-
1 مرفق
اقلام واراء عربي 279
اقلام واراء عربي 279
استهداف المخيمات الفلسطينية.. لماذا؟!
بقلم: إبراهيم عباس عن المدينة السعودية
في إحصاء رسمي لوكالة الغوث الدولية، بلغ عدد المخيمات الفلسطينية التي تعترف بها 59 مخيمًا، مع وجود مخيمات لا تعترف بها الوكالة، وهي عبارة عن تجمعات للاجئين الفلسطينيين لا تحظى بتقديم الخدمات المقدمة للمخيمات الأخرى إلاَّ جزئيًّا، كالتعليم والصحة فقط، وتتعامل مع احتياجاتهم أو معاملاتهم عبر مخيمات رسمية مجاورة لهم، ومثال ذلك مخيم اليرموك الذي أنشئ عام 1957، ويعتبر أكبر المخيمات الفلسطينية في الداخل والخارج.
عانى اللاجئون الفلسطينيون في تلك المخيمات البائسة عبر 64 عامًا من عمر النكبة الفلسطينية الكثير من مظاهر الفقر والحرمان، وكان بالإمكان غض الطرف عن هذا الجانب الإنساني من المعاناة، لكن المؤسف والمؤلم أن تتجاوز تلك المعاناة ذلك الجانب، وتصل إلى مستوى الإبادة الجماعية لسكانه من خلال المذابح والمجازر وعمليات التدمير الكامل.
والمؤسف والمؤلم أكثر أن تتم تلك المجازر في الكثير من الأحيان بأيدٍ عربية، يُفترض أن توفر الحماية والرعاية للاجئين الفلسطينيين في تلك المخيمات، لا أن تقوم بتصفيتهم وتدمير تلك المخيمات على رؤوسهم، كما حدث في مخيمي تل الزعتر، وصبرا وشاتيلا، وصولاً إلى المأساة التي تعرض لها لاجئو مخيمي اليرموك، ودرعا في سوريا مؤخرًا.
بالتأكيد لا يعتبر ذلك بمثابة صك براءة لإسرائيل، فقد دمّر الصهاينة الكثير من المخيمات الفلسطينية نتيجة حرب حزيران، وأفرغت من سكانها مثلما حدث لمخيم "النويعمة" الذي لم يتبق به أحد. وهجر معظم اللاجئين في مخيم "عين السلطان"، ومخيم جنين في الضفة الغربية بعد عمليات قتل وتدمير جماعي للسكان والمباني، وارتكبت المجازر في خان يونس، ورفح، ودير البلح، وجباليا، وغيرها من مخيمات قطاع غزة.
لكن تعتبر مذبحة صبرا وشاتيلا التي ارتكبت عام 1982 من قبل الميليشيات المسيحية، بالتنسيق والإشراف مع مجرم الحرب الصهيوني أريل شارون، وتحت حمايته، عندما كانت قواته تحتل بيروت في ذلك الوقت الأكثر دموية من بين تلك المذابح، عندما راح ضحيتها حوالى 3000 فلسطيني ولبناني. لكن قبل صبرا وشاتيلا كانت هنالك مذبحة لا تقل بشاعة (مذبحة تل الزعتر- 1976) ارتكبها حافظ الأسد، بالاشتراك مع الميليشيات المسيحية خلال الحرب اللبنانية الأهلية ضد سكان المخيم، ووثقها محمود درويش في قصيدته التي أعتبرت خير شاهد على المجزرة والتي قال فيها:
أنا أحمدُ العربيُّ - فليأتِ الحِصارْ
جسدي هو الأسوار - فليأتِ الحصارْ
وأنا حدود النار - فليأتِ الحصارْ
وأنا أحاصركم
أحاصركم
الأسبوع الماضي تكرر مشهد المذبحة والدمار في المخيم الفلسطيني، وكان الضحية هذه المرة: مخيم اليرموك بالقرب من دمشق بسكانه الذين يربو عددهم على مائة ألف لاجئ، قُتل منهم مَن قُتل، وجُرح منهم مَن جُرح، فيما لاذت مئات العائلات التي دفعها قصف النظام للمخيم بلا هوادة، إلى النزوح باتجاه الحدود السورية مع لبنان والأردن، بحثًا عن ملاذ آمن.
ما حدث في مخيم اليرموك، وما حدث قبل ذلك لعشرات المخيمات الفلسطينية في بلدان الجوار العربي يتطلب إجراءً دوليًّا حاسمًا، وتحركًا فلسطينيًّا وعربيًّا عاجلاً لتحسين أوضاع سكان تلك المخيمات، وتوفير الحماية لهم، وتوخي آلية للحيلولة دون تكرار تلك المذابح، بدءًا من نزع كامل للسلاح، أو أي مظاهر للقوة داخل تلك المخيمات، والكف عن استخدام السكان وقودًا للنزاعات الطائفية والحروب الأهلية، كما حدث في لبنان في السبعينيات، وكما يحدث في سوريا الآن.
أمريكا تؤيد الاستيطان
بقلم: نبيل غيشان عن العرب اليوم الأردنية
ردود الأفعال العربية وخاصة مصر والأردن لم ترق إلى مستوى الحدث
لم يعد أمام دولة فلسطين من مخرج سوى خيارات محدودة للرد على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بعد انفلات عقال الاستيطان في القدس الشرقية، وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية بكل وقاحة لحماية نتنياهو في مخالفته للمزاج العام الدولي، بعد تصويت 138 دولة لصالح عضوية غير مكتملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة.
قبل يومين جنحت الولايات المتحدة إلى القبول أو السكوت عن الإجراءات الاستيطانية بعد أن أفشلت قرارا أمميا وافقت عليه 14 دولة عضوا في مجلس الأمن لإدانة المشروعات الاستيطانية الإسرائيلية الجديدة في القدس والضفة الغربية باعتبارها عقبة أمام حل الدولتين، وظهرت الغطرسة الأمريكية بعد أن وقفت على الضد من دول العالم في مجلس الأمن، ما دفع ( ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، البرتغال) إلى إصدار بيان مشترك بعد انتهاء مداولات مجلس الأمن يدين إسرائيل على مشروعاتها الاستيطانية، باعتبارها منافية للقانون الدولي وغير شرعية، وتساهم في تقويض حل الدولتين وتعرّض أيضا أمن إسرائيل للخطر.
تواجه الدولة الفلسطينية اليوم تحدّيين رئيسيين الأول هو حملة الاستيطان الصهيونية الوقحة وغير المسبوقة التي ستفصل بين القدس الشرقية وبيت لحم ورام الله، وهو عمل يقصد منه إنهاء حل الدولتين، والثاني الخوف من إعادة انتخاب نتنياهو رئيسا للوزراء بدعم تحالف اليمين والمستوطنين، وهما خياران صعبان في ظل هواية "الفرجة" التي تمارسها الإدارة الأمريكية ما يجعلها شريكة في العدوان والعمل ضد إحلال السلام في المنطقة.
وفي المقابل، فإن ردود الأفعال العربية وخاصة مصر والأردن لم ترق إلى مستوى الحدث، فما زالت مصر مهتمة بإدامة التهدئة التي توسطت فيها بين إسرائيل وحماس، وهي أيضا مشغولة في واقعها الداخلي المرير، وفي المقابل فإن خوفها من إغضاب الإدارة الأمريكة في الملف الإسرائيلي يكبّل يديها في دعم أي موقف عربي ضد الإجراءات الإسرائيلية أو الموقف الأمريكي، رغم أن الموقف العربي أصبحت لديه حاضنة دولية لإدانة إسرائيل، إلا أن الجميع يقفون متفرجين، ما يسهّل مهمة نتنياهو الذي يستعد للفوز في الانتخابات المقبلة.
والغريب أن الولايات المتحدة تعرف مثل غيرها أن الإجراءات الإسرائيلية الأحادية تعرقل حل الدولتين، وبات الجميع يخشون أن يصبح حل الدولتين "مستحيلا"، وليس هناك من خيار أمام أنصار السلام سوى مقاومة خطط نتنياهو الاستيطانية ، فقد وفر قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة بإعطاء فلسطين صفة دولة غير عضو والاعتراف بحدود حزيران 1967 فرصة حقيقية للبناء عليها، وأعطى شبه طمأنة للفلسطينيين بحدود الدولة المقترحة، فلا حل يمكن أن يقبل به الفلسطينيون من دون القدس الشرقية المتصلة مع الضفة الغربية وبحدود حزيران.
الحل أمام الشعب الفلسطيني أن يضغط على قيادته في رام الله وغزة من أجل التوحد على برنامج الحد الأدنى الذي وافقت عليه حماس عند تأييدها خطوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقبل ذلك أو بعد اتخاذ قرار بالتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية لطلب معاقبة إسرائيل على جرائمها بما فيها الاستيطان وحصار غزة، وهي لغة تعرفها إسرائيل جيدا.
وإذا لم تفلح تلك الجهود بما فيها الحديث عن عودة إلى مفاوضات السلام في شباط المقبل، فليس أمام الفلسطينيين شعبا ودولة إلا إطلاق العصيان الشعبي المدني في انتفاضة سلمية ثالثة تكمل الجهود الشعبية التي وقفت عام 2005، وتحاكي موجات الربيع العربي التي أسقطت عروش الدكتاتورية العربية وهي قادرة على هزّ عرش الاحتلال والاستعمار.
الاتحاد الأوروبي و«الضريبة الكلامية» حول الاستيطان!
بقلم: مأمون الحسيني عن الوطن السورية
ما زال معظم وسائل الإعلام وعدد وافر من المحللين السياسيين يصرَون على اعتبار معارضة الاتحاد الأوروبي «الشديدة» للخطط الاستيطانية الإسرائيلية التي أشهرت بعد اعتراف الجمعية العامة الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية «غير العضو»، ولاسيما القرار المتعلق ببناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية في المنطقة المسماة «e- 1» التي تربط القدس بمستوطنة «معاليه أدوميم»، وتشكل الرواق الأخير الذي يصل شمال الضفة الغربية بجنوبها. ما زالوا يصرَون على اعتبار ذلك بمنزلة منعطف نوعي من طراز جديد في موقف دول القارة العجوز حيال قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي القلب منها قضية الاستيطان التي طالما اعتبرتها هذه الدول «مخالفة للقانون الدولي، وتمثل عقبة أمام السلام»، ولكن دون أن تلجأ إلى أي إجراءات ملموسة تترجم هذا الموقف.
الحيثيات التي يستند إليها هذا التقدير لا تتجاوز، في الواقع، ما جاء في بيان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الصادر في العاشر من الشهر الجاري، الذي، وإن أعرب عن «الصدمة» من القرار الإسرائيلي، وشدد على رفض الاتحاد الاعتراف بأي تغيرات على حدود عام 67 بما في ذلك مدينة القدس ما لم تكن هذه التغيرات بالاتفاق بين الأطراف، لم يأت بجديد على صعيد الخطوات العملية التي يمكن اللجوء إليها في حال تنفيذ المخطط الاستيطاني في «e- 1»، أو إعلان المزيد من عطاءات الاستيطان، وهو ما حدث فعلاً بعد صدور البيان الأوروبي، اللهم باستثناء إعادة التأكيد أن دول الاتحاد ستعمل فوراً على تطبيق قانون منتجات المستوطنات، وتفعيل الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل بهذا الخصوص.
وعلى رغم وجود متغير أوروبي مهم له علاقة بارتفاع منسوب الامتعاض الشعبي في مختلف دول الاتحاد من الممارسات العدوانية الإسرائيلية، وفق مؤشرات عدة، إلا أن أنظمة هذه الدول التي تقدم نفسها كوسيط أمين ومخلص في الشرق الأوسط، تمارس، في الحقيقة، نوعاً من النفاق المغلف بـ«سوليفان» الحرص على الحقوق الفلسطينية والعربية المنتهكة من الكيان الإسرائيلي. إذ، ففي مقابل إدانة ممارسات الاحتلال العدوانية، وخاصة الاستيطانية منها، في التصريحات والبيانات كـ «ضريبة كلامية: لا تقدم ولا تؤخر، تواصل معظم هذه الأنظمة السياسية، وفي مقدمها بريطانيا التي مهَدت التربة لقيام كيان الاحتلال، وفرنسا التي تعتبر أن أي اعتداء على إسرائيل هو اعتداء عليها، وألمانيا التي تزعم أنها أمام مسؤولية تاريخية تجاه اليهود بسبب الهولوكوست، وإيطاليا التي تدعو لدعم إسرائيل واليهود بكل الأشكال. تواصل تطوير علاقاتها التحالفية مع هذا الكيان المارق في مختلف المجالات.
ويوضح التدقيق في بعض مناحي هذا «التحالف الآثم»، وفق تسمية الصحفي الأيرلندي ديفيد كرونين المتخصص في السياسة الأوروبية، بأن دول الاتحاد التي كانت تسوّغ، على الدوام، اعتداءات إسرائيل على العرب والفلسطينيين وتعتبرها «موقفاً دفاعياً»، ما زالت تستورد نحو 40% من كمية الناتج المحلي الإسرائيلي، كما تتمسك بالتعاون مع الكيان في مختلف المجالات، ولاسيما في حقل البحوث العلمية الذي يعتبر من أكبر حقول التعاون والتنسيق بين الجانبين، وذلك على رغم الخسائر التي تتكبدها لمصلحة إسرائيل التي أصبحت في عام 2007 من أولى الدول المجاورة للاتحاد الأوروبي التي تندمج في «برنامج الابتكار والتنافس» المخصص له 6.3 مليارات دولار بين 2007 و2013، الذي يسمح لـلدولة العبرية بالمشاركة في المشاريع المشتركة مع الشركات الأوروبية، إضافة إلى الانضمام إلى «برنامج أوروبا للمشروعات» الذي يساعد الشركات في الحصول على التمويل العام.
ولأن طيف التحالف الأوروبي الإسرائيلي يمتد إلى ما هو أوسع من القضايا الاقتصادية، بما في ذلك تراكم الآثار الجانبية الخاطئة للمساعدات المقدمة من الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين التي تجد 45% منها طريقها إلى اقتصاد إسرائيل، فإن التعاون المثمر والمؤثر والكثيف بين الجانبين جعل إسرائيل تعد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، على جميع الصعد، ما عدا انتماءها الاسمي فقط. وتكفي الإشارة إلى ما كشفته صحيفة «يديعوت أحرنوت» العبرية حول التعاون الاستخباراتي بين الطرفين، وقيام رئيس الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي الميجر جنرال أفيف كوفاخي، مؤخراً، بزيارة سرية لعدد من الدول الأوروبية لبحث الأوضاع في سورية والأسلحة الكيماوية في البلاد، والسبل الكفيلة بـ«منع سقوط هذه الأسلحة في أيدي جهات عدائية»، بما فيها «حزب الله» اللبناني.
كلام للعرب.. وفعل لإسرائيل
بقلم: علي الطعيمات عن الوطن القطرية
الادارة الاميركية تقول ان الخطط الاستيطانية الجديدة «استفزازية» وانها «تشعر بخيبة أمل كبيرة» وان الخطة تجعل هدف «حل الدولتين» في خطر، ولكنها في ذات الوقت لوحت باستخدام حق النقض «الفيتو» لاسقاط قرار اممي يلزم قانونا دولة الاحتلال الاسرائيلي بعدم البناء الاستيطاني، الامر الذي افسد اجماعا دوليا على ادانة الشره الاستيطاني اليهودي، وكبح جماحه.
تناقض واضح في السياسة الاميركية في التعامل مع قضايا الصراع العربي الاسرائيلي، فهي تعطي العرب كلاما معسولا، وانتقادات لتصرفات دولة الاحتلال، في ذات الوقت الذي تمد يد المساعدة والحماية عند الاختبار الحقيقي لهذه الادانات التي لاتتجاوز كونها لتسكين الجانب العربي «الساكن اساسا»، وامداده بأمل «وهم السلام» وبـ«الدولة الفلسطينية المستقلة» عبر كلام «ممنوع من الصرف»، شراء للوقت ريثما تستكمل دولة الاحتلال كافة مخططاتها وكافة ادوات أحكام سيطرتها وهيمنتها على المنطقة .
فكافة اعضاء مجلس الامن الدولي عندما اصطدموا بالتلويح الاميركي بالفيتو اصدروا بيانات استنكار وتحذير من مخاطر المغامرات الاستيطانية الاسرائيلية على «فرصة حل الدولتين»، الا الولايات المتحدة حامية الاحتلال الاسرائيلي الاستيطاني وجرائمه في مجلس الأمن الدولي.
ولكن من الواضح ان هذه الشراكة الاستراتيجية الاميركية ـ الاسرائيلية، وما ينجم عنها من تحد اسرائيلي سافر للمجتمع الدولي، ومن دعم اميركي لهذا التحدي،يدعمه ضعف الموقف العربي وتهاونه.
هل سنبقى في دائرة الكلام الذي لم نعد نحسن غيره، ام ان «الربيع العربي» سيزهر في الصراع العربي ـ الاسرائيلي وتستعيد الأمة ذاتها.
«الصهيونية» العربية خطر حقيقي
بقلم: سمير كرم عن السفير البيروتية
لم يعد من الممكن، او حتى الجائز، السكوت على التحالف القائم مع إسرائيل من جانب عدد من الدول العربية التي ترتبط سياساتها بالولايات المتحدة من حيث المناهج والأهداف، وإن يكن بعض هذه الدول لم يقم حتى الآن علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل.
لم يعد هذا ممكناً وإن كان قد استمر لحقبة طويلة، على الأقل منذ تحالفت الولايات المتحدة وإسرائيل على الأسس «الصهيونية» وأهدافها، الامر الذي لا يزال مستمراً حتى الآن، وبصفة اوضح منذ ظهور إيران الثورة واتخاذها عقيدة وسياسة العداء تجاه إسرائيل، وبصفة خاصة بعد ان وجدت هذه الدول العربية في التناقض مع سياسات إيران تجاه إسرائيل ذريعة للانضواء تحت اعلام الصهيونية الاميركية والاسرائيلية.
ما الذي يثير هذه القضية الآن؟ يثيرها خروج هذا التحالف بين «الصهيونية» وهؤلاء العرب من نطاق الكتمان والسرية وبالتالي الإنكار الى نطاق يقترب من العلنية، حتى اصبح بالإمكان إطلاق صفة «الصهيونية» على هذا البعض من الدول العربية. يثيرها امتداد التحالف بين الصهاينة العرب من حدود التحالف مع اميركا استراتيجياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً الى حدود التحالف مع اسرائيل بصورة شبه علنية من الناحية الاستراتيجية ومن النواحي السياسية.
ذلك ان انضمام الدول العربية «الصهيونية» الى حلف الاطلسي، بصورة غير مباشرة، يتزامن مع انضمام اسرائيل غير المباشر الى هذا الحلف تحت إشراف عسكري من الولايات المتحدة ورضوخ اوروبي واضح. وقد كان من الممكن ان يكون هذا الانضمام وذاك مجرد مناورات عسكرية تجمع بين هؤلاء وإسرائيل، إلا أن الأمر يتجاوز هذا الحد من التنسيق الى آفاق اوسع استراتيجياً وسياسياً. وبالمناسبة فليس هناك أي إنكار من جانب اسرائيل او اميركا او اوروبا لهذا التطور الذي بدأ منذ نحو عشر سنوات، ولكن إنكار الصهاينة العرب لا يصل الا الى حدود الكتمان، اي عدم ذكر شيء عن هذا التنسيق والتحالف مع أميركا وأوروبا واسرائيل تحت مظلة حلف شمال الاطلسي.
المرحلة الجديدة من اعتناق دول عربية بعينها هذا النطاق من «الصهيونية» بدأت مع بداية ما أسمي بالربيع العربي. اي ان هذه المرحلة بدأت قبل اكثر قليلاً من سنتين. ولا يحتاج الامر الى أدلة ناصعة اكثر من نصوع أدلة المواقف التي تتخذها الولايات المتحدة وتتخـذها اوروبا، وكذلك دول عربـية ذات نفوذ وتأثير كبـيرين وذات مشاركة اكيدة في نشاطات ومناورات حلف الاطلسي ازاء احـداث الربيـع العربي في كل من تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن وما قد يستـجد. وإذا كان بعض الغموض لا يزال يكتنف هذا التطور الخطير، الذي يأخذ دولا عربية بعينها باتجاه «الصهيونية»، فإن من الضروري الاعتراف بأن مقاومة هذا التيار الخطر قائمة في كل من البلدان التي داهمها الربيع العربي او اختلط فيها بالتيارات الثورية. ونذكر هنا بشكل خاص كلا من مصر وسوريا. وهذا امر طبيعي بحكم الدور التاريخي لكل من مصر وسوريا في التطورات الحاسمة وأيضاً القاسمة في مصير الأمة العربية.
إن مصر تقاوم على طريقتها، وبصفات المقاومة التي عرفتها طوال تاريخها القديم والحديث، دخول نمط الربيع العربي الذي ايده ودعمه الغرب ومعه اسرائيل. فهذا ما اتضح من صعود دور «الإخوان المسلمين» منذ ان استولوا على الثورة ومنها على الدولة. لقد تواكب هذا الصعود المزدوج مع الانقلاب الكامل في نظرة «الإخوان المسلمين» وعقائدها تجاه اسرائيل. أما ما اتضح عن موقفهم من الولايات المتحدة ودورها في مصر وفي المنطقة فانه لم يأت بجديد، لأن علاقاتهم بالولايات المتحدة قديمة ترجع الى عقد الأربعينيات من القرن العشرين.
وقد يثير الدهشة هذا التزامن بين بداية العلاقات الإخوانية الأميركية ونشأة دولة اسرائيل. ولكن هذه الدهشة تبدأ في الزوال مع ظهور المرحلة الجديدة الآنية من صهيونية «الإخوان المسلمين» التي جعلت من الوئام في العلاقات بين التنظيم ودولة اسرائيل سمة واضحة من سمات السياسة الخارجية للدولة الإخوانية. وهي سياسة تصرح علانية - وإن يكن ذلك من دون بيـانات رسمية - بأن دولة «الإخوان» تبقي على العلاقات مع اسرائيل في مسارها الذي امتد طوال عهدي السادات ومبارك.
وبالتالي فإن المقاومة المتبادلة بين الإخوان المسلمين ومن تسميهم بالاحزاب الليبرالية واليسارية، وهي تعني احزاب الثورة المصرية التي تقاوم الصعود الإخواني بكل ما يعنيه داخلياً وخارجياً، تعكس بوجهيها حالة الحرب الثورية بين هذين الكيانين اللذين يشكلان في ظروف مصر، وعلى الرغم من طبيعة مصر السلمية، احتمالات الحرب الأهلية الحقيقية، بين الثورة كما تتمثل في الجماهير الشعبية، والثورة المضادة كما تتمثل في «الإخوان المسلمين» ومن يتحالفون معهم.
إن أقصى ما تريده الولايات المتحدة الآن بهذه الصفة هو ان تستسلم سوريا لسلطة «الإخوان المسلمين» او ما يماثلها. وقد تصاعد دور «الإخوان» في سوريا بدرجة واضحة في الشهور الأخيرة، وقد ينذر هذا الصعود بدورة جديدة من العنف الدموي بين تنظيمين تؤيدهما الولايات المتحدة في الصراع الراهن، وهما تنظيم «الإخوان المسلمين» السوري الذي يمارس العمل المسلح صراحة وعلناً، وتنظيم «القاعدة» الذي لا يعترف بانتماء، ويفضل ان يُرى كتنظيم اسلامي واسع الانتشار بأسلحته في العالم الاسلامي ككل.
قد تكون المرحلة التالية من الصراع الدامي في سوريا مرحلة صدام مسلح بين تنظيم «الإخوان المسلمين» وتنظيم «القاعدة». وليس من المستبعد في اللحظة الراهنة ان تكون الولايات المتحدة بصدد محاولة جادة ودؤوبة لمنع مثل هذا الصدام من الوقوع، لأن هذا المنع هو الضامن الوحيد لربيع عربي اميركي النزعة في سوريا. وقد تكون المرحلة التالية من الصراع غير الدموي في مصر بين تنظيم «الإخوان المسلمين» والتنظيم الثوري الجماهيري المقاوم لهيمنة «الإخوان» على الدولة. لا يزال احتمال انتصار الصراع السياسي في مصر بين الإخوان والتيار الشعبي الثوري المناهض لهم هو الاحتمال الممكن. ولا يبقى هذا الاحتمال ممكناً إلا إذا قرر الإخوان المسلمون (التنظيم المصري) أن يبقوا على إخفاء تسليحهم وميليشياتهم المدربة على القتال. وهو احتمال لا يمكن تقديره إلا في ضوء مدى تمسك «الإخوان» في مصر بالهيمنة على السلطة.
نحن إذن بصدد احتمالات تحول الوضع السوري الى وضع اكثر شبهاً بالوضع المصري، واحتمالات تحول الوضع المصري الى وضع اكثر شبهاً بالوضع السوري، في ظل وضع عربي عام تؤدي فيه المملكة العربية السعودية وقطر ومملكة البحرين دوراً داعماً للوضع المصـري قـابلاً للاستمرار حتى وإن تحول هذا الوضع الى الصدام الدامي، ودوراً داعماً للوضع السوري الدامي، حتى وإن تحول الى وضع يلخصه صراع على السلطة بين طرفين هما تنظيما «الإخوان المسلمين» و«القاعدة». وفي الحالتين فإن الولايات المتحدة ستتطلع الى أداء دور الوسيط بين الطرفين في مصر وفي سوريا.
ويصبح السؤال عندئذ كيف سيكون وضع الدول العربية «الصهيونية» اذا وقعت هذه التطورات. إن السعودية، التي تؤدي دور القائد لهذا التيار الصهيوني العربي، ستجد نفسها أمام مهمة بالغة الصعوبة، هي مهمة إقناع القادة في مصر وسوريا بما اقتنعت به هي من قبل، وهو القبول بوجود إسرائيل ودورها في المنطقة العربية. وليس من المستبعد أبداً أن تكون السعودية في الوقت الحاضر هي التي تتزعم دور إقناع المنطقة العربية بـ«الصهيونية» وأهدافها، باعتبارها قوة قائمة لا يمكن تجاهلها كما لا يمكن إسقاطها. وهذا الدور أحدث انعكاساته على مواقف تنظيم «الإخوان المسلمين» في مصر بعد صعوده الى سلطة الدولة. أما لماذا لا نتساءل اذا كانت السعودية قد أدت هذا الدور مع تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا، فذلك لأن من طبيعة تنظيمات الإخوان المسلمين في العالم ككل أن تكون على اتصال واتفاق بشأن مواقفها الداخلية والخارجية. فلا بد أن يكون تنظيم الإخوان المسلمين السوري قد وصل الى القناعة نفسها بشأن إسرائيل و«الصهيونية» مثل القناعة التي توصل اليها تنظيم الإخوان المسلمين في مصر بهذا الشأن.
بعد هذا كله وليس قبله لا بد أن نكون واعين بحقيقة أن الوضع العربي في شموله لا يتألف فحسب من دول تملك السلطة وتديرها تنظيمات معينة. إنه يتألف أيضاً، وبالدرجة الاولى، من جماهير شعبية بينها تلاحم في الأهداف القومية السياسية والإستراتيجية على الأقل. وينبغي هنا، في هذا السياق على وجه التحديد، أن نذكر أن الربيع العربي الزائف الذي رعته الولايات المتحدة في الوطن العربي يسير نحو مصير الانهيار بثبات. ومع ذلك فإن ربيعاً عربياً حقيقياً يوشك أن يبدأ. وربما يبدأ من المناطق التي تسيطر عليها الدول «الصهيونية». وربما يبدأ من حيث يبذل «الإخوان المسلمون» كل جهودهم لتحقيق سيطرة كاملة على السلطة. وهو اذا بدأ ـ بهذه الصفة ـ من مصر يكون هذا بمثابة إشارة الى انتشاره في الوطن العربي ككل. ويكون علامة على عهد جديد من القومية العربية والثورية العربية.
أليس هذا تفاؤلاً مفرطاً يتجاوز الأوضاع الراهنة ويتجاوز الممكن في الظروف الحالية؟
انما يتطلب هذا كله أن نعي المعاني الحقيقية التي ينطوي عليها واقع الوطن العربي الذي وصل الى حد من الخطر أصبح عدد من حكامه يلجأون فيه الى التحالف مع «الصهيونية» خشية فقدان الحكم.. إن اقتراب هؤلاء من «الصهيونية» دور مؤقت يبعدهم اكثر عن الجماهير الشعبية ويقربهم اكثر الى فقدان الحكم بعد ان فقدوا العقل.
منظوريّة الإخوان المصريّين
بقلم: حازم صاغيّة عن الحياة اللندنية
في التاريخ المصريّ الحديث يبدو الإخوان المسلمون، والإسلاميّون استطراداً، كائناً غير منظور، وفي أحسن الأحوال غامضاً. فهم يندرجون في تواريخ ثلاثة يصعب وصل أيّ منها بتاريخ سياسيّ محدّد أو ردّه إليه.
فتارةً يقيم الإسلاميّون في تاريخ الدعوة والهداية، وهذا ما يصحّ خصوصاً في السنوات الأولى التي أعقبت تأسيس الإمام حسن البنّا جماعة الإخوان في الإسماعيليّة عام 1928. وتارةً تراهم مُقيمين في تاريخ الإرهاب والنشاط الميليشيويّ الموازي. يصحّ ذلك في تأسيس التنظيم الإرهابيّ المسمّى «النظام الخاصّ»، المتفرّع عن الإخوان، في 1940، ثمّ في حركة الاغتيالات السياسيّة النشطة التي حصدت، في مَن حصدت، رئيسي حكومة هما محمود فهمي النقراشي وأحمد ماهر، قبل أن يجيء الردّ عليها باغتيال البنّا نفسه عام 1949. وهذا الموقع الوطيد في تاريخ الإرهاب عاد يثبّت نفسه من جديد في النشاطات الفاشيّة التي شاركتهم إيّاها «مصر الفتاة» قبيل انقلاب يوليو 1952، ثمّ لاحقاً مع أفكار سيّد قطب في الستينات والتي فعلت فعلها باغتيال أنور السادات في 1981 وبولادة حركات «الجهاد» الشهيرة. كذلك كان للإخوان موقع مرموق في تاريخ الاضطهاد والظلم الذي أنزله بهم جمال عبد الناصر منذ محاولة اغتياله في 1954، ثمّ السادات في النصف الثاني من عهده، وصولاً إلى العهد المديد لحسني مبارك. هنا كُرّسوا ضحايا، تموّه صورتُهم الضحويّة صورتيهم الأخريين وتخفّف منهما.
وكانت المرّات القليلة التي تمّ التعامل فيها مع الإخوان بشكل شبه سياسيّ فتراتٍ قصيرة جدّاً. ينطبق هذا الطابع العابر على التحالف الذي أقامه معهم الملك فاروق (والشيخ المراغي وعزيز علي المصري ومصر الفتاة) في ما عُرف بأزمة فبراير 1942 مع الإنكليز، ثمّ التحالف مع عبد الناصر وضبّاطه الأحرار الذي استمرّ أقلّ من عامين، والتحالف الآخر مع السادات في النصف الأوّل من عهده. وفي الحالتين الأخيرتين انتهى الأمر، كما هو معروف جيّداً، قمعاً شرساً.
ثورة يناير جعلت الإخوان، والإسلاميّين عموماً، قوّة منظورة. لقد باتوا في قلب المشهد السياسيّ وفي واجهته، حكّاماً ومحكومين. صاروا أجساماً بعدما كانوا أشباحاً أو جثثاً. وقد كان من غير المنطقيّ، بل من غير الطبيعيّ، أن تعمل عناصر عدّة على تقوية الإسلاميّين، خصوصاً منها السياسات الرسميّة وانكفاء الدولة عن وظائفها الخدميّة، وأن يبقوا، في الآن نفسه، خارج المشهد والمنظوريّة السياسيّين.
بهذا كسرت ثورة يناير ذاك التناقض الكبير في التاريخ المصريّ الحديث، وإلى حدّ ما العربيّ، ناقلةً المسألة إلى عناوين أخرى تُطرح على الأجسام، لا على الأشباح والجثث: هل ينصاع الإسلاميّون للّعبة السياسيّة؟ هل المجتمع المتأسلم، مجتمعهم، يجعل العقل والمصالح، لا الغيب، معيار اختياره لخياراته المستقبليّة؟ هل يمكن أن يُبنى معهم وطن ودولة وأمّة حديثة، أم تتكرّس جماعة وأمّة دينيّة يكون كلّ واقفٍ خارجها خارجيّاً بحتاً؟
وهذا بذاته إنجاز كبير، حتّى لو لم تأت الثورة المصريّة سواه. فكيف وأنّ الأحداث الغنيّة التي تعيشها مصر تجعل الإجابات، السيّء منها والجيّد، تتسارع على نحو كان توقّعه، قبل أشهر فحسب، صعباً جدّاً!
سياسة حافة الهاوية في مصر؟
بقلم: عماد الدين أديب عن الشرق الأوسط
في الوقت الذي تتركز فيه عدسات التلفزيون على الأحداث السياسية في مصر، تتغافل عن رصد العديد من الظواهر المالية والاقتصادية التي تؤثر على البلاد.
أهم هذه الظواهر هي:
أولا: استحواذ بنك قطر الوطني على بنك سوسيتيه جنرال المصري الفرنسي.
ثانيا: استحواذ بنك دبي الوطني على بنك بي إن بي باريبا.
ثالثا: إنهاء صفقة بين شركة «الفطيم» الإماراتية مع مجموعة «المنصور» لشراء متاجر مترو الغذائية بحيث تنضم إلى مجموعة «كارفور» العاملة في مصر.
رابعا: ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري في أعلى ارتفاع منذ ثورة 25 يناير 2011.
خامسا: الحديث عن تناقص حاد في الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الغذائية والمواد النفطية بسبب ندرة وجود النقد الأجنبي لاستيرادها.
سادسا: الحديث عن «التجميد المؤقت» لاتفاقات مصر مع صندوق النقد الدولي فيما يختص بتدبير ما قيمته 4.8 مليار دولار، والاتحاد الأوروبي بما قيمته 4 مليارات يورو.
كل هذه الأمور هي فاتورة باهظة التكاليف يدفعها الاقتصاد المصري نتيجة التجاذب السياسي الذي تشهده البلاد منذ إطلاق الإعلان الدستوري يوم 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
إنه أغلى قرار سياسي في تاريخ مصر المعاصر ولا أحد يعرف لماذا كان يتعين على الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي أن يدفع هذه الفاتورة من أجل منع أضرار أقل بكثير من القيمة التي دفعها الشعب المصري.
وإذا كان هناك من يعتقد وهما أو كذبا أنه بالانتهاء من موضوع الدستور اليوم، فإن الأمور سوف تهدأ وإن المسألة عادت إلى المربع صفر، فإن هذا التصور خاطئ تماما.
قد تبدو الأمور هادئة على السطح، ولكن عناصر التوتر والتفجر ما زالت قوية وهادرة، لأن هناك أزمة أساسية في أسلوب صناعة القرار السياسي في البلاد.
إن الدستور عرض لمرض أساسي اسمه «العداء التاريخي بين النظام وخصومه»، وإن لم يتم فك الاشتباك بين هذه القوى وبعضها البعض، فإن الأزمات سوف تتصاعد، والاقتصاد سوف يتحول أكثر وأكثر إلى اقتصاد طارد، وفاتورة الحل سوف تزداد كلفة وتأثيرا.
مصر على حافة خطر سياسي، وهاوية مالية.
هل يكون أسبوع الانفراج؟
بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
إذا جاز لنا أن نبحث عن خيط للتفاؤل فى مصر المحتقنة والمتوترة. فقد نراهن فى ذلك على الأسبوع الذى يبدأ اليوم (السبت 22/12)، الذى أزعم أنه يمكن أن يمدنا بذلك الخيط ــ لماذا؟ ــ لسببين. أولهما أن المرحلة الثانية من الاستفتاء على الدستور ستحسم لنا الجدل حول نعم أو لا. وبذلك سيصبح بين أيدينا مشروع للدستور يمكن أن تجرى على أساسه الانتخابات النيابية القادمة، الأمر الذى يفترض أن يسمح بدوران العجلة واستكمال بناء مؤسسات الدولة. السبب الثانى أنه يفترض أن تعقد يوم الثلاثاء القادم الجولة الرابعة من حوار القوى السياسية، التى تستهدف التوافق على المواد الخلافية فى الدستور، وما يتعين تعديله منها أو حذفه أو إضافته. وحسب معلوماتى فإن أغلب القوى المعارضة التى قاطعت الحوار أبدت استعدادها للانضمام إليه بعد الانتهاء من الاستفتاء أيا كانت نتيجته. والوحيد الذى لم يعد بالمشاركة فى الحوار هو الدكتور محمد البرادعى أما زملاؤه فيما عرف باسم جبهة الإنقاذ فقد أبلغوا أمانة لجنة الحوار بأنهم سيشاركون فى الحوار المفترض.
أثناء مناقشة الموضوع مع نائب الرئيس المستشار محمود مكى قال لى إن نتائج الحوار التى سيتم الاتفاق عليها ستتضمنها وثيقة يقرها ويوقع عليها الرئيس محمد مرسى. وهذه ستعلن على الكافة، وسيتعهد الرئيس بمقتضاها بتقديمها إلى أول جلسة للبرلمان المنتخب، لإقرار التعديلات على الدستور التى انتهى إليها وأقرها المشاركون فى لجنة الحوار.
هذا الكلام أغرانى بأن أطرح عليه السؤال التالى: إذا كان هناك استعداد لإدخال تعديلات القوى الوطنية على مشروع الدستور، أما كان من الأولى أن يؤجل الاستفتاء للاتفاق على تلك التعديلات، بدلا من إجراء الاستفتاء أولا ثم اللجوء إلى التعديل فى وقت لاحق؟ فى رده فاجأنى نائب الرئيس بقوله إن الرئيس مرسى كان قد وافق على فكرة تأجيل الاستفتاء، وأن مستشاره القانونى أعد له صيغة قرار جمهورى بهذا المعنى. نص على إجراء الاستفتاء خلال 30 يوما من الانتهاء من مشروع الدستور، بدلا من الـ15 يوما المنصوص عليها فى التعديل الدستورى المعمول به. وكان الرئيس على استعداد لتوقيع القرار ولكنه (المستشار مكى) تدخل فى اللحظة الأخيرة وطلب من المستشار القانونى دراسة مدى دستورية ذلك القرار، لتجنب الطعن فيه أمام المحاكم، الأمر الذى يهدد بإبطال الاستفتاء بدعوى مخالفته للنص الدستورى.
حين تمت دراسة هذه النقطة تبين أن قرار الرئيس مهدد فعلا بالطعن والإلغاء، وأنه لا مفر من إجراء الاستفتاء فى موعده دون تأجيل، ولذلك استبعدت الفكرة ولم يكن هناك مفر من تحديد موعد الاستفتاء خلال 15 يوما.
فى حدود علمى أيضا فإنه قبل إعلان النتيجة الرسمية للاستفتاء فسوف يصدر رئيس الجمهورية قرارا ــ متوقعا بين لحظة وأخرى ــ بتعيين 90 عضوا فى مجلس الشورى إعمالا للقانون، الذى يفترض أن تنتقل إليه سلطة التشريع بمجرد تمام الإعلان، وتنزع تلك السلطة من رئيس الجمهورية، الذى لن يكون له أى دور فى التشريع بعد ذلك. وكان الموضوع محل مناقشة مستفيضة فى جلسات الحوار التى عقدها نائب الرئيس مؤخرا. وتناولت المناقشات التى جرت كيفية تمثيل القوى السياسية من ناحية فى قائمة التسعين، وكيفية تمثيل أكبر قدر من الكفاءات والخبرات القانونية فى مجلس الشورى الذى يفتقد إليها ومعايير اختيار المرشحين. وقد فهمت أن فكرة استبعاد الإسلاميين من حيث المجموعة طرحت فى البداية، باعتبار أنهم ممثلون بما فيه الكفاية داخل الأعضاء المنتخبين فى مجلس الشورى (حوالى 80٪ من أعضائه)، لكن تلك الفكرة عدل عنها لأن البعض اعتبرها «إقصاء» لا لزوم له. وبعد أخذ ورد استبعد خلاله اقتراح تمثيل السلفيين بنسبتهم فى مجلس الشورى، تم الاتفاق على أن يكون عدد الإسلاميين فى حدود 20 شخصا فقط على أن يكونوا من ذوى الخبرة القانونية. أما الباقون (70 عضوا) فسيكونون من غير ممثلى التيار الإسلامى، وفى حالة تقديم القوى المدنية بمرشحيها فسيكون ذلك هو الأصل فى الاختيار، أما إذا آثرت استمرار المقاطعة والامتناع عن المشاركة فى مجلس الشورى، فسوف يتم ترشيح آخرين من الخبراء المستقلين. من قبل أمانة لجنة الحوار الوطنى. وقد تم إعداد تلك البدائل بالفعل فى ضوء المعايير والنسب التى تم الاتفاق عليها.
قد تبدو تلك قراءة متفائلة نسبيا لأحداث الأسبوع، وهو أمر لا غضاضة فيه. فالحديث النبوى يقول: تفاءلوا بالخير تجدوه. لكننى أرجو أن تكون الأيام القليلة القادمة بداية عودة الرشد إلى جميع المتعاركين من قيادات معسكرى الموالاة والمعارضة، وانتقالهم من ساحة الاقتتال الذى أنهك الوطن وأوقف حاله، إلى ساحة القتال دفاعا عن الوطن وحلمه فى الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. وأرجو ألا ينبرى واحد من المتحزبين الذين أدمنوا الاعتصام فى ميدان التحرير طوال الأشهر الماضية ليسألنى: ماذا تعنى كلمة وطن؟!
الربيع العربي على الاخوان
بقلم: باسل محمد عن الصباح العراقية
ما يحدث في مصر و تونس بالتحديد من حراك ضد جماعة الاخوان المسلمين التي وصلت الى السلطة في الدولتين بعد سقوط انظمتها الدكتاتورية، يمثل ربيعاً جديداً ليس على حسني مبارك و زين العابدين بن علي هذه المرة بل على محمد مرسي و راشد الغنوشي!
يعني اندلاع ربيع عربي على الاخوان وهم يمثلون التيار الاسلامي المعتدل بشكل عام ان المخاوف التي يطرحها البعض من احتمال وصول تنظيم القاعدة المتطرف و التنظيمات المرتبطة به الى السلطة بعد سقوط المزيد من الدكتاتوريات في العالم العربي لا اساس لها من الصحة لأن الشارع بدا غير راض عن الاسلاميين المعتدلين فما بالك بالاسلاميين المتطرفين ومن ثم فأن هذا الحراك ضد الاخوان هو مؤشر ايجابي بالطبع.
من اهم دلالات التحرك ضد جماعة الاخوان في تونس و مصر ان هذه الجماعة لم تستوعب قضيتين جوهريتين في الثورات العربية ضد الدكتاتوريات العلمانية القمعية الاولى، تتعلق بالحريات فلا يمكن للشارع العربي ان يسمح بقيام دولة دينية او دولة بتأثيرديني يكون شغل اصحابها الشاغل هو الحد من حقوق و حريات الفرد. و الثانية، ترتبط بمشروع نهضة ذي بعد اقتصادي و علمي يمنح المجتمع المزيد من كرامة العيش و فرص التطور عبر العالم واذا كان الاخوان سينشغلون في بناء مشروع السلطة و الهيمنة على اركان الدولة فالامر لن يختلف عن دكتاتورية مبارك وبن علي و القذافي و الاسد و صدام الذين لم يحكموا بالدين لكنهم مارسوا اعلى مستويات الفساد و الاستبداد.
الخشية ان يؤدي وجود حكومات اخوانية في العديد من الدول العربية الى اندلاع نزاعين، نزاع مع القوى السياسية المدنية التي تؤمن بسقف عال من الحريات و المشاركة و الاعلام الحر وحوار الاديان و الحضارات والثقافات .. و نزاع آخر مع الاقليات الدينية التي باتت تتخوف من انحسار هويتها و خصوصيتها اذا كان الاخوانيون او السلفيون يفكرون بفرض بعض القناعات على هذه الاقليات.
من منظور علم الاجتماع السياسي، فأن حركة سياسية منظمة مثل جماعة الاخوان المسلمين التي بقيت في ضفة المعارضة السياسية لثمانية عقود او اكثر بقليل وقد عانت طوال هذه الفترة الطويلة من انواع البطش من قبل الدكتاتوريات العلمانية القمعية، يمكنها بعد هذه التجربة ان تكون مشروع دكتاتورية اشد قمعاً و فساداً لأن هذا التاريخ الطويل من الشعور بالظلم قد يتحول الى ذريعة نفسية و سلوكية للنيل من الآخر.
المثير للقلق ان اغلب قيادات الاخوان الحاليين في مصر او تونس او الاردن او سورية هم من الجيل الثاني لقيادة الاخوان في المنطقة بمعنى ان هذه القيادات لازالت متأثرة بشكل كبير بقيادة الجيل الاول المؤسس، كما ان مفهوم ظهور قيادات شابة في الاخوان او قيادات اصلاحية هو امر ثبت انه ضرب من الخيال بدليل ان مقولة الحمائم و الصقور في جماعة الاخوان اتضح انها لا تعني اي شيء لجهة التغيير الجذري وان مضمون هذه المقولة هو مجرد اسقاط خاطىء في مكان خطأ.
بالنهج السياسي المقارن، فأن جماعة الاخوان التي تتبنى الايديولوجيا الدينية مثلها مثل اي نظام حكم تبنى الايديولوجيا القومية في الاوقات السابقة بمعنى ان حزب البعث في العراق او الحزب الوطني في مصر او التجمع الدستوري الديموقراطي في تونس كانوا جميعاً يحتكرون المناصب و المجالات الحيوية في الدولة و لا يسمح لأي مواطن له كفاءة علمية بالتواجد في هذه المناصب و المجالات الحيوية ما لم يكن من حزب السلطة . المشكلة ان الاخوان مارسوا هذا النهح في وقت كانوا فيه معارضة في مؤسساتهم و مشاريعهم الاقتصادية و التجارية و الخيرية، فكيف سيكون الحال وهم اليوم في قلب السلطة!!
الخلاصة، ان الاخوان و البعث و الدستوري و الوطني وغيرهم من القوى المعروفة لا يؤمنون بأن دولهم يجب ان تكون دول مواطنة لا دول اخوان و بعث ووطني و دستوري اي ان الرئيس مرسي في مصر او الغنوشي في تونس مثلهم مثل صدام و مبارك و بن علي و القذافي والآخرين لا يعيرون اي اهمية لما يملكه هذا المواطن من افكار و مهارات في التنمية، فالاساس و المهم في منح المناصب القيادية في الدولة لما
يمكله هذا المواطن من قناعات وعقائد سياسية بالأخوان.
الرئيس يريد إسقاط الشعب
بقلم: خالد عبدالعزيز السعد عن السياسة الكويتية
حين قامت ثورة الشباب في مصر في 25 يناير 2011 اختطفها حزب الإخوان المسلمين بانتهازية, ومراوغة مقيتة ثم ظنوا انهم ثوار حقيقيون مع رئيسهم ومرشدهم وصاروا اسرى لهذا الوهم الخادع, رغم انهم حتى لم يكونوا شركاء في تفجير هذه الثورة ولم ينخرطوا فيها إلا بعد أن فرض الشباب شرعيته في تغيير النظام, ودفع من أجل ذلك الدم الغالي, بل إن هذا الحزب الانتهازي كان يحاور أركان النظام السابق ثم عقدوا صفقة مع الجيش, وتآمروا على الثورة في موجتها الثانية التي انطلقت من ميدان التحرير وشارعي محمد محمود, وشارع القصر العيني في يوم 2011/11/11, ثم بعد انتخاب محمد مرسي رئيساً بفارق ضئيل مع منافسيه, جاءت ضربتهم الغادرة بالاعلان الدستوري تحت ذريعة تحصين الثورة, وصار رئيساً ديكتاتورياً ولكن بعباءة دينية شمولية.
ثم يأتي الغدر الثاني حين سلقوا دستوراً مهلهلاً لا يليق بمصر ومكانتها, أاغلب واضعيه من جماعة الاخوان المسلمين ومناصريهم من قوى الإسلام السياسي يصادر حقوق العمال, والفلاحين ويصادر حقوق المرأة, والاقباط, والنوبة, والثقافة ويضيق على الحريات العامة ويجرم الثقافة التي لا تخدم اغراضهم, والفنون, فثورة 25 يناير المصرية لم تكن حقا أو ملكية حصرية لأي جماعة أو حزب أو فصيل.
لكن الاستفتاء على الدستور المشوه شق الصف المصري بين مؤيديهم ومعارضيهم, بل إن هذا الاستهتار الاخوانجي تخطى البعد الجماهيري الى السلطة القضائية التي سحب منها الرئيس مرسي صلاحياتها وقيمتها التي كانت تتمتع بها, وهي الحامية الأولى للدولة المصرية واحدى قلاع هذه الدول,ة فوقف القضاء المصري ضد الاعلان الدستوري, وضد الاستفتاء على الدستور المسلوق في ساعات معدودة وفي ظروف قاسية ومتشنجة وفيه من العيوب والثغرات ما ينقي عنه صفة الدستور, بل انه يكشف النوايا المبيتة ضد الاعلام وضد السلطات الثلاث التشريعية, والتنفيذية, والقضائية ويكشف استبدادية نجدها متجذرة في فكر وادبيات هذه الجماعة التي لا تقر بشراكة وتنفي حق الآخر في التعبير, فالمشهد بعد ان سالت دماء الشباب والصحافيين والنشطاء السياسيين اصبح واضحا وصريحا بين ما قاموا بالثورة, ومن اختطفوها بين قوى كافحت للتقدم خطوة لمحو الاستبداد, وقوى الاسلام السياسي التي تريد العودة الى الوراء خطوات.
لقد استعجل الاخوان المسلمون بالكشف عن وجههم القبيح وحبهم للتملك والتسلط, ولو سالت الدماء البريئة بالهراوات والسواطير والسكاكين فتمزق الرأسمال الحقيقي لهم وتعرض للاهتراء خاصة ان سجلهم فارغ من اي انجاز وطني او اقتصادي او تنموي او صحي, او تعليمي اللهم الا التشدق بالماضي الذي بناه رجال ونساء متوافقون وزمانهم, ان لدى مصر من الازمات ومخزون الالم الستراتيجي تعجز الحواسيب الذكية على احصائه سواء تعلق الامر بالبطالة والفقر والمرض, والامية والعشوائيات وزاد عليها هذه الفوضى التي احدثها الاخوان المسلمون في ارض الكنانة, ولكن النيل قد يفيض ولن يرضى في الالفية الثالثة بعروس او رشاوى تلقى اليه, فما دفعه المصريون في العصر الحديث من الشقاء والألم والاذلال يؤهلهم لحياة أقل شقاء, وديمقراطية أقل ارتهانا لحزب شمولي - ديكتاتوري وانتهازي منذ نشأته.
فهناك عشرات الملايين ممن يسمون حزب الصامتين على وشك الصراخ فلا مكان اليوم من بين هذه المديونيات المتورمة بحيث تصرخ جماعة باسقاط الرئيس, وجماعة اخرى تصرخ باسقاط الشعب وتدجينه, ومنع الأوكسجين عنه, وقد تكون من بديهيات الناحية السيكولوجية ان فائض الحرمان تكون قطفته الأولى لحظة اندلاعية عمياء لكن لحظة العمى هذه مؤقتة وليست مستمرة بلا حدود, لهذا لابد من أن نقول للوطنيين الكويتيين والمدنيين واصحاب الفكر المستنير ألا ينخدعوا من طرح حزب الاخوان المسلمين بمقاطعة برلمان 2012/12/1 وتنظيم التظاهرات حسب وجهة رياح الاخوان المسلمين السامة, فالمفاضلة ليست بين السيئ والأسوأ اللهم الا اذا فرضت النكاية ثقافتها وأعرافها فقد اتضح مرارا وبالعين المجردة ان هذه الجماعة تعبث ببوصلة الشباب بحيث يتحول من تكامل الى تآكل ودينامية مضادة للجمع هي الطرح والقسمة, والضرب وافتراس الوعي وهم الذين جعلوا من الموت المجاني حرفتهم فأي دين وأي فلسفة وأي علف فكري يعدونه للشباب بين جماعة قرروا ألا يسمعوا إلا أصداء أصواتهم العالية والخالية من أي معيار.
عالم مجنون
بقلم: عبد السلام بارودي عن البلاد الجزائرية
توشك قطعة “الدومينو” السورية على السقوط لتضع نهاية حتمية لطاغية من بلاد الشام تجبّر واستكبر، لكن ليس الأسد وحده من سيسقط، بل منطقة بأكملها ستؤول إلى المزيد من الدمار والخراب.
في مصر تحشد الأحزاب مناصريها ضد الدستور الذي سيطرح اليوم للاستفتاء، تملأ الشوارع والساحات والميادين بالآلاف منهم، منددين بالتراجع عن الديموقراطية. وفي اليمن وضع غير مستقر يتأرجح بين السلم والحرب، وفي أكثر من بلد عربي تعيش الأمة غارقة في فوضى الأشياء.
إن النظام العربي مفلس بلا شك، عاجز عن صياغة منظومة حكم عصري شفاف، نظام غارق في عصبيته وأوهامه معتقدا أنه الوحيد من يحرص على سلامة الوطن. أما بدائل الحكم فهي غير مهيّئة تماما لتقبل قواعد اللعبة المحلية والاقليمية والدولية.
والظاهر على خريطة تلك البدائل حركات وجمعيات وجماعات اسلامية تطرح نفسها كبديل للمنظومة “الوطنية”، هذه الكيانات الاسلامية تستمد قوتها من ضعف النظام العربي القائم، مثلما تستمد شعبيتها من أخطاء هذا النظام. وفي الخارج يبحث الغرب عن شريك مقبول في العالم العربي.. حتى لو كان الشيطان، ومثلما تحالف الغرب مع أنظمة ستالينية ديكتاتورية وتعايش مع حماقاتها وتغافل عن جرائمها، يمكن للنظام الغربي البراغماتي أن يتعايش مع أنظمة منغلقة تحكم شعوبها وهي مرتدية عباءة الخليفة.
أما التيار العلماني الأبله فهو مغترب لا يحظى بالقبول في العالم العربي لأنه يبتعد بالشعوب نحو التغريب بعد كل خطوة يخطاها. وما يجري اليوم في العالم العربي هو حصيلة منطقية لكل التناقضات التي تملأ الشارع العربي في الرأي السياسي والقرار الحكومي وفي الصحف والإعلام ودوائر صنع القرار التي تعيش تخبطا نتيجة الشرخ الحاصل بين مجموعاتها المتناحرة بعيدا عن الرأي العام.
هذه الصورة تجعل من العرب عالم مجنون بلا بوصلة تحدد وجهته الحقيقية، في مصر يريد 80 مليون شخص أن يحكم ويصدر القرارات ويسير البلد والأمر نفسه في ليبيا وفي تونس وفي كل البلدان العربية. أما القوى الغربية فهي تتعامل مع العرب كمن يتعامل مع المريض المصاب بمرض مزمن قاتل.. الغرب ينتظر لحظة احتضارنا، فهو يطوّق كل المنافذ والحدود من حولنا من أفغانستان إلى العراق وفلسطين ومنطقة الساحل مستغلا المُعظلة الأمنية في شمال مالي، دون أن ننسى البحر، نعم في البحر يضع ترسانة متحركة من الأسلحة والغواصات وحاملات الطائرات، في البحر الأحمر والبحر الأبيض والمحيط الهادي والأطلنطي. أما في السماء فهو يضع ترسانة من الأقمار الصناعية الموجهة لأغراض عسكرية واستخباراتية تجسسية… أليس هذا العالم مجنونا بالقدر الذي يجعله غير خاضع لأي ارتباط أو قوانين وحدود؟
وغير بعيد عن ديار العرب، لا تزال بلاد فارس تغضب لهذا الاسم وهي التي تسمي الخليج العربي بالفارسي وليس الإسلامي.. في هذه الديار يتحدث الناس عن السلاح النووي، ورغم أنهم يهددون بضرب اسرائيل فإن أي استعمال لهذا السلاح سيضع حدا لحياة مئات الآلاف من عرب اسرائيل أو الخط الأخضر وسيدمر جزءا من الأردن وربما حتى الجنوب اللبناني وفي وسط هذا الجنون في رسم استراتيجية تدمير العدو الشرس للعرب في منطقة الشرق الأوسط، حتى بهذا الحلم سيجد العرب أنهم ضحية تدمير اسرائيل، هكذا يقول المحللون العرب الذين يحذروننا من خطر ايران، لكن هذه الأخيرة لا تسعى لأن تكون عامل استقرار في المنطقة، فهي تسعى لتحقيق أهدافها دون وعي بالآثار الناجمة عن هذا الطموح الجامح، وفي العراق سعت لأن تبسط نفوذها لكنها أجّجت حربا طائفية وفي مناطق من السعودية تعمل على نفس الهدف كما في البحرين والكويت وغيرها. وإذا كان للعرب الكثير من الخطايا نحو إيران، فإن طهران لها أيضا الكثير من الخطايا بحق العرب، فهي تعمل بلا هوادة من أجل تفكيك النسيج المذهبي في البلدان العربية، بينما يتحالف العرب مع أمريكا على حصار ايران وتقويض قوّتها.. أليس هذا جنون آخر من هذا العالم المجنون؟
ستعرف الأجيال القادمة مدى فداحة الأخطاء التي يرتكبها قادة بلدانهم بحق المستقبل الذي سيكون حاضرهم، لهذا من غير المستبعد أن تظل الأزمات متحكّمة بعالمنا العربي.. إلى حين.<hr>