواحد من ملفات الصراع.
بطبيعة الحال، من غير المستبعد أن يثير تعيين اللجنة ضجة كبرى، خصوصاً عند الإسرائيليين الذين سيتحدثون عن مندوبين لحركة "حماس" وغيرهم في اللجنة التي تتابع أمر محاكمة إسرائيل. ولعل من اللافت، وذي الدلالة، طريقة تغطية صحيفة مثل "تايمز أوف إسرائيل" لخبر اللجنة. إذا قالت إنّه تم تعيين كبير المفاوضين الفلسطينيين السابق صائب عريقات، لإدارة اللجنة. والخطاب الإسرائيلي يتمثل في أنّ الذهاب للمحكمة هو هروب من المفاوضات. وهي قضية سيتم التركيز عليها إسرائيليا، ولكن هذا لا يجب أن يلغي المضي في هذا الدرب.
إذا قيّض لهذه الخطوة أن تنجح وتبلغ مداها، ولم يتعثر ويتجمد إطار العمل هذا، فإنّه يمكن الحديث فعلا عن استراتيجية ثالثة جديدة، تعمم. ويكون من مكوناتها، ثلاثة عناصر رئيسة، هي: التدويل، والمقاومة الشعبية، والوحدة الوطنية. وعدا وجود الفصائل في التشكيل، فإنّ وجود أشخاص مثل حنان عشراوي ومصطفى البرغوثي وغيرهما من أصحاب القدرة على مخاطبة الرأي العام العالمي، ووجود حقوقيين متخصصين من المجتمع المدني، مثل شعوان جبارين وممدوح العكر، سيكون إضافة نوعية وفاتحة لإضافة الكفاءات والطاقات في إدارة ملفات العمل اليومي للصراع. وإذا كانت هناك لجنة وطنية لإدارة شؤون المحكمة الجنائية الدولية، فما الذي يمنع من تأسيس لجان ومرجعيات لملفات أخرى، منها تفعيل عمل منظمة التحرير الفلسطينية.
إنّ تفعيل أطر من هذا النوع يمكن أن يصل إلى تكوين قيادات موسعة أو غير ذلك، لإدارة ملفات الصراع، بما يتضمن حقا استراتيجية جديدة تمزج المقاومة والسياسة بشكل فاعل.
إسلام «أستغفر الله» وإسلام «ما شاء الله»!
بقلم: حسن البطل – الايام
في إحدى روايات أمين معلوف اللبناني الأصل وعضو الأكاديمية الفرنسية، ولعلها «ليون الأفريقي» ما يستوقف النظر حول سبب من أسباب سقوط غرناطة.
كان رجل قشتالي قد أسلم، وصار مقرباً من آخر خلفاء الأندلس، وكان يُكثر من عبارة «أستغفر الله» في كل أمر، ويحث الخليفة على الجهاد.
كان، أيضاً، رجل عربي مسلم، قريشي الأصل، يدعى أبا عمرو، وعلى النقيض، كان يدعو الخليفة للعدة والاستعداد قبل الجهاد.
المستشار القشتالي الذي أسلم، كان يحرّض على أبي عمرو، ويدعوه: أبا خمر .. وهكذا، قبل الخليفة مشورة الجهاد من القشتالي. خاض حرب الجهاد وانكسر.
الرواية عن أحوال الأندلس العام ١٤٨٨، قبل سنوات من بكاء ابو عبد الله الصغير لضياع غرناطة ١٤٩٢، وتقريع أمه الشهير له: إبك مثل النساء، ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.
تذكرت هذه الواقعة، الحقيقية او المجازية، لما قرأت على «الفيسبوك» عن شاب مسيحي أوروبي اشهر إسلامه ويقول ان الرسول الأعظم تراءى له، ربما «في اليقظة التي في الحلم، او الحلم الذي في اليقظة» كما قال احد كبار الصوفية الإسلامية!
كان التحول الديني في الأندلس شائعاً، وفي الأغلب الأعم الى دين الإسلام، لأن «الناس على دين ملوكهم» او كما يقول ابن خلدون: اقتداء الضعيف بالقوي، لأن دخول دين الإسلام سهل، ويكفي النطق بالشهادتين (وهما شعار الإسلام الجهادي من قبل الآن) خلاف اليهودية والمسيحية.
الآن، يتحدثون عن بعض أسباب جاذبية «داعش» لمسلمين في دول الغرب، او لمسيحيين اشهروا إسلامهم، مثل ذلك الذي تراءى له الرسول محمد فأسلم واعتمر الكوفية، وقد يعتمر لاحقا «العمامة» وينضم الى «داعش» .. ويكفّر من يرسم الرسول!
في الواقع، هذه موجة ثانية من الأسلمة في أوروبا بخاصة، وهي موجة الإسلام الجهادي، وكانت موجة اولى قد حصلت بعد انتصار الثورة الإسلامية الايرانية، لكن من منطلق آخر، هو الإعجاب بقدرة الجماهير المؤمنة على إسقاط نظام استبدادي.
في التحقيقات الصحافية حول جاذبية الجهاد الإسلامي، ان هناك حوالي ٢٠٪ من مقاتلي «داعش» هم من المسلمين غير العرب (الشيشان مثلاً)، او من شباب الجيل الثالث للمسلمين من مواليد أوروبا .. او من الذين دخلوا دين الإسلام لأسباب غير جاذبية الهداية الدينية.
هؤلاء هم الأكثر غلواً وتطرفاً و«جهادية» من العرب المسلمين، ولأسباب مفهومة، حيث اننا نجد في الباكستان وايران ونيجيريا (بوكوحرام) غلوا في اعتناق الإسلام الجهادي، والموت في سبيل الله، والانتحار لدخول جنات الخلد، والاستباحة والغنائم وقطع الأعناق .. الخ، وتكفير الحاكم وحتى تكفير العامة (الشعب).
كل فرقة إسلامية جهادية تدعي أن إسلامها هو الصحيح حتى اكثر من فرقة اسلامية جهادية أُخرى، فما بالك بغير المسلمين، او بالفرق الإسلامية غير الجهادية (الإيزيديين مثلاً الذين يجمعون تعاليمهم من الإسلام والمسيحية واليهودية) واتهامهم انهم «عبدة الشيطان» او «عبدة النار» مع أن الإسلام يحترم ديانتين سماويتين سبقتاه.
الحرام والحلال، الجنة والنار، الكفر والإيمان، الإيمان والإسلام، الإسلام الحنيف وذاك الضعيف، يذكرنا بذلك المستشار القشتالي للخليفة الأندلسي وترداده عبارة «استغفر الله» التي قادته الى التهلكة!
البعض يلاحظ أن «الداعشية» و«الاندعاش» و«التدعيش» ليست طارئة على عامة المسلمين، الذين نراهم يكثرون من إقحام اسم الله في كل أمر، مثل «اعوذ بالله» المشتقة عن «استغفر الله» او «ما شاء الله» في كل شكر وحمد على كل أمر، سواء في صدر الكون من رصد «هابل» او من اكتشافات حول «الخلية» او غرائب الامور التي لها تفسير علمي وبيولوجي. قد يكون مفهوماً أن يتسمى باكستاني مسلم باسم: أسد الله، او يلقب عالم شيعي مرموق «آية الله العظمى» لكن ماذا عن اسم «قتيل الله» في الباكستان مثلاً؟
* * *
ثمة شيء طريف في قتال الفرق الإسلامية الجهادية، وهي أن جميعها تقريباً تستخدم في تحركاتها وقتالها سيارات «التويوتا» اليابانية من نوع «بيك - أب» ذات اللون الأصفر الرملي.
ما هو غير طريف أن الداعشية قادمة من الأعماق وذاهبة الى البعيد .. في المدى الزمني والمدى المكاني. ماذا حصل في القول الشائع: عز الإسلام من عز العرب؟ وكيف نكصت على عقبيها عبارة: «دار حرب» و«دار سلام» وصارت دار الإسلام «دار حرب»؟.
هل الشيطان «داعش» فقط.. ماذا مع التيارات الأُخرى؟
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
يخطئ من يظن أن الإرهاب والتطرف هو مقصور فقط على تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المسمى "داعش" اختصاراً، وأنه عندما سيتم القضاء عليه سينتهي هذا النوع من الإرهاب المرتبط بالفكر الديني المتطرف، فجذور هذا التنظيم موجودة عميقاً في فكر وبنية تنظيمية أوسع، وقائمة في تنظيمات لها قاعدة اجتماعية عريضة ينجم عنها تنظيمات أصغر وأشد تطرفاً بين الفينة والأخرى، تنتجها عوامل وتدخلات دولية في إطار صراع المصالح الذي يعصف بمنطقتنا لتقسيمها وللسيطرة عليها واستغلالها.
هذا الفكر الذي يستند إلى مبدأ "الحاكمية الإلهية" ظهر لأول مرة في التاريخ الإسلامي بحسب الكثير من الباحثين على يد الخوارج في موقعة صفين عندما خرجوا من بين الصفوف ورفضوا تحكيم المحكمين، مكفرين القابلين به ومعلنين صيحتهم المشهورة: لا حكم إلا لله. وكلمة الحاكمية أتت من الحكم الذي هو الفصل في الخلافات. وأول من استخدمها في السياسة المعاصرة الداعية الإسلامي الهندي أبو الأعلى المودودي، الذي اعتبر أن سلطة الأمر من الحكم والتشريع كلها تعود لله وحده، وأن الخلافة الإسلامية "خلافة إلهية" يقوم فيها الإمام بوظيفة "خليفة الله". وكان أول من وصم المجتمعات الإسلامية بـ"الجاهلية" و"الكفر" لأنها لا تطبق "الحاكمية الإلهية".
ومن ثم انتقل هذا المبدأ إلى فكر "الإخوان المسلمين" حيث تأثر به وتبناه سيد قطب وأضفى عليه طابعاً أكثر تشدداً وحاول تطبيقه في انقلابه الفاشل على النظام السياسي في مصر في أعقاب ثورة 23 يوليو. وقال قطب في كتاباته "نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية... تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، مواد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع اسلامية، وفلسفة اسلامية، وتفكيراً اسلامياً.. هو كذلك من صنع هذه الجاهلية".
أي أن "الإخوان المسلمين" أول من أسس لاستخدام العنف ضد المجتمع والنظام السياسي باعتبارهما كافرين وجاهلين، وكل حركات الإسلام السياسي نشأت تحت عباءة "الإخوان" حتى لو تبنت عنفاً أكبر وتطرفاً أشد. وعندما يتم دمج الدين بالسياسة على قاعدة "الحاكمية الإلهية" يجوز فعل أي شيء ضد الناس في سبيل تطبيق حكم "خلفاء الله" على الأرض الذين لا يأتيهم الباطل من بين ايديهم ولا من خلفهم، وهم لا ينطقون عن الهوى وممثلون لحكم وإرادة الله، وهذا شأن "الإخوان" والجماعات التكفيرية التي انبثقت عنها والتي كانت "القاعدة" و "داعش" منها، وعندما تنتهي "داعش" بعد ان تستنفد ما هو منوط بها من تدمير وتخريب ستظهر حركات أخرى بأسماء أُخرى، ولكنها ستكون متشابهة في فكرها وعنها بل ربما تكون أكثر عنفاً وإرهاباً.
وإذا كانت المجتمعات والسلطات العربية معنية حقيقة بمحاربة "داعش" وكل "الدواعش" التي على شاكلتها لابد من العمل على تعديل الخطاب الديني ليس فقط لجهة تعميم مبادئ المساواة والتسامح ومحبة الناس ونشر الأمن والطمأنينة، وإنما كذلك لجهة تثبيت قواعد الحكم على فصل الدين عن السياسة واستبعاد فكرة "الحاكمية الإلهية" وقدرة بعض الحركات والاشخاص على أن يكونوا خلفاء الله على الأرض، فلا يمكن تصور أن شخصاً أو مجموعة تعتقد أنها تحكم باسم الله يمكنها أن تحقق العدل وتنصف الناس وتقيم حكماً يراعي مصالح المواطنين. فمجرد الظن أنها تملك الحق الإلهي هذا يجعلها تنكل بكل من يختلف معها باعتبار أنها تنطق بالحق القادم من السلطة السماوية. والدكتاتورية القائمة على المزج بين الدين والسياسة قد تكون أكثر فظاعة من الدكتاتوريات الأخرى القائمة على حكم الأحزاب الدنيوية التي تستأثر بالسلطة وتمنع الحريات ووجود المعارضة، والمعارضة في حال وجود الحكومات الربانية القائمة على "الحاكمية الإلهية" هي ضرب من ضروب الفكر وليس بعد الكفر ذنب.
نحن بحاجة لسياسات قائمة على التثقيف بمبادئ حقوق الإنسان والمساواة بين البشر بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين أو المعتقد أو الفكر أو الرأي أو الانتماء السياسي أو الطبقي والاجتماعي، وكذلك تكريس مبدأ الديمقراطية في تداول السلطة واحترام الحريات بمختلف أنواعها وتحكيم المواطن الناخب في اختيار شكل الحكم والنظام الذي يرتئي بعيداً عن القهر والتسلط ومصادرة الحقوق، وفي إطار احترام الأديان وحرية ممارسة الشعائر لجميع المؤمنين على أن يظل الدين رسالة أخلاقية وعلاقة بين المؤمن وربه وليس عباءة للحكم والتسلط على الناس.
كما أن هناك حاجة لتوعية وتثقيف الشباب على وجه الخصوص بهذه المبادئ والاهتمام بحاجاتهم في تنمية حقيقية تستفيد من طاقاتهم ومساهماتهم الايجابية في خدمة المجتمع وتطوره والحد من البطالة ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الأمان الاجتماعي والاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية النسبية، فالخطر يأتي اساساً من الفراغ الفكري والثقافي ومن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في المجتمع وتهميش الأجيال الشابة، ومعالجة هذه الظواهر يحاصر التطرف والجهل ويمنع استغلال طاقات الشباب في الأفعال التدميرية على غرار ما تقوم به "الدواعش" المختلفة. والحرب على التطرف والإرهاب لا ينبغي أن تنحصر فقط في معالجة الجوانب الأمنية إذا كانت هذه أصلاً موجودة بالصورة الجدية والكافية على أرض الواقع.
حياتنا- يا وحدتنا
بقلم: حافظ البرغوثي – الحياة
لم يعد باستطاعة الوضع الفلسطيني الاستمرار على ما هو عليه من جمود سلبي ومصالحة ورقية، فان كانت القيادات تستطيب التلاسن وتحقيق انجازات لفظية، فذاك سلاح المهزومين حين يختلفون فيما بينهم ويتركون القضايا الكبيرة في مهب الريح. لا نحن في الضفة بقادرين على احتواء التوسع الاستيطاني الذي يتمدد ولا اهلنا في غزة بقادرين على الافلات من الحصار الذي يتمدد ايضا ولا المصالحة بقادرة على التمدد لتشمل بنود التنفيذ الدقيق وليس الانتقائي.آن الأوان لكي ننغمس بجدية في تنفيذ المصالحة ودون استحداث لمبررات هدفها المماطلة والتعطيل وليس الانجاز، فالمصالحة ليست مجرد رواتب ومناصب وحصحصة بل هي انعاش المشروع الوطني الفلسطيني للتحرر والاستقلال واقامة الدولة وليست تحقيق منافع فصائلية.
ولو وضعنا المصلحة الوطنية العليا على رأس الأولويات لما انحدرنا الى ما نحن فيه الآن، ولما تعطلت عملية اعادة الاعمار للمرة الثانية، فلا احد يمكنه حكم غزة بقوة الامر الواقع ولا احد يمكنه فرض شروط لرفع الظلم والحصار وايواء المتضررين وفتح نافذة على العالم لكي تتنفس غزة الصعداء. فالوطن بحاجة الى جناحيه لكي يحلق والا بقي يحوم ويهوي في مستنقع الانقسام اللعين. كل من له بصر وبصيرة يرجح اننا ذاهبون الى التهلكة ان استمر وضعنا على حاله، وان خرجنا من حصارنا لأنفسنا يمكن للعالم ان يتقبلنا موحدين واقوياء بحقوقنا وعدالتها، والا فلن يلتفت الينا احد، لأن اوروبا منهمكة في أزماتها الاقتصادية واميركا منهمكة في حربها الباردة مع روسيا والصين ومن حولنا دم وجثث تغطي جغرافية العالم العربي، فان تخاذلنا عن حماية الذات لا تنتظروا عونا من احد، ففي كل الازمات كنا نصيح يا وحدنا فلماذا لا نطلب الصمود ونهتف يا وحدتنا؟
مدارات - تفجير المصالحة واتهام الطيراوي
بقلم: عدلي صادق – الحياة
كلما تغالظت «حماس» في غزة مع الناس، لا سيما مع منتسبي «فتح» وكوادرها، تتعقد مسألة الوفاق الوطني. ويزداد الامر صعوبة، حينما تقع التفجيرات واعمال الاختطاف، التي يعقبها صمت. وفي اللحظة التي ننتظر فيها نطقا فصيحا، نسمع كلاما عجبا وركيكا، بدل الكلام الذي ينم عن استدراك، وعن احساس بالشطط وبفداحة السياق الذي اختاره المتنفذون الحمساويون في غزة. ولعل آخر هذا الكلام العجيب، هو التلميح باتهام عضو «مركزية فتح» توفيق الطيراوي بالضلوع في التفجيرات. فلأن ثقافة الوسط الحمساوي الذي يتهم، وطبيعة تجربته، الممزوجة بالعنف والنزاع الاهلي، وبلقطات قصف البيوت بمضادات الدروع، وفتح النار والتفجير الذي يطال ابرياء؛ فقد كان سهلا على هذا الوسط ان يتهم «ابو حسين» بهكذا شائنة لا تخطر على بال الوطنيين. فلماذا يفجر «ابو حسين» ولأية دوافع وبأية صفة؟ صحيح ان تجربة «حماس» في غزة، سممت التاريخ الفلسطيني بانموذج الانسان الذي يعمل في وظيفة مدنية، ويتبدى نهارا في إهاب «وزير» صحة مثلا، ثم يتلثم ليلا لكي يطلق الرصاص في نزاع اهلي يمكن تسويته بالحوار، بينما مهنة الطب تداوي الجروح ولا توقعها الا بمبضع الجراح المعالج. لكن هذا الانموذج لم يعرفه الفتحاويون حتى في مراحل كفاحهم المسلح، ولم يعرفوه في مؤسستهم الامنية التي لم تفجر ولم تحرق بيتا فلسطينيا في تاريخها، مثلما حدث في الشجاعية وفي جباليا وفي عموم قطاع غزة.
وفي الحقيقة، ضحك محسوبكم عندما قرأ اتهام ناطق حمساوي لصديقه «ابو حسين» بالتفجيرات. تذكرت يوما قبل نحو ثلاثين سنة، وصلت فيه الى مطار عربي، بالتزامن مع اعلان مصدر رسمي ان بلدا اخر على خلاف معه، قام بتلغيم الممرات المائية. وكان الاتهام على خلفية التوتر بين البلدين. وكنت يومها في قطاع الداخل (الغربي) فجاءني رجل امن، لعله كان متدربا ليسالني بصيغة الاتهام: «ماذا تعرف عن تلغيم البحر الاحمر؟». يومها رددت عليه بنبرة وجدانية: «بالله عليك، شاكك فيّ اني لغمت البحر الاحمر»!
لا تنطلي على السُذج، توقيعات «داعش» في ذيول التفجيرات. فالداعشية كامنة في جزء من «حماس» في غزة، ويعلم هذه الحقيقة عقلاء الحركة ووطنيوها. والاجدار ان يتحمل هؤلاء مسؤولياتهم ولا عيب ان اعترفوا بان هناك تباينات في داخل حركتهم. فاحزاب الانظمة الشمولية تعترف باية ظاهرة تباين تقع في داخلها. ومن المؤسف، ان يكون هؤلاء الذين يفجرون ويختطفون، هم انفسهم المريبون الذين تحيط بهم علامات استفهام كبرى (ولا داعي للتفصيل). ولو نظرنا الى البُعد السياسي المرتجى، من الاصرار على توتير الاوضاع في غزة، يتضح امامنا جليا ان الدور ملعوب، وهو احباط وحدة الضفة وغزة، واجهاض المشروع الوطني الفلسطيني، لصالح مشروعين، واحد استيطاني في الضفة وصولا الى مرحلة ضمها واعطاء «حكم ذاتي» للسكان لحرمانهم، بعد انتهاب ارضهم وارض اجيالهم اللاحقة، من الانتساب الى دولة عادلة تساوي بين مواطنيها، وفرض الخضوع عليهم. اما المشروع الثاني، فهو انشاء منطقة حكم ذاتي في غزة، تنفتح او تطفر الى جوارها المصري، لكي توسع رقعتها على ان تظل للابد هجينة ليس لها من سمات الدولة او الدويلة سوى الهيمنة الامنية القهرية.
ان اي تلكؤ متعمّد، او احباط ملعوب، على صعيد واجب تحقيق وحدة الكيانية الفلسطينية؛ سيكون معطوفا على الجوسسة والدسيسة الهادفتين الى شطب فلسطين. وتقع التفجيرات ومعها عمليات الاختطاف والاعتقال والاهانات ومنع الفعاليات الوطنية؛ في اطار محاولات اجهاض المشروع الفلسطيني.
مردودة على اصحابها ذرائع المال والرواتب واولويات خطوات حل مشكلة الانقسام. فما على «حماس» سوى ان تُمكّن الحكومة الفلسطينية من اداء واجباتها بجدارة، وعندئذٍ سنكون معها ان تلكأ متلكئ منا، او عَطّل مُعطّل. وستكون «حماس» قد ربحت الفرصة التي اعطيت لها وباتت جزءا من كُلٍ فلسطيني، يتعزز دوره بعلاقاته العربية والدولية دونما اتهامات لفلسطين بشيء يزعج الجوار العربي القريب والبعيد. اما التمحك بتوفيق الطيراوي، فهو اشبه بثرثرة اطفال، يروون لبعضهم البعض حكايات خرافية عن الغولة التي اكلت الفرس والخيّال!
v الصمت الدولي تجاه الاستيطان
بقلم: حديث القدس – القدس
v عصر الإستراتيجية الفلسطينية الثالثة؟
بقلم: أحمد جميل عزم – القدس
<tbody>
</tbody>
v إسلام «أستغفر الله» وإسلام «ما شاء الله»!
بقلم: حسن البطل – الأيام
v هل الشيطان «داعش» فقط.. ماذا مع التيارات الأُخرى؟
بقلم: أشرف العجرمي – الأيام
<tbody>
</tbody>
v حياتنا- يا وحدتنا
بقلم: حافظ البرغوثي – الحياة
<tbody>
</tbody>
v مدارات - تفجير المصالحة واتهام الطيراوي
بقلم: عدلي صادق – الحياة
<tbody>
</tbody>
الصمت الدولي تجاه الاستيطان
بقلم: حديث القدس – القدس
تتوالى كل يوم التقارير التي تنشرها وكالات الأنباء عن نشاط استيطاني محموم تمارسه الحكومة الاسرائيلية بشكل مستفز ليس للفلسطينيين فحسب، وإنما من المفروض كذلك أن تشعر به الأسرة الدولية الراعية لما تسمى بعملية السلام والرافضة للاستيطان باعتباره كما ظل المجتمع الدولي يكرر منذ العام ١٩٦٧ "عقبة كبرى أمام العملية السلمية".
لقد طالب المجتمع الدولي الفلسطينيين بالتخلي عن الكفاح المسلح، والاعتماد كليا على التفاوض وسيلة لتحقيق مطالبهم الوطنية والإنسانية. ومع أن التفاوض في صيغته الراهنة لا يزيد عن قيام اسرائيل التي تمتلك القوة العسكرية وقوة الاحتلال بفرض مواقفها، أو محاولة فرض هذه المواقف على المفاوض الفلسطيني، فإن القوى الدولية الكبرى، وبعد أن سدت اسرائيل كل آفاق التسوية من خلال مواصلة الاستيطان ، تطالب الفلسطينيين بالعودة إلى مفاوضات غير متوازنة ولا مجدية. بل إن اسرائيل تستغلها للتغطية على ممارساتها الاحتلالية وخصوصا الاستيطانية، تحت يافطة قبولها المزعوم بالتفاوض، وتضليل الرأي العام العالمي بمجرد وجودها السلبي داخل غرفة المفاوضات.
وآخر التقارير التي نشرت في وسائل الإعلام يوم أمس تحدثت عن قرار اسرائيلي بنهب ٤ آلاف دونم تقع في مناطق استراتيجية بالضفة الغربية، والاستيلاء عليها بهدف توسيع ٤ مستوطنات شمالي الضفة الغربية وقرب مدينة أريحا. كما أن الخطوات التنفيذية لتوسيع هذه المستوطنات تجري على قدم وساق، ودون أي عوائق على الإطلاق.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو :ما دامت اسرائيل تمتلك القوة الاحتلالية العسكرية، فما هي العوائق التي يمكن توقعها لوقف هذه النشاطات ولجم التوسع الاستيطاني الاسرائيلي؟.
وما دام المجتمع الدولي قد رفض منطق القوة، إذا استخدمه الفلسطينيون وليس الاسرائيليين، فإن من المفروض أن يقوم العالم بمساندة الفلسطينيين فعليا، وليس بالخدمة الكلامية الخجولة التي لا يقوم بها هذه الأيام على تفاهتها ومحدودية أثرها.
والتفسير الوحيد لهذه اللامبالاة الدولية هو التحيز لاسرائيل في أسوأ الحالات، ومداهنتها وعدم الرغبة في مواجهة تصرفاتها الاستيطانية بالقدر الكافي في أحسن الحالات. وليس من المعقول أن لا تمتلك الأسرة الدولية الآليات والأدوات اللازمة لفرض قراراتها الشرعية ووضعها موضع التنفيذ.
لكن غياب الإادة أو الرغبة في تحدي الصلف الاسرائيلي هو الذي ينقص المجتمع الدولي. ومع هذا الغياب هناك الانصياع شبه الكامل للاحتكار الأميركي لما تسمى بعملية السلام. والمعروف أن هذا الاحتكار يستند لرؤية جماعات الضغط اليهودي الأميركي الموالية لاسرائيل في الولايات المتحدة.
وليس أدل على هيمنة اللوبيات الاسرائيلية في أميركا على صانع القرار في الولايات المتحدة من سلسلة التراجعات التي أقدم عليها البيت الأبيض بخصوص الاستيطان، منذ أن طالب الرئيس باراك اوباما بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، وذلك في مستهل ولايته الأولى، وعدم تلبية اسرائيل لهذا المطلب، بل وتجاهله تماما حتى عندما طُلب منها تجميد الاستيطان لفترة شهرين فقط، مع إغراءات أمنية واقتصادية لا حدود لها.
وعلى العالم أن يتحرك لأنه الضامن لما تسمى بعملية السلام. أما استمرار العجز والصمت الراهنين فلن يؤدي إلى أي مكان.
وها هي المخاطر على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، والناتجة عن الاحتلال والتوسع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تلوح في الأفق دون أن يكترث لها العالم، أو يحسب لها أي حساب.
عصر الاستراتيجية الفلسطينية الثالثة؟
بقلم: أحمد جميل عزم – القدس
قبل أيّام، وفي ندوة عامة متلفزة في رام الله كنتُ ضمن حضورها، قال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، د. نبيل شعث، إنّ هذه المرحلة تشير إلى دخول العمل الفلسطيني مرحلة تاريخية ثالثة جديدة، ضمن تاريخ الحركة الوطنية المعاصرة. الأولى، مع انطلاقة الكفاح المسلح؛ واستمرت من العام 1965 لنحو 28 عاما، حتى توقيع اتفاقيات أوسلو. والثانية، استمرت نحو 22 عاما، منذ "أوسلو" وحتى اليوم، وقامت على التفاوض والعملية السياسية.
والدكتور شعث من القيادة التاريخية التي تلقى احتراماً كبيراً في مختلف الأوساط السياسية الفلسطينية، ويصعب أن تختلف معه؛ لما يطرحه من خطاب متوازن، جامع للقوى الوطنية، ويتضمن بعداً استراتيجياً يجمع الأدوات النضالية، من سياسية ومقاومة أخرى في تصورات مقنعة. وفي حالة الاستراتيجية الجديدة، الحديث عن التدويل والمقاومة الشعبية والوحدة الوطنية. ولكن المشكلة التي قد تواجه المستمع (وهو ما عبّرت عنه في الندوة)، أنّ د. شعث ربما يتحدث عمّا يجب أن يكون، وما يحاول هو وآخرون أن يكون، فيما هناك أصوات واتجاهات وعوامل وقوى أخرى تدفع باتجاهات مختلفة، أو اتجاهات سكونيّة تعيق الفعل لسبب أو آخر.
الآن، تم تعيين لجنة وطنية عليا مسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية، تضم عددا كبيرا من الفعاليات والقوى الوطنية الفلسطينية. وهذه اللجنة ربما تكون قد أُوجدت لأسباب مختلفة ومتعددة، تشمل عدا متابعة هذا الملف بشمولية، أن يتحمل الجميع تبعات الذهاب للمحكمة. ومن هنا، يوجد أشخاص من حركة "حماس" ومن اليسار الفلسطيني، ومن المجتمع المدني، بما في ذلك الشرائح المشتغلة بالقانون الدولي. وبحسب طرح الرئاسة الفلسطينية، فإنّ التبعات التي قد تنشأ عن الانضمام للمحكمة الدولية ربما تتضمن ملاحقة فلسطينيين. وبالتالي، لا يريد الرئيس محمود عباس أن تحمّله فصائل فلسطينية مسؤولية متابعة أو مساءلة أعضاء فيها، فأصّر على توقيعهم على قرار الذهاب للمحكمة، والآن يدخلهم في عملية إدارة الملف.
بغض النظر عن دوافع اختيار هذه الأسماء، فإنّها خطوة مهمة جداً، لو قيّض لها أن تنجح؛ من حيث أن تكون هناك إدارة جماعية للملف. فقد تشكل سابقة مهمة، يمكن تكرارها في إدارة ملفات مختلفة، خصوصاً أنّه لا يمكن الفصل بين هذا الملف (المحكمة) وملفات التفاوض وغيرها من الملفات المختلفة. ومن ثم، هي تجربة لإدارة جماعية لواحد من ملفات الصراع.
بطبيعة الحال، من غير المستبعد أن يثير تعيين اللجنة ضجة كبرى، خصوصاً عند الإسرائيليين الذين سيتحدثون عن مندوبين لحركة "حماس" وغيرهم في اللجنة التي تتابع أمر محاكمة إسرائيل. ولعل من اللافت، وذي الدلالة، طريقة تغطية صحيفة مثل "تايمز أوف إسرائيل" لخبر اللجنة. إذا قالت إنّه تم تعيين كبير المفاوضين الفلسطينيين السابق صائب عريقات، لإدارة اللجنة. والخطاب الإسرائيلي يتمثل في أنّ الذهاب للمحكمة هو هروب من المفاوضات. وهي قضية سيتم التركيز عليها إسرائيليا، ولكن هذا لا يجب أن يلغي المضي في هذا الدرب.
إذا قيّض لهذه الخطوة أن تنجح وتبلغ مداها، ولم يتعثر ويتجمد إطار العمل هذا، فإنّه يمكن الحديث فعلا عن استراتيجية ثالثة جديدة، تعمم. ويكون من مكوناتها، ثلاثة عناصر رئيسة، هي: التدويل، والمقاومة الشعبية، والوحدة الوطنية. وعدا وجود الفصائل في التشكيل، فإنّ وجود أشخاص مثل حنان عشراوي ومصطفى البرغوثي وغيرهما من أصحاب القدرة على مخاطبة الرأي العام العالمي، ووجود حقوقيين متخصصين من المجتمع المدني، مثل شعوان جبارين وممدوح العكر، سيكون إضافة نوعية وفاتحة لإضافة الكفاءات والطاقات في إدارة ملفات العمل اليومي للصراع. وإذا كانت هناك لجنة وطنية لإدارة شؤون المحكمة الجنائية الدولية، فما الذي يمنع من تأسيس لجان ومرجعيات لملفات أخرى، منها تفعيل عمل منظمة التحرير الفلسطينية.
إنّ تفعيل أطر من هذا النوع يمكن أن يصل إلى تكوين قيادات موسعة أو غير ذلك، لإدارة ملفات الصراع، بما يتضمن حقا استراتيجية جديدة تمزج المقاومة والسياسة بشكل فاعل.
إسلام «أستغفر الله» وإسلام «ما شاء الله»!
بقلم: حسن البطل – الايام
في إحدى روايات أمين معلوف اللبناني الأصل وعضو الأكاديمية الفرنسية، ولعلها «ليون الأفريقي» ما يستوقف النظر حول سبب من أسباب سقوط غرناطة.
كان رجل قشتالي قد أسلم، وصار مقرباً من آخر خلفاء الأندلس، وكان يُكثر من عبارة «أستغفر الله» في كل أمر، ويحث الخليفة على الجهاد.
كان، أيضاً، رجل عربي مسلم، قريشي الأصل، يدعى أبا عمرو، وعلى النقيض، كان يدعو الخليفة للعدة والاستعداد قبل الجهاد.
المستشار القشتالي الذي أسلم، كان يحرّض على أبي عمرو، ويدعوه: أبا خمر .. وهكذا، قبل الخليفة مشورة الجهاد من القشتالي. خاض حرب الجهاد وانكسر.
الرواية عن أحوال الأندلس العام ١٤٨٨، قبل سنوات من بكاء ابو عبد الله الصغير لضياع غرناطة ١٤٩٢، وتقريع أمه الشهير له: إبك مثل النساء، ملكاً مضاعاً لم تحافظ عليه مثل الرجال.
تذكرت هذه الواقعة، الحقيقية او المجازية، لما قرأت على «الفيسبوك» عن شاب مسيحي أوروبي اشهر إسلامه ويقول ان الرسول الأعظم تراءى له، ربما «في اليقظة التي في الحلم، او الحلم الذي في اليقظة» كما قال احد كبار الصوفية الإسلامية!
كان التحول الديني في الأندلس شائعاً، وفي الأغلب الأعم الى دين الإسلام، لأن «الناس على دين ملوكهم» او كما يقول ابن خلدون: اقتداء الضعيف بالقوي، لأن دخول دين الإسلام سهل، ويكفي النطق بالشهادتين (وهما شعار الإسلام الجهادي من قبل الآن) خلاف اليهودية والمسيحية.
الآن، يتحدثون عن بعض أسباب جاذبية «داعش» لمسلمين في دول الغرب، او لمسيحيين اشهروا إسلامهم، مثل ذلك الذي تراءى له الرسول محمد فأسلم واعتمر الكوفية، وقد يعتمر لاحقا «العمامة» وينضم الى «داعش» .. ويكفّر من يرسم الرسول!
في الواقع، هذه موجة ثانية من الأسلمة في أوروبا بخاصة، وهي موجة الإسلام الجهادي، وكانت موجة اولى قد حصلت بعد انتصار الثورة الإسلامية الايرانية، لكن من منطلق آخر، هو الإعجاب بقدرة الجماهير المؤمنة على إسقاط نظام استبدادي.
في التحقيقات الصحافية حول جاذبية الجهاد الإسلامي، ان هناك حوالي ٢٠٪ من مقاتلي «داعش» هم من المسلمين غير العرب (الشيشان مثلاً)، او من شباب الجيل الثالث للمسلمين من مواليد أوروبا .. او من الذين دخلوا دين الإسلام لأسباب غير جاذبية الهداية الدينية.
هؤلاء هم الأكثر غلواً وتطرفاً و«جهادية» من العرب المسلمين، ولأسباب مفهومة، حيث اننا نجد في الباكستان وايران ونيجيريا (بوكوحرام) غلوا في اعتناق الإسلام الجهادي، والموت في سبيل الله، والانتحار لدخول جنات الخلد، والاستباحة والغنائم وقطع الأعناق .. الخ، وتكفير الحاكم وحتى تكفير العامة (الشعب).
كل فرقة إسلامية جهادية تدعي أن إسلامها هو الصحيح حتى اكثر من فرقة اسلامية جهادية أُخرى، فما بالك بغير المسلمين، او بالفرق الإسلامية غير الجهادية (الإيزيديين مثلاً الذين يجمعون تعاليمهم من الإسلام والمسيحية واليهودية) واتهامهم انهم «عبدة الشيطان» او «عبدة النار» مع أن الإسلام يحترم ديانتين سماويتين سبقتاه.
الحرام والحلال، الجنة والنار، الكفر والإيمان، الإيمان والإسلام، الإسلام الحنيف وذاك الضعيف، يذكرنا بذلك المستشار القشتالي للخليفة الأندلسي وترداده عبارة «استغفر الله» التي قادته الى التهلكة!
البعض يلاحظ أن «الداعشية» و«الاندعاش» و«التدعيش» ليست طارئة على عامة المسلمين، الذين نراهم يكثرون من إقحام اسم الله في كل أمر، مثل «اعوذ بالله» المشتقة عن «استغفر الله» او «ما شاء الله» في كل شكر وحمد على كل أمر، سواء في صدر الكون من رصد «هابل» او من اكتشافات حول «الخلية» او غرائب الامور التي لها تفسير علمي وبيولوجي. قد يكون مفهوماً أن يتسمى باكستاني مسلم باسم: أسد الله، او يلقب عالم شيعي مرموق «آية الله العظمى» لكن ماذا عن اسم «قتيل الله» في الباكستان مثلاً؟
* * *
ثمة شيء طريف في قتال الفرق الإسلامية الجهادية، وهي أن جميعها تقريباً تستخدم في تحركاتها وقتالها سيارات «التويوتا» اليابانية من نوع «بيك - أب» ذات اللون الأصفر الرملي.
ما هو غير طريف أن الداعشية قادمة من الأعماق وذاهبة الى البعيد .. في المدى الزمني والمدى المكاني. ماذا حصل في القول الشائع: عز الإسلام من عز العرب؟ وكيف نكصت على عقبيها عبارة: «دار حرب» و«دار سلام» وصارت دار الإسلام «دار حرب»؟.
هل الشيطان «داعش» فقط.. ماذا مع التيارات الأُخرى؟
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
يخطئ من يظن أن الإرهاب والتطرف هو مقصور فقط على تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" المسمى "داعش" اختصاراً، وأنه عندما سيتم القضاء عليه سينتهي هذا النوع من الإرهاب المرتبط بالفكر الديني المتطرف، فجذور هذا التنظيم موجودة عميقاً في فكر وبنية تنظيمية أوسع، وقائمة في تنظيمات لها قاعدة اجتماعية عريضة ينجم عنها تنظيمات أصغر وأشد تطرفاً بين الفينة والأخرى، تنتجها عوامل وتدخلات دولية في إطار صراع المصالح الذي يعصف بمنطقتنا لتقسيمها وللسيطرة عليها واستغلالها.
هذا الفكر الذي يستند إلى مبدأ "الحاكمية الإلهية" ظهر لأول مرة في التاريخ الإسلامي بحسب الكثير من الباحثين على يد الخوارج في موقعة صفين عندما خرجوا من بين الصفوف ورفضوا تحكيم المحكمين، مكفرين القابلين به ومعلنين صيحتهم المشهورة: لا حكم إلا لله. وكلمة الحاكمية أتت من الحكم الذي هو الفصل في الخلافات. وأول من استخدمها في السياسة المعاصرة الداعية الإسلامي الهندي أبو الأعلى المودودي، الذي اعتبر أن سلطة الأمر من الحكم والتشريع كلها تعود لله وحده، وأن الخلافة الإسلامية "خلافة إلهية" يقوم فيها الإمام بوظيفة "خليفة الله". وكان أول من وصم المجتمعات الإسلامية بـ"الجاهلية" و"الكفر" لأنها لا تطبق "الحاكمية الإلهية".
ومن ثم انتقل هذا المبدأ إلى فكر "الإخوان المسلمين" حيث تأثر به وتبناه سيد قطب وأضفى عليه طابعاً أكثر تشدداً وحاول تطبيقه في انقلابه الفاشل على النظام السياسي في مصر في أعقاب ثورة 23 يوليو. وقال قطب في كتاباته "نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية... تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، مواد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع اسلامية، وفلسفة اسلامية، وتفكيراً اسلامياً.. هو كذلك من صنع هذه الجاهلية".
أي أن "الإخوان المسلمين" أول من أسس لاستخدام العنف ضد المجتمع والنظام السياسي باعتبارهما كافرين وجاهلين، وكل حركات الإسلام السياسي نشأت تحت عباءة "الإخوان" حتى لو تبنت عنفاً أكبر وتطرفاً أشد. وعندما يتم دمج الدين بالسياسة على قاعدة "الحاكمية الإلهية" يجوز فعل أي شيء ضد الناس في سبيل تطبيق حكم "خلفاء الله" على الأرض الذين لا يأتيهم الباطل من بين ايديهم ولا من خلفهم، وهم لا ينطقون عن الهوى وممثلون لحكم وإرادة الله، وهذا شأن "الإخوان" والجماعات التكفيرية التي انبثقت عنها والتي كانت "القاعدة" و "داعش" منها، وعندما تنتهي "داعش" بعد ان تستنفد ما هو منوط بها من تدمير وتخريب ستظهر حركات أخرى بأسماء أُخرى، ولكنها ستكون متشابهة في فكرها وعنها بل ربما تكون أكثر عنفاً وإرهاباً.
وإذا كانت المجتمعات والسلطات العربية معنية حقيقة بمحاربة "داعش" وكل "الدواعش" التي على شاكلتها لابد من العمل على تعديل الخطاب الديني ليس فقط لجهة تعميم مبادئ المساواة والتسامح ومحبة الناس ونشر الأمن والطمأنينة، وإنما كذلك لجهة تثبيت قواعد الحكم على فصل الدين عن السياسة واستبعاد فكرة "الحاكمية الإلهية" وقدرة بعض الحركات والاشخاص على أن يكونوا خلفاء الله على الأرض، فلا يمكن تصور أن شخصاً أو مجموعة تعتقد أنها تحكم باسم الله يمكنها أن تحقق العدل وتنصف الناس وتقيم حكماً يراعي مصالح المواطنين. فمجرد الظن أنها تملك الحق الإلهي هذا يجعلها تنكل بكل من يختلف معها باعتبار أنها تنطق بالحق القادم من السلطة السماوية. والدكتاتورية القائمة على المزج بين الدين والسياسة قد تكون أكثر فظاعة من الدكتاتوريات الأخرى القائمة على حكم الأحزاب الدنيوية التي تستأثر بالسلطة وتمنع الحريات ووجود المعارضة، والمعارضة في حال وجود الحكومات الربانية القائمة على "الحاكمية الإلهية" هي ضرب من ضروب الفكر وليس بعد الكفر ذنب.
نحن بحاجة لسياسات قائمة على التثقيف بمبادئ حقوق الإنسان والمساواة بين البشر بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين أو المعتقد أو الفكر أو الرأي أو الانتماء السياسي أو الطبقي والاجتماعي، وكذلك تكريس مبدأ الديمقراطية في تداول السلطة واحترام الحريات بمختلف أنواعها وتحكيم المواطن الناخب في اختيار شكل الحكم والنظام الذي يرتئي بعيداً عن القهر والتسلط ومصادرة الحقوق، وفي إطار احترام الأديان وحرية ممارسة الشعائر لجميع المؤمنين على أن يظل الدين رسالة أخلاقية وعلاقة بين المؤمن وربه وليس عباءة للحكم والتسلط على الناس.
كما أن هناك حاجة لتوعية وتثقيف الشباب على وجه الخصوص بهذه المبادئ والاهتمام بحاجاتهم في تنمية حقيقية تستفيد من طاقاتهم ومساهماتهم الايجابية في خدمة المجتمع وتطوره والحد من البطالة ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الأمان الاجتماعي والاقتصادي وتحقيق العدالة الاجتماعية النسبية، فالخطر يأتي اساساً من الفراغ الفكري والثقافي ومن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في المجتمع وتهميش الأجيال الشابة، ومعالجة هذه الظواهر يحاصر التطرف والجهل ويمنع استغلال طاقات الشباب في الأفعال التدميرية على غرار ما تقوم به "الدواعش" المختلفة. والحرب على التطرف والإرهاب لا ينبغي أن تنحصر فقط في معالجة الجوانب الأمنية إذا كانت هذه أصلاً موجودة بالصورة الجدية والكافية على أرض الواقع.
حياتنا- يا وحدتنا
بقلم: حافظ البرغوثي – الحياة
لم يعد باستطاعة الوضع الفلسطيني الاستمرار على ما هو عليه من جمود سلبي ومصالحة ورقية، فان كانت القيادات تستطيب التلاسن وتحقيق انجازات لفظية، فذاك سلاح المهزومين حين يختلفون فيما بينهم ويتركون القضايا الكبيرة في مهب الريح. لا نحن في الضفة بقادرين على احتواء التوسع الاستيطاني الذي يتمدد ولا اهلنا في غزة بقادرين على الافلات من الحصار الذي يتمدد ايضا ولا المصالحة بقادرة على التمدد لتشمل بنود التنفيذ الدقيق وليس الانتقائي.آن الأوان لكي ننغمس بجدية في تنفيذ المصالحة ودون استحداث لمبررات هدفها المماطلة والتعطيل وليس الانجاز، فالمصالحة ليست مجرد رواتب ومناصب وحصحصة بل هي انعاش المشروع الوطني الفلسطيني للتحرر والاستقلال واقامة الدولة وليست تحقيق منافع فصائلية.
ولو وضعنا المصلحة الوطنية العليا على رأس الأولويات لما انحدرنا الى ما نحن فيه الآن، ولما تعطلت عملية اعادة الاعمار للمرة الثانية، فلا احد يمكنه حكم غزة بقوة الامر الواقع ولا احد يمكنه فرض شروط لرفع الظلم والحصار وايواء المتضررين وفتح نافذة على العالم لكي تتنفس غزة الصعداء. فالوطن بحاجة الى جناحيه لكي يحلق والا بقي يحوم ويهوي في مستنقع الانقسام اللعين. كل من له بصر وبصيرة يرجح اننا ذاهبون الى التهلكة ان استمر وضعنا على حاله، وان خرجنا من حصارنا لأنفسنا يمكن للعالم ان يتقبلنا موحدين واقوياء بحقوقنا وعدالتها، والا فلن يلتفت الينا احد، لأن اوروبا منهمكة في أزماتها الاقتصادية واميركا منهمكة في حربها الباردة مع روسيا والصين ومن حولنا دم وجثث تغطي جغرافية العالم العربي، فان تخاذلنا عن حماية الذات لا تنتظروا عونا من احد، ففي كل الازمات كنا نصيح يا وحدنا فلماذا لا نطلب الصمود ونهتف يا وحدتنا؟
مدارات - تفجير المصالحة واتهام الطيراوي
بقلم: عدلي صادق – الحياة
كلما تغالظت «حماس» في غزة مع الناس، لا سيما مع منتسبي «فتح» وكوادرها، تتعقد مسألة الوفاق الوطني. ويزداد الامر صعوبة، حينما تقع التفجيرات واعمال الاختطاف، التي يعقبها صمت. وفي اللحظة التي ننتظر فيها نطقا فصيحا، نسمع كلاما عجبا وركيكا، بدل الكلام الذي ينم عن استدراك، وعن احساس بالشطط وبفداحة السياق الذي اختاره المتنفذون الحمساويون في غزة. ولعل آخر هذا الكلام العجيب، هو التلميح باتهام عضو «مركزية فتح» توفيق الطيراوي بالضلوع في التفجيرات. فلأن ثقافة الوسط الحمساوي الذي يتهم، وطبيعة تجربته، الممزوجة بالعنف والنزاع الاهلي، وبلقطات قصف البيوت بمضادات الدروع، وفتح النار والتفجير الذي يطال ابرياء؛ فقد كان سهلا على هذا الوسط ان يتهم «ابو حسين» بهكذا شائنة لا تخطر على بال الوطنيين. فلماذا يفجر «ابو حسين» ولأية دوافع وبأية صفة؟ صحيح ان تجربة «حماس» في غزة، سممت التاريخ الفلسطيني بانموذج الانسان الذي يعمل في وظيفة مدنية، ويتبدى نهارا في إهاب «وزير» صحة مثلا، ثم يتلثم ليلا لكي يطلق الرصاص في نزاع اهلي يمكن تسويته بالحوار، بينما مهنة الطب تداوي الجروح ولا توقعها الا بمبضع الجراح المعالج. لكن هذا الانموذج لم يعرفه الفتحاويون حتى في مراحل كفاحهم المسلح، ولم يعرفوه في مؤسستهم الامنية التي لم تفجر ولم تحرق بيتا فلسطينيا في تاريخها، مثلما حدث في الشجاعية وفي جباليا وفي عموم قطاع غزة.
وفي الحقيقة، ضحك محسوبكم عندما قرأ اتهام ناطق حمساوي لصديقه «ابو حسين» بالتفجيرات. تذكرت يوما قبل نحو ثلاثين سنة، وصلت فيه الى مطار عربي، بالتزامن مع اعلان مصدر رسمي ان بلدا اخر على خلاف معه، قام بتلغيم الممرات المائية. وكان الاتهام على خلفية التوتر بين البلدين. وكنت يومها في قطاع الداخل (الغربي) فجاءني رجل امن، لعله كان متدربا ليسالني بصيغة الاتهام: «ماذا تعرف عن تلغيم البحر الاحمر؟». يومها رددت عليه بنبرة وجدانية: «بالله عليك، شاكك فيّ اني لغمت البحر الاحمر»!
لا تنطلي على السُذج، توقيعات «داعش» في ذيول التفجيرات. فالداعشية كامنة في جزء من «حماس» في غزة، ويعلم هذه الحقيقة عقلاء الحركة ووطنيوها. والاجدار ان يتحمل هؤلاء مسؤولياتهم ولا عيب ان اعترفوا بان هناك تباينات في داخل حركتهم. فاحزاب الانظمة الشمولية تعترف باية ظاهرة تباين تقع في داخلها. ومن المؤسف، ان يكون هؤلاء الذين يفجرون ويختطفون، هم انفسهم المريبون الذين تحيط بهم علامات استفهام كبرى (ولا داعي للتفصيل). ولو نظرنا الى البُعد السياسي المرتجى، من الاصرار على توتير الاوضاع في غزة، يتضح امامنا جليا ان الدور ملعوب، وهو احباط وحدة الضفة وغزة، واجهاض المشروع الوطني الفلسطيني، لصالح مشروعين، واحد استيطاني في الضفة وصولا الى مرحلة ضمها واعطاء «حكم ذاتي» للسكان لحرمانهم، بعد انتهاب ارضهم وارض اجيالهم اللاحقة، من الانتساب الى دولة عادلة تساوي بين مواطنيها، وفرض الخضوع عليهم. اما المشروع الثاني، فهو انشاء منطقة حكم ذاتي في غزة، تنفتح او تطفر الى جوارها المصري، لكي توسع رقعتها على ان تظل للابد هجينة ليس لها من سمات الدولة او الدويلة سوى الهيمنة الامنية القهرية.
ان اي تلكؤ متعمّد، او احباط ملعوب، على صعيد واجب تحقيق وحدة الكيانية الفلسطينية؛ سيكون معطوفا على الجوسسة والدسيسة الهادفتين الى شطب فلسطين. وتقع التفجيرات ومعها عمليات الاختطاف والاعتقال والاهانات ومنع الفعاليات الوطنية؛ في اطار محاولات اجهاض المشروع الفلسطيني.
مردودة على اصحابها ذرائع المال والرواتب واولويات خطوات حل مشكلة الانقسام. فما على «حماس» سوى ان تُمكّن الحكومة الفلسطينية من اداء واجباتها بجدارة، وعندئذٍ سنكون معها ان تلكأ متلكئ منا، او عَطّل مُعطّل. وستكون «حماس» قد ربحت الفرصة التي اعطيت لها وباتت جزءا من كُلٍ فلسطيني، يتعزز دوره بعلاقاته العربية والدولية دونما اتهامات لفلسطين بشيء يزعج الجوار العربي القريب والبعيد. اما التمحك بتوفيق الطيراوي، فهو اشبه بثرثرة اطفال، يروون لبعضهم البعض حكايات خرافية عن الغولة التي اكلت الفرس والخيّال!