الثلاثاء
8 /1/2013
أقلام وآراء من الصحف العبرية
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
في هــــــذا الملف
اليوم الذي يلي الاسد
بقلم: أفرايم سنيه عن هآرتس
اقتراب عاصفة هيغل
بقلم: يعقوب احيمئير،عن اسرائيل اليوم
المواجهة قادمة في مدينة اللد
بقلم: جدعون ليفي واليكس ليبك ،عن هآرتس
من يخشى الحكم الذاتي؟
بقلم: اليكيم هعتسني ،عن يديعوت
الوضع على الارض لا رجعة عنه
بقلم: شالوم يروشالمي ،عن معاريف
مطلوب تفكير عملي
بقلم: عاموس جلبوع ،عن معاريف
اليوم الذي يلي الاسد
بقلم: أفرايم سنيه عن هآرتس
تقترب نهاية نظام الاسد في سورية، وذلك حتمي وإن لم يكن التاريخ معلوما. وقد امتنعت اسرائيل الى الآن، وحسنا فعلت، عن أي تدخل في الحرب الأهلية، لكن حان وقت أن تُبين لمن سيحكم سورية بعد سقوط الاسد أي نظام علاقات تريد ان تُنشئه معهم. ورغم ان هوية السلطة الجديدة وطابعها غير معلومين، فانه توجد أهمية لمجرد المبادرة الاسرائيلية. وعلى كل حال فان الهدوء والاستقرار اللذين ميزا حدود سورية مع اسرائيل مدة 35 سنة ما عادا مفهومين من تلقاء أنفسهما، ولم تعد الاتفاقات التي تم التوقيع عليها مع الاسد الأب سارية المفعول، فيجب على اسرائيل ان تصوغ بديلا عنها تقبله سورية ويكون مؤمنا لها هي نفسها.
آمن كثيرون الى ان بدأت الحرب الأهلية بأن الانسحاب من هضبة الجولان واعادتها الى سيادة سورية ثمن من المناسب دفعه عن السلام مع سورية، وقد كان للسلام معها مزايا استراتيجية كان أهمها فصلها عن ايران. وتغير الواقع. فلن يوصي حتى مؤيدون بارزون لـ'الجولان مقابل السلام' بتنازل استراتيجي مهم بهذا القدر لدولة تزعزع استقرارها الداخلي بشدة، ولا يتضح البتة طابعها في المستقبل. وليس من المسؤولية العودة الى الصيغة القديمة في الوضع الجديد الذي توجد فيه قوات سلفية قرب الحدود في الجولان.
ما الذي تستطيع اسرائيل اذا ان تعرضه على سورية بعد الاسد؟ يجب ان يقوم العرض الاسرائيلي على حاجات سورية الأساسية وأولها اعادة إعمار الدولة. وتستطيع اسرائيل ان تعرض عليها اتفاق عدم اعتداء لعشر سنين أو عشرين. ويعفي هذا الاتفاق سورية من الحاجة الى بناء جيش حديث وكبير يكلف تسليحه وصيانته المليارات. إن التزام اسرائيل الصريح ألا تعتدي يُسهل على دمشق ان تؤخر كل نفقة حربية لا داعي اليها. وهو يوجب على سورية ضمنا ان تكف عن خطاب اعادة الجولان بالقوة. ولا يجب ان يكون هذا الشرط شرطا مكتوبا موقعا عليه، لكن يجب ان تلتزم سورية في نطاق الاتفاق الجديد ان تفي بعدة شروط يعفي نقضها اسرائيل من التزاماتها:
منع كل مساعدة لحزب الله في لبنان مباشرة أو غير مباشرة.
إبعاد كل القوى غير النظامية (المنظمات السلفية ومؤيدي القاعدة في الواقع) عن الحدود مع اسرائيل مسافة كبيرة يتم الاتفاق عليها.
الحفاظ بالفعل على اتفاق تقليل عدد القوات في هضبة الجولان.
إبقاء قوة الامم المتحدة في هضبة الجولان وتجديد تفويضها.
الامتناع عن كل شراء أو تطوير آخر لاسلحة الابادة الجماعية. إن اقتراحا كهذا سينقل الى السلطة الجديدة التي ستنشأ في دمشق رسالة ارادة خيِّرة ويضبط انضباطنا، وتستطيع اسرائيل ان تربح فقط من مجرد تقديمه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
اقتراب عاصفة هيغل
بقلم: يعقوب احيمئير،عن اسرائيل اليوم
بدأوا في أروقة مجلس الشيوخ الامريكي يشحذون السيوف استعدادا للمعركة السياسية الكبيرة، مع استقرار رأي الرئيس اوباما على تعيين تشاك هيغل، السناتور الجمهوري السابق، وزيرا للدفاع مكان ليون بانيتا.
يتوقع ان يعلن اوباما التعيين هذا الاسبوع وأخذت تلاحظ علامات تنذر بالعاصفة التي توشك ان تهب قُبيل مباحثات المساءلة في هذا الشأن. إن نظرة هيغل الانتقادية جدا الى اسرائيل تعتبر واحدة من التعليلات المركزية عند معارضي التعيين، وهم شيوخ من الحزبين. وهناك تعليل مركزي آخر هو معارضته الشديدة لكل عملية عسكرية موجهة الى منشآت ايران الذرية وتفضيل مفاوضة الولايات المتحدة لنظام آيات الله على اطلاق الصواريخ على المنشآت الذرية.
عبر الرئيس اوباما علنا في الاسبوع الماضي فقط عن تقديره لهيغل، الذي كان جنديا نال أوسمة الشجاعة مرتين في حرب فيتنام. ويتفق الاثنان تماما على الحاجة الى اجراء اقتطاعات واسعة من ميزانية الدفاع، ويتوقع اوباما ان يستطيع هيغل تحقيق هذه التقليصات في ايام الضائقة الاقتصادية. وعلى العموم فان هيغل في كل ما يتعلق بتدخل الولايات المتحدة العسكري وراء البحر هو 'متمايز' و'حمامة' في تصوراته العامة.
أصبح ناشطون من اجل اسرائيل في واشنطن يستعدون للمعركة الكبيرة على التعيين ولا يحجمون عن التعبير عن آرائهم، أن الشيوخ يجب ان يصوتوا معترضين على هيغل بعد انتهاء المساءلة الآسرة والمصيرية التي ستجري معه في لجنة مجلس الشيوخ، بل يوجد من يرون في الجهاز المؤيد لاسرائيل في تصويت الشيوخ الذين يعلنون بأنهم من مؤيدي اسرائيل، امتحانا رئيسا لموقفهم ذاك. تقترب ساعة الحقيقة ولا يكفي الكلام الجيد.
لا عجب من ان أحد المؤيدين المتحمسين لترشيح هيغل وزيرا للدفاع هو بات بيوكنان وهو شخصية محافظة واعلامية وسياسية كان مرشحا للرئاسة. فقد عبر بيوكنان طوال سنين في مقابلة صحافية أجريتها معه ايضا عن معارضة شديدة لكل مساعدة مالية امريكية لاسرائيل مهما تكن صبغة الحكومة السياسية في القدس. ويؤيد بيوكنان ايضا المحادثة بين الولايات المتحدة وحماس وحزب الله. ويقوم في مقابله إييف فوكسمان، رئيس الاتحاد المعارض للتشهير، الذي عارض التعيين علنا. وينبغي ان نذكر مع ذلك ان أصحاب أعمدة صحافية كثيرين مهمين في وسائل الاعلام الامريكية يؤيدون تعيين هيغل، ومن بين المؤيدين المتحمسين ايضا توم فريدمان، العامل في صحيفة 'نيويورك تايمز'.
فشل اوباما من قبل في محاولته ان يعين في وزارة الخارجية البديلة عن هيلاري كلينتون: فقد اضطرت المعارضة الشديدة في مجلس النواب لتعيين سوزان رايس المندوبة في الامم المتحدة، اضطرتها الى اسقاط ترشحها، رغم أنها مقربة من الرئيس جدا. فهل يكون هذا الاعتزال بمنزلة 'مقدمة' لما يُنتظر قريبا بترشيح تشاك هيغل لمنصب وزير الدفاع القادم؟ أشك كثيرا. لأنه يصعب على الرئيس اوباما في بداية ولايته ان يُسلم لفشل آخر ولن يدع تعيين هيغل وزيرا قادما للدفاع يسقط.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
المواجهة قادمة في مدينة اللد
الواقع البائس للاحياء العربية في مدينة اللد خاصة بعد دخول النواة التوراتية الى المدينة يهدد بانفجار الوضع فيها
بقلم: جدعون ليفي واليكس ليبك ،عن هآرتس
إن المدخل الى المقبرة الاسلامية القديمة في اللد مُغطى بأكوام التراب والوحل والقمامة. ويجب المرور من خلالها لدخول باب المقبرة. وقد دُفن هنا قدماء المدينة والى جانبهم عدد من مقتوليها في الآونة الأخيرة. وفي المقابل ترتفع بيوت الحي الجديد، رمات اليشيف، لليهود المتدينين فقط: وهي أبراج شقق حسنة ما يزال بعضها في طور البناء جُصصت بلون رمادي بحسب الموضة مع أبواب حديدية كهربائية تحمي مواقف السيارات ومنظر قبور عربية من النوافذ. وعلى الشارع النافذ انتصبت لافتة تثير التساؤل فيها: 'الدخول لسكان الشارع فقط'.
إن عمالا عربا يُعبدون الآن شارعا وأرصفة لحي فيه 450 شقة بُنيت بمبادرة من 'غرعين هتوراني'. وقد أصبح يسكن هنا في هناءة شيلا وشوشي، وتسفيكا وافرات، وشرئيل واليراز، ونتنئيل وتسيلا، كما كُتب على صناديق بريدهم. وتخفق لافتات انتخابات يظهر فيها 'شيء جديد يبدأ البيت اليهودي' بريح الشتاء على عدد من شرفاتهم. 'جاء الى الحي فتى جديد' يقول في شعور بالمرارة سامي وهابنة الذي كان في الماضي رئيس جمعية الصداقة الاسلامية. قام هذا الحي على أنقاض حي المقبرة العربية التي أُبعد سكانها من هنا.
بُني مشروع مشابه آخر غير بعيد من هناك: 'أحوزات نوف نرييه' بتسويق من 'هإمونه سكن للجمهور المتدين'. وقد اهتم إبن وهابنة بشراء شقة هناك وأسمعنا أبوه تسجيل المحادثة مع رجل المبيعات: يقول الابن انه متدين لكنه ليس يهوديا وبذلك انتهت المكالمة. إن هذين الحيين الجديدين هما الآن مثل اصبعين في عيون السكان العرب الذين لا يستطيعون سوى ان يحلموا لأنفسهم بحي مشابه، وهما الموضوع الذي يثير اللد.
أصبحت يهودا والسامرة هنا، في نظر السكان العرب على الأقل الذين هم نحو ربع سكان المدينة المختلطة والذين يُسمون جيرانهم الجدد 'مستوطنين' ويُسمون حيهم 'بؤرة استيطان'. وغزة ايضا هنا: فان عددا من أحياء المدينة يُذكر باهمالها بأدنى مخيمات اللاجئين. فلم تعد توجد مدينة كاللد على مبعدة ربع ساعة من تل ابيب، في بؤسها ومبانيها المهدومة وفقرها وجرائمها وضائقتها. والآن ينقلون اليها مئات السكان الجدد من اليهود المتدينين القوميين، إما لتطويرها وإما لتهويدها، واللد العربية هائجة ثائرة فوارة تهدد بالانفجار. في مساء اليوم الطويل الذي قضيناه فيها هذا الاسبوع قال لنا الشيخ يوسف الباز، إمام المسجد الكبير: 'ستكون مواجهة والامر أمر وقت فقط. فقد رقصوا من قبل مع رشاشات عند باب المسجد. قلت لناسي: من دخل المسجد بسلاح فاقتلوه. ومن ضايق فتياتنا سنقتله. يجب ان يكون واضحا للدولة أنها اذا أرادت ان تخرجنا من هنا فستضطر الى أن تدفننا هنا لأننا لن نخرج أحياء'.
إن مدينة العُسر هذه التي يحاول الآن رئيس اللجنة المُستدعاة مئير نيتسان ان ينقذها بقدر ما من النجاح؛ المدينة التي عرفت ثمانية رؤساء بلدية في 15 سنة، مدينة 'بطاقات الاعتماد' والثأر، وذاكرة 1948 ومنحنيات الجريمة المتصاعدة، ربما تُدفع الآن الى أخطر ساعاتها. إن جزءا من سكانها العرب على الأقل يرون دخول 'النواة التوراتية' اعلان حرب، لا أقل من ذلك. ويراه كثيرون آخرون زيادة قوة مهمة للمدينة البائسة. قال لنا حانوتي عربي: 'هذا هو المضاد الحيوي للعرب'.
ففي اللد يعرف السكان العرب ايضا ان دخول اليهود فقط سيفضي الى تطوير المدينة التي تضاءلت في السنوات الاخيرة بسبب من هربوا منها الى شوهم وموديعين المجاورتين الأكثر نجاحا.
التنقل في المدينة خطير، ففيها شوارع أفارقة، وطرق وحل وحواجز تراب واشارات المرور مثل توصية فقط. واطلاق النار هنا أمر عادي ايضا. شاهدوا المسلسل الوثائقي الممتاز 'اللد بين اليأس والأمل'، الذي أنتجه أوري روزنفيكس وإيال بلحسن (ويذاع الآن في القناة الثامنة في هوت) وشاهدوا وجه المدينة. إن كل الشوارع تحمل أسماء يهودية، جادة الجيش الاسرائيلي وشارع القادة، وافتتح فيها في الآونة الاخيرة ايضا ميدان البلماح الذي كان مسؤولا عن الطرد الكبير. وتحولت أحياء الفقر اليهودية مثل رمات أشكول على مر السنين الى أحياء عربية أكثر فقرا واهمالا. لكن المركز الجماهيري 'شيكاغو' في الحي منذ سنوات، تحول الى 'معون معوز' للنواة التوراتية. وتحولت المدرسة الابتدائية على اسم الحاخام ميمون التي أُغلقت بسبب نقص من الطلاب اليهود الى مدرسة دينية تمهد للخدمة العسكرية ترتفع فوقها ستة أعلام لاسرائيل واسم الشارع: إكسودس.
في عيد الأنوار الأخير خرج طلاب المعهد الديني التحضيري وسكان النواة التوراتية في مسيرة مشاعل وأعلام في الشوارع. وأنشدوا 'جئنا نطرد الظلام'، وفهم السكان العرب الرسالة واقتنعوا أنها موجهة اليهم. ورفع المعلم أنور أبو غزل علم فلسطين واعتقل فورا، وكانت تلك اشارة سوء العلاقات. في يوم الجمعة قبل نحو من عشرة ايام، جاء الرد فكانت مظاهرة لرافعي أعلام فلسطين من قبل جميع الحركات العربية في المدينة.
التقينا قرب كنيس المهاجرين من الهند مع أهارون اتياس، المدير العام للمعهد والروح الحية للنواة التوراتية. وهو ابن المدينة وهو مبتسم وليّن الحديث ونشيط في البيت اليهودي يحاول رد جميع الريب. انه يحب مدينته ويريد أن يأتيها بالنماء ولا يريد أن يُهودها. يهاتفه فتى اثيوبي يقول إن أخاه جُرح ليلا باطلاق نار من عرب حتى إن ذلك لم تُبلغ عنه وسائل الاعلام. ويعد اتياس بأن يهاتف برهان تغانيا من قسم الاخبار في القناة الثانية. حينما سُرح اتياس من الخدمة العسكرية فكر في الانتقال الى مستوطنة أفنيه حيفتس واستقر رأيه في نهاية الامر على البقاء في مدينته، فهو يقول: 'الانتقال من هنا يعني الهرب'.
يشهد اتياس على نفسه بأنه 'يفكر في اسرائيل على الدوام'، وهو يتحدث في القيم: 'أنا أشعر بأن شعب اسرائيل موجود في اللد. يجب علينا ان نقوم بعمل صهيوني طلائعي وإلا ضاعت اللد منا. جئنا الى اللد بـ400 عائلة صهيونية متدينة ونحن مشحونون بالايديولوجية والباعث على الفعل. إن شعب اسرائيل يهمنا ويهمنا الحفاظ على صبغة اللد اليهودية. لو ان الوسط العربي قرأنا قراءة جيدة لاستطاع الاستفادة من وجودنا، سنبني بعون الله اللد'. هل كنت تريد أن ترى اللد من غير عرب؟ 'تعال نشغل أنفسنا بالواقع ونترك لكل واحد حلمه. ليس في حلمنا أنه يجب طرد أحد ما. في اللد أكثرية يهودية يجب الحفاظ عليها وتقويتها'.
في مكاتب فرع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة المهلهلة في المدينة تعرض أمينة سر الفرع، مها النقيب، صورة مختلفة بالطبع فتقول: 'جاءوا مع أجندة واضحة لدخول الأحياء العربية وتحرير مركز المدينة من الاحتلال العربي. وقد حصلوا على الاراضي من مديرية اراضي اسرائيل بنصف المجان. عندهم قاعة رياضية لا يوجد مثلها لأية مدرسة عربية في المدينة. وقد صبرنا على كل ذلك، لكن حينما بدأوا يخرجون في مسيراتهم كالمستوطنين في تل الرميدة بالضبط مع بنادق وأعلام اسرائيل وهم ينشدون 'شعب اسرائيل حي' و'جئنا نطرد الظلام'، لم يعد ذلك ساذجا. ولا يمكن ان نخطئ في هذا الامر فهذا ليس احتفال عيد الأنوار. نحن لا نعارض الأعياد، فالأعياد أجمل شيء أوجدته الأديان. انه تحرش. لم توجد قط مسيرات في المدينة فقد كان اليهود يحتفلون في الكنس. وقد بلغ السيل الزبى. انهم مستوطنون. إننا نريد جيرانا يهودا حقا. لأننا نعلم بذلك أنهم سيجمعون القمامة ويوجد نقل عام. لكن حينما يأتون مع أجندة هي أنهم يريدون طردنا وتهويد اللد فانهم مستوطنون بالطبع'.
يهبط المساء على المدينة لكن الظلام في هذه المدينة التي ليست فيها اضاءة لا يخفي بؤسها والتوتر الذي يسودها. تُقدم آخر وجبات المسبحة في مطاعم الحمص في مركز المدينة القديمة، وهناك كنيسة الى جانب مسجد وكنيس وأنقاض بيوت حجرية قديمة مدهشة أصبحت أكوام تراب في 1948، ولم يُجهد أحد نفسه في إعمارها منذ ذلك الحين. توجهنا الى حي القطار الذي قد يكون أكثر الأحياء بؤسا، الى بيت الشيخ الباز. في طرف طريق ترابي مظلم يقوم البيت ذو الطبقة الواحدة وهو غير قانوني بالطبع مثل آلاف البيوت الاخرى في هذه المدينة. استقبلنا الباز عند باب بيته يلبس جلبابا رماديا، وأسرع الى وضع كوفيته الحمراء على رأسه. وليس داخل البيت كخارجه فهناك صالون مصبوغ بالرمادي والبنفسجي، ودراجة لياقة بدنية في الركن. وبسط الشيخ بلغة عبرية سلسة دعاواه على الشرطة التي لا تحقق ولا تحل أسرار وقائع القتل الكثيرة في جمهوره، وسارع الى الانتقال الى رمات اليشيف.
'بنوا هنا حيا وبدأوا ينقلون مستوطنين اليه. وجاء هؤلاء المستوطنون وبدأوا يرقصون في الشوارع وينشدون شتى الأناشيد من التوراة ويتحرشون'. يُقدم واجب الضيافة من الفواكه والكعك والشاي والعصير وينضم الى الحديث المحامي خالد الزبارجة من الحركة الاسلامية، كالشيخ، وهو محامي الشيخ رائد صلاح. 'في يافا وعكا واللد والخليل، هؤلاء نفس الاشخاص الذين يقتلعون اشجار الزيتون للفلسطينيين، وهي نفس الايديولوجية المدمرة لا لنا فقط بل لدولة اسرائيل ايضا'، يقول الزبارجة. 'اذا استمروا على حالهم فلن نستمر على حالنا نتحمل ونضبط أنفسنا. إننا نقرأ الخريطة بصورة جيدة جدا ونحن نعلم ما هي مقاصدهم. إن تاريخ هؤلاء الناس مدمر'.
'منذ نشأت الدولة حافظنا على النظام في هذه المدينة. كل واحد في حاله. ويوجد نسيج لطيف جدا في اللد. ليست المشكلة مع هؤلاء الاشخاص. فهم جُبناء ولا يخيفوننا. إن ما يقلقنا هو الحماية التي يحصلون عليها من السلطات. لم تكن لنا مشكلة قط مع يهود في المدينة لكن قصد هؤلاء المستوطنين هو الى طرد العرب من المدن المختلطة. قبل دولة اسرائيل لم نبع المخدرات في اللد. فهنا ليست شيكاغو ولم نولد مع ثقافة فاسدة بل أدخلتها الحكومة مع سياستها العنصرية. نحن نعلم ان الدولة تريد ان تطردنا ولن ندع هذه السياسة تتحقق. إن النواة التوراتية تنمو مثل سرطان. وهم يحولون الكراهية علينا'. ويبتسم الشيخ ويقول: 'إننا ننتظر الشاحنات التي ستأتي لتأخذنا'. وقد سمع بالفيلم الجديد 'حُماة الحمى' وهو يريد ان يسافر الى السينما تيك في تل ابيب ليشاهده، وهو ليس على ثقة من أنهم سيدعونه يدخل في زيه الاسلامي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
من يخشى الحكم الذاتي؟
بقلم: اليكيم هعتسني ،عن يديعوت
رُسمت خريطة الشرق الاوسط السياسية بعد الحرب العالمية الاولى بزمن قصير، بعد انقضاء 400 سنة على الحكم العثماني. فوجدت العراق وسورية ولبنان و'فلسطين' ارض اسرائيل من العدم بصفة 'بلدان انتداب'، وهي مناطق أُديرت بتفويض من عصبة الامم لمصلحة العرب المحليين، وفي فلسطين لمصلحة 'الوطن القومي للشعب اليهودي'.
وقد امتد هذا الوطن الى حدود العراق عن ضفتي الاردن. واعترفت القوى العظمى الى اعترافها بالشعب اليهودي بالطوائف فقط التي ضمنت حقوقها الدينية والمدنية. ولم تعرف هذه الطوائف جنوب سورية أنها 'شعب' يسمى 'فلسطينيا'. وحينما طرد الفرنسيون الملك فيصل من سورية فقط وأُنشئت في ارض اسرائيل سلطة انتداب فلسطين وقعوا على الاختراع العبقري، وهو كونهم 'شعبا فلسطينيا' له حق في وطن قومي خاص به.
عزز الفلسطينيون هويتهم الجديدة بسلسلة أحداث شغب لم تتوقف الى اليوم. وقد حاول البريطانيون في سنة الموافقة على الانتداب في 1922 ان يهدئوا جأشهم بتقسيم البلاد. فسلموهم ثلاثة أرباع المنطقة، أعني كل الضفة الشرقية للاردن، لكن عبثا. وفي غرب الاردن في الربع الباقي استمرت الهجمات. وأُعطي الأمير عبد الله شرق الاردن، الذي أصبح بعد ذلك المملكة 'الاردنية' لا 'الفلسطينية' وإن كان العرب يرون ان الاردن هو 'فلسطين'، فـ 70 في المئة من سكان المملكة فلسطينيون والباقون بدو لا يدّعون قومية مستقلة. وهكذا عُدل الانتداب البريطاني في واقع الامر لمصلحة شعب آخر فلسطيني حصل على أكثر المنطقة ايضا.
هذا في ظاهر الامر تحقيق لـ'حلم دولتين للشعبين'، لولا ان طلب الشعب الجديد لنفسه دولتين 'الاردن' في الشرق، وفلسطين في الغرب، في يهودا والسامرة وغزة فقط في هذه الاثناء.
أخذ ينتقض الشرق الاوسط القديم الذي تم تشكيله في عشرينيات القرن الماضي. ففي العراق وسورية ولبنان أخذ السنيون والشيعة والدروز والعلويون كل فريق في اتجاه. فالى أين سيتجه الفلسطينيون؟ هناك سيناريوهان يقلقان الأسرة المالكة الهاشمية: بعد ان تحصل الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية على غور الاردن تبتلع الاردن ويُستقبل ذلك باعتباره توحيدا طبيعيا وشرعيا للشعب الفلسطيني. أما السيناريو الثاني فهو أن تثور الأكثرية الفلسطينية في الاردن وتجتاز الاردن من الجهة المقابلة وتكون النتيجة نفسها.
لكن العقدة ستبقى لأنه توجد في المنطقة دولة يهودية ايضا وهي ترى ان الفلسطينيين تكفيهم دولة واحدة. ان يهودا والسامرة عالقتان بين هذه الدولة سواء سُميت الاردن أم فلسطين وبين الدولة اليهودية في الغرب. وهذه المنطقة ينبغي ان تكون جزءا من اسرائيل لأنه يشتمل عليها الربع الذي تُرك لليهود. هذا الى كون الحقوق التاريخية القديمة في هذا المكان لهم وهي تسيطر استراتيجيا على سهل الشارون والساحل، حيث يوجد معظم سكان اسرائيل وقوتها. بيد انه رغم مشروع الاستيطان الذي أصبح نحو ثلث سكان يهودا والسامرة والقدس الشرقية بفضله يهودا، فان الأكثرية الواضحة من سكان يهودا والسامرة وغزة فلسطينيون.
إن المصالحة المطلوبة هي حكم ذاتي بحيث تجري سيادة على الارض وتسن الكنيست أحكام حكم ذاتي في المنطقتين أ و ب. ويصوت السكان مرة لـ 'سلطتهم الذاتية' ومرة ثانية للدولة في الشرق التي سيكونون مواطنيها، أي سيكونون مواطني فلسطين وسكان حكم ذاتي اسرائيلي. فانه بحسب قرار التقسيم الذي صدر عن الامم المتحدة سُمح للعرب من سكان الدولة العبرية وبالعكس ان يختاروا جنسية الدولة المجاورة ويصوتوا هناك. وكانت الخطة في اتفاق اوسلو الذي هو بؤبؤ عين اليسار حكما ذاتيا ايضا: فقد بقي الأمن والعلاقات الخارجية والبنى التحتية العليا والغلاف الاقتصادي والماء والجو والمعابر الحدودية في يد اسرائيل. في الشرق الاوسط الجديد هناك مكان لدولة واحدة لليهود ولدولة يزاد عليها حكم ذاتي للفلسطينيين، لا أكثر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الوضع على الارض لا رجعة عنه
بقلم: شالوم يروشالمي ،عن معاريف
في المقابلة المشوقة مع رئيس المخابرات السابق يوفال ديسكن في 'يديعوت احرونوت' يصف صورة بشعة عن المسيرة السياسية. وحسب ديسكن فان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يريد حقا دولة فلسطينية تقوم في الضفة الغربية، حسب صيغة خطاب بار ايلان الذي القاه هو نفسه في حزيران 2009، بل انه لا يؤمن بها ايضا. وقال ديسكن ان 'نتنياهو يخاف ايديولوجيا السير في خطوة الدولتين، وفضلا عن ذلك فهو ليس مبنيا من حيث الشخصية لاتخاذ قرارات بالحجم الذي اتخذه رابين او شارون'.
في الوضع الناشئ، كما ادعى ديسكن، نحن نسير نحو ورطة شديدة حيال الفلسطينيين، الذين فقد الكثيرون منهم الامل السياسي، وهم الان يمهدون السبيل لمجيء حماس بدلا من أبو مازن، رئيس السلطة الذي تعرف اسرائيل كيف تبعده وتهينه. ويجمل ديسكن النقطة فيقول: 'لا أدري كم من الوقت ستستمر عملية التدهور، وأنا لا اريد ان اقول انها لا رجعة فيها. وأعتقد بالذات انها لا تزال قابلة للتراجع. السؤال هو ماذا نفعل كي يكون هذا قابلا للتراجع'.
اريد أن أخيب أمله أكثر: الوضع منذ زمن بعيد لا رجعة فيه. فقد خلقنا على الارض واقعا اسرائيليا فلسطينيا لا نعرف كيف نتصدى له وليس لدينا زعماء يمكنهم أن يغيروه حتى لو ارادوا ذلك. ولا يهم على الاطلاق ايضا اذا كان لنا شريك فلسطيني أم لا، وذلك لان هذا الواقع الفظيع هو نفسه ليس شريكا للسلام.
في يهودا والسامرة، خلف الخط الاخضر، يسكن اليوم 700 الف نسمة بتقدير الحد الادنى (بما في ذلك في الاحياء في شرق القدس). تعالوا نفترض ان الفلسطينيين مستعدون للتنازل عن الكتل الاستيطانية التي نتحدث نحن وديسكن عنها (وهم بالطبع لا يتنازلون)؛ والمقصود هو كتلة ارئيل الكنا (50 الف مستوطنة على الاقل)، غوش عصيون (30 الف مستوطنة على الاقل)، كتلة معاليه ادوميم (50 الف مستوطنة) وكتلة بيتار عيليت (50 الف مستوطنة). ولا يزال يبقى غيرها قرابة 150 الف مستوطنة في عشرات المدن والمستوطنات التي يتعين اخلاؤهم الى داخل هذه الكتل.
فهل هذا ممكن؟ فكل بؤرة استيطانية يحتلها عشرون فتى من فتيان التلال تدير حربا عالمية. من أجل اخلاء ميغرون تطلب الامر 12 سنة، وعندها ايضا نجحوا في أن يحركوا هذه المستوطنة الصغيرة 500 متر فقط شرقا. هل يمكن لاحد ما أن ينهض وان يخلي اليوم عمانويل، كريات أربع، كرنيه شومرون، بيت ايل، عوفرا، شيلو او الون موريه؟ في الوضع السياسي الناشئ هنا، تتبلور وتتضح قبل الانتخابات أغلبية مطلقة من اعضاء الائتلاف المستقبلي التي تطالب بفرض السيادة على هذه المناطق وعدم اخلائها.
لن يكون رئيس وزراء في اسرائيل قادرا على التصدي لمثل هذا الاخلاء. ديسكن محق: نتنياهو لا يريد أيضا. خطاب بار ايلان كان نوعا من ذر الرماد في العيون. خطوة تكتيكية ليس الا كما تقول تسيبي حوتوبيلي. في كتب سميكة كتبها نتنياهو روى المخاطر المرتقبة من دولة فلسطينية حتى لو كانت مجردة من السلاح وبالاساس بسبب التهديد الديمغرافي. ديسكن يتحدث عن الموت بين الاسرائيليين والفلسطينيين داخل المنطقة، ولكن حتى هكذا فان السياسيين من اليمين يمسكون بعنق رئيس الوزراء ولم يسمحوا له باخلاء مؤسسة مؤطرة واحدة.
هل رئيس وزراء من اليسار قادر على خطوة كهذه؟ لا سبيل. اليمين لن يسمح له بالحراك، ورأينا الى اين وصلنا في عهد اسحق رابين واتفاقات اوسلو. بشكل عام، هل يوجد اليوم رئيس وزراء في اسرائيل يخلي الاف اليهود من احياء مختلطة في شرق القدس؟ من الشيخ جراح، من جبل المكبر، من راس العامود او من الطور؟ ولنفترض أنه يوجد اتفاق على تقسيم البلدة القديمة بين الحارات المختلفة، فهل يتصور احد اخلاء السكان اليهود الذين يسكنون ويتعلمون في الحارة الاسلامية واشتروا هناك منازل حسب القانون؟
الوضع لا رجعة فيه، الامر الذي يعني أننا أقرب الى الكارثة التي يصفها ديسكن في المقابلة من حل لا أمل له؛ الكل مذنبون في هذا الوضع، الذين يؤدون بنا نحو الطريق الصعب الى دولة ثنائية القومية بما في ذلك قادة المخابرات على أجيالهم، الذين يفركون اليوم أيديهم، ولكن كان بوسعهم أن يؤثروا اكثر في الزمن الحقيقي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
مطلوب تفكير عملي
بقلم: عاموس جلبوع ،عن معاريف
كان يفترض بالمواطن الاسرائيلي أن يمتلئ قلقا ورغبة في أخذ قدميه وعائلته من الارض المقدسة في بداية العام 2013. قسم مهم من وسائل الاعلام، بعض السياسيين، بعض الاكاديميين وبعض 'المشهورين' جعلوا له السواد في العينين. هذه المجموعة، التي تسمى 'المتشائمة' مفعمة بالضغينة على مصير دولة اسرائيل؛ فقد أشارت بثقة الى سلسلة مخاطر فظيعة توشك ان تجلب نهاية محتملة للدولة.
القائمة طويلة، وهاكم بعضها فقط: باراك اوباما، الذي يكن الضغينة، سينتقم منا في أحد الايام؛ الانتفاضة الثالثة توشك على الاندلاع وجداول من الدم ستغمرنا؛ توجد ايران، حزب الله ومصر مع 'الاخوان المسلمين'؛ اقتصادنا يقف أمام الهبوط، ومع مئات الاف الجوعى والفقراء فان الدولة لن تتمكن من العيش؛ القيادة الجبانة وغير المسؤولة عندنا لا تساوي فلسا صدئا واحدا؛ بعد الانتخابات التي نتائجها معروفة حكم الظلام سيحل علينا؛ وأخيرا، التطرف من اليمين ومن اليسار يهدد في أن يجعل اسرائيل دولة ثنائية القومية.
قسم مهم من الشرور، وكذا أيضا هذه التوقعات، صحيح في جوهره وهو يكمن في الواقع السائد في الدولة، في المنطقة وفي العالم. ولكن وللعجب، في هذه الايام بالذات نشر استطلاع يفيد بان نحو 76 في المئة من مواطني الدولة متفائلون بشكل شخصي مع حلول العام 2013 ونحو 61 في المئة متفائلون بالنسبة للدولة.
واذا لم تخن ذاكرتي، فمنذ وقت غير بعيد نشر استطلاع من احدى منظمات الامم المتحدة يفيد بان دولة اسرائيل توجد في مكان عال جدا في قائمة الدول التي يستطيب مواطنوها السكن فيها. إذن ماذا يحصل هنا؟ لماذا نجد ان الاقلية، ذات النفوذ الكبير في الاعلام، متشائمة بهذا القدر؟ لماذا ترى كل شيء في ضوء سلبي؟ وما هو السبب في أن معظم الجمهور الاسرائيلي يظهر بالذات تفاؤلا ولا يتمسك بتشاؤم الاقلية الصاخبة؟
برأيي، اذا تجاهلنا الاسباب المتعلقة بالكراهية، بالسياسة الرخيصة وبالتشاؤم البنيوي، ثمة سببان مركزيان للنهج السلبي للاعلام ووكلائه: الاول هو 'حجم النشر' العامل المؤثر الذي يحاول تصميم حياتنا الحديثة. وكنت أقول بشكل شبه بنيوي، فان حجم النشر العالي لا يتحقق الا بعرض الامور السيئة والسلبية، وفقط من خلال التشهير وعدم الثناء. كل بروفيسور شهير يكتب شيئا سيئا عن الدولة وعن الشعب اليهودي يحظى على الفور بمجد اعلامي؛ كل موظف كبير يفتح فمه ضد الحكومة يعانقه الاعلام.
والسبب الثاني هو التفكير الجامد والمحدود، غير المرن. مثل هذا التفكير بشكل عام هو من نصيب دوائر اصولية ومحافل علمانية ايديولوجية 'حقيقية' من اليمين ومن اليسار، وكذا قسم من الاعلام عندنا. في هذا التفكير لا توجد ألوان وسطى، لا توجد ملابسات متغيرة ولا توجد حقائق جديدة.
وسأضرب عن ذلك مثلا من حياتنا اليومية: من ناحية احصائية مثلا، كل مواطن كبير من المتوقع أن يمرض بخمسين مرضا صعبا. في هذا الوضع، فان طبيبا ذا تفكير جامد سيقول للمواطن: 'إعلم أن بانتظارك ان تمرض بالامراض هذه وتلك ليس الا'.
وهنا نصل الى مواطننا المتفائل الذي هو بطبيعته عملي. وهو ملزم بان يهرب الى النزعة العملية كسبيل للعيش؛ وهو يسمع 'الامثلة' عن الامراض، ولكن على الفور يرغب في توازنها. وهو يحكم حسب تجربته عديدة السنين وحسب حقيقته. فيطرح الاسئلة: ما هو مستوى احتمالية أن أمرض بهذه الامراض؟ ما هي وسائل الوقاية ضد الامراض؟ وهل هي في متناول يدي، وغيرها من الاسئلة. المواطن، بعقله السليم، يتبنى شعار 'هذا صحيح ولكن!' وهو يبحث ويجد الايجابي.
في بداية العام 2013 يوجد لدولة اسرائيل امكانية كبيرة للكثير من الامور الايجابية، وكذا ايضا من الامور السلبية الكثيرة. ليس مطلوب لنا ضغينة بل المطلوب بالذات فعل عملي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
