Haneen
2016-01-20, 11:48 AM
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image001.giffile:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image003.gif
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif
في هـــذا الملف,,,
حديث القدس : فلتكن ذكرى الشهيد عرفات دافعا لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام
بقلم: أسرة التحرير عن جريدة القدس
ولــن يــغــتــالــوا الــحــلــم ..
بقلم: طلال عوكل عن جريدة الأيام
ياسر عرفات.. الجائزة الذهبية
بقلم: موفق مطر عن الحياة الجديدة
انتفاضة القدس . . معيقات يجب تجاوزها
بقلم: وليد القططي عن وكالة معا
عندما غادر الفلسطينيين فينيقهم – ياسر عرفات ما زال يحلق في فضاء المكان
بقلم: مجدي شقورة عن وكالة PNN
حديث القدس : فلتكن ذكرى الشهيد عرفات دافعا لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام
بقلم: أسرة التحرير عن جريدة القدس
في الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات لابد من التوقف عند الانجازات العظيمة لهذا القائد الفلسطيني الذي سخر حياته من أجل قضية شعبه الوطنية، رغم وجود بعض الانتقادات من هنا وهناك لبعض اجتهادات هذا الرمز الخالد في نفوس وعقول أبناء شعبه الذي لن ينساه أبدا.
فمن أبرز انجازات هذا القائد الرمز أنه وضع القضية الفلسطينية وفلسطين على خارطة العالم. بعد أن نسي العالم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أعاد هذا الرمز الخالد إحياءها من خلال نضالاته مع بقية إخوانه ورفاقه.
فالشهيد عرفات هو مفجر الثورة ومسيرة شعبنا الوطنية نحو الحرية والاستقلال ومن خلال هذه المسيرة النضالية الطويلة اعترف العالم بالشعب الفلسطيني وقضيته بعد أن ادعت اسرائيل وعلى لسان العديد من مسؤوليها وخاصة غولدا مئير رئيسة وزراء اسرائيل في السبعينيات بأنه لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني، وأن الأردن هي وطن الفلسطينيين.
وبفعل نضالات الشعب الفلسطيني بقيادة الشهيد الرمز، اعترفت الدول العربية بأن منظمة التحرير الفلسطينية التي وقف على رأسها الرئيس عرفات بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
ومن قبل ذلك قال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عندما فجر القائد عرفات الثورة وقاد النضال مع الفصائل الفلسطينية الأخرى عقب عدوان عام ١٩٦٧، قال عبد الناصر عن الثورة الفلسطينية إنها أنبل ثورة.
وفي عام ١٩٦٨م واجهت الثورة الفلسطينية بقيادة عرفات العدوان الاسرائيلي وألحقت به الهزيمة في معركة الكرامة مع القوات الأردنية وغيرها من القوات العربية التي كانت متواجدة على الأراضي الأردنية.
وفي عام ١٩٧٤م ألقى خطابه الشهير أمام الأمم المتحدة وفي أعقاب ذلك اعترفت الأمم المتحدة بمنظمة التحرير بصفة مراقب.
ولدى عودته الى الوطن عقب التوقيع على اتفاقات اوسلو استقبل استقبال الأبطال نظرا لدوره في إبراز القضية الفلسطينية، ونضالاته مع بقية القوى والفصائل الفلسطينية.
ورغم كل محاولات اسرائيل النيل منه بقي صامدا متمسكا بالثوابت الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف إلى أن استشهد نتيجة هذه المواقف التي لم ترق لا لإسرائيل ولا الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الغربية الداعمة لاسرائيل.
ونأمل بأن تكون ذكرى استشهاده الحادية عشرة مناسبة لاعادة الوحدة السياسية والجغرافية للوطن وانهاء الانقسام المدمر والبغيض بل من الواجب ان توضع هذه المناسبة الجميع للتوحد في مواجهة متطلبات المرحلة النضالية الجديدة التي يخوضها شعبنا في هذه الايام ردا على الانتهاكات الاسرائيلية ورفض حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة للسلام وحل الدولتين، خاصة بعد لقاء الرئيس الاميركي اوباما امس الاول مع رئيس الوزراء الاسرائيلي نتانياهو حيث اثبتت اميركا مجددا بانها وسيط غير نزيه وانها تدعم اسرائيل في انتهاكاتها وممارساتها ضد شعبنا الذي يسعى لانهاء الاحتلال واقامة دولته المستقلة.
وبهذه المناسبة لهذا القائد الفذ لابد من اعادة القضية الفلسطينية للامم المتحدة، لتنفيذ قراراتها الخاصة لشعبنا وتوفير الحماية الدولية له من الانتهاكات الاسرائيلية المتواصلة والتي تستهدف البشر والشجر والحجر خارقة بذلك كافة القوانين والاعراف الدولية.
فالقائد الشهيد ابو عمار كان وسيبقى في قلوب ابناء شعبه فهو صانع الثورة والمسيرة التي لابد ان تحقق اهدافها التي رسمها لها مع بقية رفاقه في النضال والكفاح، والمتمثلة في الحرية والاستقلال الناجزين. مهما طال الزمن.
ولــن يــغــتــالــوا الــحــلــم ..
بقلم: طلال عوكل عن جريدة الأيام
لم يكتمل حلم عرفات بالقدس، ولم يريدوا له أن يقف على منصة الاحتفال بتحرير القدس، وإلقاء التحية على الزهرات والأشبال الذين يحملون علم فلسطين، ويمرون في مشهد احتفالي أمام المنصة التي تمتلئ بالضيوف الكبار من كل أنحاء العالم. لم تكن الشيخوخة أو المرض هي من وضع حداً لحياة عرفات، الذي اصطادوه اغتيالاً، بعد عشرات المحاولات التي فشلت أمام يقظة الرجل، الذي ينام وهو صاحي الذهن والأعصاب، غير أن عرفات وضع المداميك القوية التي تؤسس لتحقيق الحلم.
لزعيم الزعماء، وعنقاء فلسطين، الذي توارى جسده ولم تتوار ذكراه، وفضائله الكبيرة، لهذا الزعيم الكبير ما له وما عليه، لكنه الرجل الذي اختلف معه الكل بما في ذلك بعض زملائه في قيادة حركة فتح، لكنهم لم يختلفوا عليه. من الصعب أن تنجح مقالة حتى لو كانت طويلة، أو ينجح أي خطاب في أن يلخص تجربة غنية مليئة بالأحداث، وطويلة جداً، كتجربة عرفات.
حين تعوز العربي، الوقائع الحديثة، التي تؤكد أن الأمة العربية أمة مرموقة، وتحظى بمكانة معترف بها بين الأمم، يقوم العربي باستدعاء التاريخ، ويستدعي أسماء عدد من مشاهير الطب والعلم الذين نبغوا في أزمنتهم، ولا ينجح العربي في أن يقدم من هؤلاء المشاهير ما يعزز الثقة بالنفس والأمة، في زمن العصرنة والتطور التكنولوجي الهائل، الأمر مختلف بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يعتز بانتمائه للأمة العربية، فيقدم لها قائمة طويلة من الزعماء والقادة على مذبح النضال التحرري ضد استعمار استثنائي لا تتوقف مخاطره، وأطماعه عند حدود ارض وشعب وتاريخ فلسطين. على كل حال لا أجد متسعاً للمرور حتى ولو بكلمات مقتضبة على تاريخ هذا الزعيم، ولكني أود التركيز على درس البداية، والذي ينطوي على مفارقة ذات قيمة سواء فيما يتعلق بالزمن السابق أو الزمن الراهن.
الأمر يتعلق بتساؤل مفعم بالتفاؤل إزاء نضج الشباب وكل قيادات الثورة، ومفجروها كانوا من شباب العشرينيات من أعمارهم بحيث أدركوا بالقول والفعل، مدى الضرورة لبلورة الهُويّة الوطنية الطلائعية للشعب الفلسطيني، ومدى الضرورة، لاعتماد الكفاح المسلح سبيلاً للخروج الإيجابي الفاعل عن الوصاية العربية، والتمرد على حسابات النظام العربي الرسمي، وهي حسابات معقدة وشائكة حتى لو كان زعيم تاريخي كبير مثل الراحل جمال عبد الناصر هو الذي كان يتصدر المشهد العربي.
كانت الحكمة تقول «لا يحكّ جلدك إلاّ ظفرك»، فما كان للشعب الذي خططت الدوائر الاستعمارية والصهيونية، لتغييبه عبر إذابته في محيطه العربي، ما كان لهذا الشعب إلاّ أن يحمل راية الإعلان عن وجوده بقوة، والإعلان عن هُويّته، وأن يفرض عبر زمن النضال، حقيقة وجوده التي لا يوجد على الأرض ما ومن ينكرها.
هذا الإيمان بقدرة ونضج الشباب الفلسطيني، يجعلنا نتساءل عن دور القيادات، التي تتحدى الزمن بطول أعمارها، إزاء مسؤولياتهم في إفساح المجال واسعاً أمام شباب يمتلكون قدرات هائلة عقلية وتكنولوجية، ومعارف، وطاقة بدنية وتستحق أن تحوز على الثقة التي حازت عليها القيادات الشبابية التي مثلها عرفات ورفاقه في زمانهم الأول.
الآن وفي الذكرى الحادية عشرة لرحيله، يكشف اللواء عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، رئيس لجنة التحقيق الفلسطينية عن أن التحقيقات التي أجرتها اللجنة توصلت إلى معرفة العنصر التنفيذي، الذي بالتأكيد ستكشف التحقيقات معه هُويّة الجهة التي دفعته ووقفت خلفه.
ثمة من يعتقد أنه كان على الطيراوي أن يكشف عن اسم وهُويّة مرتكب الجريمة وأن يفتح الملف على اتساعه، الأمر الذي سيفك عقد وشيفرات ظلت غامضة كلها ما عدا أن الشعب الفلسطيني بأسره مقتنع بأن إسرائيل هي المسؤولة وليس بالمعنى الحصري عن هذا الاغتيال السياسي.
على أن فتح هذا الملف، يحتاج إلى دراسة متأنية ومسؤولة من قبل القيادة الفلسطينية، حتى لا يتسبب التسرع في ردود أفعال غير محدودة، ومن قبل أطراف ربما تحرص القيادة على أن لا تضعها في خانة الحرج أو الاتهام، ذلك أن فتح الملف مثلاً يفترض أن يعطي إجابة عن نتائج التحقيقات المخبرية الفرنسية والسويسرية والروسية. هذا الإعلان يضع بين يدي القيادة سلاحاً آخر مثله مثل ملفات جرائم الحرب الإسرائيلية، والموقف من اوسلو واشتراطاته وقيوده، ما يستدعي تحضير الذات، قبل أن تقرر القيادة كسر الزجاج الهش، لأن ذلك يعني الانتقال إلى مربع الصراع المفتوح.
ياسر عرفات.. الجائزة الذهبية
بقلم: موفق مطر عن الحياة الجديدة
قبل حوالي اربعة واربعين عاما زار ابو عمار معسكر حركة فتح بمنطقة مصياف غرب مدينة حماه بسوريا، فكان ذلك اليوم - الرابع من آب من عام 1971 - مميزا لشاب مثلي يحظى بأداء التحية للقائد العام ومصافحته، أثناء مهرجان تخريج دورة الفدائيين بحضور الآلاف من الفلسطينيين من مخيم العائدين بالمدينة والسوريين (الحمويين) الذين يشهد لهم التاريخ بحسن استقبال زعماء الأمة المميزين فأهل المدينة يشهد لهم سجل تاريخها انهم رفعوا الزعيم جمال عبد الناصر على اكتافهم بسيارته، وشهد ياسر عرفات بخطابه لوطنية أهلها في مهرجان تخريج فوج الفدائيين عندما قال: "انها القاعدة الثانية لفتح".. لم يذكر اسم القاعدة الأولى لكن سجل الشهداء الفتحاويين السوريين من أبناء مدينة ابي الفداء كان احدى علامات شهادة ابي عمار التاريخية.
في اليوم التالي ذهبت لمدرستي الثانوية (ابي الفداء) متباهيا لكوني ارتدي (تي شيرت) رياضة أبيض فريد من نوعه، فابنة عمي طرزت بناء على طلبي شعار العاصفة من ناحية الصدر بالخيطان الملونة، فكنت أول من لبس قميصا مطروزا بشعار العاصفة كما اعتقد.. وصلت متأخرا حوالي عشرة دقائق عن بداية درس التربية الدينية فوقفت عند باب الفصل لأستاذن معلمي الدخول، فسألني اثر ابتسامة بدت على محياه: "هل قابلت أبي عمار في مصياف بالأمس"؟ فأجبت: نعم، قال: "هل صافحته؟" فأجبت: نعم، فقال سأسمح لك بالدخول لأمرين: لنشم منك رائحة أبي عمار، و" كرمال شعار فتح".
كانت ليلة متفجرة من يوم دموي من العام 1983، يومها جنّت فيها راجمات المنشقين وحلفائهم المحميين بمدفعية جيش الأسد الملتهبة بطرابلس شمال لبنان، الصامتة الصدئة على جبهة الجولان، عند الفجر خرج الختيار(أبو عمار) من مكتبه مشمرا عن ساعدية وساقيه متهيئا للوضوء، فلمحني وبضعة مرافقيه في المكتب المندهشين من صور التقطتها لأفراد من قبائل "الهدندوة" بشمال السودان حيث كان معسكر القوات الفلسطينية "قوات قادسية بيروت" والقرية السودانية الصغيرة (سنكات) حيث كانت عائلات لمقاتلين الفلسطينيين تقيم، فطلب منا رؤية الصور، ناولته اياها وأرفقتها بقولي: "هذه هي البيئة الصعبة التي نحياها يا أخ أبو عمار"، وقصدت من قولي تعريفه بصعوبة التعايش مع الطبيعة وأهل المنطقة المجاورين فهم رغم طيبتهم الا انهم يعيشون حياة بدائية.. فصدمني القائد في تلك للحظة من الفجر عندما رد علي قائلا: "ما تنساش يا ابني ان لهم وطن".
قبل هذا الدرس البليغ، بالليلة السابقة كان مقاتلون اصدقاء من قوات قادسية بيروت القادمين الى طرابلس لبنان من معسكرهم بالسودان قد طلبوا مني التقاط صورة للذكرى، وفيما أنا اتهيأ لأخذ زاوية مناسبة شعرت بقبضة على أعلى عنقي وبعبارة: "يالله كفاي.. عندنا شغل" فالتفت وأنا أردد: "بالله لحظة.. لحظة" ظنا مني ان احد المقاتلين الأصدقاء يمازحني بتعطيل التقاط الصورة، لكنه كان القائد ياسر عرفات الذي كان يتفقد جاهزية قواته، وعند الفجر كان القائد على رأس مجموعات المقاتلين الذين استعادوا مخيم البداوي وصلى في الجامع الذي أقسم ان يصلي فيه.
عندما اعطاني الأخ محمود العالول (قائد عملية أسر الجنود الستة في جبل لبنان) فيلم النيجاتيف الأسود والأبيض لاظهاره وطبعه لم اكن أعلم اني أحمل بين يدي كنز عظيم، فكل ما ابلغني ان الشريط مهم جدا، لأكتشف بعد تظهير الفيلم وطباعة الصور أنها أطياف الجنود الاسرائيليين الستة الأسرى الذين قرر ابو عمار مبادلتهم بآلاف الفلسطينيين الأسرى في معتقل انصار، يومها رفع القائد ياسر عرفات صور الأسرى أمام عدسات الصحفيين فيما قطرات الماء ما زالت تنقط من زواياها، فالوقت لم يسعفنا لتجفيفها. ربما يعلم الآن صديقي الأرمني "جاكوب" اني طبعت أهم صور فوتغرافيه في الثمانينيات "بدارك رووم" الاستديو رالذي يملكه وسط مدينة، طرابلس شمال لبنان، فهو قد أخلى لي المكان عندما طلبت اظهار الفيلم وطبع الصور بنفسي.
ربما يعرف الجمهور الفلسطيني الصورة الفوتغرافيه (البوستر) التي تجمع القائدين أبو عمار وأبو جهاد، التي يظهران فيها بقامتيهما وخطويتهما وتعابير وجهيهما المشتركة وكأنهما توأما الفكرة والهدف، هذه الصورة التي ما اظهرتها للعلن الا بعد استشهاد القائد أبو جهاد، فقدمتها هدية لمناسبة عيد ميلاده بحفل اقامه الأخ أبو العبد خطاب– رحمه الله– قائد الساحة في اليمن الجنوبي حينها وقائد معسكر الأشبال والزهرات بعدن حينها 1989.
فك ياسر عرفات العقدة الوردية وفتح الصورة فاغرورق الدمع بعينيه، وقرأ ما كتبت له على زرقة السماء الواصلة بين روحه وروح أبي جهاد: " سنبقى نحبك ما دامت فلسطين في قلبك" فلفها متأثرا وسلمها لأحد مرافقيه، وفي المساء وعند استقباله لنا في الاستراحة الخاصة بعدن وعندما صافحته تذكر"الصورة الرسالة" وراح يتحدث للاخوة القادة أعضاء اللجنة المركزية واعضاء المجلس الثوري والكوادر الفتحاويين عن الصورة واعجابه بها فقال لهم: "موفق عامل صورة لي مع الله يرحمه انما ايه.. عظيمة " فقلت له فيما ممسك بيدي بحرارة: "استأذنك بطبع هذه الصورة لتدخل كل بيت فلسطيني" وفعلا كان التاريخ منصفا، فقد دخلت صورة أبي جهاد وأبي عمار أرض الوطن معا افواج المقاتلين العائدين لأرض الوطن في العام 1994. فنلت جائزة هي أثمن من ذهبية وأعظم من دولية.
انتفاضة القدس . . معيقات يجب تجاوزها
بقلم: وليد القططي عن وكالة معا
ذاكرة التاريخ الفلسطيني الحديث و المعاصر مليئة بتجارب الثورات و الانتفاضات في عهد الاحتلالين البريطاني و الصهيوني التي لم تحقق اهدافها وتم اجهاضها دون أن تبلغ غايتها بسبب عوامل ذاتية داخلية و أًخرى موضوعية خارجية , تكاملت فيما بينها وأدت إلى الفشل في تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها التحرر من الاستعمار وإنجاز الاستقلال الفلسطيني. وكي لا تلقى انتفاضة القدس الحالية المصير نفسه من المفيد أن نسلّط الضوء على بعض المعيقات التي تحول بين الانتفاضة ونجاحها ، ونضع الخطوط العريضة لتجاوز هذه المعيقات أملاً في الوصول إلى أهدافنا الوطنية في التحرر والاستقلال والعودة.
أول هذه المعيقات هي استمرار هيمنة الفكر السياسي الذي قاد الشعب الفلسطيني إلى مرحلة أوسلو على القيادة السياسية الفلسطينية الرسمية . وهذا النمط من الفكر السياسي الذي استند إلى فرضيات خاطئة تفترض إمكانية زوال الاحتلال بالمفاوضات و الضغط الدولي و التدخل الأمريكي دون ضغط المقاومة لا زال مهيمناً على القيادة السياسية الفلسطينية و لم يتغير بطريقة جوهرية , وبالتالي فإنه يهدد انتفاضة القدس عن طريق امكانية الاستجابة للمبادرات و المشاريع السياسية التي تُعطي الفلسطينيين انجازات وهمية لا تحقق طموحات الشعب الفلسطيني و لا تتناسب مع تضحياته الكبيرة لنيل حريته و تحقيق استقلاله يكون هدفها إنقاذ الكيان الصهيوني من مأزق الانتفاضة و ليس تخليص الشعب الفلسطيني من الاحتلال . ولا مجال لتجاوز ذلك إلا بالتخلي عن هذا الفكر السياسي الذي أنتج لنا أوسلو واستبداله بفكر سياسي يركز على التمسك بالثوابت الوطنية و تحقيق الأهداف الوطنية وأولها انسحاب الاحتلال و تفكيك الاستيطان ، و يعتمد نهج المقاومة طريقاً للتحرير بدلاً من نهج المساومة.
وثاني هذه المعيقات هي استمرار الانقسام الفلسطيني مع استمرار الانتفاضة ، فتصبح الانتفاضة بلا رأس أي بلا قيادة موّحدة لها ، وبلا أُفق سياسي أي بدون هدف سياسي موّحد لها مع اختلاف الأهداف المرجوّة منها ، وربما تناقضها مما يؤثر سلبياً على مصداقيتها واستمراريتها ، و الأخطر من ذلك هو أن يظهر هذا الانقسام في فعاليات الانتفاضة الميدانية فيشتت الجهد و يضيع بدلاً من أن يتوحد و يستثمر لخدمة الأهداف الوطنية الجامعة. و لتجاوز ذلك لا بد من انهاء الانقسام و تحقيق الوحدة الوطنية بالالتفاف حول مشروع وطني فلسطيني يتمسك بالثوابت الوطنية ونهج المقاومة. وإن عجزنا عن ذلك فلنتوحّد حول أهداف الانتفاضة الحالية على الأقل في إطار مشروع وطني مقاوم لتحرير الضفة الغربية ، وإن عجزنا عن ذلك فلا خيار أمامنا سوى تكوين قيادة شبابية لكل محافظة تنسق فعاليات الانتفاضة على مستوى كل محافظة.
و ثالث هذه المعيقات هو استمرار الانتفاضة على نفس الوتيرة و المستوى دون تطوير لفعالياتها أو تصعيد لنضالها ، فتظل مقاومة شعبية على الحواجز بالحجارة والمولوتوف و عمليات فدائية فردية بالسكاكين والدهس ، قد يتأقلم معها العدو ويتحمل ثمنها على المدى البعيد ، و يحوّلها الى عملية استنزاف مضادة للشعب الفلسطيني اقتصادياً و بشرياً عن طريق تشديد عمليات القمع وحصار المدن والإعدامات الميدانية والحرب النفسية وغيرها . ولتجاوز ذلك من الضروري تطوير و تصعيد فعاليات الانتفاضة مع الزمن و بالتدريج و إيجاد استراتيجية لتعّظيم خسائر العدو البشرية والاقتصادية . و في هذه الاستراتيجية لا بد من تعدد وتنوّع وتكامل أساليب و أدوات النضال ليشترك فيها كل الشعب الفلسطيني و مؤسساته المختلفة ابتداءً من المنظمة و السلطة و انتهاءً بمؤسسات المجتمع المدني مروراً بالفصائل و الحركات الوطنية والإسلامية .
ورابع هذه المعيقات هو وجود السلطة كحاجز بين الاحتلال و المقاومة ، حيث أن وجود السلطة مرتبط باتفاقية أوسلو التي تفرض عليها كبح جماح الانتفاضة لإنهائها أو إبقائها منخفضة الموجة كي لا تصل إلى مرحلة تفقد فيها السيطرة على الوضع في الضفة الغربية نتيجة لما قد تفرزه الانتفاضة من فوضى و فلتان أمني –أسوة بالانتفاضتين السابقتين – وارتباط ذلك بالانقسام وسيطرة حركة حماس على مقاليد الأمور ، . ولتجاوز ذلك لا بد من فك الارتباط بين الانتفاضة و الفوضى بالحفاظ على مؤسسات الشعب الفلسطيني مادياً(الحفاظ على الممتلكات العامة) و معنوياً (الحرص على مواصلة عملها) ، وأن تصبح السلطة أحد أهم رافعات الانتفاضة و العمل الوطني عن طريق دعم صمود الشعب الفلسطيني بالمحافظة على استمرار حياته الطبيعية قدر الإمكان في ظل الانتفاضة.
عندما غادر الفلسطينيين فينيقهم – ياسر عرفات ما زال يحلق في فضاء المكان
بقلم: مجدي شقورة عن وكالة PNN
لخريف باريس، حكاية سقوط الورق، حكايات من لغز عبور العمر ضفاف نهر السين، ولشتائها وخز الإبر حين يدغدغ المعطف الأسود بين زمن الخريف وإبان الشتاء تبدو الأماكن موحشة، هي وحشة التيه رغم ازدحام الشوارع، وشارة الضوء الحمراء يهش المطر بعصاته جموع المنتظرين إلى موقدة الدفء، حيث سيف البرد يقطع ضباب الأنفاس, أعرف يا أبي أن الطبيعة لا تساوم، لكننا نحن هنا كما رسمت أنت تاريخ المسيرة، نحن خراف الرب، وعصاك قبلة وجهنا، ومن عصاك كثر في المؤخرة وفي المقدمة، على الميمنة كان طابور جواسيس الانتظار، وعلى الميسرة ما تيسر من وفاء، ولأن الحواريين جنودك وجنود الله المجهولين وحدتنا الموقدة.
لتشرين في العام الرابع بعد الألفين تقطعت أنفاس الوقت في استثناء أدوات القياس، وبعكس صقيع العاصمة كانت أنفاس الغرف تحتبس السؤال، حين ناخ برج ايفل لتتربع على هودج السؤال، تدافعت رجالات العواصم وسرى العسس على أسرة المستشفيات، واشنطن ترقب ضيف ايفل, وموسكو ترسل آخر راقصات الباليه لساحة الباستيل، وتل أبيب توزع طرداً من النمل الأحمر ليحتل قوس النصر، وقاهرة العرب تشيع لاعب العرائس إلى ساحة الكونكورد،
وحده نابليون بونابرت شق ابتسامته وقهقه ضاحكاً من سوء حظه العاثر أنني لم أحاصر ياسر عرفات في عكا.
لشهر الصوم بدر قمر، غاب قمر رمضان هذا العام، لكنك سيدي الرئيس بدرنا، ولأنك الزاهد الناسك العابر لكل منافي الرب لم تلقي عباءة الكبرياء يوماً، حين قطع حطابو السياسة كل أغصانك في المقاطعة، وجففوا الوقت والماء وأرادوك طريدة يابسة، وسدوا هواء البحر، ورفعوا شارة الدعاء لك بالشفاء.
لرام الله رب من حبر، ولباريس قلب من شيراك، لم يشركوا بك يوماً ككل الرجال المؤمنين، كسروا أغلال الحصار وشدوا لك ناقة صالح، فصارت لها أجنحة من وقت، وككل النوق غسلت وجه صباحك بحليبها، فيما تطل قبل الرحيل على قبة الوقت في أقصى القدس، دون أن تعطينا موعداً لساعة يوم القيامة، عرج قلبك يا سيدي الرئيس إلى أردن النهر، فقفزت خطى السيد المسيح تبارك غيابك في الشهر الرمضاء.
أذكر وأنا الصبي المعلق بين نكبة وفجيعة، أنني كسرت صندوق الأسرار حين خاطبت بكل ما في القلب من وجع، رجل من رجالات فرنسا، متسائلاً إلى متى يمتد انتظار الموت، رمقني برجولته المعبأة بالوفاة، وهزني بعض من جوابه، حين بدد شكوكي الفائض من خوف الموت قائلاً: “نحن لا نسكب فخار إنسانيتنا على التفاصيل الصغيرة، وفرنسا لا تعرض تاريخها في المزاد”، تقطع خط الهاتف، ليبرد أذني الثالوث المقدس للثورة الفرنسية أخوة، مساواة، حرية.
لكل العواصم ضواحي، وضاحية كلمار بغربي باريس علقت فنارها لتكن قبلة تشوح إليها دعوات الرجاء وصلوات الشفاء التي رفرفت على مستشفى بيرسي، حين حطت ناقة صالح بك يا أبي ولأننا تاريخ من خيام, خيمة اللاجئ, وخيمة الفدائي, صار لنا خيمة انتظار نتكدس حول سارية روحك التي حارت عليها علوم الأطباء، فكان التأويل والتعليل وصار المبشر والمفسر، شدتني يا أبي أرجوحة خالد بن الوليد على ضفاف العاصي، حين عصا موته على وثير الفراش, خانكما تابوت الموت في ساحات الوغى، وكأن الرب لم يشأ لكما موتاً معمداً بالدم، لكنه ساوى بينكما في غربة الروح.
أطل عليّ العراف حين فسر لي غصن الزيتون والبندقية، وأخبرني سرك قائلاً: “أسرج لكم أبوكم قنديل زيت الزيتون، ليكن نوركم، وأودع على كتف صبي نار بندقية ليشعلها حين تناديكم حجارة أسوار القدس.
انصرف العراف، وانصرف الوقت، وغابت شمس باريس الطويلة، لتجمعنا كسرات خبز إفطار رمضان، الصوم هنا له عجلات من عجين، ولهفة الانتظار لا تحرق وجه الرغيف، لكنه يا أبي له طعم المرار، حين كنا معلقين على مشانق الانتظار، صار الأطباء بلا أفئدة بيضاء منتظرة بشراهم، لكنهم كانوا في حداد الكلام.
آه يا أسود حين ينطفئ قنديلك يا أبي ينزرع الخوف شوك، وشارع الشانزليزيه يمد ذيله نتبعه إلى مقهى الانتظار، كان وتر العود يسبح في المجلس العربي حتى لا يداهمنا النادل بكأس من فراغ، صمت المكان يتدحرج المقام العراقي على أنين خد بغداد هنا، وأنت يا أبي تشم رائحتها، وتكره غياب صديقك الرئيس صدام حسين، لك من بغداد مقامات تهدهد نومك حتى لا يزعجك هدير الطائرات، وذكرى الحرب الجزائرية، وضجيج الانتخابات الأمريكية.
الطبيب هنا جنرال، وأنت سيد الجنرالات، لم تنزع يوماً مسدسك من على خاصرة الوطن، لكن الجنرال هنا يا أبي كان ينتصر علينا برتابة الكلمات (الحالة مستقرة)، لكن الزمن يكره الرتابة، وأنا كافر بكل ما هو مستقر، لدغني عقرب الساعة حين كانت بتعداد أصابع كفي، ونصف قمر.
هو الرابع من تشرين نوفمبر، حين رن الهاتف قاطعاً ما تصدح به كوكب الشرق، في الحي السادس عشر الباريسي، عبر صديقي الفرنسي عن ترددات قلبي، هو صديقك يا أبي، أتذكر حين حاصرتك دمشق في طرابلس الشام، حين جاءك في البحر ليحملوا سفنك من رحيل إلى رحيل، لتحط في قاهرة المعز، بعد أن أغلق قطاع الطريق نهر بردى، تعامدت كلمات صديقي كأنها صليب ياسوع المسيح ليوجز الموت قائلاً: “أؤكد لك أن ياسر عرفات توفي للتو”.
أغلقت الهاتف، وأنا أدرك أنني أغلق صفحة من صفحات التاريخ، صار للتاريخ موت، وأنا أغفل إن كان لي ولادة جديدة، وفي جدل الموت والحضور انكسر صندوق الذاكرة، تدحرج في قلبي حين التقيتك أول مرة يا أبي، يومها غرست في بعضاً من سرك، تذكرت أول هداياك لي، وأول هاتف جمعنا، وما تلاها من أسرارك وأسفاري، باغتني صديقي خالد حين عاين وجهي الشارد في حضرة موتك قائلاً: “هل سقط برج ايفل؟ هل اختفت لوحة الموناليزا من متحف اللوفر؟ هل غير نهر السين مجراه؟”، أجبته بما تبقي لي من كلام لقد مات أبو عمار للتو.
ألجمته عبارتي، سقط رأسه على كتفي، صعد صراخي درجات سلم روحي، صرخت ضد دموع صديقي “أبا عمار لا يموت، أنت موت وأنا بعكس الموت”، سقطت الموسيقى التي كانت تعبئ المكان، انسحبت خلف الستارة السوداء، استقام جميع من في المقهى في دهشة الحيرة، سقطت مني ابتسامة صغيرة على حافة فنجان القهوة، كنت قد خبأتها في آخر لقاء لنا يا أبي.
ولأن الموت ينجب الذاكرة لتقوى على الحياة، ذاكرة عودة ياسر عرفات إلى الوطن، أذكر في مقطع من شريط الذاكرة، يوم كنت برفقة صديقتي الناشطة الفرنسية ماري بول, ونحن نسير بالقرب من مكتب الرئيس ياسر عرفات، إصرارها على لقاء الرئيس والسلام عليه, تعجبت من استعجالها لكن إرادتها كانت أقوى من تساؤلاتي، حين نجحت في لقاء الرئيس ياسر عرفات، حاولت الاستيضاح عن هذا السر، فأخبرتني أنها تعرف ياسر عرفات منذ زمن بيروت, صمتُ ثم اكتشفت هذه الحادثة، وكانت لي درساً تعلمته عن بعد (صافح كل من يخدم شعبه وقضيته)، هكذا كنت معلمنا يا أبي دون أن نجالسك أو تقص علينا المسيرة.
قطع صديقي خالد الذكريات بصفعه سؤال مباغت: “أحقاً هو الموت، نعم لقد حضر الشيخ التميمي إلى فرنسا على عجل، كنت أظن أن تلاوة آيات الشفاء لن تعيق تحليق روحك إلى بارئها، ولأني من ذاكرة ورقية، رفرف أمام وجهي كفن، أدركت أن الماء محلى بالياسمين سيسكبه الشيخ على ما تبقى من جسد, لن يغالبه الشك، فكما أنت حقيقي، موتك صار حقيقة، صار جثمانك جناحي فرس ككل الأنبياء المهاجرين، ولأنك من ماء الفضة مرآتك وجهك, لم يغب في حضور الموت، ولكن كان هناك من يفتش عن ميراثك يا أبي، فتحوا رقعة الشطرنج، ورصوا البيادق، وسكنوا القلاع, سرّجوا الأحصنة، ملك ووزير, فتحت بطن اللعبة، صرخت الزوجة من يرثك يا أبي؟.
هل أصبحت عقد لؤلؤٍ يعلقوك في رقابهم، ويوزعوا حباتك على المحظيين والمحظيات، صرخ قلبي على عجل، لا أنت وطن ونحن حبات مسبحتك التي أحصيت على ظهرها ساعات صبر النصر، لن يرثك يا أبي غير الأرض، أنت وديعة التاريخ، كشّ العراب بيدقاً على الرقعة السوداء ثم ابتسم، تعرى ظهر الملك, قفز الوزير الغفير يعقد الصفقة، فالمصعد الذي توقف في الدور السابع لينزل حقيبة النقود ويكمل الملك الجديد عرفناه للعراب.
ولأنني يا أبي من وفاء، أذكر كيف انحنى الرئيس شيراك بقامته العظيمة معاتباً موتك بالقول: “رحلت ولم تفي مكرهاً بوعدك لي بالصلاة في القدس”، ولأن وعد الرجال تنوء به الاكتاف، سأحمل وعدك يا أبي، أيقونة في عنق الأجيال.
كان لصديقك الرئيس شيراك صدقاً في حياتك وصديقاً، والآن يا أبي هو يودعك بكل هيبة تاريخ فرنسا وحب ياسر عرفات, هناك في مطار بورجيه العسكري في العاصمة الفرنسية مشهد مهيب، أكتاف الرجال ترفع قامتك الملفوفة بعلم فلسطين على وقع نشيد الحرية، ترفعه بكل خشوع إلى حيث الطائرة في انتظار زفة عرسك، وهل لنا من عريس أجمل منك حتى في حضرة الموت ورهبة الفراق، ودعتك فرنسا على إيقاع تاريخ حريتها، وفرشت لك السماء بالعصافير المهاجرة لكى تكون ظلك، وأنت تقطع بطن البحر لتحط في قاهرة المعز نبياً، اصطفوا في وداعك الأخير في القاهرة، كانت لك دوماً حضنك الدافئ التي وإن أنزلت أشرعتها يبقى نيلها يسري وطميها ينتظر البذار، حطت ناقة صالح، آخر عشاقها أنت على صخرة الانتظار، هناك حيث القبر المؤقت والبحر المؤقت والصلاة المنتظرة، هبطت يا أبي، توضأت بماء عين الحلوة، وقبلت طفلة من اليرموك، وصافحت رفيقاً من الوحدات، واستعرت سجادة الصلاة من غزة, إنا أنتظرك لتعلن صلاة العيد في بيت هاشم.
file:///C:/Users/ADMINI~1/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.gif
في هـــذا الملف,,,
حديث القدس : فلتكن ذكرى الشهيد عرفات دافعا لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام
بقلم: أسرة التحرير عن جريدة القدس
ولــن يــغــتــالــوا الــحــلــم ..
بقلم: طلال عوكل عن جريدة الأيام
ياسر عرفات.. الجائزة الذهبية
بقلم: موفق مطر عن الحياة الجديدة
انتفاضة القدس . . معيقات يجب تجاوزها
بقلم: وليد القططي عن وكالة معا
عندما غادر الفلسطينيين فينيقهم – ياسر عرفات ما زال يحلق في فضاء المكان
بقلم: مجدي شقورة عن وكالة PNN
حديث القدس : فلتكن ذكرى الشهيد عرفات دافعا لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام
بقلم: أسرة التحرير عن جريدة القدس
في الذكرى الحادية عشرة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات لابد من التوقف عند الانجازات العظيمة لهذا القائد الفلسطيني الذي سخر حياته من أجل قضية شعبه الوطنية، رغم وجود بعض الانتقادات من هنا وهناك لبعض اجتهادات هذا الرمز الخالد في نفوس وعقول أبناء شعبه الذي لن ينساه أبدا.
فمن أبرز انجازات هذا القائد الرمز أنه وضع القضية الفلسطينية وفلسطين على خارطة العالم. بعد أن نسي العالم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني أعاد هذا الرمز الخالد إحياءها من خلال نضالاته مع بقية إخوانه ورفاقه.
فالشهيد عرفات هو مفجر الثورة ومسيرة شعبنا الوطنية نحو الحرية والاستقلال ومن خلال هذه المسيرة النضالية الطويلة اعترف العالم بالشعب الفلسطيني وقضيته بعد أن ادعت اسرائيل وعلى لسان العديد من مسؤوليها وخاصة غولدا مئير رئيسة وزراء اسرائيل في السبعينيات بأنه لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني، وأن الأردن هي وطن الفلسطينيين.
وبفعل نضالات الشعب الفلسطيني بقيادة الشهيد الرمز، اعترفت الدول العربية بأن منظمة التحرير الفلسطينية التي وقف على رأسها الرئيس عرفات بأنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.
ومن قبل ذلك قال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عندما فجر القائد عرفات الثورة وقاد النضال مع الفصائل الفلسطينية الأخرى عقب عدوان عام ١٩٦٧، قال عبد الناصر عن الثورة الفلسطينية إنها أنبل ثورة.
وفي عام ١٩٦٨م واجهت الثورة الفلسطينية بقيادة عرفات العدوان الاسرائيلي وألحقت به الهزيمة في معركة الكرامة مع القوات الأردنية وغيرها من القوات العربية التي كانت متواجدة على الأراضي الأردنية.
وفي عام ١٩٧٤م ألقى خطابه الشهير أمام الأمم المتحدة وفي أعقاب ذلك اعترفت الأمم المتحدة بمنظمة التحرير بصفة مراقب.
ولدى عودته الى الوطن عقب التوقيع على اتفاقات اوسلو استقبل استقبال الأبطال نظرا لدوره في إبراز القضية الفلسطينية، ونضالاته مع بقية القوى والفصائل الفلسطينية.
ورغم كل محاولات اسرائيل النيل منه بقي صامدا متمسكا بالثوابت الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف إلى أن استشهد نتيجة هذه المواقف التي لم ترق لا لإسرائيل ولا الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الغربية الداعمة لاسرائيل.
ونأمل بأن تكون ذكرى استشهاده الحادية عشرة مناسبة لاعادة الوحدة السياسية والجغرافية للوطن وانهاء الانقسام المدمر والبغيض بل من الواجب ان توضع هذه المناسبة الجميع للتوحد في مواجهة متطلبات المرحلة النضالية الجديدة التي يخوضها شعبنا في هذه الايام ردا على الانتهاكات الاسرائيلية ورفض حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة للسلام وحل الدولتين، خاصة بعد لقاء الرئيس الاميركي اوباما امس الاول مع رئيس الوزراء الاسرائيلي نتانياهو حيث اثبتت اميركا مجددا بانها وسيط غير نزيه وانها تدعم اسرائيل في انتهاكاتها وممارساتها ضد شعبنا الذي يسعى لانهاء الاحتلال واقامة دولته المستقلة.
وبهذه المناسبة لهذا القائد الفذ لابد من اعادة القضية الفلسطينية للامم المتحدة، لتنفيذ قراراتها الخاصة لشعبنا وتوفير الحماية الدولية له من الانتهاكات الاسرائيلية المتواصلة والتي تستهدف البشر والشجر والحجر خارقة بذلك كافة القوانين والاعراف الدولية.
فالقائد الشهيد ابو عمار كان وسيبقى في قلوب ابناء شعبه فهو صانع الثورة والمسيرة التي لابد ان تحقق اهدافها التي رسمها لها مع بقية رفاقه في النضال والكفاح، والمتمثلة في الحرية والاستقلال الناجزين. مهما طال الزمن.
ولــن يــغــتــالــوا الــحــلــم ..
بقلم: طلال عوكل عن جريدة الأيام
لم يكتمل حلم عرفات بالقدس، ولم يريدوا له أن يقف على منصة الاحتفال بتحرير القدس، وإلقاء التحية على الزهرات والأشبال الذين يحملون علم فلسطين، ويمرون في مشهد احتفالي أمام المنصة التي تمتلئ بالضيوف الكبار من كل أنحاء العالم. لم تكن الشيخوخة أو المرض هي من وضع حداً لحياة عرفات، الذي اصطادوه اغتيالاً، بعد عشرات المحاولات التي فشلت أمام يقظة الرجل، الذي ينام وهو صاحي الذهن والأعصاب، غير أن عرفات وضع المداميك القوية التي تؤسس لتحقيق الحلم.
لزعيم الزعماء، وعنقاء فلسطين، الذي توارى جسده ولم تتوار ذكراه، وفضائله الكبيرة، لهذا الزعيم الكبير ما له وما عليه، لكنه الرجل الذي اختلف معه الكل بما في ذلك بعض زملائه في قيادة حركة فتح، لكنهم لم يختلفوا عليه. من الصعب أن تنجح مقالة حتى لو كانت طويلة، أو ينجح أي خطاب في أن يلخص تجربة غنية مليئة بالأحداث، وطويلة جداً، كتجربة عرفات.
حين تعوز العربي، الوقائع الحديثة، التي تؤكد أن الأمة العربية أمة مرموقة، وتحظى بمكانة معترف بها بين الأمم، يقوم العربي باستدعاء التاريخ، ويستدعي أسماء عدد من مشاهير الطب والعلم الذين نبغوا في أزمنتهم، ولا ينجح العربي في أن يقدم من هؤلاء المشاهير ما يعزز الثقة بالنفس والأمة، في زمن العصرنة والتطور التكنولوجي الهائل، الأمر مختلف بالنسبة للشعب الفلسطيني الذي يعتز بانتمائه للأمة العربية، فيقدم لها قائمة طويلة من الزعماء والقادة على مذبح النضال التحرري ضد استعمار استثنائي لا تتوقف مخاطره، وأطماعه عند حدود ارض وشعب وتاريخ فلسطين. على كل حال لا أجد متسعاً للمرور حتى ولو بكلمات مقتضبة على تاريخ هذا الزعيم، ولكني أود التركيز على درس البداية، والذي ينطوي على مفارقة ذات قيمة سواء فيما يتعلق بالزمن السابق أو الزمن الراهن.
الأمر يتعلق بتساؤل مفعم بالتفاؤل إزاء نضج الشباب وكل قيادات الثورة، ومفجروها كانوا من شباب العشرينيات من أعمارهم بحيث أدركوا بالقول والفعل، مدى الضرورة لبلورة الهُويّة الوطنية الطلائعية للشعب الفلسطيني، ومدى الضرورة، لاعتماد الكفاح المسلح سبيلاً للخروج الإيجابي الفاعل عن الوصاية العربية، والتمرد على حسابات النظام العربي الرسمي، وهي حسابات معقدة وشائكة حتى لو كان زعيم تاريخي كبير مثل الراحل جمال عبد الناصر هو الذي كان يتصدر المشهد العربي.
كانت الحكمة تقول «لا يحكّ جلدك إلاّ ظفرك»، فما كان للشعب الذي خططت الدوائر الاستعمارية والصهيونية، لتغييبه عبر إذابته في محيطه العربي، ما كان لهذا الشعب إلاّ أن يحمل راية الإعلان عن وجوده بقوة، والإعلان عن هُويّته، وأن يفرض عبر زمن النضال، حقيقة وجوده التي لا يوجد على الأرض ما ومن ينكرها.
هذا الإيمان بقدرة ونضج الشباب الفلسطيني، يجعلنا نتساءل عن دور القيادات، التي تتحدى الزمن بطول أعمارها، إزاء مسؤولياتهم في إفساح المجال واسعاً أمام شباب يمتلكون قدرات هائلة عقلية وتكنولوجية، ومعارف، وطاقة بدنية وتستحق أن تحوز على الثقة التي حازت عليها القيادات الشبابية التي مثلها عرفات ورفاقه في زمانهم الأول.
الآن وفي الذكرى الحادية عشرة لرحيله، يكشف اللواء عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، رئيس لجنة التحقيق الفلسطينية عن أن التحقيقات التي أجرتها اللجنة توصلت إلى معرفة العنصر التنفيذي، الذي بالتأكيد ستكشف التحقيقات معه هُويّة الجهة التي دفعته ووقفت خلفه.
ثمة من يعتقد أنه كان على الطيراوي أن يكشف عن اسم وهُويّة مرتكب الجريمة وأن يفتح الملف على اتساعه، الأمر الذي سيفك عقد وشيفرات ظلت غامضة كلها ما عدا أن الشعب الفلسطيني بأسره مقتنع بأن إسرائيل هي المسؤولة وليس بالمعنى الحصري عن هذا الاغتيال السياسي.
على أن فتح هذا الملف، يحتاج إلى دراسة متأنية ومسؤولة من قبل القيادة الفلسطينية، حتى لا يتسبب التسرع في ردود أفعال غير محدودة، ومن قبل أطراف ربما تحرص القيادة على أن لا تضعها في خانة الحرج أو الاتهام، ذلك أن فتح الملف مثلاً يفترض أن يعطي إجابة عن نتائج التحقيقات المخبرية الفرنسية والسويسرية والروسية. هذا الإعلان يضع بين يدي القيادة سلاحاً آخر مثله مثل ملفات جرائم الحرب الإسرائيلية، والموقف من اوسلو واشتراطاته وقيوده، ما يستدعي تحضير الذات، قبل أن تقرر القيادة كسر الزجاج الهش، لأن ذلك يعني الانتقال إلى مربع الصراع المفتوح.
ياسر عرفات.. الجائزة الذهبية
بقلم: موفق مطر عن الحياة الجديدة
قبل حوالي اربعة واربعين عاما زار ابو عمار معسكر حركة فتح بمنطقة مصياف غرب مدينة حماه بسوريا، فكان ذلك اليوم - الرابع من آب من عام 1971 - مميزا لشاب مثلي يحظى بأداء التحية للقائد العام ومصافحته، أثناء مهرجان تخريج دورة الفدائيين بحضور الآلاف من الفلسطينيين من مخيم العائدين بالمدينة والسوريين (الحمويين) الذين يشهد لهم التاريخ بحسن استقبال زعماء الأمة المميزين فأهل المدينة يشهد لهم سجل تاريخها انهم رفعوا الزعيم جمال عبد الناصر على اكتافهم بسيارته، وشهد ياسر عرفات بخطابه لوطنية أهلها في مهرجان تخريج فوج الفدائيين عندما قال: "انها القاعدة الثانية لفتح".. لم يذكر اسم القاعدة الأولى لكن سجل الشهداء الفتحاويين السوريين من أبناء مدينة ابي الفداء كان احدى علامات شهادة ابي عمار التاريخية.
في اليوم التالي ذهبت لمدرستي الثانوية (ابي الفداء) متباهيا لكوني ارتدي (تي شيرت) رياضة أبيض فريد من نوعه، فابنة عمي طرزت بناء على طلبي شعار العاصفة من ناحية الصدر بالخيطان الملونة، فكنت أول من لبس قميصا مطروزا بشعار العاصفة كما اعتقد.. وصلت متأخرا حوالي عشرة دقائق عن بداية درس التربية الدينية فوقفت عند باب الفصل لأستاذن معلمي الدخول، فسألني اثر ابتسامة بدت على محياه: "هل قابلت أبي عمار في مصياف بالأمس"؟ فأجبت: نعم، قال: "هل صافحته؟" فأجبت: نعم، فقال سأسمح لك بالدخول لأمرين: لنشم منك رائحة أبي عمار، و" كرمال شعار فتح".
كانت ليلة متفجرة من يوم دموي من العام 1983، يومها جنّت فيها راجمات المنشقين وحلفائهم المحميين بمدفعية جيش الأسد الملتهبة بطرابلس شمال لبنان، الصامتة الصدئة على جبهة الجولان، عند الفجر خرج الختيار(أبو عمار) من مكتبه مشمرا عن ساعدية وساقيه متهيئا للوضوء، فلمحني وبضعة مرافقيه في المكتب المندهشين من صور التقطتها لأفراد من قبائل "الهدندوة" بشمال السودان حيث كان معسكر القوات الفلسطينية "قوات قادسية بيروت" والقرية السودانية الصغيرة (سنكات) حيث كانت عائلات لمقاتلين الفلسطينيين تقيم، فطلب منا رؤية الصور، ناولته اياها وأرفقتها بقولي: "هذه هي البيئة الصعبة التي نحياها يا أخ أبو عمار"، وقصدت من قولي تعريفه بصعوبة التعايش مع الطبيعة وأهل المنطقة المجاورين فهم رغم طيبتهم الا انهم يعيشون حياة بدائية.. فصدمني القائد في تلك للحظة من الفجر عندما رد علي قائلا: "ما تنساش يا ابني ان لهم وطن".
قبل هذا الدرس البليغ، بالليلة السابقة كان مقاتلون اصدقاء من قوات قادسية بيروت القادمين الى طرابلس لبنان من معسكرهم بالسودان قد طلبوا مني التقاط صورة للذكرى، وفيما أنا اتهيأ لأخذ زاوية مناسبة شعرت بقبضة على أعلى عنقي وبعبارة: "يالله كفاي.. عندنا شغل" فالتفت وأنا أردد: "بالله لحظة.. لحظة" ظنا مني ان احد المقاتلين الأصدقاء يمازحني بتعطيل التقاط الصورة، لكنه كان القائد ياسر عرفات الذي كان يتفقد جاهزية قواته، وعند الفجر كان القائد على رأس مجموعات المقاتلين الذين استعادوا مخيم البداوي وصلى في الجامع الذي أقسم ان يصلي فيه.
عندما اعطاني الأخ محمود العالول (قائد عملية أسر الجنود الستة في جبل لبنان) فيلم النيجاتيف الأسود والأبيض لاظهاره وطبعه لم اكن أعلم اني أحمل بين يدي كنز عظيم، فكل ما ابلغني ان الشريط مهم جدا، لأكتشف بعد تظهير الفيلم وطباعة الصور أنها أطياف الجنود الاسرائيليين الستة الأسرى الذين قرر ابو عمار مبادلتهم بآلاف الفلسطينيين الأسرى في معتقل انصار، يومها رفع القائد ياسر عرفات صور الأسرى أمام عدسات الصحفيين فيما قطرات الماء ما زالت تنقط من زواياها، فالوقت لم يسعفنا لتجفيفها. ربما يعلم الآن صديقي الأرمني "جاكوب" اني طبعت أهم صور فوتغرافيه في الثمانينيات "بدارك رووم" الاستديو رالذي يملكه وسط مدينة، طرابلس شمال لبنان، فهو قد أخلى لي المكان عندما طلبت اظهار الفيلم وطبع الصور بنفسي.
ربما يعرف الجمهور الفلسطيني الصورة الفوتغرافيه (البوستر) التي تجمع القائدين أبو عمار وأبو جهاد، التي يظهران فيها بقامتيهما وخطويتهما وتعابير وجهيهما المشتركة وكأنهما توأما الفكرة والهدف، هذه الصورة التي ما اظهرتها للعلن الا بعد استشهاد القائد أبو جهاد، فقدمتها هدية لمناسبة عيد ميلاده بحفل اقامه الأخ أبو العبد خطاب– رحمه الله– قائد الساحة في اليمن الجنوبي حينها وقائد معسكر الأشبال والزهرات بعدن حينها 1989.
فك ياسر عرفات العقدة الوردية وفتح الصورة فاغرورق الدمع بعينيه، وقرأ ما كتبت له على زرقة السماء الواصلة بين روحه وروح أبي جهاد: " سنبقى نحبك ما دامت فلسطين في قلبك" فلفها متأثرا وسلمها لأحد مرافقيه، وفي المساء وعند استقباله لنا في الاستراحة الخاصة بعدن وعندما صافحته تذكر"الصورة الرسالة" وراح يتحدث للاخوة القادة أعضاء اللجنة المركزية واعضاء المجلس الثوري والكوادر الفتحاويين عن الصورة واعجابه بها فقال لهم: "موفق عامل صورة لي مع الله يرحمه انما ايه.. عظيمة " فقلت له فيما ممسك بيدي بحرارة: "استأذنك بطبع هذه الصورة لتدخل كل بيت فلسطيني" وفعلا كان التاريخ منصفا، فقد دخلت صورة أبي جهاد وأبي عمار أرض الوطن معا افواج المقاتلين العائدين لأرض الوطن في العام 1994. فنلت جائزة هي أثمن من ذهبية وأعظم من دولية.
انتفاضة القدس . . معيقات يجب تجاوزها
بقلم: وليد القططي عن وكالة معا
ذاكرة التاريخ الفلسطيني الحديث و المعاصر مليئة بتجارب الثورات و الانتفاضات في عهد الاحتلالين البريطاني و الصهيوني التي لم تحقق اهدافها وتم اجهاضها دون أن تبلغ غايتها بسبب عوامل ذاتية داخلية و أًخرى موضوعية خارجية , تكاملت فيما بينها وأدت إلى الفشل في تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية وفي مقدمتها التحرر من الاستعمار وإنجاز الاستقلال الفلسطيني. وكي لا تلقى انتفاضة القدس الحالية المصير نفسه من المفيد أن نسلّط الضوء على بعض المعيقات التي تحول بين الانتفاضة ونجاحها ، ونضع الخطوط العريضة لتجاوز هذه المعيقات أملاً في الوصول إلى أهدافنا الوطنية في التحرر والاستقلال والعودة.
أول هذه المعيقات هي استمرار هيمنة الفكر السياسي الذي قاد الشعب الفلسطيني إلى مرحلة أوسلو على القيادة السياسية الفلسطينية الرسمية . وهذا النمط من الفكر السياسي الذي استند إلى فرضيات خاطئة تفترض إمكانية زوال الاحتلال بالمفاوضات و الضغط الدولي و التدخل الأمريكي دون ضغط المقاومة لا زال مهيمناً على القيادة السياسية الفلسطينية و لم يتغير بطريقة جوهرية , وبالتالي فإنه يهدد انتفاضة القدس عن طريق امكانية الاستجابة للمبادرات و المشاريع السياسية التي تُعطي الفلسطينيين انجازات وهمية لا تحقق طموحات الشعب الفلسطيني و لا تتناسب مع تضحياته الكبيرة لنيل حريته و تحقيق استقلاله يكون هدفها إنقاذ الكيان الصهيوني من مأزق الانتفاضة و ليس تخليص الشعب الفلسطيني من الاحتلال . ولا مجال لتجاوز ذلك إلا بالتخلي عن هذا الفكر السياسي الذي أنتج لنا أوسلو واستبداله بفكر سياسي يركز على التمسك بالثوابت الوطنية و تحقيق الأهداف الوطنية وأولها انسحاب الاحتلال و تفكيك الاستيطان ، و يعتمد نهج المقاومة طريقاً للتحرير بدلاً من نهج المساومة.
وثاني هذه المعيقات هي استمرار الانقسام الفلسطيني مع استمرار الانتفاضة ، فتصبح الانتفاضة بلا رأس أي بلا قيادة موّحدة لها ، وبلا أُفق سياسي أي بدون هدف سياسي موّحد لها مع اختلاف الأهداف المرجوّة منها ، وربما تناقضها مما يؤثر سلبياً على مصداقيتها واستمراريتها ، و الأخطر من ذلك هو أن يظهر هذا الانقسام في فعاليات الانتفاضة الميدانية فيشتت الجهد و يضيع بدلاً من أن يتوحد و يستثمر لخدمة الأهداف الوطنية الجامعة. و لتجاوز ذلك لا بد من انهاء الانقسام و تحقيق الوحدة الوطنية بالالتفاف حول مشروع وطني فلسطيني يتمسك بالثوابت الوطنية ونهج المقاومة. وإن عجزنا عن ذلك فلنتوحّد حول أهداف الانتفاضة الحالية على الأقل في إطار مشروع وطني مقاوم لتحرير الضفة الغربية ، وإن عجزنا عن ذلك فلا خيار أمامنا سوى تكوين قيادة شبابية لكل محافظة تنسق فعاليات الانتفاضة على مستوى كل محافظة.
و ثالث هذه المعيقات هو استمرار الانتفاضة على نفس الوتيرة و المستوى دون تطوير لفعالياتها أو تصعيد لنضالها ، فتظل مقاومة شعبية على الحواجز بالحجارة والمولوتوف و عمليات فدائية فردية بالسكاكين والدهس ، قد يتأقلم معها العدو ويتحمل ثمنها على المدى البعيد ، و يحوّلها الى عملية استنزاف مضادة للشعب الفلسطيني اقتصادياً و بشرياً عن طريق تشديد عمليات القمع وحصار المدن والإعدامات الميدانية والحرب النفسية وغيرها . ولتجاوز ذلك من الضروري تطوير و تصعيد فعاليات الانتفاضة مع الزمن و بالتدريج و إيجاد استراتيجية لتعّظيم خسائر العدو البشرية والاقتصادية . و في هذه الاستراتيجية لا بد من تعدد وتنوّع وتكامل أساليب و أدوات النضال ليشترك فيها كل الشعب الفلسطيني و مؤسساته المختلفة ابتداءً من المنظمة و السلطة و انتهاءً بمؤسسات المجتمع المدني مروراً بالفصائل و الحركات الوطنية والإسلامية .
ورابع هذه المعيقات هو وجود السلطة كحاجز بين الاحتلال و المقاومة ، حيث أن وجود السلطة مرتبط باتفاقية أوسلو التي تفرض عليها كبح جماح الانتفاضة لإنهائها أو إبقائها منخفضة الموجة كي لا تصل إلى مرحلة تفقد فيها السيطرة على الوضع في الضفة الغربية نتيجة لما قد تفرزه الانتفاضة من فوضى و فلتان أمني –أسوة بالانتفاضتين السابقتين – وارتباط ذلك بالانقسام وسيطرة حركة حماس على مقاليد الأمور ، . ولتجاوز ذلك لا بد من فك الارتباط بين الانتفاضة و الفوضى بالحفاظ على مؤسسات الشعب الفلسطيني مادياً(الحفاظ على الممتلكات العامة) و معنوياً (الحرص على مواصلة عملها) ، وأن تصبح السلطة أحد أهم رافعات الانتفاضة و العمل الوطني عن طريق دعم صمود الشعب الفلسطيني بالمحافظة على استمرار حياته الطبيعية قدر الإمكان في ظل الانتفاضة.
عندما غادر الفلسطينيين فينيقهم – ياسر عرفات ما زال يحلق في فضاء المكان
بقلم: مجدي شقورة عن وكالة PNN
لخريف باريس، حكاية سقوط الورق، حكايات من لغز عبور العمر ضفاف نهر السين، ولشتائها وخز الإبر حين يدغدغ المعطف الأسود بين زمن الخريف وإبان الشتاء تبدو الأماكن موحشة، هي وحشة التيه رغم ازدحام الشوارع، وشارة الضوء الحمراء يهش المطر بعصاته جموع المنتظرين إلى موقدة الدفء، حيث سيف البرد يقطع ضباب الأنفاس, أعرف يا أبي أن الطبيعة لا تساوم، لكننا نحن هنا كما رسمت أنت تاريخ المسيرة، نحن خراف الرب، وعصاك قبلة وجهنا، ومن عصاك كثر في المؤخرة وفي المقدمة، على الميمنة كان طابور جواسيس الانتظار، وعلى الميسرة ما تيسر من وفاء، ولأن الحواريين جنودك وجنود الله المجهولين وحدتنا الموقدة.
لتشرين في العام الرابع بعد الألفين تقطعت أنفاس الوقت في استثناء أدوات القياس، وبعكس صقيع العاصمة كانت أنفاس الغرف تحتبس السؤال، حين ناخ برج ايفل لتتربع على هودج السؤال، تدافعت رجالات العواصم وسرى العسس على أسرة المستشفيات، واشنطن ترقب ضيف ايفل, وموسكو ترسل آخر راقصات الباليه لساحة الباستيل، وتل أبيب توزع طرداً من النمل الأحمر ليحتل قوس النصر، وقاهرة العرب تشيع لاعب العرائس إلى ساحة الكونكورد،
وحده نابليون بونابرت شق ابتسامته وقهقه ضاحكاً من سوء حظه العاثر أنني لم أحاصر ياسر عرفات في عكا.
لشهر الصوم بدر قمر، غاب قمر رمضان هذا العام، لكنك سيدي الرئيس بدرنا، ولأنك الزاهد الناسك العابر لكل منافي الرب لم تلقي عباءة الكبرياء يوماً، حين قطع حطابو السياسة كل أغصانك في المقاطعة، وجففوا الوقت والماء وأرادوك طريدة يابسة، وسدوا هواء البحر، ورفعوا شارة الدعاء لك بالشفاء.
لرام الله رب من حبر، ولباريس قلب من شيراك، لم يشركوا بك يوماً ككل الرجال المؤمنين، كسروا أغلال الحصار وشدوا لك ناقة صالح، فصارت لها أجنحة من وقت، وككل النوق غسلت وجه صباحك بحليبها، فيما تطل قبل الرحيل على قبة الوقت في أقصى القدس، دون أن تعطينا موعداً لساعة يوم القيامة، عرج قلبك يا سيدي الرئيس إلى أردن النهر، فقفزت خطى السيد المسيح تبارك غيابك في الشهر الرمضاء.
أذكر وأنا الصبي المعلق بين نكبة وفجيعة، أنني كسرت صندوق الأسرار حين خاطبت بكل ما في القلب من وجع، رجل من رجالات فرنسا، متسائلاً إلى متى يمتد انتظار الموت، رمقني برجولته المعبأة بالوفاة، وهزني بعض من جوابه، حين بدد شكوكي الفائض من خوف الموت قائلاً: “نحن لا نسكب فخار إنسانيتنا على التفاصيل الصغيرة، وفرنسا لا تعرض تاريخها في المزاد”، تقطع خط الهاتف، ليبرد أذني الثالوث المقدس للثورة الفرنسية أخوة، مساواة، حرية.
لكل العواصم ضواحي، وضاحية كلمار بغربي باريس علقت فنارها لتكن قبلة تشوح إليها دعوات الرجاء وصلوات الشفاء التي رفرفت على مستشفى بيرسي، حين حطت ناقة صالح بك يا أبي ولأننا تاريخ من خيام, خيمة اللاجئ, وخيمة الفدائي, صار لنا خيمة انتظار نتكدس حول سارية روحك التي حارت عليها علوم الأطباء، فكان التأويل والتعليل وصار المبشر والمفسر، شدتني يا أبي أرجوحة خالد بن الوليد على ضفاف العاصي، حين عصا موته على وثير الفراش, خانكما تابوت الموت في ساحات الوغى، وكأن الرب لم يشأ لكما موتاً معمداً بالدم، لكنه ساوى بينكما في غربة الروح.
أطل عليّ العراف حين فسر لي غصن الزيتون والبندقية، وأخبرني سرك قائلاً: “أسرج لكم أبوكم قنديل زيت الزيتون، ليكن نوركم، وأودع على كتف صبي نار بندقية ليشعلها حين تناديكم حجارة أسوار القدس.
انصرف العراف، وانصرف الوقت، وغابت شمس باريس الطويلة، لتجمعنا كسرات خبز إفطار رمضان، الصوم هنا له عجلات من عجين، ولهفة الانتظار لا تحرق وجه الرغيف، لكنه يا أبي له طعم المرار، حين كنا معلقين على مشانق الانتظار، صار الأطباء بلا أفئدة بيضاء منتظرة بشراهم، لكنهم كانوا في حداد الكلام.
آه يا أسود حين ينطفئ قنديلك يا أبي ينزرع الخوف شوك، وشارع الشانزليزيه يمد ذيله نتبعه إلى مقهى الانتظار، كان وتر العود يسبح في المجلس العربي حتى لا يداهمنا النادل بكأس من فراغ، صمت المكان يتدحرج المقام العراقي على أنين خد بغداد هنا، وأنت يا أبي تشم رائحتها، وتكره غياب صديقك الرئيس صدام حسين، لك من بغداد مقامات تهدهد نومك حتى لا يزعجك هدير الطائرات، وذكرى الحرب الجزائرية، وضجيج الانتخابات الأمريكية.
الطبيب هنا جنرال، وأنت سيد الجنرالات، لم تنزع يوماً مسدسك من على خاصرة الوطن، لكن الجنرال هنا يا أبي كان ينتصر علينا برتابة الكلمات (الحالة مستقرة)، لكن الزمن يكره الرتابة، وأنا كافر بكل ما هو مستقر، لدغني عقرب الساعة حين كانت بتعداد أصابع كفي، ونصف قمر.
هو الرابع من تشرين نوفمبر، حين رن الهاتف قاطعاً ما تصدح به كوكب الشرق، في الحي السادس عشر الباريسي، عبر صديقي الفرنسي عن ترددات قلبي، هو صديقك يا أبي، أتذكر حين حاصرتك دمشق في طرابلس الشام، حين جاءك في البحر ليحملوا سفنك من رحيل إلى رحيل، لتحط في قاهرة المعز، بعد أن أغلق قطاع الطريق نهر بردى، تعامدت كلمات صديقي كأنها صليب ياسوع المسيح ليوجز الموت قائلاً: “أؤكد لك أن ياسر عرفات توفي للتو”.
أغلقت الهاتف، وأنا أدرك أنني أغلق صفحة من صفحات التاريخ، صار للتاريخ موت، وأنا أغفل إن كان لي ولادة جديدة، وفي جدل الموت والحضور انكسر صندوق الذاكرة، تدحرج في قلبي حين التقيتك أول مرة يا أبي، يومها غرست في بعضاً من سرك، تذكرت أول هداياك لي، وأول هاتف جمعنا، وما تلاها من أسرارك وأسفاري، باغتني صديقي خالد حين عاين وجهي الشارد في حضرة موتك قائلاً: “هل سقط برج ايفل؟ هل اختفت لوحة الموناليزا من متحف اللوفر؟ هل غير نهر السين مجراه؟”، أجبته بما تبقي لي من كلام لقد مات أبو عمار للتو.
ألجمته عبارتي، سقط رأسه على كتفي، صعد صراخي درجات سلم روحي، صرخت ضد دموع صديقي “أبا عمار لا يموت، أنت موت وأنا بعكس الموت”، سقطت الموسيقى التي كانت تعبئ المكان، انسحبت خلف الستارة السوداء، استقام جميع من في المقهى في دهشة الحيرة، سقطت مني ابتسامة صغيرة على حافة فنجان القهوة، كنت قد خبأتها في آخر لقاء لنا يا أبي.
ولأن الموت ينجب الذاكرة لتقوى على الحياة، ذاكرة عودة ياسر عرفات إلى الوطن، أذكر في مقطع من شريط الذاكرة، يوم كنت برفقة صديقتي الناشطة الفرنسية ماري بول, ونحن نسير بالقرب من مكتب الرئيس ياسر عرفات، إصرارها على لقاء الرئيس والسلام عليه, تعجبت من استعجالها لكن إرادتها كانت أقوى من تساؤلاتي، حين نجحت في لقاء الرئيس ياسر عرفات، حاولت الاستيضاح عن هذا السر، فأخبرتني أنها تعرف ياسر عرفات منذ زمن بيروت, صمتُ ثم اكتشفت هذه الحادثة، وكانت لي درساً تعلمته عن بعد (صافح كل من يخدم شعبه وقضيته)، هكذا كنت معلمنا يا أبي دون أن نجالسك أو تقص علينا المسيرة.
قطع صديقي خالد الذكريات بصفعه سؤال مباغت: “أحقاً هو الموت، نعم لقد حضر الشيخ التميمي إلى فرنسا على عجل، كنت أظن أن تلاوة آيات الشفاء لن تعيق تحليق روحك إلى بارئها، ولأني من ذاكرة ورقية، رفرف أمام وجهي كفن، أدركت أن الماء محلى بالياسمين سيسكبه الشيخ على ما تبقى من جسد, لن يغالبه الشك، فكما أنت حقيقي، موتك صار حقيقة، صار جثمانك جناحي فرس ككل الأنبياء المهاجرين، ولأنك من ماء الفضة مرآتك وجهك, لم يغب في حضور الموت، ولكن كان هناك من يفتش عن ميراثك يا أبي، فتحوا رقعة الشطرنج، ورصوا البيادق، وسكنوا القلاع, سرّجوا الأحصنة، ملك ووزير, فتحت بطن اللعبة، صرخت الزوجة من يرثك يا أبي؟.
هل أصبحت عقد لؤلؤٍ يعلقوك في رقابهم، ويوزعوا حباتك على المحظيين والمحظيات، صرخ قلبي على عجل، لا أنت وطن ونحن حبات مسبحتك التي أحصيت على ظهرها ساعات صبر النصر، لن يرثك يا أبي غير الأرض، أنت وديعة التاريخ، كشّ العراب بيدقاً على الرقعة السوداء ثم ابتسم، تعرى ظهر الملك, قفز الوزير الغفير يعقد الصفقة، فالمصعد الذي توقف في الدور السابع لينزل حقيبة النقود ويكمل الملك الجديد عرفناه للعراب.
ولأنني يا أبي من وفاء، أذكر كيف انحنى الرئيس شيراك بقامته العظيمة معاتباً موتك بالقول: “رحلت ولم تفي مكرهاً بوعدك لي بالصلاة في القدس”، ولأن وعد الرجال تنوء به الاكتاف، سأحمل وعدك يا أبي، أيقونة في عنق الأجيال.
كان لصديقك الرئيس شيراك صدقاً في حياتك وصديقاً، والآن يا أبي هو يودعك بكل هيبة تاريخ فرنسا وحب ياسر عرفات, هناك في مطار بورجيه العسكري في العاصمة الفرنسية مشهد مهيب، أكتاف الرجال ترفع قامتك الملفوفة بعلم فلسطين على وقع نشيد الحرية، ترفعه بكل خشوع إلى حيث الطائرة في انتظار زفة عرسك، وهل لنا من عريس أجمل منك حتى في حضرة الموت ورهبة الفراق، ودعتك فرنسا على إيقاع تاريخ حريتها، وفرشت لك السماء بالعصافير المهاجرة لكى تكون ظلك، وأنت تقطع بطن البحر لتحط في قاهرة المعز نبياً، اصطفوا في وداعك الأخير في القاهرة، كانت لك دوماً حضنك الدافئ التي وإن أنزلت أشرعتها يبقى نيلها يسري وطميها ينتظر البذار، حطت ناقة صالح، آخر عشاقها أنت على صخرة الانتظار، هناك حيث القبر المؤقت والبحر المؤقت والصلاة المنتظرة، هبطت يا أبي، توضأت بماء عين الحلوة، وقبلت طفلة من اليرموك، وصافحت رفيقاً من الوحدات، واستعرت سجادة الصلاة من غزة, إنا أنتظرك لتعلن صلاة العيد في بيت هاشم.