Haneen
2016-01-20, 11:48 AM
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.giffile:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image003.gif
العناوين:-
v فلتكن ذكرى الشهيد عرفات دافعا لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام
بقلم: حديث القدس – القدس
v إسرائيل: حماية دولية وسحق حقوق الفلسطينيين
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
v أنا وياسر عرفات في ذكرى استشهاده
بقلم: هاني المصري – معا
v الطائرة ترسم أفقا جديدا
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
فلتكن ذكرى الشهيد عرفات دافعا لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام
بقلم: حديث القدس – القدس
في الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات لابد من التوقف عند الانجازات العظيمة لهذا القائد الفلسطيني الذي سخر حياته من أجل قضية شعبه الوطنية، رغم وجود بعض الانتقادات من هنا وهناك لبعض اجتهادات هذا الرمز الخالد في نفوس وعقول أبناء شعبه الذي لن ينساه أبدا.
فمن أبرز انجازات هذا القائد الرمز أنه وضع القضية الفلسطينية وفلسطين على خارطة العالم. بعد أن نسي العالم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أعاد هذا الرمز الخالد إحياءها من خلال نضالاته مع بقية إخوانه ورفاقه.
فالشهيد عرفات هو مفجر الثورة ومسيرة شعبنا الوطنية نحو الحرية والاستقلال ومن خلال هذه المسيرة النضالية الطويلة اعترف العالم بالشعب الفلسطيني وقضيته بعد أن ادعت اسرائيل وعلى لسان العديد من مسؤوليها وخاصة غولدا مئير رئيسة وزراء اسرائيل في السبعينيات بأنه لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني، وأن الأردن هي وطن الفلسطينيين. وبفعل نضالات الشعب الفلسطيني بقيادة الشهيد الرمز، اعترفت الدول العربية بأن منظمة التحرير الفلسطينية التي وقف على رأسها الرئيس عرفات بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. ومن قبل ذلك قال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عندما فجر القائد عرفات الثورة وقاد النضال مع الفصائل الفلسطينية الأخرى عقب عدوان عام ١٩٦٧، قال عبد الناصر عن الثورة الفلسطينية إنها أنبل ثورة.
وفي عام ١٩٦٨م واجهت الثورة الفلسطينية بقيادة عرفات العدوان الاسرائيلي وألحقت به الهزيمة في معركة الكرامة مع القوات الأردنية وغيرها من القوات العربية التي كانت متواجدة على الأراضي الأردنية. وفي عام ١٩٧٤م ألقى خطابه الشهير أمام الأمم المتحدة وفي أعقاب ذلك اعترفت الأمم المتحدة بمنظمة التحرير بصفة مراقب.
ولدى عودته الى الوطن عقب التوقيع على اتفاقات اوسلو استقبل استقبال الأبطال نظرا لدوره في إبراز القضية الفلسطينية، ونضالاته مع بقية القوى والفصائل الفلسطينية.
ورغم كل محاولات اسرائيل النيل منه بقي صامدا متمسكا بالثوابت الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف إلى أن استشهد نتيجة هذه المواقف التي لم ترق لا لإسرائيل ولا الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الغربية الداعمة لاسرائيل.
ونأمل بأن تكون ذكرى استشهاده الحادية عشرة مناسبة لاعادة الوحدة السياسية والجغرافية للوطن وانهاء الانقسام المدمر والبغيض بل من الواجب ان توضع هذه المناسبة الجميع للتوحد في مواجهة متطلبات المرحلة النضالية الجديدة التي يخوضها شعبنا في هذه الايام ردا على الانتهاكات الاسرائيلية ورفض حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة للسلام وحل الدولتين، خاصة بعد لقاء الرئيس الاميركي اوباما امس الاول مع رئيس الوزراء الاسرائيلي نتانياهو حيث اثبتت اميركا مجددا بانها وسيط غير نزيه وانها تدعم اسرائيل في انتهاكاتها وممارساتها ضد شعبنا الذي يسعى لانهاء الاحتلال واقامة دولته المستقلة.
وبهذه المناسبة لهذا القائد الفذ لابد من اعادة القضية الفلسطينية للامم المتحدة، لتنفيذ قراراتها الخاصة لشعبنا وتوفير الحماية الدولية له من الانتهاكات الاسرائيلية المتواصلة والتي تستهدف البشر والشجر والحجر خارقة بذلك كافة القوانين والاعراف الدولية.فالقائد الشهيد ابو عمار كان وسيبقى في قلوب ابناء شعبه فهو صانع الثورة والمسيرة التي لابد ان تحقق اهدافها التي رسمها لها مع بقية رفاقه في النضال والكفاح، والمتمثلة في الحرية والاستقلال الناجزين. مهما طال الزمن.
إسرائيل: حماية دولية وسحق حقوق الفلسطينيين
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
قيل الكثير في إسرائيل، قبل زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة ولقائه مع الرئيس باراك أوباما، على ضوء العلاقات المتوترة بين الرجلين بخصوص الملف النووي الإيراني، ولكن الزيارة كانت جيدة لنتنياهو لأنه لم يطالب بشيء سوى بتهدئة الوضع في المناطق الفلسطينية منعاً للتصعيد. وقد حمل نتنياهو معه ما قالوا عنه أنه سلسلة خطوات أو بوادر حسن نية، وهي ترتكز في جوهرها على التفريق بين من يقومون بالعمليات ضد الإسرائيليين وباقي السكان، أي عدم لجوء إسرائيل إلى خطوات عقاب جماعي كما في السابق مثل الإغلاقات ومنع العمال والتجار وأصحاب المصالح من الحركة بين قطاع غزة والضفة وبينهما وبين إسرائيل، وتهدئة الأمور، ومحاولة الإبقاء على الحالة العادية أو الطبيعية ضمن الظروف السائدة. والأهم هو ما ستحصل إسرائيل عليه من مساعدات عسكرية إضافية في ظل سعي الحكومة لمضاعفة المساعدات المالية والعسكرية لإسرائيل كتعويض عن صفة النووي الإيراني في ظل التزام الرئيس أوباما بأمن إسرائيل كأولوية أولى لديه.
الشيء الأبرز في زيارة نتنياهو لواشنطن هو تخلي الإدارة الأميركية عن فكرة دفع حل الدولتين على الأقل حتى الانتخابات القادمة، على خلفية أن إسرائيل لا تريد هذا الحل، وهي مطالبة بتوضيح موقفها بشأن ماذا يمكن فعله مع الفلسطينيين في هذا الإطار، وفي ظل عدم وجود أفق لاي تغيير سياسي جوهري في المدى المنظور. وكأن الولايات المتحدة تقول لإسرائيل إذا كنتم لا تريدون خيار الدولتين فلتفعلوا ما تريدون نحن غير مستعدين لإرهاق أنفسنا بالركض وراء أوهام لا طائل منها، وهي في نهاية المطاف تسيء للعلاقة بين البلدين وتمس بهيبة أميركا ومكانتها الدولية وهي تحصد الفشل تلو الآخر. ولكن من غير الواضح ماذا ستفعل الولايات المتحدة كبديل لهذا التوجه: هل تترك للاعبين الدوليين على سبيل المثال الحرية في ملء الفراغ وتسمح بتمرير قرارات دولية بما في ذلك قرارات في مجلس الأمن، أم أنها ستغلق الباب على الجميع فإذا لم تفعل واشنطن ذلك فلا أحد غيرها مخول بالنيابة عنها؟
الواقع أن الشعب الفلسطيني كان ولا يزال ضحية السياسات الدولية القائمة على احتضان إسرائيل ومنحها الدعم والحماية بل والحصانة الدولية التي لا تتيح لأحد أن يراجعها ويحاسبها على خرق القانون الدولي وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطينيين التي أصبحت بفعل القرارات الدولية المتعاقبة بمثابة قواعد ومبادئ قانونية أسوة بمبادئ حقوق الإنسان العالمية. فالولايات المتحدة تتبنى فكرة حل الدولتين على أساس حدود عام 1967 وإسرائيل ترفض ذلك، ولا تستطيع فعل شيء في هذا الشأن بل تنسحب بهدوء، والاتحاد الأوروبي الطرف الثاني في الرباعية الدولية يتحرك على نار هادئة جداً، وكأن المنطقة تحتمل الجمود لفترة طويلة، وهو يعاني من عدم قدرة دوله ذات العدد الكبير على الاتفاق على موقف محدد بسبب آليات الاتفاق القائمة على الإجماع، وهذا يشل قدرته على اتخاذ القرار. وبالرغم من انحياز الاتحاد الأوروبي النظري لمبادئ حقوق الانسان إلا أنه عندما يتعلق الأمر بإسرائيل نجد صمتا أوروبيا أو موقفا خجولا ضعيفا على عكس موقفه من سورية على سبيل المثال أو من دول أخرى تتهم انتهاك حقوق مواطنيها والأقليات فيها. وروسيا غير قادرة بدون موافقة أميركية وأوروبية على فعل شيء بل محظور عليها التدخل أكثر من اللازم فقط في سورية بعد تدخلها العسكري المباشر استطاعت دفع الأطراف الإقليمية والدولية على التحرك، وهذا يختلف تماماً عن ملف الصراع الفلسطيني والعربي – الإسرائيلي المحتكر أميركياً حتى اللحظة. وفقط الأمم المتحدة لديها موقف ولكنها لا تملك القوة والآليات لفعل شيء على الأرض.
نحن كفلسطينيين أصبحنا ضحية السياسة والقوة الاحتلالية الإسرائيلية التي تسحق حقوقنا، في وقت تختلف فيه معايير الانتصار لحقوق الإنسان ويكال فيها بمكيالين وفقاً لمصالح القوى العظمى المتنفذة في العالم. وما يحصل للشعب الفلسطيني يمثل عاراً على كل من يتشدق بحقوق الإنسان. واللوم الأكبر يقع على أوروبا ليس فقط لأنها التي تسببت في نشوء المأساة الفلسطينية منذ وعد بلفور ودعم إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة، ومحاولة تعويض الكارثة التي لحقت باليهود في أوروبا على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، بل كذلك لأنها لا تزال تمارس نفس السياسة التي انتهجتها مع بعض التعديلات في إطار تقديم دعم مادي للسلطة الفلسطينية ولوكالة الغوث «الأونروا».
قد لا نستطيع تغيير موقف أوروبا الداعم لإسرائيل والحريص على حماية أمنها وتطوير اقتصادها وضمان تفوقها، ولكن الاتحاد الأوروبي مطالب بتعريف حقوق إسرائيل التي ينبغي من وجهة نظره الدفاع عنها: هل ستدعم أوروبا احتلال إسرائيل للمناطق الفلسطينية الواقعة في الضفة الغربية ومن ضمنها القدس وقطاع غزة، أم أن الدعم يقتصر على إسرائيل في حدود عام 1967 باعتبارها الحدود المقرة دولياً، وكيف يمكن للدول الأوروبية تطبيق سياسة التفريق بين إسرائيل والمناطق المحتلة، هل يقتصر الأمر على التفريق بين منتجات المستوطنات وبين منتجات إسرائيل خارج المناطق المحتلة، وهي الخطوة التي يتعثر تطبيقها والمقرة منذ حوالي ثلاث سنوات، ويجري تأجيلها باستمرار، وماذا مع الأشخاص الذين يسكنون في المناطق المحتلة من وزراء وأعضاء كنيست لماذا لا يخضعون لنفس شروط التعامل مع الفلسطينيين القاطنين هناك مثلاً في موضوع الحصول على فيزا لدخول الاتحاد الأوروبي أسوة بالفلسطينيين؟ أي لماذا يحصل تمييز لصالحهم وهم يخترقون القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة؟؟؟؟
آن الأوان لمراجعة جدية للعلاقة مع الاتحاد الأوروبي لتحديد نوع من الشراكة معه في إطار تكريس مسؤولية السلطة عن مناطق (ج) والقيام بمشاريع تنموية هناك، بحيث لا يكون البحث فقط بين إسرائيل وأوروبا، وأيضاً لمناقشة الخطوات التي يمكن للاتحاد الأوروبي القيام بها لتكريس الخط الأخضر كخط أحمر في وجه إٍسرائيل، تمهيداً لخطوات أكثر جدية وصرامة لإنهاء الاحتلال لأنه بدون ذلك سنبقى على برميل بارود متفجر سيأكل الأخضر واليابس وأوروبا ليست بمنأى عن هذا الخطر.
أنا وياسر عرفات في ذكرى استشهاده
بقلم: هاني المصري – معا
لم أكن منذ بداية انخراطي في الحركة الوطنية على وفاق مع ياسر عرفات، فقد كنت يساريًا متحمّسًا ضمن مجموعة تريد أن تعمل المستحيل، وإطلاق "ثورة في الثورة"، ولا يعجبها التحريفية السّوفيتية ولا الصينية، وتريد التغيير ولو عن طريق إقامة حزب عابر للتنظيمات.
لم أكن قد التقيت بياسر عرفات، وبالرغم من ذلك فقد صنفني بعض الرفاق الجدد كعرفاتي، وهذا حزّ في نفسي كثيرًا، لأنني اختلفت معه بشدة في مختلف المراحل، ودعوت في مستهل نشاطي السياسي إلى تغيير القيادة والسياسة التي تسير عليها. واختلفت مع أبو عمار، خصوصًا بعد توقيع "اتفاق أوسلو"، ولكن من دون تخوين، وعلى أساس أنه الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، وأننا نختلف معه ولا نختلف عليه، والسبب أنني كنت أطرح رأيًا مخالفًا لا يتفق مع الرأي السائد داخل الحزب، أو في إطار ما تم تسميته النظام السياسي الفلسطيني، وذلك وفاءً مني لقناعات عميقة لدي، وإيمانًا أنه من دون خلافات، وتجديد ونقد ونقد ذاتي، واستعداد دائم لمواكبة الخبرات والمستجدات والمتغيرات والاستفادة منها؛ لا يمكن التطور وتحقيق الفاعلية المطلوبة لتحقيق أهدافنا وحقوقنا الوطنية.
أذكر أنني في إحدى المرات كتبت مقالًا بعد الخروج من بيروت ونشرته في مجلة "الهدف"، في الوقت الذي كان فيه الجدال محتدمًا بين تيارين مختلفين في الساحة الفلسطينية. ملخصه أننا يجب أن نركز - نحن المعارضين للقيادة الفلسطينية - على إسقاط نهج الانحراف بدلًا من الجمع كما كان مطروحًا ما بين إسقاط النهج ورموزه، في نفس الوقت الذي نطالب فيه بتحقيق الوحدة الوطنية، لأنه كيف يمكن تحقيق الوحدة مع من نريد إسقاطه.
على إثر هذا المقال، استدعاني قائد كبير احترمه كثيرًا، وقال لي ما الذي كتبته! وتساءل: هل هذا يجسد موقف الجبهة؟ فقلت له: إنني لا أزعم أنه موقف الجبهة. فقال لي: كيف تكون عضوًا ولا تلتزم بمواقف الجبهة؟ فأجبته: إن الالتزام بحزب لا يعني عبودية وعدم ترك حتى هامش للتعبير عن الاجتهادات الشخصية، وإنما التقاء في التوجه العام وانضباط للقرار بعد صدوره بعد دراسته بعمق والحوار حوله، وأوضحت له أن ماركس وأنجلز ولينين أبو التنظيم الحديدي كان يطرح وجهة نظره ويناظر رفاقه ويناظرونه في جريدة الحزب، التي كانت مثلما وصفت بمنفاخ حدادة هائل قادر على حرق السهل كله. كما أضفت أن "الهدف" التي أسسها غسان كنفاني كانت تزخر بالكتابات ذات الاجتهادات المتنوعة التي عبر كُتَّابها عن وجهات نظرهم الشخصية.
اتهامي بالعرفاتية إلى جانب بعض من كانوا، أو لم يكونوا، أو أصبحوا بعد ذلك عرفاتيين؛ جاء من بعض الذين لم يميزوا معنى الجمع ما بين الوحدة والصراع في نفس الوقت، أو من المتضررين من الأفكار التي أطرحها، والخشية من اعتمادها من قيادة التنظيم، وذلك بالرغم من أنني لم أكن قد التقيت بأبو عمار إلا من مسافة بعيدة، حيث شاهدته في مهرجان جماهيري، أو أثناء الأعياد الوطنية التي شهدتها "جمهورية الفاكهاني" في بيروت أثناء احتفالات الثورة الفلسطينية بانطلاقتها، التي كانت تصادف انطلاقة حركة فتح في الفاتح من كانون الثاني/يناير من كل عام.
أول مرة التقيت بياسر عرفات كانت بعد عودته إلى طرابلس بعد الخروج من لبنان، وفي ذروة الحرب التي شنت ضده. كنت قادمًا أنا (نصري عبد الرحمن) وزميلي عماد الرحايمة (عريب الرنتاوي) ومصور وسائق من دمشق، وهذا كان بحد ذاته عملًا فدائيًا، لأن النظام السوري وجماعاته كانوا يحاصرونه بهدف القضاء عليه.
كنا ضمن بعثة مجلة "الهدف" الناطقة باسم الجبهة الشعبية التي رفضت الحرب ولكنها كانت ترتبط بعلاقات حسنة مع نظام حافظ الأسد، وواجهنا الموت المحتم والصواريخ تطير فوق رؤوسنا إلى أن وصلنا إلى مقره لإجراء مقابلة معه؛ تعبيرًا عن تضامننا معه، ورفضًا للحرب التي شنت ضده. أجرينا معه مقابلة مهمة جدًا، بل تاريخية، كانت مليئة بالأسئلة المحرجة وإثارة القضايا الحساسة، فنحن كنا نريد أن نحمي ظهرنا عند عودتنا إلى رفاقنا، وتخيلنا أننا عدنا بسبق صحافي، وستُنشر المقابلة كاملة في العدد القادم، وستكون صورة "الختيار" على الغلاف. لنفاجأ بأن هناك في القيادة من يعارض الزيارة وإجراء المقابلة، ويصرّ على عدم نشرها، في المقابل كان هناك من يؤيدها، وانتهى الأمر بمساومة تضمنت نشر بونط صغير (عنوان على زاوية الغلاف)، واختصار المقابلة.
لعل هذه المقابلة جعلت أبو عمار - أكثر من أي شيء - آخر يقدرني ويتحمل نقدي الشديد لسياسته وإدارته التي وصلت أحيانًا إلى وصف عهده بالديكتاتورية والإفساد. وكما قال لي أكرم هنية، رئيس تحرير جريدة "الأيام": إن أبو عمار كان عندما يعرض عليه الأمن أو غيره تقارير تتضمن ما أكتبه من نقد ومعارضة يبتسم بدلًا من أن يغضب، لدرجة أنهم تصوروا أن هذا الانتقاد أمر مدبر ومتفق عليه بيننا أنا وأكرم وبينه.
ما أثلج صدري أن أكثر من صديق قال لي، أذكر منهم محمد مشارقة (أبو النور) الذي كان محاصرًا مع أبو عمار في المقاطعة، إنه سمعه عندما ذكر اسمي يقول إن هذا شخص هواه فلسطيني ولا يتبع لأحد، ويكتب ما في رأسه من دون إملاءات من أحد وليس لحساب أحد.
المرة الثانية التي التقيت فيها عرفات كانت أثناء حضوري لأول مرة اجتماعًا للمجلس المركزي عقد عشية اندلاع الانتفاضة الشعبية، وكنت حينها عضوًا في وفد الجبهة، وتم اختياري للمشاركة لأن الموضوع الرئيسي على جدول أعمال ذلك الاجتماع كان الإصلاح الديمقراطي في منظمة التحرير، وقد كتبت وقتها دراسة نُشِرَت في عشرة أجزاء في مجلة "الهدف"؛ لذا يمكن أن يساهم حضوري في إغناء الحوار، وخصوصًا أن التوقعات كانت بأن الدورة ستشهد كسر عظم حول الإصلاح.
وبما أنها المرة الأولى التي أشارك فيها في اجتماع قيادي على هذا المستوى، فقد حضرت كل الجلسات، وواظبت أكثر من أي عضو آخر، لأنني كنت أريد أن أسمع وأستفيد من كل لحظة وكل فكرة ومعلومة، وأترقب متى ستبدأ معركة الإصلاح، ولكن الدورة انتهت والمعركة لم تبدأ، ولكن عندما تستمع إلى راديو "مونت كارلو" كنت تعتقد أن حربًا ضروسًا تدور في المجلس المركزي، وعندما عدت إلى دمشق استدعاني الحكيم، لأنه لم يشارك في الدورة، وأراد أن يستمع لشخص يثق به، فقال لي: ما رأيك في المعركة التي دارت في المركزي حول الإصلاح؟ فأجبته: لم تكن هناك معركة ولا ما يحزنون، فالمعركة كانت في الإعلام، أما في الاجتماعات والعلاقات ما بين القيادات فكانت "سمن على عسل"، ولم نشهد فيها احتدامًا بين اليمين المنحرف واليسار المتطرف، بين أصحاب القبول والرفض. وقلت للحكيم: إنني صدمت بما رأيت، وكنت أتمنى أن نتقاتل في الاجتماعات وأن نبدو موحدين في الإعلام وأمام شعبنا.
كان حضوري لاجتماع "المركزي" فرصة تاريخية لأرى ما هي المؤسسة الفلسطينية، وكانت لحظة فارقة في حياتي لم أعد بعدها مثلما كنت قبلها. كما كان فرصة لأرى كيف يعمل ويقود أبو عمار، فكان يخرج أثناء الاجتماعات أكثر من مرة لبعض الوقت، ويعود مسرعًا ويوقع الأوراق أو يقرأها، وينقضّ فجأة على شخص ألقى فكرة أو رأيًا لم يعجبه، وكانت فريسته في إحدى المرات قياديًا يساريًا سوفييتيًا تحدث حول أهمية الاعتراف بقرار 242 وبإسرائيل، فنال من أبو عمار ما لا يعجبه من نقد وتقريع. وأدلى أبو جهاد في الاجتماع تقريرًا بدا فيه واضحًا أن هناك شيئًا ما يلوح في الأفق لم نكن نعرف أنه الانتفاضة، ولكن ما عرضه أبو جهاد يؤشر لما أتى بوضوح شديد.
عندما عدت إلى الوطن أواخر العام 1994، سافرت من نابلس إلى غزة بصحبة أخي سامر صبيحة اليوم التالي الذي صادف عيد الميلاد المجيد، وذهبنا مباشرة إلى المنتدى (مقر الرئيس) وطلبت لقاءه، فسألني الحارس الذي لا يعرفني: هل تريد التقاط صورة مع "الختيار"؟ فأجبته: إنني أريد أن أتناقش معه. فاستغرب! وعاد ومعه بعض الأشخاص الذين عرفوني، وقالوا لي: أهلًا وسهلًا ... عليك أن تنتظر لبعض الوقت حتى تدخل للقاء الرئيس. وبعد ساعة ونصف من الانتظار دخلنا إلى غرفته وكان يصلي منفردًا، وبقينا معه في الغرفة بلا حُرّاس، ما أثار استهجاننا أنا وأخي. وتساءلنا: كيف يتركوننا معه وحدنا، ولو كان ذلك لأنهم يعرفونني، لكنهم لا يعرفون أخي ... أين الأمن المسؤول عن حماية الرئيس؟
بعد التحية، بادرني وقال أين المذكرة؟ متصورًا أنني أتيت أطلب شيئًا، فقلت له إنني جئت لأتحاور حول "اتفاق أوسلو"، فرحب واستمع لملاحظاتي بكل صدر رحب وأضاف عليها ملاحظات من عنده، وهذا أكد لي أن أوسلو بالنسبة له سياسة وليست أيديولوجيا، ووسيلة لتحقيق غاية وليست الغاية، بالرغم من أن التوقيع عليه كان خطأ فادحًا، وعندما أدرك خطأه قال لقد خدعونا وادخلونا الفخ، وعلينا أن نشطب كل ما سبق ونبدأ من الصفر من جديد، ولكنه أدرك ذلك بعد فوات الأوان. لا يغير ذلك من أنه كان لديه هدف ويريد تحقيقه ومؤمن بإمكانية تحقيقه، ومستعد لدفع حياته على طريق تحقيقه، وخشي من أن يكون مصيره مثل سابقه المفتي الحاج أمين الحسيني الذي قضى قبل أن يحقق شيئًا. وكان آخر ما ردده عرفات "يريدونني أسيرًا أو طريدًا ... وأقول لهم: شهيدًا شهيدًا شهيدًا".
وعندما ذهبت لأول مرة ضمن وفد من عائلة المصري لتهنئته بحلول أحد الأعياد، وعندما هَمًّ العم أبو ربيح بتقديمي له، بادره بالقول: أتريد أن تعرفني بهاني "بحب أقلّك إنه هاني منا قبل وأكثر ما يكون فردًا من عائلة المصري"، وهذا الأمر أشعرني بأنني لم أضيع حياتي في النضال هدرًا. وفي لقاء آخر طلبت من أكرم أن يتوسط لي لكي أعين مستشارًا للرئيس وذلك في العام 2003، وتوقع صعوبة ذلك لأن هناك ممن هم حول الرئيس لن يرضيهم وجود شخص مثلي قريبًا منه، وأثناء لقاءي به طلب مني القبول بأن أعين وكيلًا لوزارة الإعلام، وأنا أصررت على موقفي المطالَب بأن أعين مستشارًا، وهذا دفع بعض الحضور للتساؤل: لماذا أرفض أن أصبح وكيلًا وأنا مدير عام وأريد أن أصبح مستشارًا؟ وَفَاتَهم أن الوكيل مثل الوزير عليه أن يلتزم ويدافع عن سياسة الحكومة وعن قراراتها، أما المدير العام فليس ملزمًا بذلك. كما أنني لا أريد أن يمارس أبو عمار هوايته المعتادة باللعب على الخلافات بين الوزير والوكيل، وبعدها طلبت تقاعدًا مبكرًا من السلطة لأنني وجدت من الصعوبة بمكان أن ترفض واقع السلطة والتزاماتها وسلوكها وتكون موظفًا فيها، وأن تكون كاتبًا من المفترض أن يجسد دور الرائد الذي لا يكذب أهله.
ياسر عرفات له ما له وعليه ما عليه، ولكنه باني الهوية الوطنية الفلسطينية التي تجسدت في كيان وطني جامع، وجعل للفلسطينيين عنوانًا ومؤسسة جامعة، وكلما طال غيابه يزداد الحنين إليه.
كم نفتقد إلى زعامته في هذه الظروف العصبية، لا سيّما في ظل الموجة الانتفاضة الحالية الباسلة التي انطلقت يتيمة بلا أب، ولا تزال بالرغم من دخول أسبوعها الثامن بلا أب، وهذا لا يمكن أن يحدث لو كان ياسر عرفات موجودًا.
أختم هذا المقال بما قاله لي جورج حبش حكيم الثورة أكثر من مرة وهو في ذروة خلافه مع منافسه على قيادة الشعب الفلسطيني: "إن عرفات قد يخطئ، وقد يرتكب حتى أخطاء فادحة، ولكنني واثق من أنه لا يمكن أن يخون."
الطائرة ترسم أفقا جديدا
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
تفجير الطائرة الروسية بعد إقلاعها بـ 23 دقيقة من مطار شرم الشيخ في نهاية اكتوبر الماضي، لم يكن صناعة دواعشية، إنما هو عمل إرهابي تقف خلفه أجهزة امن دولية واقليمية. وما أعلنه الناطقون الاميركيون، لخير دليل على ذلك، حيث كان التصريح الاول الصادر عن المؤسسات الاميركية، يقول: انهم رصدوا اتصالات بين "داعش" وإحدى دول الاقليم، ثم سحب التصريح في اليوم الثاني، واصدروا تصريحا مغايرا، مفاده: ان الاتصالات المرصودة كانت بين التنظيمات التكفيرية. وتناغمت التصريحات الاميركية مع التصريحات الاسرائيلية والبريطانية. واخيرا المطالبة بالتدخل المباشر في التحقيقات لخلط الاوراق، وتضييع الاثر الموجود عند المصريين والروس.
إذا كانت التقديرات العلمية تشير إلى وجود أياد لاجهزة امن غربية واسرائيلية، فإن جادة الاسئلة تصبح مشرعة، منها: لماذا العملية ضد الطائرة الروسية بالذات؟ وما هي دلالات ذلك؟ وما هي الرسائل، التي تريد الجهات الواقفة خلف العملية إيصالها؟ وهل الرسائل لمصر ام لروسيا ام لكلا البلدين؟ وهل تعني العملية تحول نوعي في الصراع الخفي بين التحالفات؟ وهل تحمل العملية الارهابية في طياتها، رسم آفاق جديدة في السياسة المصرية والعربية؟
مرة اخرى، تملي الضرورة التأكيد، على ان عملية تدمير الطائرة الروسية في 31 تشرين اول الماضي فوق سيناء، لا تقف وراءها "داعش", وهذا ليس تبرئة لساحة التنظيمات التكفيرية من إمكانية إرتكاب اي عمل إرهابي. لكن العملية تتجاوز إمكانيات تلك الجماعات، لأن الدقة العالية في تنفيذها، وما تبع التفجير للطائرة من تصريحات، وما يجري تحت الطاولة بين الدول المختلفة، تشير بشكل جلي، إلى ان العملية من فعل أجهزة امنية اقليمية ودولية، طبعا الفاعل جهاز امني بعينه، لكن التخطيط والتوقيت والاستهداف للروس، تم بالتنسيق بين مجموعة الاجهزة الامنية ذات الصلة. إذا ما هو الهدف؟ اولا ضرب السياحة المصرية، التي تشكل نسبة 14,8% من اجمالي الدخل القومي المصري؛ ثانيا ضرب السياحة الروسية لمصر، التي تشكل نسبة 35% من اجمالي السياحة فيها، وتحتل المرتبة الاولى بين الدول؛ ثالثا التشكيك بالقدرة الامنية المصرية في حماية المدن والمراكز السياحية المصرية؛ رابعا ترك صفحة سوداء على العلاقات المصرية الروسية؛ خامسا مضاعفة الصعوبات الاقتصادية للنظام السياسي الجديد، وعدم إتاحة الفرصة امامه للنهوض.
اما الرسائل المراد توجيهها لكل من مصر وروسيا الاتحادية، فهي: 1- تحذير مصر من مغبة سياساتها، التي تنتهجها بعيدا عن الولايات المتحدة وإسرائيل؛ 2- التلويح بالعصا الغليظة (الارهاب) لضرب ركائز الاقتصاد المصري؛ 3- لفت نظر روسيا لمخاطر تماديها في دول المنطقة العربية وخاصة مصر وسوريا والعراق؛ 4- التذكير بان اليد الطولى ما زالت لاميركا وإسرائيل في عموم منطقة الشرق الاوسط؛ 5- ضرب اية صيغة تحالفية بين مصر وروسيا الاتحادية، او وضعها امام إختبارات صعبة ومعقدة.
لم تأت العملية الارهابية الجديدة من فراغ، بل جاءت في اعقاب استقراء الولايات المتحدة وحلفائها في اوروبا الغربية وإسرائيل لخروج النظام المصري عن السقف المقبول من وجهة نظرهم. وهذا الخروج غير المسموح به، لما لهذه التوجهات الجديدة من آثار سلبية على التوجهات الاستراتيجية الاميركية الاسرائيلية. ولما تحمله من تهديد نوعي لاتفاقيات كامب ديفيد المصرية الاسرائيلية، التي ابرمها السادات مع بيغن 1979. الامر الذي دفعها لارسال رسائل بين الهمز والغمز والمباشرة، وآخرها كي يوعي النظام المصري، كي يعيد النظر في خياراته المرفوضة اميركيا وبريطانيا واسرائيليا.. قادم الأيام يحمل الكثير من التداعيات على الساحة المصرية والروسية إن لم تكن الجهات الأمنية مستعدة لاحباطها.
العناوين:-
v فلتكن ذكرى الشهيد عرفات دافعا لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام
بقلم: حديث القدس – القدس
v إسرائيل: حماية دولية وسحق حقوق الفلسطينيين
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
v أنا وياسر عرفات في ذكرى استشهاده
بقلم: هاني المصري – معا
v الطائرة ترسم أفقا جديدا
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
فلتكن ذكرى الشهيد عرفات دافعا لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام
بقلم: حديث القدس – القدس
في الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات لابد من التوقف عند الانجازات العظيمة لهذا القائد الفلسطيني الذي سخر حياته من أجل قضية شعبه الوطنية، رغم وجود بعض الانتقادات من هنا وهناك لبعض اجتهادات هذا الرمز الخالد في نفوس وعقول أبناء شعبه الذي لن ينساه أبدا.
فمن أبرز انجازات هذا القائد الرمز أنه وضع القضية الفلسطينية وفلسطين على خارطة العالم. بعد أن نسي العالم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أعاد هذا الرمز الخالد إحياءها من خلال نضالاته مع بقية إخوانه ورفاقه.
فالشهيد عرفات هو مفجر الثورة ومسيرة شعبنا الوطنية نحو الحرية والاستقلال ومن خلال هذه المسيرة النضالية الطويلة اعترف العالم بالشعب الفلسطيني وقضيته بعد أن ادعت اسرائيل وعلى لسان العديد من مسؤوليها وخاصة غولدا مئير رئيسة وزراء اسرائيل في السبعينيات بأنه لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني، وأن الأردن هي وطن الفلسطينيين. وبفعل نضالات الشعب الفلسطيني بقيادة الشهيد الرمز، اعترفت الدول العربية بأن منظمة التحرير الفلسطينية التي وقف على رأسها الرئيس عرفات بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. ومن قبل ذلك قال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عندما فجر القائد عرفات الثورة وقاد النضال مع الفصائل الفلسطينية الأخرى عقب عدوان عام ١٩٦٧، قال عبد الناصر عن الثورة الفلسطينية إنها أنبل ثورة.
وفي عام ١٩٦٨م واجهت الثورة الفلسطينية بقيادة عرفات العدوان الاسرائيلي وألحقت به الهزيمة في معركة الكرامة مع القوات الأردنية وغيرها من القوات العربية التي كانت متواجدة على الأراضي الأردنية. وفي عام ١٩٧٤م ألقى خطابه الشهير أمام الأمم المتحدة وفي أعقاب ذلك اعترفت الأمم المتحدة بمنظمة التحرير بصفة مراقب.
ولدى عودته الى الوطن عقب التوقيع على اتفاقات اوسلو استقبل استقبال الأبطال نظرا لدوره في إبراز القضية الفلسطينية، ونضالاته مع بقية القوى والفصائل الفلسطينية.
ورغم كل محاولات اسرائيل النيل منه بقي صامدا متمسكا بالثوابت الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف إلى أن استشهد نتيجة هذه المواقف التي لم ترق لا لإسرائيل ولا الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الغربية الداعمة لاسرائيل.
ونأمل بأن تكون ذكرى استشهاده الحادية عشرة مناسبة لاعادة الوحدة السياسية والجغرافية للوطن وانهاء الانقسام المدمر والبغيض بل من الواجب ان توضع هذه المناسبة الجميع للتوحد في مواجهة متطلبات المرحلة النضالية الجديدة التي يخوضها شعبنا في هذه الايام ردا على الانتهاكات الاسرائيلية ورفض حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة للسلام وحل الدولتين، خاصة بعد لقاء الرئيس الاميركي اوباما امس الاول مع رئيس الوزراء الاسرائيلي نتانياهو حيث اثبتت اميركا مجددا بانها وسيط غير نزيه وانها تدعم اسرائيل في انتهاكاتها وممارساتها ضد شعبنا الذي يسعى لانهاء الاحتلال واقامة دولته المستقلة.
وبهذه المناسبة لهذا القائد الفذ لابد من اعادة القضية الفلسطينية للامم المتحدة، لتنفيذ قراراتها الخاصة لشعبنا وتوفير الحماية الدولية له من الانتهاكات الاسرائيلية المتواصلة والتي تستهدف البشر والشجر والحجر خارقة بذلك كافة القوانين والاعراف الدولية.فالقائد الشهيد ابو عمار كان وسيبقى في قلوب ابناء شعبه فهو صانع الثورة والمسيرة التي لابد ان تحقق اهدافها التي رسمها لها مع بقية رفاقه في النضال والكفاح، والمتمثلة في الحرية والاستقلال الناجزين. مهما طال الزمن.
إسرائيل: حماية دولية وسحق حقوق الفلسطينيين
بقلم: أشرف العجرمي – الايام
قيل الكثير في إسرائيل، قبل زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة ولقائه مع الرئيس باراك أوباما، على ضوء العلاقات المتوترة بين الرجلين بخصوص الملف النووي الإيراني، ولكن الزيارة كانت جيدة لنتنياهو لأنه لم يطالب بشيء سوى بتهدئة الوضع في المناطق الفلسطينية منعاً للتصعيد. وقد حمل نتنياهو معه ما قالوا عنه أنه سلسلة خطوات أو بوادر حسن نية، وهي ترتكز في جوهرها على التفريق بين من يقومون بالعمليات ضد الإسرائيليين وباقي السكان، أي عدم لجوء إسرائيل إلى خطوات عقاب جماعي كما في السابق مثل الإغلاقات ومنع العمال والتجار وأصحاب المصالح من الحركة بين قطاع غزة والضفة وبينهما وبين إسرائيل، وتهدئة الأمور، ومحاولة الإبقاء على الحالة العادية أو الطبيعية ضمن الظروف السائدة. والأهم هو ما ستحصل إسرائيل عليه من مساعدات عسكرية إضافية في ظل سعي الحكومة لمضاعفة المساعدات المالية والعسكرية لإسرائيل كتعويض عن صفة النووي الإيراني في ظل التزام الرئيس أوباما بأمن إسرائيل كأولوية أولى لديه.
الشيء الأبرز في زيارة نتنياهو لواشنطن هو تخلي الإدارة الأميركية عن فكرة دفع حل الدولتين على الأقل حتى الانتخابات القادمة، على خلفية أن إسرائيل لا تريد هذا الحل، وهي مطالبة بتوضيح موقفها بشأن ماذا يمكن فعله مع الفلسطينيين في هذا الإطار، وفي ظل عدم وجود أفق لاي تغيير سياسي جوهري في المدى المنظور. وكأن الولايات المتحدة تقول لإسرائيل إذا كنتم لا تريدون خيار الدولتين فلتفعلوا ما تريدون نحن غير مستعدين لإرهاق أنفسنا بالركض وراء أوهام لا طائل منها، وهي في نهاية المطاف تسيء للعلاقة بين البلدين وتمس بهيبة أميركا ومكانتها الدولية وهي تحصد الفشل تلو الآخر. ولكن من غير الواضح ماذا ستفعل الولايات المتحدة كبديل لهذا التوجه: هل تترك للاعبين الدوليين على سبيل المثال الحرية في ملء الفراغ وتسمح بتمرير قرارات دولية بما في ذلك قرارات في مجلس الأمن، أم أنها ستغلق الباب على الجميع فإذا لم تفعل واشنطن ذلك فلا أحد غيرها مخول بالنيابة عنها؟
الواقع أن الشعب الفلسطيني كان ولا يزال ضحية السياسات الدولية القائمة على احتضان إسرائيل ومنحها الدعم والحماية بل والحصانة الدولية التي لا تتيح لأحد أن يراجعها ويحاسبها على خرق القانون الدولي وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطينيين التي أصبحت بفعل القرارات الدولية المتعاقبة بمثابة قواعد ومبادئ قانونية أسوة بمبادئ حقوق الإنسان العالمية. فالولايات المتحدة تتبنى فكرة حل الدولتين على أساس حدود عام 1967 وإسرائيل ترفض ذلك، ولا تستطيع فعل شيء في هذا الشأن بل تنسحب بهدوء، والاتحاد الأوروبي الطرف الثاني في الرباعية الدولية يتحرك على نار هادئة جداً، وكأن المنطقة تحتمل الجمود لفترة طويلة، وهو يعاني من عدم قدرة دوله ذات العدد الكبير على الاتفاق على موقف محدد بسبب آليات الاتفاق القائمة على الإجماع، وهذا يشل قدرته على اتخاذ القرار. وبالرغم من انحياز الاتحاد الأوروبي النظري لمبادئ حقوق الانسان إلا أنه عندما يتعلق الأمر بإسرائيل نجد صمتا أوروبيا أو موقفا خجولا ضعيفا على عكس موقفه من سورية على سبيل المثال أو من دول أخرى تتهم انتهاك حقوق مواطنيها والأقليات فيها. وروسيا غير قادرة بدون موافقة أميركية وأوروبية على فعل شيء بل محظور عليها التدخل أكثر من اللازم فقط في سورية بعد تدخلها العسكري المباشر استطاعت دفع الأطراف الإقليمية والدولية على التحرك، وهذا يختلف تماماً عن ملف الصراع الفلسطيني والعربي – الإسرائيلي المحتكر أميركياً حتى اللحظة. وفقط الأمم المتحدة لديها موقف ولكنها لا تملك القوة والآليات لفعل شيء على الأرض.
نحن كفلسطينيين أصبحنا ضحية السياسة والقوة الاحتلالية الإسرائيلية التي تسحق حقوقنا، في وقت تختلف فيه معايير الانتصار لحقوق الإنسان ويكال فيها بمكيالين وفقاً لمصالح القوى العظمى المتنفذة في العالم. وما يحصل للشعب الفلسطيني يمثل عاراً على كل من يتشدق بحقوق الإنسان. واللوم الأكبر يقع على أوروبا ليس فقط لأنها التي تسببت في نشوء المأساة الفلسطينية منذ وعد بلفور ودعم إسرائيل بكل ما أوتيت من قوة، ومحاولة تعويض الكارثة التي لحقت باليهود في أوروبا على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، بل كذلك لأنها لا تزال تمارس نفس السياسة التي انتهجتها مع بعض التعديلات في إطار تقديم دعم مادي للسلطة الفلسطينية ولوكالة الغوث «الأونروا».
قد لا نستطيع تغيير موقف أوروبا الداعم لإسرائيل والحريص على حماية أمنها وتطوير اقتصادها وضمان تفوقها، ولكن الاتحاد الأوروبي مطالب بتعريف حقوق إسرائيل التي ينبغي من وجهة نظره الدفاع عنها: هل ستدعم أوروبا احتلال إسرائيل للمناطق الفلسطينية الواقعة في الضفة الغربية ومن ضمنها القدس وقطاع غزة، أم أن الدعم يقتصر على إسرائيل في حدود عام 1967 باعتبارها الحدود المقرة دولياً، وكيف يمكن للدول الأوروبية تطبيق سياسة التفريق بين إسرائيل والمناطق المحتلة، هل يقتصر الأمر على التفريق بين منتجات المستوطنات وبين منتجات إسرائيل خارج المناطق المحتلة، وهي الخطوة التي يتعثر تطبيقها والمقرة منذ حوالي ثلاث سنوات، ويجري تأجيلها باستمرار، وماذا مع الأشخاص الذين يسكنون في المناطق المحتلة من وزراء وأعضاء كنيست لماذا لا يخضعون لنفس شروط التعامل مع الفلسطينيين القاطنين هناك مثلاً في موضوع الحصول على فيزا لدخول الاتحاد الأوروبي أسوة بالفلسطينيين؟ أي لماذا يحصل تمييز لصالحهم وهم يخترقون القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة؟؟؟؟
آن الأوان لمراجعة جدية للعلاقة مع الاتحاد الأوروبي لتحديد نوع من الشراكة معه في إطار تكريس مسؤولية السلطة عن مناطق (ج) والقيام بمشاريع تنموية هناك، بحيث لا يكون البحث فقط بين إسرائيل وأوروبا، وأيضاً لمناقشة الخطوات التي يمكن للاتحاد الأوروبي القيام بها لتكريس الخط الأخضر كخط أحمر في وجه إٍسرائيل، تمهيداً لخطوات أكثر جدية وصرامة لإنهاء الاحتلال لأنه بدون ذلك سنبقى على برميل بارود متفجر سيأكل الأخضر واليابس وأوروبا ليست بمنأى عن هذا الخطر.
أنا وياسر عرفات في ذكرى استشهاده
بقلم: هاني المصري – معا
لم أكن منذ بداية انخراطي في الحركة الوطنية على وفاق مع ياسر عرفات، فقد كنت يساريًا متحمّسًا ضمن مجموعة تريد أن تعمل المستحيل، وإطلاق "ثورة في الثورة"، ولا يعجبها التحريفية السّوفيتية ولا الصينية، وتريد التغيير ولو عن طريق إقامة حزب عابر للتنظيمات.
لم أكن قد التقيت بياسر عرفات، وبالرغم من ذلك فقد صنفني بعض الرفاق الجدد كعرفاتي، وهذا حزّ في نفسي كثيرًا، لأنني اختلفت معه بشدة في مختلف المراحل، ودعوت في مستهل نشاطي السياسي إلى تغيير القيادة والسياسة التي تسير عليها. واختلفت مع أبو عمار، خصوصًا بعد توقيع "اتفاق أوسلو"، ولكن من دون تخوين، وعلى أساس أنه الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، وأننا نختلف معه ولا نختلف عليه، والسبب أنني كنت أطرح رأيًا مخالفًا لا يتفق مع الرأي السائد داخل الحزب، أو في إطار ما تم تسميته النظام السياسي الفلسطيني، وذلك وفاءً مني لقناعات عميقة لدي، وإيمانًا أنه من دون خلافات، وتجديد ونقد ونقد ذاتي، واستعداد دائم لمواكبة الخبرات والمستجدات والمتغيرات والاستفادة منها؛ لا يمكن التطور وتحقيق الفاعلية المطلوبة لتحقيق أهدافنا وحقوقنا الوطنية.
أذكر أنني في إحدى المرات كتبت مقالًا بعد الخروج من بيروت ونشرته في مجلة "الهدف"، في الوقت الذي كان فيه الجدال محتدمًا بين تيارين مختلفين في الساحة الفلسطينية. ملخصه أننا يجب أن نركز - نحن المعارضين للقيادة الفلسطينية - على إسقاط نهج الانحراف بدلًا من الجمع كما كان مطروحًا ما بين إسقاط النهج ورموزه، في نفس الوقت الذي نطالب فيه بتحقيق الوحدة الوطنية، لأنه كيف يمكن تحقيق الوحدة مع من نريد إسقاطه.
على إثر هذا المقال، استدعاني قائد كبير احترمه كثيرًا، وقال لي ما الذي كتبته! وتساءل: هل هذا يجسد موقف الجبهة؟ فقلت له: إنني لا أزعم أنه موقف الجبهة. فقال لي: كيف تكون عضوًا ولا تلتزم بمواقف الجبهة؟ فأجبته: إن الالتزام بحزب لا يعني عبودية وعدم ترك حتى هامش للتعبير عن الاجتهادات الشخصية، وإنما التقاء في التوجه العام وانضباط للقرار بعد صدوره بعد دراسته بعمق والحوار حوله، وأوضحت له أن ماركس وأنجلز ولينين أبو التنظيم الحديدي كان يطرح وجهة نظره ويناظر رفاقه ويناظرونه في جريدة الحزب، التي كانت مثلما وصفت بمنفاخ حدادة هائل قادر على حرق السهل كله. كما أضفت أن "الهدف" التي أسسها غسان كنفاني كانت تزخر بالكتابات ذات الاجتهادات المتنوعة التي عبر كُتَّابها عن وجهات نظرهم الشخصية.
اتهامي بالعرفاتية إلى جانب بعض من كانوا، أو لم يكونوا، أو أصبحوا بعد ذلك عرفاتيين؛ جاء من بعض الذين لم يميزوا معنى الجمع ما بين الوحدة والصراع في نفس الوقت، أو من المتضررين من الأفكار التي أطرحها، والخشية من اعتمادها من قيادة التنظيم، وذلك بالرغم من أنني لم أكن قد التقيت بأبو عمار إلا من مسافة بعيدة، حيث شاهدته في مهرجان جماهيري، أو أثناء الأعياد الوطنية التي شهدتها "جمهورية الفاكهاني" في بيروت أثناء احتفالات الثورة الفلسطينية بانطلاقتها، التي كانت تصادف انطلاقة حركة فتح في الفاتح من كانون الثاني/يناير من كل عام.
أول مرة التقيت بياسر عرفات كانت بعد عودته إلى طرابلس بعد الخروج من لبنان، وفي ذروة الحرب التي شنت ضده. كنت قادمًا أنا (نصري عبد الرحمن) وزميلي عماد الرحايمة (عريب الرنتاوي) ومصور وسائق من دمشق، وهذا كان بحد ذاته عملًا فدائيًا، لأن النظام السوري وجماعاته كانوا يحاصرونه بهدف القضاء عليه.
كنا ضمن بعثة مجلة "الهدف" الناطقة باسم الجبهة الشعبية التي رفضت الحرب ولكنها كانت ترتبط بعلاقات حسنة مع نظام حافظ الأسد، وواجهنا الموت المحتم والصواريخ تطير فوق رؤوسنا إلى أن وصلنا إلى مقره لإجراء مقابلة معه؛ تعبيرًا عن تضامننا معه، ورفضًا للحرب التي شنت ضده. أجرينا معه مقابلة مهمة جدًا، بل تاريخية، كانت مليئة بالأسئلة المحرجة وإثارة القضايا الحساسة، فنحن كنا نريد أن نحمي ظهرنا عند عودتنا إلى رفاقنا، وتخيلنا أننا عدنا بسبق صحافي، وستُنشر المقابلة كاملة في العدد القادم، وستكون صورة "الختيار" على الغلاف. لنفاجأ بأن هناك في القيادة من يعارض الزيارة وإجراء المقابلة، ويصرّ على عدم نشرها، في المقابل كان هناك من يؤيدها، وانتهى الأمر بمساومة تضمنت نشر بونط صغير (عنوان على زاوية الغلاف)، واختصار المقابلة.
لعل هذه المقابلة جعلت أبو عمار - أكثر من أي شيء - آخر يقدرني ويتحمل نقدي الشديد لسياسته وإدارته التي وصلت أحيانًا إلى وصف عهده بالديكتاتورية والإفساد. وكما قال لي أكرم هنية، رئيس تحرير جريدة "الأيام": إن أبو عمار كان عندما يعرض عليه الأمن أو غيره تقارير تتضمن ما أكتبه من نقد ومعارضة يبتسم بدلًا من أن يغضب، لدرجة أنهم تصوروا أن هذا الانتقاد أمر مدبر ومتفق عليه بيننا أنا وأكرم وبينه.
ما أثلج صدري أن أكثر من صديق قال لي، أذكر منهم محمد مشارقة (أبو النور) الذي كان محاصرًا مع أبو عمار في المقاطعة، إنه سمعه عندما ذكر اسمي يقول إن هذا شخص هواه فلسطيني ولا يتبع لأحد، ويكتب ما في رأسه من دون إملاءات من أحد وليس لحساب أحد.
المرة الثانية التي التقيت فيها عرفات كانت أثناء حضوري لأول مرة اجتماعًا للمجلس المركزي عقد عشية اندلاع الانتفاضة الشعبية، وكنت حينها عضوًا في وفد الجبهة، وتم اختياري للمشاركة لأن الموضوع الرئيسي على جدول أعمال ذلك الاجتماع كان الإصلاح الديمقراطي في منظمة التحرير، وقد كتبت وقتها دراسة نُشِرَت في عشرة أجزاء في مجلة "الهدف"؛ لذا يمكن أن يساهم حضوري في إغناء الحوار، وخصوصًا أن التوقعات كانت بأن الدورة ستشهد كسر عظم حول الإصلاح.
وبما أنها المرة الأولى التي أشارك فيها في اجتماع قيادي على هذا المستوى، فقد حضرت كل الجلسات، وواظبت أكثر من أي عضو آخر، لأنني كنت أريد أن أسمع وأستفيد من كل لحظة وكل فكرة ومعلومة، وأترقب متى ستبدأ معركة الإصلاح، ولكن الدورة انتهت والمعركة لم تبدأ، ولكن عندما تستمع إلى راديو "مونت كارلو" كنت تعتقد أن حربًا ضروسًا تدور في المجلس المركزي، وعندما عدت إلى دمشق استدعاني الحكيم، لأنه لم يشارك في الدورة، وأراد أن يستمع لشخص يثق به، فقال لي: ما رأيك في المعركة التي دارت في المركزي حول الإصلاح؟ فأجبته: لم تكن هناك معركة ولا ما يحزنون، فالمعركة كانت في الإعلام، أما في الاجتماعات والعلاقات ما بين القيادات فكانت "سمن على عسل"، ولم نشهد فيها احتدامًا بين اليمين المنحرف واليسار المتطرف، بين أصحاب القبول والرفض. وقلت للحكيم: إنني صدمت بما رأيت، وكنت أتمنى أن نتقاتل في الاجتماعات وأن نبدو موحدين في الإعلام وأمام شعبنا.
كان حضوري لاجتماع "المركزي" فرصة تاريخية لأرى ما هي المؤسسة الفلسطينية، وكانت لحظة فارقة في حياتي لم أعد بعدها مثلما كنت قبلها. كما كان فرصة لأرى كيف يعمل ويقود أبو عمار، فكان يخرج أثناء الاجتماعات أكثر من مرة لبعض الوقت، ويعود مسرعًا ويوقع الأوراق أو يقرأها، وينقضّ فجأة على شخص ألقى فكرة أو رأيًا لم يعجبه، وكانت فريسته في إحدى المرات قياديًا يساريًا سوفييتيًا تحدث حول أهمية الاعتراف بقرار 242 وبإسرائيل، فنال من أبو عمار ما لا يعجبه من نقد وتقريع. وأدلى أبو جهاد في الاجتماع تقريرًا بدا فيه واضحًا أن هناك شيئًا ما يلوح في الأفق لم نكن نعرف أنه الانتفاضة، ولكن ما عرضه أبو جهاد يؤشر لما أتى بوضوح شديد.
عندما عدت إلى الوطن أواخر العام 1994، سافرت من نابلس إلى غزة بصحبة أخي سامر صبيحة اليوم التالي الذي صادف عيد الميلاد المجيد، وذهبنا مباشرة إلى المنتدى (مقر الرئيس) وطلبت لقاءه، فسألني الحارس الذي لا يعرفني: هل تريد التقاط صورة مع "الختيار"؟ فأجبته: إنني أريد أن أتناقش معه. فاستغرب! وعاد ومعه بعض الأشخاص الذين عرفوني، وقالوا لي: أهلًا وسهلًا ... عليك أن تنتظر لبعض الوقت حتى تدخل للقاء الرئيس. وبعد ساعة ونصف من الانتظار دخلنا إلى غرفته وكان يصلي منفردًا، وبقينا معه في الغرفة بلا حُرّاس، ما أثار استهجاننا أنا وأخي. وتساءلنا: كيف يتركوننا معه وحدنا، ولو كان ذلك لأنهم يعرفونني، لكنهم لا يعرفون أخي ... أين الأمن المسؤول عن حماية الرئيس؟
بعد التحية، بادرني وقال أين المذكرة؟ متصورًا أنني أتيت أطلب شيئًا، فقلت له إنني جئت لأتحاور حول "اتفاق أوسلو"، فرحب واستمع لملاحظاتي بكل صدر رحب وأضاف عليها ملاحظات من عنده، وهذا أكد لي أن أوسلو بالنسبة له سياسة وليست أيديولوجيا، ووسيلة لتحقيق غاية وليست الغاية، بالرغم من أن التوقيع عليه كان خطأ فادحًا، وعندما أدرك خطأه قال لقد خدعونا وادخلونا الفخ، وعلينا أن نشطب كل ما سبق ونبدأ من الصفر من جديد، ولكنه أدرك ذلك بعد فوات الأوان. لا يغير ذلك من أنه كان لديه هدف ويريد تحقيقه ومؤمن بإمكانية تحقيقه، ومستعد لدفع حياته على طريق تحقيقه، وخشي من أن يكون مصيره مثل سابقه المفتي الحاج أمين الحسيني الذي قضى قبل أن يحقق شيئًا. وكان آخر ما ردده عرفات "يريدونني أسيرًا أو طريدًا ... وأقول لهم: شهيدًا شهيدًا شهيدًا".
وعندما ذهبت لأول مرة ضمن وفد من عائلة المصري لتهنئته بحلول أحد الأعياد، وعندما هَمًّ العم أبو ربيح بتقديمي له، بادره بالقول: أتريد أن تعرفني بهاني "بحب أقلّك إنه هاني منا قبل وأكثر ما يكون فردًا من عائلة المصري"، وهذا الأمر أشعرني بأنني لم أضيع حياتي في النضال هدرًا. وفي لقاء آخر طلبت من أكرم أن يتوسط لي لكي أعين مستشارًا للرئيس وذلك في العام 2003، وتوقع صعوبة ذلك لأن هناك ممن هم حول الرئيس لن يرضيهم وجود شخص مثلي قريبًا منه، وأثناء لقاءي به طلب مني القبول بأن أعين وكيلًا لوزارة الإعلام، وأنا أصررت على موقفي المطالَب بأن أعين مستشارًا، وهذا دفع بعض الحضور للتساؤل: لماذا أرفض أن أصبح وكيلًا وأنا مدير عام وأريد أن أصبح مستشارًا؟ وَفَاتَهم أن الوكيل مثل الوزير عليه أن يلتزم ويدافع عن سياسة الحكومة وعن قراراتها، أما المدير العام فليس ملزمًا بذلك. كما أنني لا أريد أن يمارس أبو عمار هوايته المعتادة باللعب على الخلافات بين الوزير والوكيل، وبعدها طلبت تقاعدًا مبكرًا من السلطة لأنني وجدت من الصعوبة بمكان أن ترفض واقع السلطة والتزاماتها وسلوكها وتكون موظفًا فيها، وأن تكون كاتبًا من المفترض أن يجسد دور الرائد الذي لا يكذب أهله.
ياسر عرفات له ما له وعليه ما عليه، ولكنه باني الهوية الوطنية الفلسطينية التي تجسدت في كيان وطني جامع، وجعل للفلسطينيين عنوانًا ومؤسسة جامعة، وكلما طال غيابه يزداد الحنين إليه.
كم نفتقد إلى زعامته في هذه الظروف العصبية، لا سيّما في ظل الموجة الانتفاضة الحالية الباسلة التي انطلقت يتيمة بلا أب، ولا تزال بالرغم من دخول أسبوعها الثامن بلا أب، وهذا لا يمكن أن يحدث لو كان ياسر عرفات موجودًا.
أختم هذا المقال بما قاله لي جورج حبش حكيم الثورة أكثر من مرة وهو في ذروة خلافه مع منافسه على قيادة الشعب الفلسطيني: "إن عرفات قد يخطئ، وقد يرتكب حتى أخطاء فادحة، ولكنني واثق من أنه لا يمكن أن يخون."
الطائرة ترسم أفقا جديدا
بقلم: عمر حلمي الغول – الحياة
تفجير الطائرة الروسية بعد إقلاعها بـ 23 دقيقة من مطار شرم الشيخ في نهاية اكتوبر الماضي، لم يكن صناعة دواعشية، إنما هو عمل إرهابي تقف خلفه أجهزة امن دولية واقليمية. وما أعلنه الناطقون الاميركيون، لخير دليل على ذلك، حيث كان التصريح الاول الصادر عن المؤسسات الاميركية، يقول: انهم رصدوا اتصالات بين "داعش" وإحدى دول الاقليم، ثم سحب التصريح في اليوم الثاني، واصدروا تصريحا مغايرا، مفاده: ان الاتصالات المرصودة كانت بين التنظيمات التكفيرية. وتناغمت التصريحات الاميركية مع التصريحات الاسرائيلية والبريطانية. واخيرا المطالبة بالتدخل المباشر في التحقيقات لخلط الاوراق، وتضييع الاثر الموجود عند المصريين والروس.
إذا كانت التقديرات العلمية تشير إلى وجود أياد لاجهزة امن غربية واسرائيلية، فإن جادة الاسئلة تصبح مشرعة، منها: لماذا العملية ضد الطائرة الروسية بالذات؟ وما هي دلالات ذلك؟ وما هي الرسائل، التي تريد الجهات الواقفة خلف العملية إيصالها؟ وهل الرسائل لمصر ام لروسيا ام لكلا البلدين؟ وهل تعني العملية تحول نوعي في الصراع الخفي بين التحالفات؟ وهل تحمل العملية الارهابية في طياتها، رسم آفاق جديدة في السياسة المصرية والعربية؟
مرة اخرى، تملي الضرورة التأكيد، على ان عملية تدمير الطائرة الروسية في 31 تشرين اول الماضي فوق سيناء، لا تقف وراءها "داعش", وهذا ليس تبرئة لساحة التنظيمات التكفيرية من إمكانية إرتكاب اي عمل إرهابي. لكن العملية تتجاوز إمكانيات تلك الجماعات، لأن الدقة العالية في تنفيذها، وما تبع التفجير للطائرة من تصريحات، وما يجري تحت الطاولة بين الدول المختلفة، تشير بشكل جلي، إلى ان العملية من فعل أجهزة امنية اقليمية ودولية، طبعا الفاعل جهاز امني بعينه، لكن التخطيط والتوقيت والاستهداف للروس، تم بالتنسيق بين مجموعة الاجهزة الامنية ذات الصلة. إذا ما هو الهدف؟ اولا ضرب السياحة المصرية، التي تشكل نسبة 14,8% من اجمالي الدخل القومي المصري؛ ثانيا ضرب السياحة الروسية لمصر، التي تشكل نسبة 35% من اجمالي السياحة فيها، وتحتل المرتبة الاولى بين الدول؛ ثالثا التشكيك بالقدرة الامنية المصرية في حماية المدن والمراكز السياحية المصرية؛ رابعا ترك صفحة سوداء على العلاقات المصرية الروسية؛ خامسا مضاعفة الصعوبات الاقتصادية للنظام السياسي الجديد، وعدم إتاحة الفرصة امامه للنهوض.
اما الرسائل المراد توجيهها لكل من مصر وروسيا الاتحادية، فهي: 1- تحذير مصر من مغبة سياساتها، التي تنتهجها بعيدا عن الولايات المتحدة وإسرائيل؛ 2- التلويح بالعصا الغليظة (الارهاب) لضرب ركائز الاقتصاد المصري؛ 3- لفت نظر روسيا لمخاطر تماديها في دول المنطقة العربية وخاصة مصر وسوريا والعراق؛ 4- التذكير بان اليد الطولى ما زالت لاميركا وإسرائيل في عموم منطقة الشرق الاوسط؛ 5- ضرب اية صيغة تحالفية بين مصر وروسيا الاتحادية، او وضعها امام إختبارات صعبة ومعقدة.
لم تأت العملية الارهابية الجديدة من فراغ، بل جاءت في اعقاب استقراء الولايات المتحدة وحلفائها في اوروبا الغربية وإسرائيل لخروج النظام المصري عن السقف المقبول من وجهة نظرهم. وهذا الخروج غير المسموح به، لما لهذه التوجهات الجديدة من آثار سلبية على التوجهات الاستراتيجية الاميركية الاسرائيلية. ولما تحمله من تهديد نوعي لاتفاقيات كامب ديفيد المصرية الاسرائيلية، التي ابرمها السادات مع بيغن 1979. الامر الذي دفعها لارسال رسائل بين الهمز والغمز والمباشرة، وآخرها كي يوعي النظام المصري، كي يعيد النظر في خياراته المرفوضة اميركيا وبريطانيا واسرائيليا.. قادم الأيام يحمل الكثير من التداعيات على الساحة المصرية والروسية إن لم تكن الجهات الأمنية مستعدة لاحباطها.