-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 275
اقلام واراء عربي
في هذا الملف
من أسرار توقيع اتفاق التهدئة حول حماس
د. مهند مبيضين عن الدستور الأردنية
الفلسطيني بين المطرقة والسندان
ماهر ابو طير عن الدستور الأردنية
حماس وإسرائيل أو العكس
حسني عايش عن الرأي الأردنية
دعوات إسرائيلية لإحياء مبادرة السلام العربية !..
سلامة العكور عن الرأي الأردنية
عن تنظيم الجنون الحميد
تميم البرغوثى عن الشروق المصرية(يهاجم الإخوان وينتقد حماس)
واجب الفلسطينيين ان يقولوا: شكرا ليبرمان
توفيق رباحي (كاتب وصحافي جزائري) عن القدس العربي
أحمد جبريل والقضيّة
حازم صاغيّة عن الحياة اللندنية
ملهاة الكونفيدرالية
محمود الريماوي عن دار الخليج
خطاب مشعل في غزة
فايز رشيد عن دار الخليج
المفتونون بـ “ديمقراطية” الكيان
أمجد عرار عن دار الخليج
هل نعيش مخاض الانتفاضة؟
بركات شلاتوة عن دار الخليج
استقالة “المتنمر” إفيجادور ليبرمان
د. سلطان عبد العزيز العنقري عن المدينة السعودية
خطف الرئيس
حمدي رزق عن المصري اليوم
اﻟﺳﻼح ھو اﻟﺣل!
ﻋﻣﺎد اﻟدﯾن أدﯾب عن اﻟﺸﺮق اﻻوﺳﻂ
القومية العربية والإسلام السياسي
نصيف الجبوري عن الزمان العراقية
من أسرار توقيع اتفاق التهدئة حول حماس
د. مهند مبيضين عن الدستور الأردنية
الرئيس مرسي كان على أشد الحرص بأن يُثبت بأنه أفضل من سابقه، وأنه لن يخذل الأمريكان الذين توسموا به كل خير، هيلاري كلينتون كانت وصلت القاهرة، بعد تعسر التوقيع للمرة الأولى، التقت مرسي واقنعته بعدم الذهاب لقمة اسلامية في باكستان، وفيما الدكتور مرسي كان يشتهي إلقاء خطاب فيها لعله يعيد فيه شرح افكار أبي الأعلى المودودي ويطرح النموذج المصري الجديد للإسلام الجديد، فقد انتصرت ضغوط هيلاري على طموحاته في الاتجاه شرقا واستجاب لها، فالصيد كان ثميناً.
وحده مرسي الذي اختلف عن الأدوات القديمة في مصر مبارك، فضباط المخابرات المصرية أنجزوا التفاوض مع نظرائهم في اسرائيل، كالعادة، ووقع الطرفان بعد الجهد الكبير لهيلاري بالضغط على نتنياهو. أما مرسي فكان يراقب ما يجري، فالتفاوض خبرة اجهزة الدولة وليس الاكاديميين، وفي ذلك الوقت كان وفد تركي وقطر حاضرين في كل التفاصيل لكن بدون أدوار او أي جهد أو مهمات، ويضاف لهما الوفد الامريكي، الذي رافق هيلاري ووصل معها يوم 20/11/ 2012، أما سفير فلسطين في القاهرة د . بركات الفرا فحُرم من أي دور، واكتفى بان اتصل بالخارجية المصرية التي ابلغته بتمام الاتفاق ليُبلغ بنهاية، وهذا ما حدث، عندما اتصل بالرئيس عباس لزف الخبر له هاتفيا.
أُبرم الاتفاق، بعد ان انفض اكثر من اجتماع له دونما توقيع، واصرت قطر وتركيا على أن يوجه لهما الشكر على جهودهما، ليضاف إلى الجهد المصري، ومع أن دواخل المطبخ المصري الأمنية كانت رافضة، لأن الطرفين لم يقدما شيئا سوى الإقامة بفنادق القاهرة، بيد أن الرئيس مرسي قبل بإيراد دولة قطر وتركيا في صيغة الشكر الذي اعلن في نهاية البيان، أما الطرف الفلسطيني والممثل بخالد مشعل ابو الوليد فقد تنقل عدة مرات في القاهرة ليقابل مرسي ورجال المخابرات ومعه في القاهرة كان متواجدا رمضان شلح.انزعجت المخابرات المصرية من أمرين في سلوك قادة حماس، الأول برودة اعصاب قيادات حماس وتأنيهم، والذي يُفسر على أنه رغبة منها بإطالة عمر الحرب الأخيرة لتحصل الحركة وغزة على مكاسب أكثر وهو ما حصل فعلا بالحصول على اتفاق تهدئة طويل الأمد نسبيا بالإضافة لكسر الحصار.
والسبب الثاني لمبعث الانزعاج المخابراتي المصري، هو أن خالد مشعل يأتي ويقول لقادة الجهاز:» أنا حكيت مع الدكتور..» وبذلك يصبح وكأنه مجرد مُبلغ لهم بضرورة ما يجب عليهم القيام به، وهو ما جعلهم يصابون بخيبة أمل من انكار دور المؤسسة مبكرا في زمن الثورة، وتحولها لتابع.
في تلك الاثناء كانت الدبلوماسية الأردنية حائرة وتبحث عن فعل ينقذ تحييدها المبالغ به، فالأردن الذي يعي جيدا أن غزة لمصر، وهو لم يتدخل كثيرا حتى في الحرب الأولى، لكنه لم يتنازل عن رسالته الإنسانية هناك حتى اليوم، وجد أن الحل المتاح يكون بزيارة وزير الخارجية لرام الله والتقاء ابو مازن، بعدما ظهرت الخارجية الأردنية في زيارة مجلس وزراء الخارجية المشترك لغزة في صورة لا تتناسب ودور الاردن الانساني في غزة، وفي نظرة الغزيين المحترمة للأردن.
على العموم، كان الفعل للمخابرات المصرية مشكورة في صياغة اتفاق التهدئة الأخير بين سلطة غزة بفصائلها المتعددة من جهة واسرائيل من جهة أخرى، وبضغط من كلينتون على اسرائيل، ولكن ما أرادته قطر وتركيا تحقق، ويبقى أمر مصر من حيث انكسارها لا قدر الله او انبعاثها من جديد وهوما نتمناه برقبة الرئيس مرسي الذي نتمنى أن يعي تاريخ مصر جيدا، وأن الكل ينتظر منه صورة أفضل لدور مصر ومحوريته، فالثورة التي حصلت بها يجب أن تجعلها أكثر ثباتا وصلابة من أن تصادرها غيرها من الدول غنائمها السياسة وانجازات رجالها في أجهزة الأمن.
الفلسطيني بين المطرقة والسندان
ماهر ابو طير عن الدستور الأردنية
كما توقع كثيرون،تم الزج بالفلسطينيين في سورية في الصراع الداخلي،وطائرات الاسد تسترجل على مخيم اليرموك ومن فيه،فتقتل العشرات في مشهد لايختلف كثيراً،عن طائرات اسرائيل التي تقصف غزة وغير غزة.
الانظمة العربية تعتبر ان الفلسطيني رخيص ودمه بلا ثمن،وروحه بلا دية،ولااحد يطالب بها،ولان احمد جبريل زعيم القيادة العامة الفلسطينية،لم يتعلم من اخطاء التنظيمات الفلسطينية في دول عربية اخرى،فقد سمح بالزج بالفلسطينيين في هذه الحرب الدموية وهرب الى طرطوس حيث الاغلبية العلوية،حصنه الاخير.
في مخيم اليرموك،فلسطينيون مشردون،يريدون ان يعيشوا حتى يعود وطنهم المسلوب،ولان التنظيمات تتقاسم النفوذ في المخيمات،فقد كانت مهمة القيادة العامة قمع المخيم حتى يبقى موالياً للاسد،مقابل الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه دمشق الرسمية لجبريل.
النظام السوري قصف مخيم الرمل الفلسطيني في اللاذقية،وقصف مخيم الفلسطينيين في درعا،والجيش السوري الحر يريد السيطرة على مخيم اليرموك،وبعض مقاتليه دخلوا المخيم،والنظام السوري له رجال من رجال القيادة العامة فيه،والاشتباكات بين الطرفين تصاعدت،وكانت ذروتها قصف طائرات الاسد للمخيم وقتل الابرياء،ممن لاجمل لهم ولاناقة في هذه الحرب.
الفلسطيني مذبوح في الحالتين،اذا جلس ساكتا لامه الثائرون السوريون واتهموه بأنه اما عميل للنظام،او حيادي الى درجة الجبن،واذا اصطف مع الثورة السورية حرقته الدولة السورية،واذا حارب مع النظام السوري،ثأرت منه الثورة باعتباره يتجاوز اصول الضيافة.
وفي لبنان يتم حرق مخيم كامل وتشريد خمسة عشر الف فلسطيني وهدم بيوتهم من اجل ثلاثين مطلوبا،كان ممكنا تلقيطهم واحدا تلو الاخر،بدلا من حرق المخيم.
في دول اخرى يتم حرق الفلسطيني تارة لانه ضد صدام حسين،وتارة لانه مع صدام حسين،وتارة لانه سني،وتارة لانه بلا موقف،وهكذا تتوالى الضربات على رؤوس هؤلاء في كل مكان.
قلنا سابقا ان انزلوا عن اكتاف الفلسطينيين،لان الزج بهم في هذه المعارك ليس من مصلحتهم،لكنها افعال الانظمة والتنظيمات الوكيلة،وفي كل حالة يخرجون باعتبارهم فرق حساب وسط هذه المعادلات.
فلسطينيو سورية امام وضع مأساوي مقبل على طريق،واكثر من سبعمائة الف انسان،سيتم تشريدهم مجددا،لانهم اليوم تحت اتهام النظام والثورة معا،اذ لوانتصرالنظام فسوف يثأر منهم باعتبار بعضهم وقف مع الجيش الحر،او لانهم لم يقتلوا اخوتهم السوريين ولم يدافعوا عن النظام.
اذا انتصرت الثورة فسيتم الثأر منهم ايضا لانهم لم يتحركوا ضد النظام مبكراً كما يجب،ولان جبريل كان معششا بينهم مثل طير الغراب وبيضه في بيوت المساكين،وفي ازقة المخيم البائسة.
معادلة الفلسطينيين في سورية ممتدة الى فلسطيني لبنان،واكثر من مليون فلسطيني تحت تهديد جديد من الذبح والهجرة،وقد يأتون الى الاردن او تركيا او قد يتم رميهم في البحر،على يد صناديد العرب،والمؤكد انهم امام خراب بيت جديد.
هو الفلسطيني يمضي عمره بين المطرقة والسندان،في كل مكان،وهوايضا الذي تعد سيئته بعشر سيئات،فيما حسنته بحسنة واحدة،على عكس حساب الله للناس،حين تكون السيئة بالسيئة،والحسنة بعشر حسنات.
اسد علي وفي الحروب مع اسرائيل نعامة.
حماس وإسرائيل أو العكس
حسني عايش عن الرأي الأردنية
لا تهدف صواريخ القسّام على إسرائيل بعد إستيلاء حماس على السلطة بالقوة والانقلاب والاستيلاء (فهي إمارة إستيلاء لا إمارة إستكفاء) إلى إيقاع أية إصابة بشرية باليهود أو بممتلكاتهم الإستراتيجية. إن حماس حريصة على السلطة، فالسلطة هي الحياة أو البقاء بالنسبة لها وقد وصلت إليها بشق النفس أي عن طريق التفجيرات (الإستشهادية) في المدنيين اليهود، لتحصل على أثرها على شعبية فلسطينية هائلة أكتسحت بها الانتخابات التشريعية.
أما وقد حققت التفجيرات والصواريخ هدفها وهو الوصول إلى السلطة فلم تعد لازمة ويجب منعها. وإذا تمرّد عليها فصيل وفعل فإن الإعتذار الضمني لإسرائيل عنها واصل، والمشاركة في القصف بصاروخ أو إثنين لا يصيبان هو تذكير للجماهير المغفلة أنها لم تتخل عن المقاومة المسلحة وأن تمسكها بالسلطة لن يكبحها، فهي ليست مثل فتح بالسلطة التي تحافظ على أمن إسرائيل وتكبح كل مقاومة لها.
والحقيقة أنه لا فرق بين حماس وفتح سلطويا ً، لأن الهدف الأصلي لكل ٍ منهما كان – ولا يزال كما يبدو– من تصرفهما: الوصول إلى السلطة والتمسك بها لا التحرير، وأن المقاومة التي أوصلتهما إليها تنتهي حكما ً بالكرسي. إن موقف حماس من صواريخ بقية الفصائل يشبه موقف المرحوم عرفات أو فتح من صواريخ حماس.
في أثناء ذلك وعلى أثر كل قصف لإسرائيل بصواريخ قطاع غزة تعلن إسرائيل أنها قد تجتاح القطاع وتقضي على سلطة حماس ولكنها لن تفعل، لأنها تفضل الإنقسام الفلسطيني الحاصل على ذلك، فهي ليست مجنونة لتوحيد الشعب والسلطة في فلسطين في دائرة واحدة ضدها.
إن هدفها أن تكون غزة – قطاع غزة – أخيرا ً أي كل ما يمكن أن يحصل عليه أو يصل الفلسطينيون إليه ويساعدها في ذلك وجود سلطتين فلسطينيتين واحدة باقية في غزة وأخرى زائلة في الضفة. لو كان إلتزام مشعل وحركته بالوحدة الفلسطينية وبالمرجعية الواحدة صادقا ً لأتبع فوراً غزة بالضفة وطلب من السلطة تعيين محافظين في القطاع ليبدو موحدا ً مع الضفة في سلطة واحدة.
لعل ما كتبته غيورا إيلاف في صحيفة يديعوت أحرنوت في 25/ 10/ 2012م (الغد في 26/ 10/ 2012م) بشأن هذا الموضوع أوضح دليل على ما أدعي وخلاصته:
أن تصبح غزة والضفة الغربية كيانا ً سياسيا ً واحدا ً مصلحة فلسطينية ولكنها ليست مصلحة إسرائيلية.
وأن لإسرائيل مصلحة بالتحسن الاقتصادي في قطاع غزة كالذي تقدمه قطر له، لأن هذا التحسن ينشئ أملاكا ً تخشى سلطة حماس المس بها، فتصبح أكثر إعتدالاً وأكثر حذرا ً.
وإن إضعاف حماس لن يقوي سلطة عباس بل غيرها من المتطرفين.
ليس من مصلحتنا عزل حماس أو التأثير في توازن القوى في المجتمع الفلسطيني بل بالعكس: إن من الأفضل أن تكون حدود غزة مفتوحة مع مصر، لأن ذلك يجعلها تبدو للعالم أنها ليست تحت الحصار.
دعوات إسرائيلية لإحياء مبادرة السلام العربية !..
سلامة العكور عن الرأي الأردنية
أوساط صحفية ومراكز أبحاث ودراسات اسرائيلية تعرب عن مخاوفها من تطورات الوضع العاصف في المنطقة العربية .. فهي تتهيب من تداعيات الربيع العربي وتظهر قلقا متزايدا من عصف رياحه في دول الجوار , ويجتاحها كما يجتاح المجتمع الاسرائيلي رعب ملحوظ من احتمال امتلاك ايران قريبا لأسلحة نووية , لذلك تدعو هذه الاوساط حكومة اسرائيل وأحزابها إلى القبول بمبادرة السلام العربية والتفاوض مع الجانب الفلسطيني على أساسها .
مؤكدة أن ذلك سيكون في مصلحة اسرائيل حاضرا ومستقبلا , فحسب هذه الاوساط فإن تغييرات دراماتيكية قد تشهدها المنطقة مستبعدة أن تكون في صالح أمن اسرائيل ومستقبلها ومستقبل مشروعها الاستيطاني ـ التوسعي في القدس والضفة الغربية.. لا سيما وقد كان لصواريخ المقاومة في قطاع غزة مؤخرا والتي قصفت تل أبيب والقدس الغربية آثارها وأصداؤها في نفوس الاسرائيليين الذين هرعوا إلى الملاجئ مولولين ومتذمرين من خيبة أملهم ,لكن هذه الاوساط الاسرائيلية الواسعة تتمنى أن تكون مبادرة السلام العربية خالية من حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وخالية من قضية القدس الشرقية.
ولما كانت أوساط فلسطينية وعربية رسمية توافق على الرؤية الاسرائيلية هذه لاستئناف المفاوضات ,فإن فصائل المقاومة والقوى الحية والفاعلة الفلسطينية لن تقبل التنازل عن حق العودة وعن القدس الشرقية تحت كل الظروف.. وعلى افتراض قبول اسرائيل بمبادرة السلام العربية كما تراها وتقرؤها هي , فإن خلافات جذرية ستنشب في الصف الفلسطيني والعربي قد تؤدي إلى انقسام أفقي وآخر عمودي ..فحركتا حماس والجهاد الاسلامي مثلا وإن أظهرتا مؤخرا شيئا من المرونة ووافقتا على إقامة دولة فلسطينية على أراضي ال» 1967»بصورة مؤقتة كمرحلة أولى , إلا أنهما لن توافقا على الرؤية الاسرائيلية لمبادرة السلام العربية ..ولا أخال فصيلا واحدا من فصائل المقاومة يتجرأ ويقبل بذلك .
أما ملايين الفلسطينيين في دول الشتات فليس من مصلحتهم قيام دويلة على أراض مجزأة في الضفة الغربية ..فالمعروف أن الجدار العنصري العازل ومئات المستوطنات المأهولة بقطعان المستوطنين قد جزأت الضفة الغربية والقدس الشرقية وضواحيهما..ولم يتبق ما يستحق التفاوض حوله..اللهم إلا إذا كانت السلامة الذاتية للبعض ورضا واشنطن هما الغاية ..
على أي حال نستبعد استئناف المفاوضات على أساس هكذا مبادرة سلام عربية تنتقص من الحقوق الوطنية الفلسطينية ..والرفض هذه المرة سيكون من الجانب الفلسطيني بصورة خاصة .. فصواريخ المقاومة التي قصفت تل ابيب والقدس الغربية بعد مناطق النقب والجليل متزامنة تقريبا مع الفوز باعتراف دولي رسمي بعضوية غير كاملة للدولة الفلسطينية ستعزز حتما من صلابة الموقف الفلسطيني ..وأول الرقص على الربيع الفلسطيني حجلان ..
عن تنظيم الجنون الحميد
تميم البرغوثى عن الشروق المصرية(يهاجم الإخوان وينتقد حماس)
ما بين عقل القيادة الحالية لمكتب الإرشاد وعقل القيادة الحالية للمعارضة، مساحة واسعة للجنون.
لم يبق مكتب الإرشاد للجماعة صاحبا: الليبرالى المهتم بحقوق الإنسان رأى تعيين وزير داخلية كان مسؤولا عن إطلاق النار على عيون الناس فى خريف 2011، والاشتراكى المهتم بالعدالة الاجتماعية رأى قرض صندوق النقد الدولى وتشريعات تجرم الإضرابات العمالية وتتيح حل النقابات، والقومى والإسلامى وسواهما من المهتمين بالاستقلال والتحرير والهوية رَأَيَا حلفهم الاستراتيجى مع الولايات المتحدة وبقاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، وإغلاق معبر رفح أمام الناس والبضائع وفتحه أمام الكاميرات، وحين نشبت الحرب فى غزة لم يزد الأمر عن سحب سفير وإرسال رئيس وزراء قصفت غزة وهو فيها. ولولا انفلات الأمن فى سيناء العامين الماضيين، مما سهل دخول الصواريخ الإيرانية طويلة المدى إلى غزة، لما استطاعت غزة صد العدوان الإسرائيلى. ومحاولة نسبة الانتصار إلى الوساطة المصرية مغالطة كبيرة، فقد حصل من قبل أن انتصر السلاح بلا وساطة، ولم يحدث من قبل أن انتصرت الوساطة بلا سلاح.
بل إنه يبدو واضحا أن ثمة اتفاقا غير مكتوب بين القيادة الحالية لمكتب الإرشاد وبين واشنطن. ها هى غزة تخرج بإيعاز من القاهرة من حلف يزودها بالسلاح إلى حلف يعدها مجرد وعد أن يزودها بالمال، وتكف حماس عن كونها تهديدا عسكريا لإسرائيل مقابل فك الحصار عنها، وتُقصف الجماعات الجهادية فى سيناء وأنفاقها ويتم السيطرة على تجارة السلاح بينها وبين غزة، فتصبح لكل هذا الجبهة الجنوبية لإسرائيل آمنة. ثم الثورة السورية، والقاهرة مقر قيادتها السياسية، تمنع كلا من الجيش والمعارضة السوريين من أن يشكل أى منهما رادعا أو تهديدا لإسرائيل، وتخلق قوة معادية لحزب الله على حدوده الشرقية، وتهدده بحرب أهلية فى لبنان تشله عن تشكيل أى تهديد بدوره لإسرائيل، فتصبح الجبهة الشمالية آمنة كذلك. أما الجبهة الشرقية فتحميها اتفاقيتا أوسلو ووادى عربة، فلا يضرب إسرائيل إلا موج البحر. هذا كله مقابل اعتراف سياسى ودعم مالى من الولايات المتحدة ومؤسسات الإقراض الدولية.
●●●
ثم هاهو الدستور يسمح للأمن أن يعتقل أى مواطن لمدة اثنتى عشرة ساعة دون أن يعرف السبب ودون أن تتلى عليه حقوقه ولا أن يتصل بأهله ولا محاميه. ولا عبرة بأن الاعتقال مشروط بأمر قضائى، لأن الدستور لم يلزم رجال الأمن بإبراز الأمر القضائى للمعتقل. وهو يسمح بمحاكمة المدنيين فى محاكم عسكرية إذا أضروا بدكان حلوى يديره الجيش أو يعمل فيه مجندون. ثم هو يعفى الإمبراطورية الاقتصادية للجيش من الرقابة الشعبية، ولا عبرة بالقول إن ميزانية الجيش سر دفاعى، فأكثر نشاطات المؤسسة العسكرية مدنى. ثم إن الجيش سلاحه أمريكى وتدريبه أمريكى ومناورات نجمه الساطع أمريكية، وهو مقيد باتفاقية سلام تمنعه من حماية سيناء أو تهديد إسرائيل، ما يجعل أمريكا تعرف عنه أكثر مما يعرف عنه المواطن المصرى. ولست أدرى إن لم نكن سنحارب به إسرائيل فلمن نعده؟ أنعده لحرب العراق كما فى 1991 أم لقصف الأنفاق وحرب البدو كما فى 2012؟ إن هذا الدستور يترك سيناء رهينة بحسن نوايا تل أبيب، فهو يمنع أهلها من تسليح أنفسهم ليحموا أرضهم واتفاقية السلام تمنع الجيش من حمايتهم بسلاحه، ويحكم أجهزة أمنية وعسكرية تمويلها وتدريبها أمريكى فى رقاب الناس ويجعل قرار الحرب والسلم بيديها لا بيد الشعب.
●●●
طيب، لماذا إذن لا أرى الحل فى القيادات الحالية للقوى المدنية والمعارضة؟ لأننى، ومعى كثير من المعارضين، نخالف قيادة الإخوان لأنها ليست ثورية بما يكفى أو ليست ثورية إطلاقا أو هى ضد الثورة جملة، بينما أجد بين قادة المعارضة من يعادونها لأنهم يعتبرونها ثورية أكثر مما ينبغي! فقد يجد المرء من بين قادة المعارضة اليوم أناسا كانوا من وزراء المخلوع وقضاته وفى أتباعهم بعض ناخبى أحمد شفيق. فى المعارضة اليوم سجين سياسى سابق يرى أن الخطر على سيناء هو من حماس وليس من إسرائيل، ويصدق فعلا أن الفلسطينيين يريدون سيناء وطنا بديلا، وفيها مدون يعرف نفسه على أنه محب لإسرائيل وقد قبل دعوة من الجامعة العبرية فى القدس المحتلة ليلقى فيها محاضرة باسم الثورة المصرية. وفى المعارضة اليوم من يتمنى انقلابا عسكريا ويسعى إليه سعيا. وفيها من يذهب إلى البيت الأبيض يستفسر مفجوعا من الأمريكيين: لماذا تساندون الإخوان ونحن كنا حلفاءكم ثلاثين سنة؟! فيرد عليهم الأمريكيون: لقد خدمتمونا ثلاثين سنة ولكنكم فى النهاية كنتم فاشلين لم تضمنوا لنا مصر وثار الناس عليكم، الإخوان يضمنون لنا مصر وغزة وسوريا معا، ثم إننا نفضل أن يكون الإخوان فى الحكم وأنتم فى المعارضة على أن يكون الوضع معكوسا، أنتم حلفاؤنا بالخلقة، والإخوان حلفاؤنا بسبب الاحتياج، فيكون لنا حلفاء فى حكم مصر وفى معارضتها معا. أما إذا كنتم أنتم فى الحكم فلن يجد الإخوان فينا حليفا أيديولوجيا، وهم منظمون فهم أقدر على الإضرار بمصالحنا منكم، فإذا حالفناهم أّمِنَّاهُم، أما أنتم فنحنُ نَأْمَنُكم على كل حال. فى هذا الحوار، والذى أكاد أجزم أنه دار فعلا، قيادة الإخوان مدانة ومنافسوها على عشق واشنطن مدانون.
●●●
إن جنون الإسلاميين الحميد حين قرروا أن يحاربوا أمريكا وإسرائيل فى الثلاثين سنة الماضية، خارج مصر، هو الذى بنى لهم هذا التعاطف الذى كسبوا به الانتخابات والاستفتاءات فيها. لكنهم استخدموا هذه الشرعية فى الاتفاق مع الولايات المتحدة حين حكموا. إن قيادة مكتب الإرشاد الحالية حكمت بدماء المقاومة لكى تتخلى عنها. لا بد أن تكون بطلا ليكون لتعاونك مع الغزاة معنى. كان لا بد أن توقع بريطانيا اتفاقية 1936 مع الوفد، أكثر حزب معارض لها منذ 1919 لا مع غيره، لأنه يستخدم شرعيته التى أحرزها بقيادة ثورة 1919 ليبيعها فى 1936. وكان لا بد أن يحارب أنور السادات إسرائيل ليسالمها فى 1979، إن شرعيته «كبطل الحرب» ضرورية لكى يستطيع تمرير كونه «بطل السلام». وكان لا بد أن يسالم ياسر عرفات إسرائيل دون بقية القادة الفلسطينيين، لا بد أن يستخدم شرعيته التى أحرزها فى الكرامة وعمان وبيروت ليذهب إلى البيت الأبيض ويوقع اتفاقية أوسلو عام 1993. وكان لا بد أن يكون الإخوان والإسلاميون عموما هم من يبرمون عمليا اتفاق تحالف غير مكتوب مع الولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة كلها بعد الربيع العربى، بعد أن بنوا شرعيتهم على مقاومتها فى العراق وأفغانستان وغزة فى الأعوام العشرة السابقة. ولكن إذا أصبح الشريف نذلا فإن هذا لا يجعل النذل شريفا. لا تجوز مساندة وزراء مبارك وشيوخ قضاته لأن بعض معارضيه الإسلاميين صاروا يشبهونه. كما لم تكن تجوز مساندة حزب الدستوريين الأحرار أو الملك حلفاء بريطانيا القدامى لأن حزب الوفد صار حليفها الجديد.
●●●
ما العمل إذن؟
إن الكتلة الثورية فى مصر هى الأكثر عددا وحضورا فى الميادين، هم الملايين العشرة الذين صوتوا لحمدين وأبى الفتوح أو قاطعوا أو أبطلوا أصواتهم، ورفض أكثرهم الإعلان الدستورى ومشروع الدستور، ولكنهم أقل الناس تنظيما. إذا أسقطوا مبارك استفاد خيرت الشاطر، واليوم أخشى إن لم ينظموا، أن يسقطوا الشاطر لصالح قيادة المعارضة هذه بفلولها أو لصالح الجيش، وأن نستبدل بحليف أمريكا الجديد حليفها القديم. لا بد أن يكون لهؤلاء قيادة تمثلهم ولا تسمح لا للمباركين ولا للشطار أن يستغلوهم بعدُ. قيادة موحدة منظمة تكسر الاستقطاب الإسلامى العلمانى لها برنامج موحِّد: ضد السفارة الأمريكية وجندى الاحتلال، وضد ضابط أمن الدولة ورجل الأعمال.
إن الذى مات أمام الاتحادية وفى ظنه أنه يدافع عن الشريعة كان يرى فى خصمه وجه مبارك والأمريكان، والذى مات أمام الاتحادية وفى ظنه أنه يحمى الثورة كان يرى فى خصمه وجه مبارك والأمريكان، بينما كان هناك نسخ من مبارك فى قيادات الطرفين، أو فى صفوف المتفاوضين بأسماء القتلى من الجانبين، لا أسوى بين القاتل والقتيل، إنما أشير إلى بعض أوجه الشبه المقلق بين قيادتيهما.
أؤرخ: بحلول ديسمبر من عام 2012 كانت مصر قد خلت من تنظيم قيادى ثورى كبير يتحلى بما يمليه عليه التاريخ من جنون لا عقل. أيها الناس إن لم نجده، فعلينا أن نوجده.
واجب الفلسطينيين ان يقولوا: شكرا ليبرمان
توفيق رباحي (كاتب وصحافي جزائري) عن القدس العربي
استقالة وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ليست بالضرورة خبرا سعيدا للفلسطينيين. العكس قد يكون هو الصحيح، فبعد الربيع العربي، ليس هناك ما خدم حماس، أولاً، ثم الفلسطينيين في السنوات القليلة الأخيرة، مثلما خدمهم ليبرمان.
خلال أقل من أسبوعين في النصف الأول من الشهر الجاري نسبت الصحف الإسرائيلية لليبرمان ثلاثة تصريحات كلها تحمل تهديدا ووعيدا تجاه الفلسطينيين. قبل ذلك بدرت منه تصريحات صريحة بتصفية رئيس السلطة محمود عباس.
الأول ـ في السلسلة الأخيرة ـ هدد فيه ليبرمان بالإطاحة بمحمود عباس لأنه ليس شريك سلام جادا وموثوقا. وهذا كلام بال وقديم سنسمعه مرارا وتكرارا لأن صاحبه لا يملك غيره، حتى لو تولت رئاسة السلطة الفلسطينية الأم تيريزا.
الثاني أوردته صحيفة يديعوت أحرونوت عن حملة دعائية في كبريات الصحف الأوروبية اقترح ليبرمان أن تقوم بها منظمات يهودية في العالم، هدفها تشويه عباس وتصويره حليفا لخالد مشعل، كانت ستكلف ربع مليون يورو. لكن الحملة لم تبدأ بناءً على نصحية من جهات في الخارجية الإسرائيلية رأت أنها غير لائقة ومضرة لأصحابها أولاً، كما أوردت الصحيفة.
الثالث ـ أوردته يديعوت أحرونوت أيضا ـ ويحمل تهديد ليبرمان ـ خلال احتفالات هانوكا أو عيد الأنوار قبل أيام ـ ليس فقط بقصف قطاع غزة وإنما بإعادة احتلاله وسحق من فيه إذا ما أطلقت الفصائل الفلسطينية صاروخا على إسرائيل.
المتأمل بهدوء في هذه التصريحات لن يجد عناء في التوصل إلى أنها عبثية تنـمّ عن فشل مطلقها وإفلاسه أمام وضع سياسي وعسكري عليه مواجهته والتعامل معه.
كما يمكن الاستنتاج بسهولة أنها تصريحات وتهديدات تصدر من شخص، أقل ما يمكن أن يوصف به، أنه لا تتوفر فيه أدنى درجات الثقة بالنفس ومسؤولية رجل الدولة، فليس أمامه أو وراءه إلا التهديد والوعيد.
حقيقة الأمر هي أن ليبرمان والحكومة التي شارك فيها قد لعبا كلّ ما بحوزتها من أوراق وخسرا جولات حاسمة في صراعهما مع الفلسطينيين رغم ما يلحقونه بقطاع غزة، دوريا، من قتل وتدمير للبنى التحتية.
فتهديدات ليبرمان وسياسات حكومته هي التي جعلت إسرائيل تـُنهي حرب غزة الأخيرة وقد أعادت لحماس، داخل القطاع وإقليميا وحتى عالميا، مجدا لم تكن تحلم به. حماس، بفضل 'حكمة' ليبرمان ونتنياهو، هي اليوم شريك ضروري في أية تسوية تخص الوضع الفلسطيني، رغماً عن أنف أكثر الصقور الإسرائيليين تشددا.
عنتريات ليبرمان و'ذكاء' نتنياهو السياسي هو ما أعادا خالد مشعل إلى غزة محمولا فوق الرؤوس، بعد أن غادر فلسطين طفلا مهزوما منكسرا، وفقدَ الأمل في زيارتها في هذا السياق من البطولة والمجد. وهو ما سيفتح أبواب مستقبل سياسي أكثر إشراقا لمشعل بعد أن قرر ترك السياسة حالما تختار الحركة قيادة جديدة.
يحق الجزم بأن من اتخذ قرار اغتيال أحمد الجعبري، لو علم أنه بقراره ذاك سيعيد خالد مشعل إلى غزة بطلا ورمزا، ربما كان فكـّر ألف مرة قبل أن يأمر به.
العنتريات نفسها و'الذكاء' نفسه هو ما قرّب بين حركتي حماس وفتح بالشكل الذي نراه منذ انتهاء حرب غزة الأخيرة. تقارب لا مثيل له منذ صيف 2007 واستيلاء حماس على القطاع. والعالم كله يتذكر فشل المساعي الكبرى والمتكررة من مصر وأكثر من وسيط آخر لتذويب حجم الخلافات بين الطرفين، بينما كان الحل هناك أقرب مما يتخيـّل المرء: على لسان ليبرمان ويدي نتنياهو.
هذا الإنجاز الذي يجب أن يحفظه الإسرائيليون في سجلات زعيميهما هو الذي أثمر عودة حماس إلى الضفة الغربية يوم الخميس على رأس تجمهر شعبي حاشد ضمّ الآلاف وما كان ليتحقق لولا الحرب الأخيرة. تجمهر يبدو البداية وليس النهاية، وما كان ليحدث لولا موافقة فتح والسلطة الفلسطينية ومشاركتهما في تنظيمه، رداً على الموقف الإيجابي لحماس من توجه عباس إلى الأمم المتحدة لطلب العضوية.
إذا كان من مستفيد من استقالة ليبرمان فهو ليبرمان ذاته لأنه سيضع بها حدا لإخفاقاته السياسية. ثم الشعب الإسرائيلي لأن الاستقالة تعني ابتعاد أحد مصادر الخطر عليه، ولو إلى حين.
في الأراضي الفلسطينية لم يعد هناك داع لقلق أو خوف الفلسطينيين من تهديدات وتصريحات ليبرمان. العكس هو الصحيح، وعليهم، بقليل من الشجاعة، استغلالها قانونيا وجنائيا ما أمكن، والاستثمار فيها سياسيا، داخليا وخارجيا.
أما في إسرائيل فلا بد أن هناك من يضرب كفاً بكف، وهو يرى حماس تعود من بعيد، ويسأل بحسرة: أينكم يا أباء إسرائيل؟ ولماذا تركتمونا لليبرمان ورحلتم؟
إسرائيل اليوم في خطر من ليبرمان وأمثاله أكثر مما هي من كل أعدائها مجتمعين. ودليل واحد، من بين أدلّة أخرى، على ذلك، عزلتها المتزايدة في أوروبا وفي الأمم المتحدة.
أحمد جبريل والقضيّة
حازم صاغيّة عن الحياة اللندنية
أحمد جبريل الذي يقال إنّه فرّ إلى طرطوس، وربّما إلى مكان آخر في سوريّة، اسم لا يُنسى. يذكره، وسيذكره طويلاً، الفلسطينيّون والسوريّون واللبنانيّون لأنّه حلّ في كلّ مكان حلّت فيه النوازع الإمبراطوريّة لحكم حافظ الأسد.
هذا الرجل الذي بدأ حياته ضابطاً في الجيش السوريّ، لم يكن بعثيّاً، كما كان فلسطينيّو منظّمة الصاعقة، فلم تربطه تالياً صلة عقائديّة بالنظام الأسديّ والبعثيّ.
وهو لئن دعمه النظام السوريّ وكافأه بوضعه في الصدارة السياسيّة الفلسطينيّة، إلاّ أنّه لم يصنعه من الصفر مثلما صنع جماعة «فتح الانتفاضة» مثلاً ممّن تولّوا شقّ «فتح» ومنظّمة التحرير الفلسطينيّة. فاسم جبريل يعود إلى «جبهة التحرير الفلسطينيّة» التي أسّسها في 1965.
وهو لم يكن مجرّد قاتل مُستَأجَر ومتقلّب كما كان صبري البنّا (أبو نضال). ذاك أنّه أنشأ حدّاً أدنى من تنظيم أسماه «الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين – القيادة العامّة»، فضلاً عن أنّ بندقيّته وجبهته ظلّتا سوريّتي الهوى، من البداية حتّى النهاية. فهو قد يعمل لمصلحة معمّر القذّافي أو سواه، إلاّ أنّه يفعل هذا منفّذاً أمر مهمّة يصدر في دمشق.
وهذا الهوى هو الذي وضعه في موقع التضادّ الدائم مع ياسر عرفات، صاحب «القرار الوطنيّ الفلسطينيّ المستقلّ». وقبل ذلك حال دونه ودون البقاء في «الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين» التي جعلها جورج حبش بيت الصوفيّة الفلسطينيّة الضنينة بالسياسة والمعنى.
وهو، بالطبع، لم تستهوه الحذلقات الفكريّة لـ «الجبهة الشعبيّة الديموقراطيّة»، فلم يُضع مرّة بوصلة الطريق إلى قلب الأسد «البراغماتيّ» وقلب سلطته.
أحمد جبريل نسيج وحده. إنّه الرمز الأصيل لسياسة الاستئجار السوريّ، والسوريّ حصراً، للقضيّة الفلسطينيّة. بل هو رمز الإيمان الصلب بجدوى سياسة الاستئجار. وهذا من دون أن يكون معروفاً بأيّ هوس قوميّ عربيّ من النوع الذي عصف ببعض مجايليه المتمسّكين بأنّ فلسطين جنوب سوريّة، أو بأنّ الاثنتين أجزاء من «وطن عربيّ واحد». إنّ وعيه السياسيّ يقف عند كونه ضابط متفجّرات!
وعملاً بسياسة الاستئجار، وعقدُ الإيجار غير محدّد بمدّة زمنيّة، كان معروفاً سلفاً أين يقف جبريل في كلّ تناقض فلسطينيّ مع النظام السوريّ: ضدّ عرفات، ضدّ حبش، ضدّ أهالي مخيّم اليرموك. وبسبب وفائه البالغ والمنقطع النظير، تُرك له موقع صغير، إنّما مؤثّر، في «استراتيجيّة المقاومة اللبنانيّة» المرعيّة سوريّاً وإيرانيّاً. ومثل هذه الشراكة الصغرى مع «حزب الله» لم يحظَ بها أيّ طرف فلسطينيّ أو لبنانيّ موالٍ لسوريّة الأسديّة.
لقد قضى أحمد جبريل سنوات طويلة (عمره 75 عاماً) وهو يمارس هذا الدور. ويبدو اليوم أنّ شيخوخة الدور تتقاطع مع شيخوخته. فالخديعة انكشفت فيما المسيرة إلى فلسطين ساقت جبريل إلى أمكنة كثيرة صُبغت كلّها بالدم، لم تكن فلسطين بينها.
لكنّ الوعي السياسيّ الفلسطينيّ مطالَب بأن يطرح على نفسه السؤال الحارق: كيف، باسم فلسطين وقضيّتها، تنشأ ظاهرة كظاهرة أحمد جبريل؟ وكيف تستمرّ في موقع قياديّ عقداً بعد عقد؟
ذاك أنّ هذا السؤال قد يسمح بوضع اليد على مكمن الخديعة التي خُدع بها الفلسطينيّون جيلاً بعد جيل باسم قضيّتهم. أمّا انكشاف الخديعة فيحلّ محلّه حرق أطفالهم في مخيّم اليرموك، بينما يفرّ أحمد جبريل إلى مكان آمن. آمن حتّى الآن.
ملهاة الكونفيدرالية
محمود الريماوي عن دار الخليج
حديث الرئاسة الفلسطينية عن مشروع كونفيدرالي مع الأردن لا يعدو أن يكون ملهاة سياسية جديدة . ونفي الناطق نبيل أبو ردينة لا يعدو أن يكون بدوره محاولة لتطويق ما تسرب من حديث مغلق بين محمود عباس وقادة من فتح . وقد لوحظ أن هذا التسريب جاء بعد أيام قليلة من زيارة الملك عبدالله الثاني الى رام الله، بما يوحي من طرف عباس أن المسألة تم بحثها أثناء هذه الزيارة . على أن عمّان نأت بنفسها عن التعليق على هذا التسريب، فمضمونه ليس شعبياً ولا يثير ارتياحاً لدى الرأي العام . وفي مرات سابقة عدة شاعت فيها مثل هذه التسريبات كان الأردن يؤكد أن العلاقة المستقبلية سوف تنشأ بعد قيام الدولة الفلسطينية وبالاختيار الطوعي للشعبين، وهو المضمون نفسه الذي خرج به الناطق أبو ردينة من دون أن يضع حدّاً للتكهنات .
ليس معلوماً على وجه اليقين إذا كان عباس يعتقد أن الدولة قامت، وأن المهمة الوطنية الآن هي تنظيم العلاقات مع الأردن وغيره ما إن تمضي الستون يوماً على نفاذ قرار الجمعية العامة بقبول دولة فلسطين عضواً غير مراقب، أم لا . والراجح أن الجواب بالإيجاب، نظراً لما هو معهود عن عباس من اندفاع نحو كل ما يمكن أن يبدو حلولاً دبلوماسية وتفاوضية، هي في واقع الأمر تصورات بيروقراطية ليس إلا . ولعله يعتقد أن طرح مشروع كونفيدرالي مع الأردن، من شأنه أن ينعكس تلقائياً على الأرض باستيفاء استحقاق السيادة والاستقلال، أو يقطع الطريق على تمدد “حماس” في الضفة وعلى فرص فوزها في أية انتخابات مقبلة، وكفى الله الرئاسة عناء الصراع والاشتباك مع المحتل .
يعلم الجميع أن المحتلين ردّوا على قرار الأمم المتحدة بالشروع في تنفيذ مشاريع استيطانية جديدة في القدس وفي الضفة الغربية، ولم تلاقِ الاحتجاجات الغربية أية أذن صاغية في “تل أبيب”، وجددت قوات الاحتلال استباحتها لرام الله “العاصمة المؤقتة” ودهمت ثلاثة مكاتب لمنظمات حقوقية، وصادرت محتوياتها من دون أن يحرك أحد ساكناً . وبدلاً من تشخيص الفرص المتاحة لتسمية فلسطين دولة في الأمم المتحدة، باتجاه خوض مواجهة سياسية مع المحتلين حول الاستيطان خصوصاً، وحول الدعوة إلى سحب القوات المحتلة من أرض الدولة المعترف بها، بدلاً من ذلك تساور الرئاسة، كما هو بادٍ، أحلام تحقيق اختراق سياسي “سهل” بالتحضير لمشروع كونفيدرالي، لا مفعول له على الأرض ولا غطاء شعبياً له في الأردن ولا في فلسطين، ولا أثر له سوى إثارة البلبلة حول العلاقة الأردنية الفلسطينية .
من المعلوم أن حديث الكونفيدرالية قد نشأ بعد قرار فك الارتباط الأردني مع الضفة الغربية المحتلة، ولم يتعد الخوض في تصورات مستقبلية، وتنظيم التوجه إلى المستقبل بعد زوال الاحتلال، لكنه لم يشكل التزاماً سياسياً أو دستورياً أو برنامجاً لأحد، وقد شهدت بعض المحطات وخاصة بعد توقيع اتقاقية أوسلو العام 1993 نأياً أردنياً رسمياً عن الفكرة وحتى تسفيهاً لها، وتوقف الحديث عنها من الجانب الفلسطيني كونها سابقة لأوانها .
إحياء الفكرة مجدداً لا يقود إلى شيء عملياً إلى سوى القبول الفلسطيني الرسمي بالكانتونات القائمة على أنها دولة، والانطلاق من ذلك إلى أن من حق هذه “الدولة” أن تبرم اتفاقيات ثنائية مع من تشاء، بينما تعجز السلطة القائمة عن تنظيم عملية استيراد وتصدير للخضار والفواكه عبر الحدود مع الأردن، ولا تملك السلطة حق إدخال جثمان شخص يرغب ذووه في دفنه في مسقط رأسه في الضفة الغربية .
هكذا تتجدد الملهاة السياسية في التعامل مع تحديات شرسة، ومع وضع مأساوي ضاغط، في الوقت الذي يدرك فيه عباس أن المحتل لن يسحب قواته ويفكك مستوطناته إكراماً لأحد، لا لمصر ولا الأردن ولا لأي طرف آخر، حتى إن المحتل لا يتخلى عن تسمية الضفة الغربية المحتلة ب “يهودا والسامرة”، فهل سيؤدي التلويح مجدداً بمشروع كونفيدرالي مع الأردن إلى تحقيق تفاعلات تلقائية تسفر عن “معجزات”، يحلم بها السيد عباس رائد النضال البيروقراطي في العمل الفلسطيني؟
إن الواقع القائم ومستجداته يفرض أجندته الوطنية بالشروع في مواجهات سياسية ملموسة مع الاحتلال، بالاستفادة من وضع الدولة المراقب، بإطلاق حركة سياسية نشطة ومنظمة عنوانها ومضمونها دعوة الدولة المحتلة إلى إنهاء احتلالها العسكري والاستيطاني لأراضي الدولة التي انضمت إلى الأمم المتحدة، ورفد ذلك بتعزيز مناخ الوحدة الوطنية، وإعادة اللحمة إلى النسيج الوطني والاجتماعي العام، والتجسير السياسي مع قطاع غزة لوقف مفاعيل الانقسام، خاصة بعد التوجهات الجديدة لحركة حماس التي أعلنها من غزة خالد مشعل، وإطلاق الحركة الشعبية المحتجزة والنأي بها عن أي تنسيق أمني مع المحتل، ففي شوارع “تل أبيب” نفسها تثور احتجاجات الجمهور لأسباب شتى وبحراسة رجال الشرطة، فلماذا يُحظر على الرازحين تحت الاحتلال تنظيم احتجاجات باتجاه الجدار وبؤر الاستيطان مثلاً، وتتوجه الشرطة الفلسطينية لتفريقهم بالقوة بدل أن تحميهم من أية تعديات لقوات الاحتلال؟
إن هناك فارقاً كبيرًا بين شق طريق الخلاص الوطني نحو المستقبل، وبين الهروب إلى الأمام كما في ملهاة الكونفيدرالية التي لا تملاً أي فراغ ولا تسد أي نقص .
خطاب مشعل في غزة
فايز رشيد عن دار الخليج
ما يلفت النظر في خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الذكرى 25 لانطلاقتها، التي جرت في غزة مؤخراً قوله، عودة إلى المنطلقات الأولى للحركة، إن في تحرير فلسطين،كل فلسطين من النهر إلى البحر، أو عن المقاومة في أنها هي الأسلوب الرئيس في تحرير فلسطين وانتزاع الحقوق الوطنية .
نقول ذلك بعدما صدرت تصريحات عديدة عن الحركة وقيادييها على رأسهم خالد مشعل الذي صرّح للفضائية الأمريكية “سي .إن .إن” بأن الحركة “تقبل بدولة مستقلة على أراضي عام 1967” إضافة إلى التهدئة غير المعلنة التي أُبرمت بين الحركة و”إسرائيل” في أعقاب العدوان الصهيوني على قطاع غزة 2008-2009 .كذلك الأمر في أعقاب العدوان الأخير، بالنسبة للمقاومة وكما قال مشعل في كلمة له في الجامعة الإسلامية بغزة “فإنها ستكون رهناً بالوضع:هي الأصل، لكن مرّة نعتمد تهدئة، ومرّة نُصّعد ومرّة نضرب صواريخ، ومرّة لا نضرب صواريخ، هذه هي الحياة” .
من الجدير ذكره، أن حركة حماس في المعارضة كانت تتبنى الخطاب الراديكالي الذي كرَّره رئيس مكتبها السياسي في خطابه المعني .حماس في السلطة اختلفت عن موضوع المقاومة، إذ أصبحت التهدئة مع العدو مسألة مشروعة .لذلك في التهدئة الأولى مارست حماس أسلوباً منعت فيه حركات المقاومة الفلسطينية الأخرى(ومنها حليفتها الرئيسة حركة الجهاد الإسلامي) من ممارسة المقاومة تحت طائلة الاحتجاز والسجن .لا نقول ذلك جزافاً، بل إنه تم احتجاز البعض من مقاتليها ومقاتلي الجبهة الشعبية وآخرين، عندما مارسوا المقاومة .
الذي نقوله، وهو ليس مزاودة على أحد، إن المقاومة هي نهج مفتوح للشعوب المحتلة أراضيها من قبل الغاصبين، طالما بقي الاحتلال، فلا هدنة مع من يحتل أرضنا إلا بعد زوال الاحتلال .حركة حماس أظهرت أكثر من مرة استعدادها لهدنة طويلة الأمد مع “إسرائيل”، رغم التزام العدو الصهيوني بالهدنة لفظياً، لكنه لم يتوقف لا في الهدنة الأولى ولا في الثانية (الحالية) عن العدوان على شعبنا، فكم من شهيد مضى وآخرون جُرحوا في الهدنتين، صحيح أن المقاومة تتخذ أشكالاً عديدة، لكن الكفاح المسلح هو عمادها الرئيس، ولا تجوز أن تُعلن هذه الهدنة عليه .
من زاوية أخرى، فإن التصريحات المتناقضة تؤدي إلى لُبسٍ كبير، فمرة يقول خالد مشعل إن الحركة تقبل بدولة على حدود عام ،1967 ومرة أخرى يناقض قوله في هذه المسألة الاستراتيجية، التي لا تحتمل الجدل ولا التأويل ولا المس، في الحركة التي تتبناها .كما أن التناقض في الرأي عن الموضوع نفسه لا يجوز أن يخضع للتكتيكات السياسية فهو نهج، والأخير لا يمكنه أن يكون عرضة للتأويل وفقاً للظرف الذي يقال فيه .
العدو الصهيوني هو المحتل لأرضنا الفلسطينية .من حقنا مقاومته دوماً، فالتهدئات لم تحفظ الدم الفلسطيني من السيلان على أيدي العدو، الذي يقترف الجرائم ضد أبناء شعبنا في كل وقت . هو المطالب بإنهاء احتلاله، وليس نحن في هدنة نعقدها مباشرة أو بطريقة غير مباشرة مع هذا العدو .
لقد تحدث رئيس المكتب السياسي لحركة حماس عن أهمية المصالحة وضرورة إنجازها سريعاً .هذا الهدف الذي يسعى إليه كل الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم، في الوطن وفي الشتات . سمعنا الكلام نفسه من رئيس السلطة محمود عباس .محاولات كثيرة جرت في القاهرة والدوحة، واتفاقيات عديدة وُقِّعت من أجل تنفيذها، ولجان تشكلت وجرت تسمية وظائفها وعقدت اجتماعات لها، الأمر الذي جعل الفلسطينيين والعرب ومؤيدي القضية الفلسطينية على الساحة الدولية يتفاءلون بالعودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية على القواسم المشتركة، والتي هي الثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية .نأمل هذه المرة وبعد الصمود الأسطوري وإفشال أهداف العدوان الصهيوني الأخير على غزة، وإنجاز الدولة المراقب في الأمم المتحدة، تجاوز الانقسام وإنجاز المصالحة كهدف وطني فلسطيني . لا يمكن فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة ولا عن منطقة ،48 فكلها أجزاء مقدسة من الوطن الفلسطيني .
لقد رسخ خالد مشعل في زيارته الأخيرة إلى غزة وفي خطابه في ذكرى الانطلاقة، منصبه كرئيس للمكتب السياسي لحركة حماس، وهذا لا يتماهى مع أنباء وتصاريح سابقة له من أنه سيترك منصبه في المرحلة المقبلة .لقد راجت أنباء عشية زيارة مشعل إلى غزة بأن مفاجأة سيعلنها إسماعيل هنية في كلمته في احتفال الانطلاقة هي أن حماس تصّر على إبقاء خالد مشعل في منصبه، وأن الأخير تراجع عما سبق وصرَّح به، رغم عدم الإعلان عن المفاجأة فإن على الأغلب أن يظل مشعل في منصبه .
حرّي القول: إن الصمود الأخير لغزة في مواجهة العدو الصهيوني، عزّز من المقاومة الوطنية الفلسطينية، ومن مركز حماس تحديداً في الساحتين الفلسطينية والعربية وعلى الساحة الدولية، وفي دولة الكيان الصهيوني زادت الأصوات التي تطالب بفتح حوار “إسرائيلي” مع حماس، من بعض السياسيين القليلين والكتّاب في الصحف “الإسرائيلية” تحت دعوى أن حماس أصبحت اللاعب الرئيس في الساحة الفلسطينية .
نرى أن من الصعب على خالد مشعل بعد الإنجاز التاريخي للمقاومة الفلسطينية في صد الاعتداء الأخير، أن ينسحب من منصبه، إضافة إلى أن البدائل التي يجري الحديث عنها، ليخلفه واحد منها، لا تمتلك الكاريزما التي حققها مشعل بعد سنوات طويلة من نضاله، وهي أيضاً ليست محط إجماع بين الاتجاهات المختلفة في الحركة، والمعبّر عنها في اتجاهين رئيسين، اتجاه الداخل واتجاه الخارج .
زيارة مشعل لغزة حملت تحدياً كبيراً للعدو الصهيوني، وفي تصريح لشاؤول موفاز وزير الحرب “الإسرائيلي” الأسبق ورئيس حزب كاديما حالياً، أسف فيه على عدم اغتيال مشعل خلال زيارته الأولى للقطاع .
المفتونون بـ “ديمقراطية” الكيان
أمجد عرار عن دار الخليج
لم يجد مثقّف حداثي حرجاً في الاحتفاء باستقالة أفيغدور ليبرمان من منصبه كوزير للخارجية الصهيونية، معتبراً أنها دليل على “الديمقراطية” الصهيونية التي تمنى التعلّم منها في بلداننا العربية . لكن لم تكد تمر ساعة على هذا الاحتفاء حتى خرجت الصحف “الإسرائيلية” بتحليل متطابق فحواه أن “ليبرمان رحل ليعود”، إذ إن مقربيه يقولون إنه يطمح لمنصب رئاسة الوزراء .
ما نشرته صحف الكيان يعني أن رئيس الحزب المجاهر بالسعي لترحيل الفلسطينيين ليس جاداً في قراره، بل قام بخطوة التفافية هدفها عقد صفقة مع النيابة “الإسرائيلية” تتيح له الاستمرار في الحياة السياسية والعودة بعد تفكيك الاتهامات بالفساد، حيث إنه أدرك أنه كي يصبح عضواً في الحكومة المقبلة عليه التخلص في أسرع وقت من الاتهامات الموجهة إليه من خلال محاكمة سريعة تفضي إلى تسوية بإصدار “عقوبة غير شائنة”، تمكنّه من العودة سريعاً لتحالفه مع بنيامين نتنياهو، سيما أن هذا التحالف يحظى بأغلبية في استطلاعات الرأي .
لا ينفكّ أنصار الديمقراطية الغربية يتماثلون ب “إسرائيل” كنموذج للديمقراطية، ويكررون الإتيان بها كمثال كلّما لاحت مناسبة أو حدث في دولة عربية، ولربما يكونون مصدّقين وصف “إسرائيل” لنفسها ك “واحة للديمقراطية وسط غابة من الدكتاتوريات العربية” . صحيح أن في “إسرائيل” منافسة سياسية وتعددية حزبية، وهذا له علاقة بالظروف التي تأسس في ظلها كيان أنشئ في العصر الحديث على أيدي رؤوس متعددة . لكن هؤلاء الذين يتصيّدون كل تجديد لزعيم لا يروق لهم، كهوغو شافيز على سبيل المثال، لا يلاحظون أو يتناسون أن زعماء “إسرائيل” الأكثر مكوثاً في السلطة تداولاً، ذهاباً وعودة . لننظر إلى إسحاق رابين وشمعون بيريز اللذين تناوبا على رئاسة حزب العمل لأكثر من عقدين، علاوة على عدم مغادرتهما المناصب العليا في النظام السياسي الصهيوني، من الإدارة العامة في وزارات معينة إلى رئاسة الحكومة مروراً بتوليهما وزارات مثل الخارجية والحرب، ولا يزال بيريز في هرم القيادة العليا ويشغل حالياً منصب رئيس الكيان . لقد تولى كل منهما إضافة إلى نتنياهو منصب رئيس الحكومة ولايتين، في حين أن الأخير سيخوض الانتخابات الوشيكة الشهر المقبل، وهو صاحب أعلى فرصة للفوز بالمنصب لفترة ثالثة، علماً أن قوانين “إسرائيل” لا تحدّد عدداً لفترات إشغال المنصب، ولا أحد يعتبر ذلك دكتاتورية مثلما يصفون زعماء في أمريكا اللاتينية وغيرها، فيرددون بحقّهم ما يقوله إعلام الغرب وسياسيوه .
المفتونون ب “الديمقراطية” في الكيان يتجاهلون حقيقة إمساك حفنة من مؤسسي الحركة الصهيونية بمقاليد القيادة الحزبية والحكومية منذ تأسيس الكيان، وبعضهم لم يبعده عنها سوى الموت، مثل رابين وبيغن وشارون . الأهم من كل ذلك أن هؤلاء المفتونين يتجاهلون القول التاريخي إن “أمة تضطهد أمة أخرى لا يمكن أن تكون هي نفسها حرّة”، من دون أن يعني هذا الكلام أن التاريخ يعترف باليهود كمجتمع قومي، فهم مجموعة دينية فحسب . الاحتلال لا يمكن أن يكون ديمقراطياً، ولا يمكن وصف قتلة الأطفال والنساء والعجائز ومرتكبي المجازر بأنهم ديمقراطيون، بمجرد أن قانونهم يتيح للتجمع الاستيطاني الصهيوني اختيار أي القيادات أشد عنصرية بحق الفلسطينيين والعرب .
من يتابع مسار الحياة السياسية في “إسرائيل” يستنتج أن منحنى هذه الحياة يمنح الأفضلية للقيادات ذات الخلفية العسكرية والأمنية، ونتذكّر كيف أن شمعون بيريز الذي تسلّم رئاسة حكومة “إسرائيل” بعد اغتيال رابين، أقدم فور تسلّمه المنصب على توقيع قرار اغتيال الشهيد يحيى عياش، ثم شن عدواناً عسكرياً على لبنان، وارتكب خلاله مجزرة في بلدة قانا .
ليس لائقاً بمثقف أن يواصل الترويج ل “إسرائيل” متذرعاً بالموضوع الديمقراطي، ولينظر في سياسة قيادات الكيان ومواقفهم العدائية للعرب وحقوقهم، بعيداً من “عقدة المستعمر” .
هل نعيش مخاض الانتفاضة؟
بركات شلاتوة عن دار الخليج
إن ما يدور في فلسطين، وتحديداً في الضفة الغربية، يشكل إرهاصات لانتفاضة ثالثة ضد الاحتلال الصهيوني وسياساته بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، حيث تشهد فلسطين المحتلة تصعيداً كبيراً في الاعتداءات والاستيطان والتضييق وإطلاق العنان لعتاة التطرف من المستوطنين لاستهداف الآمنين وترويعهم في ما يطلقون عليه سياسة “جباية الثمن” التي تصاعدت في الآونة الأخيرة ولم تسلم منها المساجد والكنائس والأديرة وممتلكات الفلسطينيين ومحاصيلهم وكرومهم ومواشيهم .
هذه الاعتداءات ما زالت تُمارس كل يوم بغطاء من جيش الاحتلال الذي يوفر الحماية للمستوطنين خوفاً من انتقام الفلسطينيين ورد فعلهم، رغم أنه لم تسجل حادثة واحدة أن شوهد المتطرفون وهم يحملون أحدهم على أكتافهم هالكاً، لكن لو حدث ذلك لمرة واحدة فلن يكرروا ما فعلوه، لكنهم يعلمون ألا أسلحة ولا مقاومين بعد زجهم في السجون .
يستطيع الصهاينة أن يمرروا هذه السياسة لبعض الوقت لكنهم لن يستطيعوا تمريرها كل الوقت فالمزاج العام الحالي في الشارع الفلسطيني أقرب إلى الانتفاضة منه إلى المهادنة أو المفاوضات، بعد أن ثبت عقم نهجها وأنها مضيعة للوقت، وتغطي على الاحتلال وجرائمه، وتمنحه فرصة لاستكمال سيطرته على الأرض بالاستيطان والسياسات التهويدية خاصة في القدس الشريف التي تشكو وحدتها وغربتها .
ولا يمكن فصل تصاعد المواجهات مع الاحتلال عن سياسة التجويع التي يمارسها الكيان، والعالم المتواطئ ضد الشعب الفلسطيني من خلال قطع المساعدات وتجفيف المنابع المالية للسلطة، وها هو اليوم الثامن عشر من الشهر يمر من دون أي أمل في أن يتقاضى الموظفون رواتبهم، ويتهدد الجوع أطفالهم .
هذا غيض من فيض ما يدور على أرض فلسطين المحتلة لأن ما خفي أعظم والحديث المجرد وحتى المشاهد لا تغني عن خوض التجربة والنزول إلى الميدان، ممارسات الاحتلال استدعت موقفاً شعبياً يتكرر على شكل مسيرات سلمية في العديد من المناطق، لكن الفعل يلزمه رد متوافق فاشتعلت المواجهات في العديد من مناطق التماس بما توافر من الحجارة والمقاليع والزجاجات الحارقة، ما أعاد إلى الأذهان مشاهد انتفاضة الحجارة التي انطلقت في العام 1987 .
والمواجهات العنيفة التي شهدتها مدينة الخليل الأسبوع الماضي إثر استشهاد فتى بدم بارد على يد مجندة صهيونية ألهبت المدينة وامتدت المواجهات إلى مناطق ومدن أخرى، ما جعل الصهاينة يرتعدون من هذا الكابوس، خاصة بعد حالة الدعم والمساندة التي لقيتها غزة من الضفة أثناء العدوان الأخير، لأن المسؤولين الصهاينة يدركون جيداً أن ظروف الانتفاضة قد نضجت وما تبقى هو الشرارة التي ستشعلها .
وإحدى بشائر العمل الوحدوي الميداني أتت من الخليل أيضاً بعد تبني مجموعة من الشبان من مختلف التوجهات والمرجعيات السياسية، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، العمل الميداني الموحد لمواجهة الاحتلال “خلال الانتفاضة الثالثة”، إذ لا يمكن الاستهانة بهذا التوجه لأنه مؤشر على حالة وعي، كما يمكن اعتبارها صرخة لإنهاء حالتي الانقسام واللاحرب واللاسلم التي يعيشهما الشعب الفلسطيني .
لذلك على أصحاب الانقسام من حركتي “فتح” و”حماس” المسارعة إلى المصالحة والوحدة بعدما أشبع الموضوع كلاماً لا عملاً، لأن الزمن سيتجاوزهم، فالمرحلة التي ينبغي الاستعداد لها الآن تتطلّب استراتيجية فلسطينية موحدة وتحصين البيت الداخلي استعداداً للانتفاضة الثالثة التي ستكون نهايتها حتماً كنس الاحتلال .
استقالة “المتنمر” إفيجادور ليبرمان
د. سلطان عبد العزيز العنقري عن المدينة السعودية
أصبح الربيع العربي مخيفًا لإسرائيل خصوصًا مع ديمقراطيات وليدة في العالم العربي، وبشكل أكبر مع مصر، التي أصبحت إسرائيل تضع لها ألف حساب
يُعرِّف قاموس المورد «المتنمر» (Bully) على أنه «المستأسد على من هم أضعف منه»، وهذا بالضبط ينطبق على وزير خارجية إسرائيل إفيجادور ليبرمان، الذي استقال من منصبه قبل عدة أيام بسبب اتهامه «بالاحتيال وخيانة الأمانة»؟!!
بالطبع ليس بمستغرب على وزير خارجية لبلد مصطنع استولى على أرض من أصحابه بالقوة وبالاحتيال وبمنحة مجانية من إنجليزي اسمه بلفورد، وكأن هذا الإنجليزي يملك العالم، ويعطي أراضيه هبات ومنحًا لمن يشاء؟! في حين كان من المفترض أن يعطي اليهود ويمنحهم أرضا في بلده بريطانيا، طالما أنه سخي وكريم ولكنه يمشي على غرار المثل القائل: «كريم من مال غيره»؟! وليس في بلد الفلسطينيين أصحاب الأرض التي توارثوها أبا عن جد وطردوا منها بسبب كرم بلفورد من حقوق غيره؟!
ولكن الموضوع، بدون أدنى شك، له أبعاد كثيرة من أهمها زرع إسرائيل في عالمنا العربي لكي تستمر السياسة الاستعمارية «فرّق تسد»، وتكون إسرائيل شرطية المنطقة، تُعربد هنا وهناك، وتفتعل المشكلات والفتن بدعم من الغرب وبعض دول الشرق، لكي يبقى العالم العربي منشغلًا في تناحر فيما بينه، وبذلك عُرقلت التنمية والتطور في البلاد العربية، وأصبح العالم العربي عالة على الآخرين، حتى عود الثقاب يُستورد من الخارج!!
المتنمر ليبرمان هو من أصل روسي صاحب شهرة عريضة بالتطرف والجهل بأبسط مبادئ الدبلوماسية، وزعيم حزب «إسرائيل بيتنا» المتطرف والمتحالف مع حزب الليكود الذي يتزعمه المتطرف الثاني نتنياهو. ليبرمان يعتبر أصحاب الأرض فلسطينيو (1948م) «طابورًا خامسًا! ولا نعرف طابورًا خامسًا لمن؟! لأهلهم وشعبهم المعزولين بجدار شارون العنصري، والذي احتلت أرضه، وشرد وقتل وعذب، وشبابه يقبعون في معتقلات النازية الإسرائيلية بسببه هو وأشكاله المحتلين والمحتالين؟ّ! فهو عنصري من رأسه حتى أخمص قدمه، ففي حملاته الانتخابية يكرر مقولته الشهيرة «لا مواطنة بدون ولاء»!! أي أنه هو القادم من روسيا بتاريخ (18 يونيو، 1978) الوحيد الذي يعتبر نفسه مواطنًا وله ولاء للدولة العبرية التي احتلت الأرض وطردت الفلسطينيين من ديارهم وبلداتهم وقراهم!!
موقع ويكيبيديا يقتبس من تصريحات ليبرمان، خلال الانتخابات الإسرائيلية 2001، العبارة التالية حيث يقول ليبرمان: «إنه في حال نشبت حرب بين مصر وإسرائيل، على إسرائيل أن تُفجِّر السد العالي وتُغرق بالمياه بحيرة ناصر والمناطق المحاذية لها. وعند تسلم ليبرمان مهام وزير الخارجية أعلمت مصر إسرائيل أن مندوبها لن يلتقي بليبرمان حتى يعود عن أقواله». فالمتعارف عليه أن أي وزير خارجية بلد في العالم هو من يمثل السياسة الخارجية لبلده، بل يُنفِّذ ما تصدر إليه من تعليمات من قبل حكومته، ولا يُصرِّح بأي شيء قد يُؤدِّي إلى إفساد علاقات بُنيت بجهد جهيد، وبخاصة مع أكبر دولة عربية تربطها معاهدة سلام وعلاقات دبلوماسية، بل وضعها في موقف صعب وحرج! لكن بيت القصيد هنا والمهم هو عن توقيت هذه الاستقالة لهذا المتنمر، والتي تضع علامات استفهام وتعجب كثيرة حول هذا المدعو ليبرمان في هذا الوقت بالذات!! وقد يكون من أهمها، من وجهة نظري، الانتخابات الإسرائيلية التي سوف تُجرى بعد عدة أسابيع، وبذلك يريد أن يبرئ نفسه من تلك التهم الموجهة له، ويحصل على صك غفران بأنه ليس محتالًا ولا يخون الأمانة، بل نزيه منقى من النقائص والعيوب! حتى يرجع إلى الانتخابات بشكل أقوى ويحصد حزبه «إسرائيل بيتنا» الأصوات، والفوز برئاسة الحكومة، أو على الأقل يتحالف مع أحزاب أخرى أكثر تطرفًا منه ومن حزبه تكون الغالبية له، أي اليد الطولى في الكنيست والحكومة، وبالتالي يضرب عدة عصافير بحجر واحد، فالمتطرفون من أمثاله كثر. الأمر الآخر وهو لا يقل أهمية عن الأول بل قد يتخطاه في الأهمية، أن إسرائيل أدركت أن هذا المتنمر سوف يجلب الكوارث لها ويؤلب عليها الرأي العام العالمي في تخبطاته وتصريحاته النشاز والمتطرفة فهو كما أشرنا لا يعرف أن السياسة لعبة غير نظيفة ومع ذلك تظل فنا وليست غطرسة وتنمرا، بعبارة أخرى أنه أصبح ورقة محترقة ولم يعد ذلك المتنمر تلك الورقة الرابحة التي كانت تلعب بها إسرائيل مع الفلسطينيين والعرب صالحة في ظل الربيع العربي الذي قلب معادلات واستراتيجيات تخطت تخيُّلات حكام الدولة العبرية والمخططين والمنظرين لها وجهابذة السياسة والغرب والشرق. الربيع العربي أصبح مخيفًا لإسرائيل خصوصًا مع ديمقراطيات وليدة في العالم العربي، وبشكل أكبر مع مصر، التي أصبحت إسرائيل تضع لها ألف حساب.
خطف الرئيس
حمدي رزق عن المصري اليوم
الخطة كانت تتضمن اقتحام جماعة مكونة من 150 شخصاً مسلحاً على أعلى تدريب قصر الاتحادية وسط محاصرة الثوار للقصر، والقبض على الرئيس مرسى، وإخفاءه فى مكان غير معلوم، وإعلان هروبه إلى قطر لإحداث فراغ سياسى، وتعلن المحكمة الدستورية خلو منصب الرئيس وتشكيل هيئة الإنقاذ الوطنى لمجلس رئاسى مدنى برئاسة صباحى والبرادعى وموسى.
وتوتة توتة خلصت الحدوتة التى يرويها بتصرف الأخ محمد بن مسعد بن ياقوت الإخوانى، نقلاً عن جهاز الأمن الإخوانى، وهو شعبة استخباراتية ملحقة بجهاز الأمن الوطنى.
المهم سلامة الرئيس، حمد الله على سلامة أبوأحمد، والله اللى يرشه بالميه نرشه بالدم. ويروى محمد بن ياقوت، ويوم عودة الرئيس إلى القصر جاءوا له بالثالوث «البرادعى وصباحى وموسى» مكبلين بالحديد، مجرورين بالحبال، وعلى ظهر كل منهم رجل ذو سوط غليظ، كلما تعثر أحدهم فى مشيته حافياً ناله ما ناله، وكل حين يسأله سائل: اذكر آلهتك بسوء!، فيقول: شفيق، شفيق، فى الإمارات فى الإمارات، فيزيدون العذاب ضعفين.
الحمد لله عاد الرئيس المنتحب إلى قصر الاتحادية سالماً غانماً الحب كله، لدرجة أن 56 فى المائة من العشيرة صوتوا بنعم للدستور، وتعالت أمام الاتحادية أصوات دفوف مأذونة من مكتب الإرشاد بالغناء، طلع الفجر علينا من ثنيات الوداع وجب الشكر علينا، ووفد إلى الاتحادية رجالات مصر وشيوخها مكبرين مهللين، وبرز بينهم الغر الميامين، ماضى وسلطان وحازم وحسان والمحلاوى والحوينى وعبدالمقصود، ومن نجد وفد الأمين المؤتمن صفوت بن حجازى، ومن الإسكندرية بحراً على ظهر درفيل الفقيه الأسطولى، صبحى بن صالح، بعد أن أنجاه الله يوم موقعة الرمل، نجا بحول الله من تحت عجلات القطار، ومن أهل الذمة تجلى بين الحضور الحبر المستقيل، رفيق بن صموئيل بن حبيب القبطى.
واعتصمت أمام القصر طلائع القاعدة والسلفية الجهادية وأنصار الشريعة وحازمون آكلون نائمون، وتأهبوا لاستقبال الرئيس، فلما دنا فتجلى فصار قاب قوسين أو أدنى من باب الاتحادية، حتى اجتمع من حوله خلق كثير حامدين شاكرين، فرحين، مستبشرين، لقد نجا.. لقد نجا.. لقد نجا وشق الرئيس طريقه بصعوبة، والإخوان يقبلون الأرض تحت قدميه، ارتقى الرئيس تلة عالية، تقريباً عربية نص نقل، وأمسك الكريستالة، وتنحنح، نحنحتين، فخارت أعصاب، وانهارت عزائم، وسقط البعض من طوله مغمى عليه، وتوالت الإسعافات الأولية، بالنشادر والبصل، فتعطر الجو برائحة نفاذة.
وحبست القبائل السلفية أنفاسها فى الصدور، وطفق الرئيس يحمد ويشكر، وأطال فى الشكر والحمد، وسجد شكراً، وسرح فى الأفق البعيد، والأعناق مشرئبة، والعيون زائغة، والأنفاس تصّعّد فى السماء، وسأل الملأ: ما تظنون أنى فاعل بهم؟، وأشار إلى الثالوث المنحوس «البرادعى وصباحى وموسى»، قال كبير فى أهله وعشيرته عظيم، يقال له «أبوإسماعين»، موجهاً كلامه إلى المهيب السيد الرئيس: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال طالما شايف كده يا أبوسماعين، خدهم عذبهم انت على سور الاتحادية براحتك.. وبلغ الشاطر تحياتى!
اﻟﺳﻼح ھو اﻟﺣل!
ﻋﻣﺎد اﻟدﯾن أدﯾب عن اﻟﺸﺮق اﻻوﺳﻂ
اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻷﻣﻦ اﻹﻗﻠﯿﻤﻲ ﻣﺘﻨﺎﻗﺺ ﻣﻨﺬ ﻓﺘﺮة ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ، وﻣﺎ ﯾﺤﺪث ﺣﻮﻟﻨﺎ وﻋﻠﻰ أطﺮاﻓﻨﺎ ﯾﺠﻌﻞ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ارﺗﯿﺎب وﺧﻮف وﻗﻠﻖ. ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﻻ ﯾﻠﻌﺐ ﻓﯿﮫ «اﻟﻜﺒﺎر» دورھﻢ اﻟﻀﺎﻣﻦ ﻟﻠﺤﻘﻮق واﻟﻤﺼﺎﻟﺢ اﻟﻤﺸﺮوﻋﺔ ﺑﻜﻔﺎءة وﻧﺰاھﺔ، ﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ دوﻟﺔ واﺣﺪة ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻤﻨﺎ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺗﺜﻖ - ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ - ﻓﻲ ﺿﻤﺎﻧﺎت اﻟﻘﻮى اﻟﻌﻈﻤﻰ.
ﻣﻦ ھﻨﺎ أﺻﺒﺤﺖ اﻟﻘﻨﺎﻋﺔ اﻟﺮاﺳﺨﺔ ﻟﺪى أﻧﻈﻤﺔ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﺻﻐﺮت أو ﻛﺒﺮت ھﻲ ﺗﺤﻘﯿﻖ أﻣﻨﮭﺎ اﻟﻮطﻨﻲ واﻹﻗﻠﯿﻤﻲ ﻣﻦ ﺧﻼل ﻗﺪراﺗﮭﺎ اﻟﺬاﺗﯿﺔ وﻗﻮﺗﮭﺎ اﻟﺘﺴﻠﯿﺤﯿﺔ ﺑﺎﻟﺪرﺟﺔ اﻷوﻟﻰ.
ﻋﻨﺪ اﻟﺨﻄﺮ ﻟﻦ ﯾﺤﻤﯿﻚ ﺳﻮى ﻧﻔﺴﻚ!
ھﺬا ﻛﻠﮫ ھﻮ ﻣﺎ ﺗﺒﺎدر إﻟﻰ ذھﻨﻲ وأﻧﺎ أﻗﺮأ ﻣﻠﺨﺼﺎ ﻟﺘﻘﺮﯾﺮ ﺻﺎدر ﻋﻦ ﻣﺆﺷﺮ «اﻟﻌﺴﻜﺮة اﻟﺪوﻟﯿﺔ» ﻟﻌﺎم 2012، وھﻮ ﻣﺆﺷﺮ ﯾﺮﺻﺪ ﺣﺠﻢ اﻹﻧﻔﺎق اﻟﻌﺴﻜﺮي ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﺪﺧﻞ اﻟﻘﻮﻣﻲ.
وﺟﺎء ﻓﻲ اﻟﺘﻘﺮﯾﺮ اﻟﺬي ﯾﺘﺤﺪث ﻋﻦ أﻛﺜﺮ ﻋﺸﺮ دول ﺗﺴﻠﯿﺤﺎ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺧﻼل اﻟﻌﺎم اﻟﻤﺎﺿﻲ اﻵﺗﻲ:
أوﻻ: أن ﺧﻤﺲ دول ﻣﻦ ﺗﻠﻚ اﻟﻌﺸﺮ ﻋﺮﺑﯿﺔ.
ﺛﺎﻧﯿﺎ: أن ﺳﻮرﯾﺎ اﺣﺘﻠﺖ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻷول ﻣﻦ ﻧﺎﺣﯿﺔ اﻟﺪول اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ واﻟﺜﺎﻟﺚ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮى اﻟﻌﺎﻟﻢ.
ﺛﺎﻟﺜﺎ: ﺟﺎءت إﺳﺮاﺋﯿﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻷول ﻋﺎﻟﻤﯿﺎ.
راﺑﻌﺎ: ﺟﺎء اﻷردن ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺮﺑﯿﺎ واﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺎﻟﻤﯿﺎ.
ﺧﺎﻣﺴﺎ: اﺣﺘﻠﺖ اﻟﺴﻌﻮدﯾﺔ اﻟﻤﺮﻛﺰ اﻟﻌﺎﺷﺮ ﻋﺎﻟﻤﯿﺎ.
أﻣﺎ إﯾﺮان ﻓﺈﻧﮭﺎ ﺟﺎءت ﻓﻲ اﻟﻤﺮﻛﺰ 34 ﻋﺎﻟﻤﯿﺎ.
ھﺬا اﻟﻤﺆﺷﺮ اﻟﺪﻗﯿﻖ ﻟﮫ ﺷﺮوط ﻋﻠﻤﯿﺔ ﺗﺘﻌﺮف ﻋﻠﻰ أھﻤﯿﺔ اﻟﺘﺴﻠﺢ ﻟﺪى اﻟﺪوﻟﺔ ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﺈﺟﻤﺎﻟﻲ دﺧﻠﮭﺎ اﻟﻘﻮﻣﻲ وﺗﻌﺪادھﺎ اﻟﺴﻜﺎﻧﻲ وﺣﺠﻢ اﻷﺳﻠﺤﺔ اﻟﺜﻘﯿﻠﺔ وﻗﺪرة اﺳﺘﯿﻌﺎب ﻗﺪراﺗﮭﺎ اﻟﺒﺸﺮﯾﺔ ﻟﮭﺬه اﻷﺳﻠﺤﺔ.
ھﺬه اﻟﻤﺆﺷﺮات ھﻲ ﺟﺮس إﻧﺬار ﻻﻓﺖ ﻟﺸﻌﻮر اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﺎرﺗﻔﺎع وﺗﯿﺮة اﻟﺘﻮﺗﺮات اﻹﻗﻠﯿﻤﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ وﺷﻌﻮر دوﻟﮭﺎ ﺑﺄن دول اﻟﺠﻮار اﻟﺮﺋﯿﺴﯿﺔ: إﺳﺮاﺋﯿﻞ، ﺗﺮﻛﯿﺎ، إﯾﺮان، ﺗﺸﻜﻞ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻏﯿﺮ ﺑﺎﻋﺜﺔ ﻋﻠﻰ أي اﺳﺘﻘﺮار أو ھﺪوء أو ﺗﺴﻮﯾﺔ ﻗﺮﯾﺒﺔ. واﻟﻠﺠﻮء إﻟﻰ اﻟﺘﺴﻠﺢ أﺣﯿﺎﻧﺎ ﻟﯿﺲ ﻣﻦ ﻗﺒﯿﻞ اﻟﺘﺒﻀﻊ أو «اﻟﺸﻮﺑﻨﻎ»، وﻟﻜﻨﮫ ﯾﺘﻢ ﺗﺤﺖ ﺷﻌﺎر
«ﻣﻜﺮه أﺧﺎك ﻻ ﺑﻄﻞ»، ﺣﯿﺚ ﺗﻔﺮض ﻧﯿﺮان اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ اﻟﻤﺸﺘﻌﻠﺔ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ أو ﺗﻠﻚ اﻟﺘﻲ ﯾﺘﻮﻗﻊ أن ﺗﻮﻗﺪ وﺳﺎﺋﻞ إطﻔﺎء ﺣﺪﯾﺜﺔ وﻣﺘﻘﺪﻣﺔ ﻣﺴﻠﺤﺔ!
وﻻ ﯾﺨﻔﻰ أﻧﮫ ﻛﻠﻤﺎ زاد اﻟﺘﻮﺗﺮ زاد اﻟﻘﻠﻖ وزادت ﻣﺒﯿﻌﺎت اﻟﺴﻼح وزاد رﺿﺎ ﻣﺠﻤﻊ اﻟﺼﻨﺎﻋﺎت اﻟﻌﺴﻜﺮﯾﺔ اﻟﻌﻈﯿﻢ اﻟﺬي ﯾﻘﻮد أﻛﺒﺮ ﺗﺤﺎﻟﻔﺎت ﺻﻨﺎﻋﯿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻤﺘﻘﺪم.
أوﻻ وأﺧﯿﺮا «اﻟﺴﻼح ھﻮ اﻟﺘﺮﻣﻮﻣﺘﺮ»
القومية العربية والإسلام السياسي
نصيف الجبوري عن الزمان العراقية
عندما كنا نلقي خطب الجمعة في مسجد سيرجي بالمنطقة الباريسية بفرنسا كنا نعلم علم اليقين الخط الفاصل ما بين الدين والسياسة فلا نتدخل في الصراعات الانتخابية بين اليمين واليسار كي لا نعطي لليمين الفرنسي فرصة لمهاجمة جاليتنا. فقد تمكنا من الحفاظ على المصالح العليا للجالية عندما جنبنا المسلمين هناك اتون الصراع الانتخابي والحزبي الساخن. رغم ان هوانا وهوى اغلبية الجالية المسلمة كانت مع الحزب الاشتراكي الذي كان مناصرا للمسلمين. لكن التزامنا بالمواطنة واحترامنا للقوانين العلمانية للجمهورية الفرنسية جعلتنا نحصل من المكاسب ما لم نتمكن الحصول عليه في اي بلد عربي واسلامي. لقد كان عمدة المدينة الاشتراكي العلماني يدافع عن المسلمين في جميع المحافل ويعمل المستحيل في سبيل انجاز مسجد المدينة الكبير وقد ترجم ذلك الى فعل وعمل عندما صرفت بلديته لمسجدنا اكثر من مليون وربع يورو وضمنت نصف قروضه. رد المسلمون الجميل اذ انتخب اغلبيتهم الاشتراكيين في الانتخابات الاخيرة. وهكذا نجحت الجالية في تحقيق مصلحتها حينما تمكنت من عزل الدين عن السياسة هناك.
من هنا نعتقد بأنه من الضرورة في العراق ايضا ان نعزل الدين عن الشؤون السياسية، ونتعرف اولا وقبل كل شيء على الحدود الفاصلة بين السياسة والدين بعد ان اعادنا الاحتلال الغاشم وعمليته السياسية الى ما قبل الدولة المدنية وجعل العراق شيعا واحزابا كل حزب بما لديهم فرحون. فقد عادت العشائرية والطائفية والعرقية والمناطقية والمنسوبية بكل قوة على حساب الهوية الوطنية فازدهرت الاحزاب ذات الصبغة الطائفية والعشائرية على حساب الاحزاب المدنية الديمقراطية. اختلطت نتيجة لذلك السياسة بالدين فتمزق المجتمع لتتحول ولاءاته من الوطن الى الطائفة او العشيرة. لذا ينبغي ان نعمل دون كلل او ملل على تفكيك العلاقات المتشابكة بين السياسية والدين لدى الكثير من الاحزاب العقائدية التي تبنت الدين كمنهج سياسي وننصحها الابتعاد عن هذا الخلط خدمة للدين ذاته وللوطن والمواطنين.
ان من الاسباب المباشرة لنجاح وتقدم ورقي الامم الصناعية الكبرى هو تمكن تنظيماتها المدنية من فك الارتباط ما بين الديني والسياسي فأصبحت كيانات تلك الامم قوية عصرية حديثة. في العراق ايضا يمكن للتيار العروبي من خلال تجربته التاريخية في المنطقة من حل هذه المعضلة وفق المعطيات المحلية غير المستوردة التي يستند اليها. لعل من المفيد دراستها لأنها من اهم الوسائل التي ينبغي الاسترشاد بها في هذا المضمار. لذا اود من خلال هذه المقالة المقتضبة الحديث عن علاقة العروبة بالدين وموقفها من الاسلام الذي يعتبر ثقافة وحضارة مجتمعنا الذي نعيش وسطه. يخطأ من يعتقد بأن التيار القومي العربي معادي او مناهض للدين فهو لا يتبنى بأي حال من الاحوال المبدأ القائل الدين افيون الشعوب انما على العكس فالأديان وعلى الخصوص الدين الاسلامي يرتقي بالإنسان الى درجات عالية من الصفاء الروحي ويبعث فيه الامل بالحياة والتوازن في شخصيته. هذا اضافة الى ان الاسلام يدعو الى محاربة الظلم والفساد والسرقة والرشوة والمحسوبية والمنسوبية والغش والخداع والقتل والتعذيب كما انه يدعو الى العدالة الاجتماعية والسلم الاهلي والصدق والاخلاص في العمل والتضحية والتكافل الاجتماعي وغيرها.
كل هذه الخصال لا تتقاطع ولا تتناقض مع مفهوم الدولة المدنية التي ينادي ويناضل من اجل تحقيقها القوميون العرب في العراق. اضافة الى ذلك فإنهم يتبنون المبدأ الاسلامي النبوي الذي يدعو لاشتراك الناس في ثلاث النار والماء والكلأ ومعنى ذلك أن الدولة او الجماعة او الامة ينبغي لها ان توفر لكل الناس النار الوقود والغاز والنفط والفحم والحطب وكل ما يتعلق بالطاقة والماء كل ما يتعلق بماء الشرب ومشتقاته والسقي الزراعي وغيره والكلأ كل ما يتعلق بالطعام والزروع لتغذية العباد والدواب .
أما العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج وإيمان بالأخرة كالجنة والنار فانها تبقى عبادات شخصية فردية ليس لها اي انعكاسات سلبية على مفهوم المواطنة والدولة المدنية. شرط ان لا تفرضها الدولة على مواطنيها ولا يحق لها بنفس الوقت ان تمنع احد من ممارستها لانها في كلتا الحالتين تظل عبادات في اطار الحرية الذاتية.
ان المبدأ الذي يتبناه التيار العروبي هو عدم خلط الدين بالسياسة لان السياسة شأن دنيوي متحرك يحتمل الخطأ والصواب ويتغير بتغير الظروف والاحوال والمئال. اما الشعائر التي تتعلق بالعبادات فلها شأن اخر لأنها تعالج الجوانب الايمانية الفردية. من المؤكد ايضا بان القوميين العرب لا يمكن ان يقفوا ضد الدين الاسلامي الذي يعبر عن عقيدة الاغلبية الساحقة للشعب العراقي بل على العكس يناضلون ويجاهدو بالتوازي مع الاهداف الاسلامية التي عمل بها المسلمون الاوائل سواء في تطبيق العدالة الاجتماعية او تحقيق السلام او قول الصدق او الاخلاص في العمل.
ان التجارب التاريخية تؤكد صحة موقف القوميين العرب الذي يتسم بالوسطية البعيد عن الافراط والتفريط فعندما تبنت بعض الاحزاب العلمانية العداء للدين وبصورة خاصة الاسلام وقف التيار العروبي مع الاسلام كثقافة لها دور كبير في شحذ الهمم لمقارعة الاستعمار ونشر العدالة والسلام بين الشعوب. وبالمقابل عندما تبنت بعض الاحزاب الدينية الخلط ما بين الدين والسياسة حذر هذا التيار من التلاعب بعقائد الشعب الدينية لأهداف سياسية وحذر ايضا من الفتنة التي سيكون وقودها وضحيتها المواطن أيا كانت عقيدته. ان القوميين العرب كما ذكرنا ليسوا ضد الاديان سيما الدين الاسلامي لكن اصل المشكلة هو التوظيف السياسي من قبل الاحزاب الدينية للإسلام الذي اضحى بسبب ذلك التوظيف عامل تشتيت وتمزيق للشعب فأضعف المواطنة وشتت الدين الواحد الى شيع واحزاب متنافرة ومتصارعة، ولعل سنوات الحرب الطائفية كانت اكبر دليل على ذلك. فالصراع الدموي ما بين السنة والشيعة قد فتح الباب على مصراعيه لتمرير الاجندات والمؤامرات الاجنبية وبات الطرفان يتقاتلان فيما بينهما تحت حجج مذهبية دينية سياسية، كل فرقة تعتقد بأنها على صواب. حتى وصل الامر لكل طرف عندما يهاجم الطرف الاخر يصيح الله اكبر ويشهد ان لا اله الا الله وكل منهما يعتقد بانه الفرقة المنصورة والفرقة الناجية والفرقة الكاملة المعصومة وغيرها فرق باطلة ضالة مضللة. بالتوازي مع هذه الفتن ظهرت فتاوى التكفير من كلا الطرفين والتي زادت النار اشتعالا فهذا ناصبي مستحل الدم وذلك رافضي يستحق القتل. لقد وضفت المساجد والحسينيات لصراعات حزبية ان كان لها اول لا نرى لها اخر حتى هذه اللحظة، فهذا الشيخ يحرم انتخاب هذا المرشح والاخر يدعو بالويل والثبور ونار جهنم وبئس المصير لمن لا ينتخب ذاك. لقد كانت النتيجة الحتمية لهذا النزاع تهديم عرى الوحدة الوطنية وشق صف المجتمع واضعاف الوطن. لقد تعمقت الصراعات ليس فقط بين السنة والشيعة انما وصل الامر الى الاقتتال المرير بين اتباع المذهب الواحد.
اضافة الى كل ما مضى فإن هناك تساؤلاً يطرح نفسه وهو، هل من العدل والانصاف ان تستحوذ الاحزاب الدينية على المساجد والحسينيات لتجعلها منابر انتخابية. كي يفوز هذا المرشح او ذاك باسم الدين وتتحول دور العبادة الى ساحة لصراعات حزبية ضيقة بدلا من ان تؤدي رسالتها الدينية في الوعظ والارشاد، بعيدا عن السياسة التي لها منابرها واماكنها المخصصة لها. في حين تحرم التيارات الديمقراطية والمدنية الاستفادة من تلك المنابر التي اضحت مغلقة لطوائف دينية متحزبة؟
تقضي قوانين الديمقراطيات الحديثة بمنح فرص الدعايات الانتخابية لجميع الاحزاب المرشحة بأوقات زمنية متساوية في جميع وسائل الاعلام الرسمية، وضرورة التوزيع المالي العادل للتيارات من قبل الدولة اثناء حملاتها الانتخابية وشفافية المصادر المالية الواردة لتلك التنظيمات، وتحرم استخدام دور العبادة والرموز الدينية أيا كان موقعها في الصراع السياسي والتنافس الانتخابي. أما الاسلام فهو دين الشعب كل الشعب ولا ينبغي ان يكون حكرا للإسلاميين سواء في دور العبادة او في الحياة العامة. لقد زخرت الآيات القرآنية بالمواعظ والأحكام ومكارم الاخلاق التي لا تأمر طبقة او طائفة معينة بذاتها واسمها، انما هي آيات عامة غير مسيسة لجميع المسلمين. ولكل مسلم سواء كان ملتزما او غير ملتزم اسلاميا او علمانيا الحق في استخدامها لأنها تنادي ضمير المواطن ليخدم المجتمع ويبني الوطن. لعل اغلب آيات القرآن الكريم تتناول المعاملات بين بني ادم والالتزام بالأخلاق الانسانية العامة ولها تأثير كبير على اعادة المواطنين الى جادة الصواب في قضايا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن هذه الآيات ان الله يأمر بالعدل والاحسان ، و أوفوا بالعهد اذا عاهدتم ، و لا تبخسوا الناس اشياءهم ، و لا تبخسوا الميزان ، و الذين لا يشهدون الزور واذا مروا باللغو مروا كراما ، و لا يجرمنكم شنئان قوم على ان لا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى ، يوم ينفع الصادقين صدقهم ، و لا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ، ان الله لا يضيع اجر من احسن عملا.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، من غشنا فليس منا، ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا ان يتقنه، خير الناس من نفع الناس، الدين المعاملة.
لقد علمتنا التجارب الانسانية عموما وتجارب الدول العربية والاسلامية بأن مفهوم المواطنة لبلدان متعددة المذاهب والاعراق هو الحل الامثل الذي يمكن ان يحقق العدالة بين ابناء الشعب الواحد لأنه لا يفرق بين شخص واخر ألا بالكفاءة والعمل والاخلاص. كما ان الدولة المدنية التي ينادي بها التيار القومي العربي يهدف الى منافسة شريفة بينه وبين الاخرين ايا كان مذهبهم وينبغي ابعاد الدين عن الشؤون السياسية العامة. كما ان هناك ضرورة على ان يكون ولاء اعضاء تلك التنظيمات والاحزاب السياسية والمهنية والنقابية وطنيا خالصا بعيدا عن المذهب والدين والعرق والعشيرة والنفوذ الاجنبي.<hr>